الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)
فِي الْمحرم: عدى السُّلْطَان والأمير يَلْبغا النّيل إِلَى بر الجيزة وخيم قَرِيبا من الأهرام وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ: رَابِع عشر صفر قدم قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أَحْمد بن السُّبْكِيّ على الْبَرِيد من دمشق باستدعاء فَاجْتمع بالسلطان والأمير يلبغا ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي تَاسِع عشر شهر ربيع الأول: عَاد السُّلْطَان من السرحة بالجيزة وَمَعَهُ الْأَمِير يَلْبُغَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: خلع على تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء دمشق وخلع على أَخِيه بهاء الدّين وأعيد إِلَى إِفْتَاء دَار الْعدْل وَبَقِيَّة وظائفه. وخلع على الْأَمِير وَفِي جُمَادَى الأولى: فَشَتْ الطواعين والأمراض الحادة فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَعَامة الْوَجْه البحري وتزايد حَتَّى بلغ فِي شهر رَجَب عدَّة من يَمُوت فِي الْيَوْم ثَلَاثَة آلَاف. وَلم تزل الْأَمْرَاض بِالنَّاسِ إِلَى شهر رَمَضَان. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بِدِمَشْق وغزة وحلب وَعَامة بِلَاد الشَّام فَهَلَك فِيهِ خلائق كَثِيرَة جدا وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر شعْبَان: اقْتضى رأى الْأَمِير يَلبغَا خلع السُّلْطَان فوافقه الْأُمَرَاء على ذَلِك فخلعوه من الْغَد لاختلال عقله وسجنوه بِبَعْض الدّور السُّلْطَانِيَّة من القلعة فَكَانَت مُدَّة سلطنته سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام لم يكن لَهُ سوى الِاسْم فَقَط السُّلْطَان زين الدّين أَبُو الْمَعَالِي السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف زين الدّين أَبُو الْمَعَالِي شعْبَان بن الأمجد حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون ولي السلطنة وعمره عشر سِنِين وَلم يل أحد من بني قلاوون وَا بوه لم يل السلطنة
سواهُ. وَكَانَ من خَبره أَن الْأَمِير يلبغا جمع الْأُمَرَاء بقلعة الْجَبَل كَمَا تقدم حَتَّى اتَّفقُوا على خلع السُّلْطَان الْمَنْصُور. ثمَّ بَكرُوا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من شعْبَان إِلَى القلعة وأحضروا الْخَلِيفَة أَبَا عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وأعلموهم باختلال عقل الْمَنْصُور وَعدم أَهْلِيَّته للْقِيَام بِأُمُور المملكة وَأَن الِاتِّفَاق وَقع على خلعه فخلعوه وأحضروا شعْبَان بن حُسَيْن وأفاضوا عَلَيْهِ خلعة السلطنة ولقبوه بِالْملكِ الْأَشْرَف زين الدّين أبي الْمَعَالِي وأركبوه بشعار السلطة حَتَّى جلس على تخت الْملك وحلفوا لَهُ وقبلوا الأَرْض على الْعَادة. وَكتب إِلَى الْأَعْمَال بذلك فسارت الْبرد فِي أقطار المملكة وخلع على أَرْبَاب الْوَظَائِف. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشْرين رَمَضَان: عزل قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين الْحَنْبَلِيّ نَفسه من الْقَضَاء من أجل أَن الْأَمِير يَلبغَا استدعاه فوافاه القاصد وَهُوَ نايم فَلم يتمهل عَلَيْهِ حَتَّى ينتبه بل أَمر بِهِ فأيقظ وَقد انزعج فَغَضب لذَلِك وعزل نَفسه وأبى أَن يُجيب القاصد أَو يجْتَمع بِهِ فشق ذَلِك على الْأَمِير يَلبغَا. ومازال يُرْسل إِلَيْهِ ويترضاه حَتَّى رَضِي. ثمَّ استدعى فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه إِلَى مجْلِس السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء على عَادَته. وَاسْتقر الْأَمِير مَنْكَلى بُغَا الشمسي فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير قَشْتَمُر. وَاسْتقر الْأَمِير أَشَقتمر المارديني فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير سيف الدولة قطلوبغا الأحمدي بعد مَوته. وَاسْتقر الْأَمِير أَزْدَمر الخازندار فِي نِيَابَة طرابلس وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة صفد الْأَمِير قَشْتَمُر المنصوري نَائِب الشَّام ومصر. وَاسْتقر الْأَمِير عمر شاه فِي نِيَابَة حماة. وَاسْتقر الْأَمِير أَحْمد بن القَشَتمُري فِي نِيَابَة الكرك والأمير أَرَنبُغا فِي نِيَابَة غَزَّة. وَاسْتقر الْأَمِير أَرْغون الأحمدي الخازندار لالا السُّلْطَان وَاسْتقر عوضه خازندار الْأَمِير يَعْقُوب شاه. وَاسْتقر الشريف بَكتمُر بن عَليّ الحسني وَالِي قطا فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني بِحكم استعفائه. وَولي الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطشلاقي وَالِي دمياط ولَايَة قطيا. وَاسْتقر خَلِيل بن الزيني فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن عمر بن الكركَنْد وَهِي ولَايَته الثَّالِثَة. وَاسْتقر قَشْتَمُر أستادار طَقَزْدَمُرْ فِي ولَايَة
الجيزة ثمَّ عزل عَن قريب بمُوسَى بن الديناري. وَاسْتقر أَحْمد بن جميل وَالِي الأشمونين ومقبل السيفي وَالِي منوف عوضا عَن مُحَمَّد بن عقيل وَمُحَمّد بن السميساطي وَالِي دمياط. وَاسْتقر الحسام الْمَعْرُوف بِالدَّمِ الْأسود أستادار أيتمش فِي ولَايَة الفيوم عوضا عَن مُحَمَّد بن طغاى. وَاسْتقر فتح الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْكَرم مُحَمَّد بن الشَّهِيد فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن الْجمال عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير. وَفِي هده السّنة: توقفت زِيَادَة مَاء النّيل فِي أَيَّام زِيَادَته مُدَّة أَيَّام ثمَّ نُودي عَلَيْهِ فِي يَوْم السبت سَابِع ذِي الْقعدَة وسادس عشْرين مسرى زِيَادَة إِصْبَع لتتمة سَبْعَة عشر إصبعاً من سِتَّة عشر ذِرَاعا. ثمَّ نقص ثلث ذِرَاع وتوقفت الزِّيَادَة حَتَّى انْقَضتْ أَيَّام مسرى وَبعدهَا أَيَّام النسىء. ثمَّ زَاد فِي آخر أَيَّام النسىء إصبعاً وَاحِدًا وَاسْتمرّ حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر ذِي الْقعدَة. وَفتح الخليج فتمادت زِيَادَته حَتَّى انْتَهَت إِلَى أَرْبَعَة أَصَابِع من ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا ثمَّ انهبط فَتحَرك سعر الغلال. وفيهَا فرق الْأَمِير يلبغا كثيرا من الغلال وَالْأَمْوَال فِي الْفُقَهَاء والصوفية. وَولى من ذَلِك جانباً موفوراً للْقَاضِي محب الدّين نَاظر الْجَيْش فارتفق النَّاس بِهَذِهِ الصَّدقَات بِحَيْثُ اسْتغنى مِنْهَا جمَاعَة. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير بَكتمُر مَمْلُوك طاز - أحد الطبلخاناه - فِي نِيَابَة الرحبة. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان الشريف غياث الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن صدر الدّين حَمْزَة الْعِرَاقِيّ وَالِد الشريف مرتضى وَمَات شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحِيم البعلبكي مفتي دَار الْعدْل بِدِمَشْق فِي سَابِع عشْرين شهر رَمَضَان. برع فِي الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وشارك فِي عدَّة فنون وَأفْتى ودرس وَقدم الْقَاهِرَة.
وَتُوفِّي الشَّيْخ مجد الدّين أَبُو الفدا إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن مُحَمَّد الكفتي شيخ الْقرَاءَات فِي نصف شعْبَان. قَرَأَ على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نمير بن السراج وَعلي التقي الصايغ وَنجم الدّين عبد الله الوَاسِطِيّ وتصدر للإقراء بِجَامِع أَحْمد بن طولون وَعَلِيهِ قَرَأَ التقي وَمَات بَكتمر أَمِير علم وَمَات جَرْكَس النوروزي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد حسن بن مُسلم المسلمي الْمُقِيم بِجَامِع الفيلة وَكَانَ يُجَاهد الفرنج من جِهَة طرابلس الْمغرب وَيُقِيم حَاله وَحَال من مَعَه من الْفُقَرَاء الْمُسلمين مِمَّا يكون من الغنايم. وَكَانَ عِنْده أَسد قد رباه وساسه حَتَّى صَار بَين فقرائه بِمَنْزِلَة الهر فِي الْبيُوت. فَلَمَّا مَاتَ أَخذ السباعون الْأسد فتوحش عِنْدهم وَعَاد إِلَى مَا جبل عَلَيْهِ. وَتُوفِّي أَبُو حَاتِم بن بهاء الدّين أَحْمد بن السُّبْكِيّ وَتُوفِّي الشَّيْخ صَلَاح الدّين أَبُو الصَّفَا خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي فِي لَيْلَة الْأَحَد عَاشر شَوَّال بِدِمَشْق. برع فِي عدَّة فنون من أدب وتاريخ وَغَيره وَأكْثر من قَول الشّعْر وإنشاء الْكتب والرسائل وَنَحْوهَا. وَألف كتبا كَثِيرَة مفيدة مِنْهَا كتاب الوافي بالوفيات فِي التَّارِيخ كَبِير جدا وَكتاب أعوان النَّصْر فِي أَعْيَان الْعَصْر جدد فِيهِ مَا شَاءَ وَكتاب شرح لامية الْعَجم طول فِيهِ كثيرا وملأه بفوائد جليلة وَغير ذَلِك وَكتب الْإِنْشَاء بِالْقَاهِرَةِ ودمشق وباشر كِتَابَة سر حلب قَلِيلا.
وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الرَّحِيم بن أبي سَالم بن مراجل الدِّمَشْقِي وَمَات شمس الدّين عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن أبي السفاح بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات شمس الدّين عبد الرَّحْمَن بن الضياء الْمَنَاوِيّ فِي تَاسِع عشْرين جُمَادَى الآخر وَهُوَ شَاب وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن الشّرف عِيسَى بن عمر الباريني الْحلَبِي الْفَقِيه الشَّافِعِي بحلب وَمَات الشَّيْخ عماد الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عمر الْإِسْنَوِيّ الشَّافِعِي فِي ثامن عشْرين جُمَادَى الآخر بِالْقَاهِرَةِ برع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول ودرس وناب فِي الحكم وصْنف وَمَات نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن الربوة القونوى ثمَّ الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْفَقِيه الْخَطِيب الْمُفْتِي. شرح كتاب السِّرَاجِيَّة فِي الْفَرَائِض والمنار فِي الْأُصُول ودرس وخطب بِجَامِع يَلْبُغَا. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا الأحمدى نَائِب حلب بهَا. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْفُرَات الشَّافِعِي النَّحْوِيّ موقع الحكم فِي يَوْم السبت تَاسِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ. برع فِي الْعَرَبيَّة وَانْفَرَدَ بِمَعْرِِفَة التواقيع الْحكمِيَّة. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين عبد الله بن شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله الْعمريّ أحد أُمَرَاء دمشق
وَتُوفِّي مُحدث الشَّام أَمِين الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الجوخي فِي لَيْلَة السبت حادي عشر رَمَضَان. حدث عَن الْفَخر عَليّ وَزَيْنَب بنت كَامِل وَسمع النَّاس عَلَيْهِ مُسْند الإِمَام أَحْمد. وَتُوفِّي خطيب دمشق جمال الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جملَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ الْعشْرين من رَمَضَان. وَمَات يزدار أَمِير شكار وجوهر المظفري اللالا وَجَمَاعَة كثير جدا. وَتُوفِّي حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون لَيْلَة السبت رَابِع ربيع الآخر.
سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: أنعم على الْأَمِير طَيْدَمر البالسي بتقدمة الْأَمِير قَندس الناصري. وَقد كف بَصَره. وأنعم على الْأَمِير عَليّ بن قندس الناصري بإمرة طبلخاناه. وَاسْتقر الْأَمِير أَرْغُون التاجى أَمِير جندار حَاجِب طرابلس وَاسْتقر الْأَمِير ألطنبُغَا فرفور جاشنكيرا. عوضا عَن مَنْكُوتَمُر عبد الْغَنِيّ وَقد استعفي. وَاسْتقر الْأَمِير آسن قُجَا على بك الجوكندار فِي نِيَابَة ملطية فِي ثَالِث صفر وَاسْتقر الْأَمِير عمر بن أرغون النايب فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن قَشْتَمر الْمَنْصُور. واستدعى قَشْتَمُر إِلَى الْقَاهِرَة. وأنعم عَلَيْهِ بتقدمهْ عمر ابْن أرغون النايب. وَاسْتقر الْأَمِير طَيْنال المارديني وَالِي القلعة عوضا عَن أَلْطنْبُغا الشمسي آنوك وَقد استعفي. وأنعم السُّلْطَان على جمَاعَة بإمريات طبلخاناه مِنْهُم تَمُرقُبا الْعمريّ وَمُحَمّد بن قمارى أَمِير شكار وأَلْطنبُغَا الأحمدي وأقبغا الصَّفَدِي. وأنعم على كل من إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير صرغتمش وقَشتمُر العلاي طاجار من عوض وأروس بغا الخليلي وَرَجَب بن كَلَفتَ التركماني بإمرة عشرَة. وَاسْتقر الْأَمِير قمارى الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة طرسوس. وَاسْتقر الْأَمِير قَشْتَمُر القاسمي فِي نِيَابَة سلمية عوضا عَن الْأَمِير طنيرق. واستمّر عمر بن الكَركَند فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن خَلِيل بن الزيني. وَاسْتقر فَخر الدّين عُثْمَان الشرفي فِي ولَايَة الأشمونين. وفيهَا ارْتَفع سعر الغلال فَبلغ الْقَمْح أَرْبَعِينَ درهما الأردب وَوَقع الْمَوْت فِي الأبقار بِأَرْض مصر وإفريقية. وَفِي الْمحرم: قدم بهاء الدّين أَبُو الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر بن يحيى السبكى إِلَى الْقَاهِرَة من دمشق معزولاً عَن قضاياها.
وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشْرين صفر: خلع على عَلَاء الدّين على بن سديد الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن الْفَخر عثمادْ بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن بن عبد الْعَظِيم بن عبد الْكَرِيم بن عبد الله بن سُلَيْمَان بن عبد الْوَهَّاب بن سُلَيْمَان بن خَالِد بن الْوَلِيد الْمَعْرُوف بِابْن عرب وَاسْتقر محتسب الْقَاهِرَة عوضا عَن الصّلاح عبد الله بن عبد الله الْبُرُلُّسِيّ بعد وَفَاته وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر ربيع الآخر: خلع على بهاء الدّين أبي الْبَقَاء وَاسْتقر قاضى الْعَسْكَر ووكيل الْخَاص عوضا عَن التَّاج مُحَمَّد بن عبد الْحق المناوى بعد وَفَاته. وخلع على السراج عمر الْهِنْدِيّ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر قَاضِي الْعَسْكَر أَيْضا. وخلع على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الصايغ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل وَهُوَ أول حَنَفِيّ ولي إِفْتَاء دَار الْعدْل. وخلع على الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن رسْلَان البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وَاسْتقر فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل أَيْضا. وَأمر هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة مَعَ الشَّيْخ بهاء الدّين بن السُّبْكِيّ بِحُضُور دَار الْعدْل فِي أَيَّام الْخدمَة. وَفِي شَوَّال: خلع على أبي الْبَقَاء وَاسْتقر فِي نظر الْأَوْقَاف ونيابة الحكم مُضَافا لما بِيَدِهِ وقدمت رسل متملك سيس فِي طلب تَخْفيف الضريبة المقررة عَلَيْهِم فَهَلَك ملكهم وهم بِمصْر فعادوا بِغَيْر طائل. وَكثر الْجَرَاد بِالشَّام حَتَّى شنع وأتلف الزروع فغلت الأسعار حَتَّى بلغت الغرارة الْقَمْح بِدِمَشْق ماية وَثَمَانِينَ درهما ثمَّ انحطت إِلَى مائَة وَعشرَة دَرَاهِم وفشت الطواعين والأمراض الحادة فِي النَّاس بِدِمَشْق. وَفتح الْأَمِير منكلى بغا الشمسي نَائِب الشَّام بَاب كيسَان من مَدِينَة دمشق بعد مَا أَقَامَ مغلوقا زِيَادَة على مِائَتي عَام مُنْذُ أَيَّام الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَعقد عَلَيْهِ قبوا كَبِيرا وَنصب لَهُ جِسْرًا يمر النَّاس عَلَيْهِ وَأَنْشَأَ هُنَاكَ جَامعا.
وفيهَا برز مرسوم السُّلْطَان. بِمَنْع الوكلاء الَّذين. بمجالس الْقُضَاة. بِمصْر وَالشَّام لِكَثْرَة خداعهم ومكرهم وتحذلقهم فى تنوع الشرور. وفى ثامن عشْرين ذِي الْحجَّة: السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف زين الدّين أَبُو الْمَعَالِي شعْبَان بن الأمجد حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلا اسْتَقر الْأَمِير قَطْلُبَك والأمير منوف. وَمَات فى هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد بن الْجمال مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الّله بن أَحْمد بن يحيى بن أَبى جَرَادَة العقيلى الحلبى الْمَعْرُوف بِابْن العديم الحنفْى نَائِب شيزر عَن بضع وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي قاضى حماة نجم الدّين عبد الرَّحِيم بن شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن عبد الرَّحِيم بن اٍ براهيم بن المسَلْم بن هبة الله بن حسان بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أَحْمد بن البارزى الْجُهَنِىّ الحموى الشافعى بعد مَا أَقَامَ قَاضِيا شَيْئا وَعشْرين سنة. وَمَات الْأَمِير قُطْلُوئغا الأحمدى. تقدم ذكره فى السّنة الَّتِى قبلهَا وَهُوَ نْائب حلب. وَمَات القاضى تَاج الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بهاء الدّين إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ا! سَلَمى الممناوى الشافْعى خْليفهْ الحكم وقاضي الْعَسْكَر ووكيل الْخَاص فِي يَوْم الجمعهْ سادس ربيع الآخر وَدفن بالقرافة. وَتوفى صَلَاح الدّين عبد الله بن عبد الله بن اٍ براهيم البرلسى المالكى محتسب الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشْرين صفر وَدفن بالقرافة وبيعت كتبه. بِمِائَة ألف دِرْهَم ونيف. وفى حسبته أَمر الموًذنين أَن يَقُولُوا مَعَ قَوْلهم فى ليَالِي الْجُمُعَة بعد أَذَان عشَاء الْآخِرَة وَفِي السَّلَام قبل الْفجْر السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله الصلاهْ وَالسَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله. فاستمر ذَلِك. وَتوفى فتح الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبى الْحسن القلانسى الحنبلى. عَاقد الْأَنْكِحَة. فى لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الأولى عَن سنّ عالية وَقد حدث بعلو إِسْنَاد عَن جماعهَ.
وَتُوفِّي أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن إِسْحَاق بن أَحْمد بن أَسد بن قَاسم الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاج النميري الغرناطي قدم إِلَى الْقَاهِرَة حَاجا وَكتب الْإِنْشَاء بغرناطة وبجاية وَقَالَ الشّعْر. وَتُوفِّي قَاضِي مَكَّة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن قَاسم الْعمريّ الْحرَازِي الشَّافِعِي معزولاً وَمَات الْأَمِير أقبغا بوذ السيفي أحد رُءُوس النوب. وَمَات الْأَمِير أرغون التاجي أحد الطبلخاناه. وَتوفيت خوند طولباى التركية عتيقة السُّلْطَان حسن وَامْرَأَة الْأَمِير يلبغا الأتابك فِي رَابِع وَتُوفِّي الْملك الصَّالح صَالح بن الْمَنْصُور نجم الدّين غَازِي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غَازِي بن أرتق بن أرسلان بن إيلغازى بن ألبى بن تمرداش بن إيلغازى بن أرتق. متملك ماردين فَلَمَّا قدم الْخَبَر بوفاته جهزت الخلعة بالسلطنة لوَلَده الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين أَحْمد. وَكَانَ قد ملك أَرْبعا وَخمسين سنة. وَمَات بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة الْحَافِظ عفيف الدّين أَبُو السِّيَادَة عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن خلف المطري فِي سادس عشْرين ربيع الأول. وَالله تَعَالَى أعلم.
سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي المحرمك استعفى الشَّيْخ جمال الدّين عبد الرَّحِيم الْإِسْنَوِيّ من وكَالَة بَيت المَال. حنقا من الْوَزير فَخر الدّين بن قزوينة فأعفي وخلع على عَلَاء الدّين عَليّ بن عرب. وَاسْتقر عوضه فِي الْوكَالَة وَالْكِسْوَة مُضَافا إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي رقيبة وَاسْتقر فِي حسبَة مَدِينَة مصر وَالْوَجْه القبلي عوضا عَن بهاء الدّين بن الْمُفَسّر بعد عَزله. وَفِي رَجَب اسْتَقر الْأَمِير جرجى الإدريسي أَمِير آخور فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن أشقتمر المارديني. وَفِي عشْرين صفر: اسْتَقر جمال الدّين مُحَمَّد بن السراج أَحْمد بن مَسْعُود القونوي - الْمَعْرُوف بِابْن السراج الْحَنَفِيّ - فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْجمال يُوسُف الكفري. وفيهَا أسلم الشَّمْس أَبُو الْفرج المقسي وَتسَمى عبد الله ولقب شمس الدّين وَاسْتقر مُسْتَوْفِي المماليك ثمَّ نقل إِلَى اسْتِيفَاء الْخَاص. وَاسْتقر الْأَمِير يَعْقُوب شاه أَمِير آخور عوضا عَن الْأَمِير جرجى نَائِب حلب بإمرة طبلخاناه وأنعم على كل من قَطلَوبُغا البلاني وكمُشْبغا الْحَمَوِيّ وجنغرا السيفي وأقبغا الْجَوْهَرِي بإمرة طبلخاناه وعَلى كل من سلجوك الرُّومِي وأروس السيفي وسُنْقر السيفي بإمرة عشرَة وَاسْتقر حسام الدّين حسن بن عَلَاء الدّين عَليّ بن مَمْدُود الكوراني فِي ولَايَة المنوفية عوضا عَن قَطْلُبَك السيفي وَاسْتقر حسن بن الحرامي فِي ولَايَة قوص عوضا عَن بَكتمُر العلمي.
وَفِي أول شهر بيع الأول: قدم التَّاج عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ قَاضِي دمشق إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ عَاد فِي عَاشر جُمَادَى الآخر إِلَى مَحل ولَايَته بِدِمَشْق. وَقدم الْخَبَر بغلاء الأسعار بِمَكَّة حَتَّى بِيعَتْ الغرارة الْقَمْح - وَهِي مائَة قدح مصري - بأربعمائة دِرْهَم وَثَمَانِينَ درهما وَعز وجود الأقوات بهَا فَهَلَك جمَاعَة كَثِيرَة جوعا وَنزع أَكثر أَهلهَا عَنْهَا فَجهز الْأَمِير يلبغا الأتابك فِي جُمَادَى الأولى إِلَى مَكَّة ألفي أردب قمحاً وواصل الْإِرْسَال حَتَّى حمل من مصر إِلَيْهَا اثْنَي عشر ألف أردب. فرقت كلهَا فِي النَّاس فَعم النَّفْع بهَا. وَكتب مرسوم بِإِسْقَاط مَا يُؤْخَذ من مكس الْحَاج بِمَكَّة فِيمَا يحمل إِلَيْهَا من البضائع خلا مكس الكارم تجار الْيمن ومكس الْخَيل ومكس تجار الْعرَاق وَعوض أَمِير مَكَّة عَن ذَلِك إقطاعاً. بِمصْر وَحمل إِلَيْهِ مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم فضَّة عَنْهَا يَوْمئِذٍ نَحْو الألفي مِثْقَال ذَهَبا. واستقو آل ملك السيفي فِي ولَايَة الشرقية. وفخر الدّين عُثْمَان الشوفي ولَايَة البهنسا عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن جميل. وَاسْتقر ابْن جميل فِي ولَايَة الأشمونين. وَاسْتقر شمس الدّين بن الديناري فِي ولَايَة الفيوم عوضا عَن عَلَاء الدّين الْعمريّ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة: عدى قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة النّيل إِلَى بر الجيزة وَقد خيم بهَا السُّلْطَان على الْعَادة بكوم برا وَسَأَلَ الْأَمِير يلبغا فِي إعفائه من الْقَضَاء وَتشفع إِلَيْهِ بمصحف مَعَه وعزل نَفسه. وَقَامَ وَقد أقرّ الْأَمِير يلبغا نواب الحكم على حَالهم. فَلَمَّا عدى السُّلْطَان النّيل وَصعد القلعة فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره وَجه الْأَمِير يلبغا بالأمير جرجي أَمِير آخور إِلَى ابْن جمَاعَة يدْخل عَلَيْهِ فِي عوده إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء فَامْتنعَ غَايَة الِامْتِنَاع. فَبعث إِلَيْهِ بكاتب السِّرّ عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله فَلم يجبهُ أَيْضا. فَركب الْأَمِير يلبغا بِنَفسِهِ فِي يَوْم السبت حادي عشرينه وَأَتَاهُ إِلَى منزله بالجامع الْأَقْمَر وألح فِي سُؤَاله وَهُوَ يمْتَنع. فَلَمَّا أيس مِنْهُ سَأَلَهُ أَن يعين من يصلح فَأَشَارَ بِولَايَة أبي الْبَقَاء ثمَّ صلى وَرَاءه الْمغرب وَانْصَرف. فاستدعى فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه بِأبي الْبَقَاء وفوض إِلَيْهِ السُّلْطَان قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن ابْن جمَاعَة وخلع عَلَيْهِ وأضاف إِلَيْهِ نظر وقف الْأَشْرَاف وخلع مَعَه على بهاء الدّين أَحْمد بن السُّبْكِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن أَبى الْبَقَاء. وخلع
على تَاج الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين وَاسْتقر فِي وكَالَة الْخَاص زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ من نظر المارستان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: خلع على عز الدّين بن جمَاعَة وَاسْتقر فِي نظر جَامع أَحْمد بن طولون وتدريس الْفِقْه وتدريس الحَدِيث بِهِ ورتب لَهُ على بَيت المَال فِي كل شهر ألف دِرْهَم. وَفِي أول شهر رَجَب: عزل فَخر الدّين أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الكُويك عَن نظر الأحباس وَاسْتقر عوضه نَاصِر الدّين مُحَمَّد الْقرشِي موقع الدست. وَفِي سابعه: اسْتَقر الْأَمِير قُطلو أقتمر العلاى أَمِير جاندار فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن الْأَمِير عمر بن أرغون النَّائِب وأنعم على عمر بإمرة قُطلو أقتمر. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر الْأَمِير أينال اليوسفي أَمِير جاندار. وَاسْتقر ألطُنبغا البُشْتكي فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن أربغا الكاملي. وَاسْتقر الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بَكتمُر الْحَاجِب فِي نظر المشهد النفيسي عوضا عَن الْخَلِيفَة. وأنعم على الْأَمِير شعْبَان بن الْأَمِير يلبغا الأتابك بتقدمة ألف. وَفِي شهر رَمَضَان: اسْتَقر الْأَمِير أزدمر نَائِب طرابلس فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن قطلو أقتمر. وَاسْتقر الْأَمِير قشْتَمُر المنصوري فِي نِيَابَة طرابلس. وَفِي سادس عشْرين شَوَّال: اسْتَقر الْأَمِير عبد الله بن بَكتمر الْحَاجِب أَمِير شكار عوضا عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ألجيبغا. وَاسْتقر أَسَنْدمُر حرفوش حاجباً عوضا عَن عبد الله بن بَكتمر. وَفِي آخر ذِي الْقعدَة: اسْتَقر الْأَمِير مَنْجَك اليوسفي فِي نِيَابَة طرسوس عوضا عَن قمارى الْحَمَوِيّ بعد وَفَاته. وفيهَا توجه نَائِب حلب بالعسكر إِلَى نجدة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن باك بن أرتنا وَتوجه عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة إِلَى مَكَّة صُحْبَة الركب وجاور بهَا.
وَقدم السُّلْطَان حلى عبد الْحَكِيم من الْمغرب فَارًّا فأنعم السُّلْطَان عَلَيْهِ وأجرى لَهُ الرَّوَاتِب السّنيَّة فَتزَوج بإتفاق الصالحية امْرَأَة الصاحب موفق الدّين هبة الله بن إِبْرَاهِيم وَتوجه حَاجا صُحْبَة الركب فِي تجمل زايد. وَتوجه أَيْضا إِلَى الْحَج الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام مُتَوَلِّي الْإسْكَنْدَريَّة واستناب عَنهُ فِي الثغر الْأَمِير جنغرا وَكَانَ أَمِير الْحَاج مُحَمَّد بن قُندس وفيهَا لخمس وَعشْرين من ذِي الْقعدَة قدم الْبَرِيد من نَاحيَة الْمشرق إِلَى دمشق بقماقم فِيهَا مَاء من عين هُنَاكَ من خاصيته أَن يتبعهُ طير يُسمى السمرمر فِي قدر الزرزور ولونه وَفِيه ريش أصفر يَأْكُل الْجَرَاد. فعلق بطارمة القلعة وبمأذنة الْعَرُوس وقبة النَّصْر من الْجَامِع الْأمَوِي وَكَانَ الْجَرَاد قد كثر بأعمال دمشق وأضر بمزارعها فَبعث الْأَمِير منكلى بغا الشمسي نَائِب الشَّام لإحضار هَذَا المَاء. فَلَمَّا جِيءَ بِهِ وعلق كثر السمرمر بِدِمَشْق وأفنى مَا كَانَ الْجَرَاد هُنَاكَ حَتَّى لم يبْق مِنْهُ شَيْئا وأقامت قماقم المَاء معلقَة بِتِلْكَ الْأَمَاكِن إِلَى أَن جف مَا فِيهَا وَالطير مَوْجُود. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر الشريف شمس الدّين حسن بن مُحَمَّد بن حسن بن عَليّ بن حسن بن زهرَة بن حسن بن زهرَة الحسني نقيب الْأَشْرَاف بحلب. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي الفوَّى الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى وَقد تصدر للتدريس. وَتُوفِّي قطب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بالقطب التحتاني بِدِمَشْق وَقد أناف على السِّتين. وبرع فِي الْمنطق والنحو وصنف شرح الشمسية والمطالع وحواشي على الْكَشَّاف وَغير ذَلِك.
وَتُوفِّي زين الدّين مُحَمَّد بن سراج الدّين عمر بن مَحْمُود الْمَعْرُوف بِابْن السراج الْحَنَفِيّ أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم السبت الْعشْرين من ذِي الْقعدَة عَن بضع وَسبعين سنة. وَكَانَ يحفظ الْهِدَايَة فِي الْفِقْه ودرس وَأعَاد. وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد بن قطب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْمَعْرُوف بِابْن الشامية موقع الحكم فِي يَوْم السبت ثَانِي شهر رَمَضَان. وَتُوفِّي شرف الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الْمزي الدِّمَشْقِي الحريري بِمصْر فِي شعْبَان حدث عَن سُلَيْمَان بن حسن وَالقَاسِم بن عَسَاكِر وأبى نصر الشِّيرَازِيّ. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق جمال الدّين يُوسُف بن شرف الدّين أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري الْحَنَفِيّ. كَانَ بارعاً فِي الْفِقْه والعربية عَارِفًا بِالْأَحْكَامِ. وَمَات الْأَمِير قمارى الْحَمَوِيّ الْحَاجِب. وَهُوَ على نِيَابَة طرسوس بهَا. وَمَات الْأَمِير آسن قجا بن عبد الله من على بك أحد أُمَرَاء الطبلخاناه بعد مَا ولى نِيَابَة البيرة ثمَّ نِيَابَة طرسوس وَبهَا مَاتَ. وَتُوفِّي أَبُو مُحَمَّد عبد السَّلَام بن سعيد بن عبد العال القيرواني الْمَالِكِي بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة. وَكَانَ قد برع فِي الْفِقْه ودرس زَمَانا. وَتُوفِّي الْمسند شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب بن إلْيَاس الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْبَيَانِي الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي الشَّاهِد عرف بِابْن إِمَام الصَّخْرَة فِي تَاسِع عشْرين ذِي الْقعدَة بِالْقَاهِرَةِ. ومولده سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة. حضر على زَيْنَب بنت مكي فِي الثَّانِيَة وعَلى الْفَخر بن البُخَارِيّ. وَابْن القواس وَغَيرهم فِي الثَّالِثَة. وَسمع من ابْن عَسَاكِر وَطَائِفَة وَحدث وَخرج لَهُ ابْن رَافع مشيخة حدث بهَا.
فارغه
سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: ولى قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن البسطامي الْحَنَفِيّ خطابة جَامع شَيْخُو خَارج الْقَاهِرَة بعد وَفَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن الشّرف. وَفِيه سرح السُّلْطَان على الْعَادة إِلَى سرياقوس. وَتوجه الْأَمِير يلبغا الأتابك إِلَى بر الصَّيْد بالعباسة فورد الْبر فِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه. بمنازلة الفرنج الْإسْكَنْدَريَّة وَأَنَّهُمْ قدمُوا يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه. فسرح الطَّائِر بذلك إِلَى الْأَمِير يلبغا فَتوهم أَن تكون هَذِه مكيدة يكَاد بهَا فبادر وَدخل إِلَى دَاره خَارج الْقَاهِرَة وَتَبعهُ السُّلْطَان فَصَعدَ القلعة فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرينه. فَلَمَّا تحقق الْأَمِير يلبغا الْخَبَر عدى النّيل من سَاعَته إِلَى الْبر الغربي وتلاحق بِهِ أَصْحَابه وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ: من تَأَخّر من الأجناد غَدا حل دَمه وَمَاله فَخرج النَّاس أَفْوَاجًا وَسَار السُّلْطَان بعساكره إِلَى الطرانة وَقدم عسكراً عَلَيْهِ الْأَمِير قطلوبغا المنصوري والأمير كوكنداي والأمير خَلِيل بن قوصون ليدركوا أهل الثغر فَقدر الله تَعَالَى فِي ذَلِك أَن أهل الثغر كَانَ قد بَلغهُمْ مُنْذُ أشهر إهتمام الفرنج بغزوهم فَكتب بذلك الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام - متوفي الثغر - إِلَى السُّلْطَان والأمير يلبغا فَلم يكن من الدولة اهتمام بأمرهم. فَلَمَّا توجه ابْن عرام إِلَى الْحَج واستناب عَنهُ فِي الثغر الْأَمِير جنغرا - أحد أُمَرَاء العشرات - وَجَاء أَوَان قدوم مراكب البنادقة من الفرنج لَاحَ للناظور عدَّة قلاع فِي الْبَحْر. ثمَّ قدم فِي عسكره يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه إِلَى الميناء ثَمَانِيَة أغربة وتلاها من الأغربة والقراقر مَا بلغت عدتهَا مَا بَين سبعين إِلَى ثَمَانِينَ قِطْعَة. فأغلق الْمُسلمُونَ أَبْوَاب الْمَدِينَة وركبوا الأسوار بِآلَة الْحَرْب وَخرجت طَائِفَة إِلَى ظَاهر الْبَلَد وَبَاتُوا يتحارسون. وَخَرجُوا بكرَة يَوْم الْخَمِيس يُرِيدُونَ لِقَاء الْعَدو فَلم يَتَحَرَّك الفرنج لَهُم طول يومهم وَلَيْلَة الْجُمُعَة. فَقدم بكرَة يَوْم الْجُمُعَة طوايف من عربان الْبحيرَة وَغَيرهم ومضوا جِهَة الْمنَار وَقد نزل من الفرنج جمَاعَة فِي اللَّيْل بخيولهم وكمنوا فِي الترب الَّتِي بِظَاهِر الْمَدِينَة. فَلَمَّا
تكاثر جمع الْمُسلمين من العربان وَأهل الثغر عِنْد الْمنَار برز لَهُم غراب إِلَى بَحر السلسلة حَتَّى قَارب السُّور فقاتله الْمُسلمُونَ قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ عدَّة من الفرنج وَاسْتشْهدَ جمَاعَة من الْمُسلمين. وَخرج إِلَيْهِم أهل الْمَدِينَة وصاروا فرْقَتَيْن فرقة مَضَت مَعَ العربان نَحْو الْمنَار وَفرْقَة وقفت تقَاتل الفرنج بالغراب. وَخرجت الباعة وَالصبيان وصاروا فِي لَهو وَلَيْسَ لَهُم اكتراث بالعدو. فَضرب الفرنج عِنْد ذَلِك نفيرهم. فَخرج الكمين وحملوا على الْمُسلمين حَملَة مُنكرَة. وَرمى الفرنج من المراكب بِالسِّهَامِ فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وَركب الفرنج أقفيتهم بِالسَّيْفِ. وَنزل بَقِيَّتهمْ إِلَى الْبر فملكوه بِغَيْر مَانع وَقدمُوا مراكبهم إِلَى الأسوار فاستشهد خلق كثير من الْمُسلمين وَهلك مِنْهُم فِي الازدحام عِنْد عبور بَاب الْمَدِينَة جمَاعَة وخلت الأسوار من الحماة فنصب الفرنج سلالم وَوَضَعُوا السُّور وَأخذُوا نَحْو الصِّنَاعَة فحرقوا مَا بهَا وألقوا النَّار فِيهَا ومضوا إِلَى بَاب السِّدْرَة وعلقوا الصَّلِيب عَلَيْهِ فانحشر النَّاس إِلَى بَاب رشيد وأحرقوه ومروا مِنْهُ على وجوهم وَتركُوا الْمَدِينَة مَفْتُوحَة بِمَا فِيهَا للفرنج وَأخذ الْأَمِير جنغرا مَا كَانَ فِي بَيت المَال وقاد مَعَه خمسين تَاجِرًا من تجار الفرنج كَانُوا مسجونين عِنْده وَمضى هُوَ وَعَامة النَّاس إِلَى جِهَة دمنهور فَدخل وَقت الضُّحَى من يَوْم الْجُمُعَة ملك قبرص - واسْمه ربير بطرس بن ريوك - وشق الْمَدِينَة وَهُوَ رَاكب فاستلم الفرنج النَّاس بِالسَّيْفِ ونهبوا مَا وجدوه من صَامت وناطق وأسروا وَسبوا خلائق كَثِيرَة وأحرقوا عدَّة أَمَاكِن وَهلك فِي الزحام بِبَاب رشيد مَا لَا يَقع عَلَيْهِ حصر فأعلن الفرنج بدينهم وانضم إِلَيْهِم من كَانَ بالثغر من النَّصَارَى ودلوهم على دور الْأَغْنِيَاء فَأخذُوا مَا فِيهَا واستمروا كَذَلِك يقتلُون وَيَأْسِرُونَ ويسبون وينهبون ويحرقون من ضحوة نَهَار الْجُمُعَة إِلَى بكر نَهَار الْأَحَد فَرفعُوا السَّيْف وَخَرجُوا بالأسرى والغنايم إِلَى مراكبهم وَأَقَامُوا بهَا إِلَى يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه ثمَّ أقلعوا وَمَعَهُمْ خَمْسَة آلَاف أَسِير فَكَانَت إقامتهم ثَمَانِيَة أَيَّام. وَكَانُوا عدَّة طوائف فَكَانَ فيهم من البنادقة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ غراباً وَمن الجنوية غرابين وَمن أهل رودس عشرَة أغربة والفرنسيس فِي خَمْسَة أغربة وَبَقِيَّة الأغربة من أهل قبرص. وَكَانَ مَسِيرهمْ عِنْد قدوم الْأَمِير يلبغا بِمن مَعَه فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ الْأَمِير قطلوبغا المنصوري لم يجد مَعَه سوى عشْرين فَارِسًا وَعَلِيهِ إِقَامَة مائَة فَارس فَغَضب عَلَيْهِ وَوجد الْأَمر قد فَاتَ فَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان فَعَاد إِلَى القلعة وَبعث بِابْن عرام نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة على عَادَته بِأَمْر الْأَمِير يلبغا. بموارة من اسْتشْهد من الْمُسلمين ورم مَا احْتَرَقَ وَغَضب على جنغرا وهدده وَعَاد فَأخذ فِي التأهب لغزو الفرنج. وتتبعت النَّصَارَى فَقبض على جَمِيع من بديار مصر وبلاد الشَّام
وَغَيرهمَا من الفرنج وأحضر البطريق وَالنَّصَارَى وألزموا بِحمْل أَمْوَالهم لفكاك أسرى الْمُسلمين من أَيدي الفرنج وَكتب بذلك إِلَى الْبِلَاد الشامية وتتبعت ديارات النَّصَارَى الَّتِي بأعمال مصر كلهَا وألزم سكانها بِإِظْهَار أَمْوَالهم وأوانيهم وعوقبوا على ذَلِك. فَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة من أشنع مَا مر بالإسكندرية من الْحَوَادِث وَمِنْهَا اختلت أحوالها واتضع أَهلهَا وَقلت أَمْوَالهم وزالت نعمهم. وَكَأن النَّاس فِي الْقَاهِرَة مُنْذُ أَعْوَام كَثِيرَة تجرى على ألسنتهم جَمِيعًا: فِي يَوْم الْجُمُعَة تُؤْخَذ الْإسْكَنْدَريَّة فَكَانَ كَذَلِك. وَمر بِمن خرج من الْإسْكَنْدَريَّة فِي وَقت الْهَزِيمَة من العربان بلَاء لَا يُوصف. وَلما اسْتَقر الْأَمِير يلبغا بعد عوده من الْإسْكَنْدَريَّة أَشَارَ بِالْقَبْضِ على الْأَمِير قطلوبغا المنصوري فَقبض عَلَيْهِ وَنفي إِلَى الشَّام. وأنعم على الْأَمِير أرغون الأزقي بتقدمته. وَاسْتقر الْأَمِير يَعْقُوب شاه اليحياوي حاجباً عوضا عَن قطلوبغا المنصوري. وَاسْتقر الْأَمِير طشتمر الحسني أَمِير آخور عوضا عَن يَعْقُوب شاه. وَأخذ الْأَمِير يلبغا فِي تجهيز مولَايَ حلى بعد عوده من الْحَج للسَّفر إِلَى بِلَاده وخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان فرجية حَرِير أطلس أَحْمَر من تحتهَا تَحْتَانِيَّة أطلس أصفر وعَلى الفرجية تركيبة زركش وطوق بعنبرانية. وألبس طرحة عَن عمَامَته وقلد بِسيف محلى بِالذَّهَب فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشْرين صفر. وسافر فَمَاتَ على تروجة فِي أَوَائِل شهر ربيع الأول. وَفِيه قدم تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ قَاضِي دمشق باستدعاء. وَقد شُكى وَأمر بِالْكَاف عَلَيْهِ. وَقدم الْخَبَر بِكَثْرَة فَسَاد أَوْلَاد الْكَنْز وَطَائِفَة العكارمة بأسوان وسواكن وَأَنَّهُمْ منعُوا التُّجَّار وَغَيرهم من السّفر لقطعهم الطَّرِيق وَأَخذهم أَمْوَال النَّاس. وَأَن أَوْلَاد الْكَنْز قد غلبوا على ثغر أسوان وصحرا عيذاب وبرية الواحات الدَّاخِلَة.
وصاهروا مُلُوك النّوبَة وأمراء العكارمة واشتدت شوكتهم. ثمَّ قدم ركن الدّين كرنبس من أُمَرَاء النّوبَة والحاج ياقوت ترجمان النّوبَة وأرغون مَمْلُوك فَارس الدّين برسالة متملك دمقلة بِأَن ابْن أُخْته خرج عَن طَاعَته واستنجد ببني جعد من الْعَرَب وقصدوا دمقلة فاقتتلا قتالاً كثيرا قتل فِيهِ الْملك وَانْهَزَمَ أَصْحَابه. ثمَّ أَقَامُوا عوضه فِي المملكة أَخَاهُ وامتنعوا بقلعة الدو فِيمَا بَين دمقلة وأسوان. فَأخذ ابْن أُخْت الْمَقْتُول دمقلة وَجلسَ على سَرِير المملكة وَعمل وَلِيمَة جمع فِيهَا أُمَرَاء بني جعد وكبارهم وَقد أعد لَهُم جمَاعَة من ثقاته ليفتكوا بهم وَأمر فأخليت الدّور الَّتِي حوال دَار مضيفهم وملأها حطباً. فَلَمَّا أكلُوا وَشَرِبُوا خرجت جمَاعَة بأسلحتهم وَقَامُوا على بَاب الدَّار وأضرم آخَرُونَ النَّار فِي الْحَطب فَلَمَّا اشتعلت بَادر العربان بِالْخرُوجِ من الدَّار فأوقع الْقَوْم بهم وَقتلُوا مِنْهُم تِسْعَة عشر أَمِير فِي عدَّة من أكابرهم. ثمَّ ركب إِلَى عَسْكَرهمْ فَقتل مِنْهُم مقتلة كَبِيرَة وَانْهَزَمَ باقيهم فَأخذ جَمِيع ماكان مَعَهم واستخرج ذخائر دمقلة وأموالها وأخلاها من أَهلهَا. وَمضى إِلَى قلعة الدو وسألا أَن ينجدهما السُّلْطَان على الْعَرَب حَتَّى يستردوا ملكهمَا وَالْتزم بِحمْل مَال فِي كل سنة إِلَى مصر. فرسم بسفر الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ حَاجِب الْحجاب وَمَعَهُ الْأَمِير ألجاي أحد أُمَرَاء الألوف وَعشرَة أُمَرَاء عشرات وَثَمَانِية أُمَرَاء طبلخاناه مِنْهُم أَمِير خَلِيل بن قوصون وأسندمر حرفوش الْحَاجِب ومنكوتمر الجاشنكير ودقماق بن طغنجى ويَكتمر شاد الْقصر وأمير مُوسَى بن قرمان وأمير مُحَمَّد بن سرطقطاى فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَأخذُوا فِي تجهيزهم من سادس عشر شهر ربيع الأول. وَسَارُوا فِي رَابِع عشرينه وهم نَحْو الثَّلَاثَة آلَاف فَارس فأقاموا بِمَدِينَة قوص سِتَّة أَيَّام واستدعوا أُمَرَاء أَوْلَاد الْكَنْز من ثغر أسوان ورغبوهم فِي الطَّاعَة وخوفوهم عَاقِبَة الْمعْصِيَة وأمنوهم. ثمَّ سَارُوا من قوص فأتتهم أُمَرَاء الْكُنُوز طائعين عِنْد عقبَة أدفو فَخلع عَلَيْهِم الْأَمِير أَقتمر عبد الْغَنِيّ وَبَالغ فِي إكرامهم. وَمضى بهم أسوان فخيم بِظَاهِرِهِ من الْبر الغربي أَرْبَعَة عشر يَوْمًا نقل مَا كَانَ مَعَ الْعَسْكَر فِي المراكب من الأسلحة وَغَيرهَا على الْبر حَتَّى قطعت الجنادل إِلَى قَرْيَة بلاق فأكمل نقل
الأسلحة والغلال وَغير ذَلِك وطلعت المراكب من الجنادل وَأصْلح مَا فسد مِنْهَا فِي طُلُوعهَا من الجنادل وَصَارَت من وَرَاء الجنادل وشحنت بالأسلحة والغلال وَبَقِيَّة الأزواد والأمتعة وَمَرَّتْ فِي النّيل. وسارت العساكر تُرِيدُ النّوبَة على محازاتها فِي الْبر يَوْمًا وَاحِدًا وَإِذا برسل متملك النّوبَة قد لاقتهم وأخبروهم بِأَن الْعَرَب قد نازلوا الْملك وحصره بقلعة الدوه فبادر الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ لانتقاء الْعَسْكَر وَسَار فِي طَائِفَة مِنْهُم جَرِيدَة وَترك الْبَقِيَّة مَعَ الأثقال. وجد فِي سيره حَتَّى نزل بقلعة أبريم وَبَات بهَا ليلته وَقد اجْتمع بِملك النّوبَة وعرب العكارمة وَبَقِيَّة أَوْلَاد الْكَنْز ووافاه بَقِيَّة الْعَسْكَر. فدبر مَعَ ملك النّوبَة على أَوْلَاد الْكَنْز وأمراء العكارمة وأمسكهم جَمِيعًا. وَركب متملك النّوبَة فِي الْحَال وَمَعَهُ طَائِفَة من المماليك. وَمضى فِي الْبر الشَّرْقِي إِلَى جَزِيرَة مِيكَائِيل حَيْثُ إِقَامَة العكارمة. وَسَار الْأَمِير خَلِيل بن قوصون فِي الْجَانِب الغربي وَمَعَهُ طَائِفَة فأحاطوا جَمِيعًا بِجَزِيرَة مِيكَائِيل عِنْد طُلُوع الشَّمْس وأسروا من بهَا من العكارمة وَقتلُوا مِنْهُم عدَّة بالنشاب والنفط. وفر جمَاعَة نجا بَعضهم وَتعلق بالجبال وغرق أَكْثَرهم. وسَاق بن قوصون النِّسَاء وَالْأَوْلَاد والأسرى والغنائم إِلَى عِنْد الْأَمِير أَقتمر فَفرق عدَّة من السَّبي فِي الْأُمَرَاء وَأطلق عدَّة وَعين طَائِفَة للسُّلْطَان. وَوَقع الِاتِّفَاق على أَن يكون كرْسِي ملك النّوبَة بقلعة الدو لخراب دمقلة كَمَا مر ذكره وَلِأَنَّهُ يخَاف من عرب بني جعد أَيْضا إِن نزل الْملك بدنقلة أَن يأخذوه فَكتب الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ محضراً برضاء ملك النّوبَة بإقامته بقلعة الدو واستغنائه عَن النجدة وَأَنه أذن للعسكر فِي الْعود إِلَى مصر. ثمَّ ألبسهُ التشريف السلطاني وَأَجْلسهُ على سَرِير الْملك بقلعة الدو وَأقَام ابْن أُخْته بقلعة أبريم. فَلَمَّا تمّ ذَلِك جهز ملك النّوبَة هَدِيَّة للسُّلْطَان وهدية للأمير يَلْبُغا الأتابك مَا بَين خيل وهجن ورقيق وتحف. وَعَاد الْعَسْكَر وَمَعَهُمْ أُمَرَاء الْكَنْز وأمراء العكارمة فِي الْحَدِيد. فأقاموا بأسوان سَبْعَة أَيَّام ونودى فِيهَا بالأمان والإنصاف من أَوْلَاد الْكَنْز. فَرفعت عَلَيْهِم عدَّة مرافعات فَقبض على عدَّة من عبيدهم ووسطوا. ورحل الْعَسْكَر من أسوان ومروا إِلَى الْقَاهِرَة فقدموا فِي ثَانِي شهر رَجَب وَمَعَهُمْ الأسرى فعرضوا على السُّلْطَان وقيدوا إِلَى السجْن وخلع على الْأَمِير عبد الْغَنِيّ وَقبلت الْهَدِيَّة. وفيهَا حدثت وَحْشَة بَين السُّلْطَان أويس متملك بَغْدَاد وتوريز وَبَين نَائِبه بِبَغْدَاد خواجا مرجان فعصى عَلَيْهِ مرجان وخطب بِبَغْدَاد للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف. وَبعث رسله بذلك فقدموا فِي أَوَائِل جُمَادَى الأولى وَمَعَهُمْ كِتَابه بِأَنَّهُ قد خلع أويس وَأقَام الْخطْبَة وَضرب السِّكَّة باسم السُّلْطَان الْأَشْرَف وَأخذ لَهُ الْبيعَة على النَّاس بِبَغْدَاد
وعزم على محاربة أويس وَأَنه نَائِب السُّلْطَان بِبَغْدَاد إِن نَصره الله عَلَيْهِ وَإِن تكن الْأُخْرَى قدم إِلَى أَبْوَاب السُّلْطَان. فأكرمت رسله وجهز لَهُ تشريف جليل وأعلام خليفتية وأعلام سلطانية وَكتب لَهُ تَقْلِيد بنيابة بَغْدَاد وجهز أَيْضا عدَّة خلع لأمرائه وأكابر دولته وخلع على رسله وأعيد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: خلع على تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن السُّبْكِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء دمشق على عَادَته وسافر فِي ثَالِث عشرينه وَهَذِه ولَايَته الثَّالِثَة. وَفِي هَذِه الْمدَّة: اهتم الْأَمِير يَلْبُغا الأتابك بِعَمَل الشواني البحرية لغْزو الفرنج فَجمع من الأخشاب وَالْحَدِيد والآلات مَا يجل وَصفه وَشرع النجارون فِي عَملهَا بِجَزِيرَة أروى الْمَعْرُوفَة بالجزيرة الْوُسْطَى وَتَوَلَّى عَملهَا الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن قزوينة فَقَامَ فِي ذَلِك أتم قيام وبذل همته وأستفرغ وَسعه وتصدى لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَاسْتقر شاد الْعَمَل الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبغا العلاي أستادار الْأَمِير يلبغا وناظر الْعَمَل بهاء الدّين بن الْمُفَسّر فَقدم للْعَمَل مائَة شيني مَا بَين غراب وطريدة برسم حمل الْخَيل فَكَانَ أمرا مهولاً. وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر بِحُضُور البحارة والنفاطة وَمن يُرِيد الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَى بَيت الْأَمِير يلبغا الأتابك للعرض وَأخذ نَفَقَة للسَّفر فِي المراكب. فَاجْتمع عدَّة من المغْاربة رجال الْبَحْر وكتبت أَسمَاؤُهُم وقررت لَهُم المعاليم وأقيمت لَهُم نقباء وَقَامُوا فِي مساعدة صناع المراكب. وَكتب إِلَى طرابلس وَنَحْوهَا من بِلَاد السَّاحِل بإنشاء مراكب حربية وَجمع رجالها فَكَانَ عملا جَلِيلًا. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْخَبَر بفرار تجار الفرنج من الْإسْكَنْدَريَّة فِي الْبَحْر فَلم يقدر عَلَيْهِم. وَفِي عشرينه: طلب نقباء أجناد الْحَرَكَة وألزموا بألا يخفوا أحدا من أجناد الْحلقَة وهددوا إِن أخفوا أحدا مِنْهُم فَكتب كل نقيب مضافيه وأحضروهم للعرض فَقطع الْأَمِير يلبغا مِنْهُم جمَاعَة. وَفِي آخِره: قدم قَاضِي تبريز فِي جمَاعَة برسالة السُّلْطَان أويس أَن مرجان قد عصى عَلَيْهِ وَأَنه قصد الْمسير لقتاله فَلَا يُمكن - إِذا فر - من دُخُوله إِلَى الشَّام ومصر فَأُجِيب بِمَا لَا يُرِيد وَأَنه إِن أَرَادَ نجدة سيرنا إِلَيْهِ العساكر لنصرته وأهين رَسُوله وأعيد خائباً.
وَفِي حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة: أنعم على الْأَمِير طيبغا العلاى - أستادار الأتابك يلبغا - بتقدمة ألف عوضا عَن ملكَتمر المارديني بعد مَوته. وأنعم على الْأَمِير أَيْنَبكَ البدري - أَمِير آخور يلبغا - بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر أستادار يلبغا عوضا عَن طيبغا. وَاسْتقر الْأَمِير أرغون ططر رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن ملكتمر المارديني. وَفِي ثَانِي عشره: اسْتَقر الْأَمِير أرغون الأزقي أستادار السُّلْطَان عوضا عَن أروس المحمودي. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الشريف بكتمر وَالِي الْقَاهِرَة فِي ولَايَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَكَانَت ولَايَة حَرْب. فاستقر لبَكتَمُر نِيَابَة بتقدمة ألف وَهُوَ أول من بَاشَرَهَا نِيَابَة سلطنة وَعمل مَعَه حَاجِب أَمِير طبلخاناه ووالي حَرْب إمرية عشرَة وَخَمْسمِائة فَارس بالثغر. وَاسْتقر الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبغا أستادار كشلي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة. وَاسْتقر عوضه فِي ولَايَة مصر الْأَمِير - حسام الدّين حُسَيْن بن عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني. وَكَانَ الْأَمِير طَيبغا الطَّوِيل أَمِير سلَاح قد خرج إِلَى العباسة يتصيد فَبعث الْأَمِير يلبغا إِلَيْهِ مرسوم السُّلْطَان فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره مَعَ الْأَمِير أقبغا الْعمريّ الْحَاجِب بِأَن يتَوَجَّه إِلَى دمشق نَائِب السلطنة بهَا وَحمل مَعَه التَّقْلِيد والتشريف فَلم يُوَافق على ذَلِك ورد الْحَاجِب ردا غير جميل وَكَانَ الْأَمِير يلبغا بتربة مَلَكتمر المارديني مُقيما على قَبره فَلَمَّا بلغه الْحَاجِب جَوَاب الْأَمِير طيبغا غضب وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير أرغون الأسعردي الدوادار والأمير أروس المحمودي والأمير أرغون الأزقي والأمير طيبغا العلاي بالتشريف وتقليد النِّيَابَة وأكد عَلَيْهِمَا فِي ترجيعه عَن الْفِتْنَة وَإِن لم يمض فليقبضوا عَلَيْهِ. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن مضوا حَتَّى أبعدوا قَلِيلا فَتَأَخر عدَّة من مماليك الْأَمِير طَيبغا العلاي ومماليك أرغون الأزقي ووافى الْأَمِير طيبغا فَامْتنعَ من إجابتهم إِلَى السّفر وَقَالَ: لَيْسَ بيني وَبينهمْ إِلَّا السَّيْف. فَمَال إِلَيْهِ أرغون الأسْعَردي والأمير أروس وقبضوا على الْأَمِير طيبغا العلاي ففر أرغون الأزقي إِلَى الْأَمِير يلبغا وَهُوَ بالتربة ثمَّ لحق بِهِ الْأَمِير طيبغا العلاي وأخبراه بِمَا وَقع فَركب من فوره إِلَى قلعة الْجَبَل وَأمر فدقت الكوسات حَرْبِيّا. وَلبس السُّلْطَان وَعَامة الْعَسْكَر السِّلَاح وركبوا
لَيْلَة السبت سَابِع عشره وَعمل كميناً فِي خلف الْجَبَل قَرِيبا من قبَّة النَّصْر. فَمَا طلع الْفجْر حَتَّى وافى الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل قبَّة النَّصْر فاقتتل الْفَرِيقَانِ فاستظهر طيبغا الطَّوِيل على الْقَوْم وكادت النُّصْرَة تتمّ لَهُ فَخرج الكمين من وَرَائه. وَعَاد الْأَمِير يلبغا بعد مَا أبعد قَلِيلا فَانْهَزَمَ طيبغا الطَّوِيل وتفرق جمعه فاختفي بِالْقَاهِرَةِ. وَعَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة وَنُودِيَ بإحضار من وجد من المنهزمين وهدد من أخفاهم فَلم يسر وَإِلَى الْقَاهِرَة والنداء بَين يَدَيْهِ عَن بَين القصرين - من الْقَاهِرَة - غير قَلِيل حَتَّى دله بعض النَّاس على طيبغا الطَّوِيل فَدخل خانكاه بيبرس وَأَخذه مِنْهَا وَصعد بِهِ القلعة فقيده وسجن. وظفر أَيْضا فِي آخر النَّهَار بالأمير أروس وبالأمير أرغون الأسعردي والأمير كَوْكَنداي أخي طيبغا الطَّوِيل والأمير كليم. ثمَّ قبض على الْأَمِير جَرَكتمُر السيفي منجك الجوكندار والأمير أرغون عبد الْملك شاد الشرابخاناه والأمير جمق الشيخوني والأمير تِلْكَ وأقبعا الْعمريّ البالسي وقرا السِّلَاح دَار والأمير أزكاه السيفي وجرجى بن كوكندي وأزرمق بن مصطفي وطشتمر العلاي فحملوا ثغر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي النّيل مقيدين وسجنوا هُنَاكَ. وَأخرج الْأَمِير حُسَيْن بن طوغان الساقي منفياً إِلَى الشَّام. وارتجع إقطاع ولدى طيبغا الطَّوِيل - وهما على وَحَمْزَة - وأنعم فِي يَوْمه على الْأَمِير طيْدمر البالسي وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن طيبغا الطَّوِيل. وَاسْتقر الْأَمِير طيبغا البوبكري المهمندار دوادارا بإمرة طبلخاناه. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على الْأَمِير أرغون الأزقي وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان عوضا عَن أروس. وَاسْتقر الْأَمِير قطلوبغا الشَّعْبَانِي شاد الشرابخاناه بإمرة طبلخاناه عوضا عَن أرغون عبد الْملك. وَاسْتقر الْأَمِير تمرقيا الْعمريّ جوكندار عوضا عَن جَرَكتمر السيفي. وأنعم على كل من الْأَمِير أقبغا الأحمدي الْمَعْرُوف بالجلب والأمير أسندمر الناصري بتقدمة ألف. وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرينه: نُودي بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا أحسن زِينَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرينه: قدم ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ أَمِيرا مِنْهُم أُمَرَاء طبلخاناه: أقبغا الْجَوْهَرِي وأرغون القَشْتَمُري وأَيْنَبَك البدري وعَلى السيفي كُشلى - وَالِي الْقَاهِرَة - وطُغَاى تَمُر العثماني وألطنبغا الْعُزَّى وقجماس السيفي طاز وأرغون الْعُزَّى كتك وقَراتمر المحمدي وأروس بغا الخليلي وطاجار من عَوض وقطْلُوبغا الْعُزَّى وأقْبُغا اليوسفي وألطنبغا المارديني ورسلان السيفي - وَاسْتقر حَاجِب الْإسْكَنْدَريَّة - وعَلى بن قَشْتَمُر وسودون القُطلُقتمُرى وقطلوبغا الشَّعْبَانِي وطُغَاى
تَمُر الْعُزَّى وَمُحَمّد الترجمان. وبقيتهم أُمَرَاء عشرات وهم ككبغا السيفي وتنبك الأزقي وأرغون الأحمدي وأرغون الأرغوني وسودون الشيخوني وأزدمر الْعُزَّى وأروسِ النظامي وَيُونُس الْعمريّ ودَرْتُ بُغا البالسي وطُرحسن وقرا بغا الصَرْغتْمُشي وطاز الحسنِي وقماري الجمالي ويوسف شاه وطقبغا العلاي وفيرعلي وقرقماس الصَرْغتْمُشي وطاجار المحمدي. وخلع على الْجَمِيع وألبسوا الشرابيش ونزلوا جَمِيعًا من دَار الْعدْل بالقلعة إِلَى الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين من الْقَاهِرَة حَتَّى حلفوا كَمَا هِيَ الْعَادة. ثمَّ ركبُوا إِلَى القلعة وَقد أُقِيمَت لَهُم المغاني فِي عدَّة مَوَاضِع من بَين القصرين إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا ثمَّ أزيلت الزِّينَة بعد ثَلَاث من نصبها. وَفِي أول شهر رَجَب: قدم الْخَبَر بوصول رسل الفرنج إِلَى ميناء الْإسْكَنْدَريَّة وَأَنَّهُمْ طلبُوا رهائن عِنْدهم حَتَّى ينزلُوا من مراكبهم ويردوا رسالتهم فَلم تؤمن مكيدتهم. وَاقْتضى الْحَال إجابتهم فَأخْرج من سجن الوافي - الْمَعْرُوف بخزانة شمايل - جمَاعَة وَجب قَتلهمْ وغسلوا بالحمام وألبسوا ثيابًا جميلَة وسفروا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. فأكرمهم النايب وأشاع أَنهم من رُؤَسَاء الثغر وَبعث بهم إِلَى الفرنج وشيع خَلفهم نسَاء وصبيانا يصيحون ويبكون كَأَنَّهُمْ عِيَالهمْ وهم يخَافُونَ الفرنج عَلَيْهِم. فَمشى ذَلِك على الفرنج وعَلى أهل الثغر لانتظام حَال المملكة وملاك أمرهَا وجودة تدبيرها. فتسلم الفرنج الْجَمَاعَة وَنزلت رسلهم من المراكب. وَقدمُوا إِلَى قلعة الْجَبَل وَقد عدى السُّلْطَان إِلَى سرحة كوم برا بالجيزة فحملوا إِلَى هُنَاكَ. وَجلسَ لَهُم الْأَمِير يلبغا الأتابك وَقَامَ الْأُمَرَاء والحجاب بَين يَدَيْهِ وأدخلوا عَلَيْهِ فهالهم مَجْلِسه وطنوا أَنه السُّلْطَان فَقيل لَهُم هَذَا مَمْلُوك السُّلْطَان. فكشفوا عَن رُءُوسهم وخروا على وُجُوههم يقبلُونَ الأَرْض ثمَّ قَامُوا ودنوا إِلَيْهِ وناولوه كتاب ملكهم وَقدمُوا هديته إِلَيْهِ فَفرق ذَلِك بحضرتهم فِيمَن بَين يَدَيْهِ وَاخْتَارَ مِنْهُ طشطا وأبريقاً من ذهب وصندوقاً لم يعرف مَا فِيهِ. وتضمنت رسالتهم أَنهم فِي طَاعَة السُّلْطَان ومساعدوه على متملك قبرص حَتَّى ترد الأسرى الَّتِي أخذت من الْإسْكَنْدَريَّة ويعوض المَال وسألوا تَجْدِيد الصُّلْح وَأَن يُمكن تجارهم من قدوم الثغر وَأَن تفتح كَنِيسَة الْقِيَامَة بالقدس وَكَانَت قد غلقت
بعد وَاقعَة الْإسْكَنْدَريَّة. فأجابهم بِأَنَّهُ لابد من غَزْو قبرص وتخريبها. ثمَّ أخرجُوا فأقاموا بالوطاق ثَلَاثَة أَيَّام وحملوا إِلَى دَار الضِّيَافَة بجوار قلعة الْجَبَل. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان من السرحة وقفُوا بَين يَدَيْهِ وَقدمُوا هديتهم وأدوا رسالتهم فَلم يجابوا وأعيدوا إِلَى بِلَادهمْ خائبين. وَفِي أول شعْبَان: أخرج الْأَمِير جركس الرَّسُول شاد العماير منفياً إِلَى حلب واستمْر عوضه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص فِي شدّ العماير. ورسم بإحضار الْأَمِير قشتمر المنصوري نايب طرابلس وَاسْتقر عوضه الْأَمِير أشَقتمُر المارديني. وَاسْتقر الْأَمِير أسندمر الزيني فِي نِيَابَة صفد. وَكتب إِلَى الْأَمِير جرجي نايب حلب أَن يسير لأخذ قلعة خرت برت من ديار بكر وَأخذ صَاحبهَا خَلِيل بن قراجا بن دُلغادر مقدم التركمان فنازل قلعتها نَحْو أَرْبَعَة أشهر وَعَاد بِغَيْر طائل. لمنعتها وحصانتها. ثمَّ إِن ابْن دلغادر طلب الْأمان فأمن وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه أخرج الْأَمِير قطْلوبغا الْعمريّ الْحَاجِب والأمير أَحْمد بن أبي بكر بن أرغون النايب بعد مَا قطع لِسَان كل مِنْهُمَا وَنفي إِلَى الشَّام وَاسْتقر سعد الدّين بن الريشة نَاظر الدولة. وَاسْتقر عوضه فِي نظر الخزانة الْكُبْرَى فَخر الدّين بن السعيد. ثمَّ أضيف إِلَى الْفَخر بن السعيد نظر الْبيُوت عوضا عَن تَاج الدّين مُوسَى بن أبي شَاكر. وَتوجه الْأَمِير طقبغا رَسُولا إِلَى قبرص فَأدى رسَالَته وَعَاد فِي أول شهر رَمَضَان وَفِيه رسم بالإفراج عَن الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل فَتوجه إِلَيْهِ الْأَمِير خَلِيل بن قوصون وَقدم بِهِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه فَأخْرج إِلَى الْقُدس بطالا. وَفِيه عزل جمال الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود المرداوي
قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق. وَاسْتقر عوضه شرف الدّين أَحْمد بن الْحسن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي الْجَبَل. وعزل جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن عبد الْملك المسلاتي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق وَاسْتقر عوضه سرى الدّين أَبُو الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد هاني اللَّخْمِيّ الأندلسي وعزل شمس الدّين مُحَمَّد بن الحكري عَن قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَاسْتقر عوضه شمس الدّين مُحَمَّد بن خطيب أبرود. وَفِي يَوْم عيد الْفطر: رسم بالإفراج عَن الْأَمِير أرغون الأسعردي والأمير أروس المحمودي وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء المسجونين فأفرج عَنْهُم وأخرجوا إِلَى الشَّام مُتَفَرّقين. وَفِي خامسه: قدم رَسُول الْملك أرخان بن عُثْمَان ملك الرّوم يخبر أَنه جهز مِائَتي غراب بحريّة نجدة للسُّلْطَان على متملك قبرص فَأُجِيب بالشكر وَالثنَاء وَأَنه لَا يَتَحَرَّك حَتَّى تقدم من ديار مصر الشواني. وَقدم الْخَبَر بمسير السُّلْطَان أويس من توريز إِلَى بَغْدَاد وَقَبضه على خواجا مرجان وسمل عَيْنَيْهِ وحبسه. وأَن حيار بن مهنا لما خرج عَن الطَّاعَة ثمَّ فر إِلَى الْعرَاق وطردت عربه من بِلَاد الشَّام خدم أويس زِيَادَة على سنتَيْن حَتَّى خَالف عَلَيْهِ خواجا مرجان بِبَغْدَاد وَقبض عَلَيْهِ فر مِنْهُ بعض أمرائه إِلَى حيار. فَلَمَّا طلبه مِنْهُ أويس لم يبْعَث بِهِ إِلَيْهِ فَبعث أويس يطرده من بِلَاده. فَسَار عَنْهَا وَسَأَلَ الْأَمِير عمر شاه نَائِب حماة أَن يشفع إِلَى السُّلْطَان فِيهِ ويسأله رد إقطاعه إِلَيْهِ فَكتب بذلك عمر شاه فَأُجِيب إِلَى قبُول شَفَاعَته وَأَن يجهزه إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة صحبته. فَقدم الْأَمِير عمر شاه وَمَعَهُ الْأَمِير حيار فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره. وَقدم عقيب ذَلِك رَسُول السُّلْطَان أويس بِطَلَب الْأَمِير الَّذِي فر إِلَى حيار وَألا يُمكن أحدا فر من مَمْلَكَته أَن يعبر
الشَّام ومصر فَلم يجب إِلَى قَصده. وخلع على حيار وَولده الْأَمِير نعير وخواصه وَفِي أول ذِي الْقعدَة: قدم رَسُول متملك ماردين بِأَن بيرم خجا التركماني تغلب على الْموصل مُنْذُ سِنِين وَبلغ عسكره نَحْو الثَّلَاثِينَ ألفا. فَلَمَّا أَخذ السُّلْطَان أويس نايبه مرجان بعث إِلَى الْموصل جَيْشًا ففر مِنْهُ بيرم خجا إِلَى بِلَاد الْعَجم وملكها أويس وَقد عزم على أَخذ ماردين وَمَتى ملكهَا تعدى مِنْهَا إِلَى حلب. وَطلب نجدة فَخرج من يكْشف عَن هَذَا الْأَمر. وقدمت أَيْضا رسل متملك جنوة بستين أَسِيرًا من أهل الْإسْكَنْدَريَّة وهدية للسُّلْطَان وللأمير يلبغا. وَذكر أَن هَذِه الأسرى كَانَت نصِيبه وَاعْتذر بِأَنَّهُ لم يعلم بواقعة الْإسْكَنْدَريَّة إِلَّا بعد وُقُوعهَا وَأَنه مُسْتَمر على الصُّلْح وَمَتى قدر على متملك قبرص قَبضه وَقَتله. فَقبلت هديته وَأثْنى الأسرى عَلَيْهِ خيرا وَأَن متملك قبرص لما عَاد من الْإسْكَنْدَريَّة قسم مَا غنمه مِنْهَا بَين مُلُوك الفرنج وَبعث بهؤلاء إِلَى متملك جنوة فعرضهم وتغمم لَهُم وَأحسن إِلَيْهِم وكساهم وأجرى لَهُم الرَّوَاتِب حَتَّى بعث بهم. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني وَإِلَى الْقَاهِرَة. وَاسْتقر الْأَمِير الأكز الكشلاوي نايب الْإسْكَنْدَريَّة. وَنقل الشريف بَكتمُر مِنْهَا إِلَى ولَايَة الْبر بِالشَّام. وَقدم وَزِير متملك الْيمن بهدية من جُمْلَتهَا فيل. واستجد السُّلْطَان والياً بأسوان على إقطاع أَوْلَاد الْكَنْز وَلم يعْهَد مثل ذَلِك. فِيمَا سلف. وخلع على الحسام الْمَعْرُوف بِالدَّمِ الْأسود وَسلمهُ أَوْلَاد الْكَنْز المسجونين بِالْقَاهِرَةِ. وَسَار إِلَى قوص فسمرهم جَمِيعًا وَمضى بهم مسمرين من قوص إِلَى أسوان ووسطهم بهَا. فشق ذَلِك على أَوْلَادهم وعبيدهم واجتمعوا مَعَ العكارمة وَأتوا. فِي جمع كَبِير إِلَى أسوان. فَلَقِيَهُمْ الدَّم الْأسود وَقَاتلهمْ فهزموه وجرحوا عدَّة من مماليكه ومالوا على أهل أسوان يقتلُون وينهبون ويخربون الدّور ويحرقون بالنَّار حَتَّى أفنوا عدَّة من النَّاس وأسروا النِّسَاء وفعلوا كَمَا فعلت الفرنج بالإسكندرية وفيهَا قَامَ بمملكة الْيمن الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد على بن الْمُؤَيد هزبر الدّين
دَاوُد المظفر يُوسُف بن عمر بن على بن رَسُول بعد موت أَبِيه. وَاسْتقر شَيخنَا ضِيَاء الدّين عبد الله بن سعد العفيفي الْمَعْرُوف بقاضي قرم فِي مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس من الْقَاهِرَة بعد موت الرضي. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الظَّاهِر الْمَعْرُوف بِابْن الشّرف الْحَنَفِيّ. خطب جَامع شيخو. وَمَات الْأَمِير بُطَا أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَقَرَأَ على قَبره ألف ختمة بوصيته. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن أَيُّوب العينتابي الْحلَبِي قَاضِي الْعَسْكَر بِدِمَشْق. برع فِي الْفِقْه وَشرح مجمع الْبَحْرين والمغنى فِي الْأُصُول. وَمَات الشَّيْخ خَلِيل الدّين بن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بِابْن الجندي الْفَقِيه الْمَالِكِي صَاحب الْمُخْتَصر فِي الْفِقْه فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر شهر ربيع الأول وَدفن خَارج الْقَاهِرَة. أَخذ الْفِقْه على مَذْهَب مَالك عَن الشَّيْخ عبد الله المنوفي وبرع فِيهِ. وصنف مُخْتَصرا فِي الْفِقْه على طَريقَة الْحَاوِي فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي. وَشرح كتاب ابْن الْحَاجِب فِي الْفِقْه. وتصدر بعد المنوفي. بمجلسه من الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين. وَكَانَ يرتزق من إقطاع لَهُ بالحلقة ثمَّ قَرَّرَهُ الْأَمِير شيخو فِي تدريس الْمَالِكِيَّة بخانكاته وَلم يزل بهَا حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ عبدا صَالحا.
وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن الْبَدْر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن سعد الله بن جمَاعَة الْكِنَانِي الْحَمَوِيّ بمكى يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة ومولده فِي محرم سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة بِدِمَشْق. سمع الْكثير عَن جمَاعَة كَثِيرَة وَحدث بِأَكْثَرَ مسموعاته. وَقَرَأَ الْفِقْه والْحَدِيث وَأفْتى ودرس وخطب وَولي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر تسعا وَعشْرين سنة بِأَحْسَن سيرة وَأجل طَريقَة. ثمَّ ترك ذَلِك تنزهاً وَتَعَفُّفًا وجاور بِمَكَّة فَقضى بهَا نحبه. رحمه الله. وَتُوفِّي الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين على ابْن الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد ابْن المظفر شمس الدّين وَتُوفِّي شمس الْأَئِمَّة مَحْمُود بن خَليفَة مدرس الْحَنَفِيَّة بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية حسن. وَتُوفِّي الرضي شيخ الخانكاه الركنية بيبرس فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشْرين رَجَب. وَمَات الْأَمِير ملكتمر المارديني رَأس نوبَة الجمدارية أحد مقدمى الألوف فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير أرغون الْعزي بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير أرغون البَكتمري أحد رُءُوس النوب. وَمَات الْأَمِير أروس الْعُزَّى أحد الطبلخاناه.