المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌(سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْأَحَد أول شَوَّال)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشر ربيع الآخر)

- ‌(سنة خمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي عَاشر جُمَادَى الآخر)

- ‌(سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي رَجَب)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشريه)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ فِي خمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرى شَوَّال)

- ‌(سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة)

الفصل: ‌(سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة)

(سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة)

فِي أول الْمحرم: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا أَن الشريف ثقبة لما نزل بطن مر وتدم إِلَى مَكَّة متسفر الْحَاج حسام الدّين لاجين وَعرف الشريف عجلَان بانفراد أَخِيه ثقبة بالإمرة امْتنع الشريف عجلَان من تَسْلِيمه مَكَّة. وَعَاد حسام الدّين إِلَى ثقبة فأقاما حَتَّى قدم الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير طيبغا المجدى. فَتَلقاهُ ثقبة وَطلب مِنْهُ أَن يحارب مَعَه عجلَان فَلم يُوَافقهُ على محاربته فأسمعه مَا لَا يَلِيق وهدده أَنه لَا يُمكن الْحَاج من دُخُول مَكَّة. وَقَامَ ثقبة عَنهُ وَقد اشْتَدَّ غَضَبه وألبس من مَعَه من العربان وَغَيرهم السِّلَاح. فَاجْتمع أَمِير الركب وقاضي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة - وَكَانَ قد توجه صُحْبَة الركب لِلْحَجِّ - واتفقا على إرْسَال الحسام إِلَى عجلَان وَمَعَهُ ابْن جمَاعَة. فجرت لَهُم مَعَه منازعات آخرهَا أَن تكون الإمرة شركَة بَينه وَبَين أَخِيه ثقبة. وعادا إِلَى بطن مر وقررا ذَلِك مَعَ ثقبة حَتَّى رَضِي وَسَارُوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة. فَتَلقاهُمْ عجلَان على الْعَادة وأنصف ثقبة وأنعم عَلَيْهِ بسبعين ألف دِرْهَم. وَكَانَت الوقفة بِعَرَفَة يَوْم الْجُمُعَة وجاور قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة. وَلَقي الْحَاج من عبيد مَكَّة شرا كثيرا. وَفِيه قدم الْخَبَر أَن الْمُجَاهِد قدم إِلَى تعز فِي ثامن عشري ذِي الْحجَّة الْمَاضِيَة وَاسْتولى على ملكه. وَكَانَت أمه قد ضبطت الْبِلَاد فِي غيبته وأنفقت عِنْد قدومها مائَة ألف دِينَار للشريف الزيدي صَاحب صنعاء وَلأَهل الْجبَال ولأكابر المملكة حَتَّى أَقَامَت ابْن الْمُجَاهِد واسْمه الصَّالح. ثمَّ قبضت عَلَيْهِ وساست الْأُمُور ووفت مَا اقترضه الْمُجَاهِد من التُّجَّار. بِمصْر. وَفِيه قدم الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف والأمراء من بِلَاد الصَّعِيد فَركب الأحدب وكبس نَاحيَة طما على بني هِلَال وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَنهب مَا وجد. فَتوجه إِلَيْهِم الْأَمِير بلبان السناني الأستادار. بمضافيه والأمير قمارى الْحَمَوِيّ الحاحب وعدة من أَوْلَاد الْأُمَرَاء فِي مستهل صفر ليقيموا حَتَّى يتم قبض الْمغل. وَفِيه اسْتَقر ابْن عقيل فِي ولَايَة البهنسي وَاسْتقر بيبغا الشمسي فِي ولَايَة إطفيح. وكانتا مَعَ أسندمر مَمْلُوك أزدمر الْأَعْمَى الكاشف فَعَادَت العربان بعد عزل أسندمر إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْفساد.

ص: 153

وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر ربيع الأول: قدم الْأَمِير أيتمش الناصري من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وَخرج من الْقَاهِرَة فِي يَوْم السبت ثَالِث عشرَة إِلَى صفد بطلانا. وَفِي حادي عشريه: نفي الْأَمِير قردم أَمِير آخور إِلَى صفد ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإقطاع يلك الحسني الأرغوني الْحَاجِب وَأَن يحضر يلك إِلَى مصر فَلَمَّا حضر يلك هَذَا - وَيعرف بيلك الشّحْنَة - أنعم عَلَيْهِ بإقطاع قردم. وَفِيه اسْتَقر يلك الحسني الأرغوني الحاحب أَمِير آخور عوضا عَن قردم على إقطاعه وَهُوَ حاحب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشريه: أخرج الْأَمِير ألطنبغا العلائي شاد الشرابخاناه إِلَى حلب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شرع الْأَمِير طاز فِي عمَارَة قصر وإسطبل تجاه حمام الفارقاني بجوار الْمدرسَة البندقدارية وَأدْخل فِيهِ عدَّة أَمْلَاك. وَتَوَلَّى عِمَارَته الْأَمِير منجك وَحمل إِلَيْهَا الْأُمَرَاء وَغَيرهم من الرخام وآلات الْعِمَارَة شَيْئا كثيرا. وَفِيه ابْتَدَأَ الْأَمِير صرغتمش عمَارَة إصطبل الْأَمِير بدرجك بجوار بِئْر الوطاويط قَرِيبا من الْجَامِع الطولوني وَأدْخل فِيهِ عدَّة دور وَحمل إِلَيْهِ النَّاس مَا يحْتَاج اليه من الرخام وَغَيره. وَفِيه عوفي الْأَمِير قبلاي النَّائِب وَركب الموكب. وَكَانَ مُنْذُ اسْتَقر فِي النِّيَابَة مَرِيضا بوجع المفاصل لم يركب فرسا وَإِنَّمَا يجلس فِي شباك النِّيَابَة للْحكم بَين النَّاس. ومشت فِي ولَايَته المقايضات والنزولات عَن الإقطاعات فَزَاد فَسَاد الأجناد بِكَثْرَة دُخُول أَرْبَاب الصَّنَائِع فيهم. وفحش ذَلِك حَتَّى نزل مقدمو الْحلقَة عَن التقدمة وَقَامَ جمَاعَة نَحْو الثلاثمائة رجل عرفُوا بالمهيسين على الإقطاعات وصاروا يطوفون على الأجناد ويبذلون لَهُم الرغبات فِي النُّزُول عَن إقطاعاتهم. وَفِيه خلع على الْأَمِير صرغتمش وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير فِي رُتْبَة الْأَمِير شيخو بِاخْتِيَارِهِ. وَجعل إِلَيْهِ التَّصَرُّف فِي أُمُور الدولة كلهَا من الْولَايَة والعزل وَالْحكم مَا عدا مَال الْخَاص فَإِن الْأَمِير شيخو متحدث فِيهِ وَمَا عدا أُمُور الوزارة. فقصده النَّاس وَكَثُرت مهابته وعارض الْأُمَرَاء فِي جَمِيع أفعالهم. وَأَرَادَ صرغتمش أَلا يعْمل شَيْء إِلَّا

ص: 154

من بَابه وبإشارته فان تحدث غَيره فِي عزل أَو ولَايَة غضب وأبطل مَا تحدث فِيهِ وأخرق بِصَاحِبِهِ. وَفِيه اجْتمع الْأُمَرَاء على استبداد السُّلْطَان بِالتَّصَرُّفِ وَأَن يكون مَا يرسم بِهِ على لِسَان الْأَمِير صرغتمش رَأس نوبَة. وَفِيه قدم الْخَبَر من مَكَّة بِأَن الأسعار بهَا غلت حَتَّى بلغ الأردب الْقَمْح ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَالشعِير مِائَتي دِرْهَم والراوية المَاء بأَرْبعَة دَرَاهِم مسعودية فأغاثهم الله تَعَالَى فِي أول يَوْم من الْمحرم. بمطر اسْتمرّ ثَلَاثَة أَيَّام فانحل السّعر وأبيع الأردب الْقَمْح بِمِائَة وَخمسين درهما والراوية المَاء بِنصْف وَربع مسعودي لجَرَيَان مَاء عين جوبان. وَفِيه قدم الْخَبَر بِنفَاق عرب الصَّعِيد ونهبهم سقط ميدان وَقتل أَهلهَا وَنهب بِلَاد سودى بن مَانع وَأَن أهل منفلوط رجموا الْوَالِي. فألزم الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف بِالْخرُوجِ إِلَيْهِم وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف أردب شعير وَأَرْبَعين ألف دِرْهَم قبضهَا وسافر. وَفِيه قدم الْخَبَر أَن طَائِفَة الزيلع كَانَت عَادَتهم حمل قطيعة فِي كل سنة إِلَى ملك الْحَبَشَة من تقادم السنين. فَقَامَ فِيهَا عبد صَالح ومنعهم من الْحمل وشنع عَلَيْهِم إعطاءهم الْجِزْيَة وهم مُسلمُونَ لنصراني ورد رَسُول ملك الْحَبَشَة. فشق ذَلِك على ملك الْحَبَشَة وَخرج بعساكره ليقْتل الزيلع عَن آخِرهم. فَلَمَّا صَار على يَوْم مِنْهُم قَامَ العَبْد الصَّالح تِلْكَ اللَّيْلَة يسْأَل الله تَعَالَى كِفَايَة أَمر الحبشي فَاسْتَجَاب دعاءه. وعندما ركب ملك الْحَبَشَة بكرَة النَّهَار أظلم الجو - حَتَّى كَاد الرجل لَا يرى صَاحبه - مِقْدَار سَاعَة ثمَّ انقشع الظلام وأمطرت السَّمَاء عَلَيْهِم مَاء متغير اللَّوْن بحمرة وأعقبه رمل أَحْمَر امْتَلَأت مِنْهُ أَعينهم ووجوههم وَنزل من بعده حيات كَبِيرَة جدا فقتلت مِنْهُم عَالما كثيرا. فَعَاد بَقِيَّتهمْ من حَيْثُ أَتَوا وَهلك فِي عودهم معظمهم دوابهم وَكثير مِنْهُم. وَفِيه تزايد تسلط الْأَمِير صرغتمش رَأس نوبَة وَكثر ترفعه. فتنكر لَهُ الْأُمَرَاء وَكَثُرت الأراجيف بِوُقُوع الْفِتْنَة بَينهم وإعادة النَّاصِر حسن ومسك شيخو وطاز وَانْفَرَدَ صرغتمش بِالْكَلِمَةِ فقلق طاز - وَكَانَ حاد الْخلق - وهم بالركوب فَمَنعه

ص: 155

شيخو فاحترز طاز وشيخو. وَأخذ صرغتمش فِي التبرئ مِمَّا رمى بِهِ وَحلف للأمير شيخو والأمير طاز فَلم يصدقهُ طاز وهم بِهِ. فَقَامَ شيخو قيَاما كَبِيرا حَتَّى أصلح بَينهمَا وَأَشَارَ على طاز بالركوب إِلَى عمَارَة صرغتمش فَركب إِلَيْهِ وتصافيا. وَفِيه خلع على جرجى الدوادار وَاسْتقر حاجبا عوضا عَن طشتمر القاسمي باستعفائه. وَفِيه ركب الْأَمِير ضروط الْبَرِيد لطلب جمال وهجن للسُّلْطَان من الْأَمِير فياض بن مهنا فَإِن جمال السُّلْطَان قلت بِحَيْثُ أَنه لما خرج إِلَى السرحة اكترى لَهُ جمالا كَثِيرَة لحمل ثقله وَمنع أَمِير آخور الْكتاب والموقعين وَغَيرهم مِمَّا جرت بِهِ عَادَتهم من حمل أثقالهم على جمال السُّلْطَان. وَفِيه قدم الْخَبَر بفتنة الفرنج الجنوية والبنادقة وَكَثْرَة الحروب بَينهم من أول الْمحرم إِلَى آخر ربيع الآخر. فَقل الْوَاصِل من بِلَاد الفرنج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَعز وجود الْخشب وغلا وَتعذر وجود الرصاص والقصدير والزعفران. وَبلغ الْمَنّ بعد مِائَتي دِرْهَم إِلَى خَمْسمِائَة وَلم يعْهَد مثل ذَلِك فِيمَا سلف. ثمَّ قدم الْخَبَر بِأَن البنادقة انتصرت على الجنوية وَأخذت لَهُم وَاحِدًا وَثَلَاثِينَ غراباً بعد قتل من بهَا. وَفِيه قدم الشَّيْخ أَحْمد الزرعي من الشَّام فَبَالغ الْأَمِير شيخو والأمير طاز فِي إكرامه. وَفِيه قدمت رسل الْأَشْرَف دمرداش بن جوبان صَاحب توريز بكتابه يخبر أَنه قد حسن إِسْلَامه هُوَ وأخوته وأقاربه وَالْتزم سيرة الْعدْل فِي رَعيته وَترك ظلمهم. وشكا الْأَشْرَف دمرداش من كَثْرَة الِاخْتِلَاف بَينهم حَتَّى هلك رَعيته وَطلب أَن يبْعَث إِلَيْهِ. مِمَّن نزح عَن بِلَاده من التُّجَّار وَكتب إِلَيْهِم أَمَانًا وَأَن أرتنا نَائِب الرّوم قد أفسد بِلَاده وَمنع التُّجَّار أَن تسير إِلَيْهِم وَطلب أَلا يدْخل السُّلْطَان بَينهمَا. وَكَانَ قد قدم إِلَى مصر وَالشَّام فِي هَذِه السّنة وَمَا قبلهَا كثير من تجار الْعَجم لسوء سيرة الْوُلَاة فيهم فَعرض عَلَيْهِم أَمَان الْأَشْرَف دمرداش فَلم يوافقوا على الْعود إِلَى بِلَاده. وَفِيه رسم للأمير جرجي الْحَاجِب أَن يتحدث فِي أَمر أَرْبَاب الدِّيوَان ويفصلهم من غرمائهم بِأَحْكَام السياسة وَلم يكن عَادَة الْحجاب فِيمَا تقدم أَن يحكموا فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فاستمر ذَلِك فِيمَا بعد. وَكَانَ سَبَب ذَلِك وقُوف تجار الْعَجم بدار الْعدْل وَذكروا أَنهم لم يخرجُوا من بِلَادهمْ إِلَّا لما نزل بهم من جور التتار وَأَنَّهُمْ باعوا بضائعهم لعدة من تجار الْقَاهِرَة فأكلوها عَلَيْهِم وَأَرَادُوا إِثْبَات إعسارهم على القَاضِي الْحَنَفِيّ وَهُوَ فِي سجنه وَقد فلس بَعضهم. فرسم لجرجي بِإِخْرَاج غُرَمَاء التُّجَّار من

ص: 156

السجْن وخلاصهم مِمَّا فِي قبلهم وَأنكر على القَاضِي الْحَنَفِيّ مَا عمله وَمنع من التحدث فِي أَمر التُّجَّار والمديونين. فَأخْرج جرجي التُّجَّار من السجْن وأحضر لَهُم أعوان الْوَالِي وضربهم وخلص مِنْهُم المَال شَيْئا بعد شَيْء وَمن حِينَئِذٍ صَارَت الْحجاب بِالْقَاهِرَةِ وبلاد الشَّام تتصدى للْحكم بَين النَّاس فِيمَا كَانَ من شَأْن الْقُضَاة الحكم فِيهِ. وَفِيه ركب عرب إطفيح على بيبغا الشمسي ونهبوا مَا مَعَه وهزموه وَخَرجُوا عَن الطَّاعَة فَجرد إِلَيْهِم طَائِفَة من الْأُمَرَاء. وَفِي هَذِه السّنة: رتب الْأَمِير شيخو فِي كل لَيْلَة جُمُعَة وقتا يجْتَمع عِنْده فِيهِ الْفُقَهَاء للمذاكرة وَيقوم الشَّيْخ عَليّ بن الركبدار المادح فينشد من مدائح الصرصري وَنَحْوه مَا يطربهم وينصرفون بعد أكلهم. وَفِيه كثرت الإشاعة بِمَدِينَة حلب أَن الْأَمِير بيبغا روس نائبها يُرِيد الْفِرَار مِنْهَا إِلَى بِلَاد الْعَدو حَتَّى سَاءَهُ ذك وَقبض على عدَّة من الْعَامَّة سمرهم وشهرهم ثمَّ أفرج عَنْهُم. وفيهَا رتب الْأَمِير شيخو فِي الْجَامِع الَّذِي أنشأه للشَّيْخ أكمل الدّين مُحَمَّد الرُّومِي الْحَنَفِيّ مدرساً وَشَيخ صوفية وَقرر لَهُ فِي كل شهر أَرْبَعمِائَة دِرْهَم وَجعل عِنْده عشْرين فَقِيها. وَجعل خَطِيبه جمال الدّين خَلِيل بن عُثْمَان الزولي وَنَقله من مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَى مَذْهَب الْحَنَفِيّ. وَجعل بِهِ درساً للمالكية أَيْضا وَولي تدريبه نور الدّين السخاوي وَقرر لَهُ ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فِي كل شهر. ورتب بِهِ قراء ومؤذنين وَغير ذَلِك من أَرْبَاب الْوَظَائِف وَقرر لَهُم معاليم بلغت جُمْلَتهَا فِي الشَّهْر وَفِيه قدم الشريف طفيل بن أدّى من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة يطْلب تَرِكَة سعد فِي الْإِمَارَة. وَفِيه قدم صدر الدّين سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين سُلَيْمَان بن عبد الْحق فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي توقيع الدست. وَفِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على الْأَمِير شيخو وأعيد رَأس نوبَة عوضا عَن صرغتمش. فَعِنْدَ لبسه التشريف قدم البشير بِوِلَادَة بعض سراريه ولدا ذكرا فسر بِهِ سُرُورًا زَائِدا لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ ذكر.

ص: 157

وهنأه الأدباء بعدة قصائد مِنْهَا أَبْيَات فَخر الدّين عبد الْوَهَّاب كَاتب الدرج قَالَ: بأيمن سَاعَة قدم الْوَلِيد تحف بِهِ النجابة والسعود مبارك غرَّة مَيْمُون وَجه فَيوم وُرُوده بشرى وَعِيد لقد كَادَت سروج الْخَيل تأتى إِلَيْهِ قبل أَن تأتى المهود هِلَال سَوف تستجليه بَدْرًا تَمامًا يَسْتَنِير بِهِ الْوُجُود وشبل سَوف يَبْدُو وَهُوَ لَيْث تروع من بسالته الْأسود وزهرعن قريب مِنْهُ تجنى ثمار كلهَا كرم وجود وفجر سَوف يظْهر مِنْهُ صبح وجوهرة تزان بهَا الْعُقُود أيا من نَفعه عَم البرايا وَيَا من سَعْيه سعي حميد وَمن للْملك مِنْهُ أجل ذخر إِلَى أبوابه يأوى الطريد وَمن لولاه لم تسكن خطوب وَلم تكْتم مواضيها الغمود وَمن قد شدّ لِلْإِسْلَامِ أزرا وأيده وَإِن رغم الحسود لقد وافاك مَوْلُود كريم يَسُرك فِيهِ ذُو الْعَرْش الْمجِيد وَفِي هَذَا الْيَوْم: قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن فِي يَوْم الْجُمُعَة سلخ جُمَادَى الأولى ظهر بقرية حطين من عمل صفد شخص ادّعى أَنه السُّلْطَان أَبُو بكر الْمَنْصُور ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَمَعَهُ جمَاعَة تَقْدِير عشرَة أَنْفَار فلاحين فَبلغ ذَلِك الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا برناق نَائِب صفد فَجهز إِلَيْهِ دواداره شهَاب الدّين أَحْمد وناصر الدّين مُحَمَّد بن البتخاصي الْحَاجِب فَأحْضرهُ. فَجمع لَهُ النَّائِب النَّاس والحكام فَادّعى أَنه كَانَ فِي قوص وَأَن واليها عبد الْمُؤمن لم يقْتله وَأَنه أطلقهُ وَركب فِي الْبَحْر وَوصل إِلَى قطيا وَبَقِي مخفياً فِي بِلَاد غَزَّة إِلَى الْآن وَأَن لَهُ دادة مُقِيمَة فِي غَزَّة عِنْدهَا النمجاة والقبة وَالطير فَقَالَ النَّائِب: إِذا كنت فِي تِلْكَ الْأَيَّام جاشنكيراً وَكنت أمد السماط بكرَة وعشياً وَمَا أعرفك. فَأَقَامَ مصرا على حَاله وانفسدت لَهُ عقول جمَاعَة وَمَا شكوا فِي ذَلِك. فكشف أمره من غَزَّة فَوجدت الْمَرْأَة الَّتِي ذكر أَنَّهَا دادته وَاعْتَرَفت أَنَّهَا أمه وَأَنه يَعْتَرِيه جُنُون مُنْذُ سنَن فِي كل سنة مرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا. وَذكر أهل غَزَّة أَنه يعرف بِأبي بكر بن الرماح وَله سيرة قبيحة وَأَنه ضرب غير مرّة بالمقارع. فَكتب بِحمْلِهِ فخشبه نَائِب صفد فِي يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَجعل الْحَدِيد فِي عُنُقه وَحمله إِلَى السُّلْطَان. فَقدم قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره فَسئلَ بِحَضْرَة الْأُمَرَاء فخلط فِي كَلَامه وهذي هذياناً كثيرا. ثمَّ قدم بَين يَدي السُّلْطَان فَتكلم. مِمَّا سَوَّلت لَهُ

ص: 158

نَفسه. فسمر فِي يَوْم الْخَمِيس عشريه تسمير سَلامَة وَشهر بِالْقَاهِرَةِ ومصر. فَكَانَ فِي تِلْكَ الْحَالة يتحدث أَنه كَانَ سُلْطَانا وَيَقُول: اشفقوا على سلطانكم فَعَن قَلِيل أَعُود إِلَيْكُم. فَاجْتمع حوله عَالم كثير وأتوه بِالشرابِ والحلوى وحادثوه. فَكَانَ إِذا أَتَى اليه أحد بِالْمَاءِ حَتَّى يشربه يَقُول لَهُ: اشرب ششني وَإِذا رأى أَمِيرا قَالَ: هَذَا مملوكي ومملوك أبي. وَيَقُول: لي أُسْوَة بأخي النَّاصِر أَحْمد وَأخي الْكَامِل شعْبَان وَأخي المظفر حاجي الْكل قتلوهم. وَأقَام على الْخشب يَوْمَيْنِ ثمَّ حبس فِي ثالثه فاستمر فِي الْحَبْس على حَاله فَقطع لِسَانه. وَفِيه ادّعى شخص بِالْقَاهِرَةِ النُّبُوَّة وَأَن معجزته أَن ينْكح امْرَأَة فتلد من وَقتهَا ولدا ذكرا يخبر بِصِحَّة نبوته. فَقيل لَهُ: إِنَّك لبئس النَّبِي. فَقَالَ: لكونكم لبئس الْأمة. فسجن وكشف عَن أَمر فَوجدَ لَهُ اثْنَا عشر يَوْمًا مُنْذُ خرج من عِنْد الممرورين بالمارستان وَأَنه أَخذ غير مرّة وَهُوَ وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشريه: سمر ابْن مغنى وَمَعَهُ جمَاعَة قبض عَلَيْهِم الْأَمِير مجد الدّين بن مُوسَى الهذباني. الكاشف من معدية زفتية. وَفِي مستهل رَجَب: قدم الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف وَقد كمل تحضير أَرَاضِي الْوَجْه القبلي وَاطْمَأَنَّ أَهله. وَطلب أزدمر الإعفاء من كشف الْوَجْه القبلي فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن مجد الدّين بن مُوسَى الهذباني. وَفِيه قدم كتاب الْملك الْمُجَاهِد على من الْيمن بوصوله إِلَى بِلَاده وَأَنه جهز تقدمته وأوفي التُّجَّار أَمْوَالهم الَّتِي اقترضها وَأَنه أطلق مراكب التُّجَّار لتسير إِلَّا أَنه منعهَا أَن ترسى بجدة وتعبر إِلَى مَكَّة كَرَاهَة فِي أمرائها. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عَاشر رَجَب: قدم كتاب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام يتَضَمَّن أَنه قبض على قَاصد الْأَمِير منجك الْوَزير بكتابه إِلَى أَخِيه الْأَمِير بيبغا روس نَائِب حلب يحسن لَهُ الْحَرَكَة. وَقد أرْسلهُ الْأَمِير أرغون الكاملي فَإِذا فِيهِ أَنه قد اتّفق مَعَ سَائِر الْأُمَرَاء على الْأَمر وَمَا بَقِي إِلَّا أَن تركب وتتحرك. فَاقْتضى الرأى التأني حَتَّى يحضر الْأُمَرَاء والنائب من الْغَد إِلَى الْخدمَة وَيقْرَأ الْكتاب عَلَيْهِم ليدبروا الْأَمر على مَا يَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق.

ص: 159

فَلَمَّا طلع الْجَمَاعَة من الْغَد إِلَى الْخدمَة لم يحضر منجك فَطلب فَلم يُوجد وَذكر أَتْبَاعه أَنه من عشَاء الْآخِرَة لم يعرفوا خَبره. فَركب الْأَمِير صرغتمش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وكبس بيُوت جمَاعَة فَلم يُوقف لَهُ على خبر. وافتقدوا مماليكه ففقد مِنْهُم اثْنَان. فَنُوديَ عَلَيْهِ فِي الْقَاهِرَة وهدد من أخفاه. وَأخرج عِيسَى بن حسن الهجان فِي جماعته من عرب العايد على النجب لأخذ الطرقات عَلَيْهِ وَكتب إِلَى العربان ونواب الشَّام وولاة الْأَعْمَال على أَجْنِحَة الطُّيُور بتحصيله فَلم يقدر عَلَيْهِ فكبست بيُوت كَثِيرَة. وَكَانَ قد خرج فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشره الْأَمِير فَارس الدّين ألبكي بألفه والأمير طشتمر القاسمي بألفه إِلَى غَزَّة فَأخر أَمرهم وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشريه: قدم الْبَرِيد من دمشق بعصيان الْأَمِير بيبغا روس نَائِب حلب واتفاقه مَعَ الْأَمِير أَحْمد الساقى نَائِب حماة والأمير بكلمش نَائِب طرابلس فَجرد فِي يَوْم السبت سَابِع عشريه جمَاعَة من الْأُمَرَاء وأجناد الْحلقَة إِلَى الصَّعِيد مِنْهُم عمر شاه الْحَاجِب وقماري الْحَاجِب وَمُحَمّد بن بكتمر الْحَاجِب وَشَعْبَان قريب يلبغا. وَكتب لبيبغا روس نَائِب حلب بالحضور إِلَى مصر على يَد سنقر وطيدمر من مماليك الْحَاج أرقطاي وَكتب مَعَهُمَا ملطفات لأمراء حلب تَتَضَمَّن أَنه إِن امْتنع عَن الْحُضُور فَهُوَ مَعْزُول ورسم لَهما أَن يعلمَا بيبغا بذلك أَيْضا مشافهة بِحَضْرَة الْأُمَرَاء فَقدم الْبَرِيد من دمشق. بموافقة ابْن دلغادر لبيبغا روس وَأَنه تسلطن يحلب وتلقب بِالْملكِ الْعَادِل وَأظْهر أَنه يُرِيد مصر لأخذ غُرَمَائه وهم طاز وشيخو وصرغتمش وبزلار وأرغون الكاملي نَائِب الشَّام. فرسم للنائب بيبغا ططر حارس الطير بِعرْض مقدمي الْحلقَة وَتَعْيِين مضافيهم من عِبْرَة أَرْبَعمِائَة دِينَار الإقطاع فَمَا فَوْقهَا ليسافروا. فَقدم الْبَرِيد بِأَن قراجا بن دلغادر قدم حلب فِي جمع كَبِير من التركمان فَركب بيبغا روس وَقد وَاعد نَائِب حماة ونائب طرابلس على مسيرَة أول شعْبَان وَأَنَّهُمْ تلقوهُ بعساكرهم على الدستن. فَركب الْأَمِير أرقطاى الدوادار الْكَبِير الْبَرِيد. بملطفات لجَمِيع أُمَرَاء حلب وحماة ونائب طرابلس فَقدم دمشق وَبعث بالمطلفات لأصحابها فَوجدَ أَمر بيبغا روس قد

ص: 160

قوي وَوَافَقَهُ النواب والعساكر وَابْن دلغادر تركمانه وكسابته وجبار بن مهنا بعربانه فَكتب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام بِأَن سفر السُّلْطَان لابد مِنْهُ وَإِلَّا خرح عَنْكُم جَمِيعه. فاتفق رَأْي الْأُمَرَاء على ذَلِك وَطلب الْوَزير علم الدّين عبد الله ابْن زنبور ورسم لَهُ بتهيئة بيُوت السُّلْطَان وتجهيزه الإقامات فِي الْمنَازل فَذكر أَنه مَا عِنْده مَال لذَلِك فرسم لَهُ بقرض مَا يحْتَاج اليه من التُّجَّار فَطلب الكارم وباعهم غلالا من الأهراء بالسعر الْحَاضِر وعدة أَصْنَاف أُخْرَى وَكتب إِلَى مغلطاي بالإسكندرية بقرض أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فَأجَاب إِلَيْهَا. وَأخذ من ابْن منكلى بغا سِتّمائَة ألف دِرْهَم وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَأخذ من الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب مائَة ألف دِرْهَم قرضا وَمن الْأَمِير بلبان السناني أستادار مائَة ألف دِرْهَم. فَلم يمْضِي أُسْبُوع حَتَّى جهز الْوَزير جَمِيع مَا يحْتَاج اليه وَحمل الشّعير إِلَى الْعَريش وَحمل فِي الخزانة أَرْبَعمِائَة تشريف مِنْهَا خَمْسُونَ أطلس بحوائص ذهب وَخرج الْأَمِير طاز فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شعْبَان وَمَعَهُ الْأَمِير بزلار والأمير كلتاي أَخُو طاز وَفَارِس الدّين ألبكي ثمَّ خرج الْأَمِير طيبغا المجدي وَابْن أرغون النَّائِب فِي يَوْم السبت خامسه وَخرج الْأَمِير شيخو فِي يَوْم الْأَحَد سادسه فِي تجمل عَظِيم فَبينا النَّاس فِي التَّفْرِيج على طلبه إِذْ قيل قبض على منجك. وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير طاز رَحل فِي يَوْم السبت فَلَمَّا وصل بلبيس قيل لَهُ إِن رجلا من بعض أَصْحَاب منجك صُحْبَة شاروشي مَمْلُوك قوصون فطلبهما طاز وفحص عَن أَمرهمَا فَرَأى بِهِ بعض شَيْء فَأمر بِالرجلِ ففتش فَإِذا مَعَه كتاب منجك لبيبغا روس تضمن أَنه قد فعل كل مَا يختاره وجهز أمره مَعَ الْأُمَرَاء كلهم وَأَنه أُخْفِي نَفسه وَأقَام عِنْد شاورشى أَيَّامًا ثمَّ خرج من عِنْده إِلَى بَيت الحسام الْقصرى أستاداره وَهُوَ مُقيم حَتَّى يكْشف خَبره وهبر يستحثه على الْخُرُوج من حلب. فَبعث الْأَمِير طاز بِالْكتاب إِلَى الْأَمِير شيخو فَوَافى والأطلاب خَارِجَة. فَطلب الْأَمِير شيخو الحسام الْقصرى وَسَأَلَهُ فَأنْكر فَأخذ الْأَمِير صرغتمش وعاقبه ثمَّ ركب إِلَى بَيته بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر وهجمه فَإِذا منجك ومملوكه فأركبه وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: ركب السُّلْطَان إِلَى الريدانية وَجعل الْأَمِير قبلاي نَائِب الْغَيْبَة ورتب أَمِير عَليّ المارديني فِي القلعة وَمَعَهُ الْأَمِير كشلي السِّلَاح دَار ليقيما

ص: 161

دَاخل القلعة وَيكون على بَاب القلعة الْأَمِير أرنال والأمير قطلوبغا الذَّهَبِيّ ورتب الْأَمِير مجد الدّين مُوسَى الهذباني مَعَ وَالِي الْقَاهِرَة لحفظها. واستقل السُّلْطَان بِالْمَسِيرِ من الريدانية يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن شعْبَان بعد الظّهْر فَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير طقطاي الدوادار خرج من دمشق يُرِيد مصر وَأَن الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام لما بلغه خُرُوج بيبغا روس من حلب فِي ثَالِث عشر رَجَب وَمَعَهُ قراجا بن دلغادر وجبار بن مهنا وَقد نزل بكلمش نَائِب طرابلس وأمير أَحْمد نَائِب حماه على الرستن فِي انْتِظَاره عزم أرغون كَذَلِك على لِقَائِه. فَبَلغهُ مخامرة أكَابِر أُمَرَاء دمشق عَلَيْهِ فاحترس على نَفسه وَصَارَ يجلس بالميدان وَهُوَ لابس آلَة الْحَرْب. ثمَّ اقْتضى رَأْي أَمِير مَسْعُود بن خطير أَن النَّائِب لَا يلقى الْقَوْم وَأَنه يُنَادى بِالْعرضِ للنَّفَقَة فِي منزلَة الْكسْوَة ويركب اليها فَإِذا خرج الْعَسْكَر إِلَيْهِ. بِمَنْزِلَة الْكسْوَة مَنعهم من عبور دمشق وَسَار بهم إِلَى الرملة فِي انْتِظَار قدوم السُّلْطَان. فَفعل أرغون ذَلِك وَأَنه مُقيم على الرملة بعسكر دمشق فَإِن ألطنبغا برناق نَائِب صفد سَار إِلَى بيبغا روس فِي طَاعَته وَأَن بيبغاروس وصل إِلَى حماه وَاجْتمعَ مَعَ نائبها أَحْمد وبكلمش نَائِب طرابلس وَسَار بهم إِلَى حمص فَلَقِيَهُ مَمْلُوك أرقطاى بِكِتَاب السُّلْطَان ليحضر فَقبض عَلَيْهِمَا وقيدهما وَسَار يُرِيد دمشق فَبَلغهُ مسير السُّلْطَان بعساكره واشتهر ذَلِك فِي عسكره وَأَنه قد عزل من نِيَابَة حلب فانحلت عزائم كثير مِمَّن مَعَه وَأخذ فِي الاحتفاظ بهم والتحرر مِنْهُم إِلَى أَن قدم دمشق يَوْم الْخَمِيس خَامِس رَجَب فَإِذا أَبْوَاب الْمَدِينَة مغلقة والقلعة مُحصنَة. فَبعث بيبغا روس إِلَى الْأَمِير أياجي نَائِب القلعة يَأْمُرهُ بالإفراج عَن الْأَمِير وقردم وَأَن يفتح أَبْوَاب الْمَدِينَة. فَفتح أياجي أَبْوَاب دمشق وَلم يفرج عَن قردم. فَركب أَمِير أَحْمد نَائِب حماة وبكلمش نَائِب طرابلس من الْغَد ليعبرا على الضّيَاع فواقى نجاب بِخَبَر مسك منجك ومسير السُّلْطَان من خَارج الْقَاهِرَة. وَعَاد أَحْمد وبكلمش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره وَقد نزل الْأَمِير طاز بِمن مَعَه المزيرب فارتج عَسْكَر بيبغا روس وتواعد فراجا بن دلغادر وجبار ابْن مهنا على الرحيل فَمَا غربت الشَّمْس يَوْمئِذٍ إِلَّا وَقد خرحا بأثقالهما وأصحابهما وسارا فَركب بيبغا روس فِي أَثَرهَا فَلم يدركهما وَعَاد بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء فَلم يسْتَقرّ قراره حَتَّى دقَّتْ البشائر بالقلعة وأعلن أَهلهَا بِأَن الْأَمِير طاز والأمير أرغون نَائِب الشَّام وافيا وَأَن الْأَمِير شيخو وَالسُّلْطَان سَاقه. فبهت بيبغاروس وتفخد عَنهُ من مَعَه وَركب عَائِدًا إِلَى حلب فِي تَاسِع عشر شعْبَان فَكَانَت إِقَامَته أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا أثر أَصْحَابه فِيهَا بِدِمَشْق وأعمالها آثاراً قبيحة من النهب والسبي والحريق والغارات على

ص: 162

الضّيَاع من حلب إِلَى دمشق كَمَا فعل المغول أَصْحَاب غازان. فَبعث السُّلْطَان الْأَمِير أسندمر العلائي وَالِي الْقَاهِرَة ليبشر بذك فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشريه. فدقت البشاثر وطبلخاناه الْأُمَرَاء وزينت الْقَاهِرَة سَبْعَة أَيَّام. وجبى من الْأُمَرَاء والدواوين والولاة ومقدمي الْحلقَة الَّذين لم يسافروا ثمن الشقق الْحَرِير الَّتِى تفرش إِذا قدم السُّلْطَان وَكَانَ قدم إِلَيْهِ من صفد الْأَمِير أيتمش الناصري فَكَانَ يرجعه عَن كثير من ذَلِك وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ التقى مَعَ الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام على بدعرش من عمل غَزَّة وَقد تَأَخّر مَعَه الْأَمِير طاز. بِمن مَعَه. فَدخل السُّلْطَان بهم إِلَى غَزَّة وخلع على نَائِب الشَّام وأنعم عَلَيْهِ بأربعمائة ألف دِرْهَم وأنعم على أَمِير مَسْعُود بِأَلف دِينَار وأنعم على كل من أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق بألفي دِينَار وعَلى كل من أُمَرَاء الطبلخاناه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وعَلى كل من أُمَرَاء العشرات بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَكَانَت جملَة مَا أنْفق فيهم سِتّمائَة ألف دِرْهَم. وَتقدم الْأَمِير شيخو والأمير طاز والأمير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام. بِمن مَعَهم إِلَى دمشق وَتَأَخر الْأَمِير صرغتمش صُحْبَة السُّلْطَان ليدبر الْعَسْكَر. وتبعهم السُّلْطَان فَكَانَ دُخُوله دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس مستهل رَمَضَان وَقد خرج النَّاس إِلَى لِقَائِه وزينت الْمَدِينَة زِينَة حفلة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَنزل السُّلْطَان بالقلعة ثمَّ ركب مِنْهَا فِي غده يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي فِي موكب جليل حَتَّى صلى بِهِ الْجُمُعَة. وَكَانَ الْأُمَرَاء قد مضوا فِي طلب بيبغا روس فَقدم خبرهم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه بنزول الْأَمِير شيخو والأمير طاز على حمص وَأَنه قد بَلغهُمْ مسك بيبغا روس وأمير أَحْمد نَائِب حماه وَجَمَاعَة. فدقت البشائر بالقلعة ثمَّ تبين كذب هَذَا الْخَبَر وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه: رسم بِعُود أجناد الْحلقَة ومقدميها وأطلاب الْأُمَرَاء إِلَى الْقَاهِرَة فخرحوا فِيهِ من دمشق أَرْسَالًا. وَكَانَت جمَاعَة من الْعَسْكَر قد تخلفوا بغزة فقدموا الْقَاهِرَة فِي رابعه وَقدم الأجناد وأطلاب الْأُمَرَاء إِلَى الْقَاهِرَة فِي خَامِس عشريه وَأما بيبغا روس فَإِنَّهُ قدم حلب فِي تَاسِع عشري شعْبَان وَقد حفرت خنادق تجاه أَبْوَابهَا وغلقت الْأَبْوَاب وامتنعت القلعة ورمته رجالها بالمنجنيق وَالْحِجَارَة وتبعهم من فَوق الأسوار من الرِّجَال بِالرَّمْي عَلَيْهِ. وصاحوا عَلَيْهِ فَبَاتَ. بِمن مَعَه وَركب من الْغَد يَوْم الْخَمِيس أول شهر رَمَضَان للزحف على الْمَدِينَة وَإِذا بصياح عَظِيم والبشائر

ص: 163

تدق فِي القلعة وَالرِّجَال يصيحون: يَا منافقين! الْعَسْكَر وصل. فَالْتَفت بيبغا روس بِمن مَعَه فَإِذا البيارق والصناجق نَحْو جبل جوشن فَانْهَزَمُوا بأجمعهم نَحْو الْبر. وَلم يكن مَا رَأَوْهُ على حَبل جوشن عَسْكَر السُّلْطَان وَلكنه جمَاعَة من جند حلب وطرابلس وحماة كَانُوا مختفين من عَسْكَر بيبغا روس عِنْد خروحه من دمشق فَسَارُوا فِي أعقابه رَجَاء أَن يدركهم عَسْكَر السُّلْطَان. فَلَمَّا حضر بيبغا روس إِلَى حلب أَجمعُوا على كبسه وراسلوا أهل جبل بانقوسا بموافاتهم وجمعوا عَلَيْهِم كثيرا من العربان. وركبوا أول اللَّيْل وترتبوا بأعلا جبل حوشن ونشروا الصناجق. فعندما أشرقت الشَّمْس سَارُوا وهم يصرخون صَوتا وَاحِدًا فَلم يثبت بيبغا روس وَلَا أَصْحَابه وولوا ظنا مِنْهُم أَنه عَسْكَر السُّلْطَان. فَإِذا أهل بانقوسا قد أَمْسكُوا عَلَيْهِم طرق الْمضيق وأدركهم الْعَسْكَر فتبددوا وتمزقوا وَقد انْعَقَد عَلَيْهِم الْغُبَار حَتَّى لم يكن أحد ينظر رَفِيقه. فَأَخذهُم الْعَرَب وَأهل حلب قبضا بِالْيَدِ ونهبوا الخزائن والأثقال وسلبوهم مَا عَلَيْهِم من آلَة الْحَرْب. وَنَجَا بيبغا روس بِنَفسِهِ وامتلأت الْأَيْدِي بِنَهْب مَا كَانَ مَعَه وَهُوَ شَيْء يجل عَن الْوَصْف لكثرته وَعظم قدره. وتتبع أهل حلب أمراءه ومماليكه وأخرجوهم من عدَّة مَوَاضِع فظفروا بِكَثِير مِنْهُم فيهم أَخُوهُ الْأَمِير فَاضل والأمير ألطنبغا العلائي مشد الشرابخاناه وألطنبغا برناق نَائِب صفد وملكتمر السعيدي وشادي أَخُو أَمِير أَحْمد نَائِب حماة وطيبغا حلاوة الأوجاقي وَابْن أيدغدي الزراق أحد أُمَرَاء حلب ومهدي شاد الدَّوَاوِين بحلب وأسنباى قريب بن دلغادر وبهادر الجاموس وقلج أرسلان أستادار بيبغا روس وَمِائَة من مماليك الْأُمَرَاء فقيد الْجَمِيع وسجنوا. وَتوجه مَعَ بيبغا روس أَمِير أَحْمد نَائِب حماة وبكلمش نَائِب طرابلس وطشتمر القاسمي نَائِب الرحبة وآقبغا البالسي وصصمق وطيدمر وَجَمَاعَة تبلغ عدتهمْ نَحْو مائَة وَسِتَّة عشر فَدخل الْأُمَرَاء حلب وبعثوا بالمماليك إِلَى دمشق وَتركُوا الْأُمَرَاء المقيدين بسجن القلعة. وَركب الحسام العلائي إِلَى طرابلس فأوقع الحوطة على مَوْجُود نائبها بكلمش وَتمّ إِيقَاع الحوطة بحماة على مَوْجُود أَمِير أَحْمد. وَكتب الْأُمَرَاء إِلَى قراجا بن دلغادر بِالْعَفو عَنهُ وَالْقَبْض على بيبغا روس وَمن مَعَه وَكَانَ بيبغا روس قد قدم عَلَيْهِ فَركب وتلقاه وَقَامَ لَهُ. بِمَا يَلِيق بِهِ. فَلَمَّا وقف قراجا بن

ص: 164

دلغادر على كتب الْأُمَرَاء أجَاب بِأَنَّهُ ينْتَظر فِي الْقَبْض عَلَيْهِ مرسوم السُّلْطَان بِهِ وارسال الْأمان لبيبغا روس وَأَنه مُسْتَمر على إمرته فَلَمَّا حهز لَهُ ذَلِك امْتنع من تَسْلِيمه. فَطلب رَمَضَان من أُمَرَاء التركمان وخلع عَلَيْهِ بإمرة قراجا بن دلغادر وإقطاعه. وَعَاد الْأُمَرَاء من حلب وَاسْتقر بهَا الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِبا عوضا عَن بيبغا روس وَقدمُوا دمشق وَمَعَهُمْ الْأُمَرَاء المسجونون يَوْم الْجُمُعَة سلخ رَمَضَان وركبوا مَعَ السُّلْطَان لصَلَاة الْعِيد والأمير مَسْعُود بن خطير حَامِل الجتر على السُّلْطَان حَتَّى عبر الميدان فصلى بهم تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ قَاضِي الْعَسْكَر صَلَاة الْعِيد وخطب وَمد السماط بالميدان فَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه: جلس السُّلْطَان بطارمة قلعة دمشق ووقف الْأَمِير شيخو وطاز وَسَائِر الْأُمَرَاء بسوق الْخَيل تَحت القلعة. وَأخرج الْأُمَرَاء المسجونون فِي الْحَدِيد وَنُودِيَ عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاء من يخَامر على السُّلْطَان ويخون الْإِسْلَام ووسطوهم وَاحِدًا بعد وَاحِد وهم ألطنبغا برناق وطيبغا حلاوة ومهدي شاد الدَّوَاوِين بحلب وأسنبغا التركماني وألطنبغا الثلاثي شاد الشرابخاناه وشادي أَخُو أَمِير أَحْمد نَائِب حماه وأعيد ملكتمر السيدي إِلَى السجْن وَفِيه قبض على ملك آص شاد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وساطلش الجلالي ومصطفى والحسام مَمْلُوك أرغون شاه وأمير عَليّ بن طرنطاي البشمقدار وَابْن جودى وقردم أَمِير آخور وأخرجوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُمْ ملكتمر السعيدي وَنفي مقبل نقيب الْجَيْش إِلَى طرابلس وَفِيه خلع على الْأَمِير أيتمش الناصري وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن بكلمش. وأنعم على أَمِير مَسْعُود بن خطير بإقطاع قردم وأنعم على كل من ولديه بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر الْأَمِير طنيرق فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن أَمِير أَحْمد الساقى. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن صبح فِي نِيَابَة صفد ورسم بِإِقَامَة الْأَمِير طيبغا المجدي بِدِمَشْق على إمرة.

ص: 165