الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليس الإسلام شرطا في الوجوب بل الكفر مانع عن الصحة والمكلف مخاطب برفع الموانع التي لا يجزئ عنه ما وجب عليه مع وجودها فخذ هذه قاعدة كلية في كل باب من الأبواب التي يجعلون الإسلام فيها شرطا للوجوب واما اشتراط الحرية فلا ريب أن هذا الاشتراط إنما يتم على قول من قال: إن العبد لا يملك وهي مسألة قد تعارضت فيها الأدلة بما لا يتسع لبسطه وهذه شرطية حقيقة عند القائل بعدم تملك العدم لأنه لا يجب على العبد أن يسعى في تحرير نفسه لتجب عليه الزكاة لما تقرر أن تحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب فلا وجوب على العبد حال العبودية بخلاف الكافر فإن الوجوب ثابت عليه في حال كفره ولكنه لا تتم تأدية الواجب إلا بإزالة المانع وهو الكفر وما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه ومن ههنا يتبين لك الفرق بين هاتين القاعدتين فالاولى تستعمل قبل وجوب ذلك الواجب على الشخص والثانية بعد وجوبه عليه مع مانع يمنعه عنه ومما ينبغي أن يجعل شرطا في وجوب الزكاة التكليف كما فعل الماتن رح مع أنها مشروعة للتطهرة والتزكية كما نطق بذلك القرآن وهما لا يكونان لغير المكلفين فمن أوجب على الصبي زكاة في ماله تمسكا بالعمومات فليوجب عليه بقية الأركان الأربعة تمسكا بالعمومات. وبالجملة: فالأصل في أموال العباد الحرمة: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه" ولا سيما أموال اليتامى فإن القوارع القرآنية والزواجر الحديثية فيها أظهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر فلا يأمن ولي اليتيم إذا أخذ الزكاة من ماله من التبعة لأنه أخذ شيئا لم يوجبه الله على المالك ولا على الولي ولا على المال. أمال الأول: فلأن المفروض أنه صبي لم يحصل له فما هو مناط التكاليف الشرعية وهو البلوغ وأما الثاني: فلأنه غير مالك للمال والزكاة لا تجب على غير مالك. وأما الثالث: فلأن التكاليف الشرعية مختصة بهذا النوع الإنساني لا تجب على دابة ولا جماد والله أعلم.
باب زكاة الحيوان
"إنما تجب منه في النعم" أي الماشية وهي في أكثر البلدان الإبل والبقر
والغنم ويجمعها اسم الأنعام. وأما الخيل فلا تكثر صرمها1 ولا تناسل نسلا وافرا إلا في أقطار يسيرة كتركستان كذا في الحجة. وهي الإبل والبقر والغنم فتؤخذ من كل صرمة من الإبل ناقة ومن كل قطيع من البقر بقوة ومن كل ثلة من الغنم شاة مثلا ثم يعرف كل واحد من هذه بالمثال والقسمة والاستقراء ليتخذ ذلك ذريعة إلى معرفة الحدود الجامعة المانعة كذا في الحجة وكونها لا تجب في غير الثلاثة الأنواع من الحيوانات فلأن الذي بين للناس ما نزل إليهم لم يوجبها عليهم في غيرها وأما ما ورد من ذكر حق الله تعالى في الخيل فالمراد به الجهاد.
فصل "إذا بلغت الإبل خمساً ففيها شاة ثم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض أو ابن لبون وفي ست وثلاثين ابنة لبون وفي ست وأربعين حقة وفي إحدى وستين جذعة وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين فإذا زادت ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقة" هذا التفصيل في فرائض الصدقة هو الثابت في حديث أنس أن أبا بكر كتب لهم أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على المسلمين ثم ذكر فيه ما يجب في كل عدد كما في هذا المختصر ثم قال فيه: فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا جذعة فإنها تقبل مند ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة
1 جمع صرمة بكسر الصاد وإسكان الراء في اللسان: يقال اللقطة من الإبل صرمة إذا كانت خفيفة ولا أدري وجها للشارح في استعمالها في الخيل.
مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ومن لم تكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وقد أخرج هذا الحديث أحمد والنسائي وأبي داود وأخرجه أيضا البخاري مفرقا في صحيحه. قال ابن حزم: هذا كتاب في نهاية الصحة عمل به الصديق بحضرة العلماء ولم يخالفه أحد وصححه ابن حبان وغيره وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والدارقطني والحاكم والبيهقي نحو ما اشتمل عليه المختصر من حديث الزهري عن سالم عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عمالها حتى توفي فأخرجها أبو بكر فعمل بها حتى توفي ثم أخرجها عمر من بعده فعمل بها قال: فلقد هلك عمر يوم هلك وإن ذلك لمقرون بوصيته. ثم ذكر الحديث. قال في الحجة: وقد استفاض ذلك من رواية أبي بكر وعمر وابن مسعود وعمر وبن حزم وغيرهم بل صار متواترا بين المسلمين انتهى.
فصل "ويجب في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وفي أربعين مسنة ثم كذلك" يدل على ذلك ما أخرجه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم وصححاه منم حديث معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة. فإذا زادت على الأربعين فلا شيء في الزائد حتى يبلغ سبعين وفيها تبيع ومسنة إلى ثمانين وفيها مسنتان ثم كذلك، وقال ابن عبد البر في الاستذكار: لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث ابن معاذ وأنه النصاب المجمع عليه.
فصل "ويجب في أربعين من الغنم شاة إلى مائة وإحدى وعشرين وفيها شاتان إلى مائتين وواحدة وفيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة وواحدة وفيها أربع ثم في كل مائة شاة" هذا التفضيل هو الثابت في حديث أنس وحديث ابن عمر اللذين تقدم تخريجهما في باب زكاة الإبل وقد وقع الإجماع على ذلك.
فصل "ولا يُجمع بين مُفترق من الأنعام ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في كتاب أبي بكر المحكي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وقد تقدمت الإشارة إليه وكذلك في حديث ابن عمر
حاكيا لكتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ذلك كما سبقت الإشارة إليه وكذلك وقع التصريح بالنهي عن ذلك في غير الحديثين المذكورين فإن فيه النهي كذلك ومعنى التفريق بين مجتمع أن يكون لثلاثة أنفار لكل واحد أربعون شاة فإذا لم يجمعوها كان على كل واحد شاة، وإذا جمعوها لم يجب فيها إلا شاة وصورة الجمع بين مفترق أن يكون لرجلين مائتا شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة ونحو ذلك من الصور وهذا على اعتبار المسرح والمراح والخلطة وإن اختلف المالكون كما دلت على ذلك الأدلة. "ولا شيء فيما دون الفريضة" ولا خلاف في ذلك "ولا في الأوقاص" وهي ما بين الفريضتين فلا خلاف في ذلك أيضا إلا في رواية عن أبي حنيفة وفي حديث معاذ عند أحمد وغيره أن الأوقاص لا فريضة فيها، "وما كان من خليطين فيتراجعان بالسوية" لما وقع في الكتابين المذكورين من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:"وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية" والمراد أنهما إذا خلطا ما يملكانه من المواشي فبلغت النصاب أخرجا زكاة تلك الماشية المخلوطة وكان على كل واحد بحساب ماشيته، وصورة ذلك: أن يكون لكل واحد منهما عشرون شاة فيأخذ المصدق من الأربعين شاة من ملك أحدهما فيرجع على صاحبه بنصف قيمتها، وهذا على أن مجرد خلط الشريكين بملكيهما يصيرهما بمنزلة الماشية المملوكة لرجل واحد وهو الحق كما دلت على ذلك الأدلة. "ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار ولا عيب ولا صغيرة ولا أكولة ولا ربى ولا ما خض ولا فحل غنم" لما في كتاب أبي بكر بلفظ: ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس، وفي كتاب عمر المحكي عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:"لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب" وفي حديث عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعا بلفظ: "ولا تعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط1 اللئيمة ولكن من أوسط أموالكم" أخرجه أبو داود والطبراني بإسناد جيد، وأخرج مالك في الموطأ والشافعي عن سفيان بن عبد الله الثقفي أن عمر بن الخطاب نهى المصدق أن
1 الشرط بفتح الشين والراء هي صغار المال وشراره ووقع في الأصل الشرطة بالهاء في آخره وهو خطأ.