الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب التأليف وبناء الكتاب
كتاب الروح من الكتب التي ألفها ابن القيم إجابة عن سؤال أو أسئلة عُرضت عليه. مثله مثل الداء والدواء، والطرق الحكمية، وكتاب الصلاة، وكتاب السماع، والمنار المنيف وغيرها. يدل على ذلك قوله في آخر المسألة الأولى: "والمقصود: جواب السائل
…
"، وقوله: "وأما المسألة السابعة: وهي قول السائل
…
"، ونحوه في الثامنة والتاسعة. وقوله: "وأما المسألة العاشرة، وهي قوله
…
". ونحوه في الرابعة عشرة. وكذا قوله في آخرها: "وسيأتي إن شاء الله تمام لهذه في جواب السؤال عن انتفاع الأموات بما تهديه إليهم الأحياء" يعني المسألة السادسة عشرة.
مثل هذه الكتب التي بنيت على الاستفتاء، منها ما خلا من خطبة الكتاب وافتتح المؤلف فيه جوابه بعد "الحمد لله" مباشرة نحو الداء والدواء. وردت في أوله صورة الاستفتاء ثم "فأجاب الشيخ الإمام
…
رضي الله عنه: الحمد لله. ثبت في صحيح البخاري
…
". ومثله في كتاب السماع. ومنها ما استهله بخطبة قصيرة نحو كتاب الصلاة.
أما كتاب الروح فلا صورة فيه للاستفتاء ولا خطبة، وإنما بدأ الجواب بقوله:"أما المسألة الأولى" كما صرح بذلك أحد النساخ. ولا شك أن المؤلف قد افتتح جوابه بالحمدلة أو نحوها كما في الداء والدواء، وكان على تلامذته أو غيرهم ممن عني بنسخ كتابه أن يتبعوا في ذلك أصل المؤلف، وليس فيه ما يبعث على الاستغراب، ولكن جماعة منهم لم يعجبهم خلوُّ مثل هذا الكتاب الجليل من الخطبة، فتكلفوا وتطوعوا بإنشاء مقدمات له من عندهم. وقد حملت إلينا النسخ التي بين أيدينا ثلاثة نماذج
منها، وسنثبتها عند وصف النسخ المعتمدة في التحقيق.
أما المسائل التي اشتمل عليها كتاب الروح فهي: إحدى وعشرون مسألة. وذلك حسب ترقيمها في جميع النسخ الخطية التي بين أيدينا إلا نسخة واحدة (ن)، وكذا في النسخ المطبوعة. وذلك راجع إلى ترقيمها في أصل المؤلف. وقد نص على هذا العدد في مقدمة عدد من النسخ، ومنها نسخة الظاهرية ــ وهي أقدم النسخ ــ فجاء فيها: "أما بعد، فهذا كتاب مشتمل على إحدى وعشرين مسألة في الأرواح وما يتعلق بها
…
". وأكد برهان الدين البقاعي (ت 885) ذلك في مقدمة سر الروح فقال: "وهو إحدى وعشرون مسألة".
أما النسخة (ن) فعدد المسائل حسب ترقيمها اثنتان وعشرون مسألة. وذلك أن المؤلف بعد المسألة السادسة، وهي أن الروح هل تعاد إلى الميت في قبره وقت السؤال أو لا؟ قال: "وهذا يتضح بجواب المسألة، وهي قول السائل: هل عذاب القبر على النفس أو على البدن
…
؟ ".
يظهر أن هذه المسألة ــ وهي من جملة المسائل المعروضة عليه كما تفيد عبارة "قول السائل"، وهي مسألة طويلة ــ قد ألحقها المؤلف فيما بعد، وتركها غفلًا دون ترقيم، لأن ذلك يقتضي تغيير الترقيم لأربع عشرة مسألة من الثامنة إلى الحادية والعشرين، إن كان أضافها بعد الفراغ من المسألة الأخيرة.
وهذه الإضافة كانت سببًا لاضطراب في النُّسَخ، فناسخ (ق) رقَّم المسألة الملحقة بالسابعة، والسابعة بالثامنة، وأبقى التاسعة على حالها، فتكررت فيها التاسعة.
أما النسخة (ن) وكانت هي ــ أو أصلها ــ جريئة في إصلاح المتن، فرقمت المسألة الملحقة بالسابعة، ثم أصلحت الترقيم في سائر المسائل، فبلغ عددها 22 مسألة.
هل هذه المسائل الاثنتان والعشرون التي أجاب عنها المؤلف كلها كانت معروضة عليه، أو أضاف هو بعض المسائل إتمامًا للكلام على مسألة أو نظرًا إلى أهميتها؟
يلوح هذا التساؤل في مقدمة النسخة (ط) التي قال كاتبها ضمن ثنائه على الكتاب: "يشتمل على جملة من المسائل تتضمن الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة والآثار وأقوال العلماء الأخيار، لا أدري أسئل مصنفه ــ قدس الله روحه ــ عنها فأجاب أم سئل عن البعض ولكن هو أطال الخطاب، فإني رأيته مجردًا عن خطبة وسؤال أصلًا، مبتدأ فيه بقوله: (أما المسألة الأولى هل يعرف الأموات بزيارة الأحياء أم لا؟) ".
ومما يثير السؤال أننا نقرأ في المسألة الخامسة قول المؤلف: "ولا يمكن جواب هذه المسألة إلا على أصول أهل السنة
…
والقول إنها ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل .. وعلى هذا أكثر من مائة دليل، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير في معرفة الروح والنفس، وبيَّنَّا بطلان ما خالف هذا القول من وجوه كثيرة وأن من قال غيره لم يعرف نفسه".
ثم إذا وصلنا إلى المسألة التاسعة عشرة في حقيقة النفس وجدناها مصداقًا لما ذكره هنا عن كتاب الروح والنفس. فهي مسألة كبيرة أطال فيها الكلام، وذكر مائة وستة عشر دليلًا (حسب تعديده) على قوله، ثم أورد
اثنتين وعشرين حجة للخصم ثم ردَّ عليها جميعًا. فهل هذه المسألة لم تكن من المسائل المعروضة عليه أو كانت معروضة لكن كانت نيته أن يتناولها بالاختصار، وأن يحيل للتفصيل على كتاب الروح والنفس، بيد أنه لما تكلم عليها غيَّر رأيه؟
يؤيد الاحتمال الأخير أنه لو كانت الإجابة عن السؤال المذكور على هذا الوجه من الإضافة والإطناب مقصودة من بداية الأمر لأحال هناك على هذه المسألة التاسعة عشرة بدلًا من الإحالة على كتاب الروح والنفس. كما فعل في المسألة الخامسة عشرة، إذ قال: "
…
فالقول الصحيح غيره، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، إذ ليس الغرض في جواب هذه المسألة الكلام في الأرواح هل هي مخلوقة قبل الأجساد أم لا؟ ". فأحال على المسألة الثامنة عشرة من هذا الكتاب، ولم يحل على كتابه الكبير في الروح والنفس، مع أن هذا البحث لا بد أن يكون من أهم موضوعاته.
بل لعل المؤلف لم يكن في باله وهو يكتب عنوان المسألة التاسعة عشرة أن يتوسع في الكلام عليها، فإنه لم يقتصر فيه على سؤال واحد بل ضمَّنها ثلاثة أسئلة، فقال: "وأما المسألة التاسعة عشرة وهي: ما حقيقة النفس
…
؟ وهل هي الروح أو غيرها؟ وهل الأمارة واللوامة والمطمئنة نفس واحدة لها هذه الصفات أم هي ثلاث أنفس؟ ".
وصنيعه هذا في العنوان يدل على أنه كان يريد أن يتكلم تحته على المسائل الثلاث ويختم بها الكتاب. والمسألة الأولى منها هي التي تحتاج إلى إفاضة القول، فيتكلم عليها بشيء من التفصيل ويحيل للتوسع في أدلته والرد على المنازعين على كتابه الكبير في الروح والنفس. ولكنه لما خاض
في المسألة بدا له ــ فيما أظن ــ أن ينقل المسألة برمتها أو بشيء من التصرف من كتاب الروح والنفس.
ومثل هذا حصل في المسألة الثالثة في الكلام على النفس المطمئنة والنفس اللوامة، فقد انجرَّ الكلام إلى ذكر بعض الفروق، والمؤلف له عناية خاصة بها لأهميتها في الدين، فقد قال:"إن الدين كله فرق"، فأطلق العنان لقلمه الفياض وتكلم على خمسة وثلاثين فرقًا، ثم توقف قليلًا لتنبيه القارئ على خطر باب الفروق، ثم عاد فتكلم على ثمانية فروق ختم بها الكتاب.
فلو علم المؤلف أن المسألة الأولى من المسائل الثلاث ستستغرق نحو 44 صفحة (من الطبعة الهندية) والثالثة نحو 82 صفحة في حين أن الثانية لا تحتاج إلا إلى خمس صفحات فحسب= لو علم ذلك واستقبل من أمره ما استدبر لم يجمعهن قط في مسألة واحدة، وهي المسألة التاسعة عشرة. وقد اضطر لما اتسع الكلام على الأولى إلى إفراد الثانية بالعشرين والثالثة بالحادية والعشرين، ولكن بقي ذكر الثلاث كلها في المسألة التاسعة والعشرين كما كان، وفات المؤلف أن يعود إليها ليحذف الثانية والثالثة من عنوانها.
وإليكم الآن مسائل الكتاب حسب ترتيب المؤلف:
1 -
هل تعرف الأموات بزيارة الأحياء وسلامهم عليهم أو لا؟
2 -
أرواح الموتى هل تتلاقى وتتزاور وتتذاكر أو لا؟
3 -
هل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات؟
4 -
هل تموت الروح أو الموت للبدن وحده؟
5 -
الأرواح بعد مفارقة الأبدان إذا تجرّدت فبأي شيء يتميز بعضها من بعض حتى تتعارف وتتلاقى
…
؟
6 -
هل تعاد الروح إلى الميت في قبره وقت السؤال أو لا؟
* هل عذاب القبر على النفس والبدن أو على أحدهما، وهل يشارك البدن النفس في النعيم والعذاب أو لا؟
7 -
ما جوابنا للملاحدة والزنادقة المنكرين لعذاب القبر وسعته وضيقه .. ؟
8 -
ما الحكمة في كون عذاب القبر لم يذكر في القرآن
…
؟
9 -
ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟
10 -
ما الأسباب المنجية من عذاب القبر؟
11 -
السؤال في القبر هل هو عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار أو يختص بالمسلم والمنافق؟
12 -
هل سؤال منكر ونكير مختص بهذه الأمة أو يكون لها ولغيرها؟
13 -
هل يمتحن الأطفال في قبورهم؟
14 -
هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟
15 -
أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى القيامة؟
16 -
هل تنتفع أرواح الموتى بشيء من سعي الأحياء او لا؟
17 -
هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟
18 -
هل تقدم خلق الأرواح على الأجساد أو تأخر خلقها عنها؟
19 -
ما حقيقة النفس؟
20 -
هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران؟
21 -
هل النفس واحدة أم ثلاث؟
إذا نظرنا في هذه المسائل تبين لنا:
أ- أن معظم المسائل تتعلق بأحوال البرزخ.
ب - أن عشر مسائل منها في عذاب القبر والسؤال فيه.
ج- أن المسألة السادسة عشرة منها وهي مسألة إهداء القرب على الميت من مسائل الفقه أيضًا.
د- أن خمس مسائل منها ــ وهي: حقيقة النفس وقدمها وحدوثها، وصلتها بالروح، وتقدم خلقها على الأجساد أو تأخره، والموت له أو للبدن فقط ــ مما تعرض له الفلاسفة أيضًا.
هـ- المسألة الحادية والعشرون ــ وهي في النفس المطمئنة واللوامة والأمارة ــ من أهم مسائل تزكية النفس.
و- بعض المسائل صغير الحجم، وبعضها مطول. ومن المسائل المطولة: مسألة مستقر الأرواح (15) وإهداء القرب إلى الميت (16) وحقيقة النفس (19).
وقد انطوت هذه المسائل على مباحث أخرى مهمة منها: باب نفيس مطول من الفروق، ومسألة تلقين الميت، وتفسير قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172]، وقوله تعالى:{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الآية [الزمر: 42]، وغير ذلك.