الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمُ
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن كتاب الروح للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله من الكتب النادرة في بابه. وقد وصلت إلينا كتب في النفس لابن سينا (ت 428) وابن باجَّه الأندلسي (ت 533) وفخر الدين الرازي (ت 606) وقطعة من كتاب أبي البركات البغدادي (ت 560)، ولكن كتاب ابن القيم هذا ينتمي إلى فئة أخرى من الكتب، وهي مصنفات محمد بن نصر المروزي (ت 294) وأبي يعقوب النهرجُوري (ت 303) وأبي إسحاق ابن شاقْلا (ت 369) وأبي عبد الله ابن منده (ت 395) والقاضي أبي يعلى (ت 458). ولاسيّما كتاب الحافظ ابن منده "النفس والروح" الذي هو من أهم موارد كتاب الروح، وكان كتابًا كبيرًا.
وكل هذه المصنفات لا علم لنا الآن بوجودها في خزائن الكتب، بل لابن القيم نفسه كتاب آخر كبير ألَّفه قبل كتاب الروح هذا، وسمَّاه "الروح والنفس"، وأحال عليه في هذا الكتاب وغيره، ولكن لم نقف عليه، ولا ندري أضاع فيما ضاع من نفائس تراث ابن القيم أم لا يزال مخبوءًا في زاوية من الزوايا منتظرًا من يفتش عنه ويظهره للناس؟ فكتاب الروح لابن القيم هو الكتاب الوحيد بين أيدينا اليوم من الكتب المصنفة في هذا الباب على منهج السلف.
وأصل هذا الكتاب جواب عن أسئلة سئل عنها المصنف، وهي اثنان وعشرون سؤالًا، معظمها عن أحوال البرزخ وعذاب القبر ومستقر الروح بعد الموت، ومنها أسئلة عن حقيقة النفس وقِدَمها وما إلى ذلك. والمصنف رحمه الله على طريقته في الجواب أفاض وأطنب، وبحث واستقصى، واستطرد فأفاد. فضم كتابه هذا مسائل عظيمة ومباحث مبسوطة وفوائد متنوعة في العقيدة والتفسير والحديث والفقه وتزكية النفس. وقد شهد بعض جلة العلماء بأن ابن القيم رحمه الله قد بلغ في بعض أجوبته من استيعاب وجوه القول وتتبع حجج الخصوم والرد عليها ما لا مزيد عليه. ومن ثم كان كتاب الروح موردًا عذبًا لكلِّ من ألَّف بعده في مسائل الروح وأحوال البرزخ.
وقد طبع كتاب الروح قديمًا في الهند، فكانت طبعته الأولى صدرت سنة 1318، وأعيد طبعه هناك مرات. ثم طبع في مصر سنة 1376. وبعد ذلك صدرت طبعات كثيرة.
وحُقِّق الكتاب لأول مرة سنة 1404 في رسالة علمية عن ثلاث نسخ خطية، وطبعت في الرياض سنة 1406، وكانت تلك خطوة أولى في سبيل إخراج نص الكتاب حسب المنهج العلمي.
ونشرتنا هذه خطوة جديدة في هذا السبيل. وقد اعتمدنا في تحرير نص الكتاب على ست نسخ خطية مع الاستئناس بنسختين أخريين، والرجوع إلى موارد الكتاب وغيرها، فأمكن ــ بفضل الله وحده ــ تصحيح كثير من التصحيفات والأوهام. وأرجو أن يكون النص في هذه النشرة أقرب إلى نص المؤلف مما كان عليه في النشرات السابقة.
وقدمت بين يدي الكتاب فصولًا تعريفية تحدثت فيها عن نسبة الكتاب، وعنوانه، وزمن تأليفه، ومطالبه، وموارده، والصادرين عنه، وأهميته والثناء عليه، ومختصراته، وطبعاته. ثم وصفت النسخ الخطية التي اعتمدت عليها، والمنهج الذي سلكته في إعداد هذه النشرة. وقد أطلت في تحقيق نسبة الكتاب ــ مع أن الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله قد سبق بذلك قبل زمن طويل ــ لأني رأيت فريقًا من الناس لا يزالون في ريبهم يترددون.
وآمل من العلماء والباحثين الأفاضل، إذا وقفوا على خلل أو زلل في تصحيح النص أو التعليق عليه، أن لا يغضُّوا أبصارهم، بل حقُّ العلم عليهم أن ينبِّهوا عليه متفضِّلين مشكورين.
وأشكر الإخوة المسؤولين والعاملين في أقسام المخطوطات في مكتبة الحرم المكي الشريف، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض على ما تكرَّموا به من تصوير النسخ المطلوبة من كتاب الروح وتيسير الاستفادة من غيرها، فجزاهم الله خير الجزاء. وقد سعى أخونا الدكتور عثمان جمعة ضميرية لتصوير مخطوطات الكتاب المحفوظة في مركز جمعة الماجد بدبي، فشكر الله سعيه وجعله في ميزان حسناته.
أسأل الله أن يتقبَّل هذا الجهد المتواضع وينفع به، وأن يجزل المثوبة لمؤلف الكتاب الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الرياض محمد أجمل أيوب الإصلاحي
16 رمضان 1431