الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويوم النحر. وقد أجمع المسلمون على ذلك. "وأيام التشريق" لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصوم فيها كما ثبت ذلك من طريق جماعة من الصحابة وقد سرد أحاديثه الماتن في شرح المنتقى. واستقبال رضمان بيوم أو يومين لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصمه" ويؤيده حديث أبي هريرة أيضا عند أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره مرفوعا بلفظ: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" وفي الباب أحاديث والخلاف طويل مبسوط في المطولات. أقول: وما زال الخلاف في هذه المسألة من عصر الصحابة إلى الآن، وقد صارت مركزا من المراكز التي يتغالى الناس في أمرها إثباتا ونفيا ولم يحتج أحد منهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه، وأما ما احتجوا به من العمومات الدالة على مشروعية مطلق الصوم واستحبابه فنحن نقول بموجبها ونقول هي مخصصة بأحاديث أمره صلى الله عليه وسلم بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته أو إكمال العدة كما صح في جميع دواوين الإسلام وبأحاديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان بيوم أو يومين وهو في الصحيح بل ورد النهي عن صوم النصف الأخير من شعبان وقال عمار: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم، وهو صحيح. بل قال ابن عبد البر: لا يختلفون في رفعه ولعل مراده أن له حكم الرفع لا أن القائل له هو النبي صلى الله عليه وسلم فهذا إذا لم يصلح لتخصيص العمومات لم يصلح مخصص قط ومن نظر إلى ما يقع من عوام المسلمين بل ومن بعض خواصهم في هذه الأعصار من التخاري على الصوم والإفطار بمجرد الشكوك والخيالات التي هي عن الشريعة بمعزل قضى العجب وبكى على الدين وانتظر القيامة.
باب الاعتكاف
"يشرع" لا خلاف في مشروعية الاعتكاف وقد كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة. "ويصح في كل وقت في المساجد" لأنه ورد الترغيب فيه
ولم يأت ما يدل على أنه يختص بوقت معين، وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك" وأما كونه لا يكون إلا في المساجد فلأن ذلك هو معنى الاعتكاف شرعا إذ لا يسمى من اعتكف في غيرها معتكفا شرعا، وقد ورد ما يدل على ذلك كحديث:"لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة" أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من حديث حذيفة. قال في المسوى: الاعتكاف جائز في كل مسجد فإن لم يكن المسجد جامعا فالخروج للجمعة واجب عليه فإذا خرج يبطل اعتكافه عند الشافعي فيحتاج إلى نية جديدة لما يستقبله إن كان تطوعا ولا يبطل عند أبي حنيفة كما لو خرج لقضاء الحاجة. أقول: لا ريب أن مسمى الاعتكاف الشرعي لا يحصل إلا إذا كان في المسجد ولهذا لم تختلف الأمة في اعتبار ذلك إلا ما يروى عن محمد بن عمر بن لبابة المالكي فإنه أجازه في كل مكان، وإنما اختلفوا هل يجزئ الاعتكاف في كل مسجد أم في الثلاثة المساجد فقط أم في المسجد الحرام فقط؟ والظاهر أنه يجزئ في كل مسجد قال تعالى:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ولا حجة في قول عائشة ولا في قول حذيفة1 في هذا الباب. "وهو في رمضان آكد سيما في العشر الأواخر منه" أفضل وآكد لكونه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فيها. ولم يرد ما يدل على توقيته بيوم أو أكثر ولا على اشتراط الصيام إلا من قول عائشة وحديث نذر عمر المتقدم يرده، وكذلك حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" أخرجه الدارقطني والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه.
وبالجملة: فلا حجة إلا في الثابت من قوله صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه ما يدل على أنه لا اعتكاف إلا بصوم بل ثبت عنه ما يخالفه في نذر عمر وقد روى أبو داود عن عائشة مرفوعا من حديث: "ولا اعتكاف إلا بصوم" ورواه غيره من قولها ورجح ذلك الحفاظ. أقول: اعلم أن كون الشيء شرطا لشيء آخر أو ركنا له أو فرضا من فروضه لا يثبت إلا بدليل لأنه حكم شرعي
1 قول عائشة سيأتي في الكلام على خروج المعتكف وهو حديث صحيح مرفوع حكما وقول حذيفة سبق قريبا وهو حديث مرفوع أيضا.
أو وضعي ولم يأت ما يدل على أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم، بل ثبت الترغيب منه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف ولم ينقل إلينا أنه اعتبر ذلك ولو كان معتبرا لبينه للأمة. وأما اعتكافه صلى الله عليه وسلم في صومه فلا يستلزم أن يكون الاعتكاف كذلك لأنه أمر اتفاقي ولو كان ذلك معتبرا لكان اعتكافه في مسجده معتبرا فلا يصح من أحد الاعتكاف في غيره وأنه باطل. وأما قول عائشة المتقدم فظاهر هذا السياق أن لفظ:"ولا اعتكاف إلا بصوم" ليس من بيان السنة المذكورة في أول كلامها بل ابتداء كلام منها فقد أخرجه النسائي ولم يذكر فيه قولها من السنة وكذلك أخرجه أيضا من حديث مالك وليس فيه ذلك وقال أبو داود: غير عبد الرحمن بن إسحق لا يقول فيه من السنة وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها: "لا يخرج وما عداه ممن دونها" وكذلك رحج ذلك البيهقي كما ذكره ابن كثير في إرشاده ومما يؤيد هذا حديث: "من اعتكف فواق ناقة" وكذلك حديث: "ليس على المعتكف صيام" وفيهما مقال أوضحه الماتن رح في شرح المنتقى، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف عشرا من شوال ولم ينقل عنه أنه صامها بل روي عنه أنه اعتكف العشر الأول من شوال ولا يخفى أن يوم الفطر من جملتها وليس بيوم صوم فالحق عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف لما تقدم ولما ثبت أن عمر: سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال: "أوف بنذرك" وهو متفق عليه، وفي رواية لمسلم:"يوما" مكان: "ليلة" وما في الصحيحين أرجح مما في أحدهما إذا لم يمكن الجمع وقد جمع ابن حبان وغيره بأنه نذر اعتكاف ليلة ويوم وفي رواية أبي داود والنسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتكف وصم" ولكن في إسناده عبد الله بن بديل وهو ضعيف، وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عمرو بن دينار وقال الحافظ في الفتح إن رواية من روى:"يوما" شاذة، وإذا عرفت ما تقدم من عدم انتهاض ما احتجوا به على شرطية الصوم فالحق الحقيق بالقبول أن الاعتكاف يكون ساعة فما فوقها. بل حديث:"من اعتكف فواق ناقة" يدل على أنه يكون أقله لحظة مختطفة وهذا الحديث وإن لم يكن صالحا للاحتجاج به فالأصل عدم التقدير بوقت معين، والدليل على مدعي ذلك ثم كون اليوم الكامل
شرطا للصوم لا يسلتزم أن يكون شرطا للاعتكاف لأنه يمكن الاعتكاف بعض اليوم مع الصوم لكل اليوم فاليوم شرط الصوم لا شرط الاعتكاف على تسليم أن الصوم شرط. ويستحب الاجتهاد في العمل فيها لحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل كله وأيقظ أهله وشد المئزر. وهو في الصحيحين وغيرهما. "وقيام ليالي القدر" لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".وفي تعيين ليلة القدر أحاديث مختلفة وأقوال جاوزت الأربعين ذكرتها في مسك الختام شرح بلوغ المرام بالفارسية وقد استوفاها الماتن في نيل الأوطار وفي حاشية الشفاء للماتن. أقول: في تعيينها مذاهب يطول تعدادها وقد بسطتها في شرح المنتقى فكانت سبعة وأربعين قولا وذكرت أدلتها وبينت راجحها من مرجوحها ورحجت أنها في أوتار العشر الأواخر لما ذكرته هنالك انتهى. قال في الحجة البالغة: إن ليلة القدر ليلتان: إحداهما ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم وفيها نزل القرآن جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك نجما نجما وهي ليلة في السنة ولا يجب أن تكون في رمضان نعم رمضان مظنة غالبة لها واتفق أنها كانت في رمضان عند نزول القرآن والثانية يكون فيها نوع انتشار الروحانية ومجيء الملائكة إلى الأرض فيتفق المسلمون فيها على الطاعات فيتعاكس أنوارهم فيما بينهم ويتقرب منهم الملائكة ويتباعد منهم الشياطين ويستجاب منهم أدعيتهم وطاعاتهم وهي ليلة في كل رمضان في أوتار العشر الأواخر تتقدم وتتأخر فيه ولا تخرج منها فمن قصد الأولى قال: هي في كل سنة ومن قصد الثانية قال: هي في العشر الأواخر من رمضان1، وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:"أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" وقال: "أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين" فكان ذلك في ليلة إحدى وعشرين واختلاف الصحابة فيها مبني على اختلافهم في وجدانها، ومن أدعية من وجدها: "اللهم إنك
1 هذا خيال غريب من صاحب الحجة البالغة لا دليل عليه من كتاب ولا سنة وما أظن أحدا قبله والعبرة في هذه الأمور بالنقل لا بالتخيل والأوهام.
عفو تحب العفو فاعف عني". وفي المسوى اختلفوا في ليلة هي أرجى والأقوى أنها ليلة في أوتار العشرة الأخيرة تتقدم وتتأخر وقول أبي سعيد إنها ليلة إحدى وعشرين، وقال المزني وابن خزيمة إنها تنتقل كل سنة ليلة جمعا بين الأخبار. قال في الروضة: وهو قوي ومذهب الشافعي أنها لا تلزم ليلة بعينها وفي المنهاج ميل الشافعي إلى أنها ليلة الحادي والثالث والعشرين وعن أبي حنيفة أنها في رمضان لا يدرى أية ليلة هي وقد تتقدم وتتأخر وعندهما كذلك إلا أنها متعينة لا تتقدم ولا تتأخر. ولا يخرج المعتكف إلا لحاجة لما ثبت من حديث عائشة في الصحيحين عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أنه كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفا" وأخرج أبو داود عنها قالت: كان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه. وفي إسناده ليث بن أبي سليم. قال الحافظ: والصحيح عن عائشة من فعلها أخرجه مسلم وغيره، وقال صح ذلك عن علي وأخرج أبو داود عن عائشة أيضا قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه. "ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" وأخرجه أيضا النسائي وليس فيه قالت: السنة. قال أبو داود: غير عبد الرحمن بن اسحق لا يقول فيه قالت السنة وجزم الدارقطني بأن القدر من حديث عائشة قولها: "لا يخرج" وما عداه ممن دونها1. قال في المسوى: اتفق أهل العلم على أن المعتكف يخرج للغائط والبول ولا يفسد به اعتكافه ولا يخرج للأكل والشرب ويجوز له غسل الرأس وترجيل الشعر وما في معناه، وأكثرهم على أنه لا يجوز له الخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة إلا أن يخرج لحاجة فيسأل المريض مارا وإن شرط في اعتكافه الخروج لشيء من هذا جاز له أن يخرج عند الشافعي ولا يجوز عند أبي حنيفة كذا في شرح السنة.
1 سبق أن نقل كلام أبي داود والدارقطني فلا داعي لتكراره. وانفراد عبد الرحمن بن إسحاق بزيادة قول عائشة: السنة لا يضر فإنه ثقة تقبل زيادته ومثل هذا حكمه أن يكون مرفوعا عند أهل العلم بالحديث.