الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة خمسين وَسَبْعمائة)
أهل شهر الله الْمحرم: وَقد تناقص الوباء. وَفِيه أخرج الْأَمِير قبجق إِلَى دمشق على إمرة طبلخاناه. وَفِيه اجْتمع رَأْي كثير من طَائِفَة الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة على أَن يكون قاضيهم جمال الدّين عبد الله بن قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين بن عُثْمَان التركماني بعد موت وَالِده فِي تاسعه وطلبوا ذَلِك من الْأَمِير شيخو وَغَيره فأجيبوا إِلَيْهِ. وَطلب جمال الدّين وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وَنزل إِلَى الْمدرسَة الصالحية وعمره دون الثَّلَاثِينَ سنة. وَفِيه قدم الْحَاج وَفهم قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عمر البسطامي. فَترك قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن التركماني تدريس الْحَنَفِيَّة بِجَامِع أَحْمد بن طولون فشكره النَّاس على هَذَا. وَفِيه وَقدم أَيْضا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة فزوج قاضى الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة جمال الدّين عبد الله بن التركماني بابنته. وَفِيه وَقدم أَيْضا الْأَمِير فَارس الدّين وَقد نازعه عرب بني شُعْبَة فِي عمَارَة عين جوبان فَجمع لَهُم وَقَاتلهمْ وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وجرح كثيرا وَهَزَمَهُمْ وَقتل لَهُ مملوكان وَأصْلح الْأَمِير فَارس الدّين الْعين حَتَّى جرى مَاؤُهَا بقلة وَكَانَ الغلاء. بِمَكَّة شَدِيدا بلغت الويبة من الشّعير إِلَى سبعين درهما فَهَلَك كثير من الْجمال وَوَقع. بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَعَامة بِلَاد الْحجاز وبواديها وباء عَظِيم حَتَّى جافت الْبَوَادِي. وَفِيه خلع على تَاج الدّين مُحَمَّد بن علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى الأخنائي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن عَمه تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى الأخنائي بعد مَوته. وَفِيه تقدم الْوَزير منجك لعلاء الدّين عَليّ بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة بِطَلَب الخفراء أَصْحَاب الرباع وإلزامهم بِكِتَابَة أَمْلَاك الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما وَأَسْمَاء سكانها وملاكها فَكَتَبُوا ذَلِك. وَكَانَ يُوجد فِي الزقاق الْوَاحِد من كل حارة وَخط عدَّة دور
خَالِيَة لَا يعرف لَهَا ملاك فختم عَلَيْهَا. وتتبع الْوَالِي الفنادق والمخازن وَدَار الْوكَالَة والحواصل والشون وَفعل فِيهَا كَذَلِك وَفِيه قدم الْخَبَر بِنفَاق العشير وعرب الكرك وَذَلِكَ أَن عشير بِلَاد الشَّام فرقنان - قيس ويمن - لَا ينفقان قطّ وَفِي كل قَلِيل يثور بَعضهم على بعض وَيكثر قتلاهم فَيَأْتِي إِلَيْهِم من السُّلْطَان من يجبيهم الْأَمْوَال الْكَثِيرَة. فَلَمَّا وَقع الفناء فِي النَّاس ثَارُوا على عَادَتهم وطالت حروبهم لاشتغال الدولة عَنْهُم فَعظم فسادهم وقطعهم الطرقات على الْمُسَافِرين. فَجرد إِلَيْهِم النَّائِب - أَعنِي الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام - ابْن صبح مقدم الجبلية فِي عدَّة من الْأُمَرَاء فَلم يظفر بهم وَأقَام بالعسكر على اللجون وَأخذ العشير فِي الغارات على بِلَاد الْقُدس والخليل ونابلس فَكتب نَائِب غَزَّة. بمساعدة الْعَسْكَر. وَفِيه اشتدت الْفِتْنَة أَيْضا فِي بِلَاد الكرك بَين بني نمير وَبني ربيعَة فَإِن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون كَانَ لما أعياه أَمرهم وتحصنهم بجبالهم المنيعة أَخذ فِي الْحِيلَة عَلَيْهِم وَتقدم إِلَى شطي أَمِير بني عقبَة وَإِلَى نَائِب الشَّام ونائب غَزَّة ونائب الكرك بِأَن يدخلُوا إِلَى الْبَريَّة كَأَنَّهُمْ يصطادون ويوقعون بهم فقبضوا على كثير مِنْهُم وَقتلُوا فِي جبالهم خلقا كثيرا مِنْهُم وحبسوا باقيهم حَتَّى مَاتُوا. فسكن الشَّرّ بِتِلْكَ الْجِهَات إِلَى أَن كَانَت فتْنَة النَّاصِر أَحْمد بالكرك عَاد بَنو نمير وَبَنُو ربيعَة إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الْفساد وَقَوي أَمرهم. فَركب إِلَيْهِم الْأَمِير جركتمر نَائِب الكرك وطلع إِلَيْهِم فقاتلوه وَقتلُوا من أَصْحَابه عشرَة وكسروه أقبح كسرة فَكتب لنائب الشَّام الْأَمِير أرغون شاه بتجهيز عَسْكَر لقتالهم. وَفِي صفر: أنعم على عرب بن نَاصِر الدّين الشيخي بإمرة طبلخاناه وعَلى شاورشي دوادار قوصون بإمرة عشرَة. وَفِي أول ربيع الأول: قدم قَود الْأَمِير جَبَّار بن مهنا صُحْبَة وَلَده نعير. وَفِيه قدم الْبَرِيد من غَزَّة بركوب نائبها على العشير وكبسهم لَيْلًا وَأسر أَكْثَرهم وَقتل سِتِّينَ مِنْهُم وتوسيط الأسرى بغزة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشريه: شنقت جَارِيَة رُومِية الْجِنْس خَارج بَاب النَّصْر عِنْد مصلى الْأَمْوَات. وَسبب ذَلِك أَنَّهَا كَانَت جَارِيَة أم الْأَمِير يلبغا اليحياوي فاتفقت مَعَ عدَّة من الْجَوَارِي على قتل سيدتها وقتلوها لَيْلًا بِأَن وضعن على وَجههَا مخدة وَحبس نَفسهَا حَتَّى مَاتَت وأقمن من الْغَد عزاءها وزعمن أَنَّهَا ضربت بِدَم. فمشت حيلتهن
على النَّاس أَيَّامًا إِلَى أَن تنافسن على قسْمَة المَال الَّذِي سرقنه وتحدثن. بِمَا كَانَ وأعترفن على الْجَارِيَة الَّتِي تولت الْقَتْل فَأخذت وشنقت وهى بإزارها ونقابها. وَأخذ من الْجَوَارِي مَا مَعَهُنَّ من المَال وَكَانَ جملَة كَثِيرَة. وَلم يعْهَد. بِمصْر امْرَأَة شنقت سوى هَذِه. وَقد وَقع فِي أَيَّام الْمَنْصُور قلاوون أَن امْرَأَة كَانَت تستميل النِّسَاء وترغبهن حَتَّى تمْضِي بِهن إِلَى مَوضِع توهمن أَن بِهِ من يعاشرهن بِفَاحِشَة فَإِذا صَارَت الْمَرْأَة إِلَيْهَا قبضهَا رجال قد أعدتهم وقتلوها وَأخذُوا ثِيَابهَا. فاشتهر بِالْقَاهِرَةِ خَبَرهَا وَعرفت بالخناقة فَمَا زَالَ بهَا الْأَمِير علم الدّين سنجر الْخياط وَالِي الْقَاهِرَة حَتَّى قبص عَلَيْهَا وسمرها. وَوَقع أَيْضا فِي أَيَّام الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون أَن امْرَأَة بِأَرْض الطبالة كَانَت عِنْد طَائِفَة البزادرية تفعل ذَلِك بِالنسَاء فَقبض عَلَيْهَا وسمروا وسمرت مَعَهم فَكَانَت تَقول - وَهِي مسمرة يُطَاف بهَا على الْجمال فِي الْقَاهِرَة - إِذا رَأَتْ النِّسَاء وَهن يتفرجن عَلَيْهَا: أه يَا قحاب لَو عِشْت لَكِن لأفنيتكن وَلَكِن مَا عِشْت. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشريه: قدم الْخَبَر بقتل الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام وَكَانَ شَأْنه مِمَّا يستغرب. وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ نصف لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشريه لم يشْعر الْأَمِير أرغون شاه وَقد نزل بِالْقصرِ الأبلق من الميدان خَارج مَدِينَة دمشق وَمَعَهُ أَهله وَإِذا بِصَوْت قد وَقع فِي النَّاس بِدُخُول الْعَسْكَر فثاروا بأجمهم. ودارت النُّقَبَاء على الْأُمَرَاء بالركوب ليقفوا على مرسوم السُّلْطَان. فَرَكبُوا جَمِيعًا إِلَى سوق الْخَيل تَحت القلعة فوجدوا الْأَمِير ألجيبغا المظفري نَائِب طرابلس وَإِذا بالأمير أرغون شاه ماش وَعَلِيهِ بغلوطاق صدر وتخفيفة على رَأسه وَهُوَ مكتف بَين مماليك الْأَمِير فَخر الدّين أياس. وَذَلِكَ أَن ألجيبغا لما قدم من طرابلس سَار حَتَّى طرق دمشق على حِين غَفلَة وَركب مَعَه الْأَمِير فَخر الدّين أياس السِّلَاح دَار ثمَّ ركب أياس بِأَصْحَابِهِ وأحاط بِالْقصرِ الأبلق وطرق بَابه وَعلم الخدام بِأَنَّهُ قد حدث أَمر مُهِمّ فأيقظوا الْأَمِير أرغون شاه فَقَامَ من فرشه وَخرج إِلَيْهِم فقبضوا عَلَيْهِ وَقَالُوا حضر مرسوم السُّلْطَان بمسكه والعسكر وَاقِف. فَلم يحسر أحد يدْفع عَنهُ وَأَخذه أياس وأتى بِهِ ألجيبغا. فَسلم أُمَرَاء دمشق على ألجيبغا وسألوه عَن الْخَبَر فَذكر لَهُم أَن مرسوم السُّلْطَان ورد عَلَيْهِ بركوبه إِلَى دمشق بعسكر طرابلس وَقبض أرغون شاه وَقَتله والحوطة على موجوده
وَأخرج لَهُم كتاب السُّلْطَان بذلك فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وعادوا إِلَى مَنَازِلهمْ وَنزل ألجيبغا بالميدان. وَأصْبح يَوْم الْخَمِيس: فأوقع ألجيبغا الحوطة على مَوْجُود أرغون شاه وَأصْبح يَوْم الْجُمُعَة أرغون شاه مذبوحا. فَكتب ألجيبغا محضراً بِأَنَّهُ وجد مذبوحاً والسكين فِي يَده فَأنْكر الْأُمَرَاء ذَلِك عَلَيْهِ وَكَونه لما قبض أَمْوَال أرغون شاه لم يرفعها إِلَى القلعة على الْعَادة واتهموه فِيمَا فعل وركبوا لحربه يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشريه. فَقَاتلهُمْ ألجيبغا وجرح الْأَمِير مَسْعُود بن خطير وَقطعت يَد الْأَمِير ألجيبغا العادلي وَقد جَاوز تسعين سنة. وَولي ألجيبغا نَائِب طرابلس وَمَعَهُ خُيُول أرغون شاه وأمواله وَتوجه نَحْو المزة وصحبته الْأَمِير أياس الَّذِي كَانَ نَائِب حلب وَمضى إِلَى طرابلس. وَسبب ذَلِك أَن أياس لما عزل من نِيَابَة حلب بأرغون شاه وَأخذت أَمْوَاله وسجن ثمَّ أفرج عَنهُ وَاسْتقر من جملَة أُمَرَاء دمشق وأرغون شاه نائبها. وَكَانَ أرغون شاه يهينه ويخرق بِهِ. وَاتفقَ أَيْضا إِخْرَاج ألجيبغا المظفري من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق أَمِيرا بهَا فَترفع عَلَيْهِ أرغون شاه وأذله فاتفق مَعَ أياس على مكيدة. وَأخذ ألجيبغا فِي السَّعْي لِخُرُوجِهِ من دمشق عِنْد الْأُمَرَاء وَبعث إِلَى الْأَمِير بيبغا روس نَائِب السُّلْطَان وَإِلَى أَخِيه الْوَزير منجك هَدِيَّة سنية فولوه طرابلس كَمَا تقدم وَأقَام بهَا إِلَى أَن كتب يعرف السُّلْطَان والأمراء أَن أَكثر عَسْكَر طرابلس مُقيم بِدِمَشْق وَطلب أَن يكْتب لنائب الشَّام يردهم إِلَى طرابلس فَكتب لَهُ بدلك. فشق على أرغون شاه أَن ألجيبغا لم يكْتب إِلَيْهِ يسْأَله وَإِنَّمَا كتب إِلَى السُّلْطَان والأمراء دونه وَكتب إِلَى ألجيبغا بالإنكار عَلَيْهِ وَأَغْلظ لَهُ فِي القَوْل وَحمل الْبَرِيد إِلَيْهِ مشافهة شنيعة فَقَامَتْ قِيَامَة ألجيبغا عِنْد سماعهَا وَفعل مَا فعل. وَلما قدم خبر قتل الْأَمِير أرغون شاه ارتاع الْأُمَرَاء واتهم بَعضهم بَعْضًا. فخلف كل من شيخو والنائب بيبغا روس على الْبَرَاءَة من قَتله وَكَتَبُوا إِلَى ألجيبغا بِأَنَّهُ قتل أرغون بمرسوم من وإعلامهم. بمستنده فِي ذَلِك وَكتب إِلَى أُمَرَاء دمشق بالفحص عَن هَذِه الْوَاقِعَة. وَكَانَ ألجيبغا وأياس قد وصلا إِلَى طرابلس وخيما بظاهرها فَقدمت فِي غَد وصولهما كتب أُمَرَاء دمشق إِلَى أُمَرَاء طرابلس بالاحتراز على ألجيبغا حَتَّى يرد مرسوم السُّلْطَان فَإِنَّهُ فعل فعلته بِغَيْر مرسوم السُّلْطَان ومشت حليته علينا وَكَتَبُوا إِلَى نَائِب حماة ونائب حلب وَإِلَى العربان. بمسك الطرقات عَلَيْهِ. فَركب عَسْكَر طرابلس