الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملبي عن شبرمة كان أجنبيا عنه بل ورد في رواية: "وهو أخ له أو صديق" ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال. وفي لفظ أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من شبرمة"؟ قال: أخ لي أو قريب لي. وقد أخرج هذه الرواية البيهقي والظاهر أن اعتناءه به وتلبيته عنه وطيبة نفسه بأن يكون حجه له للقرابة بينهما إذ من البعيد أن يفعل ذلك لغير من بينه وبينه قرابة ثم ليس في الحديث أن شبرمة هذا قد كان مات إذ ذاك. وأما ما رواه الثعلبي في تفسيره بلفظ: من أوصى بحجة كانت أربع حجج وحجة للذي كتبها. فمع كونه غير مرفوع لا يدرى كيف إسناده. والثعلبي ليس من أهل الرواية فقد روى في تفسيره الموضوعات. وقد أخرج البيهقي مثل ما ذكر عن جابر مرفوعا كما ذكره صاحب التخريج فينظر في سنده فما أظنه يصح. والحاصل: أن هذا البحث طويل الذيول متشعب الحجج والنقول فمن رام ولعثور على الصواب فعليه بالفتح الرباني فتاوي الشوكاني ودليل الطالب على أرجح المطالب لهذا العبد الضعيف وليس مقصودنا هنا إلا التنبيه على الحق الحقيق بالقبول وإن أباه أكثر العقول. وحديث: "فدين الله أحق أن يقضى" ليس المراد به دفع الأجرة لمن يحج بل المراد أن الحج عن الوالد يصح من الولد كما يصح منه قضاء الدين ولا يرد على هذا أن اللفظ عام والاعتبار به لأنا نقول: العموم ليس هو إلا باعتبار فعل فريضة الحج لا باعتبار دفع المال لمن يحج فهذا لم يرد به دليل فعرفت بهذا أن ما يوصي به الميت من أجرة من يحج عنه لكون خارجا من ثلثه المأذون له. وأما من قال بوجوب الوصية على من لم يحج فكان قياس قوله أن تكون الأجرة الموصى بها من رأس المال لأن وجوب الوصية فرع وجوب الأجرة في مال الموصي ولا فرق بين وجوب مثل الأجرة من ماله وبين وجوب مثل الزكاة. وأما ما يذكرونه من الفرق بين ما يتعلق بالمال ابتداء وانتهاء وبين ما يتعلق بالبدن ابتداء بالمال وانتهاء فشيء لا مستند له ولا معول عليه.
باب العمرة المفردة
وقد تقدمت صفتها. "يحرم لها من الميقات" أي كالتنعيم لأن الإحرام لها كالإحرام للحج وقد تقدمت الأدلة في ذكر المواقيت فإنها للحج والعمرة ومن كان في مكة خرج إلى الحل لما ثبت في الصحيحين وغيرهما: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج عائشة إلى التنعيم فتحرم للعمرة منه، ثم يطوف ويسعى ويحلق ويقصر ولا خلاف في ذلك وقد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الصحيحين وغيرهما من حديث جماعة من الصحابة أنه أمر من لم يكن معه هدي بالطواف والسعي والحلق أو التقصير فمن فعل ذلك فقد حل الحل كله فواقعوا النساء بعد ذلك. "وهي مشروعة" في العالمكيرية: العمرة عندنا سنة وليست بواجبة وللشافعي قولان: أظهرهما أنها فرض والثاني سنة. أقول: ولم يأت من قال بوجوبها بدليل ينتهض للوجوب بل ما روي في ذلك متكلم عليه مع أنه معارض بأحاديث أوردها من قال بعدم الوجوب مصرحة بذلك وهي لا تخلوا عن مقال والواجب العمل على البراءة الأصلية حتى يرد ناقل ينقل عنها ولم يأت إلا ما يفيد مطلق المشروعية لا المقيدة بالوجوب فالحق ما قاله من ذهب إلى عدم الوجوب في جميع السنة لحديث عائشة عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال. وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته. ومن ذلك عمرة عائشة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم فإن ذلك كان مع حجتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان أهل الجاهلية يحرمون العمرة في أيام الحج فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم واعتمر وأمر بالعمرة فيها، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عمرة في رمضان تعدل حجة". أقول ثبت اعتماره صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج بل روي أن عمَرَه كلها كانت في أشهر الحج وإنما فعل ذلك لقصد الرد على المشركين فإنهم كانوا يروونها في أشهر الحج من أفجر الفجور. وأما تعليل بعض الفقهاء للكراهة بأن العمرة تشغل عن أعمال الحج فليست أعمال الحج بمستغرقة لشوال والقعدة وبعض الحجة بل هي في بعض أيام ذي الحجة فما بال من ذهب إلى كراهة العمرة في أشهر الحج وخالف هدي محمد صلى الله عليه وسلم. والحاصل: أن هذا ونحوه صنيع من لا يدري بالمدارك خفيها وجليها والله المستعان. ومن أراد الاطلاع على تفصيل أحكام الحج والعمرة على الوجه الثابت المأثور فليرجع إلى منسكنا رحلة الصديق إلى البيت العتيق وإلى كتابنا مسك الختام شرح بلوغ المرام.