الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهمية الكتاب والثناء عليه
المسائل التي احتوى عليها كتاب الروح ــ سواء أكانت رئيسة أم جلبها الاحتجاج أو الاستطراد ــ منها مسائل شريفة هي نفسها في غاية الأهمية لصلتها بالعقيدة أو تزكية النفس. وقد تكون أهميتها راجعة إلى المنهج الذي سلكه ابن القيم في تناولها من حيث الشمول والإحاطة وحشد المذاهب وأدلتها ثم الفصل بينها وترجيح الراجح منها في ضوء الكتاب والسنة.
ومن القسم الأول: المسائل المتعلقة بعذاب القبر. وهي عشر مسائل، ولا سيما المسألة السابعة في الرد على الملاحدة والزنادقة المنكرين لعذاب القبر وسعته وضيقه وقولهم: إنا نكشف القبر فلا نجد فيه ملائكة يعذبون الموتى بمطارق الحديد، ولا نجد هناك حيَّات ولا ثعابين ولا نيرانًا تأجَّجُ. ولو كشفنا حاله في حالة من الأحوال لوجدناه لم يتغير. ولو وضعنا على يمينه الزئبق وعلى صدره الخردل لوجدناه على حاله إلخ.
أشار السيوطي في أبيات التثبيت إلى هذا الاعتراض وجواب القاضي ابن العربي عنه وأن إمام الحرمين نحا نحوه في كتاب الإرشاد، وكذا الغزالي في الإحياء. قال:
وحجةُ الإسلام في الإحياء
…
وكم إمامٍ راح ذا اكتفاء
يريد أن جماعة من الأئمة اكتفوا بجواب القاضي ابن العربي. كذا فسَّره الأمير الصنعاني ثم قال: "واعلم أنه قد بسط الجواب وزاد عليه ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح، ولا غناء عن استيفاء ما ذكره؛ فإن المسألة مهمة، والإيمان بها متعين. قال في بسط كلام ابن العربي وإن لم يتعرض لذكره
لكنه يصلح بسطًا له ما لفظه:
…
"
(1)
. ثم نقل المسألة.
ولأهمية هذا المبحث أفرده بعض علماء الهند وسماه "الرسالة القبرية في الرد على منكري عذاب القبر من الزنادقة والقدرية". ونشرها ضمن مجموعة صدرت باسم "الهدية السعيدية فيما جرى بين الوهابية والأحمدية"
(2)
.
ومن المسائل التي اتسمت بالتتبع الشديد والاستقصاء البالغ: مسألة مستقر الأرواح بعد الموت إلى قيام الساعة. ولم يبالغ ابن القيم إذ قال بعد ذكر مذاهب الناس في ذلك: "فهذا ما تلخص لي من جميع أقوال الناس في مصير أرواحهم بعد الموت، ولا تظفر به مجموعًا في كتاب واحد غير هذا البتة". ومن ثم كلُّ من تكلم على هذه المسألة بعد ابن القيم كان عالةً عليه.
ومنها أيضًا: مسألة حقيقة النفس. وقد حشد في إثبات جسميتها نحو 115 وجهًا. ثم ساق 22 دليلًا للمنازعين وقال في ذلك: "فهذا كل ما موهت به هذه الطائفة المبطلة من منخنقة وموقوذة ومتردية، ونحن نجيبهم عن ذلك كله فصلًا بفصل بحول الله وقوته ومعونته". وقد استغرقت هذه المسألة نحو السُّبع من حجم الكتاب. قال الآلوسي الكبير: "وردَّ هذا المذهب ــ يعني كون الروح جوهرًا مجردًا لا خارج العالم ولا داخله ــ ابنُ القيم في كتاب الروح بما لا مزيد عليه"
(3)
. وقال في موضع آخر: "وتحقيق
(1)
جمع الشتيت (ص 49).
(2)
انظر: ابن قيم الجوزية للشيخ بكر أبو زيد (254).
(3)
روح المعاني (23/ 57).
ذلك بما لا مزيد عليه في كتاب الروح للعلامة ابن القيم عليه الرحمة"
(1)
.
إن قول الآلوسي هذا ــ وهو مَن هو في الاطلاع على كتب الفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة ــ يُعَدُّ شهادة كبيرة بقيمة هذا المبحث من كتاب الروح.
ومن مسائل الكتاب ــ وهي المسألة الخامسة ــ أن الأرواح، بعد مفارقة الأبدان إذا تجردت، بأي شيء يتميز بعضها من بعض، حتى تتعارف وتتلاقى؟ وقد نبَّه المصنف نفسه على أنها مسألة نادرة " لا تكاد تجد من تكلم فيها، ولا تظفر فيها من كتب الناس بطائل ولا غير طائل، ولاسيَّما على أصول من يقول بأنها مجردة عن المادة وعلائقها"
أما المباحث العارضة التي استطرد إليها المؤلف، فمن أهمها: مبحث الفروق في آخر الكتاب، وهو مبحث نفيس أفاض فيها الكلام، وأشاد بأهميته قائلا:"ولا تستطل هذا الفصل، فلعله من أنفع فصول الكتاب، والحاجة إليه شديدة".
ومنها الكلام ضمن المسألة الرابعة على قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: "فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عز وجل". نبَّه المصنفُ على أهميته، وقال:"ولو لم يكن في الجواب إلا كشف هذا الحديث وشأنه لكان حقيقًا أن يُعَضَّ عليه بالنواجذ".
* ولكتاب الروح أهمية أخرى عند المعنيين بالتراث. فقد تضمن نصوصًا من كتب لا تزال مفقودة حتى الآن.
(1)
روح المعاني (30/ 98).
- ومنها كتاب " النفس والروح" لابن منده. نقل نصوصًا منه شيخ الإسلام وابن القيم وابن حجر وغيرهم، ولكن كتاب الروح انفرد بإيراد مقدمة الكتاب، والإشارة إلى بعض أبوابه، في المسألة السابعة عشرة.
- ومنها "نظم القرآن" للحسن بن يحيى الجرجاني. نقل منه ابن القيم نصوصًا بعضها في التفسير البسيط للواحدي.
- ومنها كتاب "البستان" لعلي بن أبي طالب القيرواني العابر. وقد نقل منه ابن القيم أخبارًا عديدة، وهي نصوص نادرة انفرد بها كتاب الروح. ولم أجد نقلًا من الكتاب المذكور إلا في الروض الأنف للسهيلي (1/ 276)، (2/ 66). وقد نقل ابن غنام المقدسي العابر في كتابه "المعلم على حروف المعجم" من "مختصر القيرواني" و"القصيدة الرائية" له، ولكن لم يشر إلى كتاب البستان.
- ومنها: كتاب مسعدة في الرؤيا. ولم أر من ذكر هذا الكتاب.
* وكذلك تضمن نصوصًا من كتب لم ترد في نسخها المطبوعة. ومنها كتاب الملل والنحل لابن حزم، والمجالسة للدينوري. ومنها كتاب القبور لابن أبي الدنيا، أورد منها ابن القيم آثارًا كثيرة، ولما تظهر نسخة كاملة من الكتاب المذكور.
* وأختم هذا الفصل بكلمات في الثناء على الكتاب.
1 -
وأولها كلمة منشئ المقدمة الواردة في نسخة قليج باشا المكتوبة سنة 821. فهو من علماء القرن الثامن وتوفي في التاسع. قال:
"وبعد، فهذا كتاب عظيم النفع، جليل القدر، كثير الفائدة، ما صنف مثله
في معناه، فلا تكاد تجد ما تضمنه من بدائع الفوائد وفرائد القلائد في كتاب سواه".
2 -
وقال شمس الدين السفاريني (ت 1188) في البحور الزاخرة:
"وكتابه هذا من أجلّ ما رأينا في هذا الفن، بل هو أجلّها وأعظمها. ولا ينبغي لمن له رغبة في العلوم أن يجهله ولا شيئًا منه، فعليك به فإنه مفيد جدًّا"
(1)
.
3 -
وقال شهاب الدين الآلوسي (ت 1270) في روح المعاني:
"وهو كتاب مفيد جدًّا يهب للروح رَوحًا، ويورث للصدر شرحًا"
(2)
.
4 -
وقال الشيخ عبيد الله الرحماني المباركفوري (ت 1414) في شرحه لمشكاة المصابيح:
"
…
فعليك أن تطالعه، فإنه كتاب جليل القدر، ما صنف مثله
في معناه"
(3)
.
5 -
وقد أثنى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على فصل الفروق، فقال:
" ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح بحثًا مهمًّا في الفرق بين الصفات الكريمة والصفات الذميمة، والفرق بين صفات أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهو بحث جدير بالعناية والمراجعة. رحم الله كاتبه رحمة واسعة"
(4)
.
(1)
البحور الزاخرة (1/ 100).
(2)
روح المعاني (15/ 156).
(3)
مرعاة المفاتيح (1/ 218).
(4)
الفوائد المتنوعة للشيخ ابن باز (73).