المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب زكاة النبات - الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة - جـ ١

[صديق حسن خان]

الفصل: ‌باب زكاة النبات

‌باب زكاة النّبات

"يجب العشر في الحنطة والشعير والذرة والتمر والزبيب" وجوب الزكاة من هذه الأجناس لشمول الأدلة الصحيحة لها وللتنصيص عليها في حديث أبي موسى ومعاذ حين بعثهما صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر" أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني. قال البيهقي: رواته ثقات وهو متصل وأخرج الطبراني عن عمر قال: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة. فذكرها وأخرج ابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: إنما سن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، زاد ابن ماجه:"والذرة" وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي1 وهو متروك، وأخرج البيهقي من طريق مجاهد قال: لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا في خمسة فذكرها، وأخرج أيضا من طريق الحسن فقال: لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه وسلم إلا في عشرة. فذكر الخمسة المذكورة والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة. وأخرج أيضا عن الشعبي أنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال البيهقي: هذه المراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضا ومعها حديث أبي موسى ومعها قول عمر وعلي وعائشة: ليس في الخضروات زكاة انتهى. "وما كان يسقى بالمسني منها ففيه نصف العشر" وجهه حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت الأنهار والغيم عشر وفيما سقي بالسانية2 نصف العشر" رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود قال3: "الأنهار والعيون"، وأخرج البخاري وأحمد وأهل السنن من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:"فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما يسقى بالنضح نصف العشر" فإن الذي هو

1 بتقديم الراء على الزاي وفي الأصل بتقديم الزاي على الراء وهو خطأ.

2 السانية وجمعها السواني ما يسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره.

3 لعله وقال.

ص: 195

أقل تعانيا وأكثر ريعا أحق بزيادة الضريبة والذي هو أكثر تعانيا وأقل ريعا أحق بتخفيفها، والعثري بفتح العين المهملة والمثلثة وكسر الراء المهملة هو الذي يشرب بعروقه، وقيل الذي في سواقي العيون ونحوها، والحق وجوب الزكاة من العين ولا يسوغ إخراج القيمة إلا لعذر مسوغ لحديث:"خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من البقر" أخرجه أبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين1. وأما قول معاذ فهو فعل صحابي لا حجة فيه على أنه منقطع كما صرح بذلك الحفاظ2. وأما الاعتذار عن الحديث بأنه لا ظاهر له فهذه إحدى العصي التي يتوكأ عليها المقلدة. "ونصابها خمسة أوسق" لحديث أبي سعيد في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" وفي رواية لأحمد وابن ماجه أن النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "الوسق ستون صاعا" وفي رواية لأحمد وأبي داود: "الوسق ستون مختوما"3. قال في الحجة البالغة: وإنما قُدر من الحب والتمر خمسة أوسق لأنها تكفي أهل بيت إلى سنة، وذلك لأن أقل البيت الزوج والزوجة وثالث خادم أو ولد بينهما وما يضاهي ذلك من أقل البيوت وغالب قوت الإنسان رطل أو مد من الطعام فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار كفاهم لسنة وبقيت بقية لنوائبهم أو إمدامهم انتهى. قال ابن القيم: وقد رُدت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق بالمتشابه من قوله: "فيما سقت السماء العشر وما سقي بنضح أو غرب فنصف العشر". قالوا: هذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص ودلالة العام قطعية كالخاص وإذا تعارضا قُدم الأحوط وهو الوجوب فيقال: يجب العمل بكلا الحديثين ولا يجوز

1 رواه الحاكم في المستدرك جزء 1: ص 388. وقال صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع عطاء ابن يسار عن معاذ بن جبل فإني لا أتقنه. قال الذهبي: لم يقله. وقال ابن حجر في التلخيص لم يصح لأنه ولد بعد موته أو في سنة موته أو بعد موته بسنة.

2 هو قوله لأهل اليمن: ائتوني بكل خميس وليس آخذه منكم مكان الصدقة رواه البخاري معلقا والبيهقي وهو منقطع أيضا.

3 هذه الرواية نرى أنها خطأ فإن الختوم هو صاع اتخذه الحجاج وقال لأهل المدينة إني قد اتخذت لكم مختوما على صاع عمر بن الخطاب.

ص: 196

معارضة أحدهما بالآخر وإلغاء أحدهما بالكلية فإن طاعة الرسول فرض في هذا وفي هذا ولا تعارض بينهما بحمد الله تعالى من الوجوه فإن قوله: "فيما سقت السماء العشر" إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصفه فذكر النوعين مفرقا بينهما في مقدار الواجب، وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث وبينه نصا في الحديث الآخر فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما أُوِّل عليه البتة إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يُتعلق فيه بعموم لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص انتهى. أقول: الأحاديث القاضية بإيجاب العشر أو نصف العشر تقتضي التسوية بين القليل والكثير وأحاديث لا زكاة فيما دون خمسة أوسق تقتضي اختصاص الوجوب بمقدار معلوم هو الخمسة الأوسق وعدم الوجوب فيما دونها فالأحاديث الأولة1 عامة لقليل ما أخرجت الأرض من الأنواع المخصوصة ولكثيره والأحاديث الثانية خاصة ببعض ذلك الخارج دون بعض مصرحة بنفي الوجوب عن دون الخمسة الأوسق بمنطوقها مثبتة لوجوبها في الخمسة فصاعدا بمفهومها وهي أحاديث صحيحة فإهمالها مع كونها خاصة والرجوع إلى العامة خارج عن سنن الإنصاف ولم يكن بيد من أهملها شيء يدفعها إلا مجرد تكليف العباد بما هو أشق الشكوك كشكوك الموسوسين في الطهارة. وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة" ثبت هذا عنه في حديث واحد فكان على من أوجب الزكاة فيما دون خمسة أوسق أن يوجبها فيما دون خمس أواق وخمس ذود بل يوجبها فيما دون الأربعين من الغنم والثلاثين من البقر تمسكا بالعمومات القاضية بوجوب أصل الزكاة في الأموال فإنه لا فرق بينها وبين حديث: "فيما أخرجت الأرض العشر" وليست المكيلات بالشك أولى من غيرها والله المستعان. وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض والمقام وإن كان حقيقا بأن يقع الإجماع

1 بفتح الواو المشددة قال ثعلب: هن الأولات والآخرات خروجا واحدتها الأولة والآخرة ثم قال ليس هذا من أصل الباب إنما أصل الباب الأول والأولى كالأطول والطولى. قاله في اللسان.

ص: 197

عليه لكن الخلاف لجماعة من العلماء أشهر من نار على علم وكيف خفي على ابن المنذر مذهب أبي حنيفة رح وهو متداول عند جميع أهل المذاهب حتى قال ابن العربي المالكي: إن أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين مذهب أبي حنيفة وهو التمسك بالعموم انتهى. وهذه غفلة من مثل هذا الحافظ ناشئة عن الوسوسة التي قدمنا لك ذكرها فإن الشارع أشفق بفقراء أمته من كل أحد وأي قوة وأحوطية في شيء مخالف لنصه الصريح وكيف يخفى على عالم أن هذه الشفقة التي هي المستندة لهذه المقالة مستلزمة لظلم الأغنياء وأخذ أموالهم بدون طيبة من أنفسهم وأكلها بالباطل وسيوف السلاطين تابعة لأقلام العلماء فإذا أجبروا أهل الأموال على تسليم زكاة دون الخمسة الأوسق استناداً إلى قول من قال بذلك بمجرد الشك والشفقة على الفقراء لا لما يقتضيه الاجتهاد فهم شركاء في هذه المظلمة التي هي محض أكل أموال الناس بالباطل. وما أحسن الوقوف على الحدود الشرعية والمشي على الطريقة النبوية فذلك هو الورع الخالص وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ولا شيء فيما عدا ذلك. قال المجد في الصراط المستقيم ولم يكن من العادة النبوية أخذ الزكاة من الخيل والرقيق والبغال والحمر والبقول والبطيخ والخيار والعسل والفواكه التي لا تدخل المكيال ولا تصلح للادخار إلا الرطب والعنب فإنه كان يأخذ الزكاة منهما لا يفرق بين الرطب واليابس انتهى. كالخضروات وغيرها حديث الخضراوات أخرجه الدارقطني والحاكم والأثرم في سننه أن عطاء بن السائب قال: أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ صدقة من أرض موسى بن طلحة من الخضراوات فقال له موسى بن طلحة: ليس لك ذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يقول: "ليس في ذلك صدقة" وهو مرسل قوي وقد أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث إسحق بن يحيى ابن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بلفظ: وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. قال الحافظ: وفيه ضعف وانقطاع وروى الترمذي بعضه من حديث موسى بن طلحة عن معاذ وقد رواه ابن عدي من وجه آخر عن أنس والدارقطني من حديث علي ومن حديث محمد بن جحش ومن حديث عائشة،

ص: 198

ورواه أيضا البيهقي عن علي وعمر موقوفا في طرق حديث الخضراوات مقال لكنه روي من طرق كثيرة يشهد بعضها لبعض فينتهض للاحتجاج به، وإذا انضم إلى ما تقدم في وجوب الزكاة في تلك الأجناس الأربعة أو الخمسة انتهض الجميع للاحتجاج بلا شك ولا شبهة، وقد رويت تلك الروايات بلفظ الحصر على تلك الأجناس كما سبق وكان ذلك هو البيان منه صلى الله عليه وآله وسلم لما أنزل الله تعالى فلا تجب في غير ذلك من النباتات، وقد ذهب إلى ذلك الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي وأيضا يمكن الجمع بطريق أخرى وهي: أن هذه الأدلة المذكورة هنا مخصصة لعمومات القرآن والسنة وذلك واضح ولا يصح جعل ذلك من باب التنصيص على بعض أفراد العام لما في ذلك من الحصر تارة والنفي لما عدا ما ذُكر أخرى. أقول: العمومات الشاملة للخضراوات كقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وقوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء العشر" قد خُصصت بمخصصات كثيرة منها: حديث الأوساق ومنها: الأحاديث القاضية بأن الزكاة لا تجب إلا في الأربعة الأنواع الشعير والحنطة والتمر والزبيب هذا في الأشياء التي تنبت على وجه الأرض وفيما عداها السوائم الثلاث والذهب والفضة، والواجب بناء العام على الخاص كما هو إجماع من يُعتد به من أهل العلم فلا وجوب فيما عدا هذه الثلاثة الأمور سواء كان من الخضراوات أو غيرها بل قد ورد في الخضراوات بخصوصها ما يدل على عدم وجوب الزكاة فيها من طرق يشهد بعضها لبعض كما أوضح ذلك الماتن في شرح المنتقى فليكن هذا البحث منك على ذُكر فإن الاحتجاج بمثل هذه العمومات قد كثر في أهل العلم مع عدم الالتفات إلى الأدلة الخاصة والذهول عن وجوب بناء العام على الخاص. والحاصل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين للناس ما نُزّل إليهم ففرض على الأمة فرائض في بعض أملاكهم ولم يفرض عليهم في البعض الآخر ومات على ذلك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول فمن زعم أنها تجب الزكاة في غير ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم متمسكا بالعمومات القرآنية كان محجوجا بما ذكرناه هذا على فرض أنه لم يثبت عنه إلا مجرد البيان من دون ما يفيد عدم الوجوب في البعض

ص: 199

المسكوت عنه فكيف وقد ثبت عنه ما يفيد ذلك كحديث أبي موسى ومعاذ عند الحاكم والبيهقي والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم قال: "لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر". قال البيهقي: رواته ثقات وهو متصل. وأخرج الطبراني عن عمر قال: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة، فذكرها ونحوه عن جماعة من الصحابة وفي بعضها ذكر الذرة ولكن من طريق لا تقوم بمثلها الحجة. "ويجب في العسل العشر" وجهه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه أخذ من العسل العشر" أخرجه ابن ماجه وقال الدارقطني: يروى عن عبد الرحمن بن الحارث وابن لهيعة عن عمرو بن شعيب ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن شعيب ومثله حديث أبي سيارة عند أحمد وابن ماجه وأبي داود والبيهقي قال: قلت يا رسول الله إن لي نحلا قال: "فأد العشور" وهو منقطع. وأخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في العسل: "في كل عشرة أزقاق زق" وفي إسناده صدقة السمين وهو ضعيف الحفظ وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "أدوا العشر في العسل" وفي إسناده منير بن عبد الله وهو ضعيف والجميع لا يقصر عن الصلاحية للاحتجاج به وفي العسل أحاديث أخرى لم ينتهض شيء منها للاحتجاج به وقد جمعها الماتن في شرح المنتقى فليراجع. "ويجوز تعجيل الزكاة" لحديث علي: أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والدارقطني والبيهقي وقد قيل: إنه مرسل، وقد روي عن علي بلفظ آخر من طريق أخرى أخرجها البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين" ورجاله ثقات إلا أنه فيه انقطاعاً، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زكاة العباس:"هي عليّ ومثلها معها" لما قيل إنه منع من الصدقة. وقد قيل إنه كان تسلف منه صدقة عامين فدل على أنه يجزئ عن المعجل أي يسقط الوجوب عند الاتصاف بت، ولا شك أن التعجل لا يكون تعجيلا إلا إذا كان قبل الوجوب. "وعلى الإمام أن يرد صدقات أغنياء كل محل في فقرائهم".

ص: 200

وجهه حديث أبي جحيفة قال: قد علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا. أخرجه الترمذي وحسنه وحديث عمران بن حصين أنه استُعمل على الصدقة فلما رجع قيل له أين المال؟ فقال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناه حيث كنا نضعه أخرجه أبو داود وابن ماجه، وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ بن خرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته أخرجه الأثرم وسعيد بن منصور بإسناد صحيح وفي الصحيحين عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: "خذها من أغنيائهم وضعها في فقرائهم". "ويبرأ رب المال بدفعها إلى السلطان وإن كان جائرا" لحديث ابن مسعود في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها" قالوا يا رسول الله: فما تأمرنا؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم" وأخرج مسلم والترمذي وصححه من حديث وائل بن حُجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ فقال: "اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُملوا وعليكم ما حُملتم" وأخرج أبو داود من حديث جابر بن عتيك1 مرفوعاً بلفظ: "سيأتيكم ركب مبغضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتهم رضاهم" وأخرج الطبراني عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا: "ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس" وفي الباب آثار الصحابة حتى أخرج البيهقي عن عمر أنه قال: "ادفعوها إليهم وإن شربوا الخمر" وإسناده صحيح وأخرج أحمد من حديث أنس أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال: "نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها" وأخرج البيهقي من حديث أبي هريرة: "إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك فإن اعتدى عليك فوله ظهرك ولا تلعنه وقل

1 في الأصل جابر بن عبيد وهو خطأ.

ص: 201

اللهم إني أحتسب عنك ما أخذ مني" وقد ذهب إلى ما دلت عليه هذه الأدلة الجمهور وأن الدفع إلى السلطان أو بأمره يجزي المالك وإن صرفها في غير مصرفها سواء كان عادلاً أو جائراً. أقول: لا ريب أن مجموع الأدلة يقتضي أن أمره الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} خطاب له إن سُلم أنه في صدقة الفرض وفد تقدم ما فيه وأنص من الآية على المطلوب حديث: "أمرت أن آخذها من أغنيائكم" وأحاديث بعثه صلى الله عليه وسلم للسعاة وأمره لهم بأخذ الصدقات ومن ذلك الأدلة الواردة في الاعتداء بما أخذه سلاطين الجور فإنها متضمنة لوجوب الدفع إليهم والاجتزاء بما دفع إليهم ومن ذلك حديث: "من أعطاها مؤتجرا فله أجره ومن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله" ومنها الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب طاعة أولي الأمر ولكن لا يخفى أن مجموع هذه الأدلة وإن أفاد أن للأئمة والسلاطين المطالبة بالزكاة وقبضها، ووجوب الدفع إليهم عند طلبهم لها فليس فيها ما يدل على أن رب المال إذا صرفها في مصرفها قبل أن يطالبه الإمام بتسليمها لا تجزئه ولا يجوز له ذلك لأن الوجوب على أرباب الأموال والوعيد الشديد لهم والترغيب تارة والترهيب أخرى لمن عليه الزكاة إذا لم يخرجها يستفاد من مجموعه أن لهم ولاية الصرف. أما مع عدم الإمام فظاهر وأما مع وجوده من غير طلب منه فكذلك أيضا، ويؤيد ذلك حديث: "أما خالد فقد حبس أدرعه وأعتده في سبيل الله" فإنه صلى الله عليه وسلم أجاب بذلك على من قال له إن خالداً منع من تسليم الزكاة. وأما المطالبة من الإمام فالظاهر أنه لا يجوز لرب المال الصرف لأنه عصيان لمن أمر الله بطاعته ولكن هل يجزئه ذلك أم لا؟ الظاهر الإجزاء لأنه لا ملازمة بين كونه عاصيا لأمر الإمام وبين عدم الإجزاء ومن رغم ذلك طولب بالدليل فإن قيل الدليل ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله" فيقال: الحديث على ما فيه من المقال لا يصلح للاستدلال به على هذا لأن المراد أنه منع الزكاة ولم يسلمها إلى الإمام ولا صرفها في مصارفها كما هو مدلول المنع الواقع على ضمير الزكاة في الحديث كما في أحاديث الوعيد لمانع الزكاة فإن المراد به المانع لها عن الإخراج مطلقاً ومما يؤيد ثبوت الولاية لرب المال قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْر

ص: 202

لَكُمْ} ففي هذه الآية أعظم متمسك وأوضح مستند ومن زعم أنها في صدقة النفل بدليل السياق فلم يصب لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول. نعم تطبيق الأدلة الواردة منه صلى الله عليه وسلم على من بعده من الأئمة والسلاطين حتى يكون لهم مثل الذي له في أمر الزكاة يحتاج إلى فضل نظر ولا يقنع الناظر بمجرد الإجماع السكوتي الواقع من الناس بعد عصره صلى الله عليه وسلم، وأما قتال الصحابة لمانعي الزكاة فلكونهم ارتدوا بذلك وصمموا على منع إخراجها وقد أمر صلى الله عليه وسلم أمته بقتال الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويفعلوا سائر أركان الإسلام وأعظم ما يُستأنس به ما ورد في طاعة السلاطين وإن ظلموا وأن دفعها إليهم من الطاعة لهم كما في حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليهم وسلم قال:"إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها" قالوا يا رسول الله: فما تأمرنا؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم" أخرجه الشيخان وغيرهما، وعن وائل بن حُجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ قال: "اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُملوا وعليكم ما حُملتم" أخرجه مسلم وغيره وفي الباب أحاديث كثيرة وهي تفيد وجوب طاعتهم فيما طلبوا إذا كان في معروف غير معصية وطلبهم للزكاة من المعروف إذا كانوا يجعلونها في أمر غير معصية الله، والأمر بالطاعة فرع ثبوت الولاية وثبوتها يستلزم الإجزاء، وقد ذهب إلى هذا الجمهور من الصحابة فمن بعدهم ويؤيد ذلك حديث جابر بن عتيك عند أبي داود مرفوعاً بلفظ:"سيأتيكم ركب مبغضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم" وأخرج الطبراني من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا: "ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس" ويغني عن جميع هذا التكليف بطاعة سلاطين الجور ما أقاموا الصلاة وفي بعض الأحاديث الأمر بالطاعة للظلمة ما لم يظهروا كفرا فمن طلب الزكاة منهم لم تتم الطاعة له التي كلفنا الله بها إلا بالدفع إليه والله أعدل أن يجمع على رب المال في ماله زكاتين زكاة للظالم المأمور بطاعته وزكاة أخرى تصرف إلى غيره.

ص: 203