المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس: في خصائصه - الرياض النضرة في مناقب العشرة - جـ ٣

[الطبري، محب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌تابع القسم الثاني: في مناقب الأفراد

- ‌الباب الثالث: في مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌الفصل الأول: في نسبه

- ‌الفصل الثاني: في اسمه ونيته

- ‌الفصل الثالث: في صفته

- ‌الفصل الرابع: في إسلامه

- ‌الفصل الخامس: في هجرته

- ‌الفصل السادس: في خصائصه

- ‌الفصل السابع: في أفضليته بعد عمر رضي الله عنهما

- ‌الفصل الثامن: في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة

- ‌الفصل التاسع: في ذكر نبذ من فضائله

- ‌الفصل العاشر: في خلافته وما يتعلق بها

- ‌الفصل الحادي عشر: في مقتله وما يتعلق به

- ‌الفصل الثاني عشر: في ذكر ولده

- ‌الباب الرابع: في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

- ‌الفصل الأول: في ذكر نسبه

- ‌الفصل الثاني: في اسمه وكنيته

- ‌الفصل الثالث: في صفته

- ‌الفصل الرابع: في إسلامه

- ‌الفصل الخامس: في هجرته

- ‌الفصل السادس: في خصائصه

- ‌الفصل السابع: في أفضليته

- ‌الفصل الثامن: في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة

- ‌الفصل التاسع: في ذكر نبذ من فضائله

- ‌الفصل العاشر: في خلافته

- ‌الفصل الحادي عشر: في مقتله وما يتعلق به

- ‌الفصل الثاني عشر: في ذكر ولده

الفصل: ‌الفصل السادس: في خصائصه

"على أي حال رأيتها?" قالت: رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب وهو يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صحبهما الله، إن كان عثمان لأول من هاجر إلى الله عز وجل بعد لوط" خرجه خيثمة بن سليمان في فضائل عثمان، والملاء في سيرته، والظاهر أن قدومه من الحبشة كان قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أو بعدها وقبل وقعة بدر؛ لأنه صح أنه كان في وقعة بدر متخلفا بالمدينة على زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره منها، وسيأتي ذكر ذلك في خصائصه، وكانت وقعة بدر لسنة من الهجرة وثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وكان قدوم أكثر مهاجري الحبشة-جعفر وأصحابه- موافقًا لفتح خيبر، فأسهم صلى الله عليه وسلم لهم منها، وما أسهم لأحد غاب عن فتح خيبر من غنائمها إلا لجعفر وأصحاب سفينته، وكان فتح خيبر لست سنين من الهجرة وثلاثة أشهر وأحد عشر يومًا.

ص: 10

‌الفصل السادس: في خصائصه

تقدم من ذلك اختصاصه بأنه أول من هاجر إلى أرض الحبشة في الذكر قبله.

ذكر اختصاصه بعظيم الشرف، وشرف المنقبة بتزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحي إليَّ أن أزوج كريمتي عثمان بن عفان" خرجه الطبراني وخرجه خيثمة بن سليمان عن عروة بن الزبير عن عائشة وزاد بعد قوله "كريمتي" يعني: رقية وأم كلثوم.

وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فأمرني أن أزوج عثمان كريمتي" وقالت عائشة: كن لما لا ترجو أرجى منك لما

ص: 10

ترجو، فإن موسى عليه السلام خرج يلتمس نارًا فرجع بالنبوة، خرجه الحافظ أبو الحسين بن نعيم البصري.

وعن أبي هريرة قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم عثمان عند باب المسجد فقال: "يا عثمان، هذا جبريل أخبرني أن الله قد أمرني أن أزوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها" خرجه ابن ماجه القزويني والحافظ أبو بكر الإسماعيلي وأبو سعيد النقاش وأبو الحسن الخلعي وأبو القاسم الدمشقي والإمام أبو الخير القزويني الحاكمي.

وعنه قال: قال عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بكيت بكاءً شديدًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك?" قلت: أبكي على انقطاع صهري منك، قال:"فهذا جبريل يأمرني بأمر الله عز وجل أن أزوجك أختها".

وعن ابن عباس معناه، وزاد فيه:"والذي نفسي بيده، لو أن عندي مائة بنت تموت واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى حتى لا يبقى من المائة شيء، هذا جبريل أخبرني أن الله عز وجل يأمرني أن أزوجك أختها، وأن أجعل صداقها مثل صداق أختها" خرجه الفضائلي.

وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو كان عندي أربعون بنتًا لزوجت عثمان واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة" خرجه أبو حفصة عمر بن شاهين وابن السمان، ولا تضاد بين هذا وبين حديث ابن عباس قبله، بل يحمل على تكرر القول منه صلى الله عليه وسلم. وعن إسماعيل بن علية قال: أتيت يونس بن خباب لأسمع منه فقال: من أين أنت? فقلت: من أهل البصرة، فقال: من أهل المدينة الذين يحبون عثمان بن عفان وقد قتل ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قتل واحدة، فلم زوجه الثانية?! خرجه الحافظ السلفي.

ص: 11

ذكر اختصاصه بأنه من أشبه الصحابة خلقًا بالنبي:

عن أبي هريرة قال: دخلت على رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها مشط، فقالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي آنفًا رجلت رأسه فقال: "كيف تجدين أبا عبد الله?" قلت: خير الرجال، قال:"أكرميه؛ فإنه من أشبه أصحابي بي خلقًا" خرجه الدولابي والبغوي، وخرج خيثمة بن سليمان منه قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان:"إنه أشبه أصحابي بي خلقًا" وخرجه الملاء عن معاذ بن جبل بزيادة ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عثمان بن عفان أشبه الناس بي خلقًا وخلقًا ودينًا وسمتًا، وهو ذو النورين زوجته ابنتي، وهو معي في الجنة كهاتين" وحرك السبابة والوسطى.

ذكر اختصاصه بكثرة الحياء، وبأنه أصدق الأمة حياء:

عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أصدق أمتي حياء عثمان" خرجه في المصابيح الحسان.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عثمان أحيا أمتي وأكرمها" خرجه الملاء في سيرته.

وعن عائشة قالت: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه في مرط واحد فأذن له، فقضى حاجته وهو على تلك الحال في المرط، ثم استأذن عليه عمر فأذن له فقضى حاجته وهو على تلك الحال في المرط، ثم استأذن عثمان فأصلح ثيابه وجلس فقضى إليه حاجته ثم خرج. قالت عائشة: قلت: يا رسول الله استأذن عليك أبو بكر فقضى إليك حاجته وأنت على حالك، ثم استأذن عليك عمر فقضى إليك حاجته وأنت على تلك الحال، ثم استأذن عليك عثمان فأصلحت ثيابك واحتفظت، فقال:"يا عائشة، إن عثمان رجل حيي، ولو أذنت له على تلك الحال خشيت أن لا يقضي حاجته" خرجه أحمد وأبو حاتم، وخرجه مسلم ولفظه: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس

ص: 12

مرط عائشة فأذن له، ثم ذكر الحديث وقال في عثمان: فجلس وقال: "يا عائشة، اجمعي عليك ثيابك" وقال: "لم يبلغ إلى حاجته" مكان: "أن لا يقضي".

"شرح" المرط -بالكسر: كساء من صوف أو خز يؤتزر به وجمعه مروط، ولا تضاد بين الحديثين، بل يحمل الثاني على أنه صلى الله عليه وسلم كان لابسًا مرط عائشة وهي معه فيه، وقوله:"اجمعي عليك ثيابك" يؤيد هذا، فإنه لما جمع عليه ثيابه وخرج من المرط أمرها بمثل فعله صلى الله عليه وسلم.

وعن الحسن وذكر عثمان وشدة حيائه فقال: إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه، خرجه أحمد وصاحب الصفوة.

ذكر اختصاصه باستحياء الملائكة منه:

عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيته كاشفًا عن فخذيه أو عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تبال به، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تبال به، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك? فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ " خرجه أحمد ومسلم وحاتم؛ وعند مسلم أنه قال لعائشة: "اجمعي عليك ثيابك".

"شرح" تهتش: من الهشاشة وهي الارتياح والخفة للمعروف، تقول: هششت لفلان بالكسر أهش هشاشة، إذا خفضت إليه وارتحت له.

وعن حفصة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع ثوبه بين فخذيه،

ص: 13

فجاء أبو بكر يستأذن فأذن له وهو على هيئته، ثم جاء عمر يستأذن فأذن له وهو على هيئته؛ ثم جاء عثمان يستأذن فتجلل ثوبه ثم أذن له، فتحدثوا ساعة ثم خرجوا، قلت: يا رسول الله دخل أبو بكر وعمر وعلي وأناس من أصحابك وأنت على هيئتك لم تتحرك، فلما دخل عثمان تجللت ثوبك? قال:"ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة?" خرجه أحمد، وخرجه رزين مختصرًا وقال البخاري: قال محمد: ولا أقول: ذلك في يوم واحد.

ذكر اختصاصه بالتوصية إليه ألا يخلع قميصًا ألبسه الله إياه:

عن النعمان بن بشير عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان ذات يوم: "يا عثمان، إن الله لعله يقمصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه" ثلاثًا قال: قلت: يا أم المؤمنين أين كنت عن هذا الحديث? قالت: يا بني أنسيته كأني لم أسمعه قط، خرجه أبو حاتم والترمذي، وقال: حسن غريب. وفي رواية: "يا عثمان، إن الله يقمصك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه، ولا كرامة لهم" يقولها مرتين أو ثلاثًا.

وفي رواية قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان آخر كلام كلمه أن ضرب منكبه وقال:"يا عثمان، إن الله عسى أن يلبسك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني" فذكره ثلاث مرات. خرجهما أحمد.

وفي رواية أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عثمان، إن ولاك الله تعالى هذا الأمر يوما فأرادك المنافقون على أن تقلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه" يقول ذلك ثلاث مرات. قال النعمان بن بشير: فقلت لعائشة ثم ذكر معنى ما تقدم، خرجه أبو الخير القزويني الحاكمي. وفي رواية عن عبد الله بن عمر: "يا عثمان، إن كساك الله قميصًا وأرادوك على

ص: 14

خلعه فلا تخلعه، فوالذي نفسي بيده لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط" خرجه الصوفي من حديث يحيى بن معين.

ذكر اختصاصه بتمنيه محادثته في بعض الأحوال:

عن عائشة قالت: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أنا وحفصة فقال صلى الله عليه وسلم: "لو كان عندنا رجل يحدثنا?" فقلت: يا رسول الله، أبعث إلى أبي بكر فيجيء فيحدثنا؟ قالت: فسكت صلى الله عليه وسلم؛ قالت: فدعا رجلًا فأسر إليه شيئًا دوننا، فذهب فجاء عثمان وأقبل عليه بوجهه.

وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: "وددت أن عندي بعض أصحابي" قالت: فقلت: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت، قلنا: عمر؟ فسكت، قلنا: عليا؟ فسكت، قلنا: عثمان؟ قال: "نعم" قالت: فأرسلنا الى عثمان. خرجهما الترمذي، وقال: حسن غريب، وأبو حاتم واللفظ له.

وعنها قالت: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عائشة، لو كان عندنا من يحدثنا" فقلت: ألا أبعث إلى عمر؟ فسكت، ثم دعا وصيفًا بين يديه فسار فذهب، فإذا عثمان يستأذن فأذن له؛ فدخل فناجاه النبي صلى الله عليه وسلم طويلًا. خرجه أحمد.

ذكر اختصاصه بقوله: "ادعوا إليَّ أخي":

عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا إليَّ أخي" قلنا: أبو بكر? قال: "ادعوا إلي أخي" قلنا: عمر? قال: "ادعوا إلي أخي" قلنا: عثمان? قال: "نعم". خرجه الملاء في سيرته.

ذكر اختصاصه بالمسارّة له في مرضه، والعهد إليه في أمر بينه وبينه:

عن أبي عبد الله الجبيري قال: دخلت على عائشة وعندها حفصة بنت عمر فقالت لها: "أنشدك بالله أن تصدقيني بكذب أو تكذبيني

ص: 15

بصدق: تعلمين أني كنت أنا وأنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمي عليه فقلت لك: أترينه قد قبض? فقلت: لا أدري، ثم أفاق فقال:"افتحوا له الباب" فقلت لك: أبوك أو أبي? فقلت: لا أدري؛ ففتحنا فإذا عثمان، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ادنه" فأكب عليه فساره بشيء لا أدري أنا وأنت ما هو، ثم رفع رأسه فقال:"أفهمت ما قلت لك?" قال: نعم، قال:"ادنه" فأكب عليه أخرى مثلها فساره بشيء ما ندري ما هو، ثم رفع رأسه فقال:"أفهمت ما قلت لك?" قال: نعم، قال:"ادنه" فأكب عليه إكبابا شديدًا فساره بشيء ثم رفع رأسه فقال: "أفهمت ما قلت لك?" قال: نعم سمعته أذناي ووعاه قلبي، فقال له:"اخرج" قالت حفصة: اللهم نعم" أخرجه أحمد.

وعنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا إلي بعض أصحابي" قلت: أبا بكر؟ قال: "لا" قلت: عمر؟ قال: "لا" قلت: ابن عمك؟ قال: "لا" قلت: عثمان؟ قال: "نعم" فلما جاءه قال: تنح فجعل يساره ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحضر فيها قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل? قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدًا وإني صابر نفسي عليه. خرجه أحمد.

وفي رواية عنها: فأرسلنا إلى عثمان فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ووجهه يتغير قال قيس: فحدثني أبو سهلة أن عثمان قال يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي وإني صابر عليه، قال قيس: كانوا يرون أن ذلك اليوم. خرجهما الترمذي وأبو حاتم، واللفظ له. قيس هذا هو قيس بن أبي حازم، يروي عن عائشة.

ذكر اختصاصه بتجهيز جيش العسرة:

عن عبد الرحمن بن خباب قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله علي مائة بعير

ص: 16

بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها في سبيل الله؛ فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول: "ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه" خرجه الترمذي، وخرجه أحمد، وقال في آخره: قالت: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بيده هكذا ويحركها، وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب:"ما على عثمان ما عمل بعدها".

وقال أبو عمر: جهز عثمان جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرًا، وأتم الألف بخمسين فرسًا.

وروي عن قتاده أنه قال: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسًا.

وعن ابن شهاب الزهري: حمل عثمان بن عفان في غزوة تبوك على تسعمائة وأربعين بعيرًا وستين فرسًا أتم بها الألف، خرجه القزويني الحاكمي.

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان بألف دينار في كمه -حين جهز جيش العسرة- فنثرها في حجره صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: "ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم" خرجه الترمذي وقال: حسن غريب، وخرجه أحمد وقال: يرددها مرارًا.

وعن حذيفة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان في جيش العسرة، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فصبت بين يديه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول بيده ويقلبها ظهرًا لبطن ويقول:"غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي ما عمل بعدها" خرجه الملاء في سيرته والفضائلي.

ص: 17

وعن عبد الرحمن بن عوف قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاءه عثمان بن عفان في جيش العسرة بسبعمائة أوقية من ذهب، خرجه الحافظ السلفي. وهذا الاختلاف في الروايات قد يوهم التضاد بينها، والجمع ممكن بأن يكون عثمان دفع ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها على ما تضمنه الحديث الأول، ثم جاء بألف دينار لأجل المؤن التي لا بد للمسافر منها، ثم لما اطلع على أن ذلك لا يكفي زاد في الإبل وأردف بالخيل تتميمًا للألف، ثم لما لم يكتف بذلك تمم الألف أبعرة وزاد عشرين فرسًا على تلك الخمسين، وبعث بعشرة آلاف دينار للمؤن، كما دل عليه حديث الرازي والفضائلي من غير أن يكون بينها تضاد ولا تهافت؛ ومما يؤيد ذلك ما روت أم عمرو بنت حسان بن يزيد بن أبي الغض -قال أحمد بن حنبل: وكانت عجوز صدق- قالت: سمعت أبي يقول: إن عثمان جهز لجيش العسرة مرتين. خرجه القزويني الحاكمي.

ذكر اختصاصه بتسبيل بئر رومة:

عن بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكان لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تبيعها بعين في الجنة?" فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي عين غيرها، لا أستطيع ذلك. قال: فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اجعل لي مثل الذي جعلت له عينًا في الجنة قال: "نعم" قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. خرجه الفضائلي، وفيه دلالة على أن صاحبها كان مسلمًا.

وقد ذكر أبو عمر أنها كانت ليهودي فساومه عثمان فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى منه نصفها باثني عشر ألف درهم فجعله للمسلمين، واتفق على أن يكون لليهودي يوم ولعثمان يوم. قال: فكان إذا كان يوم عثمان

ص: 18

استقى المسلمون ما يكفيهم يومين، فلما رأى اليهودي ذلك قال: أفسدت عليَّ ركيتي، فاشترى النصف بثمانية آلاف درهم.

ذكر اختصاصه بإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسيع مسجده صلى الله عليه وسلم:

عن الأحنف بن قيس قال: قدمنا المدينة فجاء عثمان فقيل: هذا عثمان وعليه ملبة صفراء قد قنع بها رأسه، قال: ههنا علي؟ قالوا: نعم، قال: ههنا طلحة؟ قالوا: نعم، قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له" فابتعته بعشرين ألفا أو خمسة وعشرين ألفًا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد ابتعته فقال: "اجعله في مسجدنا وأجره لك"؟ قالوا: فقالوا: اللهم نعم، فقال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من يبتاع رومة غفر الله له" فابتعتها بكذا وكذا ثم أتيته فقلت: قد ابتعتها قال: "اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك"؟ فقالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر في وجه القوم فقال:"من يجهز هؤلاء غفر الله له" يعني: جيش العسرة، فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا خطاما؟ قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد ثلاثا. خرجه الدارقطني وأبو حاتم، وخرجه أحمد ولفظه: قال: انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة، فبينما نحن بمنزلنا إذ جاءنا آتٍ فقال الناس من فزع في المسجد، فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد قال: فتخللتهم حتى قمت عليهم فإذا علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، فلم يكن ذلك بأسرع مما جاء عثمان قال: أههنا علي؟ قالوا: نعم قال: أههنا الزبير؟ قالوا: نعم قال: أههنا طلحة؟ قالوا: نعم قال: أههنا سعد؟ قالوا: نعم، قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، ثم ذكر الحديث إلى آخره، ثم قال: اللهم اشهد، ثم انصرف.

ص: 19

وعن ثمامة بن حزن القشيري قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء مستعذب غير بئر رومة فقال: "من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة" فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعونني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر? فقالوا: اللهم نعم! قال: أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة" فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعونني أن أصلي فيها ركعتين? قالوا: اللهم نعم فقال: أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي? قالوا: اللهم نعم قال: أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى سقطت حجارته بالحضيض قال: فركضه برجله وقال: "اسكن ثبير؛ فإن عليك نبيًّا وصديقًا وشهيدين"؟ قالوا: اللهم نعم، قال: الله أكبر شهدوا ورب الكعبة أني شهيد ثلاثًا. خرجه الترمذي وقال: حسن، وخرجه أحمد بتغيير بعض ألفاظه وتقديم تأخير وقال:"حرا" مكان "ثبير" وزاد: أنشدكم بالله من شهد بيعة الرضوان إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين أهل مكة فقال: "هذه يدي وهذه يد عثمان، فبايع لي" فأنشد له رجال، وخرجه الدارقطني وزاد في بعض طرقه: أنشدكم بالله! هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني إحدى ابنتيه بعد الأخرى؛ رضا بي ورضا عني? قالوا: اللهم نعم.

وعن قتادة قال: كانت بقعة إلى جنب المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يشتريها ويوسعها في المسجد، له مثلها في الجنة" فاشتراها عثمان فوسعها في المسجد. خرجه خيثمة بن سليمان في فضائل عثمان.

ص: 20

ذكر اختصاصه بتشييد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقصيصه:

عن ابن عمر أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه بالجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد أبو بكر شيئًا، وزاد فيه عمر وبناه على بنائه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشبًا، ثم عمر عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، أخرجه البخاري.

ذكر اختصاصه بأنه نور أهل السماء، ومصباح أهل الأرض:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا بنا نعد عثمان بن عفان" قلنا: عليل يا رسول الله? قال: "نعم" فقام صلى الله عليه وسلم واتبعناه حتى أتى منزل عثمان، فاستأذن فأذن له فدخل ودخلنا، فوجد عثمان مكبوبًا على وجهه فقال صلى الله عليه وسلم:"ما لك يا عثمان لا ترفع رأسك?" فقال: يا رسول الله إني أستحي -يعني من الله تعالى- قال: "ولم ذاك?" قال: أخاف أن يكون علي غضبان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ألست حافر بئر رومة، ومجهز جيش العسرة، والزائد في مسجدي، وباذل المال في رضا الله تعالى ورضاي، ومن تستحي منه ملائكة السماء؟ هذا جبريل يخبرني عن الله عز وجل أنك نور أهل السماء، ومصباح أهل الأرض وأهل الجنة" خرجه الملاء.

ذكر اختصاصه بإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسيع مسجد الكعبة:

عن المهلب بن عبد الله أنه دخل على سالم بن عبد الله بن عمر رجل، وكان ممن يحمد عليا ويذم عثمان، فقال الرجل: يا أبا الفضل ألا تخبرني هل شهد عثمان البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح? فقال سالم: لا، فكبر الرجل وقام ونفض رداءه وخرج منطلقا، فلما أن

ص: 21

خرج قال له جلساؤه: والله ما أراك تدري ما أمر الرجل، قال: أجل وما أمره? قالوا: فإنه ممن يحمد عليا ويذم عثمان، فقال: علي بالرجل فأرسل إليه فأتاه فقال: يا عبد الله الصالح، إنك سألتني هل شهد عثمان البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح فقلت: لا فكبرت وخرجت شامتًا، فلعلك ممن يحمد عليا ويذم عثمان? فقال: أجل والله إني لمنهم، قال: فاستمع مني ثم اردد علي: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بايع الناس تحت الشجرة كان بعث عثمان في سرية وكان في حاجة الله وحاجة رسوله وحاجة المؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا إن يميني يدي وشمالي يد عثمان، وإني قد بايعت له" ثم كان من شأن عثمان في البيعة الثانية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عثمان إلى علي فكان أمير اليمن فصنع به مثل ذلك، ثم كان من شأن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أهل مكة:"يا فلان، ألا تبيعني دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة?" فقال الرجل: يا رسول الله ما لي بيت غيره فإن أنا بعتك داري لا يأويني وولدي بمكة شيء، فقال:"لا، بل -يعني- دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة". فقال الرجل: والله ما لي إلى ذلك حاجة فبلغ ذلك عثمان -وكان الرجل صديقًا له في الجاهلية- فلم يزل به عثمان حتى اشترى منه داره بعشرة آلاف دينار، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بلغني أنك أردت من فلان داره لتزيدها في مسجد الكعبة ببيت تضمنه له في الجنة، وإنما هي داري فهل أنت آخذها ببيت تضمنه لي في الجنة? قال:"نعم" فأخذها منه وضمن له بيتًا في الجنة وأشهد له على ذلك المؤمنين، ثم كان من جهازه جيش العسرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك فلم يلق في غزاة من غزواته ما لقيفيها من المخمصة والظمأ وقلة الظهر، فبلغ ذلك عثمان فاشترى قوتًا وطعامًا وأدمًا وما يصلح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، فجهز إليه عيرا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سواد قد أقبل قال: "هذا قد جاءكم الله

ص: 22

بخير" فأنيخت الركاب ووضع ما عليها من الطعام والأدم وما يصلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فرفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني قد رضيت عن عثمان فارضَ عنه" ثلاث مرات ثم قال: "يا أيها الناس، ادعوا لعثمان" فدعا له الناس جميعا مجتهدين ونبيهم صلى الله عليه وسلم معهم، ثم كان من شأن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه ابنته فماتت، فجاء عثمان وعمر عند النبي صلى الله عليه وسلم جالس فقال: يا عمر إني خاطب فزوجني ابنتك، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خطب إليك عثمان ابنتك، زوجني ابنتك وأنا أزوجه ابنتي" فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمر وزوجه ابنته، فهذا ما كان من شأن عثمان. أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي.

ذكر اختصاصه بإقامة يد النبي صلى الله عليه وسلم الكريمة مقام يد عثمان، لما بايع الصحابة وعثمان غائب:

قد تقدم في الذكرين قبله طرف منه.

وعن أنس قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان، كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة فبايع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله" فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرًا له من أيديهم لأنفسهم. خرجه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

وعن عثمان قال: كانت بيعة الرضوان فيَّ وضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله على يمينه، وشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من يميني، قال القوم في حديثهم: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قيل: هذا عثمان قد جاء، فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة. خرجه خيثمة بن سليمان في فضائل عثمان.

ذكر اختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بمكة أسيرًا من المسلمين:

عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: اشتد البلاء على من

ص: 23

كان في أيدي المشركين من المسلمين قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: "يا عمر هل أنت مبلغ عني إخوانك من أسرى المسلمين?" قال: بأبي أنت والله، ما لي بمكة عشيرة غيري أكثر عشيرة مني، قال: فدعا عثمان فأرسله إليهم، فخرج عثمان على راحلة حتى جاء عسكر المشركين فعبثوا به وأساءوا له القول، ثم أجازه أبان بن سعيد بن العاص ابن عمه وحمله على السرج وردف خلفه، فلما قدم قال: يابن عم طف، قال: يابن عم إن لنا صاحبًا لا نبتدع أمرًا هو الذي يكون يعمله فتتبع أثره، قال: يابن عم ما لي أراك متحشفا أسبل؟ قال: وكان إزاره إلى أنصاف ساقيه، قال له عثمان: هكذا إزرة صاحبنا، فلم يدع أحدًا بمكة من أسرى المسلمين إلا أبلغهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو عمرو الغفاري.

ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بموافقته في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة:

عن إياس بن سلمة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى فقال الناس: هنيئًا لأبي عبد الله الطواف بالبيت آمنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو مكث كذا، ما طاف حتى أطوف" خرجه ابن الضحاك في الآحاد والمثاني.

ذكر اختصاصه بسهم رجل ممن شهد بدرا وأجره، ولم يحضره:

عن عثمان بن وهب قال: جاء رجل من أهل مصر وحج البيت فرأى قوما فقال: من هؤلاء القوم? فقالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ منهم? قالوا: عبد الله بن عمر، قال: يابن عمر إني سائلك فحدثني، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد? قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بدر? قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم

ص: 24

يشهدها? قال: نعم. قال: الله أكبر، قال ابن عمر: تعال أبين لك؛ أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله تعالى عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه" وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى:"هذه يد عثمان" فضرب بها على يده فقال: "هذه لعثمان" ثم قال ابن عمر: اذهب بها الآن معك. خرجه البخاري والترمذي واللفظ مختلف والمعنى واحد.

وفي رواية: أن الرجل الذي سأل ابن عمر لما قام، قيل لابن عمر: هذا يقول: إنك وقعت في عثمان، قال: أوقد فعلت ذلك? قالوا: إنه يقول ذلك، فقال: ردوه فردوه فقال: أعقلت ما قلت لك? قال: نعم، سألتك أشهد عثمان بيعة الرضوان فقلت: لا، وسألتك أشهد بدرًا فقلت: لا، وسألتك أكان ممن استنزله الشيطان فقلت: نعم. فقال ابن عمر: تعال أخبرك؛ أما بيعة الرضوان ثم ذكر معنى ما تقدم وقال في آخره: وأما الذين تولوا يوم التقى الجمعان إنما استنزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم، فاجهد عليه جهدك. خرجه أبو الخير القزويني الحاكمي المشهور في تخلف عثمان عن بدر أنه كان بما تضمنه هذا الحديث من تمريض زوجته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الخروج معهم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخلف عليها. ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل العلم بالسير.

وقال بعضهم: كان مريضًا بالجدري فأراد الخروج، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ارجع" وضرب له بسهمه وأجره. خرجه القلعي والأول أصح.

ذكر اختصاصه بكتابة الوحي حال الوحي:

عن فاطمة بنت عبد الرحمن عن أمها أنها سألت عائشة وأرسلها عمها

ص: 25

فقال: إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان، فإن الناس قد شتموه فقالت: لعن الله من لعنه، فوالله لقد كان قاعدًا عند نبي الله صلى الله عليه وسلم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسند ظهره إلي، وإن جبريل ليوحي إليه القرآن وإنه ليقول له:"اكتب يا عثيم 1 ، فما كان الله لينزل تلك المنزلة إلا كريمًا على الله ورسوله" خرجه أحمد وخرجه الحاكمي وقال: قالت: لعن الله من لعنه -لا أحسبها قالت إلا ثلاث مرات- لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسند فخذه إلى عثمان وإني لأمسح العرق عن جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي لينزل عليه وإنه ليقول: "اكتب يا عثيم، فوالله ما كان الله لينزل عبدًا من نبيه تلك المنزلة إلا كان عليه كريمًا".

ذكر اختصاصه بكتابة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس، جلس أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعثمان بين يديه، وكان كاتب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في كتاب فضائل العباس.

ذكر اختصاصه بمرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة:

عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: شهدت عثمان يوم حوصر ولو ألقي حجرًا لم يقع إلا على رأس رجل، فرأيت عثمان أشرف من الخوخة التي تلي مقام جبريل على الناس وقال لطلحة: أنشدك الله أتذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع كذا وكذا، ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك؟ قال: نعم، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا طلحة، إنه ليس من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق في الجنة، وإن عثمان -يعنيني- رفيقي في الجنة"؟ قال طلحة: اللهم نعم ثم انصرف. خرجه أحمد، وخرجه

1 تصغير عثمان، مرخمًا.

ص: 26

الترمذي مختصرًا عن طلحة بن عبيد الله ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي رفيق، ورفيقي عثمان" ولم يقل: في الجنة، وخرجه الحافظ أبو القاسم في الموافقات كذلك، وسياق هذا اللفظ يشعر بالتخصص بالمرافقة.

وقد سبق نحو من هذا السياق في حق أبي بكر، ولعل أحدهما رفيق في وقت أو في جنة، والآخر رفيق في آخر أو في أخرى من غير أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهافت.

ذكر اختصاصه بكونه أوصلهم للرحم:

عن مطرف قال: لقيت عليا فقال لي: يا أبا عبد الله ما بطأ بك عنا، أحب عثمان? أما إن قلت ذاك، لقد كان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب. خرجه في الصفوة.

ذكر اختصاصه بدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع به لأحد قبله، ولا بعده:

عن الحسن بن علي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام متعلقًا بالعرش ثم رأيت أبا بكر آخذا بحقوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رأيت عمر آخذا بحقوي أبي بكر ثم رأيت عثمان آخذًا بحقوي عمر، ثم رأيت الدم منصبا من السماء إلى الأرض. فحدث الحسن بهذا الحديث وعنده ناس من الشيعة فقالوا: ما رأيت عليا? قال: ما كان أحد أحب إلي أن أراه آخذا بحقوي النبي صلى الله عليه وسلم من علي رضي الله عنه ولكن إنما هي رؤيا فقال أبو مسعود عقبة بن عمرو: إنكم لتجدون على الحسن في رؤيا رآها، لقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في غزاة قد أصاب المسلمين جهد حتى عرفت الكآبة في وجوه المسلمين والفرح في وجوه المنافقين، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق" فعلم عثمان

ص: 27

أن الله ورسوله يصدقان، فوجه راحلته فإذا هو بأربع عشرة راحلة فاشتراها وما عليها من الطعام، فوجه منها سبعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه سبعًا إلى أهله، فلما رأى المسلمون العير قد جاءت عرف الفرح في وجوههم والكآبة في وجوه المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما هذا?" فقالوا: أرسل به عثمان هدية لك، قال: فرأيته رافعًا يديه يدعو لعثمان، ما سمعته يدعو لأحد قبله ولا بعده:"اللهم أعط لعثمان وافعل لعثمان" رافعًا يديه حتى رأيت بياض إبطيه. خرجه القزويني الحاكمي.

ذكر اختصاصه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال الليل كله:

عن أبي سعيد الخدري قال: رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر يدعو لعثمان بن عفان يقول: "اللهم، عثمان رضيت عنه فارض عنه" خرجه الحافظ أبو الحسن الخلعي وصاحب الصفوة، ويشبه أن يكون سبب ذلك تجهيزه جيش العسرة أو تسبيل بئر رومة.

وقد ذكر الواحدي ما يشعر بذلك، فإنه حكى في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا

} الآية: نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف، فأما عثمان فجهز جيش العسرة وسبل1 بئر رومة.

قال أبو سعيد: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه يدعو لعثمان يقول: "يا رب رضيت عن عثمان فارض عنه" فما زال رافعًا يديه حتى طلع الفجر.

ومما ورد عن دعائه صلى الله عليه وسلم لعثمان عن عائشة قالت: مكث آل محمد أربعة أيام ما طعموا شيئًا حتى تضاغوا2 صبياننا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 جعلها في سبيل الله تعالى ينتفع بها جميع المسلمين؛ ابتغاء وجه الله تعالى.

2 بلغة من يسند الفعل إلى واو الجماعة مع وجود الفاعل، كأكلوني البراغيث.

ص: 28

فقال: "يا عائشة، هل أصبتم بعدي شيئا?" فقلت: من أين إن لم يأتنا الله عز وجل به على يديك، فتوضأ وخرج منسحبًا يصلي ههنا مرة وههنا مرة يدعو، قالت: فأتى عثمان من آخر النهار فاستأذن فهممت أن أحجبه ثم قلت: هو رجل من مكاثير الصحابة لعل الله عز وجل إنما ساقه إلينا ليجري على يديه خيرًا، فأذنت له فقال: يا أمتاه أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: يا بني، ما طعم آل محمد من أربعة أيام شيئا، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم متغيرًا ضامر البطن، فأخبرته بما قال لها وبما ردت قالت: فبكى عثمان بن عفان وقال: مقتًا للدنيا ثم قال: يا أم المؤمنين ما كنت بحقيقة أن ينزل بك، يعني هذا ثم لا تذكرينه لي ولعبد الرحمن بن عوف ولثابت بن قيس في نظائرنا من مكاثير الناس، ثم خرج فبعث إلينا بأحمال من الدقيق وأحمال من الحنطة وأحمال من التمر وبمسلوخ وبثلاثمائة درهم في صرة ثم قال: هذا يبطئ عليكم، ثم بعث بخبز وشواء كثير، فقال: كلوا أنتم واصنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجيء، ثم أقسم علي أن لا يكون مثل هذا إلا أعلمته، قالت: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عائشة، هل أصبتم بعدي شيئا?" قلت: يا رسول الله قد علمت أنك إنما خرجت تدعو الله عز وجل وقد علمت أن الله عز وجل لن يردك عن سؤالك. قال: "فما أصبتم" ? قلت: كذا وكذا حمل بعير دقيقًا وكذا وكذا حمل بعير حنطة وكذا وكذا حمل بعير تمرًا وثلاثمائة درهم في صرة ومسلوخًا وخبزًا وشواء كثيرًا.

فقال: "ممن?" فقلت: من عثمان بن عفان، قالت: وبكى وذكر الدنيا بمقت، وأقسم علي أن لا يكون مثل هذا إلا كلمته، قالت: فلم يجلس النبي صلى الله عليه وسلم حتى خرج إلى المسجد ورفع يديه وقال: "اللهم قد رضيت عن عثمان فارض عنه" ثلاث مرات. خرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأربعين.

وعن ليث بن أبي سالم قال: أول من خبص الخبيص في الإسلام عثمان بن عفان، قدمت عليه عير تحمل الدقيق والعسل فخلط بينهما وبعث

ص: 29

به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل أم سلمة، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت بين يديه فأكل فاستطابه فقال:"من بعث بهذا?" فقالت: عثمان يا رسول الله بعث به، قال:"اللهم إن عثمان ترضاك فارض عنه".

وعن يوسف بن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه عن جده قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته: "اللهم ارض عن عثمان بن عفان" خرجهما خيثمة في فضائله.

وعن عبد الله بن سلام قال: قدمت عير من طعام فيها جمل لعثمان بن عفان، عليه دقيق حواري وسمن وعسل فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فدعا فيها بالبركة، ثم دعا ببرمة فنصبت على النار وجعل فيها من العسل والدقيق والسمن ثم عصد حتى نصج أو كاد ينضج، ثم أنزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلوا، هذا شيء تسميه فارس الخبيص" خرجه تمام في فوائده والطبراني في معجمه.

وعن جابر بن عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غفر الله لك يا عثمان ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أخفيت وما أبديت، وما هو كائن إلى يوم القيامة" خرجه البغوي في معجمه، وخرجه ابن عرفة العبدي وقال: وما كان وما هو كائن.

ذكر اختصاصه بترك الصلاة على مبغضه:

عن جابر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل ليصلي عليها، فلم يصل عليه فقيل: يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا قال: "إنه كان يبغض عثمان، فأبغضه الله عز وجل" خرجه الترمذي والخلعي.

ذكر اختصاصه بصلاة الملائكة عليه يوم يموت:

عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء" قلت: يا رسول الله عثمان خاصة أم

ص: 30

الناس عامة؟ قال: "عثمان خاصة" خرجه الحافظ الدمشقي، وقد تقدم في حديث طويل في ذكر وفاة عمر.

ذكر اختصاصه باعتناق رسول الله صلى الله عليه وسلم له في بعض الأحوال، وقوله له:"أنت وليي في الدنيا والآخرة":

عن جابر بن عبد الله قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المهاجرين، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لينهض كل رجل منكم إلى كفئه" 1 ونهض النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فاعتنقه وقال: "أنت وليي في الدنيا والآخرة" خرجه الخجندي في الأربعين والملاء في سيرته وخرج منه الحافظ ابن عبيد عن جابر قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت وليي في الدنيا والآخرة".

ذكر اختصاصه بأنه لا يحاسب، أو يحاسب سرًّا:

عن علي بن أبي طالب أنه قال: يا رسول الله، من أول من يحاسب يوم القيامة? قال:"أبو بكر" قال: ثم من؟ قال: "ثم عمر" قال: ثم من? قال: "ثم أنت يا علي" قلت: يا رسول الله أين عثمان؟ قال: "إني سألت عثمان حاجة سرًّا فقضاها سرًّا، فسألت الله أن لا يحاسب عثمان" خرجه الحافظ بن بشران وخرج معناه ابن السمان في الموافقة بزيادة ولفظه: قال: قلت: يا رسول الله من أول من يدعى للحساب? قال: "أنا أقف بين يدي ربي يوم القيامة ما شاء الله، ثم أخرج وقد غفر الله لي" قلت: ثم من يا رسول الله? قال: "ثم أبو بكر يقف مثل ما وقفت مرتين أو كما وقفت، ثم يخرج وقد غفر الله له" قلت: ثم من يا رسول الله? قال: "ثم عمر يقف ما وقف أبو بكر مرتين، ثم يخرج وقد غفر الله

1 نظيره.

ص: 31

له" قلت: ثم من يا رسول الله? قال: "ثم أنت يا علي" قلت: يا رسول الله فأين عثمان? قال: "عثمان رجل ذو حياء، سألت ربي أن لا يقف للحساب فشفعني فيه".

وعن أبي أمامة قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: من أول من يحاسب؟ قال: "أنت يا أبا بكر" قال: ثم من? قال: "ثم عمر" قال: ثم من? قال: "ثم علي" قال: فعثمان? قال: "سألت ربي أن يهب لي حسابه فلا يحاسبه، فوهب لي" خرجه الخجندي وقال: قال الحافظ أبو بكر: وفي رواية أخرى: "قضى لي حاجة سرا، فسألت الله أن يحاسبه سرا" ولا تضاد بين الروايتين، بل تحمل الأولى على أنه سأله أن لا يحاسبه جهرًا بين الناس فوهب له ذلك وجمعا بين هذا وبين ما تقدم في حق أبي بكر أنه لا يحاسب، ويكون معنى قوله: أول من يحاسب في هذا الحديث أي: أول من يبعث للحساب، بدليل أنه أول من تنشق عنه الأرض كما تقدم، ثم لا يحاسب والله أعلم.

ذكر اختصاصه بأنه أول من خط المفصل 1:

عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري أن عثمان لما دخل عليه أهوى إليه رجل بالسيف فاتقاه بيده فقطعها، فلا أدري أبانها أو لم يبنها قال عثمان: أما والله إنها لأول كف خطت المفصل. خرجه أبو حاتم.

ذكر اختصاصه بصبره نفسه على القتل، وجمعه القرآن:

عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان لعثمان شيئان: ليس لأبي بكر وعمر صبره نفسه حتى قتل مظلومًا، وجمعه الناس على المصحف.

وعن أنس أن حذيفة قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة

ص: 32

فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الله بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. خرجه البخاري.

ذكر اختصاصه بخلال عشر اختبأها عند الله عز وجل:

عن أبي بشور الفهمي قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: لقد اختبأت ربي عشرًا: إني لرابع أربعة في الإسلام وجهزت جيش العسرة وجمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتمنني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته ثم توفيت فزوجني الأخرى، وما تغنيت مما تمنيت، وما وضعت يدي اليمنى على فرجي منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مرت بي جمعة إلا وأنا أعتق فيها رقبة أن لا تكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا سرقت. خرجه الحاكمي، وقوله: تمنيت أي: كذبت، وقد تقدم وتغنيت من الغناء والله أعلم.

ذكر اختصاصه بآي من القرآن نزلت فيه:

وقد تقدم من ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا.. الآية} 1 واختصاصه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1 سورة البقرة الآية: 261.

ص: 33