المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة ثمان وستين وسبعمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌(سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْأَحَد أول شَوَّال)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشر ربيع الآخر)

- ‌(سنة خمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي عَاشر جُمَادَى الآخر)

- ‌(سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي رَجَب)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشريه)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ فِي خمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرى شَوَّال)

- ‌(سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة)

الفصل: ‌(سنة ثمان وستين وسبعمائة)

(سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث الْمحرم: قدمت رسل الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن بهدية سنية على الْعَادة وهم وزيره شرف الدّين حُسَيْن بن عَليّ الفارقي وأمير أخوره نَاصِر الدّين. فوقفوا بَين يَدي السُّلْطَان وأدوا رسالتهم ثمَّ أنزلوا فِي الميدان الْكَبِير على شاطىء النّيل وَقدمُوا هَدِيَّة مرسلهم فِي يَوْم السبت خامسه. وفيهَا فرس لَيْسَ لَهُ ذكر وَلَا أنثيين وَإِنَّمَا يَبُول من ثقب فَقبلت. وَفِي تَاسِع صفر: اسْتَقر الْأَمِير طَيبغا الطَّوِيل فِي نِيَابَة حماة. واستدعى الْأَمِير منكلى بغا الشمسي نَائِب الشَّام فَقدم فِي محفة لتوعك بِهِ فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشْرين صفر: خلع على الْأَمِير منكلى بغا الشمسي وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن جرجي الإدريسي. فَصَارَت نِيَابَة حلب أكبر رُتْبَة من نِيَابَة دمشق وأضيف من عَسْكَر دمشق إِلَى حلب أَرْبَعَة آلَاف فَارس. وخلع على الْأَمِير أقتمُر عبد الْغَنِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة دمشق. وخلع على الْأَمِير طيبغا العلاي أستادار الْأَمِير يلبغا الأتابك وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن أقتمر عبد الْغَنِيّ وَنزل الثَّلَاثَة بتشاريفهم من القلعة. وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله بن نجم الدّين عمر بن الْجمال مُحَمَّد بن الْكَمَال عمر ابْن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن العديم الْحَنَفِيّ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحماة بعد وَفَاة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن وهبان. وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله بن الْكَمَال مُحَمَّد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن التَّاج أَحْمد بن سعيد بن الْأَثِير فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن فتح الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن الشَّهِيد. ورسم لِلْأُمَرَاءِ جَمِيعًا بِأَن يسكنوا بقلعة الْجَبَل على مَا جرت بِهِ الْعَادة الْقَدِيمَة فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون فسكن بَعضهم. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عمر الْمَعْرُوف بِابْن زُبَيبَة الْحَنَفِيّ قَاضِيا بالإسكندرية زِيَادَة على قاضيها جمال الدّين بن الربعِي الْمَالِكِي وَلم يعْهَد قبل ذَلِك بالإسكندرية قاضيان.

ص: 297

وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر ربيع الأول: قبض الْأَمِير يلبغا الأتابك على الْأَمِير الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي مقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة وضربه نَحْو ستماية ضَرْبَة بالعصى وَأخرجه إِلَى أسوان منفياً لكَلَام نقل لَهُ عَنهُ. وَولى عوضه الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الْمَعْرُوف بشاذروان مقدم المماليك. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرغون الأزقي فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن ألطبغا البشتكي. وَفِي ثَانِي عشرينه: أخرج الْأَمِير أرغون الأحمدي اللالا منفياً وَأخرج أَيْضا الْأَمِير تمرقيا الْعمريّ منفياً فتوجها إِلَى الشَّام وخلع على الْأَمِير أقبغا حلب الأحمدي وَاسْتقر لالا السُّلْطَان. وَفِيه رسم للأمير طيبغا حَاجِب الْحجاب بِعرْض أجناد الْحلقَة فاستدعاهم وَجلسَ لعرضهم جَزِيرَة أروى حَيْثُ تعْمل الشواني الحربية وتشدد عَلَيْهِم وَقطع مِنْهُم جمَاعَة فِي عدَّة أَيَّام حَتَّى عرض مِنْهُم نَحْو ثلثيهم ثمَّ كَانَ مَا يَأْتِي ذكره. إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير قُطْلُوبك السيفي وَالِي قوص عوضا عَن الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كملت عمَارَة الشواني البحرية وعدتها ماية قِطْعَة مَا بَين غربان وطرايد فاستخدم الْأَمِير يلبغا لَهَا من الرِّجَال مَا يكفيها وجمعهم مَا بَين مغاربة وتراكمين وصعايدة ورتب لَهُم رؤوساء ونقباء وَأنْفق فيهم المعاليم المقررة وشحن الأغربة بِالْعدَدِ الحربية وَجَمِيع آلَات السِّلَاح. فَلَمَّا تهيأت كلهَا فرقها الْأَمِير يلبغا على الْأُمَرَاء فتسلم كل أَمِير مَا خصّه من الشواني وزينها بأعلامه وَأقَام فِيهَا الطبول والأبواق وَأنزل بهَا عدَّة من مماليكه وَقد ألبسهم آلَة الْحَرْب وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ فِيهَا للغزو إِذا سَارَتْ. ثمَّ ركب السُّلْطَان والأمير يلبغا وَسَائِر أُمَرَاء الدولة وأعيانها لرؤية الشواني وَقد كملت وَتمّ أمرهَا وتهيأت رِحَالهَا وَخرج النَّاس من أقطار الْمَدِينَة وَأتوا من كل جِهَة فِي يَوْم السبت رَابِع عشْرين ربيع الأول. فَسَار السُّلْطَان بعساكره من القلعة إِلَى جَزِيرَة أروى وَركب الحراقة وَقد امْتَلَأت تِلْكَ الْأَرَاضِي بِالنَّاسِ. فَقدمت الشواني ولعبت رجالها بالآلات الحربية كَمَا يفعل عِنْد لِقَاء الْعَدو ودقت كوساتها ونفخت بوقاتها وأفلتت النفوط فَكَانَ أمرا مهولاً ومنظراً جميلاً وأمراً حسنا لَو تمّ. فَلَمَّا انْقَضى ذَلِك توجه السُّلْطَان فِي الحراقة حَتَّى نزل من بولاق التكروري وخيم بِمَنْزِلَتِهِ من بر الجيزة على الْعَادة. وَمضى الْأَمِير يلبغا لتصيد فِي جَزِيرَة القط وأقيم الْأَمِير

ص: 298

عمر بن أرغون النايب بقلعة الْجَبَل نايب الْغَيْبَة وَأقَام الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب بِجَزِيرَة وَكَانَ الْأَمِير يلبغا - لأمر يُريدهُ الله تَعَالَى - قد شحت نَفسه وَسَاءَتْ أخلاقه فَاجْتمع مماليكه الأجلاب إِلَى رُؤُوس النوب وَشَكوا مَا يلقوه من الْأَمِير يلبغا وَأَنه يجفوهم ويهينهم ويبالغ فِي معاقبة أحدهم على الذَّنب الْيَسِير حَتَّى أَنه ضرب عدَّة مِنْهُم بالمقارع وَقطع أَلْسِنَة جمَاعَة وَأَنَّهُمْ قد صَارُوا يدا وَاحِدَة يُرِيدُونَ قَتله وَقتل من لم يوافقهم على ذَلِك فَأَشَارَ الأكابر مِنْهُم عَلَيْهِم بالتمهل قَلِيلا حَتَّى يَأْخُذُوا مَا عِنْد الْأَمِير يلبغا وحدثوه فِي شَأْنهمْ وانتدب مِنْهُم الْأَمِير أسندمر الناصري والأمير أقبغا جلب الأحمدي والأمير قجماس الطازي والأمير تغرى برمش العلاي والأمير أقبغا جركس أَمِير سلَاح والأمير قرابغا الصرغتمشي ومضوا إِلَى الْأَمِير يلبغا وحدثوه فِي أَمر المماليك وسألوه الرِّفْق بهم فجبههم ورد عَلَيْهِم ردا جَافيا وتهددهم وَحلف بالأيمان الحرجة أَنه لابد من ضرب جمَاعَة من مماليكه بالمقارع وإشهارهم فِي الوطاق. فشق ذَلِك عَلَيْهِم وَخَرجُوا من بَين يَدَيْهِ وَقد توغرت صُدُورهمْ. وَحَدثُوا إخْوَانهمْ من المماليك بِمَا كَانَ من الْأَمِير يلبغا واتففو جَمِيعًا على الفتك بِهِ وتحالفوا على ذَلِك ولبسوا سِلَاحهمْ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس ربيع الآخر وكبسوا مخيم يلبغا وَأَحَاطُوا بِهِ ليأخذوه. فَمضى إِلَيْهِ بعض خواصه مِنْهُم وأعلمه الْخَبَر. فبادر إِلَى الْفِرَار على فرس وَقصد بولاق التكروري فِي نفر من خاصته وَبعث إِلَى الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب يُعلمهُ بِمَا هُوَ فِيهِ فَلم يشْعر الْحَاجِب وَقد جلس بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء لعرض الأجناد على عَادَته وهم مِنْهُ على تخوف أَن يقطعهم كَمَا فعل بغيرهم إِذْ جَاءَهُ أحد مماليك يَلبغا وَأسر إِلَيْهِ طَويلا. ثمَّ قَامَ عَنهُ. وَقد تغير حَاله فَأمر الأجناد بالإنصراف وأبطل عرضهمْ. وَركب إِلَى دَاره فَلبس آلَة الْحَرْب هُوَ ومماليكه. وَعَاد إِلَى الجزيرة وَتقدم بِطَلَب أجناد الْحلقَة وَمن تَأَخّر بِالْقَاهِرَةِ من الْأُمَرَاء فَأتوهُ فِي السِّلَاح وَقد ارتجت الْقَاهِرَة بِأَهْلِهَا وَخرجت الْعَامَّة من كل مَوضِع إِلَى الجزيرة وَمَا حولهَا وَمنع أَرْبَاب المراكب النيلية أَن يعدوا بِأحد النّيل من البرين. وجمعت المراكب كلهَا إِلَى بر مصر وضموا الشواني الحربية وألقوا مراسيها فِي وسط النّيل وأخرجوا مِنْهَا رجالها. وَتقدم حَاجِب الْحجاب إِلَى فتح الدّين صَدَقَة وَلَيْسَ الحراقة السُّلْطَانِيَّة أَن يخرج الحراقة الذهبية من بر الجيزة وَلَا يعدى إِلَّا بالسلطان والأمير يلبغا فَقَط وَمن يصحبهما. وَكَانَ الْأَمِير عمر ابْن النَّائِب - نَائِب الْغَيْبَة - قد أغلق أَبْوَاب القلعة وألبس من بهَا من مماليك السُّلْطَان السِّلَاح وأقامهم على الأسوار واستعد.

ص: 299

وَأما يلبغا فَإِنَّهُ سَار لَيْلَة من جَزِيرَة القط إِلَى بولاق التكروري فَلم يأتها إِلَّا عِنْد نصف النَّهَار من يَوْم الْأَرْبَعَاء. فَلم يجد مركبا يعدى بِهِ النّيل إِلَّا الحراقة الذهبية فَعدى فِيهَا وَقد عرفه الرايس صَدَقَة حَتَّى وافى حَاجِب بالجزيرة وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء والأجناد فأكد فِي الْمَنْع بالتعدية بِأحد من بر الجزيرة. وَسَار فِي جحفل كَبِير إِلَى القلعة فَمَنعهُمْ نايب الْغَيْبَة من دُخُولهَا وَرَأَوا منعتها عَلَيْهِم بِمن فَوْقهَا من الْمُقَاتلَة فَعَاد عَنْهَا يجمعه من منزله بالكبش وظل فِيهِ بَقِيَّة نَهَاره وَبَات لَيْلَة الْخَمِيس وَقد رَجَعَ الْأَمِير طيبغا حَاجِب الْحجاب إِلَى الجزيرة لحراسة المعادي. وَأما المماليك لما بَلغهُمْ فرار يلبغا نادوا من أَرَادَ مخدومه يلبغا فليتبعه وَمن أَرَادَ السُّلْطَان فَليقمْ مَعنا. فتبع يلبغا طايفة وَتَأَخر أَكْثَرهم فأسرع الْقَوْم إِلَى من فارقهم وأخذوهم وقيدوهم واقتسموا جَمِيع مَا مَعَهم. وتجمعوا بأسرهم عِنْد وطاق السُّلْطَان ونزلوا عَن خيولهم ومثلوا بَين يَدَيْهِ وقبلوا الأَرْض وأعلموه بِمَا كَانَ من يلبغا فِي حَقهم وَمَا رده من الْكَلَام الجافي عَلَيْهِم وسألوه نصرتهم عَلَيْهِ فَوَعَدَهُمْ بِخَير وقوى عزايمهم فَحَلَفُوا لَهُ. ثمَّ سَارُوا بِهِ إِلَى بولاق التكرووي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حَتَّى وافى شط النّيل فَلم يجد مراكب يعدى بهَا النّيل فخيم هُنَاكَ بِمن مَعَه وَنُودِيَ بِالْإِقَامَةِ ثَلَاثَة أَيَّام. وكتبت البطايق إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط ورشيد والبرلسي على أَجْنِحَة الْحمام بقدوم من بهَا من الْأُمَرَاء والأجناد المركزين فِي اليزك على الْعَادة لحفظ الثغور من الفرنج. وَكتب بِحُضُور من بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري أَيْضا فقدموا شَيْئا بعد شَيْء. وَأخذ وُلَاة الجيزة فِي جمع المراكب من شاطىء النّيل فَجمعُوا مِنْهَا عدَّة ركب بهَا طَائِفَة فِي اللَّيْل. وَأخذُوا كثيرا من الشواني الحربية الَّتِي فِي وسط النّيل وضموا بهَا مَا بقى مِنْهَا وصاروا بهَا جَمِيعًا إِلَى بولاق التكروري وفيهَا آلَات الْحَرْب فَمَا طلع النَّهَار حَتَّى زينت ونصبت عَددهَا وعمرت بِالرِّجَالِ البحرية والمماليك السُّلْطَانِيَّة فَكَأَن الْأَمِير يلبغا إِنَّمَا تَعب فِيهَا لتَكون مقاتلة لَهُ ومزيلة نعْمَته وسالبة لملكه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس: ركب الْأَمِير يلبغا فِي عَسْكَر موفور إِلَى الجزيرة فبرزت إِلَيْهِ الشواني من بر الجيزة حَتَّى صَارَت فِي وسط النّيل ورمته المماليك السُّلْطَانِيَّة مِنْهَا بِالسِّهَامِ والنفط فمازال الْقَوْم يترامون نهارهم ثمَّ أَمر يلبغا فجيء إِلَيْهِ بالخليفة وآنوك ابْن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون. وَطلب يلبغا من الْخَلِيفَة أَن يُفَوض إِلَيْهِ السلطة عوضا عَن أَخِيه شعْبَان بن حُسَيْن فَامْتنعَ الْخَلِيفَة من ذَلِك. وَاحْتج بِأَن الشَّوْكَة للأشرف شعْبَان فَأمر يلبغا بالكوسات فدقت وَأقَام شعار السلطنة كُله وَقَالَ: أَنا أعينه وأؤيده.

ص: 300

وَمن الشَّوْكَة غَيْرِي فَلم يجد الْخَلِيفَة بدا من سلطة آنوك فأقاموه سُلْطَانا ولقبوه بِالْملكِ الْمَنْصُور وأركبوه بالشعار السلطاني. واشتدت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ يَوْم الْخَمِيس وَلَيْلَة الْجُمُعَة. وَجلسَ الْمَنْصُور آنوك بكرَة يَوْم الْخَمِيس وَبَين يَدَيْهِ أَرْبَاب الدولة من الْأُمَرَاء وأرباب الأقلام على الْعَادة. فَلَمَّا انْقَضتْ الْخدمَة ركب بالعساكر مَعَ الْأَمِير يلبغا للحرب. وَاسْتمرّ الرَّمْي من الشواني طول النَّهَار إِلَى نصف نَهَار يَوْم السبت. ثمَّ نزل عدَّة من الأشرفية فِي أَرْبَعَة شواني يُرِيدُونَ جِهَة الرَّوْضَة فندب يلبغا جمَاعَة من أَصْحَابه إِلَى جهتهم حَتَّى يمنعوهم الصعُود إِلَى الْبر. ثمَّ خرجت ثَلَاث طرايد أَيْضا وَمَضَت من بولاق التكروري تُرِيدُ جِهَة جَزِيرَة الْفِيل وشبرا فسير إِلَيْهِم يلبغا طَائِفَة أُخْرَى تمنعهم النُّزُول إِلَى الْبر وَمِنْهُم الْأَمِير طغاي تمر النظامي والأمير قرابغا البدري والأمير طيبغا المجدي فَالْتَقوا قَرِيبا من الْوراق. وَصَارَ البدري والنظامي فِي جلة الأشرفية فبعثوا بهما إِلَى بولاق التكروري. وَنزل الأشرفية إِلَى نَاحيَة شبْرًا فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فملكوا الْبر الشَّرْقِي. هَذَا وأسواق الْقَاهِرَة طول هَذِه الْأَيَّام مغلقة والأسباب متعطلة وَلَيْسَ للنَّاس شغل سوى التفرج فِي شاطىء النّيل على المقاتلين من السُّلْطَانِيَّة واليلبغاوية وصاروا يلهجون كثير بقَوْلهمْ. السُّلْطَان الجزيرة مَا يُسَاوِي شعيرَة. يُرِيدُونَ أَن أَمر آنوك لَا يتم ويهزأون بِهِ وَصَارَ الْأَمِير قجماس الطازي يمر فِي قَارب لطيف وَمَعَهُ طَائِفَة حَتَّى يقرب من الْبر ويرمى بالنشاب فيرموه أَيْضا ويتسابقوا وتعصبت الْعَامَّة للسُّلْطَان وَعمِلُوا لَهُم رايات وسبحوا النّيل إِلَيْهِ وصاحوا عِنْده السُّلْطَان مَنْصُور فَأخذ أَمر يلبغا ينْحل. فَلَمَّا قدم البدري والنظامي على السُّلْطَان. وأعلماه بِأخذ السُّلْطَانِيَّة الْبر الشَّرْقِي. وتفرق اليلبغاوية فِي طلب الشواني وأشارا عَلَيْهِ بتعدية النّيل. ركب فِي بَقِيَّة الأغربة بِمن مَعَه وَمضى إِلَى جِهَة شبْرًا والعامة تحاذيه من البرين وتستغيث بِالدُّعَاءِ لَهُ. حَتَّى نزل شبْرًا والتفت عَلَيْهِ جموعه فَسَار يُرِيد القلعة فتسلل أَصْحَاب يلبغا عَنهُ طَائِفَة بعد طَائِفَة. فَلم يجد يلبغا بدا من الْفِرَار وَتوجه يُرِيد القلعة. وَقد فر عَنهُ من كَانَ قد بَقِي مَعَه من الْأُمَرَاء وهم يَعْقُوب شاه وأرغون ططر وبيبغا العلاي الدوادار وخليل بن قوصون وأقبغا الْجَوْهَرِي وكمشبغا وبيبغا شقير وأينبك. وَلَحِقُوا جَمِيعهم بالسلطان وَلم يتَأَخَّر مَعَ يلبغا سوى علاي الدّين طيبغا حَاجِب الْحجاب. وَكَانَ الْعَامَّة قد لقبوه قنصا ونسن. وفر مماليكه شَيْئا بعد شَيْء. فأيقن بالزوال. وَبعث بسُلْطَان الجزيرة آنوك إِلَى القلعة وأصعد بكوساته إِلَى الطبلخاناه وَنزل عَن فرسه تَحت الميدان

ص: 301

بسوق الْخَيل وَصلى رَكْعَتَيْنِ وَحل سَيْفه من وَسطه. وَأمر طيبغا حَاجِب الْحجاب أَن يمْضِي بِهِ ثمَّ ركب فرسه وَمضى إِلَى دَاره بالكبش وَلم يبْق مَعَه إِلَّا دون الْمِائَة فَارس والعامة تهزأ بِهِ وتسبه وترجمه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وصل دَاره. وَقدم السُّلْطَان إِلَى القلعة فِي عساكره وعساكر يلبغا وعالم كَبِير من الْعَامَّة. فَدخل من بَاب الإصطبل أول لَيْلَة الْأَحَد فَنزل عِنْد بَابه. والكوسات تدق والعساكر واقفة تَحت القلعة فِي الرميلة. ثمَّ أَمر بإحضار يلبغا فأحضر إِلَيْهِ فِي الْحَال مَعَ عدَّة من الْأُمَرَاء والمماليك المتوجهين إِلَيْهِ من قبل السُّلْطَان وأحضر مَعَه طيبغا حَاجِب الْحجاب فحبسا بالقلعة فَخَشِيت المماليك مِنْهُ أَن يفرج السُّلْطَان عَنهُ فيبيدهم فصاروا بأجمعهم إِلَى أكابرهم والأعيان مِنْهُم وهم الْأَمِير أسنَدُمر والأمير أَقبُغا حَلَب والأمير قجْماس. ومازالوا بهم حَتَّى طلبُوا من السُّلْطَان أَن يُمكنهُم مِنْهُ فخلاهم وإياه فأخرجوه من السجْن وَمَشوا بِهِ حَتَّى قرب من بَاب السلسلة قدم لَهُ فرس لركبه فعندما أَرَادَ ركُوبه بدره من مماليكه قراتَمُر ألْقى رَأسه عَن بدنه واقتحم بَقِيَّتهمْ عَلَيْهِ بسيوفهم حَتَّى أتلفوا شلوه. وحملوا رَأسه إِلَى السُّلْطَان وَبَين يَدَيْهِ مشعل قد أضرمت ناره وَعلا لهبه فَألْقوا الرَّأْس فِي النَّار ثمَّ أَخْرجُوهُ وغسلوه فَعرفهُ من هُنَالك بسلعة كَانَت تَحت أُذُنه. وحملت جثته إِلَى خلف القلعة. فَعِنْدَ ذَلِك قَامَ السُّلْطَان وَصعد إِلَى قصره من القلعة فَأخذ الْأَمِير طاش تَمُر - دوادار يلبغا - الرَّأْس وتتبع الجثة حَتَّى وجدهَا فِي ليلته. ثمَّ غسل الْجَمِيع وَدَفنه بتربته الْمَعْرُوفَة بتربة يَلْبُغا خَارج بَاب المحروق من الْقَاهِرَة وَذَلِكَ لَيْلَة الْأَحَد عَاشر شهر ربيع الآخر. واستمرت الكوسات تدق طول تِلْكَ اللَّيْلَة والعساكر واقفة تَحت القلعة حَتَّى أصبح نَهَار الْأَحَد صعدوا إِلَى الْخدمَة بالقلعة وَقد تعين مِنْهُم الْأَمِير أقبغا الجلب والأمير أسندمر والأمير قجماس وَأخذُوا فِي تَدْبِير أُمُور الدولة وقبضوا على الْأَمِير قرابغا البدري والأمير يَعْقُوب شاه والأمير يَلْبُغا الدوادار وقيدوهم وبعثوا بهم فحبسوا بالإسكندرية وألزم الْأَمِير خَلِيل ابْن قوصون بِأَن يُقيم فِي دَاره بطالا. هَذَا وَقد امتدت أَيدي الْعَامَّة وأسافل الأجناد إِلَى بيُوت الْأَعْيَان فنهبوها بِحجَّة أَنهم من حَوَاشِي يلبغا حَتَّى شنع الْأَمر فِي ذَلِك. ونهبوا بَيت الْأَمِير فَخر الدّين ماجد بن قزوينة وبيوت ألزامه وَأَتْبَاعه ونهبوا بَيت الْأَمِير علاي الدّين وَالِي الْقَاهِرَة. وَصَارَ من يُرِيد أَن يبلغ عَن عدوه مَا يُرِيد يَقُول عَنهُ أَنه يلبغاوي فَمَا هُوَ إِلَّا أَن تسمع الْعَامَّة عَنهُ

ص: 302

ذَلِك وَإِذا بهم أَتَوا كَأَنَّهُمْ جَراد منتشر فَمَا يعفوا وَلَا يكفوا. وَإِن صدفوا فِي طريقهم أحدا سلبوه ثِيَابه. فَحل بِالنَّاسِ من هَذَا بلَاء لايمكن وَصفه وتخوف كل أحد أَن يُصِيبهُ بلاؤهم. فتنهب دَاره ثمَّ تخرب وتتفرق آلاتها فِي الْأَيْدِي كَمَا فعل بجاره أَو قَرِيبه أوصديقه. فَلَمَّا تجَاوز الْعَامَّة فِي إفسادهم الْمِقْدَار ركب الْأَمِير ضروط الْحَاجِب وَمَعَهُ وَالِي الْقَاهِرَة فِي عَشِيَّة النَّهَار وَنُودِيَ بالأمان. وَأَن غَرِيم السُّلْطَان قد أمسك وَمن تعرض لأحد من النَّاس أَو نهب شَيْئا حل مَاله وَدَمه للسُّلْطَان وشق فانكفوا عَن فسادهم. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل من القلعة على الْعَادة وخلع على الْأَمِير قشتمر المنصوري. وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وخلع على الْأَمِير أيدَمر الشَّامي وَاسْتقر مقدم ألف نَاظر الأحباس دوادارا كَبِيرا وعَلى الْأَمِير قجماس الطازي. وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وعَلى الْأَمِير ضروط وَاسْتقر حاجباً عوضا عَن يَعْقُوب شاه. وعَلى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قماري. وَاسْتقر أَمِير شكار عوضا عَن جمال الدّين عبد الله بكتَمر الْحَاجِب. وخلع على الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن قزوينة وَاسْتمرّ على عَادَته وَقبض على الْأَمِير أرغون الْعزي والأمير أرغون الأرغوني والأمير أزدَمُر الْعزي أَبُو دقن والأمير يُونُس الْعمريّ الرماح والأمير أقبغا الْجَوْهَرِي والأمير كمشبغا الْحَمَوِيّ الْأَمِير نوبَة يلبغا. وسجنوا بالقلعة ماعدا كمشبغا الْحَمَوِيّ وأقبغا الْجَوْهَرِي فَإِنَّهُمَا سجنا بخزانة شمايل. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره: قبض على الْأَمِير آَينبك البدري فَصَالح عَن نَفسه بِأَن ينْفق على المماليك الأجلاب من مَاله فأنفق فيهم وَكَانُوا ألفا وثماني ماية مَمْلُوك وعَلى كل مَمْلُوك مِنْهُم ألف دِرْهَم فضَّة عَنْهَا يَوْمئِذٍ زِيَادَة على خمسين مِثْقَالا من الذَّهَب وَحمل مَالا جزيلاً إِلَى الْأُمَرَاء حَتَّى أُعِيد إِلَيْهِ إقطاعه. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره: توجه الْأَمِير تغرى برمش بعدة من الْأُمَرَاء والمماليك الْمَقْبُوض عَلَيْهِم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا. وَفِي الْخَمِيس رَابِع عشره: قدم الْأَمِير ألطنبغا البشتَكي نَائِب غَزَّة. وَفِي لَيْلَة السبت سادس عشره: أخرج كمشبغا الْحَمَوِيّ وأقبغا الْجَوْهَرِي من خزانَة شمايل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة.

ص: 303

وَفِي يَوْم السبت: الْمَذْكُور خُلع على الْأَمِير طيدَمُر البالسي وَاسْتقر أستادار على الْأَمِير قرابغا الصَرْغَتمشي أحد العشرات بتقدمة ألف. وَفِي عشرينه: خلع على الْأَمِير أَسنبغا القوصوني وَاسْتقر لالا عوضا الأحمدي وَاسْتقر قراتمر المحمدي خازندار عوضا عَن ملكتمُر المحمدي. وَفِيه قدم الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي من قوص فقربه وأكرمه. وَنُودِيَ فِي النَّاس: من قطع طيبغا حَاجِب الْحجاب خبزه وَقت الْعرض فليحضر وَيَأْخُذهُ. فَاجْتمع كثير مِنْهُم فِي دَار الْأَمِير قَشْتَمُر حَاجِب الْحجاب فَرد إِلَيْهِم أخبازهم. وَفِيه كثرت المرافعات على الْأَمِير آينبك فَرد إِلَى جمَاعَة كَبِيرَة مَا كَانَ أَخذ مِنْهُم أَيَّام يلبغا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى: خلع على الْوَزير فَخر الدّين ماجد ابْن قزوينة وَلم يقدر على أَخَوَيْهِ سعد الدّين وَعلم الدّين إِبْرَاهِيم. وعزل الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن كلفت شاد الدَّوَاوِين وَقبض عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه زين الدّين رَجَب. وخلع على فَخر الدّين ماجد - ويدعى عبد الله بن التَّاج مُوسَى ويدعى مَالك الرّقّ ابْن أبي شَاكر كَاتب الْأَمِير يلبغا وَاسْتقر فِي الوزارة وَنظر الْخَاص عوضا عَن الْفَخر بن قزوينة. وخلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين وسُلم ابْن قزوينة للأمير قرابغا الصرغتمشي ليستخلص أَمْوَاله. وَفِي سادس عشره: خلع على الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي وَاسْتقر مقدم المماليك على عَادَته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: نزل جمَاعَة الْأُمَرَاء من القلعة إِلَى الْمدرسَة المنصورية فَحَلَفُوا بهَا وخلع عَلَيْهِم بالشرابيش على الْعَادة وركبوا إِلَى القلعة وَقد زينت الْقَاهِرَة لَهُم فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه نقل الْأَمِير عَلَاء الدّين وَالِي الْقَاهِرَة إِلَى مصر، وَاسْتقر عوضه فِي ولَايَة

ص: 304

الْقَاهِرَة الشريف بكتمُر فُسر النَّاس بعزله وَزَوَال دولة يلبغا وَقبض ابْن قزوينة وأبقوا الزِّينَة يومهم كُله. وَفِي ثامن عشره: قدمت رسل متملك جنوة من بِلَاد الفرنج يسْأَل أَن تمكن تجارهم فِي الْقدوم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة على عَادَتهم فأجيبوا إِلَى ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شهر رَجَب: ركب الْأُمَرَاء للحرب بِالسِّلَاحِ ووقفوا تَحت القلعة وَكَانَ قد أشيع أَن الأجلاب اليلبغاوية يُرِيدُونَ الْحَرْب وَقبض الْأُمَرَاء وأَول مَا بدأوا بِهِ أَن قبضوا على الْأَمِير قرابغا الصرغتمشي وحبسوه وَأَقَامُوا على تخوف هَذَا وَقد تفاحش أَمر الأجلاب بِحَيْثُ سلبوا النَّاس فِي الطرقات وهجموا الحمامات على النِّسَاء وأخذوهن بالقهر وقصدوا أَرْبَاب الْأَمْوَال بالأذى حَتَّى شَمل الْخَوْف النَّاس. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه: ركب الْأَمِير تغرى بَرْمِش للحرب فِي جمَاعَة كَبِيرَة من الأجلاب فَركب الْأُمَرَاء لحربهم وقبضوا على تغرى برمش الْمَذْكُور وعَلى الْأَمِير آيْنَبَك البدري والأمير قرابغا الْعُزَّى والأمير مُقبل الرُّومِي وَإِسْحَاق الرَّحبِي وبعثوا بهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وقبضوا أَيْضا عدَّة من الأجلاب ونفوهم من أَرض مصر. وَفِي سادس عشرينه: أنعم على الْأَمِير أقطاى بتقدمة ألف وعَلى الْأَمِير قطلوبُغا جركس بتقدمة ألف وَكَانَ الْأَمِير أسندمر قد صَار فِي رُتْبَة أستاذه يلبغا وَإِلَيْهِ تَدْبِير أُمُور الدولة وَعنهُ يصدر ولَايَة أَرْبَابهَا وعزلهم وَسكن فِي دَار يلبغا بالكبش. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد سَابِع شَوَّال: بلغ الْأَمِير أسندَمُر أَن جمَاعَة من الْأُمَرَاء قد اتَّفقُوا على الفتك بِهِ وبالأجلاب وهم أعضاده وبهم يصول. فَخرج لَيْلًا من دَاره إِلَى دَار الْأَمِير قجماس الطازي وبذل لَهُ مَالا كَبِيرا حَتَّى استماله إِلَيْهِ. ثمَّ فَارقه وَفِي ظَنّه أَنه قد صَار مَعَه وَلم يكن كَذَلِك. وَعَاد إِلَى منزله بالكبش واستدعى خواصه من اليلبغاوية وَقرر مَعَهم أَنه إِذا ركب للحرب يقتل كل وَاحِد مِنْهُم أَمِيرا أَو يقبض عَلَيْهِ وبذل لَهُم مَالا كَبِيرا حَتَّى وافقوه وَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرج أسنَدمر من عِنْد قجماس ليدبر مَا قد ذكر مَعَ الأجلاب. ركب قجماس إِلَى جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَقرر مَعَهم الْقَبْض على أسنَدمُر فَرَكبُوا مَعَه للحرب ووقفوا تَحت القلعة فَنزل السُّلْطَان فِي الْحَال إِلَى الإصطبل ودقت الكوسات حَرْبِيّا. وَأما أسندمر فَإِنَّهُ بَات هَذِه اللَّيْلَة فِي إصطبله حَتَّى طلعت الشَّمْس ركب من

ص: 305

الْكَبْش بِمن مَعَه من اليلبغاوية وَغَيرهم وَمضى نَحْو القرافة وَمر من وَرَاء القلعة حَتَّى وافاهم من تَحت دَار الضِّيَافَة ووقف تَحت الطلبخاناه فَالتقى مَعَ الْأُمَرَاء واقتتلوا فَهَزَمَهُمْ بِمن كَانَ قد دبر مَعَهم من اليلبغاوية فِي اللَّيْل قبض الْأُمَرَاء أَو قَتلهمْ. وَثَبت الْأَمِير ألجَاي اليوسفي والأمير أرغون ططر وقاتلا أسندمر إِلَى قبيل الظّهْر فَلَمَّا لم يجد معينا وَلَا ناصراً انكسرا إِلَى قبَّة النَّصْر وانفض الْجمع بعد مَا قتل الْأَمِير ضروط الْحَاجِب وجرح الْأَمِير قجماس والأمير أقبغا الجلب وَكثير من الأجناد والعامة فَقبض الْأَمِير أَسَندَمر على الْأَمِير قجماس والأمير أَقبغا الجلب والأمير أقطاي والأمير قُطْلُوبغا جركس وَهَؤُلَاء أُمَرَاء أُلُوف. وَقبض من أُمَرَاء الطلبخاناه على قرابغا شاد الأحواش واختفى كثير من الْأُمَرَاء. وَمَرَّتْ مماليك أَسَندَمُر وَطَائِفَة من الأجلاب فِي خلق كثير من الْعَامَّة فنهبوا بيُوت الْأُمَرَاء فَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة من أشنع حوادث مصر وَأَعْظَمهَا فَسَادًا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء: غَد الْوَاقِعَة قبض على الْأَمِير أيدمر الشَّامي الدوادار فَضَربهُ الْأَمِير أَسَندمر ضربا مبرحاً وعنفه على مُخَالفَته عَلَيْهِ. ثمَّ قَيده مَعَ بَقِيَّة من قبض عَلَيْهِ. وَفِيه أمسك أَيْضا الْأَمِير أُلْجاي اليوسفي أحد أُمَرَاء الألوف والأمير يلبغا شُقَير أحد الطبخاناه فقيدوا وَحمل الْجَمِيع إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. فسجنوا بهَا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: قبض على الْأَمِير طُغاى تَمُر النظامي - أحد الألوف - وعَلى الْأَمِير أرغون طَطَر - أحد الألوف - وعَلى قُطلُوبغا الشَّعْبَانِي. وأيدَمُر الخطاي وتمراز الطازي وهم من الطلبخاناه. ثمَّ قبض على الْأَمِير ألطنبغا الأحمدي أحد مقدمي الألوف وعَلى طاجار من عوض وآسن الناصري. وقراتمر المحمدي وقرابغا الأحمدي من الطلبخاناه. وعَلى جمَاعَة أُخْرَى فَكَانَت عدَّة من قبض عَلَيْهِ أسندَمُر خَمْسَة وَعشْرين أَمِيرا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه: اسْتَقر أَزْدَمُر الْعُزَّى أَبُو دقن أَمِير سلَاح وجركَتَمر السيفي منجك أَمِير مجْلِس وألطبغا اليلبغاوي أحد العشرات رَأس نوبَة كَبِير وأنعم عَلَيْهِ بمأمرة ماية. وَاسْتقر قطلو أقتمر العلاي أَمِير جندار وسلطان شاه حاجباً ثَانِيًا. وأنعم على يبرم الْعُزَّى أحد الأجناد بتقدمة ألف وَأعْطى إقطاع طُغَاى تَمُر النظامي وَجَمِيع مَاله من خيل ومماليك وقماش وَمَال وغلال وَغير ذَلِك وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا وخلع عَلَيْهِم وعَلى الْأَمِير خَلِيل بن قوصون وعَلى الْأَمِير قُنقُ الْعُزَّى

ص: 306

والامير أرغون القَشْتَمُري وعَلى مُحَمَّد بن طيطَق العلاي - وَاسْتقر - جوكندار - وعَلى قَرْمش الصَرغَتْمشي وعَلى الْأَمِير مبارك الطازى والأمير إينال اليوسفي وعَلى الْأَمِير ملكتمر المحمدي - وَاسْتقر خازندار - وعَلى الْأَمِير بهادر الجمافي وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن ابْن عرام وخلع على ابْن عرام وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وأنعم على كل من أرغون المحمدي الآنوكي الخازن وبزلار الْعمريّ وأرغون المارغوني وَمُحَمّد بن طقبغا الماجاري وباكيش السيفي يلبغا وسودون الشيخوني وأَقبغا آص الشيخوني وكبك الصرغتمشي وجلبان السَّعْدِيّ وإينال اليوسفي وكمشْبغا الطازي وقماري الجمالي وبكتمر العلمي وأَرْسَلان خجا ومبارك الطازي وتَلَكتمُر الكشلاوي وأسنبغا الْعُزَّى وقطلوبغا الْحلَبِي ومأمور القلمطاوي بإمرة طلبخاناة وارتجع عَن أَوْلَاد يلبغا الأتابك تقادمهم وأنعم عَلَيْهِم بطبلخاناه وأنعم على كل من ألطُنْبُغا المحمودي وقرابغا الأحمدي وكَزَك الأرغوني وحاجي بك بن شادي وعَلى بن بكتاش وَرَجَب بن خضر وطيطق الرماح بإمرة عشرَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَقدم الْخَبَر بِاتِّفَاق الْأَمِير طبغا الطَّوِيل نايب حماة والأمير أشقتمُر نايب طرابلس على المخامرة فتجهز الْأَمِير أسندمر الأتابك للسَّفر وَتقدم بتهيؤ الْأُمَرَاء وَبعث القصاد للكشف عَن ذَلِك على الْبَرِيد فعادوا باستمرار بَقِيَّة النواب على الطَّاعَة ماعدا الْمَذْكُورين. فَكتب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا فقبضا وَقبض مَعَهُمَا على إخْوَة طيبغا الطَّوِيل وحملوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مقيدين. وَاسْتقر أسندمر الزيني فِي نِيَابَة طرابلس وأعيد عمر شاه إِلَى نِيَابَة حماة فِي أَوَائِل ذِي الْقعدَة وَاسْتقر أرغون الأزقي فِي نِيَابَة صفد. وَاسْتقر مُحَمَّد بن أقوش الشجاعي فِي ولَايَة الغربية وعَلى الْعمريّ فِي ولَايَة

ص: 307

الأشمونين وَاسْتقر بيبغا القوصوني أَمِير آخور عوضا عَن أقبغا الصفوي بعد مَوته. وَبَلغت زِيَادَة مَاء النّيل إِصْبَعَيْنِ من عشْرين ذِرَاعا ثمَّ زَاد بعد ذَلِك فَلم يتَأذّى بِهِ. وَمر بالحاج مشقة وعناء لقلَّة الْمِيَاه وَمَوْت فَشَا فيهم من شدَّة الْحر والعطش. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان الْأَمِير ألطنبغا الْعُزَّى أحد الطلبخاناه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع شهر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير أقبغا الأحمدي أحد اليلبغاوية وَيعرف بالجلب من أُمَرَاء الألوف الَّذين خامروا على يلبغا. فَلم يمْتَنع بعده. وَمَات الْأَمِير أقبغا الصفوي أَمِير آخور فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي بهاء الدّين حسن بن سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن سُلَيْمَان بن رَيَّان نَاظر الْجَيْش بحلب عَن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق وَقد اعتزل النَّاس. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد عبد الله بن أسعد بن عَليّ بن سُلَيْمَان بن فلاح الشَّافِعِي اليمني بِمَكَّة عَن سبعين سنة. وَله شعر ومصنفات فِي التصوف وَغَيره. وَتُوفِّي نجم الدّين عبد الْجَلِيل بن سَالم بن عبد الرَّحْمَن الْحَنْبَلِيّ الْأَعْمَى أحد شُيُوخ الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين شهر ربيع الأول وَهُوَ عَم الشَّيْخ صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الْأَعْمَى الْحَنْبَلِيّ. وَتُوفِّي قَاضِي حماة أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن وهبان الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ وَقد برع فِي الْقرَاءَات والعربية.

ص: 308

وَتُوفِّي نور الدّين على الدِميري الرجل الصَّالح بِالْقَاهِرَةِ فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشْرين صفر أفنى عمره فِي تَعْلِيم الْقُرْآن وبر الْفُقَرَاء. وَتُوفِّي شرف الدّين عِيسَى الزنكلوني الشَّافِعِي أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي سَابِع عشْرين رَمَضَان. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مَحْمُود بن عبد الضَّيْف البعلبكي الشهير بِابْن الْمجد الشَّافِعِي. ولي قَضَاء طرابلس وحمص وبعلبك وَقدم مصر وبغداد وَسمع الحَدِيث وبرع فِي الْفِقْه وشارك فِي عدَّة فنون. وَتُوفِّي الأديب البارع جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي الْحسن بن صَالح بن عَليّ بن يحيى بن طَاهِر بن مُحَمَّد الْخَطِيب بن عبد الرَّحِيم بن نباتة الْمصْرِيّ بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب نَاظر الْخَاص فَخر الدّين ماجد بن قزوينة الْأَسْلَمِيّ تَحت الْعقُوبَة فِي ثامن جُمَادَى الآخر وَترك بالأهراء السُّلْطَانِيَّة مَا ينيف على ثَلَاثمِائَة ألف أردب وَفِي النواحي مغل سنتَيْن وَكَانَ يحمل إِلَى الْأَمِير يلبغا بعد تكفية السُّلْطَان وتكفية الْأَمِير يلبغا وَصرف الرَّوَاتِب فِي كل شهر سِتِّينَ ألف دِينَار وَكَانَ أَمينا عَارِفًا مهاباً عمر بيُوت الْأَمْوَال وخزائن الْخَاص بأنواع الْأَمْوَال إِلَّا أَنه كَانَ كثير الترفع حَتَّى على الْأُمَرَاء فعذب عذَابا شنيعاً وَضرب غير مرّة بالمقارع ولفت أَصَابِع يَده الْيُمْنَى بالمشاق وغمست فِي الزَّيْت ثمَّ أشعلت بالنَّار حَتَّى احترقت يَده كلهَا وَعمل

ص: 309

فِي عُنُقه الْحَدِيد وَصَارَ يمر بالأسواق وَهُوَ كَذَلِك على حمَار. وَيذكر أَن فَقِيرا قدم لَهُ فِي وزارته فمزقها وطرده فَدَعَا عَلَيْهِ وَخرج فَلم يمض سوى أَيَّام حَتَّى قبض عَلَيْهِ وعذب إِلَى أَن مَاتَ. وَتُوفِّي الْأَمِير تمرتاش العلاي خازندار يلبغا أحد الطبلخاناه فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر ربيع الآخر. وَتُوفِّي الشَّيْخ المسلك يُوسُف بن عبد الله بن عمر بن عَليّ بن خضر الكوراني الْكرْدِي العجمي مرَبي الْفُقَرَاء فِي يَوْم الْأَحَد النّصْف من جُمَادَى الأولى بزاويته من القرافة. وَقتل صَاحب فاس ملك الْمغرب أَبُو زيان بن الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن بن أبي الْحسن فِي الْمحرم. وأقيم بعده عَمه عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن، رحمه الله.

ص: 310