الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صوم التطوع
"يُستحبّ صيام ست من شوال لحديث: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر" أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي أيوب، وفي الباب أحاديث قال في الحجة البالغة: والسر في مشروعيتها أنها بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة تكمل فائدتها بالنسبة إلى أمزجة لم تتام فائدتها بهم وإنما خص في بيان الفضيلة التشبه بصوم الدهر لأن من القواعد المقررة أن الحسنة بعشر أمثالها وبهذه الستة يتم الحساب انتهى. أقول: ظاهر الحديث أنه يكفي صيام ست من شوال سواء كانت من أوله أو من أوسطه أو من آخره ولا يشترط أن تكون متصلة به لا فاصل بينها وبين رمضان إلا يوم الفطر وإن كان ذلك هو الأولى ولأن الاتباع وإن صدق على جميع الصور فصدقه على الصورة التي لم يفصل فيها بين رمضان وبين الست إلا يوم الفطر الذي لا يصح صومه لا شك أنه أولى، وأما أنه لا يحصل الأجر إلا لمن فعل كذلك فلا لأن من صام ستا من آخر شوال فقد أتبع رمضان بصيام ست من شوال بلا شك وذلك هو المطلوب. "وتسع ذي الحجة" لما ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من حديث حفصة عند أحمد والنسائي قالت: أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر. وأخرجه أبو داود بلفظ: كان يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وأول اثنين من الشهر والخميس. وقد أخرج مسلم عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صائما في العشر قط، وفي رواية: "لم يصم العشر قط" وعدم رؤيتها وعلمها لا يستلزم العدم وآكد التسع يوم عرفة، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "صوم يوم عرفة يكفّر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء يكفّر سنة ماضية". وأما صيام شهر "محرم" فلحديث أبي هريرة عند مسلم وأحمد وأهل السنن أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سئل
أي الصيام بعد رمضان أفضل؟ فقال: "شهر الله المحرم" وآكده يوم عاشوراء لما ورد فيه من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه ثم قال: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر"، وقد تقدم أنه يكفر سنة ماضية، وثبت في مسلم وغيره أنه لما أمر بصيامه قالوا يا رسول الله: إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى فقال: "إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وعليه أهل العلم، واستحب أكثرهم أن يصوم التاسع والعاشر، وفي العالمكيرية: ويكره صوم يوم عاشوراء مفردا انتهى. وفي الباب أحاديث أخرى أوردها الشيخ عبد الحق الحنفي الدهلوي فيما ثبت من السنة في أيام السنة. أقول: أما شهر المحرم فلا ريب أنه قد خصه دليل صحيح ناطق بأنه أفضل الصيام المتطوع به ولم يعارضه في هذه الأفضلية إلا ما قيل في صوم يوم عرفة وقد ذكر الجمع الماتن رح في شرح المنتقى. وشعبان لحديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلى شعبان يصل به رمضان أخرجه أحمد وأهل السنن وحسنه الترمذي وفي الصحيحين من حديث عائشة ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله. وفي لفظ: وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان. "والاثنين والخميس" لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الاثنين والخميس. أخرجه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه، وأخرج نحوه أبو داود من حديث أسامة بن زيد وأخرجه أيضا النسائي وفي إسناده مجهول مع أنه قد صححه ابن خزيمة. وأخرج أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تعرض الأعمال كل اثنين وخميس فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم" وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه". "وأيام البيض" لحديث أبي قتادة عند مسلم وغيره. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله". وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان وصححه من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا
صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" وفي الباب أحاديث. قال في الحجة البالغة: وقد اختلفت الرواية في اختيار تلك الأيام فورد: "يا أبا ذر" إلخ وورد كان يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس وورد من غرة كل شهر ثلاثة أيام وورد أنه أمر أم سلمة بثلاثة أولها الاثنين والخميس ولكل وجه انتهى.
"وأفضل التطوع صوم يوم وإفطار يوم" لحديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صم في كل شهر ثلاثة أيام" قلت: فإني أقوى من ذلك فلم يزل يرفعني حتى قال: "صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داود عليه السلام". قال في الحجة البالغة: واختلفت سنن الأنبياء عليهم السلام في الصوم فكان نوح عليه السلام يصوم الدهر وكان داود عليه السلام يصوم يوما ويفطر يوما وكان عيسى عليه السلام يصوم يوما ويفطر يومين أو أياما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم ولم يكن يستكمل صيام شهر إلا رمضان وذلك أن الصيام ترياق والترياق لا يستعمل إلا بقدر المرض وكان قوم نوح عليه السلام شديدي الأمزجة حتى روي غنهم ما روي، وكان عليه السلام ذا قوة ورزانة وهو قوله صلى الله عليه وسلم. وكان لا يفر إذا لا قي. وكان عيسى عليه السلام ضعيفا في بدنه فارغا لا أهل له ولا مال فاختار كل واحد ما يناسب الحال، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم عارفا بفوائد الصوم والإفطار مطلعا على مزاجه وما يناسبه فاختار بحسب مصلحة الوقت ما شاء. ويُكره صوم الدهر لحديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد" وهو في الصحيحين وغيرهما، وأخرج أحمد وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من صام الدهر ضُيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه" ولفظ ابن حبان: "ضُيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين" ورجاله رجال الصحيح، وهذه الأحاديث من أعظم الأدلة الدالة على أن صوم الدهر مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم لأنه نزّل صوم صائم الدهر منزلة العدم في الحديث الأول وفي رواية:"لا صام من صام الدهر ولا أفطر" والحديث صحيح، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من نهيه صلى الله عليه وسلم لابن عمرو لما أراد أن يصوم الدهر
وقال له: "لا تفعل"، وقال لما بغله عن المتكلفين في العبادة أنهم سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم فاستقلوها فقال أحدهم: أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أقوم ولا أنام، وقال الثالث: لا أنكح النساء فقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" وأما تقريره صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو قال له يا رسول الله: إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ قال: "إن شئت" كما أخرجه الشيخان وغيرهما فليس فيه دليل على صوم الدهر لأن السرد يصدق بصوم أيام متتابعة وإن كانت بعض سنة فضلا عن أكثر منها ومن جملة الوعيد لمن صام الدهر حديث أبي موسى المتقدم وهذا وعيد شديد ومن زعم أنه ترغيب في صوم الدهر فلم يصب. وإفراد يوم الجمعة لحديث جابر في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم نهى عن صوم يوم الجمعة. وفي رواية: "أن يفرد بصوم" وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم" وفي لفظ المسلم: "ولا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" وفي الباب أحاديث قال الشافعي: يكره إفراد الجمعة. وفي العالمكيرية يستحب صوم يوم الجمعة بانفراده. أقول: الأحاديث واردة بالنهي وحقيقة النهي التحريم إذا لم يصم يوما قبله ولا يوما بعده وما روي عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من أنه كان يصومه لا يصلح لجعله قرينة صارفة لوجهين: الأول أنه لم ينقل أنه كان يصومه منفردا بل الظاهر أنه كان يصومه على غير الصفة التي نهانا عنها. الثاني: أن فعله لا يعارض قوله الخاص بالأمة كما تقرر في الأصول وعلى فرض عدم الاختصاص لقوله بالأمة بل شموله له ولهم فهو مخصص له من العموم وذلك لا يصلح قرينة صارفة للنهي عن معناه الحقيقي ويوم السبت لحديث الصماء بنت بسر عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والطبراني والبيهقي وصححه ابن السكن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجر فليمضغه". "ويحرم صوم العيدين" لحديث أبي سعيد في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن صوم يومين: يوم الفطر