المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الحادي عشر: في مقتله وما يتعلق به - الرياض النضرة في مناقب العشرة - جـ ٣

[الطبري، محب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌تابع القسم الثاني: في مناقب الأفراد

- ‌الباب الثالث: في مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌الفصل الأول: في نسبه

- ‌الفصل الثاني: في اسمه ونيته

- ‌الفصل الثالث: في صفته

- ‌الفصل الرابع: في إسلامه

- ‌الفصل الخامس: في هجرته

- ‌الفصل السادس: في خصائصه

- ‌الفصل السابع: في أفضليته بعد عمر رضي الله عنهما

- ‌الفصل الثامن: في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة

- ‌الفصل التاسع: في ذكر نبذ من فضائله

- ‌الفصل العاشر: في خلافته وما يتعلق بها

- ‌الفصل الحادي عشر: في مقتله وما يتعلق به

- ‌الفصل الثاني عشر: في ذكر ولده

- ‌الباب الرابع: في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

- ‌الفصل الأول: في ذكر نسبه

- ‌الفصل الثاني: في اسمه وكنيته

- ‌الفصل الثالث: في صفته

- ‌الفصل الرابع: في إسلامه

- ‌الفصل الخامس: في هجرته

- ‌الفصل السادس: في خصائصه

- ‌الفصل السابع: في أفضليته

- ‌الفصل الثامن: في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة

- ‌الفصل التاسع: في ذكر نبذ من فضائله

- ‌الفصل العاشر: في خلافته

- ‌الفصل الحادي عشر: في مقتله وما يتعلق به

- ‌الفصل الثاني عشر: في ذكر ولده

الفصل: ‌الفصل الحادي عشر: في مقتله وما يتعلق به

‌الفصل الحادي عشر: في مقتله وما يتعلق به

، ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له

عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة فقال: "يقتل فيها هذا مظلوما" وأشار إلى عثمان. خرجه في المصابيح الحسان، وخرجه الترمذي وقال:"يقتل مظلوما" لعثمان، وقال: حديث حسن غريب1، وخرجه أحمد وقال: يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما، فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان.

ذكر ما روي عن الصحابة أنه مظلوم:

عن موسى بن حكيم قال: أشرف عثمان على المسجد فإذا طلحة جالس في المسجد في المشرق، قال: يا طلحة قال: يا لبيك! قال: نشدتك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يشتري قطعة يزيدها في المسجد" فاشتريتها من مالي? قال طلحة: اللهم نعم، فقال: يا طلحة قال: يا لبيك! قال: نشدتك بالله هل تعلمني حملت في جيش العشرة على مائة? قال طلحة: اللهم نعم ثم قال طلحة: اللهم لا أعلم عثمان إلا مظلوما. أخرجه الدارقطني.

وعن الأوزاعي: أن عمر أرسل إلى كعب فقال: يا كعب كيف تجد نعتي? قال: أجد نعتك قرن حديد، قال: وما قرن حديد? قال: لا تأخذك في الله لومة لائم، قال: ثم مه2؟ قال: يكون بعدك خليفة تقتله أمة ظالمة له، قال: ثم مه؟ قال: يقع البلاء. أخرجه ابن الضحاك.

1 رواه راوٍ واحد فقط.

2 هذه الكلمة ما الاستفهامية، أدخلت عليها هاء السكت.

ص: 57

وعن طلق بن حبيب قال: انطلقت من البصرة إلى المدينة حتى انتهيت إلى عائشة، فسلمت فردت السلام وقالت: ممن الرجل? فقلت: من أهل البصرة، قالت: من أي أهل البصرة؟ قلت: من بكر بن وائل، قالت: من أي بكر بن وائل? قلت: من بني قيس بن ثعلبة، قالت: من قوم فلان? قلت: يا أم المؤمنين فيم قتل عثمان? قالت: قتل والله مظلوما، لعن الله قتلته. أخرجه الحاكمي.

ذكر رؤيا أنس النبي صلى الله عليه وسلم مشيرا له إلى قتل عثمان، وإخباره بما ترتب على ذلك:

عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتف عثمان وقال: "كيف أنتم إذا قتلتم إمامكم، وتجلدتم بأسيافكم، وورث دنياكم شراركم? فويل لأمتي! فويل لأمتي إذا فعلوه! " خرجه الحاكمي.

ذكر استشعار ابن عمر منهم قتل عثمان:

عن ابن عمر قال: جاءني رجل في خلافة عثمان فإذا هو يأمرني أن أعتب على عثمان، فلما قضى كلامه قلت له: إنا كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة محمد بعده أبو بكر وعمر ثم عثمان، وإنا والله ما نعلم عثمان قتل نفسا بغير حق ولا جاء من الكبائر شيئا، ولكنه هذا المال إن أعطاكموه رضيتم وإن أعطاه قرابته سخطتم، إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم، لا يتركون لهم أميرًا إلا قتلوه، ففاضت عيناه بأربعة من الدمع ثم قال: اللهم لا ترد ذلك. خرجه الحافظ الدمشقي.

ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالصبر، وصبره على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

عن الزبير بن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم صبر عثمان بن

ص: 58

عفان" خرجه خيثمة بن سليمان.

وعن أبي سهلة قال: قال عثمان يوم الدار: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، وأنا صابر عليه" خرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، وخرجه أحمد وزاد: قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم.

ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عثمان أنه يرد على الحوض، وأوداجه تشخب دمًا:

عن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: "ترد علي الحوض وأوداجك تشخب دمًا فأقول: من فعل بك هذا? فتقول: فلان وفلان، وذلك كلام جبريل" خرجه الحافظ الدمشقي. وقد تقدم طرف من هذا المعنى من حديث ابن عمر في ذكر التحذير من بغضه.

ذكر قدوم أهل مصر، وغيرهم ممن تمالأ على قتله:

واعتذاره إليهم مما نقموا وانصرافهم ثم عودهم بسبب الكتاب المزور، وإتيانهم عليا وسؤالهم منه القيام معهم إلى عثمان فأبى، ودعواهم عليه أنه كتب إليهم ليقدموا، وحلفه على أنه لم يكتب إليهم كتبًا قط، وخروجه من المدينة ودخولهم على عثمان وتقريرهم له وإنكاره الكتاب وحلفه على ذلك، وحصارهم له وصبره على ذلك، ومحاورات جرت بينه وبينهم، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم مبشرًا له بالفطر عندهم، ودخولهم عليه وقتلهم إياه رضي الله عنه وبيان من قتله ومن صلى للناس مدة حصاره ومن حج بهم، وكم كان معه في الدار وكم مدة الحصار.

عن أبي سعيد مولى أبي سيد الأنصاري قال: سمع عثمان أن وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم، فلما سمعوا به أقبلوا نحوه إلى المكان الذي هو فيه، وقالوا له: ادع بالمصحف، فدعا بالمصحف، فقالوا له: افتح السابعة، قال: وكانوا يسمون سورة يونس السابعة، فقرأها حتى أتى

ص: 59

على هذه الآية: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُون} فقالوا له: قف! أرأيت ما حميت من الحمى آلله أذن لك به أم تفتري؟! فقال: امضه نزلت في كذا وكذا، وأما الحمى في إبل الصدقة فلما ولدت زادت في إبل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في إبل الصدقة، امضه. قال: فجعلوا يأخذونه بآية آية فيقول: امضه نزلت في كذا وكذا، فقال لهم: ما تريدون? قالوا: نأخذ ميثاقك قال: فكتبوا عليه شرطا وأخذ عليهم أن لا يشقوا عصا ولا يفارقوا جماعة، فأقام لهم شرطهم وقال لهم: ما تريدون? قالوا: نريد أن لا يأخذ أهل المدينة عطاء، قال: لا إنما هذا المال لمن قاتل عليه، ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: فرضوا وأقبلوا معه إلى المدينة راضين، قال: قام فخطب فقال: ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه ومن كان له ضرع فليحتلبه، ألا وإنه لا مال لكم عندنا، إنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: فغضب الناس وقالوا: هذا مكر بني أمية، قال: ثم رجع المصريون، فبينما هم في الطريق إذا براكب يتعرض لهم يفارقهم ثم يرجع إليهم ويسبهم، قالوا: ما لك? إن لك الأمان ما شأنك? قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، قال: ففتشوه فإذا هم بكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه إلى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم، فأقبلوا حتى قدموا المدينة فأتوا عليا فقالوا: ألم تر إلى عدو الله كتب فينا بكذا وكذا، وإن الله قد أحل دمه، قم معنا إليه فقال: والله لا أقوم معكم، قالوا: فلم كتب إلينا? قال: والله ما كتبت إليكم كتابا قط، فنظر بعضهم إلى بعض ثم قال بعضهم إلى بعض: لهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون، فانطلق علي فخرج من المدينة إلى قرية وانطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا: كتبت كذا وكذا؟ فقال: إنما هما اثنتان: أن تقيموا علي رجلين من المسلمين أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت، وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش

ص: 60

الخاتم على الخاتم فقالوا: والله أحل دمك، ونقضوا العهد والميثاق فحاصروه فأشرف عليهم ذات يوم وقال: السلام عليكم، فما أسمع أحدا من الناس يرد عليه السلام إلا أن يرد رجل في نفسه، فقال: أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت بئر رومة من مالي فجعلت رشاي كرشا رجل من المسلمين؟ قيل: نعم قال: فعلام تمنعونني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟! أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته في المسجد؟ قيل: نعم، فهل علمتم أن أحدا من الناس منع أن يصلي فيه قبلي؟! أنشدكم الله هل سمعتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا أشياء في شأنه عددها؟ قال: ورأيته أشرف عليهم مرة أخرى فوعظهم وذكرهم فلم تأخذ منهم الموعظة، وكان الناس تأخذ منهم الموعظة في أول ما يسمعونها، فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ منهم، فقال لامرأته: افتحي الباب ووضع المصحف بين يديه، وذلك أنه رأى من الليل أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول له:"أفطر عندنا الليلة" فدخل عليه رجل فقال: بيني وبينك كتاب الله فخرج وتركه، ثم دخل عليه آخر فقال: بيني وبينك كتاب الله والمصحف بين يديه قال: فأهوى إليه بالسيف واتقاه بيده فقطعها، فلا أدري أبانها أو لم يبنها، قال عثمان: أما والله إنها لأول كف خطت المفصل، وفي حديث غير أبي سعيد: فدخل البحتري فضربه مشقصًا فنضح الدم على هذه الآية: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قال: وإنها في المصحف ما حكت، قال في حديث أبي سعيد: وأخذت بنت الفرافصة حلتها فوضعته في حجرها وذلك قبل أن يقتل، فلما قتل تفاجت عنه فقال بعضهم: قاتلها الله ما أعظم عجيزتها، فعلمت أن أعداء الله لم يريدوا إلا الدنيا، أخرجه أبو حاتم. وذكر ابن قتيبة أنه سار إليه قوم من أهل مصر منهم محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن زيد في جند، وكنانة بن بشر في جند، وابن عديس البلوي، ومن أهل البصرة حكيم بن جبلة العبدي، وسدوس بن عنبس الشني ونفر من أهل

ص: 61

الكوفة فاستعتبوه فأعتبهم وأرضاهم، ثم وجدوا بعد انصرافهم كتابًا من عثمان عليه خاتمه إلى أمير مصر: إذا نلت القوم فاضرب رقابهم، فعادوا به إلى عثمان فحلف لهم أنه لم يأمر ولم يعلم فقالوا: إن هذا عليك شديد، يؤخذ خاتمك من غير علمك وراحلتك! فإن كنت قد غلبت على نفسك فاعتزل، فأبى أن يعتزل وأن يقاتلهم، ونهى عن ذلك وأغلق بابه، فحصروه أكثر من عشرين يوما وهو في الدار في ستمائة رجل، ثم دخلوا عليه من دار أبي حزم الأنصاري فضربه سيار بن عياض الأسلمي بمشقص في وجهه فسال الدم على مصحف في حجره، وأقام للناس الحج تلك السنة عبد الله بن عباس وصلى بالناس علي بن أبي طالب وخطبهم.

وروي عن عبد الله بن سلام أنه قال: لما حصر عثمان ولى أبا هريرة على الصلاة، وكان ابن عباس يصلي أحيانا، وأقام للناس الحج في ذلك العام عبد الله وكان عثمان قد حج عشر حجج متواليات. خرجه القلعي وقال الواقدي: حاصروه تسعة وأربعين يوما وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يومًا.

وذكر ابن الجوزي في شرح الصحيحين في شرح الحديث الخامس من مسند عثمان: أن الذين خرجوا على عثمان هجموا على المدينة، وكان عثمان يخرج فيصلي بالناس وهم يصلون خلفه شهرا ثم خرج من آخر جمعة خرج فيها فحصبوه حتى وقع عن المنبر ولم يقدر يصلي بهم، فصلى بهم يومئذ أبو أمامة بن سهل بن أبي حنيف ثم حصروه ومنعوه الصلاة في المسجد، فكان يصلي ابن عديس تارة وكنانة بن بشر أخرى -وهما من الخوارج على عثمان- فبقوا على ذلك عشرة أيام ثم قتلوه.

وفي رواية: أنهم حصروه أربعين ليلة وطلحة يصلي بالناس، وفي رواية: أن عليا صلى بهم أكثر تلك الأيام.

وروي أن الجهجاه الغفاري قال له بعد أن حصبوه ونزل من المنبر:

ص: 62

والله لنغربنك إلى جبل الرمال، وأخذ عصا النبي صلى الله عليه وسلم وكسرها بركبته، فوقعت الأكلة في ركبته.

طريق آخر في مقتله، وفيه بيان الأسباب التي نقمت عليه على سبيل الإجمال:

عن ابن شهاب قال: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان? وما كان شأن الناس وشأنه? ولم خذله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم? قال: قتل عثمان مظلومًا، ومن قتله كان ظالمًا، ومن خذله كان معذرًا فقلت: وكيف كان ذلك? قال: لما ولي كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عثمان كان يحب قومه فولي اثنتي عشرة حجة، وكان كثيرًا ما يولي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يجيء من أمرائه ما يكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة، وكان يستغاث عليهم فلا يغيثهم، فلما كان في الست الحجج الأواخر استأثر بني عمه فولاهم وأمرهم، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر فشكا منه أهل مصر، وكان من قبل ذلك من عثمان هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر، وكانت هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لأجل عبد الله بن مسعود، وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها، وكانت بنو مخزوم جفت على عثمان لأجل عمار بن ياسر، وجاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح فكتب إليه يهدده، فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان ومن كان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله، فخرج جيش أهل مصر سبعمائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه علي بن أبي طالب -وكان متكلم القوم- قال: إنما سألوك رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دما فاعزله عنهم، وإن وجب عليه حق فأنصفهم من عاملك. فقال لهم: اختاروا رجلا، فأشار الناس إلى محمد بن أبي بكر فكتب عهده وولاه، وخرج معهم مدد من المهاجرين

ص: 63

والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبي سرح، فخرج محمد ومن معه فلما كانوا على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير خبطا حتى كأنه يطلب أو يطلب فقال له أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب? فقال لهم: أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر، قال رجل: هذا عامل مصر معنا، قال: ليس هذا الذي يريد، وأخبروا بأمره محمد بن أبي بكر فبعث في طلبه رجالًا فأخذوه، فجاءوا به إليه فقال: غلام من أنت? فاعتل، مرة يقول: أنا غلام أمير المؤمنين، ومرة يقول: أنا غلام مروان، فقال له محمد: إلى من أرسلت? قال: إلى عامل مصر، قال: بماذا؟ قال: برسالة، قال: معك كتاب? قال: لا قال: ففتشوه فلم يجدوا معه كتابًا، وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل، فرادوه فلم يخرج فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح فجمع محمد من كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك فلان ومحمد وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابه وقف على عملك حتى يأتيك أمري إن شاء الله تعالى، فلما قرءوا الكتاب فزعوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودفع الكتاب إلى رجل منهم وقدموا المدينة، فجمعوا طلحة والزبير وعليا وسعدا ومن كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم وقرءوا عليهم الكتاب وأخبروهم بقصة العبد فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك من غضب ابن مسعود وأبي ذر وعمار وقام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى منازلهم وما منهم من أحد إلا مغتمّ وحاصر الناس عثمان، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال له علي: هذا الغلام غلامك? قال: نعم والبعير بعيرك? قال: نعم، قال: فأنت كتبت الكتاب? قال: لا، أحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا

ص: 64

أمرت به ولا علمت به ولا وجهت بهذا الغلام إلى مصر، وأما الخط فعرفوا أنه خط مروان، وسألوه يدفعه إليهم وكان معه في الدار فأبى وخشي عليه القتل، فخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده غضابًا وعلموا أن عثمان لا يحلف بباطل، فحصره الناس ومنعوه الماء فأشرف على الناس وقال: أفيكم علي؟ قالوا: لا، قال: أفيكم سعد? قالوا: لا، فقال: ألا أحد يسقينا ماء? فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء؛ فما كادت تصل إليه حتى خرج بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية، ثم بلغ عليا أنهم يريدون قتل عثمان فقال: إنما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا!! وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعوا أحدا يصل إليه؛ وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه؛ وبعث عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان، ويسألونه إخراج مروان.

فلما رأى الناس ذلك رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن علي بدمائه وأصاب مروان سهم وهو في الدار، وكذلك محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، ثم إن بعض من حصر عثمان خشي أن يغضب بنو هاشم لأجل الحسن والحسين فتنتشر الفتنة، فأخذ بيد رجلين فقال لهما: إن جاء بنو هاشم فرأوا الدم على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تريدون، ولكن اذهبوا بنا نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد، فتسوروا من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان وما يعلم أحد ممن كان معه؛ لأن كل من كان معه كان فوق البيت ولم يكن معه إلا امرأته، فقتلوه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها من الجلبة فصعدت إلى الناس فقالت: إن أمير المؤمنين قتل، فدخل عليه الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان مذبوحا فانكبوا عليه يبكون، ودخل الناس فوجدوا عثمان مقتولا فبلغ عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة، فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى

ص: 65

دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا، فاسترجعوا وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب? ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير، وخرج علي وهو غضبان فلقيه طلحة فقال: ما لك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين؟ وكان يرى أنه أعان على قتل عثمان فقال: عليك كذا وكذا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدريا لم تقم عليه بينة ولا حجة، فقال طلحة: لو دفع مروان لم يقتل، فقال علي: لو أخرج إليكم مروان لقتل قبل أن تثبت عليه حكومة، وخرج فأتى منزله وجاء الناس كلهم إلى علي ليبايعوه فقال لهم: ليس هذا إليكم إنما هو إلى أهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو الخليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا قال: ما نرى أحق لها منك؛ فلما رأى علي ذلك جاء المسجد فصعد المنبر، وكان أول من صعد إليه، وبايعه طلحة والزبير وسعد وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وطلب مروان فهرب، وطلب نفرا من ولد مروان وبني أبي معيط فهربوا. خرجه ابن السمان في كتاب الموافقة.

ذكر ما قال لهم، حين بلغه توعدهم له بالقتل:

عن أبي أمامة بن سهل قال: كنا مع عثمان وهو محصور في الدار فقال: إنهم يتوعدونني بالقتل قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين، قال: وبم يقتلونني? سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا فيقتل بها" فوالله ما أحببت بديني بدلا منذ هداني الله، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، ولا قتلت نفسًا فبم يقتلونني؟! خرجه أحمد.

وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال عثمان: إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد فضعوها. خرجه أحمد.

ص: 66

ذكر طلبهم منه أن يخلع نفسه، فأبى:

تقدم طرف منه في الذكر الأول.

وعن عبد الله بن سلام أنه بعث إليهم فقال لهم: ما تريدون مني? قالوا: أن تخلع نفسك، قال: لا أخلع سربالا سربلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: فهم قاتلوك، قال: لئن قتلوني لا يتحامون بعدي، ويقاتلون1 بعدي عدوا جميعا أبدًا، فلما اشتد عليه الأمر أصبح صائما يوم الجمعة، فلما كان في النهار قام فقال: رأيت الآن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنك تفطر عندنا الليلة" فقتل من يومه.

ذكر رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وسقيه إياه الماء وتخييره إياه بين النصر والفطر عنده، فاختار الفطر عنده واستعد لذلك بالصوم وبالعتق وغير ذلك:

تقدم ذكر رؤياه النبي صلى الله عليه وسلم في الذكر قبله، وفي الذكر الأول.

وعن عبد الله بن سلام أنه قال: أتيت عثمان وهو محصور أسلم عليه فقال: مرحبا بأخي، مرحبا بأخي أفلا أحدثك ما رأيت الليلة في المنام؟ فقلت: بلى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخوخة -وإذا خوخة في البيت- فقال: "حصروك?" فقلت: نعم! فقال: "عطشوك?" فقلت: نعم! فأدلى لي دلوا من ماء فشربت حتى رويت، فإني لأجد بردا بين كتفي وبين ثديي، قال:"إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا" قال: فاخترت أن أفطر عندهم، فقتل في ذلك اليوم. خرجه أبو الخير الحاكمي القزويني.

وعن مسلم عن أبي سعيد مولى عثمان أن عثمان أعتق عشرين مملوكا ودعا بسراويل فشدها عليه، ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام قال: إني

1 ولا يقاتلون.

ص: 67

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة وأبا بكر وعمر فقالوا لي: صبرا فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه. خرجه أحمد.

وعن ابن عمر: أن عثمان أصبح يحدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام قال: "يا عثمان أفطر عندنا غدا" فأصبح يحدث صائما وقتل من يومه. واختلاف الروايات محمول على تكرار الرؤيا، فكانت مرة نهارا ومرة ليلا.

ذكر عرض علي رضي الله عنه وغيره على عثمان قتال من قصده، ودفعهم عنه:

عن شداد بن أوس قال: لما اشتد الحصار بعثمان يوم الدار أشرف على الناس فقال: يا عباد الله، قال: فرأيت علي بن أبي طالب خارجا من منزله معتما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه، أمامه الحسن وعبد الله بن عمر في نفر من المهاجرين والأنصار حتى حملوا على الناس وفرقوهم ثم دخلوا على عثمان فقال له علي: السلام عليك يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل المدبر وإني والله لا أرى القوم إلا قاتليك فمرنا فلنقاتل، فقال عثمان: أنشد الله رجلا رأى الله حقا وأقر أن لي عليه حقا أن يهريق في سبيلي1 ملء محجمة من دم أو يهريق دمه في، فأعاد علي عليه القول فأجابه بمثل ما أجابه. قال: فرأيت عليا خارجا من الباب وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنا بذلنا المجهود، ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة فقالوا له: يا أبا الحسن تقدم فصل بالناس فقال: لا أصلي بكم والإمام محصور، ولكن أصلي وحدي، فصلى وحده وانصرف إلى منزله فلحقه ابنه وقال: والله يا أبت قد اقتحموا عليه الدار، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هم والله قاتلوه قالوا: أين هو يا أبا الحسن؟ قال: في الجنة والله زلفى قالوا: وأين هم يا أبا الحسن?

1 في نسخة: في سبي.

ص: 68

قال: في النار والله، ثلاثًا.

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخل أبو قتادة ورجل آخر على عثمان وهو محصور، فاستأذناه في الحج فأذن لهم، فقالا له: إن غلب هؤلاء القوم مع من نكون? قال: عليكم بالجماعة، قالا: فإن كانت الجماعة هي التي تغلب عليك، مع من نكون? قال: فالجماعة حيث كانت، فخرجنا فاستقبلنا الحسن بن علي عند باب الدار داخلًا على عثمان فرجعنا معه لنسمع ما يقول، فسلم على عثمان ثم قال: يا أمير المؤمنين مرني بما شئت، فقال عثمان: يابن أخي ارجع واجلس حتى يأتي الله بأمره، فخرج وخرجنا عنه فاستقبلنا ابن عمر داخلًا على عثمان فرجعنا معه نسمع ما يقول، فسلم على عثمان ثم قال: يا أمير المؤمنين صحبت رسول الله فسمعت وأطعت، ثم صحبت أبا بكر فسمعت وأطعت، ثم صحبت عمر فسمعت وأطعت، ورأيت له حق الوالد وحق الخلافة، وها أنا طوع يديك يا أمير المؤمنين فمرني بما شئت، فقال عثمان: جزاكم الله يا آل عمر خيرا مرتين، لا حاجة لي في إراقة الدم لا حاجة لي في إراقة الدم، ثم دخل أبو هريرة متقلدا سيفه فقال: الآن طاب الضراب، فقال له عثمان: عزمت عليك يا أبا هريرة لما ألقيت سيفك، قال: فألقيته فما أدرى من أخذه، ثم دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء القوم قد اجتمعوا عليك وهموا بك، فإن شئت أن تلحق بمكة وإن شئت أن تلحق بالشام فإن بها معاوية، وإن شئت فاخرج إلى هؤلاء فقاتلهم فإن معك عددا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل، فقال عثمان: أما أن أخرج وأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء، وأما أن أخرج إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يلحد رجل من قريش بمكة، يكون عذابه نصف عذاب العالم" فلن أكون أنا، وأما أن ألحق بالشام وفيهم معاوية فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 69

وعن عبد الله بن الزبير أنه قال لعثمان حين حصر: عندي نجائب قد أعددتها، فهل لك أن تحول عليها إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك? قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يلحد بمكة كبش من قريش، عليه مثل أوزار نصف الناس".

وعن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام العامة وإني أعرض عليك خصالا ثلاثًا اختر إحداهن: إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عددًا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل، وإما أن نخرق لك بابًا سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة؛ فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام؛ فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية، فقال له عثمان ثم ذكر ما تقدم في حديث أبي سلمة. خرجهما أبو أحمد، وعن أبي هريرة قال: إني لمحصور مع عثمان في الدار قال: فرمي رجل منا فقلت: يا أمير المؤمنين الآن طاب الضراب قتلوا منا رجلا، قال: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي، قال أبو هريرة: فرميت سيفي لا أدري أين هو حتى الساعة. خرجه أبو عمر.

ذكر خبر عن علي رضي الله عنه يوهم ظاهره أنه مضاد لما تقدم عنه:

عن عطاء أن عثمان دعا عليا فقال: يا أبا الحسن إنك لو شئت لاستقامت علي هذه الأمة فلم يخالفني واحد فقال علي: لو كانت لي أموال الدنيا وزخرفها ما استطعت أن أدفع عنك أكف الناس، ولكني سأدلك على أمر هو أفضل مما سألتني، تعمل بعمل أخويك أبي بكر وعمر وأنا لك بالناس لا يخالفك أحد منهم. خرجه ابن السمان ولا تضاد بينهما، بل ذلك في حالين مختلفين، فكان هذا في مبتدأ الأمر قبل اجتماع الناس عليه في وقت يتمكن فيه من العمل بسنة الشيخين، بحيث يشتهر عنه فلا يبقى

ص: 70

لأحد عليه حجة، وقال له علي هذه المقالة رجاء عمله بسنة الشيخين ولم يكن قطعا يخطئه فيما هو عليه؛ فلذلك لم ينكر عليه ولا كان مصوبًا له، وإلا فما كان أمره باتباع غيره مع رؤيته أنه إمام حق لا محالة، وإلا كان مع المتمالئين عليه ولما دعت الضرورة إلى الدفع عنه واجتمع الناس عليه، عرض عليه الدفع عنه ولم ير أن يفتات عليه في ذلك، بل رأى طواعيته له أولى من الدفع، وكذلك كل من عزم عليه عثمان في ترك الدفع عنه، والله أعلم. وسيأتي في فصل خلافة علي ما يدل على أنه نهض بنصرته فوجده قد مات.

ذكر من كان معه في الدار، ومن دفع عنه:

تقدم في الذكر الأول أنه كان معه في الدار ستمائة رجل. قال أبو عمر: كان معه في الدار ممن يريد الدفع عنه: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن سلام، وعبد الله بن الزبير، والحسن بن علي، وأبو هريرة، ومحمد بن حاطب، وزيد بن ثابت، ومروان بن الحكم، والمغيرة بن الأخنس -يومئذ قتل، أعني: يوم قتل عثمان- وطائفة من الناس.

وعن كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب قال: شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شباب قريش مضرجين بالدم محمولين كانوا يدرءون عن عثمان: الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم، قال محمد بن طلحة: فقلت له: هل تدمى محمد بن أبي بكر شيء من دمه? قال: معاذ الله! دخل عليه فكلمه بكلام فخرج ولم ينل شيئًا من دمه، قال: فقلت: من قتله? قال: قتله رجل من أهل مصر يقال له: جبلة بن الأيهم. أخرجه أبو عمر.

ذكر زجر عبد الله بن سلام عن قتله، وإخبارهم بما يترتب على ذلك:

عن حميد بن هلال أن عبد الله بن سلام قال لهم: إن الملائكة لم تزل

ص: 71

محيطة بمدينتكم هذه منذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولئن قتلتموه لتذهبن ثم لا تعود إليكم أبدا، أو إن السيف لا يزال مغمودًا فيكم ووالله لئن قتلتموه ليسلنه عليكم ثم لا يغمد عنكم أبدا، أو قال: إلى يوم القيامة، وما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفا، ولا قتل خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا. أخرجه أبو الخير الحاكمي، وخرجه القاضي أبو بكر بن الضحاك مختصرًا.

ذكر من قتله:

قال أبو عمر: يروى أن محمد بن أبي بكر دخل عليه فقال له قولا فاستحيا وخرج، ثم دخل رومان بن سرحان -رجل أزرق قصير من أصبح، معه خنجر- فاستقبله فقال: على أي دين أنت يا نعثل? فقال عثمان: لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان، أنا على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين، فضربه على صدغه الأيسر فقتله فخرّ وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها وكانت امرأة جسيمة، ودخل رجل من أهل مصر معه السيف مصلتا وقال: والله لأقطعن أنفه، فعاجل امرأته فقبضت على السيف فقطع إبهامها، فقالت لغلام لعثمان يقال له: رباح، ومعه سيف عثمان: أعني على هذا وأخرجه عني، فضربه الغلام بالسيف فقتله، وقيل: قتله جبلة بن الأيهم، وقيل: الأسود التجيبي، وقيل: يسار بن عياض.

وقد تقدم ذكر ذلك. وأكثرهم يروي أن قطرة من دمه أو قطرات سقطت على المصحف على قوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .

ذكر ما روي عنه من القول حين ضرب:

عن هارون بن يحيى أن عثمان جعل يقول حين ضرب، والدماء تسيل على لحيته: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم

ص: 72

إني أستعديك وأستعينك على جميع أموري، وأسألك الصبر على بليتي.

وعن عبد الله بن سلام أنه قال لمن حضر: قتل عثمان وهو يتشحط في دمه وهو يقول: اللهم اجمع أمة محمد، والذي نفسي بيده لو دعا الله عز وجل على تلك الحال أن لا يجتمعوا أبدا ما اجتمعوا إلى يوم القيامة. أخرجه الفضائلي.

ذكر تاريخ مقتله:

قال ابن إسحاق: قتل يوم الأربعاء بعد العصر ودفن يوم السبت قبل الظهر، وقيل: يوم الجمعة لثماني عشرة أو سبع خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ذكر المدائني عن أبي معشر عن نافع. وقال أبو عثمان النهدي: قتل في وسط أيام التشريق.

وعن الليث قال: قتل مصدر الحاج سنة خمس وثلاثين.

ذكر دفنه وأين دفن، وكم ومن دفنه ومن صلى عليه:

قال أبو عمر: لما قتل أقام مطروحا يومه ذلك إلى الليل فحمله رجال على باب ليدفنوه، فعرض لهم ناس ليمنعوهم من دفنه، فوجدوا قبرا كان قد حفر لغيره فدفنوه، وصلى عليه جبير بن مطعم.

وقال الواقدي: دفن ليلا ليلة السبت في موضع يقال له: "حش كوكب" وأخفي قبره، وكوكب: رجل من الأنصار والحش: البستان، كان عثمان قد اشتراه وزاده في البقيع، فكان أول من قبر فيه. قال مالك: وكان عثمان مر بحش كوكب فقال: إنه سيدفن هنا رجل صالح، خرجه القلعي. قال الواقدي وغيره: وحمل على لوح وصلى عليه جبير بن مطعم في ثلاثة نفر هو رابعهم، وقيل: المسور بن مخرمة وقيل: حكيم بن حزام، وقيل: الزبير وكان أوصى إليه، رواه أحمد، وقيل: ابنه عمرو بن عثمان. ذكره القلعي.

ص: 73

وعن عروة أنه قال: أرادوا أن يصلوا على عثمان فمُنِعُوا، فقال رجل من قريش أبو جهم بن حذيفة: دعوه فقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه القلعي. وقد قيل: إن الذين تولوا تجهيزه كانوا خمسة أو ستة: جبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة، ويسار بن مكرم، وزوجتاه نائلة بنت الفرافصة، وأم البنين بنت عقبة، نزل قبره بيان وأبو جهم وجبير وكان حكيم ونائلة وأم البنين يدلونه، فلما دفنوه غيبوا قبره.

وعن الحسن قال: شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه، خرجه في الصفوة. وعن إبراهيم بن عبد الله بن فروخ عن أبيه مثله ولم يغسل، خرجه البخاري عن البغوي في معجمه. وذكر الخجندي أنه أقام في حش كوكب ثلاثًا مطروحا لا يصلى عليه حتى هتف بهم هاتف: ادفنوه ولا تصلوا عليه؛ فإن الله عز وجل قد صلى عليه. وقيل: صلي عليه وغشيهم في الصلاة عليه وفي دفنه سواد، فلما فرغوا منه نودوا: أن لا روع عليكم اثبتوا، وكانوا يرون أنهم الملائكة.

وروى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن عبد الملك بن الماجشون عن مالك قال: لما قتل عثمان ألقي على المزبلة ثلاثة أيام، فلما كان في الليل أتاه اثنا عشر رجلا منهم: حويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وجدي فاحتملوه، فلما صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه إذا هم بقوم من بني مازن قالوا: والله لئن دفنتموه ههنا لنجرن الناس غدا، فاحتملوه وكان على باب وإن رأسه على الباب ليقول: طق طق حتى صاروا به إلى حش كوكب فاحتفروا له، وكانت عائشة ابنته معها مصباح في حق، فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت فقال لها الزبير: والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عيناك، فسكتت فدفنوه. خرجه القلعي.

ذكر شهود الملائكة عثمان:

تقدم في الذكر قبله طرف منه، وتقدم في خصائصه أن الملائكة تصلي

ص: 74

عليه يوم يموت.

وعن سهم بن خنيس -وكان ممن شهد قتل عثمان- قال: فلما أمسينا قلت: لئن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد فأمكنا له من جوف الليل، ثم حملناه فغشينا سواد من خلفنا، فهبناهم حتى كدنا نتفرق فإذا منادٍ: لا روع عليكم اثبتوا، فإنا جئنا لنشهده معكم، وكان ابن خنيس يقول: هم الملائكة. خرجه ابن الضحاك.

ذكر وصيته:

تقدم في ذكر عرض الصحابة عليه القتال والدفع عنه، ووصيته أبا قتادة بالكون مع الجماعة.

وعن العلاء بن الفضل عن أمه قالت: لما قتل عثمان فتشوا خزانته فوجدوا فيها صندوقًا مقفلًا، ففتحوه فوجدوا فيه ورقة مكتوبا فيها: هذه وصية عثمان: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، عليها يحيى وعليها يموت وعليها يبعث إن شاء الله. خرجه الفضائلي والرازي وخرجه نظام الملك وزاد: ووجدوا في ظهرها مكتوبًا:

غنى النفس يغني النفس حتى يجلها

وإن غضها حتى يضر بها الفقر

وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها

بكائنة إلا سيتبعها يسر

ومن لم يقاس الدهر لم يعرف الأسى

وفي غير1 الأيام ما وعد الدهر

ذكر مدة ولايته، وقدر سنه:

قال ابن إسحاق: كانت ولايته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما،

1 تقلباته.

ص: 75

وقتل وهو ابن ثمانين سنة. وقال غيره: كانت ولايته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرًا وأربعة عشر يومًا. وقيل في عمره: ثمان وثمانون سنة، وقيل: تسعون، وقال قتادة: ست وثمانون، وقال الواقدي: لا خلاف عندنا أنه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.

ذكر بكاء الجن عليه:

عن عثمان بن مرة قال: حدثتني أمي قالت: بكت الجن على عثمان في مسجد المدينة أو قال: في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه الملاء في سيرته.

ذكر محو ابن الزبير نفسه من الديوان لموت عثمان:

عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما قتل عمر محا الزبير نفسه من الديوان، فلما قتل عثمان محا ابن الزبير نفسه من الديوان. خرجه أبو عمر.

ذكر رؤيا ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم بعد قتل عثمان، مخبرًا له بحاله:

عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على برذون وعليه عمامة من نور متعمما بها وبيده قضيب من الفردوس فقلت: يا رسول الله إني إلى رؤياك بالأشواق وأراك مبادرًا، فالتفت إلي وتبسم وقال:"إن عثمان بن عفان أضحى عندنا في الجنة ملكا عروسا، وقد دعينا إلى وليمته فأنا مبادر" خرجه أبو علي الحسين بن عبد الله بن البنا الفقيه، وهو حديث غريب من حديث العلاء بن المسيب انفرد به محمد بن معاوية عن جرير، وخرجه أبو شجاع شيرويه الديلمي في كتاب المنتقى ولفظه عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي على برذون أبلق، عليه عمامة من نور معتجرًا بها، وفي رجليه نعلان خضراوان، شراكه من لؤلؤ رطب، بكفه قضيب من قضبان الجنة، فسلم عليَّ فرددت عليه ثم قلت: بأبي أنت وأمي

ص: 76

قد اشتد شوقي إليك، فإلى أين تبادر? قال:"إن عثمان أصبح ملكا عروسا في الجنة، وقد دعيت إلى عرسه".

وقد تقدم عن ابن عباس من حديث الملاء مثله في ذكر صدقته من فصل الفضائل، ولعل الرؤيا تكررت وهو الظاهر، ألا ترى إلى بعض ألفاظها?

ذكر رؤيا الحسن بن علي حال عثمان بعد قتله، وأن الله يطلب بدمه:

عن الحسن بن علي قال: ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رأيتها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا يده على العرش، ورأيت أبا بكر واضعًا يده على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت عمر واضعًا يده على منكب أبي بكر، ورأيت عثمان واضعًا يده على منكب عمر، ورأيت دما دونه فقلت: ما هذا? قالوا: دم عثمان يطلب الله به. خرجه الديلمي في كتاب المنتقى.

ذكر ما قال علي، لما بلغه قتل عثمان:

عن أبي جعفر الأنصاري قال: دخلت مع المصريين على عثمان، فلما ضربوه خرجت أشتد حتى ملأت فروجي عدوًا حتى دخلت المسجد فإذا رجل جالس في نحو عشرة عليه عمامة سوداء، فقال: ويحك، ما وراءك? قلت: والله قد فرغ من الرجل، فقال: تبًّا لك1 آخر الدهر، فنظرت فإذا هو علي، خرجه القلعي وخرجه ابن السمان ولفظه قال: لما دخل على عثمان يوم الدار خرجت فملأت مجتازا بالمسجد، فإذا رجل قاعد في ظله النساء، عليه عمامة سوداء وحوله نحو من عشرة فإذا هو علي، فقال: ما صنع الرجل? قال: قلت: قتل الرجل، قال: تبًّا لهم آخر الدهر.

1 هلاكًا، وليس المراد حقيقة الدعاء على المخبر، بل هو مما يصدر عند انفعال النفس من التأثر.

ص: 77

ذكر تبري علي من دم عثمان، وشهادته له بالإيمان:

عن علي رضي الله عنه قال: من تبرأ من دين عثمان فقد تبرأ من الإيمان، والله ما أعنت على قتله ولا أمرت ولا رضيت، خرجه أبو عمر وابن السمان وزاد: ولا شاركت. وعن قيس بن عباد قال: سمعت عليا يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة فقلت: ألا أستحي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة"؟! وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل في الأرض لم يدفن بعد فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس يسألون البيعة فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، قال: فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ فكأنما صدع قلبي وقلت: اللهم خذ مني حتى ترضى. خرجه ابن السمان في الموافقة، والخجندي في الأربعين.

وعن ابن عباس عن علي قال: والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله ولكني نهيت؛ والله ما قتلت عثمان ولا أمرت ولكني غلبت، قالها ثلاثًا.

وفي رواية: ولكني غلبت في قتل عثمان.

وعن محمد بن سيرين قال: لما قدم علي البصرة اعتذر على المنبر من قتل عثمان، فقال: والله ما مالأت ولا شاركت ولا رضيت. خرجه ابن السمان.

وعن محمد بن الحنفية قال: لما كان يوم الدار أرسل عثمان إلى علي فأراد إتيانه فتعلقوا به ومنعوه، قال: فلوى عمامة له سوداء ونادى ثلاثا: اللهم إني لا أرضى قتل عثمان، ولا آمر به. خرجه ابن السمان أيضًا.

ذكر أولوية علي بعثمان:

عن وائل بن حجر أنه قال لمعاوية -وقد عاتبه في تخلفه عن

ص: 78

نصرته- فقال: إنك قاتلت رجلا هو أحق بعثمان منك، قال: وكيف يكون أحق بعثمان مني وأنا أقرب إلى عثمان في النسب?! قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آخى بين عثمان وعلي، فالأخ أولى من ابن العم. خرجه الطبراني في قصة طويلة.

ذكر لعن قتلة عثمان، ودعائه عليهم:

عن محمد بن الحنفية أن عليا قال يوم الجمل: لعن الله قتلة عثمان في السهل والجبل.

وعنه أن عليا بلغه أن عائشة تلعن قتلة عثمان، فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال: أنا ألعن قتلة عثمان، لعنهم الله في السهل والجبل، مرتين أو ثلاثًا. خرجهما ابن السمان، وخرج الثاني الحاكمي.

وعن يحيى بن سعيد قال: حدثني عمي أو عم أبي قال: لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا بسهم ولا تطعنوا برمح ولا تضربوا بسيف ولا تبدءوهم بقتال، كلموهم باللطف وقال: إن هذا يوم من أفلح فيه أفلح يوم القيامة. قال: فتوافقنا على ذلك حتى أتانا حر الحديد، ثم إن القوم نادوا بأجمعهم: يا ثارات عثمان قال: وابن الحنفية أمامنا معه اللواء فناداه علي: يابن الحنفية ما يقولون? قال: يا أمير المؤمنين يقولون: يا ثارات عثمان! قال: فرفع علي يديه وقال: اللهم أكبّ قتلة عثمان اليوم لوجوههم. خرجه الحسين القطان وابن السمان في الموافقة.

وعن إسماعيل بن أبي خالد عن بعض أصحابه قال: قال علي يوم الجمل: ما يريد هؤلاء القوم? قال: يقولون: قتلت عثمان. قال: فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم جلل قتلة عثمان، منك اليوم نجزى. خرجه ابن السمان أيضًا.

ص: 79

ذكر لعن الحسن بن علي، وغيره من الصحابة قتلة عثمان:

عن عبيد الله بن الزراد قال: حدثني رجل كان مع الحسن بن علي في الحمام قال: فوضع الحسن يده على الحائط، وقال: لعن الله قتلة عثمان، فقال الرجل: إنهم يزعمون أن عليا قتله، قال: قتله الذي قتله، لعن الله قتلة عثمان. خرجه ابن السمان.

وقد تقدم في أول الفصل لعن عائشة قتلة عثمان. خرجه الحاكمي.

ذكر بكاء بعض أهل البيت على عثمان:

عن عبد الله بن الحسن أنه قد ذكر عنده قتل عثمان، فبكى حتى بلَّ لحيته. أخرجه ابن السمان.

ذكر تبري حذيفة من دم عثمان:

عن حذيفة أنه قال لما بلغه قتل عثمان قال: اللهم إنك تعلم براءتي من دم عثمان، فإن كان الذين قتلوا عثمان أصابوا بقتله فأنا بريء منهم، وإن كانوا أخطئوا فإنك تعلم براءتي منهم. أخرجه القزويني الحاكمي.

ذكر شهادته بأن قتلة عثمان في النار:

عن جندب قال: دخلت على حذيفة فقال لي: ما فعل الرجل، يعني عثمان? فقلت: أراهم قاتليه، فمه! قال: إن قتلوه كان في الجنة، وكانوا في النار. أخرجه خيثمة.

وتقدم في ذكر عرض علي على عثمان الدفع عنه، شهادته أيضًا أنهم في النار وأنه في الجنة.

ذكر أن أول الفتن قتل عثمان، وأن من كان في قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان تبع الدجال:

عن حذيفة قال: أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج

ص: 80

الدجال. والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره. أخرجه السلفي الحافظ.

ذكر عدهم النجاة من قتل عثمان عافية:

عن طاوس قال: لما وقعت فتنة عثمان قال رجل لأهله: أوثقوني بالحديد فإني مجنون، فلما قتل عثمان قال: خلوا عني فالحمد لله الذي شفاني من الجنون، وعافاني من قتل عثمان. خرجه خيثمة بن سليمان.

ذكر استعظامهم قتله:

عن سعيد بن زيد قال: لو أن أحدًا انقض للذي صنعتموه بعثمان، لكان محقوقا أن ينقض. خرجه البخاري.

وعن عبد الله بن سلام قال: لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة، لا يغلق عنهم إلى قيام الساعة. أخرجه أبو عمر.

وعن ابن عباس قال: لو اجتمع الناس على قتل عثمان، لرموا بالحجارة كما رمي قوم لوط. أخرجه الحاكمي.

ذكر استعظامهم جرأة قاتله:

عن طاوس وقد قال له رجل: ما رأيت أحدًا أجرأ على الله من فلان، قال. إنك لم تر قاتل عثمان. خرجه البغوي.

ذكر اقتتال قتلة عثمان:

عن الحسن قال: لقد رأيت الذين قتلوا عثمان تحاصبوا في المسجد، حتى ما أبصر أديم السماء، وإن إنسانًا رفع مصحفًا من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألم تعلموا أن محمدًا قد برئ ممن فرق دينه؟ وكانوا شيعًا. خرجه في الصفوة.

ص: 81

ذكر ما نقم على عثمان مفصلًا، والاعتذار عنه بحسب الإمكان:

وذلك أمور: الأول: ما نقموا عليه من عزله جمعًا من الصحابة، منهم أبو موسى عزله عن البصرة وولاها عبد الله بن عامر، ومنهم عمرو بن العاص عزله عن مصر وولاها عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وكان ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولحق بالمشركين فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه بعد الفتح إلى أن أخذ له عثمان الأمان ثم أسلم، ومنهم عمار بن ياسر عزله عن الكوفة، ومنهم المغيرة بن شعبة عزله عن الكوفة أيضا، ومنهم عبد الله بن مسعود عزله عن الكوفة أيضا وأشخصه إلى المدينة.

الثاني: ما ادعوا عليه في الإسراف في بيت المال، وذلك بأمور منها: أن الحكم بن العاص لما رده من الطائف إلى المدينة وقد كان طرده النبي صلى الله عليه وسلم وصله من بيت المال بمائة ألف درهم وجعل لابنه الحارث سوق المدينة يأخذ منها عشور ما يباع فيها، ومنها: أنه وهب لمروان خمس أفريقية، ومنها: أن عبد الله بن خالد بن أسد بن أبي العاص بن أمية قدم عليه فوصله بثلاثمائة ألف درهم، ومنها: ما رواه أبو موسى قال: كنت إذا أتيت عمر بالمال والحلية من الذهب والفضة لم يلبث أن يقسمه بين المسلمين حتى لا يبقى منه شيء، فلما ولي عثمان أتيت به فكان يبعث به إلى نسائه وبناته، فلما رأيت ذلك أرسلت دمعي وبكيت، فقال لي: ما يبكيك? فذكرت له صنيعه وصنيع عمر فقال: رحم الله عمر، كان حسنة وأنا حسنة ولكل ما اكتسب قال أبو موسى: إن عمر كان ينزع الدرهم الفرد من الصبي من أولاده فيرده في مال الله ويقسمه بين المسلمين، فأراك قد أعطيت إحدى بناتك مجمرًا من ذهب مكللا باللؤلؤ والياقوت وأعطيت الأخرى درتين لا يعرف كم قيمتهما، فقال: إن عمر عمل برأيه ولا يألو عن الخير، وأنا أعمل برأيي ولا آلو عن الخير؛ وقد أوصاني الله تعالى بذوي قرباي وأنا مستوصٍ بهم أبرهم، ومنها ما قالوا: إنه أنفق أكثر بيت المال في ضياعه ودوره التي اتخذها لنفسه ولأولاده،

ص: 82

وكان عبد الله بن الأرقم ومعيقيب على بيت المال في زمان عمر، فلما رأيا ذلك استعفيا فعزلهما وولاه زيد بن ثابت وجعل المفاتيح بيده؛ فقال له يوما -وقد فضل في بيت المال فضلة- فقال: خذها فهي لك، فأخذها زيد فكانت أكثر من مائة ألف درهم.

الثالث: أنهم قالوا: حبس عن عبد الله بن مسعود وأبي عطاءهما، وأخرج ابن مسعود إلى الربذة فكان بها إلى أن مات، وأوصى إلى الزبير وأوصاه أن يصلي عليه ولا يستأذن عثمان لئلا يصلي عليه، فلما دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبيهم خمس سنين.

الرابع: ما روي أنه حمى بقيع المدينة ومنع الناس منه، وزاد في الحمى أضعاف البقيع.

الخامس: قالوا: إنه حمى سوق المدينة في بعض ما يباع ويشترى فقالوا: لا يشتري منه أحد النوى حتى يشتري وكيله من شراء ما يحتاج إليه عثمان لعلف إبله.

السادس: زعموا أنه حمى البحر من أن تخرج فيه سفينة إلا في تجارته.

السابع: أنه أقطع أصحابه إقطاعات كثيرة من بلاد الإسلام، مما لم يكن له فعله.

الثامن: أنه نفى جماعة من أعلام الصحابة عن أوطانهم، منهم أبو ذر الغفاري وجندب بن جنادة؛ وقصته فيما نقلوه: أنه كان بالشام، فلما بلغه ما أحدث عثمان ذكر عيوبه للناس، فكتب إليه عثمان أن أشخصه إلي على مركب وعر وسائق عنيف؛ فأشخصه معاوية على تلك الصورة، فلما وصل إلى عثمان قال له: لم تفسد علي? أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباد

ص: 83

الله خولا، ودين الله دغلا، ثم يريح الله العباد منهم" فقال عثمان لمن بحضرته من المسلمين: أسمعتم هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم? قالوا: لا، فدعا عثمان عليا فسأله عن الحديث فقال: لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر" فاغتاظ عثمان وقال لأبي ذر: اخرج من هذه البلدة، فخرج منها إلى الربذة فكان بها إلى أن مات.

التاسع: قالوا: إن عبادة بن الصامت كان بالشام في جند، فمر عليه قطار جمال تحمل خمرًا وقيل: إنها خمر تباع لمعاوية، فأخذ شفرة وقام إليها فما ترك منها راوية إلا شقها، ثم ذكر لأهل الشام سوء سيرة عثمان ومعاوية، فكتب معاوية إلى عثمان يشكوه وسأل إشخاصه إلى المدينة فبعث إليه واستدعاه، فلما دخل عليه قال: ما لنا وما لك يا عبادة، تنكر علينا وتخرج عن طاعتنا? فقال عبادة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طاعة 1 لمن عصى الله تعالى".

العاشر: هجره لعبد الله بن مسعود، وذلك أنه لما عزله عن الكوفة، وأشخصه إلى المدينة هجره أربع سنين إلى أن مات مهجورًا. وسبب ذلك فيما زعموا أن ابن مسعود لما عزله عثمان من الكوفة وولى الوليد بن عقبة ورأى صنيع الوليد في جوره وظلمه، فعاب ذلك وجمع الناس بمسجد الكوفة وذكر لهم أحداث عثمان ثم قال: أيها الناس لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم، وبلغه خبر نفي أبي ذر إلى الربذة فقال في خطبته بمحفل من أهل الكوفة: هل سمعتم قول الله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} ؟ وعرض بذلك لعثمان، فكتب الوليد بذلك إلى عثمان فأشخصه من الكوفة، فلما دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أمر

1 روى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف".

ص: 84

عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود، وأخرجه من المسجد ورمى به الأرض، وأمر بإحراق مصحفه، وجعل منزله حبسه وحبس عطاءه أربع سنين إلى أن مات، وأوصى الزبير بأن لا يترك عثمان يصلي عليه. وزعموا أيضا أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده وقال له: استغفر الله لي، فقال: اللهم إنك عظيم العفو كثير التجاوز، فلا تتجاوز عن عثمان حتى تقيد لي منه.

الحادي عشر: نقلوا أنه قال لعبد الرحمن بن عوف: إنه منافق، وذلك أن الصحابة لما نقموا على عثمان ما أحدثه وعاتبوا عبد الرحمن في توليته إياه في اختياره فندم على ذلك وقال: إني لا أعلم ما يكون والآن الأمر إليكم، فبلغ قوله عثمان فقال: إن عبد الرحمن منافق، وإنه لا يبالي ما قال؛ فحلف ابن عوف لا يكلمه ما عاش ومات على هجرته، وقالوا: فإن كان ابن عوف منافقًا كما قال فما صحت بيعته ولا اختياره له، وإن لم يكن منافقًا فقد فسق بهذا القول وخرج عن أهلية الإمامة.

الثاني عشر: ما رووا أنه ضرب عمار بن ياسر، وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرين والأنصار فكتبوا أحداث عثمان وما نقموا عليه في كتاب، وقالوا لعمار: أوصل هذا الكتاب إلى عثمان ليقرأه فلعله يرجع عن هذا الذي ينكر، وخوفوه فيه بأنه إن لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره، قالوا: فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه، فقال له عمار: لا ترم بالكتاب وانظر فيه، فإنه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا والله ناصح لك وخائف عليك؛ فقال: كذبت يابن سمية، وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمي عليه، وزعموا أنه قام بنفسه فوطئ بطنه ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمي عليه أربع صلوات، فقضاها بعد الإفاقة واتخذ لنفسه تبانًا تحت ثيابه، وهو أول من لبس التبان لأجل الفتق، فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات عمار من هذا لنقتلن من بني أمية شيخًا عظيمًا -يعنون عثمان- ثم إن عمار لزم بيته

ص: 85

إلى أن كان من أمر الفتنة ما كان.

الثالث عشر: قالوا: إنه انتهك حرمة كعب بن عبدة البهري، وذلك أن جماعة من أهل الكوفة اجتمعوا وكتبوا إلى عثمان كتابًا يذكرون فيه أحداثه ويقولون: إن أنت أقلعت عنها فإنا سامعون مطيعون، وإلا فإنا هنا بذاك ولا طاعة لك علينا، وقد أعذر من أنذر ودفعوا الكتاب إلى رجل من عنزة ليحمله إلى عثمان. وكتب إليه كعب بن عبدة كتابًا أغلظ منه مع كتابهم فغضب عثمان وكتب إلى سعيد بن العاص أن يسرع إلى كعب بن عبدة ويبعث به من الكوفة إلى بعض الجبال، فدخل عليه وجرده من ثيابه وضربه عشرين سوطا، ونفاه إلى بعض الجبال.

الرابع عشر: أنه انتهك حرمة الأشتر النخعي وذلك: أن سعيد بن العاص لما ولي الكوفة من قبل عثمان دخل المسجد، فاجتمع إليه أشراف الكوفة فذكروا الكوفة وسوادها، فقال عبد الرحمن بن حنين صاحب شرطة سعيد: وددت أن السواد كله للأمير، فقال الأشتر النخعي: لا يكون للأمير ما أفاء الله علينا بأسيافنا، فقال عبد الرحمن: اسكت يا أشتر فوالله لو أراد الأمير لكان السواد كله له، فقال الأشتر: كذبت يا عبد الرحمن، لو رام ذلك لما قدر عليه، وقامت العامة على ابن حنين فضربوه حتى وقع لجنبه، وكتب سعيد إلى عثمان ليأمره بإخراج الأشتر من الكوفة إلى الشام مع أتباعه الذين أعانوه فأجابه إلى ذلك، فأشخصه مع عشرين نفرًا من صلحاء الكوفة إلى الشام، فلم يزالوا محبوسين بها إلى أن كانت فتنة عثمان؛ ثم إن سعيدًا لحق بالمدينة واضطربت الكوفة على عمال عثمان، وكتب أشراف الكوفة إلى الأشتر: أما بعد، فقد اجتمع الملأ من إخوانك فتذاكروا أحداث عثمان وما أتاه إليك، ورأوا ألا طاعة عليهم في معصية الله، وقد خرج سعيد عنا، وقد أعطينا عهودنا ألا يدخل علينا سعيد بعد هذا واليًا؛ فالحق بنا إن كنت تريد أن تشهد معنا أمرنا، فسار إليهم واجتمع معهم وأخرجوا ثابت بن قيس صاحب شرطة سعيد بن

ص: 86

العاص وعزم عسكر الأشتر وأهل الكوفة على منع عمال عثمان على الكوفة، واتصل الخبر بعثمان فأرسل إليهم سعيد بن العاص؛ فلما بلغ العذيب استقبله جند الكوفة وقالوا له: ارجع يا عدو الله فإنك لا تذوق فيها بعد صنيعك ماء الفرات، وقاتلوه وهزموه، فرجع إلى عثمان خائبًا، وكتب عثمان إلى الأشتر كتابًا توعده فيه على مخالفة الإمام، فكتب إليه الأشتر كتابا عنوانه: من مالك بن الحويرث إلى الخليفة الخارج عن سنة نبيه النابذ حكم القرآن وراء ظهره: أما بعد، فإن الطعن على الخليفة إنما يكون وبالا إذا كان الخليفة عادلًا وبالحق قاضيًا، وإذا لم يكن كذلك ففراقه قربة إلى الله تعالى ووسيلة إليه، وأنفذ الكتاب مع كميل بن زياد، فلما وصل إلى عثمان سلم ولم يسمه بأمير المؤمنين، فقيل له: لم لا تسلم بالخلافة على أمير المؤمنين? فقال: إن تاب عن فعاله وأعطانا ما نريد فهو أميرنا وإلا فلا فقال عثمان: إني أعطيكم الرضا، من تريدون أن أوليه عليكم? فاقترحوا عليه أبا موسى الأشعري، فولاه عليهم.

الخامس عشر: قالوا: إن عثمان أحرق مصحف ابن مسعود ومصحف أبي وجمع الناس على مصحف زيد بن ثابت، ولما بلغ ابن مسعود أنه أحرق مصحفه وكان به نسخة عند أصحاب له بالكوفة أمرهم بحفظها وقال لهم: قرأت سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان.

السادس عشر: قالوا: إن عثمان ترك إقامة حدود الله تعالى في عبيد الله بن عمر لما قتل الهرمزان وقتل حنيفة وبنتًا صغيرة لأبي لؤلؤة القاتل عمر، فاجتمعت الصحابة عند عثمان وأمروه بقتل عبيد الله بن عمر قصاصًا بمن قتل، وأشار علي بذلك فلم يقبله؛ ولذلك سار عبيد الله بعد قتل عثمان إلى معاوية خوفًا من علي أن يقتله بالهرمزان.

السابع عشر: قالوا: إن عثمان خالف الجماعة بإتمام الصلاة بمنى مع

ص: 87

علمه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قصروا الصلاة بها.

الثامن عشر: انفرد بأقوال شاذة خالف فيها جميع الأمة، في الفرائض وغيرها.

التاسع عشر: قالوا: إنه كان غادرا مخلفًا لوعده؛ لأن أهل مصر شكوا إليه عامله عبد الله بن سعد بن أبي السرح فوعدهم أن يولي عليهم من يرتضونه، فاختاروا محمد بن أبي بكر فولاه عليهم وتوجهوا به معهم إلى مصر، ثم كتب إلى عامله ابن أبي السرح بمصر يأمره أن يأخذ محمد بن أبي بكر فيقطع يديه ورجليه، وهذا كان سبب رجوع أهل مصر المدينة وحصارهم عثمان وقتله.

والجواب: أما القضية الأولى وهي عزل من عزله من الصحابة، أما أبو موسى فكان عذره في عزله أوضح من أن يذكر، فإنه لو لم يعزله اضطربت البصرة والكوفة وأعمالها، للاختلاف الواقع بين جند البلدين، وقصته: أنه كتب إلى عمر في أيامه يسأله المدد فأمده بجند الكوفة، فأمرهم أبو موسى قبل قدومهم عليه برامهرمز فذهبوا إليها وفتحوها وسبوا نساءها وذراريها فحمدهم على ذلك، وكره نسبة الفتح إلى جند الكوفة دون جند البصرة، فقال لهم: إني كنت قد أعطيتهم الأمان وأجلتهم ستة أشهر فرعوا عليهم فوقع الخلاف في ذلك بين الجندين، وكتبوا إلى عمر فكتب عمر إلى صلحاء جند أبي موسى مثل البراء وحذيفة وعمران بن حصين وأنس بن مالك وسعيد بن عمرو الأنصاري وأمثالهم وأمرهم أن يستحلفوا أبا موسى فإن حلف أنه أعطاهم الأمان وأجلهم ردوا عليهم، فاستحلفوه فحلف ورد السبي عليهم وانتظر لهم أجلهم، وبقيت قلوب الجند حنقة على أبي موسى، ثم رفع على أبي موسى إلى عمر وقيل له: لو أعطاهم الأمان لعلم ذلك، فأشخصه عمر وسأل عن يمينه فقال: ما حلفت إلا على حق، قال: فلم أمرت الجند إليهم حتى فعلوا ما فعلوا?

ص: 88

وقد وكلنا أمرك في يمينك إلى الله تعالى، فارجع إلى عملك فليس نجد الآن من يقوم مقامك، ولعلنا إن وجدنا من يكفينا عملك وليناه، فلما مضى عمر لسبيله وولي عثمان شكا جند البصرة شح أبي موسى، وشكا جند الكوفة ما نقموا عليه، فخشي عثمان ممالأة الفريقين على أبي موسى فعزله عن البصرة وولاها أكرم الفتيان عبد الله بن عامر بن كريز، وكان من سادات قريش، وهو الذي سقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ريقه حين حمل إليه طفلا في مهده. وأما عمرو بن العاص فإنما عزله لأن أهل مصر أكثروا شكايته، وكان عمر قبل ذلك عزله لشيء بلغه عنه، ثم لما أظهر توبته رده، كذلك عزله عثمان لشكاية رعيته، كيف والرافضة يزعمون أن عمرًا كان منافقًا في الإسلام، فقد أصاب عثمان في عزله فكيف يعترض على عثمان بما هو مصيب فيه عندهم? وأما توليته عبد الله فمن حسن النظر عنده؛ لأنه تاب وأصلح عمله، وكانت له فيما ولاه آثار محمودة، فإنه فتح من تلك النواحي طائفة كبيرة، حتى انتهى في إغارته إلى الجزائر التي في بحر بلاد الغرب، وحصل في فتوحه ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، سوى ما غنمه من صنوف الأموال؛ وبعث بالخمس منها إلى عثمان وفرق الباقي في جنده، وكان في جنده جماعة من الصحابة ومن أولادهم كعقبة بن عامر الجهني، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، قاتلوا تحت رايته، وأدوا طاعته، ووجدوه أقوم بسياسة الأمر من عمرو بن العاص. ثم أبان عن حسن رأي في نفسه عند وقوع الفتنة فحين قتل عثمان اعتزل الفريقين ولم يشهد مشهدًا ولم يقاتل أحدًا بعد قتال المشركين. "وأما عمار بن ياسر" فأخطئوا في ظن عزله، فإنه لم يعزله وإنما عزله عمر، كان أهل الكوفة قد شكوه فقال عمر: من يعذرني من أهل الكوفة إن استعملت عليهم تقيا استضعفوه، وإن استعملت عليهم قويا فجروه. ثم عزله وولى المغيره بن شعبة، فلما ولي عثمان شكوا المغيرة إليه وذكروا أنه ارتشى في بعض أموره

ص: 89

فلما رأى ما وقر عندهم منه استصوب عزله عنهم؛ ولو كانوا مفترين عليه. والعجب من هؤلاء الرافضة كيف ينقمون على عثمان عزل المغيرة وهم يكفرون المغيرة? على أنا نقول: ما زال ولاة الأمر قبله وبعده يعزلون من عمالهم من رأوا عزله ويولون من رأوا توليته بحسب ما تقتضيه أنظارهم. عزل عمر خالد بن الوليد عن الشام وولى أبا عبيدة، وعزل عمارًا عن الكوفة وولاها المغيرة بن شعبة، وعزل قيس بن سعد عن مصر وولاها الأشتر النخعي. ألا ترى إلى معاوية -وكان ممن ولاه عمر- لما ضبط الجزيرة وفتح البلاد إلى حدود الروم وفتح جزيرة قبرص وغنم منها مائة ألف رأس سوى ما غنم من البياض وأصناف المال وحمدت سيرته وسراياه، أقره على ولايته? وأما ابن مسعود فسيأتي الاعتذار عنه فيما بعد. وأما القصة الثانية وهو ما ادعوه من إسرافه في بيت المال فأكثر ما نقلوه عنه مفترًى عليه ومختلق؛ وما صح منه فعذره فيه واضح، وأما رده الحكم إلى المدينة فقد ذكر رضي الله عنه أنه كان استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في رده إلى المدينة فوعده بذلك، فلما ولي أبو بكر سأله عثمان ذلك فقال: كيف أرده إليها وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له عثمان ذلك فقال له: إني لم أسمعه يقول له ذلك؛ ولم تكن مع عثمان بينة على ذلك، فلما ولي عمر سأله ذلك فأبى ولم يريا1 الحكم بقول الواحد، فلما ولي قضي بعلمه وهو قول أكثر الفقهاء، وهو مذهب عثمان، وهذا بعد أن تاب وأصلح عما كان طرد لأجله، وإعادة التائب مما تحمد.

وأما صلته من بيت المال بمائة ألف فلم تصح، وإنما الذي صح أنه زوج ابنه من ابنة الحارث بن الحكم وبذل لها من مال نفسه مائة ألف درهم، وكان رضي الله عنه ذا ثروة في الجاهلية والإسلام، وكذلك زوج ابنته أم أبان من ابن مروان بن الحكم وجهزها من خاصّ ماله بمائة ألف لا

1 يعني أبا بكر وعمر.

ص: 90

من بيت المال، وهذه صلة رحم يحمد عليها.

وأما طعنهم على عثمان أنه وهب خمس أفريقية مروان بن الحكم فهو غلط منهم؛ وإنما المشهور في القضية أن عثمان كان جهز ابن أبي السرح أميرًا على آلاف من الجند وحضر القتال بأفريقية، فلما غنم المسلمون أخرج ابن أبي السرح الخمس من الذهب وهو خمسمائة ألف دينار فأنفذها إلى عثمان، وبقي من الخمس أصناف من الأثاث والمواشي مما يشق حمله إلى المدينة فاشتراها مروان منه بمائة ألف درهم نقد أكثرها وبقيت منها بقية، ووصل إلى عثمان مبشرًا بفتح أفريقية، وكانت قلوب المسلمين مشغولة خائفة أن يصيب المسلمين من أمر أفريقية نكبة؛ فوهب له عثمان ما بقي عليه جزاء ببشارته؛ وللإمام أن يصل المبشرين من بيت المال بما رأى على قدر مراتب البشارة.

وأما ما ذكروا من صلته عبد الله بن خالد بن أسد بثلاثمائة ألف درهم، فإن أهل مصر عاتبوه على ذلك لما حاصروه فأجابهم بأنه استقرض له ذلك من بيت المال، وكان يحتسب لبيت المال ذلك من نفسه حتى وفاه.

وأما دعواهم أنه جعل للحارث بن الحكم سوق المدينة يأخذ عشور ما يباع فيه فغير صحيح؛ وإنما جعل إليه سوق المدينة ليراعي أمر المثاقيل والموازين، فتسلط يومين أو ثلاثة على باعة النوى واشتراه لنفسه، فلما رفع ذلك إلى عثمان أنكر عليه وعزله وقال لأهل المدينة: فإني لم آمره بذلك، ولا عتب على السلطان في جور بعض العمال إذا استدرك بعد علمه.

وقد روي أنه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين، وقال لأهل المدينة: إذا رأيتموه سرق شيئًا فخذوه منه وهذا غاية الإنصاف.

"وأما قصة أبي موسى" فلا يصح شيء منها، فإنه رواه ابن إسحاق عمن حدثه عن أبي موسى؛ ولا يصح الاستدلال برواية المجهول، وكيف

ص: 91

يصح ذلك وأبو موسى ما ولي لعثمان عملًا إلا في آخر السنة التي قتل فيها? ولم يرجع إليه؛ فإنه لما عزله عن البصرة بعبد الله بن عامر لم يتول شيئا من أعماله إلى إرسال أهل الكوفة -في السنة التي قتل فيها- أن يوليه الكوفة فولاه إياها ولم يرجع إليه؛ ثم يقال للخوارج والروافض: إنكم تكفرون أبا موسى وعثمان، فلا حجة في دعوى بعضهم على بعض.

وأما عزله ابن الأرقم ومعيقيبًا عن ولاية بيت المال؛ فإنهما أسنا وضعفا عن القيام بحفظ بيت المال.

وقد روي أن عثمان لما عزله خطب الناس وقال: ألا إن عبد الله بن الأرقم لم يزل على جرايتكم زمن أبي بكر وعمر إلى اليوم، وإنه كبر وضعف وقد ولينا عمله زيد بن ثابت.

وما نسبوه إليه من صرف مال بيت المال في عمارة دوره وضياعه المختصة فبهتان افتروه عليه؛ وكيف وهو من أكثر الصحابة مالا?! وكيف يمكنه ذلك بين أظهر الصحابة مع أنه الموصوف بكثرة الحياء، وأن الملائكة تستحي منه لفرط حيائه?! أعاذنا الله من فرطات الجهل وموبقات الهوى، آمين آمين.

"وقولهم": إنه دفع إليه ما فضل من بيت المال افتراء واختلاق، بل الصحيح أنه أمر بتفرقة المال على أصحابه ففضل في بيت المال ألف درهم فأمره بإنفاقها فيما يراه أصلح للمسلمين، فأنفقها زيد على عمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما زاد عثمان في المسجد زيادة، وكل واحد منهما مشكور محمود على فعله.

وأما القضية الثالثة وهو ما ادعوه من حبس عطاء ابن مسعود، فكان ذلك في مقابلة ما بلغه عنه ولم تزل الأئمة على مثل ذلك، وكل منهما مجتهد، فإما مصيبان أو مخطئ ومصيب، ولم يكن قصد عثمان حرمانه البتة، وإنما التأخير إلى غاية اقتضى نظره التأخير إليها أدبًا، فلما قضى

ص: 92

عليه إما مع بلوغ حصول تلك الغاية أو دونها وصل به ورثته، ولعله كان أنفع لهم.

وأما القضية الرابعة وهي الحمى، فهذا مما كان اعترض به أهل مصر عليه فأجابهم بأنه حمى لإبل الصدقة كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، فقالوا: إنك زدت! فقال: لأن إبل الصدقة زادت، وليس هذا مما ينقم على الإمام.

وأما الخامسة وهو أنه حمى سوق المدينة إلى آخر ما قرر، فهذا مما تقول عليه واختلق ولا أصل له، ولم يصح إلا ما تقدم من حديث الحارث بن الحكم. ولعله لما فعل ذلك نسبوه إلى عثمان، وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على أنه فعله لإبل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها؛ لأنه في معناه.

وأما السادسة وهي حمى البحر، فعلى تقدير صحة النقل فيها يحمل على أنها كانت ملكا له؛ لأنه كان منبسطا في التجارات، متسع المال في الجاهلية والإسلام، فما حمى البحر، وإنما حمى سفنه أن يحمل فيها متاع غير متاعه.

وأما السابعة وهي إقطاعه كثيرًا من الصحابة كثيرًا من بلاد الإسلام، فعنه جوابان:

الأول: أن ذلك كان منه إذنًا في إحياء كل ما قدر عليه من أموات أرض العراق، ومن أحيا أرضًا ميتة فهي له.

الثاني: أن أصحاب السير ذكروا أن الأشراف من أهل اليمن قدموا المدينة وهجروا بلادهم وأموالهم مثلها، فأعطى طلحة موضعًا وأخذ منه ما له بكندة، وهكذا كل من أعطى شيئًا فإنما هو شيء صار للمسلمين، وفعل ذلك لما رأى من المصلحة، إما إجارة إن قلنا: أراضي السواد وقف،

ص: 93

وإما تمليكا إن قلنا: ملك.

"وأما القضية الثامنة" وهو ما ادعوه في نفيه جماعة من الصحابة: أما أبو ذر فروي أنه كان يتجاسر عليه ويجبهه بالكلام الخشن ويفسد عليه ويثير الفتنة، وكان يؤدي ذلك التجاسر عليه إلى إذهاب هيبته وتقليل حرمته ففعل ما فعل به صيانة لمنصب الشريعة وإقالة لحرمة الدين، وكان عذر أبي ذر فيما كان يفعله أنه كان يدعوه إلى ما كان عليه صاحباه من التجرد عن الدنيا والزهد فيها، فيخالفه في أمور مباحة من اقتنائه الأموال، وجمعه الغلمان الذين يستعان بهم على الحروب، وكل منهما كان على هدى من الله تعالى، ولم يزل أبو ذر ملازمًا طاعة عثمان بعد خروجه إلى الربذة حتى توفي.

ولما قدم إليها كان لعثمان غلام يصلي بالناس، فقدم أبا ذر للصلاة فقال له: أنت الوالي، والوالي أحق، وهذا كله على تقدير صحة ما نقله الروافض في قصة أبي ذر مع عثمان؛ وإلا فقد روى محمد بن سيرين خلاف ذلك، فقال: لما قدم أبو ذر الشام استأذن عثمان في لحوقه بالربذة فقال عثمان: أقم عندي تغدو عليك اللقاح وتروح فقال: لا حاجة لي في الدنيا، فأذن له في الخروج إلى الربذة.

وروى قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: "إذا رأيت المدينة بلغ بناؤها سلعا، فاخرج منها" وأشار إلى الشام فلما كان في ولاية عثمان بلغ بناؤها سلعًا فخرج إلى الشام، وأنكر على معاوية أشياء فشكاه إلى عثمان، فكتب عثمان إلى أبي ذر: أقبل إلينا فنحن أرعى لحقك وأحسن جوارًا من معاوية فقال أبو ذر: سمعًا وطاعة، فقدم على عثمان ثم استأذن في الخروج إلى الربذة فأذن له فمات. ورواية هذين الإمامين العالمين من التابعين وأهل السنة هذه القصة أشبه بأبي ذر وعثمان من رواية غيرهما من أهل البدعة.

ص: 94

وأما القضية التاسعة وهي قضية عبادة بن الصامت فهي دعوى باطلة وكذب مختلق؛ وما شكا معاوية عبادة ولا أشخصه عثمان، والأمر على خلاف ذلك فيما رواه الثقات الأثبات من اتفاقهم ورجوع بعضهم إلى بعض في الحق. ويشهد لذلك ما روي: أن معاوية لما غزا جزيرة قبرص كان معه عبادة بن الصامت، فلما فتحوا الجزيرة وأخذوا غنائمها أخرج معاوية خمسها وبعثه إلى عثمان وجلس يقسم الباقي بين جنده، وجلس جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ناحية، منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وشداد بن أوس وواثلة بن الأسقع وأبو أمامة الباهلي وعبد الله بن بشر المازني، فمر بهم رجلان يسوقان حمارين فقال لهما عبادة بن الصامت: ما هذان الحماران? فقالا: إن معاوية أعطاناهما من المغنم، وإنا نرجو أن نحج عليهما، فقال لهما عبادة: لا يحل لكما ذلك ولا لمعاوية أن يعطيكما، فرد الرجلان الحمارين على معاوية، وسأل معاوية عبادة بن الصامت عن ذلك فقال عبادة: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين والناس يكلمونه في الغنائم فأخذ وبرة من بعير وقال: "ما لي مما أفاء الله عليكم من هذه الغنائم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم" فاتق الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها ولا تعط منها أحدًا أكثر من حقه، فقال له معاوية: قد وليتك قسمة الغنائم ليس أحد بالشام أفضل منك ولا أعلم، فاقسمها بين أهلها واتق الله فيها، فقسمها عبادة بين أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو أمامة، وما زالوا على ذلك إلى آخر زمن عثمان. فهذه قصة عبادة في التزامه طاعة عثمان وطاعة عامله بالشام، بضد ما رووه، قاتلهم الله.

وأما القضية العاشر: ما رووه مما جرى على عبد الله بن مسعود من عثمان وأمره غلامه بضربه إلى آخر ما قرروه، فكله بهتان واختلاق لا يصح منه شيء، وهؤلاء الجهلة لا يتحامون الكذب فيما يرونه موافقًا لأغراضهم، إذ لا ديانة تردهم عن ذلك. ثم نقول: على تقدير صحة

ص: 95

صدور ذلك من الغلام، فيكون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه، فإن ابن مسعود كان يجبه عثمان بالكلام ويلقاه بما يكرهه، ولو صح ذلك عنه لكان محمولا على الأدب، فإن منصب الخلافة لا يحتمل ذلك، ويصنع ذلك منه بين العامة، وليس هذا بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبي وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له، وقال له: إنك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف أن الخلافة لا تهابك، ولم يغير ذلك سعدًا ولا رآه عيبًا وكذلك ضربه لأبي بن كعب حين رآه يمشي وخلفه قوم فعلاه بالدرة وقال: إن هذه مذلة للتابع وفتنة للمتبوع، ولم يطعن أبي بذلك على عمر، بل رآه أدبًا منه نفعه الله به، ولم يزل دأب الخلفاء والأمراء تأديب من رأوا منه الخلاف، على أنه قد روي أن عثمان اعتذر لابن مسعود وأختاه في منزله، حين بلغه مرضه وسأله أن يستغفر له وقال: يا أبا عبد الرحمن هذا عطاؤك فخذه، فقال له ابن مسعود: وما أتيتني به إذ كان ينفعني، وجئتني به عند الموت لا أقبله، فمضى عثمان إلى أم حبيبة، وسألها أن تطلب إلى ابن مسعود ليرضى عنه، فكلمته أم حبيبة، ثم أتاه عثمان فقال له: يا أبا عبد الله، ألا تقول كما قال يوسف لإخوته:{لا تَثْرِيبَ 1 عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} ? فلم يكلمه ابن مسعود. وإذا ثبت هذا فقد فعل عثمان ما هو الممكن في حقه واللائق بمنصبه أولًا وآخرًا، ولو فرض خطؤه فقد أظهر التوبة والتمس الاستغفار، واعتذر بالذنب لمن لم يقبله حينئذ، فإن الله أخبر أنه:{يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} وفي ذلك حثهم على الاقتداء به، على أنه قد نقل أن ابن مسعود رضي عنه واستغفر له. قال سلمة بن سعيد: دخلت على ابن مسعود في مرضه الذي توفي فيه، وعنده قوم يذكرون عثمان فقال لهم: مهلا، فإنكم إن قتلتموه لا تصيبون مثله.

وأما عزله عن الكوفة وإشخاصه إلى المدينة وهجره له وجفاؤه إياه،

1 لا لوم.

ص: 96

فلم تزل هذه شيمة الخلفاء قبله وبعده على ما تقدم تقريره، وليس هجره إياه بأعظم من هجر علي أخاه عقيل بن أبي طالب وأبا أيدب الأنصاري حين فارقاه بعد انصرافه من صفين وذهبا إلى معاوية، ولم يوجب ذلك طعنًا عليه ولا عيبًا فيه.

وقد روي أن أعرابيا من همدان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا موسى الأشعري يذكرون عثمان طاعنين عليه فقال لهم: أنشدكم الله، لو أن عثمان ردكم إلى أعمالكم ورد إليكم عطاياكم أكنتم ترضون? قالوا: اللهم نعم، فقال: الهمداني: اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطعنوا على أئمتكم، وفي هذا بيان أن من طعن على عثمان إنما كان لعزله إياه وتوليته غيره وقطع عطائه، وذلك سائغ للإمام إذا أدى اجتهاده إليه.

وأما الحادية عشرة وهي قولهم: إن عبد الرحمن ندم على تولية عثمان، فكذب صريح، ولو كان كذلك لصرح بخلعه إذ لا مانع له، فإن أعيان الصحابة على زعمهم منكرون عليه ناقمون أحداثه، والناس تبع لهم، فلا مانع لهم من خلعه، وكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما في حق الآخر، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما؟ فثبت لكل واحد منهما على الآخر حق الإخوة والاشتراك في صحبة النبوة، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لكل واحد منهما بالجنة، وترك التنزيل مخبرًا بالرضا عنهم، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو عليهما راض. ويبعد مع كل هذا صدور ما ذكروه عن كل واحد منهما، وإنما الذي صح في قصته أن عثمان استوحش منه، فإن عبد الرحمن كان يبسط عليه في القول لا يبالي بما يقول له.

وروي أنه قال له: إني أخاف يابن عوف أن تبسط من دمي.

"حاشية" كذا وقع، ولعله: أن تهدر دمي.

وأما الثانية عشرة وهي ضرب عمار، فسياق هذه القصة لا يصح على

ص: 97

النحو الذي رووه، بل الصحيح منها أن غلمانه ضربوا عمارًا، وقد حلف أنه لم يكن على أمره لأنهم عاتبوه في ذلك فاعتذر إليهم بأن قال: جاء هو وسعد إلى المسجد وأرسلا إلي أن ائتنا فإنا نريد أن نذاكرك أشياء فعلناها، فأرسلت إليهما أني عنكما اليوم مشغول، فانصرفا وموعدكما يوم كذا وكذا. فانصرف سعد وأبى هو أن ينصرف، فأعدت إليه الرسول فأبى ثم أعدته إليه فأبى، فتناوله رسولي بغير أمري، والله ما أمرته ولا رضيت بضربه؛ وهذه يدي لعمار فليقتص مني إن شاء، وهذا من أبلغ ما يكون من الإنصاف.

ومما يؤيد ذلك ويوهي ما رووه: ما روى أبو الزناد عن أبي هريرة أن عثمان لما حوصر ومنع الماء قال لهم عمار: سبحان الله! قد اشترى بئر رومة وتمنعوه ماءها! خلوا سبيل الماء، ثم جاء إلى علي وسأله إنفاذ الماء إليه، فأمر براوية ماء، وهذا يدل على رضائه عنه.

وقد روي أنه رضي الله عنه لما أنصفه بحسن الاعتذار، فما بال أهل البدعة لا يرضون! وما مثله فيه إلا كما يقال: رضي الخصمان، ولم يرض القاضي.

وأما الثالثة عشرة وهي قولهم: إنه انتهك حرمة كعب، فيقال لهم: ما أنصفتم إذ ذكرتم بعض القصة وتركتم تمامها، وذلك أن عثمان استدرك ذلك بما أرضاه فكتب إلى سعد بن العاص أن ابعثه إلي مكرما؛ فبعث إليه فلما دخل عليه قال له: يا كعب، إنك كتبت إلي كتابًا غليظًا ولو كتبت ببعض اللين لقبلت مشورتك، ولكنك حددتني وأغضبتني حتى نلت منك ما نلت. ثم نزع قميصه ودعا بسوط فدفعه إليه ثم قال: قم فاقتص مني ما ضربته، فقال كعب: أما إذا فعلت ذلك فأنا أدعه لله تعالى، ولا أكون أول من اقتص من الأئمة؛ ثم صار بعد ذلك من خاصة عثمان، وعذره في مبادرته الأمر بضربه ونفيه، وذلك سبيل أولي

ص: 98

الأمر في تأديب من رأوا خروجه على إمامه.

و"أما الرابعة عشرة" وهي قضية الأشتر النخعي فنقول: ظلمة البدعة والحمية الناشئة عن محض العصبية دون رؤية الحق، وهل آثار الفتنة في هذه إلا فعل الأشتر بالكوفة من هتك حرمة السلطان، وتسليط العامة على ضرب عامله، فلا يعتذر عن عثمان في الأمر بنفيه? بل ذلك أقل ما يستوجبه ثم لم يمنعه ذلك حتى سار من الشام إلى الكوفة وأضرم نار الفتنة على ما تقدم تقريره، ثم لم يتمكن عثمان معهم من شيء إلا سلوك سبيل السياسة وإجابتهم إلى ما أرادوا، فولى عليهم أبا موسى وبعث حذيفة بن اليمان على خراجهم، ثم لم يلبث ذلك حتى خرج إليه الأشتر مع رعاع الكوفة فانضم إليه غاغة أهل مصر وساروا إلى عثمان فقتلوه، وباشر الأشتر قتله على ما تقدم في بعض الروايات، وصار قتله سببا للفتنة الى أن تقوم الساعة، فعميت أبصارهم وبصائرهم عن ذم الأشتر وأنصاره وتعرضوا لذم من شهد لسان النبوة أنه على الحق، وأمر بالكون معه، وأخبر بأنه يقتل مظلوما؛ يشهد لذلك الحديث الصحيح على ما تقدم في أول فصل مقتله، وسنعيد طرفًا منه إن شاء الله تعالى.

"الخامسة عشرة" وهي إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك إلا دواء لفتنة كبيرة في الدين؛ لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكر عند أهل العلم بالقرآن، وبحذفه المعوذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة أنهما في القرآن وقال عثمان لما عوتب في ذلك: خشيت الفتنة في القرآن. وكان الاختلاف بينهم واقعا حتى كان الرجل يقول لصاحبه: قرآني خير من قرآنك فقال له حذيفة: أدرك الناس، فجمع الناس على مصحف عثمان. ثم يقال لأهل البدع والأهواء: إن لم يكن مصحف عثمان حقا فلم رضي علي وأهل الشام بالتحكيم إليه حين رفع أهل الشام المصاحف؛ فكانت مكتوبة على نسخة مصحف عثمان؟

ص: 99

و"أما السادسة عشرة" وهي ترك إقامة حدود الله تعالى في عبيد الله بن عمر، فنقول: أما ابنة أبي لؤلؤة فلا قود فيها لأنها ابنة مجوسي صغيرة تابعة له؛ وكذلك جفينة فإنه نصراني من أهل الحيرة، وأما الهرمزان فعنه جوابان:

الأول: أنه شارك أبا لؤلؤة في ذلك ومالأه، وإن كان المباشر أبو لؤلؤة وحده، ولكن المعين على قتل الإمام العادل يباح قتله عند جماعة من الأئمة، وقد أوجب كثير من الفقهاء القود على الآمر والمأمور. وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمر وقال: إن عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره أنه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون في مكان يتشاورون، وبينهم خنجر له رأسان مقبضه في وسطه، فقتل عمر في صبيحة تلك الليلة، فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله عن ذلك فقال: انظروا إلى السكين، فإن كانت ذات طرفين فلا أرى القوم إلا وقد اجتمعوا على قتله، فنظروا إليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن؛ فلذلك ترك عثمان قتل عبيد الله بن عمر، لرؤيته عدم وجوب القود لذلك أو لتردده فيه، فلم ير الوجوب بالشك.

والجواب الثاني: أن عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة؛ لأنه كان بنو تميم وبنو عدي مانعين من قتله ودافعين عنه، وكان بنو أمية أيضا جانحين1 إليه حتى قال له عمرو بن العاص: قتل أمير المؤمنين عمر بالأمس ويقتل ابنه اليوم?! لا والله لا يكون هذا أبدا، ومال في بني جمح، فلما رأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال: أمره إلي وسأرضي أهل الهرمزان عنه.

و"أما السابعة عشرة" وهي إتمام الصلاة بمنى، فعذره في ذلك ظاهر، فإنه ممن لم يوجب القصر في السفر، وإنما كان يتجه كما رآه فقهاء

1 مائلين إليه.

ص: 100

المدينة ومالك والشافعي وغيرهما، وإنما أوجبه فقهاء الكوفة، ثم إنها مسألة اجتهادية؛ ولذلك اختلف فيها العلماء فقوله فيها لا يوجب تكفيرًا ولا تفسيقًا.

وأما الثامنة عشرة وهي انفراده بالأقوال الشاذة، فلم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو من ذلك، ينفرد الواحد منهم بالقول ويخالفه فيه الباقون؛ وهذا علي بن أبي طالب في مسألة بيع أم الولد على مثل ذلك.

وفي الفرائض عدة مسائل على هذا النحو لكثير من الصحابة.

وأما التاسعة عشرة وهي قولهم: إنه كان غادرًا إلى آخر ما قرروه، فنقول: أما الكتاب الذي كان إلى عامله بمصر فلم يكن من عنده وقد حلف على ذلك لهم، وقد تقدم ذكر ذلك في فصل مقتله مستوفيًا؛ وذكرنا من المتهم بالتزوير عليه؛ وقد تحققوا ذلك، وإنما غلب الهوى -أعاذنا الله منه- على العقول حتى ضلت في قتله رضي الله عنه. فهذا تمام القول في الاعتذار عن تلك القضايا التي نقموها على عثمان وأحسن ما يقال في الجواب عن جميع ما ذكر دعاة أهل البدع: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن وقوع فتنة عثمان، وأخبر أنه على الحق على ما تضمنه حديث كعب بن عجرة في فصل فضائله في ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه على الحق.

وفي رواية: أنه على الهدى، خرجه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وأخبر أنه يقتل ظلمًا على ما تضمنه حديث ابن عمر في فصل مقتله من حديث الترمذي، وللبغوي وأمر صلى الله عليه وسلم باتباعه عند ثوران الفتنة على ما تضمنه حديث مرة بن كعب من حديث أبي حاتم وأحمد؛ وتقدم في ذكره في فصل فضائله، ومن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه على الحق وأنه يقتل ظلمًا وأمر باتباعه كيف يتطرق إلى الوهم أنه على باطل?! ثم ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن الله يقمصه بقميص وأن المنافقين

ص: 101

يريدونه على خلعه؛ وأمره أن لا يخلعه، وأكد عليه الأمر بأن لا يخلعه. وفي بعض الطرق أنه توعده على خلعه وأمره بالصبر -على ما تقدم تقريره في خصائصه- فامتثل أمره وصبر على ما ابتلي به. وهذا من أدل دليل على أنه كان على الحق؛ وماذا بعد الحق إلا الضلال?! فمن خالفه يكون على الباطل. كيف لا وقد وصف صلى الله عليه وسلم الذين أرادوا خلعه بالنفاق فعلم بالضرورة أن كل ما ورد عنه مما يوجب الطعن عليه دائر بين مفتر عليه ومختلق وبين محمول على تقدير صحته على أحسن التأويلات ليكون معه على الحق تصديقًا لخبر النبوة المقطوع بصدقه. هذا ما علم من سابقته وكثرة إنفاقه في سبيل الله وشرف منزله بالصهارة الثابتة له في ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم مكانته في الدين والصفات الجميلة والمآثر الحميدة على ما تضمنه فصل مناقبه، فكيف يتوهم فيه شيء مما ادعاه أهل الأهواء والبدع؟! وأما كلفه1 بأقاربه وصلته إياهم وحبه الخير لهم فتلك صفة جبلة لم يودعها الله عز وجل إلا في خيار خلقه، وقد كان صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك في بني هاشم على ما سنبينه في مناقب بني هاشم وقريش إن شاء الله تعالى، وذلك محمود فيما لم يؤد إلى معصية، ولم يتحقق في شيء مما أتاه عثمان معصية بل له من المحامل الجلية الطاهرة ما يمنع من اعتقاد الحرمة بل الكراهة. غاية ما في الباب أنه ترك الأولى وما هو الأفضل اللائق به مما كان عليه الشيخان2، ولعله اعتقد أنه ما لا يشبه الأفضل في زمانه وعصره فلكل عصر حكم. وعلى الجملة فالذي يجب اعتقاده ولا يحل خلافه أن شيئا مما يسنه عثمان لم يخرج فيه عن الحق ولا عن الهدى تصديقا لشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإن كان في شيء من ذلك له هوى فهو هوى بهدى من الله عز وجل وقد وسع الله تعالى في ذلك، فشهده قوله تعالى: {وَمَنْ

1 شدة حبه المتجلي في إحسانه إليهم وحرصه على نفعهم، ولكنه رضي الله عنه لم يجانب الحق في ذلك.

2 أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

ص: 102