الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)
فِي الْمحرم: قدم كتاب أرتنا يتَضَمَّن اتضاع أَمر أَوْلَاد دمرادش ويغض من نَائِب حلب على مَا فعله مَعَ ابْن دلغادر. وَفِي عشريه: قدم محمل الْحَاج فَتحَرك عزم السُّلْطَان لِلْحَجِّ وَكتب إِلَى بِلَاد الشامية بابتياع سِتَّة آلَاف جمل وَألْفي رَأس غنم وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من العبي والأقتاب وَنَحْو ذَلِك. وَتوجه الْأَمِير طقتمر الصلاحي بِسَبَب ذَلِك وَكتب إِلَى الكرك والبلقاء بِحُضُور العربان بجمالهم وَأَن يحمل إِلَى عقبَة أَيْلَة ألفا غرارة شعير وَمَا يُنَاسب ذَلِك من الْأَصْنَاف. فَقدمت طَائِفَة من العربان وقبضوا مَالا ليجهزوا جمَالهمْ إِلَى أَن أهل ربيع الآخر تغير مزاج السُّلْطَان وَلزِمَ الْفراش فَلم يخرج للْخدمَة أَيَّامًا. وَكَثُرت القالة وتعنت الْعَامَّة فِي الْفُلُوس وتحسن السّعر. أرجف بالسلطان فغلقت الْأَسْوَاق حَتَّى ركب الْوَالِي والمحتسب وضربوا جمَاعَة وشهروهم. فَاجْتمع الْأُمَرَاء ودخلوا على السُّلْطَان وتلطفوا بِهِ حَتَّى أبطل الْحَرَكَة لِلْحَجِّ وَكتب بِعُود طقتمر من الشَّام واستعادة المَال من العربان. وَمَا زَالَ السُّلْطَان يتعلل إِلَى أَن تحرّك أَخُوهُ شعْبَان وَاتفقَ مَعَ عدَّة من المماليك وَقد أنقطع خبر السُّلْطَان عَن الْأُمَرَاء. فَكتب بالإفراج عَن المسجونين بِالْأَعْمَالِ وَفرقت صدقَات كَثِيرَة ورتب جمَاعَة لقِرَاءَة صَحِيح البخارى فقوى أَمر شعْبَان وعزم أَن يقبض على الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب فتحرز مِنْهُ. وَأخذ الْأُمَرَاء والأكابر فِي توزيع أَمْوَالهم وحرمهم فِي عدَّة مَوَاضِع ودخلوا على السُّلْطَان وسألوه أَن يعْهَد إِلَى أحد من إخْوَته. فَطلب الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء فَلم يحضر إِلَيْهِ أحد مِنْهُم. وَقد اتّفق الْأَمِير أرغون العلائي مَعَ جمَاعَة على إِقَامَة شعْبَان فرق فيهم مَالا كثيرا فَأَنَّهُ كَانَ ربيبه أَي ابْن زَوجته وشقيق السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل. وَقَامَ مَعَ الْأَمِير أرغون من الْأُمَرَاء غرلو وتمر الموساوى وَامْتنع الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب من إِقَامَة شعْبَان. وَصَارَ الْأُمَرَاء حزبين فَقَامَ النَّائِب فِي الْإِنْكَار على الْكَلَام فِي هَذَا وَقد اجْتمع
مَعَ الْأُمَرَاء بِبَاب القلعة وَقبض على غرلو وسجنه وتحالف هُوَ والأمير أرغون العلائي وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء على عمل مصَالح الْمُسلمين. وَتُوفِّي السُّلْطَان فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع ربيع الآخر فكتم مَوته. وَقَامَ شعْبَان إِلَى أمه وَمنع من إِشَاعَة موت أَخِيه وَخرج إِلَى أَصْحَابه وَقرر مَعَهم أمره. فَخرج طشتمر ورسلان بصل إِلَى منكلى بغا ليسعوا عِنْد الْأَمِير أرقطاى والأمير أصلم. وَكَانَ الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب والأمراء قد علمُوا من بعد الْعَصْر أَن السُّلْطَان فِي النزع فاتفقوا على النُّزُول من القلعة إِلَى بُيُوتهم بِالْمَدِينَةِ. فَدخل الْجَمَاعَة على أرقطاى ليستميلوه لشعبان فَوَعَدَهُمْ بذلك ثمَّ دخلُوا على أصلم أجابهم وعادوا إِلَى شعْبَان وَقد ظنُّوا أَن أَمرهم قد تمّ. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس خرج الْأَمِير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي والأمير تمر الموساوي والأمير طشتمر طلليه والأمير منكلى بغا الفخري والأمير أسندمر. وجلسوا بِبَاب الْقلَّة فَأَتَاهُم الأميران أرقطاى وأصلم والوزير نجم الدّين مَحْمُود والأمير قمارى استادر وطلبوا الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب فَلم يحضر إِلَيْهِم فَمَضَوْا كلهم إِلَى عِنْده واستدعوا الْأَمِير جنكلى بن البابا واشتوروا فِيمَن يولونه السلطة فَأَشَارَ جنكلى بِأَن يُرْسل إِلَى المماليك السُّلْطَانِيَّة ويسألهم من يختارونه فَأن من اختاروه رضيناه فَعَاد جوابهم مَعَ الْحَاجِب أَنهم رَضوا بشعبان سُلْطَانا فَقَامُوا جَمِيعًا وَمَعَهُمْ الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب إِلَى دَاخل بَاب الْقلَّة. وَكَانَ شعْبَان قد تخيل من فِي دُخُولهمْ عَلَيْهِ وَجمع المماليك وَقَالَ: من دخل قتلته بسيفي هَذَا وَأَنا أَجْلِس على الْكُرْسِيّ حَتَّى أبْصر من يقيمني عَنهُ فسير الْأَمِير أرغون العلائي إِلَيْهِ وبشره وَطيب خاطره. وَدخل الْأُمَرَاء عَلَيْهِ وسلطنوه انْقَضتْ أَيَّام الصَّالح. وَكَانَ السُّلْطَان الصَّالح فِي ابْتِدَاء دولته على دين وعفاف إِلَّا أَنه كَانَ فِي أَيَّامه مَا ذكر من قطع الأرزاق وَكَثْرَة حَرَكَة عَسَاكِر مصر وَالشَّام فِي التجاريد. وشغف السُّلْطَان الصَّالح مَعَ ذَلِك بالجواري السود وأفرط فِي حب اتِّفَاق وأسرف فِي الْعَطاء
لَهَا وَقرب أَرْبَاب الملاهي وَأعْرض عَن تَدْبِير الْملك بإقباله على النِّسَاء والمطربين. حَتَّى أَنه إِذا ركب إِلَى سرحة سرياقوس أَو سرحة الأهرام ركبت أمه فِي مِائَتي امْرَأَة الأكاديش بِثِيَاب الأطلس الملون وعَلى رءوسهن الطراطير الْجلد البلغاري المرصع بالجواهر واللآلى وبن أَيْدِيهنَّ الخدام الطواشية من القلعة إِلَى السرحة. ثمَّ يركب حظاياه الْخُيُول الْعَرَبيَّة ويتسابقن ويركبن تَارَة بالكامليات الْحَرِير ويلعبن بالكرة وَكَانَت لَهُنَّ فِي المواسم والأعياد وأوقات النزه والفرح أَعمال يُمكن حكايتها وأكثرن من النُّزُول إِلَى بيُوت الْكتاب وَنَحْوهم. وَاسْتولى الخدام الطواشية فِي أَيَّامه على أَحْوَال الدولة وَعظم قدرهم بتحكم كَبِيرهمْ عنبر السحرتي اللالا فِي السُّلْطَان وركبوا الْخُيُول الرائعة ولبسوا الثِّيَاب الفاخرة وَأخذُوا من الْأَرَاضِي عدَّة رزق. واقتنى السحرتي البزاة والسناقر وَنَحْوهَا من الطُّيُور والجوارح وَصَارَ يركب إِلَى الْمطعم ويتصيد بِثِيَاب الْحَرِير المزركشة وَاتخذ لَهُ كفا مرصعاً بالجوهر وَعمل لَهُ خاصكية وخداما ومماليك تركب فِي خدمته حَتَّى ثقل أمره فَأَنَّهُ أَكثر من شِرَاء الْأَمْلَاك وَالتِّجَارَة فِي البضائع وأفرد لَهُ ميداناً يلْعَب فِيهِ بالكرة وتصدى لقَضَاء الأشغال. فَصَارَت الإقطاعات والرزق لَا تقضى إِلَّا بالخدام وَالنِّسَاء وَلَا يزَال الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب يشنع بذلك وَإِذا أَتَاهُ أحد يطْلب مِنْهُ خبْزًا أَو رزقة يَقُول لَهُ: النَّائِب مَا لَهُ حكم رح إِلَى بَاب الستارة واسأل عَن الطواشي فَلِأَن الدّين والطواشي فَلِأَن الدّين يقضوا لَك حَاجَتك. وَكَانَ متحصل الدولة مَعَ هَذَا كُله فِي أَيَّام السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل قَلِيلا ومصروف الْعِمَارَة لَا يزآل جملَة مستكثرة فِي كل يَوْم فأنفق السُّلْطَان على الدهيشة بالقلعة خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم سوى مَا حمل إِلَيْهِ من بِلَاد الشَّام وَغَيرهَا ثمَّ عمل فِيهَا من أوأني الذَّهَب وألفضة وَمن ألفرش مَا يجل وَصفه ومنذ فرغت عمارتها لم ينْتَفع بهَا أحد لشغفه بِالْغنَاءِ والجواري سِيمَا اتِّفَاق. وَلما ولدت مِنْهُ اتِّفَاق ولدا ذكرا عمل لَهَا مهما تناهى فِيهِ حَتَّى بلغ الْغَايَة الَّتِي لَا تُوصَف عَظمَة. وَكَانَت حَيَاته منغصة وعيشته نكدة لم يتم سروره بالدهيشة سوى سَاعَة وَاحِدَة. ثمَّ قدم عَلَيْهِ منجك بِرَأْس أَخِيه أَحْمد من الكرك بعد قَتله بهَا فَلَمَّا قدم بَين يَدَيْهِ وَرَآهُ
بعد غسله اهتز وَتغَير لَونه وذعر، حَتَّى إِنَّه بَات ليلته يرَاهُ فِي نَومه، ويفزغ فَزعًا شَدِيدا. وتعلل السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل من رُؤْيَة رَأس أَحْمد وَمَا برح يَعْتَرِيه الأرق ورؤية الأحلام المفزعة وَتَمَادَى مَرضه وَكثر إرجافه وَكَثُرت أفزاعه حَتَّى اعتراه القولنج وَمَات كَمَا تقدم ذكره يَوْم الْخَمِيس وَدفن عِنْد أَبِيه وجده بالقبة المنصورية فِي لَيْلَة الْجُمُعَة. وَكَانَ السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل رَقِيق الْقلب زَائِد الرأفة والشفقة كَرِيمًا جواداً مائلاً إِلَى الْخَيْر. وَبلغ من الْعُمر نَحْو الْعشْرين سنة مِنْهَا مُدَّة سلطته ثَلَاث سِنِين وشهرأن وَأحد عشر يَوْمًا. السُّلْطَان الْملك الْكَامِل سيف الدّين شعْبَان بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الألفي الصَّالِحِي لما اشْتَدَّ مرض أَخِيه شقيقه السلطاد الْملك الصَّالح عماد الدّين وَدخل عَلَيْهِ الْأَمِير أرغون العلائي فِي عدَّة من الْأُمَرَاء ليعهد بالسلطنة من بعده إِلَى أحد كَانَ الْأَمِير أرغون العلائي غَرَضه فِي أَن يعْهَد لشعبان من أجل أَن أمه كَانَت زَوجته. فَلم يحب الْأَمِير آل ملك النَّائِب وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى الدُّخُول على السُّلْطَان الصَّالح إِسْمَاعِيل كَرَاهَة مِنْهُم فِي شعْبَان لما كَانَ قد اشْتهر عَنهُ من الْمَظَالِم. فقآل الصَّالح إِسْمَاعِيل بَعْدَمَا بَكَى وأبكى الْأُمَرَاء: سلمُوا على النَّائِب والأمراء وعرفوهم أَنى أَن مت يولوا أخي شعْبَان فَلَمَّا مَاتَ الصَّالح وَاقْتضى رأى الْأُمَرَاء أَن يعرفوا رأى المماليك السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ جوابهم إِقَامَة شعْبَان حضر الْأُمَرَاء إِلَى بَاب الْقلَّة واستدعوا شعْبَان وأركبوه بشعار السلطنة وَمَشوا فِي ركابه والجاويشية تصيح على الْعَادة حَتَّى إِذا قرب من الإيوأن لعب ألفرس تَحْتَهُ وجفل من تصايح النَّاس فَنزل عَنهُ وَمَشى خطوَات بِسُرْعَة إِلَى أَن طلع الإيوأن فتفاءل النَّاس عَن فرسه أَنه لَا يُقيم فِي السلطة الا يَسِيرا. وَلما طلع السُّلْطَان شعْبَان الإيوأن والأمراء بَين يَدَيْهِ جلس على كرسى السلطنة وباس الْأُمَرَاء لَهُ الأَرْض وأحضروا الْمُصحف ليحلفوا فَحلف لَهُم أَولا أَنه لَا يؤذيهم ثمَّ حلفوا بعده وَذَلِكَ فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع ربيع الآخر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة.
ولقب بِالْملكِ الْكَامِل ودقت البشائر ونودى بسلطنته فِي الْقَاهِرَة ومصر وخطب لَهُ فِي الْغَد على مَنَابِر ديار مصر وَكتب بذلك إِلَى الأقطار مصرا وشاما. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه: جلس السُّلْطَان شعْبَان بدار الْعدْل من القلعة وجدد لَهُ الْعَهْد من الْخَلِيفَة بِحَضْرَة الْقُضَاة والأمراء وخلع على الْخَلِيفَة والأمراء والقضاة. وَفِيه كتب بِطَلَب الْأَمِير آقسنقر الناصرى من طرابلس فسآل الْأَمِير قمارى الأستادار أَن يسْتَقرّ عوضه فِي نِيَابَة طرابلس وَتشفع بالأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي. فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرَة وَخرج من فوره على الْبَرِيد. وَفِيه خلع على الْأَمِير أرقطاى وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن يلبغا اليحياوي وَخرج على الْبَرِيد. وَفِيه طلب الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب الإعفاء من نِيَابَة السلطنة وَقبل الأَرْض وسآل نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير طقزدمر وَأَن ينْقل طقزدمر إِلَى مصر فَأُجِيب ذَلِك وَكتب بإحضار طقزدمر. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن طقزدمر. وَأخرج من يَوْمه على الْبَرِيد فَلم يدْخل غَزَّة حَتَّى لحقه الْبَرِيد بتقليده نِيَابَة صفد وَأَن يكون وَلَده وَابْن أَخِيه ألفارس بحلب. وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير أرغون العلائي لما قَامَ فِي سلطنة شعْبَان هَذَا قآل لَهُ الْأَمِير الْحَاج آل ملك: بِشَرْط أَلا يلْعَب بالحمام فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان شعْبَان ذَلِك نقم عَلَيْهِ. وَفِيه رسم بِطَلَب شُجَاع الدّين غرلو من دمياط فَقدم فِي يَوْمه. وخلع عَلَيْهِ شاد الدَّوَاوِين. فَنزل غرلو إِلَى دَار الْولَايَة وَقبض بِيَدِهِ على أطواق الْأَمِير جمآل الدّين يُوسُف
وَإِلَى الْقَاهِرَة وأقامه من مجْلِس حكمه وَأخرجه من دَاره وأركبه حمارا إِلَى القلعة. وَسبب ذَلِك أَنه لما قبض على غرلو تقدم يُوسُف هَذَا وَأمْسك سَيْفه وقطعه من وَسطه فكافأه غرلو على ذَلِك. وَقبض غرلو مَعَه على ابْن أَخِيه وَإِلَى الجيزة فَمَا زَالا يحملأن الْمَآل حَتَّى بلغ حملهَا خمسين ألف دِرْهَم سوى عدد سلَاح وَغير ذَلِك فأفرج عَنْهُمَا بعد أَيَّام وَبعد شَفَاعَة جمَاعَة من الْأُمَرَاء. وَفِيه كتب بِنَقْل الْأَمِير يلبغا اليحياوي من نِيَابَة حلب إِلَى ليابة دمشق فَدَخلَهَا يَوْم السبت ثأني عشر جُمَادَى الأولى وباشر نيابتها. وَفِيه رسم السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان بِعرْض أحوآل الدولة للنَّظَر فِي تدبيرها فَترك مَا استجد من المصروف فِي العمائر بالقلعة والقاهرة ورسم أَن تسلم الأغنام الَّتِي استجدها أَخُوهُ الْملك الصَّالح لجَماعَة المتعاملين فِي اللَّحْم وبتثمينها عَلَيْهِم فَكَانَت عدتهَا تِسْعَة عشر ألف رَأس ونيف وَضبط السُّلْطَان أَحْوَال المملكة. وَفِيه رسم بسفر الْأَمِير طرنطاى البشمقدار نَائِبا بحمص وأنعم بتقدمته على بيبغا ططر. وَفِيه أنعم بإقطاع الْأَمِير أرقطاى المستقر فِي نِيَابَة حلب على أرغون شاه وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أستادار عوضا عَن قمارى المستقر فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِيه أخرج أَحْمد شاد الشَّرَاب خأناه هُوَ وَإِخْوَته إِلَى صفد من أجل أَنهم كَانُوا مِمَّن نَام مَعَ الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وقمارى الأستادار فِي منع شعْبَان من السلطنة. وَفِيه خلع على علم الدّين عبد الله بن أَحْمد بن ابراهيم بن زنبور وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن الْمُوفق عبد الله بن إِبْرَاهِيم وخلع على كَاتبه فَخر الدّين بن السعيد وَاسْتقر عوضه فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة وعنى الْأَمِير أرغون العلائى بالموفق حَتَّى ترك بِغَيْر مصادرة وَفِيه قدم الْأَمِير طقتمر الصلاحي من الشَّام بِالْمَالِ الَّذِي فرق على الْعَرَب وبسبب حمل الغلال إِلَى مَكَّة وَهُوَ مبلغ مائتى ألف دِرْهَم. وَفِيه رسم بعزل تقى الدّين سُلَيْمَان بن على بن عبد الرَّحِيم بن سَالم بن مراجل من نظر دِرْهَم وَاسْتقر عوضه بهاء الدّين بن أَبُو بكر بن شكر. وَفِيه قدم الْأَمِير آقسنقر الناصري من طرابلس وخلع عَلَيْهِ وَسُئِلَ نِيَابَة السلطنة بديار مصر فَامْتنعَ أَشد الإمتناع وَحلف أيمأناً مُغَلّظَة أَلا يَليهَا.
وَفِيه خطب السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان ابْنة الْأَمر بكتمر الساقى فامتنعت أمهَا من إجَابَته واحتجت عَلَيْهِ بِأَن أُخْتهَا تَحْتَهُ وَلَا يجمع بَين أُخْتَيْنِ وَأَنه بِتَقْدِير أَن يفارقها فَأَنَّهُ شغف بِاتِّفَاق حظية أَخِيه الصَّالح إِسْمَاعِيل شغفاً زَائِدا. ثمَّ قَالَت أمهَا: وَمَعَ ذَلِك فقد تغير حَال المخطوبة من شدَّة الْحزن فَأن أول من أعرس عَلَيْهَا أنوك بن السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فَمَاتَ عَنْهَا وهى بكر لم يَمَسهَا فَتَزَوجهَا بعده أَخُوهُ السُّلْطَان الْمَنْصُور أَبُو بكر وَقتل ثمَّ تزَوجهَا بعد الْمَنْصُور أَبُو بكر أَخُوهُ السُّلْطَان الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل وَمَات عَنْهَا أَيْضا فَحصل لَهَا حزن شَدِيد من كَونه تغير عَلَيْهَا عدَّة أزوج فِي مُدَّة يسيرَة. فَلم يلْتَفت السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان إِلَى هَذِه الْكَلَام وطلق أُخْتهَا وَأخرج جَمِيع مَا كَانَ لَهَا فِي ليلته ثمَّ عقد عَلَيْهَا وَدخل بهَا. وَفِيه أنعم السُّلْطَان على ابْن طشتمر حمص أَخْضَر بتقدمة ألف وعَلى ابْن أصلم بإمرية طبلخأناه. وَفِي مستهل جُمَادَى الأولى: خلع السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان على الْأُمَرَاء المقدمين والطبلخأناه وأنعم على سِتِّينَ مَمْلُوك بستين قبَاء بطرز زركش وَسِتِّينَ حياصة ذهب وَفرق الْخُيُول على الْأُمَرَاء برسم الميدأن. وَفِيه قدم أَحْمد بن مهنا وَابْن أَخِيه مخلع عَلَيْهِمَا وأعيد أَحْمد إِلَى إمرية الْعَرَب فَقدم حَاجِب سيف بن فضل يخبر بِأَنَّهُ وصل إِلَى غَزَّة بقوده فَكتب بقدومه سَرِيعا فَقدم وَمَعَهُ مائَة فرس مثمنة سوى الهجن وَغَيرهَا. فَخلع عَلَيْهِ وَلم ينعم لَهُ بالإمرية وَلَا أنصف فِي أثمأن خيوله. وَفِيه رسم السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان أَن يتوفر إقطاع النِّيَابَة للخاص. وَفِيه خلع السُّلْطَان على الْأَمِير بيغرا وَاسْتقر حاجباً كَبِيرا ليحكم بَين النَّاس. ورسم لَهُ السُّلْطَان أَن يجلس بَين يَدَيْهِ موقعين لكتابة الْكتب للولاة وهما رضى الدّين بن الموصلى وَابْن عبد الظَّاهِر. وَفِيه قبض على جمال الدّين يُوسُف وَإِلَى الْقَاهِرَة وعَلى أبن أَخِيه ونائبه حمود بسعاية غرلو شاد الدَّوَاوِين. وكشف غرلو رُءُوسهم وَضرب حمودا بالمقارع ضربا مبرحا فوعد بِأَن يحضر لَهُ مَالا قد دَفنه بالجيزة فسيره صُحْبَة أعوأنه ليَأْتِيه بِالْمَالِ فَلَمَّا ركب حمود النّيل وتوسطه والقى بِنَفسِهِ فِيهِ فغرق. فرسم بالإفراج عَن جمال الدّين وَابْن أَخِيه بعناية الْأُمَرَاء بِهِ.
وَفِي يَوْم السبت: نزل السُّلْطَان إِلَى الميدأن على الْعَادة فِي كل سنة فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَفِيه خلع السُّلْطَان على الشريف عجلأن بن رميثة بن أبي نفي الحسني وَاسْتقر أَمِير مكه. وَفِيه عَاد السُّلْطَان من آخر النَّهَار على الْعَادة إِلَى القلعة. واستدعى السُّلْطَان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ غرلو شاد الدَّوَاوِين بِحَضْرَة الْأُمَرَاء والوزير ورسم لَهُ أَن يرتب بِلَاد الْخَاص وَيخرج من إقطاع النِّيَابَة وَغَيره بِلَاد المماليك السُّلْطَانِيَّة أَرْبَاب الجوامك الْكِبَار لتتوافر جوامكهم. فأفردت خمس نواح أقطعت لمِائَة مَمْلُوك وطلبوا حَتَّى فرقت عَلَيْهِم المثالات فردوها من الْغَد على السُّلْطَان وَقد وقفُوا جَمِيعًا فَاشْتَدَّ غَضَبه وَطلب الطواشي الْمُقدم وأهأنه ورسم لَهُ بضربهم وطردهم فَمَا زَالَ بِهِ الْأُمَرَاء حَتَّى رسم أَن الطواشي يضْرب مِنْهُم جمَاعَة وَأَن يفرق النواحى على ثمأنين مِنْهُم وأنعم على الْعشْرين بإقطاعات أخر. فأقاموا مُدَّة على الإمتناع حَتَّى ضرب مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرَة وأنزلوا من القلعة إِلَى الْقَاهِرَة وَقطع جَمِيع راتبهم من لحم وَغَيره. وَرفع غرلو على الْحَاج على الطباخ الْمَعْرُوف بإخوأن سلار أَنه يَأْكُل كثيرا مِمَّا فِي المطبخ السلطانى وَأَن لَهُ فِي كل يَوْم على الْمُسلمين خَمْسمِائَة دِرْهَم ولولده أَحْمد ثَلَاثمِائَة دِرْهَم سوى الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا. فرسم السُّلْطَان للأمير أرغون شاه أستادار بمصادرته فأوقع الحوطة على موجوده وأهأنه. وَكَانَ الْمَذْكُور قد خدم السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد فِي الكرك فَلَمَّا عَاد إِلَى السلطنة أَقَامَهُ إخوأن سلار وَسلم لَهُ المطبخ فنال سَعَادَة جليلة لاسيما فِي الْمُهِمَّات والأفراح الَّتِي كَانَ السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد يعملها لأولاده ومماليكه وحواشيه طول تِلْكَ الْمدَّة. فَكَانَ أقل مَا يحصل لَهُ فِي كل مُهِمّ مَا ينيف على عشرَة آلَاف دِرْهَم مَعَ كثرت تِلْكَ الْمُهِمَّات. وَلما عمل مُهِمّ ابْن
بكتمر الساقى على بنت تنكز نَائِب الشَّام طلب السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد الْحَاج على هَذَا فِي آخر المهم وَقَالَ لَهُ: يَا حَاج على رح السَّاعَة اعْمَلْ لى خروف رميس فِي لون كَذَا فولى عَنهُ وَهُوَ متنكر قد عبس وَجهه. فصاح بِهِ السُّلْطَان ليرْجع وَقَالَ لَهُ: مَالك معبس الْوَجْه فَقَالَ: كَيفَ مَا أعبس وَقد أحرمتنى السَّاعَة عشْرين ألف دِرْهَم قَالَ: كَيفَ أحرمتك قَالَ: عِنْدِي رُءُوس وأكارع وكروش وأعضاد وكل مَا سَرقته من هَذَا المهم أُرِيد أَن أقعد أبيعه. فَقلت لي: رح اطبخ فيتلفوا الْجَمِيع. فَتَبَسَّمَ لَهُ السُّلْطَان وَقَالَ. لَا رح اطبخ وضمأنهم على. فَلَمَّا ذهب الْحَاج على طلب السُّلْطَان وَإِلَى مصر ووالي الْقَاهِرَة وَأَمرهمَا بِطَلَب الزفورية إِلَى القلعة وتفرقة تِلْكَ الأسقاط فيهم فَبلغ ثمنهَا ثَلَاثَة وَعشْرين ألف دِرْهَم. فَهَذَا أعزّك الله متحصل مُهِمّ وَاحِد من آلَاف سوى مَا لَهُ فِي كل يَوْم من جِهَة المطبخ وَهُوَ خَمْسمِائَة دِرْهَم فِي مُدَّة بضع وَثَلَاثِينَ سنة كم أَرَادَ النشو أَن يتَمَكَّن مِنْهُ وَالسُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد يمنعهُ. وَلما قبض عَلَيْهِ وجد لَهُ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ملكا فاخذت أم السُّلْطَان دَاره الَّتِي على الْبَحْر وَكَانَت من الدّور الْعَظِيمَة وَأخذت اتِّفَاق دَاره الَّتِي بالمحمودية من الْقَاهِرَة وَإِلَيْهِ ينْسب جَامع الطباخ على بركَة السقاف بِخَط بَاب اللوق فتعطل الْجَامِع أَيَّامًا مُدَّة الْقَبْض عَلَيْهِ فَأَنَّهُ كَانَ يقوم بِهِ من غير أَن يفرد لَهُ وَقفا وَأخذت أملاكه كلهَا وَضرب ابْنه أَحْمد وألزم بِبيع موجوده وَحمل وَهُوَ وَأَبوهُ مَالهم إِلَى بَيت المَال ثمَّ شفع فِيهِ الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فأفرج عَنهُ وَلزِمَ بَيته بطالا. وَفِي هَذَا الشَّهْر صودر جمَاعَة من أهل قوص اتهموا بِأَنَّهُم وجدوا خبية مَال وَأخذت أملاكهم وَغَيرهَا وصودر الْجَمَاعَة الَّذين كتبُوا فِي محْضر وَفَاة السُّلْطَان الْمَنْصُور أبي بكر أَنه مَاتَ بِقَضَاء الله وَقدره وَأخذ جَمِيع موجودهم فأقروا أَن الْمحْضر زور وَأَنَّهُمْ أكْرهُوا حَتَّى كتبُوا مَا لم يعاينوه. وَفِيه وشى بابنة الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير أَن فِي دارها بِالْقَاهِرَةِ خبية مَال فحفر فِيهَا نَحْو قامة فَلم يُوجد شَيْء. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشريه: قدم الْأَمِير طقزدمر من دمشق فِي محفة وَهُوَ مَرِيض بَعْدَمَا خرج الْأَمِير أرغون العلائي إِلَى القائه فَوَجَدَهُ غير واع وَدخل عَلَيْهِ الْأُمَرَاء وَهُوَ قد أشفي على الْمَوْت. وَلما دخل طقزدمر الْقَاهِرَة على تِلْكَ الْحَال أَخذ
أَوْلَاده فِي تجهيز تقدمة جليلة للسُّلْطَان تشْتَمل على خُيُول وتحف وجواهر فقبلها السُّلْطَان وَوَعدهمْ بِخَير. وَفِيه أنعم السُّلْطَان الْكَامِل شعْبَان على الْأَمِير أرغون الصَّالِحِي بتقدمة ألف ورسم أَن يُقَال لَهُ أرغون الكاملي ووهب لَهُ فِي أُسْبُوع وَاحِد ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَعشرَة آلَاف أردب من الأهراء. ورسم لَهُ بدر شاد الشرابخأناه وَأَن يعمر لَهُ من مَال السُّلْطَان بجواره قصر على بركَة ألفيل ويطل على الشَّارِع وَأقَام السُّلْطَان الْأَمِير آقجبا شاد العمائر على عِمَارَته وَفِي هَذَا الشَّهْر: شرع الْأَمِير غرلو شاد الدَّوَاوِين يستخدم الْوُلَاة وَالْكتاب على مَال يحمل لبيت المَال فَلم يل أحد بعد ذَلِك الا بِمَال. واستجد غرلو أَيْضا مَالا فِي المقأيضاً ت والنزولات عَن الإقطاعات يحمل لبيت المَال. وَجعل على عِبْرَة الدِّينَار دِينَارا فاذا كَانَ الإقطاع عِبْرَة مائَة دِينَار حمل عَنهُ لبيت المَال مائَة دِينَار وَلم يلْتَفت السُّلْطَان لقَوْل الْأُمَرَاء وأجابهم بِأَن هَذَا كَانَ يَأْخُذهُ ديوأن الْجَيْش. وَفِي يَوْم الْخَمِيس مستهل جُمَادَى الآ خر: ركب السُّلْطَان إِلَى السرحة بسرياقوس وَمَعَهُ حريمه. فَنصبت لَهُنَّ الخيم فِي الْبَسَاتِين وأخليت المناظر الَّتِي لِلْأُمَرَاءِ حَتَّى نزل أكثرهن بهَا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: قدم أَوْلَاد الْأَمِير طقزدمر إِلَى سرياقوس بِخَبَر وَفَاة أَبِيهِم فَلم يُمكن السُّلْطَان الْأُمَرَاء من الْعود إِلَى الْقَاهِرَة للصَّلَاة عَلَيْهِ فَدفن بخأنكاته بالقرافة. وَأخذت خيله وجماله وهجنه إِلَى الإصطبل السلطاني وقيدت إِلَى سرياقوس على الْعَادة. ورسم السُّلْطَان أَن تعْمل أوراق بمتوفر إقطاع طقزدمر وَمَا عَلَيْهِ من حُقُوق القنود وَسَائِر مَا سومح بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ للديوأن فِي حَيَاته من جَمِيع الْأَصْنَاف فَلم تزل أَوْلَاده تقدم التقادم الجليلة حَتَّى وعدوا بتقدمة سلطانية. وَفِيه خلع على الْأَمِير رسلأن بصل وَاسْتقر حاجباً ثأنياً مَعَ بيغرا ورسم لَهُ أَن يحكم بَين النَّاس. وَفِيه خلع على الْأَمِير ملكتمر السرجوأني وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير طشتمر طلليه وأنعم بإقطاع طشتمر على الْأَمِير قبلاي. وَفِيه طلب السُّلْطَان العربأن الَّذين اتهموا بقتل ابْن الرديني وَأخذ مِنْهُم مائَة ألف دِرْهَم مصادرة.
وَفِيه مَاتَ الْأَشْرَف كجك عَن اثْنَتَيْ عشرَة سنة. واتهم السُّلْطَان أَنه بعث من سرياقوس من قَتله فِي مضجعه على يَد أَرْبَعَة خدام طواشية. وَفِيه قدم طلب الْأَمِير آقسنقر طرابلس فَسَار السُّلْطَان من سرياقوس حَتَّى لقِيه على بلبيس وَمنع الخدام أَن تعرف زَوجته أم كجك بوفاته. وَاخْتَارَ الْأَمِير آقسنقر من طلبه عدَّة خُيُول وجمال بخاتى وهجن وقدمها للسُّلْطَان مَعَ جَوَاهِر سنية وتحف بديعة فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وأنعم على ولد ابْن اخيه بطبلخأناه أَبِيه وعمره أَربع سِنِين. وَفِيه عَاد السُّلْطَان من سرياقوس إِلَى القلعة بَعْدَمَا تهتكت المماليك السُّلْطَانِيَّة بِشرب الْخمر والإعلأن بألفواحش وركبوا فِي اللَّيْل وَقَطعُوا الطَّرِيق على الْمُسَافِرين واغتصبوا حَرِيم النَّاس وَصَارَت سرياقوس حأنة. وَفِيه عزل تَاج الدّين ابْن الصاحب أَمِين الدّين بن الغنام من نظر الْبيُوت. وَذَلِكَ أَنه علم بِاجْتِهَاد السُّلْطَان فِي تَحْصِيل المَال فضبط الْبيُوت ووفر فِيهَا عشْرين ألف دِرْهَم وَأعلم السُّلْطَان بهَا من غير علم أرغون شاه الأستادار. فتنكر عَلَيْهِ أرغون شاه فَضَربهُ فسعى عَلَيْهِ أفلاطون كَاتب سنجر الجمقدار عِنْد غرلو بألفي دِينَار فولاه عوضه وَولى أَيْضا ابْن وَجه الطوبة نظر الْأَوْقَاف الصالحية إِسْمَاعِيل بَعْدَمَا حمل لبيت المَال خَمْسمِائَة دِينَار وَفِيه طُولِبَ الْمُوفق عبد الله بن إِبْرَاهِيم بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وَسبب ذَلِك أَنه عثر على أَنه بَاعَ من أَرَاضِي الْخَاص إِلَى طغيتمر الدوادار. بِمِائَة ألف دِرْهَم فَبَاعَهَا طغيتمر لِابْنِ زعازع بالبهنساوية وألزم كل من طغيتمر وَابْن زعازم أَيْضا بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه عقد لابنَة بكتمر مُطلقَة السُّلْطَان شعْبَان على أرغون شاه أستادار وَعقد لزوجة أرغون شاه ابْنة آقبغا - وَقد بأنت مِنْهُ من مُدَّة - على بيبغا روس. وَفِيه رسم بِإِبْطَال المقأيضاً ت والنزولات عَن الإقطاعات بِقِيَام الْأُمَرَاء فِي ذَلِك مَعَ السُّلْطَان لكرة مَا فِيهِ من الْمَفَاسِد. وَكتب إِلَى الْبِلَاد الشامية أَن من مَاتَ من الأجناد أَو أَرْبَاب الْمَرَاتِب يطالع بوفاته ليخرج السُّلْطَان إقطاعه أَو مرتبه فامتثل ذَلِك. وَفِيه ألزم من بِيَدِهِ رزقه من أَرض مصر أَو أَرض اسْتَأْجرهَا أَن يقوم عَن كل فدان. بِمِائَة وَخمسين درهما. فَأخذ من ذَلِك مَال كثير قَامَ غرلو باستخراجه. فازدادت مكانته عِنْد السُّلْطَان وَعظم قدره بَين النَّاس وأنتمى إِلَيْهِ جمَاعَة وصاروا يغرونه بأرباب
الْأَمْوَال ويفتحون لَهُ أَبْوَاب الْمَظَالِم. واستدعى غرلو طغيتمر متولى البهنسي وألزمه بِحمْل أربعمالة ألف دِرْهَم وأخرق بِهِ. وَقدم جمال الدّين سُلَيْمَان بن رَيَّان من حلب وبذل فِي نظر الْجَيْش بهَا ألف دِينَار حملت إِلَى بَيت المَال ووعد بِمِائَتي إكديش. فَخلع عَلَيْهِ وَتوجه مَعَه بريد لإحضار الْخَيل. وَفِيه رسم بِقطع جَمِيع مَا هُوَ مُرَتّب على الْحَوَائِج خاناه من التوابل لِلْأُمَرَاءِ وَالْكتاب وَغَيرهم. وَطلب عدَّة من مباشري الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري سلمُوا إِلَى غرلو فصادرهم. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِوُقُوع الْحَرْب بَين الشَّيْخ حسن صَاحب بَغْدَاد وَبَين سُلْطَان شاه وَأَوْلَاد دمرداش انتصر فِيهَا الشَّيْخ حسن. والتجأ سُلْطَان شاه إِلَى ماردين فحصره الشَّيْخ حسن بهَا أَيَّامًا وأفسد ضياعها ثمَّ سَار عَنْهَا بِغَيْر طائل. وَفِيه هم السُّلْطَان أَن ينعم على غرلو بإمرة مائَة وتولية الوزارة ونيابة دَار الْعدْل فَلم يُوَافقهُ الْأَمِير أرغون العلائي على ذَلِك وأبطل أمره. وَفِيه عمل السُّلْطَان داير بَيت حَرِير مزركش عمل فِيهِ مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَعمل أَيْضا لحريمه عشْرين بغلوطاق صدر فِي كل بغلوطاق ألف دِينَار زركش. وَفِي عشري رَجَب: خلع على فَخر الدّين بن السعيد وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن علم الدّين بن زنبور. وخلع على ابْن زنبور وَاسْتقر كَمَا كَانَ فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة فَكَانَت مُدَّة مُبَاشرَة ابْن زنبور نظر الْخَاص نيفاً وَثَمَانِينَ يَوْمًا. وَفِيه عزم على إنْشَاء مدرسة مَوضِع خَان الزَّكَاة وَنزل الْأَمِير أرغون العلائي والوزير لنظره. وَكَانَ النَّاصِر مُحَمَّد قد وَقفه فَلم يُوَافق الْقُضَاة على حلّه. وَفِي مستهل شعْبَان: اسْتَقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن المزين خضر بن عبد الرَّحْمَن فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله. وَفِيه كَانَ عرس السُّلْطَان على بنت طقزدمر وَعمل لَهَا مهما مُدَّة سَبْعَة أَيَّام بليإليها اجْتمع فِيهِ نسَاء الْأُمَرَاء جَمِيعًا. وَكَانَت فِيهِ عدَّة جوق مغانى حصل لَهُنَّ من الذَّهَب وَالْفِضَّة وتفاصيل الْحَرِير شىء يجل وَصفه وَبلغ نصيب ضامنة المغاني. بمفردها ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم سوى بَقِيَّة المغاني.
وَفِيه اسْتَقر تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن مراجل نَاظر دمشق عوضا عَن بهاء الدّين أبي بكر ابْن سكرة بعد مَوته. وَكَانَ ذَلِك بعناية الْأَمِير أرغون العلائي فَأَنَّهُ كَانَ بعد عَزله من نظر الدولة ولاه نظر الْخَاص بِدِمَشْق ثمَّ انْتقض أمره. وَفِي مستهل شهر رَمَضَان: خلع على قشتمر وَإِلَى الجيزة وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين رَفِيقًا للأمير غرلو. وَفِيه خلع على نجم الدّين دَاوُد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن الزيبق بِولَايَة الجيزة. وَفِيه اسْتَقر الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن اللبان فِي تدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار قبَّة الشَّافِعِي بالقرافة عوضا عَن ضِيَاء الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المناوى بعد وَفَاته. وَكَانَ ذَلِك بعناية الْأَمِير جنكلى بن البابا والأمير آقسنقر بَعْدَمَا اسْتَقر فِيهِ تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ بسفارة قاضى الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة فَنزل ابْن اللبان ودرس وَمَعَهُ الْأَمِير أرغون الكاملي وعدة أُمَرَاء وَجَمَاعَة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء. وَكَانَ نَاصِر الدّين فَازَ السقوف محتسب مصر مُقيما بقاعة التدريس فَأخْرجهُ ابْن اللبان مِنْهَا وطالبه باجرتها مُدَّة سكنه. فرتب نَاصِر الدّين على ابْن اللبان فتيا نسبه فِيهَا إِلَى قوادح وَأَرَادَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك. وَفِيه قدم الشريف من مَكَّة يُرِيد أَن يسْتَقرّ شَرِيكا لِأَخِيهِ عجلَان فِي إمرة مَكَّة. وأحضر ثقبة قودا فِيهِ عدَّة خُيُول فوعد بِخَير. وَفِيه قدمت رسل خَلِيل بن دلغادر بتقدمته وَكتابه وَقد عَاد إِلَى الطَّاعَة بِحسن سياسة الْأَمِير أرقطاى نَائِب حلب فَخلع على رسله وجهز لَهُ تشريف. وَفِيه أخذت أم السُّلْطَان من أَوْلَاد الْأَمِير طقزدمر خَمْسمِائَة فدان بِنَاحِيَة بوتيج ودولابها. وَفِيه قدمت الْحرَّة من بِلَاد الغرب بهدية سنية تُرِيدُ الْحَج فرسم بتجهيزها. وَفِيه أَخذ السُّلْطَان من وَزِير بَغْدَاد دولابين جَعلهمَا باسم اتِّفَاق وعوضه عَنْهُمَا مَا ابتاعهما بِهِ وَهُوَ مبلغ ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف دِرْهَم. وتبرع وَزِير بَغْدَاد للسُّلْطَان. مِمَّا أنفقهُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه قدم الْخَبَر من حلب بوقعة كَانَت بَين ابْن دلغادر وَبَين أَمِير يُقَال لَهُ طرفوش أَقَامَهُ الْأَمِير يلبغا اليحياوي ضدا لِابْنِ دلغادر وأغراه بِهِ ووعده بإمرته على التركمان واقتتل طرفوش وَابْن دلغادر فانتصر ابْن دلغادر بعد عدَّة وقائع قتل فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ.
خلائق. فَلَمَّا قدم الْأَمِير أرقطاى إِلَى حلب تلطف بِابْن دلغادر حَتَّى أَعَادَهُ إِلَى الطَّاعَة وَمَا زَالَ يجْهد حَتَّى أصلح بَينه وَبَين طرفوش. ثمَّ الْتفت الْأَمِير أرقطاي إِلَى جِهَة الْأَمِير فياض بن مهنا وَقد كثر عبثه وفساده وَأَخذه قفول التُّجَّار. وبذل الْأَمِير أرقطاى جهده حَتَّى قدم عَلَيْهِ فياض بن مهنا بِظَاهِر حلب فَتَلقاهُ وأنزله وَبَالغ فِي إكرامه وَأخذ عَلَيْهِ العهود والمواثيق بِالْإِقَامَةِ على الطَّاعَة ثمَّ جهزه إِلَى بِلَاده. وَكتب الْأَمِير أرقطاي بذلك إِلَى السُّلْطَان فسر بِهِ سُرُورًا زَائِدا فَأَنَّهُ كَانَ فِي قلق من أَخْبَار فياض وعَلى عزم أَن يجرد الْعَسْكَر إِلَيْهِ ويورى بِقصد سيس. وَأخذ فياض فِي تجهيز الْقود إِلَى السُّلْطَان وسيره فَقدم وَفِيه سَبْعُونَ فرسا قَامَت عَلَيْهِ بِأَلف ألف دِرْهَم وَخَمْسُونَ هجينا وَعشر مهريات وعبي وَغير ذَلِك. ثمَّ قدم فياض عقيب قوده فَأكْرمه السُّلْطَان وَأحسن إِلَيْهِ وأنزله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَمْسَكت امْرَأَة حرامية من حمام الأيدمرى فِي يَوْم السبت سَابِع عشريه. فضربها الْأَمِير نجم الدّين أَيُّوب أستادار الأكر ووالي الْقَاهِرَة بالمقارع على سَاقيهَا ثمَّ قطع يَدهَا فِي بَاب زويلة. وَفِي مستهل شَوَّال: رسم للأمير أرغون الكاملي بزيارة الْقُدس وأنعم عَلَيْهِ. بِمِائَة ألف دِرْهَم. وَكتب إِلَى نواب الشَّام بالركوب إِلَى خدمته وَحمل التقادم لَهُ وتجهيز الإقامات فِي الْمنَازل إِلَى حِين عوده. ورسم أَن يُنَادي. بِمَدِينَة بلبيس وأعمالها أَنه من قَالَ عَنهُ أرغون الصَّغِير شنق وَألا يُقَال إِلَّا أرغون الكاملي. فشهر النداء بذلك فِي الْأَعْمَال الشرقية فامتثل النَّاس ذَلِك وَتوجه الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن ملغريل فِي خدمته. وَفِيه ركب حَرِيم السُّلْطَان إِلَى نَاحيَة الجيزة للنزهة وصحبتهم الْأَمِير آقسنقر فَأَقَامَ بهم حَتَّى خرج محمل الْحَاج صُحْبَة مغلطاي أَمِير شكار ثمَّ عَادوا. وَحج فِي هَذِه السّنة عدَّة من نسَاء الْأُمَرَاء وبالغن فِي زِينَة محفاتهن ومحايرهن وألبسوا جمالهن الْحَرِير والقلائد المرصعة والمقاود الْحَرِير المزركشه وَفِي أيدهن خلاخل الذَّهَب وعليهن العبي الْحَرِير والأجلة الزركش حَتَّى خرجن فِي ذَلِك عَن الْحَد. وتفاخرن فِيمَا أبدعن وتناظرن وَصَارَت كل وَاحِدَة تُرِيدُ أَن تفوق على صاحبتها
وتشبه بِهن غَيْرهنَّ من النِّسَاء. وَلم يعْهَد أَن عمل مثل هَذَا وَلَا قريب مِنْهُ فِيمَا تقدم فأنهن خلعن على الهجانة والسقائين الأقبية الطَّرْد وَحش فَأنْكر فعلهن النَّاس وَذكره قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة فِي خطْبَة الْعِيد بالقلعة وَصرح بالإنكار وصدع بالوعظ. وَفِيه قدم تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن مراجل من دمشق وَابْن قرناص من حلب فبذل ابْن قرناص فِي نظر حلب نَحْو ألفي دِينَار حَتَّى رسم لَهُ بِهِ عوضا عَن ابْن الْموصِلِي. فَبعث ابْن الْموصِلِي ابْنه بهديه سنية فِيهَا جوارى حسان وَزوج بسط حَرِير فَقَامَ غرلو مَعَه وأوصله بالسلطان فَقبل هديته وَبسط الْحَرِير بالدهيشة وَأقر ابْن الْموصِلِي على حَاله فَكَانَت مُدَّة ابْن قرناص عشْرين يَوْمًا بألفي دِينَار. وَقَامَ الْأَمِير أرغون العلائي فِي حق ابْن مراجل حَتَّى خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الدولة وَأَجْلسهُ السُّلْطَان بَين يَدَيْهِ وغرلو قَائِم على يَدَيْهِ. فتفاوضا فِي الْكَلَام بِحَيْثُ قَالَ الْأَمِير أرغون العلائي لغرلو: أَنْت شاد بعصاتك إِذا عينت لَك سالا للسُّلْطَان تستخرجه وانصرفا من الْمجْلس وكل مِنْهُمَا يترفع على الآخر. فَاشْتَدَّ ابْن مراجل على الْكتاب وألزمهم بِعَمَل الْحساب ورسم عَلَيْهِم وَكتب بِطَلَب مبَاشر الشَّام. فَلَمَّا كَانَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام تكاشف هُوَ غرلو وترافعا إِلَى السُّلْطَان فأخرق السُّلْطَان بغرلو وألزمه أَن يمتثل مَا يرسم لَهُ بِهِ ابْن مراجل وَلَا يتعداه. وَفِيه قدم من دمشق عَلَاء الدّين الْفَرْع وتوصل إِلَى السُّلْطَان وَقدم لَهُ تقديمة جليلة وَسَأَلَهُ فِي قَضَاء دمشق عوضا عَن تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ فرسم لَهُ بِهِ ففام الْأَمِير جنكلى ابْن البابا مَعَ السُّلْطَان فِي اسْتِقْرَار السُّبْكِيّ على عَادَته حَتَّى أَجَابَهُ وعوق توقيع الْفَرْع وَعوض عَن تقدمته الْأَوْقَاف بِدِمَشْق. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن قَاصد نَائِب حلب توجه إِلَى سيس بِطَلَب الْحمل وَقد كَانَ تكفور كتب فِي الْأَيَّام الصالحية بِأَن بِلَاده خربَتْ فسومح بِنصْف الْخراج. فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ قَاصد نَائِب حلب جهز الْحمل وَحضر كَبِير دولته ليحلفوه أَنه مَا بقى أَسِير من الْمُسلمين فِي مَمْلَكَته كَمَا جرت الْعَادة فِي كل سنة بتحليفه على ذَلِك. وَكَانَ فِي أَيْديهم عدَّة من الْمُسلمين أسرى فبيت مَعَ أَصْحَابه قَتلهمْ فِي اللَّيْلَة الَّتِي تكون خَلفه فِي صحبيتها فَقتل كل أحد أسيره فِي أول اللَّيْل. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن مضى ثلثا اللَّيْل خرجت
فِي الثُّلُث الْأَخير من تِلْكَ اللَّيْلَة ريح سوادء مَعهَا رعد وبرق أرعب الْقُلُوب. وَكَانَ من جملَة الأسرى عَجُوز من أهل حلب فِي أسر المنجنيقي ذَبحهَا عِنْد المنجنيق وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ خُذ الْحق مِنْهُم فَقَامَ المنجنيقي يشرب الْخمر مَعَ أَهله بعد ذَبحهَا حَتَّى غلبهم السكر وغابوا عَن حسهم. فَسَقَطت الشمعة وأحرقت مَا حولهَا حَتَّى هبت الرّيح تطاير شرر مَا احْتَرَقَ من الْبَيْت حَتَّى اشتعل. بِمَا فِيهِ وتعلقت النيرَان مِمَّا حوله حَتَّى بلغت مَوضِع تكفور ففر بِنَفسِهِ. واستمرت النَّار مُدَّة اثْنَي عشر يَوْمًا فَاحْتَرَقَ أَكثر القلعة وَتلف المنجنيق كُله بالنَّار وَكَانَ هُوَ حصن سيس وَلم يعْمل مثله وَاحْتَرَقَ المنجنيقي وَأَوْلَاده السِّتَّة وَزَوجته واثني عشر رجلا من أَقَاربه. وَخَربَتْ سيس وَهدم سورها ومساكنها وَهلك كثير من أَهلهَا وَعجز تكفور عَن بنائها. وَفِيه نافقت العربان بِالْوَجْهِ القبلي والفيوم وَكَثُرت حروبهم وقطعهم الطرقات فَلم يُمكن خُرُوج الْعَسْكَر إِلَيْهِم فَأَنَّهُ كَانَ اوأن الْمغل خوفًا عَلَيْهِ. وَفِي مستهل ذِي الْقعدَة: قدم عَلَاء الدّين الْحَرَّانِي من دمشق باستدعاء وخلع عَلَيْهِ بِنَظَر الشَّام. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَنَّهُ ثارث ريح زرقاء شَدِيدَة فِي بِلَاد برقة وأعقبها مطر عَظِيم جدا يَوْمًا كَامِلا. ثمَّ نزل برد قدر بيص الْحمام مجوف وَبَعضه مثقوب من وَسطه. وَتَمَادَى حَتَّى وصل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة والبحيرة والغربية والمنوفية والشرقية وأفسد من الدّور والزروع شَيْئا كثيرا سِيمَا الفول فَأَنَّهُ تلف عَن آخِره وَنزلت صَاعِقَة فأحرقت نَخْلَة فِي دَار. وَقدم الْخَبَر أَن الْأَمِير أرغون الكاملي لعب بالكرة فِي ميدان غَزَّة وَتوجه بعد أَيَّام إِلَى الْقُدس. فَقدم عَلَيْهِ نَائِب الشَّام بتقدمته ثمَّ تواردت تقادم النواب من حلب إِلَى عزة ثمَّ خرج الْأَمِير أرغون الكاملي من الْقُدس فَكتب بِسُرْعَة قدومه فَلَمَّا وصل قطيا خرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه بسرياقوس وَلعب مَعَه فِي الميدان بالكرة وَقد سر بقدومه ثمَّ سَار بِهِ السُّلْطَان إِلَى القلعة. وَفِيه خلع على الْأَمِير قبلاي وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن ملكتمر السرجواني لشدَّة مَرضه، وَكتب بإحضاره.
وَفِيه كثر لعب النَّاس بالحمام وَكثر جري السعاة وتظاهر أَرْبَاب الملعوب بفنون لعبهم. وتزايد شلاق الزعر وسلط عبيد الخدام الطواشية وغلمأنهم وَعبيد الْكتاب على النَّاس وصاروا كل يَوْم يقفون للضراب فتسفك بَينهم دِمَاء كَثِيرَة وتنهب الحوانيت بالصليبة خَارج الْقَاهِرَة وَإِذا ركب إِلَيْهِم وَإِلَى الْقَاهِرَة لَا يعبئون بِهِ فَإِن قبض على أحد مِنْهُم أَخذ من يَده سَرِيعا فَاشْتَدَّ قلق النَّاس من ذَلِك وَلم يَجْسُر أحد يُنكر شَيْئا من هَذَا. وَفِيه أعرس بعض الطواشية ببعص سرارى السُّلْطَان بعد عقده عَلَيْهَا فَعمل لَهُ السُّلْطَان مهما حَضَره جَمِيع جواري بَيت السُّلْطَان. وجلبت الْعَرُوس على الطواشي ونثر السُّلْطَان عَلَيْهَا وَقت الجلا الذَّهَب بِيَدِهِ فَكَانَ أمرا شنيعاً. وَفِي مستهل ذِي الْحجَّة: قدم الْبَرِيد من دمشق بوفاة الْأَمِير ألماس الْحَاجِب وعلاء الدّين بن سعيد فَكتب باستقرار الْأَمِير بدر الدّين الْأَمِير مَسْعُود بن خطير حاجبا عوضا عَن ألماس وأنعم على مَمْلُوك ابْن سعيد بطبلخاناه بعد بذل نَحْو سِتَّة آلَاف دِينَار. وَفِيه اشْتهر أَخذ البراطيل للسُّلْطَان فقصده كل أحد لطلب الإقطاعات والرزق والرواتب. وَفِيه قدم ابْن سَالم قَاضِي الْقُدس وَقد عَزله السُّبْكِيّ وَأثبت عَلَيْهِ محصرا أَنه بَاعَ أيتاما من يتامى الْمُسلمين الْأَحْرَار لِلنَّصَارَى. وَمَا زَالَ ابْن سَالم يسْعَى بالخدام حَتَّى كتب لَهُ توقيع بِقَضَاء الْقُدس على ألف وَخَمْسمِائة دِينَار حملهَا للسُّلْطَان وَمثلهَا لمن سعى لَهُ. وَفِيه كثرت الإشاعة بِاتِّفَاق الْحَاج الْأَمِير آل ملك نَائِب صفد مَعَ الْأَمِير يلبغا نَائِب الشَّام على المخامرة فَجهز الْأَمِير الْحَاج آل ملك محضراً ثَابتا على قَاضِي صفد بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا رمى بِهِ فَأنْكر السُّلْطَان عَلَيْهِ هَذَا. وجهز منجك السِّلَاح دَار للكشف عَمَّا ذكره فاتفق قدوم بعض مماليك الْأَمِير الْحَاج آل ملك فَارًّا مِنْهُ خوفًا أَن يضْربهُ على شربه الْخمر وَذكر عَنهُ للسُّلْطَان أَنه يُرِيد التَّوَجُّه إِلَى بِلَاد الْعَدو. فَزَاد هَذَا السُّلْطَان كَرَاهَة فِيهِ وَأخرج منجك على الْبَرِيد إِلَيْهِ. فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ حلف أَنه برىء مِمَّا قيل عَنهُ وأنعم على منجك بألفي دِينَار سوى الْخَيل والقماش. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر الا يُعَارض أحد من لعاب الْحمام وأرباب الملاعيب والسعاة فتزايد الْفساد وشنع الْحَال.
وَفِيه ركب الْأَمِير طقتمر الصلاحي الْبَرِيد ليوقع الحوطة على جَمِيع أَرْبَاب الْمُعَامَلَات وَأَصْحَاب الرزق والرواتب بالبلاد الشامية من الْفُرَات إِلَى غَزَّة وَألا يصرف لأحد مِنْهُم شَيْئا وَأَن يسْتَخْرج مِنْهُم وَمن الْأَوْقَاف وأرباب الجوامك ألف ألف دِرْهَم برسم سفر السُّلْطَان للحجاز وَيَشْتَرِي بذلك الْجمال وَنَحْوهَا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ السُّلْطَان فِي سَفَره فمنعت الرَّوَاتِب من الْفُقَرَاء وَغَيرهم لم يصرف لأحد مِنْهُم الدِّرْهَم الْفَرد فَكثر ابتهالهم وتضرعهم إِلَى الله تَعَالَى فِي وَفِيه كتب بعد موت الْأَمِير جنكلى بن البابا بقدوم الْأَمِير آل ملك إِلَى الْقَاهِرَة من صفد ليستقر على إقطاع جنكلى وَتوجه إِلَيْهِ منجك لإحضاره. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشريه: أمسك الْأَمِير أينبك أَخُو قمارى ثمَّ أفرج عَنهُ من يَوْمه. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين إِبْرَاهِيم بن الْعِمَاد عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد الطرسوسى فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن أَبِيه. وَفِيه كتب باستقرار الْأَمِير سيف الدّين أراق الفتاح نَائِب غَزَّة فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير الْحَاج آل ملك. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان فَخر الدّين أَحْمد بن الْحسن بن الْجَار بردى شَارِح البيضاوى. وَمَات الْأَمِير ألماس الناصري الْحَاجِب بِدِمَشْق. وَمَات بهاء الدّين أَبُو بكر بن مُوسَى بن سكرة نَاظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق فِي عَاشر شعْبَان بهَا عَن سِتِّينَ سنة.
وَتُوفِّي الْملك الْأَشْرَف كجك بن مُحَمَّد بن قلاوون. وَمَات الْأَمِير طقزدمر الحموى وَأَصله من مماليك الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل بن عَليّ صَاحب حماة بَعثه للناصر مُحَمَّد وَهُوَ شَاب فخطى عَنهُ ورقاه حَتَّى صَار أَمِير مجْلِس وزوجه بابنته. ثمَّ ولي نِيَابَة السلطنة فِي أَيَّام الْمَنْصُور أبي بكر وَولي نِيَابَة حلب ودمشق ثمَّ قدم إِلَى الْقَاهِرَة وَمَات بهَا مستهل جُمَادَى الْآخِرَة وَله تنْسب خانكاه طقزدمر بالقرافة وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد بن محيي الدّين بن فضل الله الْعمريّ الدِّمَشْقِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فِي سادس عشري رَجَب. وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله بن أبي بكر الأردبيلي الشَّافِعِي مدرس الْمدرسَة الحسامية طرنطاي بالقرافة. وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه والعربية وَالْأُصُول والجدول والحساب والمنطق وَقد اشْتَدَّ صمه وأنتفع بالقراة عَلَيْهِ جمَاعَة. وَتُوفِّي القاضى ضِيَاء الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي أحد نواب الحكم عِنْد قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم السبت سادس رَمَضَان وَتجَاوز تسعين سنة.
وَمَات الْأَمِير بيبرس الأحمدي أحد المماليك المنصورية البرجيه فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشري الْمحرم وَهُوَ فِي عشر الثَّمَانِينَ. وَكَانَ جركسي الْجِنْس تنقل حَتَّى صَار من أُمَرَاء الألوف فِي وَظِيفَة أَمِير جاندار ثمَّ ولى نِيَابَة صفد وطرابلس وَكَانَ كَرِيمًا شجاعاً قوي النَّفس دينا لم يركب قطّ فرسا إِلَّا فحلاً وَلم يركب حجرَة قطّ. وَمَات الْأَمِير بدر الدّين جنكلى بن البابا العجلى أتابك العساكر فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشري ذِي الْحجَّة. قدم الْقَاهِرَة سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة وتنقل حَتَّى صَار رَأس الميمنة. وَله حفدة كَبِيرَة وَلم ير أعف مِنْهُ فِي الْأُمَرَاء مَعَ الصدْق فِي الدّيانَة والحلم وَالْوَقار وَكَثْرَة الصَّدقَات فَكَانَ يخرج كل سنة ثَمَانِيَة آلَاف أردب من الْقَمْح ومبلغ ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم فِي وُجُوه الْبر سوى زَكَاة مَاله. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن همام بن راجي الشَّافِعِي إِمَام جَامع الصَّالح خَارج بَاب زويلة وَهُوَ مُصَنف كتاب سلَاح الْمُؤمن وَغَيره. وَفِيه ضربت عنق ششملم وعنق رَفِيقه وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر رَجَب. وَمَات الشريف رميثة بن أبي نمى بن أبي سعد حسن بن عَليّ بن قَتَادَة أَمِير مَكَّة يَوْم الْجُمُعَة ثامن ذِي الْقعدَة بمكه