الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ويجب على المصلي تطهير ثوبه
لنص القرآن {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ولقوله صلى الله وسلم عليه لمن سأله: هل يصلي في الثوب الذي يأتي فيه أهله فقال: نعم إلا أن يرى فيه شيئاً فيغسله. أخرجه أحمد وابن ماجه ورجال إسناده ثقات ومثله عن معاوية قال: قلت لأم حبيبة هل كان النبي صلى الله وسلم عليه يصلي في الثوب الذي يجامع فيه قالت: نعم إذا لم يكن فيه أذى. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات ومنها حديث خلعه صلى الله وسلم عليه النعل أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وابن خزيمة وابن حبان وله طريق عن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا ومنها الأدلة المتقدمة في تعيين النجاسات وبدنه لأنه أولى من تطهير الثوب ولما ورد من وجوب تطهيره ومكانه من النجاسة لما ثبت عنه صلى الله وسلم عليه من رش الذنوب على بول الأعرابي ونحو ذلك، وقد ذهب الجمهور إلى وجوب تطهير الثلاثة للصلاة وذهب جمع إلى أن ذلك شرط لصحة الصلاة وذهب آخرون إلى أنه سنة والحق الوجوب فمن صلى ملابساً لنجاسة عامداً فقد أخل بواجب وصلاته صحيحة والشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط كما قرره أهل الأصول لا يصلح للدلالة عليها إلا ما كان يفيد ذلك مثل نفي القبول أو نحو:"لا صلاة لمن صلى في مكان متنجس" أو النهي عن الصلاة في المكان المتنجس لدلالة النهي على الفساد. وأما مجرد الأمر فلا يصلح لإثبات الشروط اللهم إلا على قول من قال: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده فليكن هذا منك على ذُكْر فإنك إن تفطنت له رأيت العجب في كتب الفقه فإنهم كثيراً ما يجعلون الشيء شرطاً ولا يستفاد من دليله غير الوجوب وكثيراً ما يجعلون الشيء واجباً ودليله يدل على الشرطية والسبب الحامل على ذلك عدم مراعاة القواعد الأصولية والذهول عنها. والحاصل: أن ما دل على الشرطية دل على الوجوب وزيادة وهو تأثير بطلان المشروط وما دل على الوجوب لا يدل على الشرطية لأن غاية الواجب أن تاركه يذم أما أنه يستلزم بطلان الشيء الذي ذلك الواجب جزء من أجزائه أو عارض من عوارضه فلا فمن حكم على الشيء بالوجوب وجعل عدمه موجباً للبطلان أو حكم على الشيء بالشرطية ولم يجعل عدمه موجباً للبطلان فقد غفل عن هذين المفهومين
وفي المقام أدلة مختلفة ومقالات طويلة ليس هذا محل بسطها. وستر عورته لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} . قلت: الزينة ما وارى عورتك ولو عباءة قاله مجاهد والمسجد الصلاة ولما وقع منه صلى الله وسلم عليه من الأمر بسترها في كل الأحوال كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ملكت يمينك" قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال: "إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها" قلت: فإذا كان أحدنا خاليا قال: "الله تبارك وتعالى أحق أن يُستحيا منه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وعلقه البخاري وحسنه الترمذي وصححه الحاكم ومن ذلك قوله صلى الله وسلم عليه: "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت" أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبزار وفي إسناده مقال ولكنه يعضده حديث محمد بن جحش قال: مر رسول الله صلى الله وسلم عليه على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال: "يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة" أخرجه أحمد والبخاري في صحيحه تعليقاً وأخرجه أيضا في تاريخه والحاكم في المستدرك وروى الترمذي وأحمد من حديث ابن عباس مرفوعا: "الفخذ عورة" وأخرج نحوه مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وعلقه البخاري وقد عارض أحاديث الفخذ عورة أحاديث أخر وليس فيها إلا أنه صلى الله وسلم عليه كشف عن فخذه يوم خيبر أو في بيته ولا يصلح ذلك لمعارضة ما تقدم، وورد في الركبة ما يفيد أنها تُستر وما يخالف ذلك وأما المرأة فورد حديث:"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وقد روي موقوفاً ومرفوعاً من حديث عائشة ومن حديث أبي قتادة ومما يفيد وجوب ستر العورة أحاديث النهي عن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتق المصلي منه شيء وفي بعضها: "فليخالف بين طرفيه" وفي بعضها: "وإن كان ضيقا فاتزر به" وكلها في الصحيح، ولكن ليس فيها ما يستفاد منه الشرطية التي صرح بها جماعة من المصنفين وحديث الخمار إذا انتهض للاستدلال به على الشرطية فهو خاص بالمرأة وقد عرفت مما سلف أن الذي يستلزم عدمه عدم الصلاة أي بطلانها هو الشرط أو الركن لا الواجب
فمن زعم أن من ظهر شيء من عورته في الصلاة أو صلى بثياب متنجسة كانت صلاته باطلة فهو مطالب بالدليل ولا ينفعه مجرد الأوامر بالستر أو التطهير فإن غاية ما يستفاد منها الوجوب. ولا يشتمل الصماء لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى أن يشتمل الصماء وهو في الصحيحين وفي لفظ فيهما: وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بطرفيه على عاتقه، وأخرج نحوه الجماعة من حديث أبي سعيد واشتمال الصماء: هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانباً ولا يبقى ما يخرج منه يده. "ولا يسدل" لحديث النهي عن السدل في الصلاة وهو عند أحمد وأبي داود والترمذي والحاكم في المستدرك وفي الباب عن جماعة من الصحابة. والسدل: هو إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه بل يلتحف به ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك، "ولا يسبل" لما ورد من الأحاديث الصحيحة من النهي عن إرسال الإزار والمراد بالإسبال أن يرخي إزاره حتى يجاوز الكعبين. "ولا يكفت" لأنه قد ورد النهي عن أن يكفت الرجل ثوبه أو شعره أما كفت الثوب فكمن يأخذ طرف ثوبه فيغرزه في حجزته أو نحو ذلك، وأما كفت الشعر فنحو أن يأخذ منه خصلة مسترسلة فيكفتها في شعر رأسه أو يربطها بخيط إليه أو نحو ذلك، "ولا يصلي في ثوب حرير" والأحاديث في ذلك كثيرة وكلها يدل على المنع من لبس ثوب الحرير الخالص. وأما المشوب فالمذاهب في ذلك معروفة: فبعض الأحاديث يدل على أنه إنما يحرم الخالص لا المشوب كحديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود قال: إنما نهى رسول الله صلى الله وسلم عليه عن الثوب المصمت من القز. قال ابن عباس: أما السدي والعلم فلا نرى به بأسا وبعضها يدل على المنع كما ورد في حلة السيراء فإنه غضب لما رأى عليا قد لبسها وقال: "إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشققها خمراً بين النساء" وهو في الصحيح والسيراء قد قيل إنها المخلوطة بالحرير لا الحرير الخالص وقيل إنها الحرير الخالص المخطط وقيل غير ذلك ولكنه قد ورد في طرق من طرق هذا الحديث ما يفيد أنها غير خالصة فأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه والدورقي هذا الحديث بلفظ قال علي: أُهدي إلى رسول الله
صلى الله وسلم عليه حلة مسيرة إما سَداها وإما لُحمتها، فذكر الحديث. "ولا ثوب شهرة" لحديث من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر وهذا الوعيد يدل على أن لبسه محرم في كل وقت فوقت الصلاة أولى بذلك. وأما الثوب المصبوغ بالصفرة والحمرة فالأدلة في ذلك متعارضة فلهذا لم نذكره وقد أفرده الماتن برسالة مستقلة "ولا مغصوب" لكونه ملك الغير وهو حرام بالإجماع، "وعليه استقبال عين الكعبة" إن كان مشاهدا لها أو في حكم المشاهد وجوباً لأنه قد تمكن من اليقين فلا يُعدل إلى الظن والأحاديث المتواترة مصرحة بوجوب الاستقبال بل هو نص القرآن الكريم {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وعلى ذلك أجمع المسلمون وهو قطعي من قطعيات الشريعة، وغير المشاهد ومن في حكمه يستقبل الجهة بعد التحري لأن ذلك هو الذي يُمكنه ويدخل تحت استطاعته ولم يكلفه الله تعالى مالا يطيق كما صرح بذلك في كتابه العزيز، وقد جعل النبي صلى الله وسلم عليه بين المشرق والمغرب قبلة كما في حديث أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه ومثل ذلك ورد عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، وقد استقبل النبي صلى الله وسلم عليه الجهة بعد خروجه من مكة المكرمة وشرع للناس ذلك. أقول: استقبال القبلة هو من ضروريات الدين فمن أمكنه استقبال القبلة تحقيقاً فذلك الواجب عليه مثل القاطن حولها المشاهد لها من دون قطع مسافة ولا تجشم مشقة ومن لم يكن كذلك ففرضه استقبال الجهة وليس المراد من تلك الجهة الكعبة على الخصوص بل المراد ما أرشد إليه صلى الله وسلم عليه من كون بين المشرق والمغرب قبلة فمن كان في جهات اليمن وعرف جهة المشرق وجهة المغرب توجه بين الجهتين فإن تلك الجهة هي القبلة وكذلك من كان بجهة الشام يتوجه بين الجهتين من دون إتعاب للنفس في تقدير الجهات فإن ذلك مما لم يرد به الشرع ولا كُلّف به العباد والمحاريب المنصوبة في المساجد والمشاهد المعمورة في بلاد المسلمين الذين لهم عناية بأمر الدين مغنية عن التكلف وكذلك أخبار لعدول المرضيين كافية فإن من قال: هذه جهة القبلة أو عمّر محراباً يأوي إليه الناس لا شك أنه قد بلغ من التحري ما يبلغه من أراد تأدية صلاة أو صلوات في مكان من الأمكنة لأن معرفة