الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: في ذكر نبذ من فضائله
كان عثمان رضي الله عنه من السابقين الأولين، وصلى إلى القبلتين، وهاجر الهجرتين، وتزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد من البدريين ومن أهل بيعة الرضوان ولم يشهدهما كما تقدم بيانه، وهو أحد من توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، وقد تقدم ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة في باب ما دون العشرة في أحاديث حراء، وفي باب الثلاثة في أحاديث أحد وثبير.
ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه على الحق:
عن كعب بن عجرة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها وعظمها قال: ثم مر رجل مقنع في ملحفة فقال: "هذا يومئذ على الحق" فانطلقت فأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله؟ قال: "هذا" فإذا هو عثمان بن عفان. خرجه أحمد، وخرج الترمذي معناه عن مرة بن كعب البهزي وقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه ثم ذكر ما بعده وقال: حسن صحيح.
ذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه عند ثوران الفتنة:
عن مرة بن كعب البهزي قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة قال: "كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر؟ " قالوا: فنصنع ماذا يا رسول الله? قال: "عليكم بهذا وأصحابه، أو اتبعوا هذا وأصحابه" قال: فأسرعت حتى عطفت الرجل فقلت: هذا يا نبي الله? قال: "هذا" فإذا هو عثمان بن عفان. أخرجه أبو حاتم وأحمد، وقال فيه: فأسرعت حتى عييت فلحقت بالرجل فقلت: هذا يا نبي الله؟ ثم ذكر ما بقي.
"شرح" صياصي: قرون البقر، وربما ركبت في الرماح مكان الأسنة، والصياصي: الحصون.
ذكر وصفه بالأمين، والحث على الكون معه:
عن أبي حبيبة قال: سمعت أبا هريرة -وعثمان محصور- استأذن في الكلام فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها تكون فتنة واختلاف، أو اختلاف وفتنة" قلنا: يا رسول الله فما تأمرنا? قال: "عليكم بالأمين وأصحابه" وأشار إلى عثمان بن عفان. خرجه القزويني الحاكمي.
وعن كعب قال: والذي نفسي بيده إن في كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان الأمين، فالله الله يا معاوية في أمر هذه الأمة، ثم نادى الثانية: إن في كتاب الله المنزل، ثم أعاد الثالثة. خرجه الأنصاري.
ذكر أن له شأنًا في أهل السماء:
عن زيد بن أبي أوفى حديث مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وفيه: ثم دعا عثمان وقال: "ادن يا أبا عمرو، ادن يا أبا عمرو" فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبته بركبته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء وقال:"سبحان الله" ثلاث مرات ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرها صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال: "اجمع عطفي ردائك على نحرك" ثم قال: "إن لك لشأنا في أهل السماء أبا عمرو، ترد على حوضي وأوداجك تشخب دما فأقول: من فعل بك هذا? فتقول: فلان وفلان، وذلك كلام جبريل" خرج هذا القدر أبو الخير الحاكمي، وخرج حديث المؤاخاة بكماله أبو القاسم الدمشقي، وقد تقدم في باب العشرة.
ذكر استجابته الله ولرسوله في فضائل أخر:
عن عبد الله بن عدي بن الخيار بن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال: ما منعك أن تكلم عثمان في أخيه الوليد، فقد أكثر الناس فيه? فقصدت لعثمان حين خرج إلى الصلاة، قلت: إن لي إليك حاجة وهي نصيحة لك قال: يا أيها المرء منك? قال معمر: أعوذ بالله منك، فانصرفت فرجعت، فجاء رسول عثمان فأتيته فقال: ما نصيحتك? فقلت: إن الله قد بعث محمدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله، فهاجرت الهجرتين، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد قال: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم? قلت: لا ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى
العذراء في خدرها.
قال: أما بعد، فإن الله بعث محمدًا بالحق فكنت ممن استجاب لله ورسوله وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين كما قلت، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله تعالى، ثم أبا بكر1 مثله، ثم عمر مثله، ثم استخلفت أفليس لي من الحق مثل الذي لهم؟ قلت: بلى، قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم? أما ما ذكرت من شأن الوليد فنأخذ فيه بالحق إن شاء الله تعالى، ثم دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين. خرجه البخاري.
وعن حصين بن المنذر قال: لما جيء بالوليد بن عقبة إلى عثمان -وقد شرب الخمر- قال عثمان لعلي: دونك ابن عمك، فأقم عليه الحد قال: فجلده أربعين.
وفي رواية فقال علي: يا حسين قم فاجلده فقال: ما أنت هذا؟! ولي هذا غيرك؟! قال: لا، ولكنك ضعفت ووهنت وعجزت، وقال: قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده، وعد علي حتى بلغ أربعين. خرجه مسلم.
ذكر تبشيره صلى الله عليه وسلم عثمان بثبوت الإيمان:
عن أنس بن مالك قال: عطس عثمان بن عفان عند النبي صلى الله عليه وسلم عطسات متواليات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عثمان ألا أبشرك?" قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال:"فهذا جبريل يخبرني عن الله عز وجل أن من عطس ثلاث عطسات متواليات كان الإيمان ثابتا في قلبه" خرجه أبو الخير الحاكمي وقال: إنما أراد به من عطس ثلاثًا وهو على مثل مقام عثمان في الحياء والإيمان، قلت: وهذا تحكم لا مستند
1 ثم عاملت أبا بكر مثله.
له، بل إن صح الحديث فظاهره العموم، وتكون هذه خصيصًا للمؤمنين.
ذكر شهادته صلى الله عليه وسلم بأن له الشفاعة يوم القيامة:
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليشفع عثمان يوم القيامة في سبعين ألفا عند الميزان من أمتي، ممن استوجبوا النار".
وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة مثل أحد الحيين ربيعة ومضر" قيل: وكانوا يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان. خرجهما الملاء في سيرته.
وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يشفع عثمان يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر" خرجه الحاكمي القزويني.
ذكر تشبيهه صلى الله عليه وسلم عثمان بإبراهيم عليه السلام:
عن مسلم بن يسار قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فقال: "شبيه بإبراهيم عليه السلام وإن الملائكة لتستحي منه" خرجه المخلص الذهبي والبغوي في الفضائل.
وقد تقدم في مناقب الأعداد أنه شبيه بهارون، فيحتمل أن يكون شبيهًا بإبراهيم في استحياء الملائكة منه، أو في بعض صفاته وهارون في بعض.
ذكر فراسته:
روي أن رجلا دخل على عثمان وقد نظر امرأة أجنبية، فلما نظر إليه
قال: هاء1!! أيدخل علي أحدكم وفي عينيه أثر الزنا? فقال له الرجل: أوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم? قال: لا!! ولكن قول حق، وفراسة صدق. خرجه الملاء في سيرته.
ذكر كراماته:
عن نافع أن جهجاه الغفاري تناول عصا عثمان وكسرها على ركبته، فأخذته الأكلة في رجله.
وعن أبي قلابة قال: كنت في رفقة بالشام، إذ سمعت صوت رجل يقول: يا ويلاه النار!! قال: فقمت إليه وإذا رجل مقطوع اليدين والرجلين من الحقوين2 أعمى العينين منكب لوجهه فسألته عن حاله فقال: إني قد كنت ممن دخل على عثمان الدار فلما دنوت منه صرخت زوجته فلطمتها، فقال: ما لك قطع الله يديك ورجليك وأعمى عينيك وأدخلك النار، فأخذتني رعدة عظيمة وخرجت هاربًا فأصابني ما ترى ولم يبق من دعائه إلا النار قال: فقلت له: بعدًا لك وسحقًا. خرجهما الملاء في سيرته.
وعن مالك أنه قال: كان عثمان مر بحش كوكب فقال: إنه سيدفن ههنا رجل صالح، فكان أول من دفن فيه. خرجه القلعي.
ذكر متابعته للسنة:
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أفضت مع ابن مسعود من عرفة، فلما جاء المزدلفة صلى المغرب والعشاء، كل واحد منهما بأذان وإقامة وجعل بينهما العشاء ثم نام، فلما قال قائل: طلع الفجر صلي الفجر، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
1 لفظة تذكر عند التعجب من شيء.
2 من الجنبين.
"إن هاتين الصلاتين أخرتا عن وقتهما" في هذا المكان المغرب، فإن الناس لا يأتون ههنا حتى يعتموا، وأما الفجر فهذا الحين، ثم وقف فلما أسفر قال: إن أصاب أمير المؤمنين السنة دفع، قال: فما فرغ عبد الله حتى دفع عثمان.
وعن أبي شريح الخزاعي قال: كسفت الشمس في عهد عثمان بن عفان وبالمدينة عبد الله بن مسعود قال: فخرج عثمان فصلى بالناس تلك الصلاة: ركعتين وسجدتين في كل ركعة قال: ثم انصرف ودخل داره وجلس عبد الله إلى حجرة عائشة وجلسنا إليه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر، فإذا رأيتموه قد أصابهما فافزعوا إلى الصلاة؛ فإنها إن كانت الذي تحذرون كانت وأنتم على غير غفلة، وإن لم تكن كنتم قد أصبتم خيرًا اكتسبتموه. خرجهما أحمد.
ذكر تعبده:
عن محمد بن سيرين قال: كان عثمان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن. وعنه قال: قالت امرأة عثمان، حين أطافوا به يريدون قتله: إن يقتلوه أو يتركوه، فإنه كان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن. خرجهما أبو عمر.
وعن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: قلت: لأغلبن الليلة على المقام، قال: فلما صلينا العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه قال: فبينا أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان، فبدأ بأم القرآن يقرأ حتى ختم القرآن فركع وسجد، ثم أخذ نعليه فلا أدري صلى قبل ذلك شيئًا أم لا. خرجه الحاكمي والملاء.
وعن مولاة لعثمان قالت: كان عثمان يصوم الدهر. خرجه أبو عمر وصاحب الصفوة.
وعن الزبير بن عبد الله عن جدته قالت: كان عثمان يصوم الدهر، ويقوم الليل إلا هجعة من أوله. خرجه في الصفوة.
وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: قلت: لأغلبن الليلة على الحجر -يعني المقام- فقمت، فلما قمت إذا برجل متقنع زحمني فنظرت فإذا عثمان بن عفان، فتأخرت فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت: هذه هوادي الفجر أوتر بركعة لم يصل غيرها ثم انطلق. خرجه الشافعي في مسنده.
ذكر كثرة إعتاقه:
عن أبي نشور الفهمي قال: قدمت على عثمان، فبينما أنا عنده فخرجت فإذا وفد أهل مصر قد رجعوا فدخلت عليه فأعلمته، قال: كيف رأيتهم? قلت: رأيت في وجوههم الشر، وعليهم ابن عدس البلوي، فصعد ابن عدس منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الجمعة وتنقص عثمان في خطبته، فدخلت عليه فأخبرته بما قام فيهم فقال: كذب والله ابن عدس، لولا ما ذكر ما ذكرت ذلك، إني والله لرابع أربعة في الإسلام وأنكحني رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته، ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى؛ ما زنيت ولا سرقت في الجاهلية ولا في الإسلام، ولا تغنيت ولا تمنيت منذ أسلمت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أتت جمعة إلا ولنا عتق رقبة منذ أسلمت، إلا أن لا أجد تلك الجمعة فأجمعها في الجمعة الثانية. أخرجه الرازي والفضائلي.
ذكر صدقاته:
تقدم في الخصائص طرف جيد منها، عن ابن عباس قال: قحط الناس في زمان أبي بكر، فقال أبو بكر: لا تمسون حتى يفرج الله عنكم. فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال: قدمت لعثمان ألف راحلة برا
وطعاما، قال: فغدا التجار على عثمان فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيها على عاتقه فقال لهم: ما تريدون? قالوا: قد بلغنا أنه قد قدم لك ألف راحلة برا وطعاما، بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم عثمان: ادخلوا فدخلوا فإذا ألف وقر1 قد صب في دار عثمان، فقال لهم: كم تربحونني على شرائي من الشام? قالوا: العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة? قال: زادني2 بكل درهم عشرة، عندكم زيادة? قالوا: لا!! قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة، قال عبد الله3: فبت ليلتي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي وهو على برذون أشهب يستعجل وعليه حلة من نور وبيده قضيب من نور وعليه4 نعلان شراكهما من نور، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد طال شوقي إليك، فقال صلى الله عليه وسلم:"إني مبادر؛ لأن عثمان تصدق بألف راحلة، وإن الله تعالى قد قبلها منه وزوجه بها عروسا في الجنة، وأنا ذاهب إلى عرس عثمان" خرجه الملاء في سيرته.
ذكر زهده:
عن شرحبيل بن مسلم قال: كان عثمان يطعم الناس طعام الإمارة، ويأكل الخل والزيت. خرجه صاحب الصفوة والملاء والفضائلي.
وعن عبد الله بن شداد قال: رأيت عثمان يوم الجمعة يخطب وهو يومئذ أمير المؤمنين، وعليه ثوب قيمته أربعة دراهم أو خمسة دراهم. خرجه الملاء.
1 حمل.
2 أي: الله تبارك وتعالى، يعني قوله تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} .
3 هو ابن عباس، راوي هذا الخبر.
4 وفي قدميه.
وعن الحسن، وقد سأله رجل: ما كان رداء عثمان? قال: قطري، قال: كم ثمنه? قال: ثمانية دراهم، قال: ما كان قميصه? قال: سنبلاني، قال: كم ثمنه? قال: ثمانية دراهم، قال: ونعلاه معقبتان مخصرتان لهما قبالان. خرجه البغوي في معجمه، وخرجه ابن الضحاك مختصرًا بزيادة، ولفظه: أنه سئل عن رداء عثمان فقال: قطري، قيل: فما كان قميصه? قال: سنبلاني، قيل: فما كان إزاره? قال: سراويل، ونعلاه لهما قبالان مخصرتان معقبتان.
"شرح" القطر: ضرب من البرود، يقال لها: القطرية. وسنبلاني قال الهروي: يجوز أن يكون منسوبًا إلى موضع من المواضع، ويقال إذا نسب: ثوب سنبلاني، وسنبل ثوبه: إذا أسبله وجره من خلفه إلا أنه غير مراد هنا؛ لأنه ذكره في معرض المدح له. ومخصرتان أي: حف خصريهما حتى صارا مستدقين، وخصرة كل شيء: وسطه.
ذكر خوفه:
عن أبي الفرات قال: كان لعثمان عبد فقال له: إني كنت عركت أذنك فاقتص مني فأخذ بأذنه، ثم قال عثمان: اشدد، يا حبذا قصاص في الدنيا لا قصاص في الآخرة. خرجه ابن السمان في الموافقة.
وروي عنه أنه قال: لو أني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير. خرجه الملاء.
عن حماد بن زيد قال: رحم الله أمير المؤمنين عثمان، حوصر نيفًا وأربعين ليلة لم تبد منه كلمة يكون لمبتدع فيها حجة. خرجه الفضائلي.
"شرح" النيف يخفّف ويشدّد وأصله من الواو، ويقال: عشرة ونيف ومائة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني.
ذكر تواضعه:
عن الحسن قال: رأيت عثمان نائمًا في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجيء الرجل فيجلس إليه، ثم يجيء الرجل فيجلس إليه، فيجلس كأنه أحدهم. خرجه في الصفوة، وخرج خيثمة معناه ولفظه: قال: رأيت عثمان نائمًا في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين. وخرجه الملاء ولفظه: رأيت عثمان يقيل في المسجد ويقوم، وأثر الحصا في جنبه فيقول الناس: هذا أمير المؤمنين.
وعن علقمة بن وقاص أن عمرو بن العاص قام إلى عثمان وهو يخطب الناس فقال: يا عثمان، إنك قد ركبت بالناس النهابير وركبوها منك، فتب إلى الله عز وجل وليتوبوا، قال: فالتفت إليه عثمان وقال: وأنت هناك يابن النابغة، ثم رفع يديه واستقبل القبلة وقال: أتوب إلى الله تعالى، اللهم إني أول تائب إليك. خرجه القلعي.
النهابير: الرمال المشرفة، وأراد: إنك ركبت شدائد وأمورًا صعبة، كما يصعب السير في الرمال.
ذكر شفقته على رعيته:
عن سليمان بن موسى: أن عثمان بن عفان دعي إلى قوم كانوا على أمر قبيح، فخرج إليهم فوجدهم قد تفرقوا ورأى أمرًا قبيحا، فحمد الله إذ لم يصادفهم وأعتق رقبة. خرجه في الصفوة.
ذكر حسن صحبته لأهله، وخدمه:
عن جدة الزبير بن عبد الله مولاة لعثمان قالت: كان عثمان لا يوقظ أحدًا من أهله من الليل إلا أن يجده يقظان، فيدعوه فيناوله وضوءه. خرجه أبو عمر وصاحب الصفوة.
ذكر كثرة الخير في زمن ولايته:
عن محمد بن سيرين قال: كثر المال في زمن عثمان، فبيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم. وعن الحسن قال: كانت الأرزاق في زمن عثمان دارة، والخير كثيرا.
ذكر ما جاء في الحث على حبه، والتحذير من بغضه:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة يؤتى بعثمان وأوداجه تشخب دما، اللون لون دم والرائحة رائحة المسك، يكسى حلتين من نور وينصب له منبر على الصراط، فيجوز المؤمنون بنور وجهه، وليس لمبغضه منه نصيب" خرجه الملاء في سيرته.
وعن علي بن زيد بن جدعان قال: قال لي سعيد بن المسيب: انظر إلى وجه هذا الرجل، فنظرت فإذا هو مسود الوجه، فقلت: حسبي، قال: إن هذا كان يسب عليا وعثمان فكنت أنهاه فلا ينتهي. فقلت: اللهم إن هذا يسب رجلين قد سبق لهما ما تعلم، اللهم إن كان يسخطك ما يقول فيهما فأرني فيه آية، فاسود وجهه كما ترى. خرجه أبو عمر، وخرجه خيثمة ولفظه: كنت جالسًا عند سعيد بن المسيب فقال لي: قل لقائدك يذهب ينظر إلى هذا الرجل حتى أحدثك، قال: فذهب قال: فرأيت رجلا أسود الوجه أبيض الجسد، فقال سعيد: هذا كان يسب عليا وعثمان وطلحة والزبير فقلت: إن كان كاذبًا سود الله وجهه، فخرجت بوجهه قرحة فاسود وجهه. وخرج عن أنس أنه ذكر عنده أنه لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب أبدا، فقال: كذبوا، والله إنا نحب عليا وعثمان.
وفي رواية: كذبوا والله الذي لا إله إلا هو، لقد اجتمع حبهما في قلوبنا، ونحن كذلك والحمد لله.
ذكر ثناء علي رضي الله عنه على عثمان:
تقدم في الخصائص قول علي: كان عثمان أوصلنا للرحم، وأتقانا للرب.
وعن أم عمرو بنت حسان بن يزيد بن أبي الغض -قال أحمد بن حنبل: وكانت عجوز صدق- قالت: حدثني أبي قال: دخلت المسجد الأكبر -مسجد الكوفة- وعلي قائم على المنبر يخطب الناس وهو ينادي بأعلى صوته ثلاث مرات: يا أيها الناس!! يا أيها الناس!! إنكم تكثرون في عثمان وإن مثلي ومثله كما قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 1 أيها الناس، هذه لنا خاصة. وعنه وقد قيل له: إنهم يقولون: إن عليا قتل عثمان، فقال: قتله الذي قتله، لعن الله قتلة عثمان.
قال علي: أنا وطلحة وعثمان والزبير كما قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} خرجهما ابن السمان.
وعن محمد بن حاطب قال: دخلت على علي وهو بالكوفة فقلت: يا أمير المؤمنين إني أريد الحجاز وإن الناس سائلي عنك، فما تقول في، وكان متكئا؟ فجلس وقال: تسائلني يابن حاطب عما أقول في عثمان? والله إني لأرجو أن أكون أنا وأخي عثمان ممن قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} خرجه ابن السمان.
وعنه عن علي قال: عثمان من الذين آمنوا، ثم قرأ:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} خرجه ابن حرب الطائي.
وعن ثابت بن عبد قال: جاء رجل من آل حاطب إلى علي بن أبي
1 سورة الحجر الآية 47.
طالب فقال: يا أمير المؤمنين إني راجع إلى المدينة، وإنهم سائلي عن عثمان، فماذا أقول لهم? قال: أخبرهم أن عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين.
وعن محمد بن الحنفية قال: قال علي: لو سيرني عثمان إلى كذا لسمعت وأطعت.
وعن عروة بن الزبير قال: لما زاد عثمان في المسجد قال علي: ما أحسن ما صنع! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بني مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة".
وعن أبي سعيد قال: رأيت غلاما ما أدرى غلاما هو أم جارية، ما رأيت أحسن منه جالسًا إلى جنب علي بن أبي طالب، فقلت له: عافاك الله!! من هذا الفتى إلى جانبك? قال: هذا عثمان بن علي، سميته بعثمان بن عفان، وقد سميت بعمر وبالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسميت بخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم وأما حسن وحسين ومحسن فإنما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتق عنهم أو حلق رءوسهم وتصدق بزنتها ذهبا، وأمر بهم فسموا. خرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن سعيد بن المسيب أنه جرى بين عثمان وعلي نزغ من الشيطان فما ترك أحدهما من الآخر شيئًا، ثم لم يقوما حتى استغفر أحدهما للآخر. خرجه ابن السمان.
وعن محمد بن الحنفية قال: جاء إلى علي ناس من الناس فشكوا سعاة عثمان، قال: فقال لي أبي: اذهب بهذا الكتاب إلى عثمان فقل له: إن الناس قد شكوا من سعاتك، وهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة فلتأخذ به، قال: فأتيت عثمان فذكرت له ذلك، فلو كان ذاكرًا عثمان بشيء لذكره- يعني بسوء. خرجه أحمد في المناقب.
ذكر رؤية الحسن حق عثمان:
عن أرطأة بن المنذر قال: لقي علي بن أبي طالب الحسن بن علي وهو خارج من عند عثمان قال: يا بني أما لي عليك حق الوالد? فقال الحسن: حق الخليفة أعظم من حق الوالد. خرجه ابن الضحاك.
ذكر ما كان بين أولاد علي وعثمان من الصلة:
بالمصاهرة، كما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبهز بن ميرز قال: حججت مرة فإذا غلامان صبيحان أبيضان مقرطان يطوفان بالكعبة وقد أطاف الناس بهما، فقلت: من هذان? قالوا: هذان ابنا علي وعثمان، فقلت: ألا ترى هؤلاء تزوج بعضهم بعضا وحجا معًا ومن حوالينا يقول: يشهد بعضهم على بعض بالكفر؟!
قال وكيع: هما ابن لعبد الله بن الحسين والآخر محمد بن عمرو بن عثمان، أمه فاطمة بنت الحسين. خرجه ابن السمان.
ذكر ثناء ابن عمر على عثمان:
عن ابن عمر أنه سئل عن علي وعثمان فقال للسائل: قبحك الله! تسائلني عن رجلين، كلاهما خير مني?! تريد أن أخفض من أحدهما وأرفع من الآخر! خرجه أبو عمر.
وعن سعيد بن عبد قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر محاسن عمله ثم قال: لعل ذاك يسوءك!! قال: نعم. قال: فأرغم الله أنفك، ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله ثم قال: ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: لعل ذلك يسوءك! قال: نعم. قال: فأرغم الله أنفك! انطلق فاجهد على جهدك. خرجه البخاري.
ذكر ثناء البراء على عثمان:
عن البراء بن عازب قال: لا تسبوا عثمان فإنه أخي وخليلي، لا