المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(وفي يوم الإثنين خامس عشر ربيع الآخر) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌(سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْأَحَد أول شَوَّال)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشر ربيع الآخر)

- ‌(سنة خمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي عَاشر جُمَادَى الآخر)

- ‌(سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي رَجَب)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشريه)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ فِي خمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرى شَوَّال)

- ‌(سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة سبعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة)

الفصل: ‌(وفي يوم الإثنين خامس عشر ربيع الآخر)

(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشر ربيع الآخر)

أُعِيد الْأَمِير منجك اٍ لى الوزارة باستعفاء أسندمر الْعُمْرَى لتوقف أَحْوَال الدولة. وَفِيه أخرج من الْأُمَرَاء المظفرية لاجين العلائى وطيبغا المظفرى ومنكلى بغا المظفرى وفُرقوا بِبِلَاد الشَّام. وَفِيه قدم من جِهَة أَولاد جوبان قَاصد. بِمَال لعمارة عين جوبان بِمَكَّة وإجراء المَاء إِلَيْهَا وَقد انْقَطع. فَلم توَافق الْأُمَرَاء على ذَلِك وعينوا فَارس الدّين قريب ال ملك لعمارتها صُحْبَة الرجبية. ورُسم لقاضى الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا من مَال الْحَرَمَيْنِ فاً خُذ فى الاهتمام للسَّفر. وَفِيه خلع على أيتمش الناصرى الْحَاجِب وَاسْتقر أَمِير جاندار. وَفِيه خلع على الْأَمِير جركتمر وَاسْتقر نَائِب الكرك بعد وَفَاة تمربغا العقيلى وَفِيه قدمت هَدِيَّة الْأَمِير شاه نَائِب الشَّام وقوده بِزِيَادَة عَمَّا جرت بِهِ الْعَادة وهى مائَة وَأَرْبَعُونَ فرسا بعبى تدممرية فَوْقهَا أجلة أطلس ومقاود سلاسلها فضَّة ولواوين بحلق فضَّة وَأَرْبَعَة قطر هجن سلاسل مقاردها الْحَرِير من فضَّة وَذهب وأكوارها مغشاة بِذَهَب وَأَرْبَعَة كنافيش ذهب عَلَيْهَا ألقاب السُّلْطَان وتعابى قماش مفتخر. وَلم يدع الْأَمِير أرغون شاه نَائِب الشَّام أحدَا من الْأُمَرَاء المقدمين وَلَا من أَرْبَاب الْوَظَائِف حَتَّى الْفراش ومقدم الاسطبل ومقدم الطبلخاناه والطباخ حَتَّى بعث إِلَيْهِم هَدِيَّة. فَخلع على مَمْلُوكه عدَّة خلع وكُتب إِلَيْهِ بِزِيَادَة على اٍ قطاعه ورسم لَهُ بتفويض حكم الشَّام اٍ ليه يعْزل ويولى بِحَسب اخْتِيَاره. وَفِيه خلع على صدر الدّين الكازاتى بمشيخة الشُّيُوخ بخانكاه سرياقرس عرضاعن الرُّكْن الملطى. وَكَانَ هَذَا الرجل قد ورد اٍ لى مصر وَأقَام بهَا لَا يؤبه لَهُ حَتَّى نِيَابَة بيبغا روس ووزارة منجك فتردد إِلَيْهِمَا وَأظْهر التزهد وَمَعْرِفَة الْعلم وصنف كتابا على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة بالتركى وَقدمه لَهما فراج بِهِ عِنْدهمَا وَكَانَ قد تحرّك للحنفية حَظّ مندْ أَعْوَام. ثمَّ سَأَلَهُمَا صدر الدّين هَذَا فى مشيخة الشُّيُوخ جْمع بيبغا روس النَّائِب الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الأصفهانى وَعَامة صوفية الخوانك وشمايخها بِجَامِع القلعة وعرفهما الْأَمِير قبلاى الْحَاجِب عَن الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب أَن الرُّكْن الملطى لَهُ مُنْذُ غَابَ سبع سِنِين وَقد ثبتَتْ عِنْده وَفَاته وَعين عوضه الكازاتى ة فأنكروا بأجمعهم

ص: 76

ولَايَته وَوَضَعُوا مِنْهُ فشق ذَلِك على الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب ورسم بحضورهم بعد الْعَصْر فِي الْخدمَة. فَلَمَّا حَضَرُوا خلع بيبغا روس على الكازاتي فَلم يتَكَلَّم أحد مِنْهُم فَنزل وهم مَعَه. وَفِيه أنعم على خَلِيل بن قوصون بإمرة طبلخاناه وعَلى ابْن المجدي بإمرة طبلخاناه أَيْضا. وَفِي جُمَادَى الأولى: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان على الْعَادة ثمَّ خرج إِلَى نَاحيَة سرياقوس فِي أول جماد الأولى وَأقَام بهَا أَيَّامًا. فَكثر تسلط السراق على النَّاس فَوكل بهم الْوَزير منجك عرب بني صبرَة بإقطاعات وندبهم للرُّكُوب فِي اللَّيْل ودركهم تِلْكَ الْأَرَاضِي. وَفِي مستهل رَجَب: جهز لعمارة عين جوبان من مَال الْحَرَمَيْنِ مبلغ مِائَتي ألف دِرْهَم. وَفِيه قدم الْخَبَر بوقعة كَانَت بَين الشَّيْخ حسن وَأَوْلَاد دمرداش وانتصر فِيهَا أَوْلَاد دمرادش وَقتلُوا كثيرا من عَسْكَر الشَّيْخ حسن. وَفِيه قدم أَحْمد بن مهنا فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي إمرة الْعَرَب وَتوجه إِلَى بِلَاده وَهُوَ مَرِيض وَفِيه أنعم على الْأَمِير أسندمر الْعمريّ بإمرة كوكاى المنصوري بعد مَوته وأنعم بإمرة أسندمر على الْأَمِير نوروز. وَفِيه أوقعت الحوطة على بَقِيَّة مَوْجُود عنبر السحرتي بعد مَوته. وَفِيه ولي الْوَزير مازان الغربيه وَولي ابْن سلمَان منوف عوضا عَن مازان وَولي صَلَاح الدّين بن العنتابي البهنساوية وَكَانَ جملَة مَا أَخذ من الْمَذْكُورين سِتَّة آلَاف دِينَار. وَفِيه سَار ركب الْحجَّاج الرجبية على الْعَادة. وَفِيه أنعم على ابْن الْوَزير منجك بإمرة مائَة. وَفِيه وفر إقطاع الْأَمِير قشتمر شاد الدَّوَاوِين وأقطع المماليك وأنعم عَلَيْهِ باقطاع الْأَمِير جركتمر.

ص: 77

وَفِيه وفرت جوامك جمَاعَة ورواتبهم. وَفِيه قصد عدَّة من أَطْرَاف النَّاس بَاب الْوَزير للسعي فِي الْوَظَائِف. بِمَال فَلم يرد أحدا وَكثر طعن الْأُمَرَاء فِيهِ بِسَبَب ذَلِك. وَفِيه توجه الْأَمِير طاز لسرحة الْبحيرَة وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف عليقة. وَفِيه توجه ببيغا روس النَّائِب إِلَى العباسة ثمَّ توجه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فأنعم عَلَيْهِ من مَالهَا بِسِتَّة آلَاف دِينَار وأتته تقادم جليلة. وَفِي هَذَا الْأَيَّام: كثر سُقُوط الدّور الَّتِي على النّيل وَذَلِكَ أَن مَاء النّيل كثرت زِيَادَته فِي ابْتِدَاء أوانها حَتَّى غرقت المقاتى كَمَا تقدم ذكره إِلَى أَن كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الْجُمُعَة أول جُمَادَى الأولى وَهُوَ ثامن مسرى. ثمَّ ولت زِيَادَته وَتوقف أَيَّامًا ثمَّ نقص إِلَى يَوْم عيد الصَّلِيب حمس أَصَابِع فقلق النَّاس قلقا زَائِدا. فَمن الله بِزِيَادَتِهِ حَتَّى رد مَا نَقصه وَثَبت على سَبْعَة عشر ذِرَاعا وثمان عشرَة إصبعا. فَشَمَلَ الرّيّ الْبِلَاد وانحط سعر الغلال. فَلَمَّا أَخذ مَاء النّيل فِي الهبوط تساقطت الدّور الْمُجَاورَة للْمَاء شَيْئا بعد شَيْء ثمَّ سقط أحد عشر بَيْتا بِنَاحِيَة بولاق دفْعَة وَاحِدَة من شدَّة القلقيلة فَإِن المَاء لما عمل الجسر الَّذِي تقدم ذكره انْدفع على نَاحيَة بولاق وقوى هُنَاكَ حَتَّى سَقَطت الدّور الْمَذْكُورَة وَسقط مَا خلفهَا وَذهب فِيهَا مَال كَبِير للنَّاس فِي الْغَرق وَنهب الأوباش. ثمَّ خرب ربع السنافي وَقطعَة من ربع الخطيرى وعدة دور. وَفِيه كثرت الْأَخْبَار بِوُقُوع الوباء فِي عَامَّة أَرض مصر وتحسين جَمِيع الأسعار وَكَثْرَة أمراض النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر فَخرج السُّلْطَان والأمراء إِلَى سرياقوس. فَكثر الوباء حَتَّى بلغ فِي شعْبَان عدد من يَمُوت فِي كل يَوْم مِائَتي إِنْسَان فَوَقع الِاتِّفَاق على صَوْم السُّلْطَان شهر رَمَضَان بسرياقوس. وَفِيه قدم محْضر ثَابت على قاضى حلب بِجَمَاعَة من القادمين إِلَيْهَا أَنهم شاهدوا بواد فِي نَاحيَة توريز أفاعي ذَات خلق عَظِيم من الطول والضخامة وَقد اجْتمع مِنْهَا عدد كثير جدا. وَصَارَت فرْقَتَيْن واقتتلت يَوْمًا كَامِلا حَتَّى دخل اللَّيْل فافترقوا ثمَّ عَادوا من الْغَد بكزة النَّهَار إِلَى الْقِتَال وَأَقَامُوا كَذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي الْيَوْم الرَّابِع قويت إِحْدَى الْفرْقَتَيْنِ على الْأُخْرَى وَقتلت مِنْهَا مقتلة عَظِيمَة وَانْهَزَمَ بَاقِيهَا فَلم تدع فِي هزيمتها حجرا إِلَّا قصمته وَلَا شَجرا إِلَّا قلعته من أَصله وَلَا حَيَوَانا إِلَّا أتلفته فَكَانَ منْظرًا مهولا.

ص: 78

وَفِيه قدم فياض بن مهنا بقوده وَفِيه اثْنَان وَسَبْعُونَ فرسا أقلهَا بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وأوسطها بِعشْرين ألفا وأغلاها بِثَلَاثِينَ ألفا سوى الهجن وَغَيرهَا. وَقدم صحبته أَحْمد ططر أَمِير بني كلاب وندا أَمِير آل مرا فَأكْرم ندا وَأحمد ططر وأعيدا إِلَى بلادهما وَقبض على فياض وَأخذت خيوله وَمَا مَعَه وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِيه قدم الْخَبَر بقتل الْأَمِير صعبه كاشف الْوَجْه القبلي فِيمَا بَين عَرك وَبني هِلَال وَقتل كثير من أَصْحَابه وَأخذ مَا مَعَهم. وَشن الْعَرَب بعد قَتله الغارات على الْبِلَاد وأمعنوا فِي نهب الغلال وَقطع الطرقات وَذَلِكَ بعد دُخُولهمْ سيوط ونهبها. فعين عشرَة أُمَرَاء للتجريدة ثمَّ تَأَخّر سفرهم خوفًا على الزَّرْع وَفِي ثَالِث ذِي الْحجَّة: أخرج الْأَمِير طشبغا الدوادار إِلَى الشَّام. وَسَببه مُفَاوَضَة جرت لَهُ مَعَ عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله كَاتب السِّرّ أفضت بِهِ إِلَى أَن أَخذ بأطواق كَاتب السِّرّ ودخلا على الْأَمِير شيخو كَذَلِك. فَأنْكر شيخو عَلَيْهِ ذَلِك وبقى بطالا وَعمل قطليجا الأرغوني دواداراً عوضه. وَفِيه أنعم على جاورجي مَمْلُوك قوصون بإمرة عشرَة وعَلى عرب بن نَاصِر الدّين الشيخي بإمرة طبلخاناه. وَفِيه قدم محمل سيس بِحَق النّصْف لخراب الْبِلَاد من كَثْرَة الفناء بهَا. وَفِيه كتب بِولَايَة حياد بن مهنا إمرة الْعَرَب. وَفِيه قدم الْخَبَر بِخُرُوج عشير الشَّام عَن الطَّاعَة وَكَثْرَة الحروب بَينهم وَقتل بَعضهم بَعْضًا وَنهب الغرد ونابلس وَكَثْرَة فَسَاد عرب الكرك وقطعهم الطرقات وكسرهم الْأَمِير جركتمر نَائِب الكرك. وَفِيه أخرج يلجك قريب لنيابة غَزَّة عوضا عَن أَحْمد الساقي وَقدم أَحْمد الساقي إِلَى مصر. وَفِيه انْحَلَّت إقطاعيات كَثِيرَة لمَوْت النَّاس فوفر الْوَزير جوازك الْحَاشِيَة ورواتبها

ص: 79

وَقطعت مثالات لجَمِيع أَرْبَاب الْوَظَائِف وَأَصْحَاب الأشغال والمرتبين فِي الصَّدقَات وَالْكتاب والموقعين والمماليك السُّلْطَانِيَّة على قدر مَا بِأَسْمَائِهِمْ. وَفِيه توقفت الْأَحْوَال بِالْقَاهِرَةِ ومصر وغلقت أَكثر الحوانيت بِسَبَب زغل الْفُلُوس بالرصاص والنحاس. فَنُوديَ أَلا يَأْخُذ من الْفُلُوس إِلَّا مَا عَلَيْهِ سكَّة وَبرد الرصاص والنحاس الْأَصْفَر فمشت الْأَحْوَال. وَفِيه رسم أَن يجلس الْأَمِير بيغرا أَمِير جندار رَأس الميسرة وَاسْتقر الْأَمِير أيتمش الناصري عوضا أَمِير جندار وَاسْتقر الْأَمِير قبلاوي حاحب الْحجاب عوضا عَن أيتمش. وَفِيه اسْتَقر ابْن الأطروش فِي قَضَاء الْعَسْكَر على مَذْهَب أَبى حنيفَة وَلم يعرف أحدا قبله ولي هَذَا. بِمصْر وَاسْتقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ فِي قَضَاء الْعَسْكَر على مَذْهَب الشَّافِعِي. وَفِيه اسْتَقر خَاص ترك بن طغيه الكاشف فِي ولَايَة منفلوط وَاسْتقر مجد الدّين مُوسَى بن الهذباني وَالِي الأشمونين فِي كشف الْوَجْه القبلي بعد قتل طغيه بِمَ وَنقل مُحَمَّد ابْن أياس الدويداري من ولَايَة أشموم إِلَى ولَايَة البهنساوية. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين عبد القاهر بن عبد الله بن يُوسُف فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن نور الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الصابغ بعد وَفَاته. وَاسْتقر زين الدّين عمر بن يُوسُف بن عبد الله بن أبي السفاح كَاتب السِّرّ بحلب عوضا عَن جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن الشهَاب مَحْمُود. وفيهَا وجد للشَّيْخ حسن مُتَوَلِّي بَغْدَاد بدار الْخلَافَة دَفِينا فِي خربة مبلغ نَحْو عشرَة قناطير دمشقية ذَهَبا. فَكَانَت سنة كَثِيرَة الْفساد فِي عَامَّة أَرض مصر وَالشَّام من كَثْرَة النِّفَاق وَقطع الطَّرِيق وَولَايَة الْوَزير منجك جَمِيع أَعمال المملكة بِالْمَالِ وانفراده وأخيه الْأَمِير بيبغا روس النَّائِب بِالتَّدْبِيرِ دون كل أحد. وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ فِيهَا الوباء الَّذِي لم يعْهَد فِي الْإِسْلَام مثله فَإِنَّهُ ابْتَدَأَ بِأَرْض مصر آخر أَيَّام التخضير وَذَلِكَ فِي فصل الخريف فِي أثْنَاء سنة ثَمَان وَأَرْبَعين. وَمَا أهل محرم سنة تسع وَأَرْبَعين حَتَّى انْتَشَر الوباء فِي الإقليم بأسره وَاشْتَدَّ بديار مصر فِي شعْبَان ورمضان وشوال وارتفع فِي نصف ذِي الْقعدَة. وَكَانَ يَمُوت بِالْقَاهِرَةِ ومصر مَا بَين عشرَة آلَاف إِلَى خَمْسَة عشر ألف إِلَى عشْرين

ص: 80

ألف نفس فِي كل يَوْم. وعملت النَّاس التوابيت والدكك لتغسيل الْمَوْتَى للسبيل بِغَيْر أجره وَحمل أَكثر الْمَوْتَى على أَلْوَاح الْخشب وعَلى السلالم والأبواب وحفرت الحفائر وألقوا فِيهَا. وَكَانَت الحفرة يدْفن فِيهَا الثَّلَاثُونَ وَالْأَرْبَعُونَ وَأكْثر. وَكَانَ الْمَوْت بالطاعون يبصق الْإِنْسَان دَمًا ثمَّ يَصِيح وَيَمُوت وَعم مَعَ ذَلِك الغلاء الدُّنْيَا جَمِيعهَا. وَلم يكن هَذَا الوباء كَمَا عهد فِي إقليم دون إقليم بل عَم أقاليم الأَرْض شرقا وغربا وَشمَالًا وجنوبا جَمِيع أَجنَاس بني أَدَم وَغَيرهم حَتَّى حيتان الْبَحْر وطير السَّمَاء ووحش الْبر. وَأول ابْتِدَائه من بِلَاد القان الْكَبِير حَيْثُ الإقليم الأول وَبعدهَا من توريز إِلَى أَخّرهَا سِتَّة أشهر وهى بِلَاد الخطا والمغل وَأَهْلهَا يعْبدُونَ النَّار وَالشَّمْس وَالْقَمَر وتزيد عدتهمْ على ثَلَاثمِائَة جنس. فهلكوا بأجمعهم من غير عِلّة فِي مشاتيهم ومصايفهم وَفِي مراعيهم وعَلى ظُهُور خيولهم وَمَاتَتْ خيولهم وصاروا كلهم جيفاً مرمية فَوق الأَرْض وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة على مَا وصلت بِهِ الْأَخْبَار من بِلَاد أزبك ثمَّ حملت الرّيح نتنتهم إِلَى الْبِلَاد فَمَا مرت على بلد وَلَا خركاه وَلَا أَرض إِلَّا وَسَاعَة يشمها إِنْسَان أَو حَيَوَان مَاتَ لوقته وساعته. فَهَلَك من زوق القان الْكَبِير خلائق لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله وَمَات القان وَأَوْلَاده السِّتَّة وَلم يبْق بِذَاكَ الإقليم من يحكمه. ثمَّ اتَّصل الوباء بِبِلَاد الشرق جَمِيعهَا وبلاد أزبك وبلاد اسطنبول وقيصرية الرّوم وَدخل إِلَى أنطاكية حَتَّى باد أَهلهَا. وَخرج جمَاعَة من جبال أنطاكية فارين من الْمَوْت فماتوا بأجمعهم فِي طريقهم وبدت فرس مِنْهُم بعد مَوْتهمْ عَائِدَة إِلَى جبالهم فَأخذ بَقِيَّة من تَأَخّر بهَا فِي تتبع آثَارهم حَتَّى تعرف خبرهم فَأخذُوا مَا تركُوا من المَال وعادوا فَأَخذهُم الْمَوْت أَيْضا فِي طريقهم وَلم يرجع إِلَى الْجَبَل إِلَّا الْقَلِيل فماتوا مَعَ أَهَالِيهمْ جَمِيعًا إِلَّا قَلِيلا نَجوا إِلَى بِلَاد الرّوم فَأَصَابَهُمْ الوباء. وَعم الوباء بِلَاد قرمان وقيصرية وَجَمِيع جبالها وأعمالها ففني أَهلهَا ودوابهم ومواشيهم. فرحلت الأكراد خوفًا من الْمَوْت فَلم يَجدوا أَرضًا إِلَّا وفيهَا الْمَوْتَى فعادوا إِلَى أَرضهم وماتوا جَمِيعًا. وَعظم الموتان بِبِلَاد سيس وَمَات من أهل تكفور فِي يَوْم وَاحِد. بِموضع وَاحِد مائَة وَثَمَانُونَ نفسا وخلت سيس وبلادها.

ص: 81

وَوَقع فِي بِلَاد الخطا مطر لم يعْهَد مثله فِي غير أَوَانه فَمَاتَتْ دوابهم ومواشيهم عقيب ذَلِك الْمَطَر حَتَّى فنيت ثمَّ مَاتَ النَّاس والطيور والوحوش حَتَّى خلت بِلَاد الخطا وَهلك سِتَّة عشر ملكا فِي مُدَّة ثَلَاثَة أشهر. وباد أهل الصين وَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وَكَانَ الفناء بِبِلَاد الْهِنْد أقل مِنْهُ بِبِلَاد الصين. وَوَقع الوباء بِبَغْدَاد أَيْضا وَكَانَ الْإِنْسَان يصبح وَقد وجد بِوَجْهِهِ طلوعاً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن يمر بِيَدِهِ عَلَيْهِ مَاتَ فَجْأَة. وَكَانَ أَوْلَاد دمرداش قد حصروا الشَّيْخ حسن بهَا ففجأهم الْمَوْت فِي عَسْكَرهمْ من وَقت الْمغرب إِلَى باكر النَّهَار من الْغَد حَتَّى مَاتَ عدد كثير فرحلوا وَقد مَاتَ مِنْهُم سِتَّة أُمَرَاء وَنَحْو ألف وَمِائَتَا رجل. ودواب كَثِيرَة فَكتب الشَّيْخ حسن بذلك إِلَى سُلْطَان مصر. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: ابْتَدَأَ الوباء بِأَرْض حلب فَعم جَمِيع بِلَاد الشَّام وبلاد ماردين وجبالها وباد أهل الْغَوْر وسواحل عكا وصفد وبلاد الْقُدس ونابلس والكرك وعربان الْبَوَادِي وسكان الْجبَال والضياع. وَلم يبْق فِي بَلْدَة جينين سوى عَجُوز وَاحِدَة خرجت مِنْهَا فارة. وَلم يبْق. بِمَدِينَة لد أحد وَلَا بالرملة وَصَارَت الْخَانَات وَغَيرهَا ملآنة بجيف الْمَوْتَى. وَلم يدْخل الوباء معرة النُّعْمَان من بِلَاد الشَّام وَلَا بلد شيزر وَلَا حارم. وَأول مَا بَدَأَ الوباء بِدِمَشْق كَانَ يخرج خلف أذن الْإِنْسَان بثرة فيخر صَرِيعًا ثمَّ صَار يخرج بالإنسان كبة تَحت إبطه فَلَا يلبث وَيَمُوت سَرِيعا. ثمَّ خرجت بِالنَّاسِ خيارة فقتلت قتلا كثيرا. وَأَقَامُوا على ذَلِك مُدَّة ثمَّ بصقوا الدَّم فَاشْتَدَّ الهول من كَثْرَة الْمَوْت حَتَّى أَنه أَكثر من كَانَ يعِيش بعد نفث الدَّم نَحْو خمسين سَاعَة. وَبلغ عدد من يَمُوت بحلب فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة إِنْسَان وَمَات بغزة من ثَانِي الْمحرم إِلَى رَابِع صفر - على مَا ورد فِي كتاب نائبها - زِيَادَة على اثْنَيْنِ وَعشْرين ألف إِنْسَان حَتَّى لقت أسواقها. وَشَمل الْمَوْت أهل الضّيَاع بِأَرْض غَزَّة وَكَانَ أَوَاخِر زمَان الْحَرْث. فَكَانَ الرجل يُوجد مَيتا والمحراث فِي يَده وَيُوجد أخر قد مَاتَ وَفِي يَده مَا يبذره وَمَاتَتْ أبقارهم. وَخرج رجل بِعشْرين نَفرا لإِصْلَاح أرضه فماتوا وَاحِدًا بعد وَاحِد وَهُوَ يراهم يتساقطون قدامه. فَعَاد إِلَى غَزَّة وَسَار مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة. وَدخل سِتَّة نفر لسرقة دَار بغزة فَأخذُوا مَا فِي الدَّار لِيخْرجُوا بِهِ فماتوا كلهم. وفر نائبها إِلَى نَاحيَة بدعرش وَترك غَزَّة خَالِيَة.

ص: 82

وَمَات أهل قطا وَصَارَت جثثهم تَحت النخيل وعَلى الحوانيت حَتَّى لم يبْق بهَا سوى الْوَالِي وغلامين من أَصْحَابه وحاربة عَجُوز. وَبعث الْوَالِي يستعفي فولى الْوَزير عوضه مبارك أستادار طغجى. وَعم الوباء بِلَاد الفرنج وابتدأ فِي الدَّوَابّ ثمَّ الْأَطْفَال والشباب. فَلَمَّا شنع الْمَوْت فيهم جمع أهل قبرص من فِي أَيْديهم من الأسرى الْمُسلمين وقتلوهم جَمِيعًا من بعد الْعَصْر إِلَى الْمغرب خوفًا أَن يبيد الْمَوْت الفرنج فتملك الْمُسلمُونَ قبرص. فَلَمَّا كَانَ بعد عشَاء الْآخِرَة هبت ريح شَدِيدَة وَحدثت زَلْزَلَة عَظِيمَة وامتد الْبَحْر من المينة نَحْو مائَة قَصَبَة فغرق كثير من مراكبهم وتكسرت. فَظن أهل قبرص أَن السَّاعَة قَامَت فَخَرجُوا حيارى لَا يَدْرُونَ مَا يصنعون ثمَّ عَادوا إِلَى مَنَازِلهمْ فَإِذا أَهَالِيهمْ قد مَاتُوا وَهلك لَهُم ثَلَاثَة مُلُوك وَاسْتمرّ الوباء فيهم مُدَّة أُسْبُوع فَركب فيهم ملكهم الَّذِي ملكوه عَلَيْهِم رَابِعا بجماعته فِي مركب يُرِيدُونَ جَزِيرَة بِقرب مِنْهُم فَلم يمض عَلَيْهِم فِي الْبَحْر سوى يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى مَاتَ أَكْثَرهم فِي الْمركب وَوصل باقيهم إِلَى الجزيرة فماتوا بهَا عَن أخرهم. ووافى هَذِه الجزيرة بعد مَوْتهمْ مركب فِيهَا تجار فماتوا كلهم وتجارتهم إِلَّا ثَلَاثَة عشر رجلا فَمروا إِلَى قبرص وَقد بقوا أَرْبَعَة نفر فَلم يَجدوا بهَا أحدا فَسَارُوا إِلَى طرابلس الغرب وَحَدثُوا بذلك فَلم تطل إقامتهم بهَا وماتوا. وَكَانَت المراكب إِذا مرت بجزائر الفرنج لَا تَجِد ركابهَا بهَا أحدا وَإِن صدفت أحدا فِي بَعْضهَا يَدعُوهُم أَن يَأْخُذُوا من أَصْنَاف البضائع بِالصبرِ بِغَيْر ثمن لِكَثْرَة من كَانَ يَمُوت عِنْدهم صَارُوا يلقون فِي الْبَحْر. وَكَانَ سَبَب الْمَوْت عِنْدهم ريح تمر على الْبَحْر فساعة يشمها الْإِنْسَان سقط وَلَا يزَال يضْرب بِرَأْسِهِ الأَرْض حَتَّى يَمُوت. وقدمت مركب إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِيهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ تَاجِرًا وَثَلَاثُونَ رجل مَا بَين تجار وَعبيد فماتوا كلهم وَلم يبْق مِنْهُم غير أَرْبَعَة من التُّجَّار وَعبد وَاحِد وَنَحْو أَرْبَعِينَ من البحارة فماتوا جَمِيعًا بالثغر وَعم الْمَوْت أهل حزيرة الأندلس إِلَّا مَدِينَة غرناطة فَإِنَّهُ لم يصب أَهلهَا مِنْهُ شَيْء وباد من عداهم حَتَّى لم يبْق للفرنج من يمْنَع أَمْوَالهم. فأتتهم الْعَرَب من إفريقية تُرِيدُ أَخذ الْأَمْوَال إِلَى أَن صَارُوا على نصف يَوْم مِنْهَا مرت بهم ريح فَمَاتَ مِنْهُم على ظُهُور الْخَيل جمَاعَة كَثِيرَة. ودخلها باقيهم فَرَأَوْا من الْأَمْوَات مَا هالهم وَأَمْوَالهمْ لَيْسَ لَهَا من يحفظها فَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وهم يتساقطون موتى. فنجا من بَقِي مِنْهُم بِنَفسِهِ وعادوا إِلَى بِلَادهمْ وَقد هلك أَكْثَرهم وَالْمَوْت قد فَشَا بأرضهم بِحَيْثُ مَاتَ مِنْهُم فِي لَيْلَة وَاحِدَة عدد عَظِيم وَمَاتَتْ مَوَاشِيهمْ ودوابهم كلهَا.

ص: 83

وَعم الموتان إفريقية بأسرها جبالها وصحاريها ومدنها وجافت من الْمَوْتَى وَبقيت أَمْوَال العربان سائبة لَا تَجِد من يرعاها. ثمَّ أصَاب الْغنم دَاء فَكَانَت الشاه إِذا ذبحت وجد لَحمهَا منتنا قد اسود. وَتغَير أَيْضا ريح السّمن وَاللَّبن وَمَاتَتْ الْمَوَاشِي بأسرها. وَشَمل الوباء أَيْضا أَرض برقة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَصَارَ يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة. ثمَّ مَاتَ بالإسكندرية فِي الْيَوْم مِائَتَان وشنع ذَلِك حَتَّى أَنه صلى فِي يَوْم الْجُمُعَة بالجامع الإسكندري دفْعَة وَاحِدَة على سَبْعمِائة جَنَازَة. وَصَارَ يحملون الْمَوْتَى على الجنويات والألواح. وغلقت دَار الطّراز لعدم الصناع وغلقت دَار الْوكَالَة لعدم الْوَاصِل إِلَيْهَا وغلقت الْأَسْوَاق وديوان الْخمس وأريق من الْخمر مَا يبلغ ثمنه زِيَادَة على خَمْسمِائَة دِينَار. وقدمها مركب فِيهِ إفرنج فَأخْبرُوا أَنهم رَأَوْا بِجَزِيرَة طرابلس مركبا عَلَيْهِ طير يحوم فِي غَايَة الْكَثْرَة فقصدوه فَإِذا جَمِيع من فِيهِ من النَّاس موتى وَالطير تأكلهم وَقد مَاتَ من الطير أَيْضا شَيْء كثير فتركوهم ومروا فَمَا وصلوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى مَاتَ زِيَادَة على ثلثيهم. وفشى الْمَوْت. بِمَدِينَة دمنهور وتروجه والبحيرة كلهَا حَتَّى عَم أَهلهَا وَمَاتَتْ دوابهم فَبَطل من الْوَجْه البحري سَائِر الضمانات وَالْمُوجِبَات السُّلْطَانِيَّة. وكل الْمَوْت أهل البرلس ونستراوه وتعطل الصَّيْد من البحرة لمَوْت الصيادين. وَكَانَ يخرج بهَا فِي المراكب عدَّة من الصيادين لصيد الْحُوت فَيَمُوت أَكْثَرهم فِي المراكب وَيعود من بَقِي مِنْهُم فَيَمُوت بعد عوده من يَوْمه هُوَ وَأَوْلَاده وَأَهله. وَوجد فِي حيتان البطارخ شَيْء منتن وَفِيه على رَأس البطرخة كَبه قدر البندقة قد اسودت. وَوجد فِي جَمِيع زراعات البرلس وبلحها وقثائها دود وَتلف أَكثر ثَمَر النّخل عِنْدهم. وَصَارَت الْأَمْوَات على الأَرْض فِي جَمِيع الْوَجْه البحري وَلَا يُوجد من يدفنها وَعظم الوباء بالمحلة حَتَّى أَن الْوَالِي كَانَ لَا يجد من يشكو إِلَيْهِ وَكَانَ القَاضِي إِذا أَتَاهُ من يُرِيد الْإِشْهَاد على وَصيته لَا يجد من الْعُدُول أحدا إِلَّا بعد عناء لقلتهم وَصَارَت الفنادق تَجِد من يحفظها. وَعم الوباء جَمِيع تِلْكَ الْأَرَاضِي وَمَات الفلاحون بأسرهم فَلم يُوجد من يضم الزَّرْع وزهد أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي أَمْوَالهم وبذلوها للْفُقَرَاء. فَبعث الْوَزير منجك إِلَى الغربية كريم الدّين مُسْتَوْفِي الدولة وَمُحَمّد بن يُوسُف مقدم الدولة فِي جمَاعَة فَدَخَلُوا سنباط وسمنود وبوصير وسنهور وأبشيه وَنَحْوهَا من الْبِلَاد وَأخذُوا مَالا كثير لم يحضروا مِنْهُ سوى سِتِّينَ ألف دِرْهَم.

ص: 84

وَعجز أهل بلبيس وَسَائِر الْبِلَاد الشرقية عَن ضم الزَّرْع لِكَثْرَة موت الفلاحين. وَكَانَ ابْتِدَاء الوباء من أول فصل الصَّيف وَذَلِكَ فِي أثْنَاء ربيع الآخر. فجافت الطرقات بالموتى وَمَات سكان بيُوت الشّعْر ودوابهم وكلابهم وتعطلت سواقي ألحنا وَمَاتَتْ الدَّوَابّ والمواشي وَأكْثر هجن السُّلْطَان والأمراء. وامتلأت مَسَاجِد بلبيس وفنادقها وحوانيتها بالموتى وَلم يَجدوا من يدفنهم وجافت سوقها فَلم يقدر أحد على الْقعُود فِيهِ وَخرج من بَقِي من باعتها إِلَى مَا بَين الْبَسَاتِين. وَلم يبْق بهَا مُؤذن وطرحت الْمَوْتَى بجامعها وَصَارَت الْكلاب فِيهِ تَأْكُل الْمَوْتَى ورحل كثير من أَهلهَا إِلَى الْقَاهِرَة وتعطلت بساتين دمياط وسواقيها وجفت أشجارها لِكَثْرَة موت أَهلهَا ودوابهم وَصَارَت حوانيتها مفتحة والمعايش بهَا لَا يقربهَا أحد وغلقت دورها. وَبقيت المراكب فِي الْبحيرَة وَقد مَاتَ الصيادون فِيهَا والشباك بِأَيْدِيهِم مَمْلُوءَة سمكًا مَيتا فَكَانَ يُوجد فِي السَّمَكَة كبة. وَهَلَكت الأبقار الخيسية والجاموس فِي المراحات والجزائر وَوجد فِيهَا أَيْضا الكبة. وَقدم الْخَبَر من دمشق بِأَن الوباء كَانَ بهَا أخف مِمَّا كَانَ بطرابلس وحماة وحلب فَلَمَّا دخل شهر رَجَب وَالشَّمْس فِي برج الْمِيزَان أَوَائِل فصل الخريف هبت ريح فِي نصف اللَّيْل شَدِيدَة جدا واستمرت حَتَّى مضى من النَّهَار قدر ساعتين واشتدت الظلمَة حَتَّى كَانَ الرجل لَا يرى من بجانبه ثمَّ انجلت وَقد علت وُجُوه النَّاس صفرَة ظَاهِرَة فِي وَادي دمشق كُله. وَأخذ فيهم الْمَوْت مِنْهُ شهر رَجَب فَبلغ فِي الْيَوْم ألفا ومائتي إِنْسَان. وَبَطل إِطْلَاق الْمَوْتَى من الدِّيوَان فَصَارَت الْأَمْوَات مطروحة فِي الْبَسَاتِين وعَلى الطرقات. فَقدم على قَاضِي دمشق تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ رجل من جبال الرّوم وَأخْبرهُ أَنه لما وَقع الفناء بِبِلَاد الرّوم رأى رَسُول صلى الله عليه وسلم فَشَكا إِلَيْهِ مَا نزل بِالنَّاسِ من الفناء فَأمره صلى الله عليه وسلم أَن يَقُول لَهُم: اقرأوا سُورَة نوح ثَلَاثَة آلَاف وثلاثمائة وَسِتِّينَ مرّة واسألوا الله أَن يرفع عَنْكُم مَا أَنْتُم فِيهِ فعرفهم قَاضِي دمشق ذَلِك. فَاجْتمع النَّاس فِي الْمَسَاجِد وفعلوا مَا ذكر لَهُم وَتَضَرَّعُوا إِلَى الله وتابوا من ذنوبهم وذبحوا أبقاراً وأغناما كَثِيرَة للْفُقَرَاء مُدَّة سَبْعَة أَيَّام والفناء يتناقص كل يَوْم حَتَّى زَالَ. فَنُوديَ فِي دمشق باجتماع النَّاس بالجامع الْأمَوِي فصاروا إِلَيْهِ جَمِيعًا وقرأوا بِهِ صَحِيح البُخَارِيّ فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَثَلَاث لَيَال ثمَّ خرج النَّاس كَافَّة بصبيانهم إِلَى الْمصلى وكشفوا رُءُوسهم وضجوا بِالدُّعَاءِ وَمَا زَالُوا على ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام فتناقص الوباء حَتَّى ذهب بِالْجُمْلَةِ.

ص: 85

وابتدأ الوباء فِي الْقَاهِرَة ومصر بِالنسَاء والأطفال ثمَّ فِي الباعة حَتَّى كثر عدد الْأَمْوَات. فَركب السُّلْطَان إِلَى سرياقوس وَأقَام بهَا من أول رَجَب إِلَى الْعشْرين مِنْهُ وَقصد الْعود إِلَى القلعة وأشير عَلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ بسرياقوس وَصَوْم شهر رَمَضَان بهَا. فبلغت عدَّة من يَمُوت ثَلَاثمِائَة نفر كل يَوْم بالطاعون موتا وجباً فِي يَوْم أَو لَيْلَة فَمَا فرغ شهر رَجَب حَتَّى بلغت الْعدة زِيَادَة على الْألف فِي كل يَوْم. وَصَارَ إقطاع الْحلقَة ينْتَقل إِلَى سِتَّة أنفس فِي أقل من أُسْبُوع فشرع النَّاس فِي فعل الْخَيْر وتوهم كل أحد أَنه ميت وَقدم كتب نَائِب حلب بِأَن بعض أكَابِر الصلحاء بحلب رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي نَومه وشكا إِلَيْهِ مَا نزل بِالنَّاسِ من الوباء فَأمره صلى الله عليه وسلم أَن يَأْمُرهُم بِالتَّوْبَةِ وَالدُّعَاء وَهُوَ: اللَّهُمَّ سكن هَيْبَة صدمى قهرمان الحروب بألطافك النَّازِلَة الْوَارِدَة من فيضان الملكوت حَتَّى نتشبث بأذيال لطفك ونعتصم بك عَن إِنْزَال قهرك. يَاذَا الْقُوَّة وَالْعَظَمَة الشاملة وَالْقُدْرَة الْكَامِلَة يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وَأَنه كتب بهَا عدَّة نسخ بعث بهَا إِلَى حماة وطرابلس ودمشق. وَفِي شعْبَان: تزايد الوباء فِي الْقَاهِرَة وَعظم فِي رَمَضَان وَقد دخل فصل الشتَاء فرسم بالاجتماع فِي الْجَوَامِع للدُّعَاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس رَمَضَان نُودي أَن يجْتَمع النَّاس بالصناجق الخليفية والمصاحف عِنْد قبَّة النَّصْر فَاجْتمع النَّاس بعامة جَوَامِع مصر والقاهرة وَخرج المصريون إِلَى مصلى خولان بالقرافة واستمرت قِرَاءَة البُخَارِيّ بالجامع الْأَزْهَر وَغَيره عدَّة أَيَّام وَالنَّاس يدعونَ الله تَعَالَى ويقنتون فِي صلواتهم ثمَّ خَرجُوا إِلَى قبَّة النَّصْر وَفِيهِمْ الْأَمِير شيخو والوزير منجك والأمراء بملابسهم الفاخرة من الذَّهَب وَنَحْوه فِي يَوْم الْأَحَد ثامنه. وَفِيه مَاتَ الرحل الصَّالح عبد الله المنوفي فصلى عَلَيْهِ ذَلِك الْجمع الْعَظِيم. وَعَاد الْأُمَرَاء إِلَى سرياقوس وانفض الْجمع. وَاشْتَدَّ الوباء بعد ذَلِك حَتَّى عجز النَّاس عَن حصر الْأَمْوَات. فَلَمَّا انْقَضى شهر رَمَضَان قدم السُّلْطَان من سرياقوس وَحدث فِي شَوَّال بِالنَّاسِ نفث الدَّم فَكَانَ الْإِنْسَان يحس فِي بدنه بحرارة ويجد فِي نَفسه غثيان فيبصق دَمًا وَيَمُوت عَقِيبه ويتبعه أهل الدَّار وَاحِد بعد وَاحِد حَتَّى يفنوا جَمِيعًا بعد لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ فَلم يبْق أحد إِلَّا وَغلب على ظَنّه أَنه يَمُوت بِهَذَا الدَّاء. واستعد النَّاس جَمِيعًا وَأَكْثرُوا من الصَّدقَات وتحاللوا وَأَقْبلُوا على الْعِبَادَة.

ص: 86

وَلم يحْتَج أحد فِي هَذَا الوباء إِلَى أشربة وَلَا أدوية وَلَا أطباء لسرعة الْمَوْت. فَمَا تنصف شَوَّال إِلَّا والطرقات والأسوق قد امْتَلَأت بالأموات وانتدبت جمَاعَة لمواراتهم وَانْقطع جمَاعَة للصَّلَاة عَلَيْهِم فِي جَمِيع مصليات الْقَاهِرَة ومصر. وَخرج الْأَمر عَن الْحَد وَوَقع الْعَجز عَن الْعَدو وَهلك أَكثر أجناد الْحلقَة وخلت أطباق القلعة من المماليك السُّلْطَانِيَّة لموتهم. وَمَا أهل ذُو الْقعدَة: إِلَّا الْقَاهِرَة خَالِيَة مقفرة لَا يُوجد فِي شوارعها مار بِحَيْثُ إِنَّه يمر الْإِنْسَان من بَاب زويلة إِلَى بَاب النَّصْر فَلَا يرى من يزاحمه لِكَثْرَة الْمَوْتَى والاشتغال بهم وعلت الأتربة على الطرقات وتنكرت وُجُوه النَّاس وامتلأت الْأَمَاكِن بالصياح فَلَا تَجِد بَيْتا إِلَّا وَفِيه صبحة وَلَا تمر بشارع إِلَّا وَفِيه عدَّة أموات وَصَارَت النعوش لكثرتها تصطدم والأموات تختلط. وصل فِي يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة على الْأَمْوَات بالجامع الحاكمي من الْقَاهِرَة فصفت التوابيت اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ من بَاب مَقْصُورَة الخطابة إِلَى الْبَاب الْكَبِير. ووقف الإِمَام على العتبة وَالنَّاس خَلفه خَارج الْجَامِع. وخلت أَزِقَّة كَثِيرَة وحارات عديدة وَصَارَت حارة برجوان اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين دَارا خَالِيَة. وَبقيت الْأَزِقَّة والدروب. مِمَّا فِيهَا من الدّور المتعددة خَالِيَة وَصَارَت أَمْتعَة أَهلهَا لَا تَجِد من يَأْخُذهَا وَإِذا ورث إِنْسَان شَيْئا انْتقل فِي يَوْم وَاحِد عَنهُ إِلَى رَابِع وخامس. وحصرت عدَّة من صلى عَلَيْهِ بالمصليات خَارج بَاب النَّصْر وخارج بَاب زويلة وخارج بَاب المحروق وَتَحْت القلعة ومصلى قتال السَّبع تجاه بَاب جَامع قوصون فِي يَوْمَيْنِ فبلغت ثَلَاثَة عشر ألفا وَثَمَانمِائَة سوى من مَاتَ فِي الْأَسْوَاق والأحكار وخارج بَاب الْبَحْر وعَلى الدكاكين وَفِي الحسينية وجامع ابْن طولون وَمن تَأَخّر دَفنه فِي الْبيُوت وَيُقَال بلغت عدَّة الْأَمْوَات فِي يَوْم وَاحِد عشْرين ألفا وأحصيت الْجَنَائِز بِالْقَاهِرَةِ فَقَط فِي مُدَّة شعْبَان ورمضان تِسْعمائَة ألف سوى من مَاتَ بالأحكار والحسينية والصليبة وَبَاقِي الخطط خَارج الْقَاهِرَة وهم أَضْعَاف ذَلِك. وعدمت النعوش وَبَلغت عدتهَا ألفا وَأَرْبَعمِائَة نعش. فَحملت الْأَمْوَات على الأقفاص ودراريب الحوانيت وألواح الْخشب وَصَارَ يحمل الإثنان وَالثَّلَاثَة فِي نعش وَاحِد على لوح وَاحِد. وَطلبت الْقُرَّاء إِلَى الْأَمْوَات فَأبْطل كثير من النَّاس صناعاتهم وانتدبوا للْقِرَاءَة أَمَام الْجَنَائِز. وَعمل جمَاعَة من النَّاس مدراء وَجَمَاعَة تصدوا لتغسيل الْأَمْوَات وَجَمَاعَة لحملهم فنالوا بذلك سَعَادَة وافرة. وَصَارَ الْمُقْرِئ يَأْخُذ عشرَة دَرَاهِم وَإِذا وصل الْمَيِّت إِلَى الْمصلى تَركه وَانْصَرف لآخر. وَصَارَ الْحمال يَأْخُذ سِتَّة دَرَاهِم بعد الدخلة عَلَيْهِ إِذا وجد وَيَأْخُذ الحفار أُجْرَة الْقَبْر خمسين درهما فَلم يمتع أَكْثَرهم بذلك وماتوا.

ص: 87

وَدخلت غاسلة مرّة لتغسل امْرَأَة فَلَمَّا جردتها من ثِيَابهَا وَمَرَّتْ بِيَدِهَا على مَوضِع الكبة صاحت وَسَقَطت ميته فَوجدَ فِي بعض أصابعها كبة بِقدر الفولة. وامتلأت الْمَقَابِر من بَاب النَّصْر إِلَى قبَّة النَّصْر طولا وَإِلَى الْجَبَل عرضا. وامتلأت مَقَابِر الحسينية إِلَى الريدانية ومقابر خَارج بَاب المحروق والقرافة. وَصَارَ النَّاس يبيتُونَ بموتاهم على الترب لعجزهم عَن تواريهم. وَكَانَ أهل الْبَيْت يموتون جَمِيعًا وهم عشرات فَمَا يُوجد لَهُم سوى نعش وَاحِد ينقلون فِيهِ شَيْئا بعد شَيْء. وَأخذ كثير من النَّاس دوراً وأثاثاً وأموالا من غير اسْتِحْقَاق لمَوْت مستحقيها فَلم يتمل أَكْثَرهم. مِمَّا أَخذ وَمَات وَمن عَاشَ مِنْهُم اسْتغنى بِهِ. وَأخذ كثير من الْعَامَّة إقطاعات الْحلقَة وَقَامَ الْأَمِير شيخو والأمير مغلطاي أَمِير آخور بتغسيل النَّاس وتكفينهم ودفنهم. وَبَطلَت الأفراح والأعراس من بَين النَّاس فَلم يعرف أَن أحدا عمل فَرحا فِي مُدَّة الوباء وَلَا سمع صَوت غناء. وتعطل الْأَذَان من عدَّة مَوَاضِع وَبَقِي فِي الْموضع الْمَشْهُور بِأَذَان وَاحِد. وَبَطلَت أَكثر طبلخاناه الْأُمَرَاء وَصَارَ فِي طبلخاناه الْمُقدم ثَلَاثَة نفر بَعْدَمَا كَانُوا خَمْسَة عشر. وغلقت أَكثر الْمَسَاجِد والزوايا. وَاسْتقر أَنه مَا ولد أحد فِي هَذَا الوباء إِلَّا وَمَات بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ وَلَحِقتهُ أمه. وَشَمل فِي آخر السّنة الفناء بِلَاد الصَّعِيد بأسرها وتعطلت دواليبها. وَلم يدْخل الوباء ثغر أسوان فَلم يمت بِهِ سوى أحد عشر إنْسَانا. وَطلب بِنَاحِيَة بهجورة شَاهد فَلم يُوجد وَخرج من مَدِينَة أخميم شَاهد مساحة مَعَ قاضيها بقياسين لقياس بعض الْأَرَاضِي فعندما وضعت القصبة للْقِيَاس سقط أحد القياسين فَحَمله رَفِيقه إِلَى الْبَلَد فَسقط بجنبه وَمَات وَأخذت الشَّاهِد الْحمى. وَاجْتمعَ ثَلَاثَة بِنَاحِيَة أبيار وَكَتَبُوا أوراقاً بِأَسْمَائِهِمْ وَمن يَمُوت مِنْهُم قبل صَاحبه فطلعت الأوراق. بِمَوْت وَاحِد بعد آخر فَمَاتَ الثَّلَاثَة على مَا طلع فِي الأوراق وَكتب بذلك محْضر ثَابت قدم إِلَى الْقَاهِرَة. وَكَانَت البزداريه إِذا رمت طيراً من الْجَوَارِح على طَائِر ليصيده وجد الصَّيْد وَفِيه كبة كالبندقة وَلم تذبح أوزة وَلَا شَيْء من الطُّيُور إِلَّا وجد فِيهِ كبة. وَوجدت طيور

ص: 88

كَثِيرَة فِي الزروع ميتَة مَا بَين غربان وحدأة وَغَيرهَا من سَائِر أَصْنَاف الطُّيُور فَكَانَت إِذا نتفت وجد فِيهَا أثر الكبة. وَمَاتَتْ القطاط حَتَّى قل وجودهَا. وتواترت الْأَخْبَار من الْغَوْر وبيسان وَغير ذَلِك من النواحي أَنهم كَانُوا يَجدونَ الْأسود والذئاب والأرانب وَالْإِبِل وحمر الْوَحْش والخنازير وَغَيرهَا من الوحوش ميتَة وفيهَا أثر الكبة. وَكَانَت الْعَادة إِذا خرج السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس يقلق النَّاس من كَثْرَة الحدأة والغربان وتحليقها على مَا هُنَاكَ من اللحوم الْكَثِيرَة فَلم يُشَاهد مِنْهَا شَيْء مُدَّة شهر رَمَضَان وَالسُّلْطَان هُنَاكَ لفنائها. وَكَانَت بحيرات السّمك بدمياط ونستراوة وسخا تُوجد أسماكها الْكَثِيرَة طافية على المَاء وفيهَا الكبة. وَكَذَلِكَ كلما يصطاد مِنْهَا بِحَيْثُ امْتنع النَّاس من أكله. وَكثر عناء الأجناد وَغَيرهم فِي أَمر الزَّرْع فَإِن الوباء ابْتَدَأَ فِي آخر أَيَّام التخضير فَكَانَ الحراث يمر ببقره وهى تحرث فِي أَرَاضِي الرملة وغزة والساحل وَإِذا بِهِ يخر مَيتا والمحراث فِي يَده وَيبقى بقره بِلَا صَاحب. ثمَّ كَانَ الْحَال كَذَلِك بأراضي مصر فَمَا جَاءَ أَوَان الْحَصاد حَتَّى فني الفلاحون وَلم يبْقى مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل فَخرج الأجناد وغلمانهم لتحصد وَنَادَوْا من يحصد وَيَأْخُذ نصف مَا يحصده. فَلم يَجدوا من يساعدهم على ضم الزروع ودرسوا غلالهم على خيوهم وذروها بِأَيْدِيهِم وعجزوا عَن كثير من الزَّرْع فَتَرَكُوهُ. وَكَانَت الإقطاعات قد كثر تنقلها من كَثْرَة موت الأجناد بِحَيْثُ كَانَ الإقطاع الْوَاحِد يصير من وَاحِد إِلَى آخر حَتَّى يَأْخُذهُ السَّابِع وَالثَّامِن. فَأخذ إقطاعات الأجناد أَرْبَاب الصَّنَائِع من الخياطين والإسكافية والمنادمين وركبوا الْخُيُول ولبسوا تكلفتاه والقباء. وَلم يتَنَاوَل أحد من إقطاعه مغلا كَامِلا وَكثير مِنْهُم لم يحصل لَهُ شَيْء. فَلَمَّا كَانَ أَيَّام النّيل وَجَاء أَوَان التخضير تعذر وجود الرِّجَال فَلم يخضر إِلَّا نصف الْأَرَاضِي. وَلم يُوجد أحد يَشْتَرِي القرط الْأَخْضَر وَلَا من يرْبط عَلَيْهِ خيوله فَانْكَسَرت بِلَاد الْملك من ضواحي الْقَاهِرَة مثل المطرية وَالْخُصُوص وسرياقوس وبهتيت. وَتركت. ألف وَخَمْسمِائة فدان براسيم بِنَاحِيَة ناي وطنان فَلم يُوجد من يَشْتَرِيهَا لرعي دوابه وَلَا من يعملها دريسا.

ص: 89

وخلت بِلَاد الصَّعِيد مَعَ اتساع أرْضهَا بِحَيْثُ كَانَت مكلفة مساحي أَرض سيوط تشْتَمل على سِتَّة آلَاف نفر يَجِيء مِنْهُم الْخراج فَصَارَت فِي سنة الوباء هَذِه تشْتَمل على مائَة وَسِتَّة عشر نَفرا وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ سعر الْقَمْح لَا يتَجَاوَز خَمْسَة عشر درهما الأردب. وتعطلت أَكثر الصَّنَائِع وَعمل كثير من أَرْبَاب الصَّنَائِع أشغال الْمَوْتَى وتصدى كثير مِنْهُم للنداء على الْأَمْتِعَة. وانحط سعر القماش وَنَحْوه حَتَّى أبيع بِخمْس ثمنه وَأَقل وَلم يُوجد من يَشْتَرِيهِ وَصَارَت كتب الْعلم يُنَادى عَلَيْهَا بالأحمال فَيُبَاع الْحمل مِنْهَا بأبخس ثمن واتضعت أسعار المبيعات كلهَا حَتَّى كَانَت الْفضة النقرة الَّتِي يُقَال لَهَا. بِمصْر الْفضة الْحجر تبَاع الْعشْرَة مِنْهَا بِتِسْعَة دَرَاهِم كاملية. وَبَقِي الدِّينَار بِخَمْسَة عشر درهما بَعْدَمَا كَانَ بِعشْرين. وعدمت جَمِيع الصَّنَائِع فَلم يُوجد سقاء وَلَا بَابا وَلَا غُلَام. وَبَلغت جامكية غُلَام الْخَيل ثَمَانِينَ درهما فِي كل شهر بعد ثَلَاثِينَ درهما. فَنُوديَ بِالْقَاهِرَةِ من كَانَت لَهُ صَنْعَة فَليرْجع إِلَى صَنعته وَضرب جمَاعَة مِنْهُم. وَبلغ ثمن راوية المَاء إِلَى ثَمَانِيَة دَرَاهِم لقلَّة الرّحال وَالْجمال وَبَلغت أُجْرَة طحن الأردب الْقَمْح خَمْسَة عشر درهما. وَيُقَال إِن هَذَا الوباء أَقَامَ على أهل الأَرْض مُدَّة خمس عشرَة سنة وَقد أَكثر النَّاس من ذكره فِي أشعارهم فَقَالَ الأديب زين الدّين عمر بن الوردي من مقامة عَملهَا: إسكندرية ذَا الوبا سبع يمد إِلَيْك ضبعه صبرا لقسمتك الَّتِي تركت من السّبْعين سبعه وَقَالَ: أصلح الله دمشقاً وحماها عَن مسبه وَقَالَ: إِن الوبا قد غلبا وَقد بدا فِي حَلبًا قَالُوا لَهُ عي الورى كَاف ورا قلت وبا وَقَالَ: الله أكبر من وباء قد سبا ويصول فِي الْعُقَلَاء كَالْمَجْنُونِ

ص: 90

سنت أسنته لكل مَدِينَة فعجبت للمكروه فِي الْمسنون. وَقَالَ: حلب وَالله يَكْفِي شَرها أَرض مشقه أَصبَحت حَبَّة سوء تقتل النَّاس ببزقه وَقَالَ: قَالُوا فَسَاد الْهَوَاء يردى فَقلت يردى هوى الْفساد كم سيئات وَكم خَطَايَا نَادَى عَلَيْكُم بهَا الْمُنَادِي وَقَالَ: فَهَذَا يوصى بأولاده وَهَذَا يودع إخوانه وَهَذَا يُصَالح أعداءه وَهَذَا يلاطف جِيرَانه وَهَذَا يُوسع إِنْفَاقه وَهَذَا يخالل من خانه وَهَذَا يحبس أملاكه وَهَذَا يحرر غلمانه وَهَذَا يُغير أخلافه وَهَذَا يُغير مِيزَانه أَلا إِن هَذَا الوبا قد سبا وَقد كَاد يُرْسل طوفانه وَلَا عَاصِم الْيَوْم من أمره سوى رَحْمَة الله عبدانه وَقَالَ الصّلاح خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي: قد قلت الطَّاعُون وَهُوَ بغزة قد جال من قطيا إِلَى بيروت أخليت أَرض الشَّام من سكانها وحكمت يَا طاعون بالطاغوت وَقَالَ: لما افترست صَحَابِيّ يَا عَام تسع وأربعينا مَا كنت وَالله تسعا بل كنت سبعا يَقِينا وَقَالَ: وَقَالَ: أسفي على أكناف جلق إِذْ غَدا الطَّاعُون فِيهَا ذَا زناد وارى

ص: 91

الْمَوْت أرخص مَا يكون بِحَبَّة وَالظُّلم زَاد فَصَارَ بالقنطار وَقَالَ: أما دمشق فَإِنَّهَا قد أوحشت من بعد مَا شهد الْبَريَّة أُنْسُهَا تاهت بعجب زَائِد حَتَّى لقد ضربت بطاعون عَظِيم نَفسهَا وَقَالَ: تعجبت من طاعون جلق إِذْ غَدا وَمَا فَاتَت الآذان وقْعَة طعنه فكم مُؤمن تَلقاهُ أذعن طَائِعا على أَنه قد مَاتَ من خلف أُذُنه وَقَالَ: رعى الرَّحْمَن دهرا قد تولى يُحَاذِي بالسلامة كل شَرط وَكَانَ النَّاس فِي غفلات أَمر فجا طاعونهم من تَحت إبط وَقَالَ: يَا رحمتا لدمشق من طاعونها فَالْكل مغتبق بِهِ أَو مصطبح وَقَالَ: مُصِيبَة الطَّاعُون قد أَصبَحت لم يخل مِنْهَا فِي الورى بقعه يدْخل فِي الْمنزل لَو أَنه مَدِينَة أخلاه فِي جمعه وَقَالَ الأديب بدر الدّين الْحسن بن حبيب الْحلَبِي: إِن هَذَا الطَّاعُون يفتك فِي الْعَالم فتك امْرِئ ظلوم حقود وَيَطوف الْبَلَد شرقاً وغرباً وَيسْرق الْعباد نَحْو اللحود قد أَبَاحَ الدما وَحرم جمع الشمل قهرا وَحل نظم الْعُقُود كم طوى النشر من أَخ عَن أَخِيه وسبا عقل وَالِد بوليد وَقَالَ: أيتم الطِّفْل أنكل الْأُم أبكى الْعين أجْرى الدُّمُوع فَوق الخدود بسهام يَرْمِي الْأَنَام خفيات تشق الْقُلُوب قبل الْجُلُود كَمَا قلب زِدْت فِي النَّقْص أقصر وتلبث يَقُول هَل من مزِيد إِن أعش بعده فَإِنِّي شكور مخلص الْحَمد للْوَلِيّ الحميد وَإِذا مت هنئوني وَقُولُوا كم قَتِيل كَمَا قتلت شَهِيد

ص: 92

وَقَالَ الأديب جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة الْمصْرِيّ: سر بِنَا عَن دمشق ياطالب الْعَيْش فَمَا فِي الْمقَام للمرء رغبه رخصت أنفس الْخَلَائق بالطاعون فِيهَا كل نفس بحبه وَقَالَ الصّلاح خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي أَيْضا: قد نغص الطَّاعُون عَيْش الورى وأذهل الْوَالِد والوالده كم منزل كالشمع سكانه أطفأهم فِي نفخة واحده وَقَالَ: لَا تثق بِالْحَيَاةِ طرفَة عين فِي زمَان طاعونه مستطير فَكَأَن الْقُبُور شغلة شمع والبرايا لَهَا فرَاش يطير وَقَالَ الأديب إِبْرَاهِيم المعمار: يَا طَالب الْمَوْت أفق وانتبه هَذَا أَوَان الْمَوْت مَا فاتا قد رخص الْمَوْت على أَهله وَمَات من لَا عمره مَاتَا وَقَالَ: قبح الطَّاعُون دَاء فقدت فِيهِ الْأَحِبَّة وَمَات فِي هده السّنة خلائق من الْأَعْيَان مِنْهُم برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن لاجين بن عبد الله الرَّشِيدِيّ الشَّافِعِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري شَوَّال ومولده سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة أَخذ الْقرَاءَات على التقي الصَّائِغ وَسمع الحَدِيث من الأبرقوهي وَأخذ الْفِقْه عَن الْعلم الْعِرَاقِيّ وبرع فِيهِ وَفِي الْأُصُول والنحو وَغَيره ودرس وأقرأ وخطب بِجَامِع أَمِير حُسَيْن واشتهر بالصلاح. وَتُوفِّي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عَليّ الحكري شيخ الإقراء فِي يَوْم عيد النَّحْر. أَخذ الْقرَاءَات عَن التقي الصَّائِغ وَنور الدّين عَليّ بن يُوسُف بن حَرِير الشنطوفي. وَتُوفِّي الأديب إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم المعمار. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن عز الدّين أيبك بن عبد الله الحسامي الْمصْرِيّ الدمياطي نِسْبَة إِلَى جده لأمه الشَّافِعِي الجندي. وَمَات الأديب المادح شهَاب الدّين أَحْمد بن مَسْعُود بن أَحْمد بن مَمْدُود السنهوري أَبُو الْعَبَّاس الضَّرِير كَانَت لَهُ قدرَة زَائِدَة على النّظم وشعره كثير.

ص: 93

وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضية بن فضل ابْن ربيعَة أَمِير آل فضل بسلمية عَن نَيف وَخمسين سنة. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن محيى الدّين بن فضل الله بن عَليّ الْعمريّ فِي تَاسِع ذِي الْحجَّة بِدِمَشْق ومولده بهَا فِي ثَالِث شَوَّال سنة سَبْعمِائة. عرف الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي ودرس الْعَرَبيَّة وبرع فِي الْإِنْشَاء والتاريخ وَقَالَ الشّعْر الْجيد وصنف عدَّة كتب فِي التَّارِيخ وَالْأَدب وباشر كِتَابَة السِّرّ بديار مصر عَن أَبِيه فِي حَيَاته ثمَّ اسْتَقل فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن قيس بن ظهير الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي يَوْم عيد النَّحْر بِالْقَاهِرَةِ. درس بالخشابية والمشهد الْحُسَيْنِي وبرع فِي الْفِقْه وعظمت شهرته وَمَات أَحْمد بن الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير أصلم. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن الْوَجِيه الْمُحدث. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن ميلق الشاذلي. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير جنكلى بن البابا قَرِيبا من عقبَة أَيْلَة بعد عوده من الْحَج وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن الغزاوي نَاظر الْأَوْقَاف المارستان بطرِيق الْحجاز. وَتُوفِّي الْمسند زين الدّين أَبُو بكر بن قَاسم بن أبي بكر الرَّحبِي الْحَنْبَلِيّ بِدِمَشْق ومولده سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير آقبغا أَخُو الْأَمِير طقزدمر الْحَمَوِيّ. وَمَات الْأَمِير أسندمر القلنجقي وَالِي الْقَاهِرَة. وَمَات الْأَمِير إِسْمَاعِيل الوافدي وَالِي قوص مقتولا. وَمَات الْأَمِير إلمش الجمدار الْحَاجِب بِدِمَشْق وَكَانَ مشكورا. وَمَات الْأَمِير بلك المظفري الجمدار أحد أُمَرَاء الألوف فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرى شَوَّال.

ص: 94

وَمَات الْأَمِير برلغي الصَّغِير قريب السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون. قدم إِلَى الْقَاهِرَة صُحْبَة القازانية سنة أَربع وَسَبْعمائة فأنعم عَلَيْهِ بإمرة وَتزَوج ابْنة الْأَمِير بيبرس الجاشنكير قبل سلطنته وَعمل لَهُ مُهِمّ عَظِيم أشعل فِيهِ ثَلَاثَة آلَاف شمعة. ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد زَوَال المظفر بيبرس وامتحن وَحبس عشْرين سنة. ثمَّ أفرج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف فَمَاتَ بعد أَيَّام. وَمَات الْأَمِير بلبان الْحُسَيْنِي أَمِير جاندار وَهُوَ من المماليك المنصورية قلاوون وَقد أناف على الثَّمَانِينَ. وَمَات الْأَمِير بكتوت الفرماني أحد المماليك المنصورية قلاوون وَكَانَ أحد الْأُمَرَاء البرجية ثمَّ ولي شدّ الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وَحبس ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بطبلخاناه فِي ديار مُضر وَكَانَت بِهِ حدبة فَاحِشَة وولع بتتبع المطالب وَعمل الكيميا. وَمَات الْأَمِير تمربغا الْعقيلِيّ نَائِب الكرك فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ مشكور السِّيرَة وَتُوفِّي كَمَال الدّين جَعْفَر بن ثَعْلَب بن جَعْفَر بن عَليّ الإدفوي الْفَقِيه الشَّافِعِي الأديب الْفَاضِل لَهُ كتاب الطالع السعيد فِي تَارِيخ الصَّعِيد وَغَيره وشعره جيد. وَمَات الْأَمِير وداد بن الشَّيْبَانِيّ متولى إِيَاس وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير سنقر الرُّومِي الْمُسْتَأْمن. قدم رَسُولا من الفرنج فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد قلاوون فَأسلم وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة. ثمَّ اخْتصَّ بالصالح إِسْمَاعِيل وأخيه شعْبَان الْكَامِل واتهم بِأَنَّهُ ركب لَهما السمُوم فَقبض عَلَيْهِ بعد انْقِضَاء أَيَّام المظفر حاجي وَنفي. ثمَّ أحضر وأنعم عَلَيْهِ بإمرة. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين خَليفَة وَزِير الْبِلَاد القانية عَليّ شاه فِي سادس عشرى جُمَادَى الأولى بِدِمَشْق وَكَانَ قد قدم من بِلَاد الْمشرق وَأعْطِي إقطاعاً. وَتُوفِّي نجم الدّين سعيد بن عبد الله الدهلي بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ

ص: 95

الْحَافِظ خَامِس عشرى ذِي الْقعدَة وَله كتاب تفتيت الأكباد فِي وَاقعَة بَغْدَاد. ولد سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَقدم من بَغْدَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَسمع ودأب وصنف فبرع فِي الحَدِيث وَمَعْرِفَة التراحم. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن سُلَيْمَان بن رَيَّان الْحلَبِي نَاظر الْجَيْش بهَا وَمَات شيرين بن شيخ الخانكاه الركنية بيبرس فولى بعده نجم الدّين الْمَلْطِي فَمَاتَ عَن قريب. وَمَات الْأَمِير طشتمر طلليه أحد الْأُمَرَاء المقدمين فِي شَوَّال وَقيل لَهُ طلليه لِأَنَّهُ كَانَ إِذا تكلم قَالَ فِي أخر كَلَامه طلليه وَهُوَ من المماليك الناصرية. وَمَات الْأَمِير طغاي الكاشف مقتولا فَقدم الْخَبَر بقتْله يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرى ذِي الْقعدَة. وَمَاتَتْ خوند طغاي أم آنوك وَتركت مَالا كَبِيرا وَألف جَارِيَة وَثَمَانِينَ طواشيا وأعتقت الْجَمِيع وَلها تنْسب تربة خوند بالصحراء. وَتُوفِّي الصفي عبد الْعَزِيز بن سَرَايَا بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم بن أَحْمد بن نصر بن أبي الْعَزِيز سَرَايَا بن ناقا بن عبد الله السنبسي الْحلِيّ الأديب الشَّاعِر آخر يَوْم من ذِي الْحجَّة ومولده خَامِس ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة قدم الْقَاهِرَة مرَّتَيْنِ. وَتُوفِّي تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد عبد الْكَرِيم الْقزْوِينِي الشَّافِعِي خطيب الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق وَتُوفِّي مَعَه أَخُوهُ صدر الدّين عبد الْكَرِيم. وَتُوفِّي الرجل الصَّالح عبد الله المنوفي الْمَالِكِي فِي يَوْم الْأَحَد ثامن رَمَضَان وقبره خَارج الْقَاهِرَة يقْصد للتبرك بِهِ. وَتُوفِّي الْمسند بهاء الدّين عَليّ بن عمر بن أَحْمد الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي الدِّمَشْقِي وَقد أناف على الثَّمَانِينَ حدث عَن ابْن البُخَارِيّ وَغَيره.

ص: 96

وَمَات أَمِير عَليّ بن طغريل الإيغاني أحد أُمَرَاء الألوف. وَمَات أَمِير عَليّ بن الْأَمِير أرغون النَّائِب. وَتُوفِّي شيخ الشُّيُوخ بِدِمَشْق عَلَاء الدّين عَليّ بن مَحْمُود بن حميد القونوي الْحَنَفِيّ فِي رَابِع رَمَضَان. وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن دَاوُد هَارُون بن يُوسُف بن عَليّ الْحَارِثِيّ الصَّفَدِي أحد موقعي الدست - وَقد أناف على السِّتين - بِالْقَاهِرَةِ برع فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَفِي الْعَرَبيَّة والإنشاء ونظم الشّعْر. وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن المظفر بن عمر بن مُحَمَّد بن أبي الفوارس بن عَليّ المغربي الْحلَبِي الْمَعْرُوف بِابْن الوردي الْفَقِيه الشَّافِعِي وَهُوَ ناظم الْحَاوِي وَقد جَاوز السِّتين وَكَانَت وَفَاته بحلب فِي تَاسِع عشرى ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن عَامر بن الْخضر بن عمر بن ربيع العامري الغري الشَّافِعِي. بِمَدِينَة بلبيس عَن إِحْدَى وَسبعين بَاشر بالكرك وعجلون وقوص وبلبيس وبرع فِي الْفِقْه. وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم بن عبد الرَّزَّاق البلقيائي الشَّافِعِي قَاضِي حلب وصفد وَبهَا مَاتَ عَن نَحْو سبعين سنة. وَمَات الْأَمِير ركن الدّين عمر بن طقصو وَكَانَ فَاضلا صنف فِي الموسيقا وَغَيره. وَمَات الطواشي عنبر السحرتي اللالا مقدم المماليك منفياً بالقدس. وَمَات الْأَمِير قطز أَمِير آخور ونائب صفد وَهُوَ من جملَة الْأُمَرَاء بِدِمَشْق يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ذِي الْقعدَة وَمَات الْأَمِير قرونه من الأويراتية. وَمَات الْأَمِير قطليجا السيفي البكتمري مُتَوَلِّي الْإسْكَنْدَريَّة ووالي الْقَاهِرَة. وَمَات الْأَمِير كوكاي السِّلَاح دَار المنصوري وَترك زِيَادَة على أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار. وَتُوفِّي قَاضِي الشَّافِعِيَّة بحلب نور الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلد بن جَابر بن الصَّائِغ الْأنْصَارِيّ وَقد أناف على السّبْعين. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن عَدْلَانِ الْفَقِيه الشَّافِعِي عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ.

ص: 97

وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْمُؤمن بن اللبان الأسعردي الْفَقِيه الشَّافِعِي عَن تسع وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الكتاني الشَّافِعِي. وَتُوفِّي عماد الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد البلبيسي الشَّافِعِي قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فِي الْأَيَّام الناصرية وَهُوَ مَعْزُول فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر شعْبَان. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن مِسْكين نَاظر الأحباس. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمر الأسيوطي وناظر بَيت المَال وَهُوَ باني جَامع الأسيوطي بِخَط جَزِيرَة الْفِيل. وَتُوفِّي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الْأَكْفَانِيِّ الْحَكِيم صَاحب التصانيف فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرى شَوَّال. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن صَغِير الطّيب وَله شعر جيد. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مَحْمُود بن أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر الْأَصْفَهَانِي الْفَقِيه الشَّافِعِي ذُو الْفُنُون بِالْقَاهِرَةِ فِي ذِي الْقعدَة ومولده سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة. وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مَحْمُود بن خطير أَخُو أَمِير مَسْعُود. وَمَات نكباي البريدي أحد المماليك المنصورية قلاوون ولي قطيا وإسكندرية ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بطبلخاناه وَاسْتقر مهمنداراً وَإِلَيْهِ تنْسب دَار نكباي خَارج مَدِينَة مصر على النّيل وعني بعمارتها فَلم يمتع بهَا. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد يُوسُف المرحلي.

ص: 98

وَمَات نور الدّين الْفرج. وَتُوفِّي نور الدّين الْفرج بن مُحَمَّد بن أبي الْفرج الأردبيلي الشَّافِعِي: شَارِح منهاج الْبَيْضَاوِيّ فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق.

ص: 99

فارغة

ص: 100