الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي وابن حجر في بلوغ المرام. أقول: وأما الكافر إذا أسلم فلا يجب عليه القضاء على كل حال لأن القائل بأنه غير مخاطب بالشرعيات ينفي عنه الوجوب حال الكفر والقائل أنه مخاطب يجعل الخطاب باعتبار الثواب والعقاب لا باعتبار وجوب الأداء أو القضاء، فالإسلام يجب ما قبله بلا خلاف والظاهر أن المرتد حكمه حكم غيره من الكفار في عدم وجوب القضاء لأن الدليل يصدق عليه كما يصدق على غيره من الكفار.
باب صلاة الجمعة
"تجب على كل مُكلَّف" لأن الجمعة فريضة من فرائض الله تعالى وقد صرح بذلك كتاب الله عز وجل وما صح من السنة المطهرة كحديث أنه صلى الله وسلم عليه هم بإحراق من يتخلف عنها وهو في الصحيح من حديث ابن مسعود وكحديث أبي هريرة: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" أخرجه مسلم وغيره، ومن ذلك حديث حفصة مرفوعا:"رواح الجمعة واجب على كل محتلم" أخرجه النسائي بإسناد صحيح وحديث طارق بن شهاب: "الجمعة حق واجب على كل مسلم" أخرجه أبو داود وسيأتي، وقد واظب عليها النبي صلى الله وسلم عليه من الوقت الذي شرعها الله تعالى فيه إلى أن قبضه الله عز وجل، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أنها فرض عين، وقال ابن العربي: الجمعة فرض بإجماع الأم، ة وقال ابن قدامة في المغني: أجمع المسلمون على وجوب الجمعة وإنما الخلاف هل هي من فروض الأعيان أو من فروض الكفايات؟ ومن نازع في فرضية الجمعة فقد أخطأ ولم يصب. قال في المسوى: اتفقت الأمة على فرضية الجمعة وأكثرهم على أنها من فروض الأعيان واتفقوا على أنه لا جمعة في العوالي وأنه يشترط لها الجماعة وأن الوالي إن حضر فهو الإمام، ثم اختلفوا في الوالي وشرط الموضع والجماعة قال الشافعي: كل قرية اجتمع فيها أربعون رجلا أحرارا مقيمين تجب عليهم الجمعة ولا تنعقد إلا بأربعين رجلا كذلك والوالي
ليس بشرط، وقال أبو حنيفة: لا جمعة إلا في مصر جامع أو في فنائه وتنعقد بأربعة والوالي شرط، وقال مالك: إذا كان جماعة في قرية بيوتها متصلة وفيها سوق ومسجد يجمع فيه وجبت عليهم الجمعة وفي مختصر ابن الحاجب لا تجزيء الأربعة ونحوها ولا بد من قوم تتقرى بهم القرية ولا يشترط السلطان على الأصح. قال في العالمكيرية: القروي إذا دخل المصر ونوى أن يخرج في يومه ذلك قبل دخول الوقت أو بعد دخوله لا جمعة عليه انتهى. إلا المرأة والعبد والمسافر والمريض لحديث: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض" أخرجه أبو داود من حديث طارق بن شهاب عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وقد أخرجه الحاكم من حديث طارق عن أبي موسى قال الحافظ: وصححه غير واحد، وفي حديث أبي هريرة وحديث جابر ذكر المسافر وفي الحديثين مقال معروف والغالب أن المسافر لا يسمع النداء وقد ورد أن الجمعة على من سمع النداء كما في حديث ابن عمر وعند أبي داود قال في المسوى: واتفقوا على أنه لا جمعة على مريض ولا مسافر ولا امرأة ولا عبد وأنه إن صلاها منهم أحد سقط الفرض وعلى أنه إن أم مريض أو مسافر جاز، وفي المنهاج وتصح خلف العبد والصبي والمسافر في الأظهر إذا تم العدد بغيره وفيه أيضا ولا جمعة على معذور مرخص في ترك الجماعة وفي العالمكيرية المطر الشديد والاختفاء من السلطان الظالم مسقط. قال في المنح: وكان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يرخص في تركها وقت المطر ولو لم يبتل أسفل النعلين وكان يرخص في السفر يوم الجمعة لا سيما للجهاد انتهى.
وهي كسائر الصلوات لا تخالفها لكونه لم يأت ما يدل على أنها تخالفها في غير ذلك وفي هذا الكلام إشارة إلى رد ما قيل إنه يشترط في وجوبها الإمام الأعظم والمصر الجامع والعدد المخصوص فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها فضلا عن وجوبها فضلا عن كونها شروطا بل إذا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة فقد فعلا ما يجب عليهما فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة وإن تركا الخطبة فهي سنة فقط، ولولا حديث طارق بن شهاب المذكور قريبا من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم إقامتها صلى الله وسلم عليه في زمنه في غير جماعة لكان فعلها فرادى مجزئا كغيرها من الصلوات وأما ما يروى من أربعة
إلى الولاة فهذا قد صرح أئمة الشأن بأنه ليس من كلام النبوة ولا من كلام من كان في عصرها من الصحابة حتى يحتاج إلى بيان معناه أو تأويله، وإنما هو من كلام الحسن البصري ومن تأمل فيما وقع في هذه العبادة الفاضلة التي افترضها الله تعالى عليهم في الأسبوع وجعلها شعارا من شعائر الإسلام وهي صلاة الجمعة من الأقوال الساقطة والمذاهب الزائغة والاجتهادات الداحضة1 قضى من ذلك العجب فقائل يقول: الخطبة كركعتين وإن من فاتته لم تصح جمعته وكأنه لم يبلغه ما ورد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من طرق متعددة يقوي بعضها بعضا ويشد بعضها من عضد بعض أن: من فاتته ركعة من ركعتي الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته. ولا بلغه غير هذا الحديث من الأدلة، وقائل يقول: لا تنعقد الجمعة إلا بثلاثة مع الإمام، وقائل يقول: بأربعة. وقائل يقول: بسبعة، وقائل يقول: بتسعة، وقائل يقول: باثني عشر، وقائل يقول: بعشرين. وقائل يقول: بثلاثين. وقائل يقول: لا تنعقد إلا بأربعين. وقائل يقول: بخمسين. وقائل يقول: لا تنعقد إلا بسبعين. وقائل يقول: فيما بين ذلك. وقائل يقول: بجمع كثير من غير تقييد. وقائل يقول: إن الجمعة لا تصح إلا في مصر جامع وحدّه بعضهم بأن يكون الساكنون فيه كذا وكذا من آلاف، وآخر قال: أن يكون فيه جامع وحمام وآخر قال: أن يكون فيه كذا وكذا، وآخر قال: إنها لا تجب إلا مع الإمام الأعظم فإن لم يوجد أو كان مختل العدالة بوجه من الوجوه لم تجب الجمعة ولم تشرع ونحو هذه الأقوال التي ليس عليها أثارة من علم ولا يوجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله وسلم عليه حرف واحد يدل على ما ادعوه من كون هذه الأمور المذكورة شروطا لصحة الجمعة أو فرضا من فرائضها أو ركنا من أركانها فيالله العجب ما يفعل الرأي بأهله ومن يخرج من رؤوسهم من الخزعبلات الشبيهة بما يتحدث الناس به في مجامعهم وما يخبرونه في أسمارهم من القصص والأحاديث الملفقة وهي عن الشريعة المطهرة بمعزل يعرف هذا كل عارف بالكتاب والسنة وكل متصف بصفة الإنصاف، وكل من ثبت قدمه ولم يتزلزل عن طريق الحق بالقيل والقال، ومن جاء بالغلط فغلطه رد عليه مضروب به في وجهه، والحكم بين العباد هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله
1 أي الباطلة.
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما قال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فهذه الآيات ونحوها تدل أبلغ دلالة وتفيد أعظم فائدة أن المرجع مع الاختلاف إلى حكم الله ورسوله وحكم الله هو كتابه وحكم رسوله بعد أن قبضه الله تعالى هو سنته ليس غير ذلك ولم يجعل الله تعالى لأحد من العباد وإن بلغ في العلم أعلى مبلغ وجمع منه ما لا يجمع غيره أن يقول في هذه الشريعة بشيء لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، والمجتهد وإن جاءت الرخصة له بالعمل برأيه عند عدم الدليل فلا رخصة لغيره أن يأخذ بذلك الرأي كائنا من كان، وإني كما علم الله لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين تصديره في كتب الهداية وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به وهو على شفا جرف هار ولم يختص هذا بمذهب من المذاهب ولا بقطر من الأقطار ولا بعصر من العصور بل تبع فيه الآخر الأول كأنه أخذه من أم الكتاب وهو حديث خرافة وقد كثرت التعيينات في هذه العبادة كما سبقت الإشارة إليها بلا برهان ولا قرآن ولا شرع ولا عقل، والبحث في هذا يطول جدا1. قال الماتن رح: وقد جمعت فيه مصنفين مطولا ومختصراً ولله الحمد.
إلا في مشروعية الخطبتين قبلها لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سنّ في الجمعة خطبتين يجلس بينهما وما صلى بأصحابه جمعة من الجمع إلا وخطب فيها إنما دعوى الوجوب إن كانت بمجرد فعله المستمر فهذا لا يناسب ما تقرر في الأصول ولا يوافق تصرفات الفحول وسائر أهل المذهب المنقول، وأما الأمر بالسعي إلى ذكر الله فغايته أن السعي واجب وإذا كان هذا الأمر مجملا فبيانه واجب فما كان متضمنا لبيان نفس السعي إلى الذكر يكون واجبا
1 ما قاله الشارح هنا جيد ولكن رأيه في جواز صلاة الجمعة من اثنين بدون خطبة لا نراه حقا فإن وجوبها معلوم من الدين ضرورة لم يخالف فيه أحد ولم تذكر في القرآن إلا إجمالا ولكن تواترا العمل بها وبصفتها من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن والأحاديث الصحيحة بينت هذه الصفة تفصيلا، فلم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بدون خطبتين وبغير جمع الحاضرين ممن يسعه حضورها وهذه المواظبة الدقيقة لا يصح حملها إلا على أنها بيان لهذا الواجب يلحق به في الوجوب.
فأين وجوب الخطبة1 فإن قيل إنه لما وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولى فيقال ليس السعي لمجرد الخطبة بل إليها وإلى الصلاة ومعظم ما وجب السعي لأجله هو الصلاة فلا تتم هذه الأولوية وهذا النزاع في نفس الوجوب، وأما في كون الخطبة شرطا للصلاة فعدم وجود دليل يدل عليه لا يخفى على عارف فإن شأن الشرطية أن يؤثر عدمها في عدم المشروط فهل من دليل يدل على أن عدم الخطبة يؤثر في عدم الصلاة، ثم اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من ترغيب الناس وترهيبهم فهذا في الحقيقة روح الخطبة الذي لأجله شرعت، وأما اشتراط الحمد لله أو الصلاة على رسول الله أو قراءة شيء من القرآن فجميعه خارج عن معظم المقصود من شرعية الخطبة واتفاق مثل ذلك في خطبته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا يدل على أنه مقصود متحتم وشرط لازم ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد والصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقد كان عرف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقاماً ويقول مقالا شرع بالثناء على الله وعلى رسوله وما أحسن هذا وأولاه، ولكن ليس هو المقصود بل المقصود ما بعده ولو قال قائل إن من قام في محفل من المحافل خطيباً ليس له باعث على ذلك إلا أن يصدر منه الحمد والصلاة لما كان هذا مقبولاً بل كل طبع سليم يمجه ويرده، إذا تقرر هذا عرفت أن الوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث فإذا فعله الخطيب فقد فعل الأمر المشروع إلا أنه إذا قدم الثناء على الله وعلى رسوله أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتم وأحسن.
"ووقتها وقت الظهر" لكونها بدلا عنه، وقد ورد ما يدل على أنها تجزيء قبل الزوال كما في حديث أنس أنه كان صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي الجمعة ثم يرجعون
1 وجوب الخطبتين كما قلنا ظاهر من المواظبة على الفعل الذي هو بيان لصفة هذه الصلاة الواجبة وهذا ظاهر مطابق لقواعد الأصول ودقائق الشريعة المطهرة.
إلى القائلة يقيلون، وهو في الصحيح ومثله من حديث سهل بن سعد في الصحيحين وثبت في الصحيح من حديث جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيريحونها حين تزول الشمس، وهذا فيه التصريح بأنهم صلوها قبل زوال الشمس، وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل وهو الحق. وذهب الجمهور إلى أن أول وقتها أول وقت الظهر. "وعلى من حضرها أن لا يتخطى رقاب الناس" إلا إذا كان إماماً أو كان بين يديه فرجة لا يصلها إلا بتخط كما نقله المحلي عن الروضة، لحديث عبد الله ابن بسر قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس فقد آذيت" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره، ولحديث أرقم بن أبي أرقم المخزومي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:"الذي يتخطى الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجارّ قُصبه1 في النار". أخرجه أحمد والطبراني في الكبير وفي إسناده مقال2، وفي الباب أحاديث منها عن معاذ بن أنس عند الترمذي وابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم" قا ل الترمذي: حديث غريب والعمل عليه عند أهل العلم. وفي تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين: ومنها تخطي رقاب الناس يوم الجمعة كذا عده الشيخ شمس الدين بن القيم من الكبائر، وقد صرح النووي وغيره بأنه حرام انتهى. قلت: وفي الباب عن عثمان وأنس أيضا. وأن ينصت حال الخطبتين لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" وهو في الصحيحين وغيرهما وأخرج أحمد وأبو داود من حديث علي قال: "من دنا من الإمام فلغا ولم يستمع ولم ينصت كان عليه كفل3 من الوزر، ومن قال صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له"، ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده مجهول، وفي
1 القصب بضم القاف وإسكان الصاد المهملة اسم للأمعاء كلها وجمعه أقصاب.
2 قال ابن حجر في الإصابة: جزء 1 ص 26: قال الدارقطني في الأفراد تفرد به هشام بن زياد وقد ضعفوه.
3 يعني ضعفا أي يضاعف عليه الإثم.
الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة. أقول: وحاصل ما يستفاد من الأدلة أن الكلام منهي عنه حال الخطبة نهيا عاما وقد خصص هذا النهي بما يقع من الكلام في صلاة التحية من قراءة وتسبيح وتشهد ودعاء والأحاديث المخصصة لمثل ما ذكر صحيحة1 فلا محيص لمن دخل المسجد حال الخطبة من صلاة ركعتي التحية إن أراد القيام بهذه السنة المؤكدة والوفاء بما دلت عليه الأدلة فإنه صلى الله عليه وسلم أمر سُليكا الغطفاني لما وصل إلى المسجد حال الخطبة فقعد ولم يصل التحية بأن يقوم فيصلي فدل هذا على كون ذلك من المشروعات المؤكدة بل من الواجبات كما قرره شيخنا العلامة الشوكاني في رسالة مستقلة وبينت أنا في دليل الطالب إلى أرجح المطالب وجوب صلاة التحية ومن جملة مخصصات صلاة التحية حديث: "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين" وهو حديث صحيح متضمن للنص في محل النزاع، وأما ما عدا صلاة التحية من الأذكار والأدعية والمتابعة للخطيب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأت ما يدل على تخصيصها من ذلك العموم والمتابعة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وأن وردت بها أدلة قاضية بمشروعيتها فهي أعم من أحاديث منع الكلام حال الخطبة من وجه وأخص منها من وجه فيتعارض العمومان وينظر في الراجح منهما، وهذا إذا كان اللغو المذكور في حديث:"ومن لغا فلا جمعة له" يشمل جميع أنواع الكلام، وأما إذا كان مختصا بنوع منه وهو ما لا فائدة فيه فليس فيه ما يدل على منع الذكر والدعاء والمتابعة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وأما حديث:"إذا دخل أحدكم المسجد والإمام يخطب فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام" فقد أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر وفي سنده ضعف كما قاله صاحب مجمع الزوائد فلا تقوم به الحجة، ولكنه قد روي ما يقويه فأخرج أبو يعلى والبزار عن جابر قال: قال سعد بن أبي وقاص لرجل لا جمعة لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم يا سعد"؟ فقال: لأنه تكلم وأنت تخطب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سعد" وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور، وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وقد ذكر العلامة الشوكاني في شرح المنتقى أحاديث تفيد معنى هذا الحديث فليراجع، ويقويها ما يقال إن المراد باللغو المذكور في الحديث التلفظ وإن
1 ليس هذا تخصيصا بل هذا باب وذاك باب فإن النهي عن الكلام إنما هو نهي عن محادثة غيره لئلا يغلوا وأما الذكر في الصلاة فهو شيء آخر.
كان أصله ما لا فائدة فيه بقرينة أن قول من قال لصاحبه أنصت لا يعد من اللغو لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم لغوا ويمكن أن يقال إن ذلك الذي قال: أنصت لم يؤمر في ذلك الوقت بأن يقول هذه المقالة فكان كلامه لغوا حقيقة من هذه الحيثية، ونُدب له التبكير لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن1 ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر". وفي الباب أحاديث في مشروعية التبكير. قال في المسوى شرح الموطأ: الأصح أن هذه الساعات ساعات لطيفة بعد الزوال لا الساعات التي يدور عليها حساب الليل والنهار انتهى. والتطيب والتجمل لحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله وسلم عليه قال: "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه وإن كان له طيب مس منه" أخرجه أحمد وأبو داود وهو في الصحيحين بلفظ: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبا إن وجد" وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما من حديث سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى تعالى عليه وآله وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدّهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى" وأخرج أحمد وغيره من حديث أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كان كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى" ورجال إسناده ثقات، وفي الباب أحاديث. "والدنو من الإمام" لحديث سمرة عند أحمد وأبي داود أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
1 الأقرن ذو القرون وهو خير مما لا قرن له.
"احضروا الذكر وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها". وفي إسناده انقطاع، وفي الباب أحاديث ومن جملة ما يشرع يوم الجمعة الغسل وقد تقدم الكلام عليه في باب الغسل. ومن أدرك ركعة منها فقد أدركها لحديث:"من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته" فهذا وإن كان فيه مقال غايته الإعلال بالإرسال فقد ثبت رفعه من طريق جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة، فإنه روي عنه من ثلاثة عشر طريقا ومن ثلاث طرق عن ابن عمر وبعضها يؤيد بعضا فهي لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، وقد أخرجه الحاكم من ثلاث طرق عن أبي هريرة وقال فيها على شرط الشخين1 فالعجب من أن يُؤْثر على هذا كله قول عمر بن الخطاب ويدعم بتلك العصا التي لا يأخذها إلا الزمن أو من ضاقت عليه المسالك فيقال: ولم يرد خلافه عن أحد من الصحابة والحال أن أول المخالفين له رسول الله صلى الله وسلم عليه بعموم قوله وخصوصه. والحاصل: أن الحديث له طرق كثيرة يصير بها حسنا لغيره وقد قدمنا أنها كسائر الصلوات وليست الخطبة شرطا من شروط الجمعة حتى يتوقف إدراك الصلاة على إدراك الخطبة فمن زعم أن صلاة الجمعة تختص بحكم يخالف سائر الصلوات فعليه الدليل، وقد أوضح الماتن المقال في أبحاث مطولة وقعت مع بعض الأعلام مشتملة على ما يحتاج إليه في هذا البحث فليرجع إلى ذلك فهو مفيد جدا. وهي في يوم العيد رخصة لحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد في يوم الجمعة ثم رخص في الجمعة فقال من شاء أن يجمع فليجمع، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم وصححه علي بن المديني2، وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه
1 رواه الحاكم في المستدرك جزء 1: ص 29 من طريق الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: "من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة" ومن طريق أسامة بن زيد الليثي وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري بهذا الإسناد بلفظ: "من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى وصححها كلها على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في مختصره.
2 وصححه الحاكم على شرط الشيخين جزء 1: ص 288 ووافقه الذهبي.