الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة اثْنَتَيْنِ فِي خمسين وَسَبْعمائة)
فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع الْمحرم: قدم الْأَمِير أسندمر الْعمريّ من حماة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خامسه: قدم الْأَمِير أرغون الكاملي من حلب بِغَيْر مرسوم فَخلع عَلَيْهِ وَأنزل بالقلعة وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ قد أشيع بحلب الْقَبْض عَلَيْهِ وَأشيع. بِمصْر أَنه خامر فكره تمكن مُوسَى حَاجِب حلب لما بَينهمَا من الْعَدَاوَة وَرَأى أَن وُقُوع الْمَكْرُوه بِهِ فِي غير حلب أخف عَلَيْهِ فَركب من حلب وَقدم مصر ففرح السُّلْطَان بقدومه لما كَانَ عِنْده من إِشَاعَة عصيانه وَفِيه قدم عِيسَى بن حسن الهجان من الْعقبَة بِكِتَاب الْأَمِير فياض يتَضَمَّن حُضُور طقطاى ورفيقه مبشرين وَأَنه عوقهما بِالْعقبَةِ وَبعث مَا على يديهما من الْكتب وَأَن طيلان لفي الْحَاج يَنْبع فَكتب بإحضار طقطاى ورفيقه. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن طيلان تسلم الْأَمِير بيبغا روس من الْأَمِير طاز وَتوجه بِهِ إِلَى الكرك من بدر. فسر السُّلْطَان والأمراء بذلك وَكتب بِإِعَادَة الْعَسْكَر من الْعقبَة. وَفِيه توجه الْأَمِير فياض بن مهنا إِلَى أَهله وسير إِلَيْهِ منشوره بإمرة الْعَرَب عوضا عَن جَبَّار صُحْبَة قطلوبغا أخي الْأَمِير مغلطاى ليسافر بِهِ إِلَى بِلَاده. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الضياء يُوسُف الشَّامي وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَنظر المارستان عوضا عَن ابْن الأطروش بسفارة النَّائِب الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير لكَلَام نَقله ابْن الأطروش للوزير ابْن زنبور فَسَبهُ وأهانه وتحدث فِي عَزله وعود الضياء. فَعرض الضياء حواصل المارستان فَلم يجد بهَا شَيْئا وَكتب بذلك أوراقاً وأوقف الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب عَلَيْهَا. فَنزل النَّائِب مَعَه إِلَى المارستان واستدعى الْقُضَاة وأرباب الْوَظَائِف بالمارستان وأحضر ابْن الأطروش وَطلب كتاب الْوَقْف وقرأه حَتَّى وصل فِيهِ الْقَارئ إِلَى قَوْله: عَن النَّاظر التعمم وَيكون عَارِفًا بِالْحِسَابِ وَأُمُور الْكِتَابَة. فَقَالَ الضياء لِابْنِ الأطروش: قد سَمِعت مَا شَرطه الْوَاقِف فِيك وَأَنت
عَامي مَشْهُور بِبيع الخرائط لَا تَدْرِي شَيْئا مِمَّا شَرطه الْوَاقِف. وناوله ورقة حِسَاب لِيَقْرَأهَا فَقَامَ إِلَيْهِ بعض الْفُقَهَاء وَقَالَ: هَذَا مَعَه تدريس وإعادة وَأَنا أسأله عَن شَيْء فَإِن أجَاب اسْتحق الْمَعْلُوم. وأخذته الْأَلْسِنَة من كل جَانب فَقَالَ النَّائِب: يَا قوم! هَذَا رجل عَامي وَقد أَخطَأ وَمَا بَقِي إِلَّا السّتْر عَلَيْهِ فاعترف ابْن الأطروش أَنه لَا يدْرِي الْحساب وَأَنه عَاجز عَن الْمُبَاشرَة وألزم نَفسه أَلا يعود إِلَيْهَا أبدا بإشهاد كتب فِيهِ قُضَاة الْقُضَاة ونوابهم يتَضَمَّن قوادح شنيعة ومازال النَّائِب بأخصامه حَتَّى كفوا عَنهُ ثمَّ قَامَ النَّائِب لكشف أَحْوَال المرضى فَوجدت فرشهم قد تلفت وَلها ثَلَاث سِنِين لم تغير فسد النَّائِب خلله وَانْصَرف. وَفِيه قبض على مُسْتَوْفِي الدولة الأسعد حَرْبَة وكريم الدّين أكْرم بن شيخ وسلما لشاد الدَّوَاوِين فَضرب شاد الدَّوَاوِين ابْن شيخ وعاقبه حَتَّى وزن مائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم تَتِمَّة ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وَوزن حَرْبَة مَالا جزيلا. وَاسْتقر عوضهما تَاج الدّين ابْن ريشة وَالْعلم كَاتب آل ملك. وَفِي يَوْم السبت عشريه: قدم الْأَمِير طاز من الْحجاز. بِمن مَعَه وصحبته الْملك الْمُجَاهِد والشريف أدّى أَمِير الْمَدِينَة بعد مَا سَافر وَلحق بِالْيمن وَقدم مَعَ الْمُجَاهِد إِلَى مَكَّة. فَخرج الْأَمِير مغلطاي إِلَى الْبركَة وَمَعَهُ الْأُمَرَاء وَمد لَهُ سماطاً جَلِيلًا وَقبض على من مَعَه من الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا من جمَاعَة الْأَمِير بيبغا روس وقيدوهم وهم فَاضل أَخُو بيبغا روس وناصر الدّين مُحَمَّد بن بكتمر الْحَاجِب. وَأما الْأَمِير أزدمر الكاشف فَإِنَّهُ أخرج عَنهُ إقطاعه وَلزِمَ بَيته وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشريه: طلع الْأَمِير طاز بالمجاهد إِلَى القلعة فقيد عِنْد بَاب القلعة وَمَشى بقيده حَتَّى وقف مَعَ الْعُمُوم بالدركاه - تجاه النَّائِب والأمراء جُلُوس - وقوفاً طَويلا إِلَى أَن خرج أَمِير جاندار يطْلب الْأُمَرَاء على الْعَادة فَدخل مَعَهم وخلع السُّلْطَان على الْأَمِير طاز ثمَّ أَخذ الْمُجَاهِد وَأمر بِهِ مقبل الأَرْض ثَلَاث مَرَّات. وَطلب السُّلْطَان الْأَمِير طاز وَسَأَلَ عَنهُ فمازال طاز يتشفع فِي أَمر الْمُجَاهِد إِلَى أَن أَمر بقيده ففك وَأنزل بالأشرفية من القلعة عِنْد الْأَمِير مغلطاى وأجريت لَهُ الرَّوَاتِب السّنيَّة وأقيم لَهُ من يَخْدمه.
وَفِيه أنعم على الْأَمِير طاز. بِمِائَتي ألف دِرْهَم وَفِيه قبض على الْأَمِير حُسَيْن الططرى وَولده وَأخرج مَعَ الْأُمَرَاء الممسوكين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه خلع على الْأَمِير أرغون الكاملي وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب على عَادَته ورسم أَن يكون وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشريه: حضر الْمُجَاهِد الْخدمَة وأجلس تَحت الْأُمَرَاء. وَفِيه ألزم الْمُجَاهِد بِحمْل أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار يقترضها من الكارم ثمَّ بعد ذَلِك ينعم لَهُ بِالسَّفرِ إِلَى بِلَاده. وَفِيه قدم المجردون من الْعقبَة بِسَبَب بيبغا روس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشريه: قدم الْأَمِير قطلوبغا الكركي وَمَعَهُ أَمِير أَحْمد الثائر بصفد فَأرْسل إِلَى الاسكندرية فسجن بهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشريه: خلع على الْأُمَرَاء اليمنيين المقيدين وعَلى الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن بالإيوان وَقبل الأَرْض عدَّة مرار. وَكَانَ الْأَمِير طاز والأمير مغلطاي تلطفا فِي أمره حَتَّى أعفى من حمل المَال وقربه السُّلْطَان ووعده بِالسَّفرِ إِلَى بِلَاده مكْرها فَقبل الْمُجَاهِد الأَرْض وسر بذلك فَأذن لَهُ أَن ينزل من القلعة إِلَى إصطبل الْأَمِير مغلطاى ويتجهز للسَّفر. وَأَفْرج عَن وزيره وخادمه وحواشيه وأنعم عَلَيْهِ. بِمَال. فَبعث لَهُ الْأُمَرَاء مَالا جزيلا وَشرع فِي الْقَرْض من الكارم تجار مصر واليمن فبعثوا لَهُ عدَّة هَدَايَا وَصَارَ يركب حَيْثُ شَاءَ وَفِيه خلع على ابْن بورقية وَاسْتقر فِي حسبَة مصر عوضا عَن ولي الدّين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر: ركب الْمُجَاهِد فِي الموكب بسوق الْخَيل تَحت القلعة وطلع مَعَ الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب إِلَى القلعة وَدخل إِلَى الْخدمَة بالإيوان مَعَ الْأُمَرَاء والنائب فَكَانَ موكباً عَظِيما ركب فِيهِ جمَاعَة من أجناد الْحلقَة مَعَ مقدميهم وخلع السُّلْطَان على المقدمين وطلعوا إِلَى القلعة وأجناد الْحلقَة مَعَهم. وَاسْتمرّ الْمُجَاهِد يركب فِي الْخدمَة مَعَ النَّائِب فِي سوق الْخَيل ويطلع إِلَى الْخدمَة بالقلعة
وَفِيه خلع على الْأَمِير صرغتمش وَاسْتقر رَأس نوبَة على مَا كَانَ عَلَيْهِ بعناية الْأَمِير طاز والأمير مغلطاي وَفِيه قبض على مُحَمَّد بن يُوسُف مقدم الدولة وَسلم لشاد الدَّوَاوِين وأفرد مُحَمَّد ابْن زيد بالتقدمة. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: برز الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن بثقله إِلَى الريدانيه ليسافر إِلَى بِلَاده وصحبته الْأَمِير قشتمر شاد الدَّوَاوِين. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الشريف عجلَان أَمِير مَكَّة بتجهيزه إِلَى بِلَاده وَكتب لبنى شُعْبَة وَغَيرهم من العربان بِالْقيامِ فِي خدمته وخلع عَلَيْهِ أطلس فوعد الْمُجَاهِد بإرسال الدِّيَة وَالْمَال وَقرر على نَفسه حملا فِي كل سنة وَأسر السُّلْطَان إِلَى قشتمر أَنه إِن رأى مِنْهُ مَا يرِيبهُ. بِمَنْعه من الْمُضِيّ ويطالع بأَمْره. فَرَحل الْمُجَاهِد من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشريه وَمَعَهُ عدَّة مماليك اشْتَرَاهَا وَكثر من الْخَيل وَالْجمال وَفِي مستهل ربيع الأول: قدم الْأَمِير قطلوبغا مُسْتَقر الْأَمِير فياض بن مهنا وَقد أنعم عَلَيْهِ. بِمِائَة ألف دِرْهَم وَثَلَاثِينَ فرسا وَخمسين جملا وقماش كثير. وَفِيه قدم الْخَبَر بلين الْأَمِير أيتمش الْمصْرِيّ نَائِب الشَّام وضياع أَحْوَال الشَّام وَكَثْرَة قطع الطرقات وَأَن أهل الشَّام سموهُ ايش كنت أَنا وَأَن أَحْوَال شمس الدّين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق النَّاظر توقفت. وَوَقع جَراد مُضر بالزرع أفسد أَكْثَرهَا وَأَن الغرارة الْقَمْح ارْتَفَعت من ثَمَانِينَ إِلَى مائَة وَعشْرين درهما. وَوَقع بحماة سيل لم يعْهَد مثله وَخرب السَّيْل أَمَاكِن كَثِيرَة. وَفِيه قدم الْأَمِير قطلوبغا الذَّهَبِيّ من الْوَجْه القبلي وَقد عجز عَن مقاومة الأحدب. وَفِيه قدم الْخَبَر بقتل الشريف سعد بن ثَابت أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَسَببه أَن الشريف أدّى لما نهب الْمَدِينَة وفر إِلَى الْيمن وَصَارَ عِنْد صَاحبهَا الْمُجَاهِد حَتَّى قدم مَكَّة ترامى على الْأَمِير طاز إِلَى أَن أَخذ لَهُ أَمَانًا من السُّلْطَان وَقدم مَعَه وَمثل بَين يَدي السُّلْطَان وَفِي عُنُقه منديل الْأمان فَقيل لَهُ: إِنَّمَا أمنك على نَفسك وَأما الْأَمْوَال الَّتِى أَخَذتهَا من أهل الْمَدِينَة وَمن الْحجَج فلابد من ردهَا إِلَى أَرْبَابهَا. فَجمع أدّى وَلَده وطرق سعد بن ثَابت لَيْلًا وحاربه فَقتل سعد وَكتب باستقرار فضل ابْن
وَفِي مستهل ربيع الآخر. كَانَ عرس خوند زهراء ابْنة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد وَهِي زَوْجَة آقسنقر الناصري الْمَقْتُول زمن المظفر حاجي على الْأَمِير طاز ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك عرس الْأَمِير تنكز بغا وأعرس جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَعمل السُّلْطَان لكل مِنْهُم مهما يَلِيق بِهِ فأقامت الأفراح طول الشَّهْر وأنعم السُّلْطَان على طاز وعَلى تنكز بغا بثلاثمائة ألف دِرْهَم وأنعم على كل من الْأَمِير مغلطاي رَأس نوبَة والأمير منكلى بغا الفخري. وَفِيه أخرج الْأَمِير نوروز على إمرة طبلخاناه بِدِمَشْق. وَسَببه أَنه لما قدم من الشَّام أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف فَصَارَ يتحدث مَعَ السُّلْطَان فِي المشور وترفع على الْأُمَرَاء. وَفِيه قدم سيف بن فضل بقوده. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رابعه: قدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير قشتمر أمسك الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن بينبع بعد مَا فر بِنَفسِهِ وَترك ثقله. ثمَّ قدم قشتمر فِي يَوْم السبت خَامِس عشره وَأرْسل الْمُجَاهِد إِلَى الكرك فسجن بهَا. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: قدمت رسل الْأَشْرَف دمرداش بن جوبان بِسَبَب الصُّلْح فأنزلوا بصهريج منجك ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يُمكن أحد من الِاجْتِمَاع بهم. ثمَّ مثلُوا بَين يَدي السُّلْطَان وأعيدوا بجوابهم. وَفِيه خلع على الْأَمِير أرغون الْإِسْمَاعِيلِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن فَارس الدّين ألبكي. وَقدم فَارس الدّين فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَفِيه خرجت الْعَرَب الْمَعْرُوفَة ثَعْلَبَة من أماكنها وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد. فوقفت أَحْوَال مراكز الْبَرِيد فَإِن دَرك الْبَرِيد عَلَيْهِم فسعى ابْن طلدية فِي ولَايَة الشرقية وتكفل برد ثَعْلَبَة فَخلع عَلَيْهِ بولايتها. وَفِيه ركب الْأَمِير طاز لكبس عرب الأطفيحية وَقد اشْتَدَّ ضررهم وَكثر قطعهم الطَّرِيق فَلم يظفر مِنْهُم بِأحد وتعلقوا بالجبال. وَفِيه توعك السُّلْطَان وَلزِمَ الْفراش أَيَّامًا فَبلغ طاز ومغلطاى ومنكلى بغا أَنه أَرَادَ بِإِظْهَار توعكه الْقَبْض عَلَيْهِم إِذا دخلُوا إِلَيْهِ وَأَنه قد اتّفق مَعَ قشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر المارديني وتنكز بغا على ذَلِك وَأَن ينعم عَلَيْهِم بإقطاعاتهم وإمراتهم. فواعدوا أَصْحَابهم وَاتَّفَقُوا مَعَ الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب والأمير طيبغا المجدي والأمير رسْلَان بصل وركبوا يَوْم الْأَحَد سَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة بأطلابهم ووقفوا عِنْد قبَّة النَّصْر. فَخرج السُّلْطَان إِلَى الْقصر الأبلق وَبعث يسألهم عَن سَبَب ركوبهم فَقَالُوا: أَنْت اتّفقت مَعَ مماليكك على مسكنا ولابد من إرسالهم إِلَيْنَا. فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِم تنكز
بغا وقشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر فعندما وصلوا إِلَيْهِم قيدوهم وبعثوهم إِلَى خزانَة كايل فسجنوا بهَا. فشق ذَلِك على السُّلْطَان وَبكى وَقَالَ: قد نزلت عَن السلطنة وسير إِلَيْهِم النجَاة فسلموها للأمير طيبغا المجدي. وَقَامَ السُّلْطَان إِلَى حريمه فَبعث الْأُمَرَاء الْأَمِير صرغتش وَمَعَهُ الْأَمِير قطلوبغا الذَّهَبِيّ وَجَمَاعَة ليأخذه ويحبسه. فطلعوا إِلَى القلعة راكبين إِلَى بَاب الْقصر الأبلق ودخلوا إِلَى النَّاصِر حسن وأخذوه من بَين حرمه فَصَرَخَ النِّسَاء صراخاً عَظِيما وصاحت سِتّ حدق على صرغتمش صياحاً مُنْكرا وسبته وَقَالَت: هَذَا جَزَاؤُهُ مِنْك. فَأخْرجهُ صرغتمش وَقد غطى وَجهه إِلَى الرحبة فَلَمَّا رأه الخدام والمماليك تباكوا عَلَيْهِ بكاءاً كثيرا. وطلع صرغتمش بِهِ إِلَى رواق فَوق الإيوان ووكل بِهِ من يحفظه وَعَاد إِلَى الْأُمَرَاء. وَكَانَت مدَّته ثَلَاث سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا مِنْهَا مُدَّة الْحجر عَلَيْهِ ثَلَاث سِنِين وَمُدَّة استبداده تِسْعَة أشهر وَكَانَ الْقَائِم بدولته الْأَمِير شيخو رَأس نوبَة وَإِلَيْهِ أَمر خزانَة الْخَاص - ومرجع ذَلِك إِلَى علم الدّين بن زنبور نَاظر الْخَاص - والأمير بيبغاروس نَائِب السلطة وَإِلَيْهِ حكم الْعَسْكَر وتدبره وَالْحكم بَين النَّاس والأمير منجك الْوَزير الأستادار مقدم المماليك وَإِلَيْهِ التَّصَرُّف فِي أَمْوَال الدولة وَالْمُتوَلِّيّ لتربيته خوند طغاي أم آنوك وَفِي خدمته سِتّ حدق. ورتب لَهُ فِي كل يَوْم مائَة دِرْهَم تصرف لخدامه من خزانَة الْخَاص فَكَانَ كَذَلِك فِي طوع الْأُمَرَاء يصرفونه على حسب اختيارهم إِلَى أَن نفرت نفوس الْأُمَرَاء الخاصكية من الْوَزير منجك وحسدوه على مَا هُوَ فِيهِ وَكَانَ أَشَّدهم عَلَيْهِ حقدا الْأَمِير مغلطاي والأمير طاز. وَكَانَ الْأَمِير شيخو يفهم عَنهُ إِلَى أَن خرج الْأَمِير بيبغا روس إِلَى الْحَج وَخرج الْأَمِير شيخو إِلَى السرحة بالعباسة وَقع الِاتِّفَاق على ترشيد السُّلْطَان ومسك منجك كَمَا تقدم. فاستبد السُّلْطَان بِالتَّصَرُّفِ وَأخذ أَمْوَال الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم وفرقها فِي خواصه. ثمَّ اخْتصَّ بطاز وَبَالغ فِي الإنعام عَلَيْهِ واستخص قشتمر وألطنبغا وملكتمر وتنكز بغا وجعلهم ندماءه فِي اللَّيْل ومشيريه فِي النَّهَار فَلم يكن يفارقهم أبدا لَيْلًا وَلَا نَهَارا وسوغهم من الْأَمْلَاك وأنعم عَلَيْهِم من الْجَوَاهِر وَالْأَمْوَال بِشَيْء جليل إِلَى الْغَايَة وَأعْرض عَن الْأُمَرَاء فَلم يلْتَفت إِلَيْهِم حَتَّى كَانَ مَا كَانَ من خلعه. وَكَانَت أَيَّامه شَدِيدَة كثرت فِيهَا المغارم بالنواحي وَخَربَتْ عدَّة أَمْلَاك على النّيل واحترقت مَوَاضِع كَثِيرَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وخرحت عربان العايد وثعلبة وعشير الشَّام وعرب الصَّعِيد عَن الطَّاعَة وَاشْتَدَّ فسادهم وَكثر قطعهم الطرقات. وَكَانَ الفناء الْعَظِيم الَّذِي لم يعْهَد مثله وتوالي شراقي الْأَرَاضِي وتلاف الجسور وَقيام ابْن وَاصل
الأحدب بِبِلَاد الصَّعِيد وَالْعجز عَنهُ وَقتل عرب الصَّعِيد طغية الكاشف وهزيمتهم الهذباني وَأخذ ثقله. فاختلت أَرض مصر وبلاد الشَّام بِسَبَب ذَلِك خللاً فَاحِشا إِلَّا أَن النَّاصِر حسن كَانَ فِي نَفسه مفرط الذكاء ضابطاً لما يدْخل السُّلْطَان الْملك الصَّالح صَلَاح الدّين صَالح بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون أمه بنت الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام أقيم سُلْطَانا بعد خلع أَخِيه النَّاصِر حسن فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة. وَذَلِكَ أَن الْأُمَرَاء لما حملت إِلَيْهِم النمجاة باتوا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ بإصطبلاتهم وبكروا يَوْم الْإِثْنَيْنِ إِلَى القلعة واجتمعوا بالرحبة دَاخل بَاب النّحاس وطلبوا الْخَلِيفَة والقضاة وَسَائِر أهل الدولة واستدعوا بِهِ. فَلَمَّا خرج إِلَيْهِم ألبسوه شعار السلطنة وأركبوه فرس النّوبَة من دَاخل بَاب الستارة وَرفعت الغاشية بَين يَدَيْهِ. وَكَانَ الْأَمِير طاز والأمير منكلى بغا الفخري آخذين بشكيمة الْفرس حَتَّى جلس على التخت. وحلفوا لَهُ وحلفوه على الْعَادة ولقبوه بِالْملكِ الصَّالح وَنُودِيَ بسلطنته فِي الْقَاهِرَة ومصر. وَكَانَ النّيل قد نقص عِنْدَمَا كسر فَرد نَقصه وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا الْيَوْم بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع من سَبْعَة عشر ذِرَاعا فتباشر النَّاس بولايته. وَفِيه نقل السُّلْطَان أَخَاهُ حسن النَّاصِر إِلَى حَيْثُ سَاكِنا ورتب فِي خدمته جمَاعَة وَطلب أَخَاهُ أَمِير حُسَيْن وأكرمه ووعده بتغيير إقطاعه وَزِيَادَة راتبه. وَفِيه توجه الْأَمِير بزلار أَمِير سلَاح إِلَى الشَّام وَمَعَهُ التشريف والبشارة بِولَايَة السُّلْطَان وتحليف العساكر لَهُ على الْعَادة. وَفِيه دقَّتْ البشائر وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. وَفِيه طلب الْأَمِير مغلطاي والأمير طاز مَفَاتِيح الذَّخِيرَة ليعتبروا مَا فِيهَا فَوجدَ شَيْء يسير.
وَفِيه رسم للوزير علم الدّين عبد الله بن زنبور بتجهيزه تشاريف الْأُمَرَاء وأرباب الْوَظَائِف على الْعَادة فجهزها. وَفِيه وقف الْأَمِير طاز وَسَأَلَ الْأُمَرَاء وَالسُّلْطَان فِي الإفراج عَن الْأَمِير شيخو فرسم بِهِ. وَكتب كل من مغلطاي وطاز إِلَيْهِ كتابا فَبعث مغلطاي بكتابه أَخَاهُ قطلوبغا رَأس نوبَة وَبعث طاز الْأَمِير طقطاي صهره. وجهزت الحراقة لإحضار شيخو من الْإسْكَنْدَريَّة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه. وَكَانَ ذَلِك بِغَيْر اخْتِيَار الْأَمِير مغلطاى فَإِن الْأَمِير طاز دخل عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَمضى إِلَى بَيته فَاعْتَذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ يخْشَى من خلاصه على نَفسه فَحلف لَهُ طاز أيمانا مُغَلّظَة أَنه مَعَه على كل مَا يُرِيد وَلَا يُصِيبهُ من شيخو مَا يكره وَأَن شيخو إِذا حضر مَا يُعَارضهُ من فِي شَيْء من أَمر المملكة وَإِنِّي ضَامِن لَهُ فِي هَذَا وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى وَافق على الإفراج عَنهُ وَكتب إِلَيْهِ مَعَ أَخِيه. فشق ذَلِك على الْأَمِير منكلى بغا الفخري وعتب مغلطاي على مُوَافَقَته لطاز وأوهمه أَن بِحُضُور شيخو يَزُول عَنْهُم مَا هم فِيهِ حَتَّى تقرر ذَلِك فِي ذهنه وَنَدم على مَا كَانَ مِنْهُ إِلَى أَن كَانَ يَوْم الْخَمِيس أول شهر رحب وَركب الْأُمَرَاء فِي الموكب على الْعَادة أَخذ منكلى بغا يعرف الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب والأمراء الْكِبَار مَا دَار بَينه وَبَين مغلطاى وخيلهم من حُضُور شيخو إِلَى أَن وافقوه وطلعوا إِلَى القلعة ودخلوا إِلَى الْخدمَة. فابتدأ الْأَمِير بيبغا حارس الطير النَّائِب بِحَدِيث شيخو وَأَنه رجل كَبِير وَيحْتَاج إِلَى إقطاع كَبِير وكلف كَبِيرَة. فَتكلم منكلى بغا ومغلطاي والأمراء وطاز سَاكِت قد اختبط لتغير مغلطاي ورجوعه عَمَّا وَافقه عَلَيْهِ. وَأخذ طاز يتلطف بِهِ فصمم مغلطاي على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا لى وَجه أنظر بِهِ شيخو وَقد أخذت منصبه بعد مَا مسكته وسكنت بَيته. فوافقه الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب وَقَالَ لناظر الْجَيْش: اكْتُبْ لَهُ مِثَالا بنيابة حماه وانتقال طنبرق لنيابة حلب وَقَالَ لكاتب السِّرّ. اكْتُبْ كتابا بعوده من طَرِيقه إِلَى نِيَابَة حماه فَكتب ذَلِك وَتوجه بِهِ أيدمر الدوادار من وقته وساعته فِي حراقته. وَعين لسفر شيخو إِلَى حماة عشرُون هجينا ليرْكبَهَا ويسير عَلَيْهَا وانفضوا وَفِي نفس طاز مَا لَا يعبر عَنهُ. فَاجْتمع هُوَ وصرغتمش وملكتمر وَجَمَاعَة وَاتَّفَقُوا جَمِيعًا وبعثوا إِلَى مغلطاي بِأَن منكلى بغا رجل فتنى وَمَا دَامَ بَيْننَا لَا نتفق أبدا. فَلم يصغ مغلطاي إِلَى قَوْلهم وَاحْتج بِأَنَّهُ إِن وافقهم لَا يَأْمَن على نَفسه. فَدخل عَلَيْهِ طاز لَيْلًا بالأشرفية من القلعة حَيْثُ سكنه وخادعه حَتَّى أَجَابَهُ إِلَى إِخْرَاج منكلى بغا وتحالفا على ذَلِك. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرج عَنهُ طاز أَخذ دوادار مغلطاي يفتح مَا صدر مِنْهُ ويهول عَلَيْهِ الْأَمر بِأَنَّهُ مَتى أبعد منكلى بغا
وَحضر شيخو أَخذ لَا محَالة فَمَال إِلَيْهِ. وَبلغ الْخَبَر منكلى بغا بكرَة يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه فواعد الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب والأمراء على الِاجْتِمَاع فِي صَلَاة الْجُمُعَة ليَقَع الِاتِّفَاق على مَا يكون. فَلم يخف عَن طاز وصرغتمش رُجُوع مغلطاي عَمَّا تقرر بَينه وَبَين طاز لَيْلًا فاستعد للحرب وواعد الْأَمِير ملكتمر المحمدي والأمير قردم الْحَمَوِيّ وَمن هوى هواهم واستمالوا مماليك بيبغا روس ومماليك منجك حَتَّى صَارُوا مَعَهم رَجَاء الْخَلَاص أستاذيهم وَشد الْجَمِيع خيولهم. فَلَمَّا دخل الْأُمَرَاء لصَلَاة الْجُمُعَة اجْتمع منكلى بغا بالنائب بيبغا ططر حارس الطير وَجَمَاعَة وَقرر مَعَهم أَن يطلبوا طاز وصرغتمش إِلَى عِنْدهم فِي دَار النِّيَابَة ويقبضوا عَلَيْهِمَا. فَلَمَّا أَتَاهُم الرَّسُول بطلبهما أحسا بِالشَّرِّ وقاما ليتهيئا للحضور وصرفا الرَّسُول على أَنَّهُمَا يكونَانِ فِي أَثَره وبادر إِلَى بَاب الدّور وَنَحْوه من الْأَبْوَاب فأغلقاها واستدعوا من مَعَهم من المماليك السُّلْطَانِيَّة ولبسوا السِّلَاح. وَنزل صرغتمش بِمن مَعَه من بَاب السِّرّ ليمنع من يخرج من إصطبلات الْأُمَرَاء وَدخل طاز على السُّلْطَان حَتَّى يركب بِهِ للحرب فلقى الْأَمِير صرغتمش فِي نُزُوله الْأَمِير أيدغدي أَمِير آخور فَلم يطق مَنعه وَأخذ بعض الْخُيُول من الإصطبل وَخرج فَوجدَ خيله وخيل من مَعَه فِي انتظارهم. فَرَكبُوا إِلَى الطبلخاناه فَإِذا طلب منكلى بغا مَعَ وَلَده ومماليكه يُرِيدُونَ قبَّة النَّصْر فألقوه عَن فرسه وجرحوه فِي وَجهه وَقتلُوا حَامِل الصنجق وشتتوا كل الْجَمِيع. فَمَا استتم هَذَا حَتَّى ظهر طب مغلطاي مَعَ مماليكه وَلم يكن لَهُم علم. بِمَا وَقع على طلب منكلى بغا. فصدمهم صرغتمش. بِمن مَعَه صدمة بددهم وحرح جمَاعَة مِنْهُم وَهزمَ بَقِيَّتهمْ. ثمَّ عَاد صرغتمش ليدرك الْأُمَرَاء قبل نزولهم من القلعة وَكَانَت خيولهم واقفة على بَاب السلسلة تنتظرهم فَمَال عَلَيْهَا ليأخذها. وامتدت أَيدي أَصْحَابه إِلَيْهَا فَقتلُوا الغلمان وَقد عظم الصياح وانعقد الْغُبَار وَإِذا بالنائب بيبغا ططر حارس الطير ومغلطاى ومنكلى بغا وبيغرا وَمن مَعَهم قد نزلُوا وركبوا خيولهم. وَكَانُوا لما أَبْطَأَ عَلَيْهِم مَجِيء طاز وصرغتمش بعثوا فِي استعجالهما فَإِذا الْأَبْوَاب مغلقة والصيحة دَاخل بَاب الْقلَّة فَقَامُوا من دَار النِّيَابَة يُرِيدُونَ الرّكُوب فَمَا توسطوا القلعة حَتَّى سمعُوا ضجة الغلمان وصياحهم. فَأَسْرعُوا إِلَيْهِم وركبوا فشهر مغلطاي سَيْفه واقتحم. بِمن مَعَه على صرغتمش وَمن مَعَه وَمر النَّائِب بيبغا ططر حارس الطير وبيغرا ورسلان بصل يُرِيد كل مِنْهُم اصطبله. فَلم يكن غير سَاعَة حَتَّى انْكَسَرَ مغلطاي كسرة قبيحة وجرح كثير من أَصْحَابه وفر إِلَى جِهَة قبَّة النَّصْر وهم فِي أَثَره وَانْهَزَمَ منكلى بغا أَيْضا
وَكَانَ طاز لما دخل على السُّلْطَان عرفه أَن الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب والأمراء اتَّفقُوا على إِعَادَة النَّاصِر حسن إِلَى السلطنة وَأَخذه فِي مماليكه وَنزل بِهِ من بَاب السِّرّ إِلَى الإصطبل. واستدعى السُّلْطَان بِالْخَيْلِ ليركب فَقعدَ بِهِ أيدغدي أَمِير آخور وَاحْتج بقلة السُّرُوج فَإِنَّهُ كَانَ ممالئاً لمغلطاي فَأخذ المماليك مَا وجدوه وَخَرجُوا بالسلطان ودقت الكوسات. فَاجْتمع إِلَيْهِ الْأُمَرَاء والأجناد والمماليك السُّلْطَانِيَّة من كل جِهَة حَتَّى عظم جمعه فَلم تغرب الشَّمْس إِلَّا وَالْمَدينَة قد غلقت والرميلة قد امْتَلَأت بالعامة. وَسَار طاز بالسلطان يُرِيد قبَّة النَّصْر حَتَّى يعرف خبر صرغتمش فَوَافى قبَّة النَّصْر بعد الْمغرب. وَأما صرغتمش فَإِنَّهُ تَمَادى فِي طلب مغلطاي ومنكلى بغا حَتَّى أظلم اللَّيْل فَلم يشْعر إِلَّا. بمملوك الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب قد أَتَاهُ برسالة النَّائِب أَن مغلطاي عِنْده فِي بَيت آل ملك بالحسينية فَبعث جمَاعَة لأَخذه. وَمر صرغتمش فِي طلب منكلى بغا فَلَقِيَهُ الْأَمِير مُحَمَّد بن بكتمر الحاحب وعرفه أَن منكلى بغا نزل قَرِيبا من قناطر الأميرية ووقف يُصَلِّي وَأَن طلب الْأَمِير مجد الدّين مُوسَى الهذباني كَانَ قد جَاءَ من جِهَة كوم الريش. وَلحق بالأمير منكلى بغا الْأَمِير أرغون الْمَكِّيّ فِي جمَاعَة فقبضوا عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي وكتفوه بعمامته وأركبوه بعد مَا نكلوا بِهِ. فَلم يكن غير قَلِيل حَتَّى أَتَوا بِهِ وبمغلطاي فقيدا وسجنا بخزانة شمائل ثمَّ أخرجَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ومعهما ابْن منكلى بغا فسجنوا بهَا وَأَقْبل صرغتمش وَمن مَعَه إِلَى السُّلْطَان بقبة النَّصْر وعرفه بمسك الأميرين فسر سُرُورًا كَبِيرا وَنزل هُوَ والأمراء وَبَاتُوا عِنْد قبَّة النَّصْر. وَركب السُّلْطَان بكرَة يَوْم السبت ثالثه إِلَى القلعة وَجلسَ بالإيوان وَدخل الْأُمَرَاء فهنأوه السَّلامَة وَنُودِيَ بالزينة. وَفِي الْحَال كتب باستدعاء الْأَمِير شيخو وَخرج جمَاعَة من الْأُمَرَاء ومماليكه إِلَى لِقَائِه. وَنزلت البشائر إِلَى بيُوت شيخو وبيبغا روس ومنجك وَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا وَبَات الْأُمَرَاء على تخوف. وَأما شيخو فَإِن حراقة أخي طاز وطقطاي وافت الاسكندرية يَوْم الْخَمِيس أول رَجَب فَخرج شيخو من السجْن وَهُوَ ضَعِيف وَركب الحراقة فِي الخليج وَأهل الْإسْكَنْدَريَّة فِي فَرح وسرور بخلاصه. فوافاه كتاب صرغتمش بِأَنَّهُ إِذا أَتَاك أيدمر بمرسوم توجهك إِلَى حماة لَا ترجع وَأَقْبل إِلَى الْقَاهِرَة فَأَنا مَعَك فَتغير لقرَاءَته وَعلم
أَنه قد حدث فِي أمره حَادث. فَلم يكن غير ساعتين حَتَّى لاحت لَهُ حراقة أيدمر فَمر وَهُوَ مقلع وأيدمر منحدر إِلَى أَن تجاوزه وَهُوَ يَصِيح وَيُشِير. بمنديله فَلَا يلتفتون إِلَيْهِ. واستمرت حراقة شيخو طول اللَّيْل وأيدمر فِي أَثَره فَلم يُدْرِكهُ إِلَّا بكرَة يَوْم السبت. فعندما طلع إِلَيْهِ أيدمر وعرفه مَا رسم لَهُ من عوده إِلَى حماة وَقَرَأَ المرسوم الَّذِي على يَده وَإِذا بِالْخَيْلِ على الْبر تتبع بَعْضهَا بَعْضًا والمراكب قد مَلَأت وَجه المَاء تبادر لبشارته وإعلامه. بِمَا وَقع من الرّكُوب ومسك مغلطاي ومنكلى بغا فسر شيخو بذلك سُرُورًا كثيرا وَسَار إِلَى أَن أرسى بساحل بولاق فِي يَوْم الْأَحَد رابعه. وَكَانَ النَّاس قد خَرجُوا يَوْم السبت إِلَى لِقَائِه وَأَقَامُوا ببولاق ومنبابه. ووصلت المشاة إِلَى منية السيرج تنْتَظر قدومه. فَلَمَّا رَأَوْا الحراقة صاحوا ودعوا لَهُ وَتَلَقَّتْهُ مراكب أَصْحَابه. وَخرج النَّاس للفرجة فَبلغ كِرَاء المراكب إِلَى مائَة دِرْهَم وَمَا وصلت الحراقة إِلَّا وحولها فَوق الْألف مركب. وَركب الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه وزينت الصليبة وأشعلت الشموع وَخرج مَشَايِخ الصُّوفِيَّة بصوفيتهم إِلَى لِقَائِه. فَسَار شيخو فِي موكب عَظِيم إِلَى الْغَايَة لم ير مثله لأمير إِلَى أَن صعد القلعة. وَدخل شيخو على السُّلْطَان فَأقبل عَلَيْهِ وخلع عَنهُ ثِيَاب السجْن وَألبسهُ تَشْرِيفًا جَلِيلًا وَخرج شيخو إِلَى منزله والتهاني تتلقاه. وَفِيه فرقت الْخلْع على الْأُمَرَاء وركبوا بهَا إِلَى الْخدمَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه: رسم بِإِخْرَاج الْأَمِير بيبغا ططر حارس الطير نَائِب السلطنة والأمير بيغرا. فَنزل الحاحب إِلَى بَيت آل ملك بالحسينية وَأخرج مِنْهُ النَّائِب ليسير إِلَى نِيَابَة غَزَّة. وَفِيه قبض على الطّيب أحد أُمَرَاء الطبلخاناه من أَصْحَاب مغلطاي وَقيد وسجن. وَفِيه أخرج أيدغدي أَمِير آخور إِلَى طرابلس بطالا وَفِيه كتب بالإفراج عَن المسجونين بالإسكندرية والكرك
وَفِي يَوْم السبت عاشره: ركب السُّلْطَان والأمراء إِلَى الميدان على الْعَادة وَلعب فِيهِ بالكرة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه وقف النَّاس فِي الفأر الضَّامِن وَرفعُوا فِيهِ مائَة قصَّة. فَقبض عَلَيْهِ وضربه الْوَزير بالمقارع ضربا كثيرا وَهُوَ يحمل المَال فَوجدت لَهُ خبية فِيهَا نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم حملت إِلَى بَيت المَال. وَفِيه قبض على النَّائِب بيبغا ططر حارس الطير فِي طَرِيقه وسجن بالإسكندرية. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشره. وصل الْأُمَرَاء من سجن الإسكندريه وهم سَبْعَة. منجك الْوَزير وفاضل أَخُو بيبغا روس وَأحمد الساقي نَائِب صفد وَعمر شاه الْحَاجِب وأمير حُسَيْن التتري وَولده وَمُحَمّد بن بكتمر الْحَاجِب. فَركب الْأَمِير طاز وَمَعَهُ الْخُيُول المجهزة لركوبهم حَتَّى لَقِيَهُمْ وطلع بهم إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِم بَين يَدي السُّلْطَان. ونزلوا إِلَى بُيُوتهم فامتلأت الْقَاهِرَة بالأفراح والتهاني وَنزل الْأَمِير شيخو والأمير طاز والأمير صرغتمش إِلَى إصطبلاتهم وبعثوا إِلَى الْأُمَرَاء القادمين من السجْن التقادم السّنيَّة من الْخُيُول والتعابي القماش والبسط وَغَيرهَا فَكَانَ الَّذِي بَعثه الْأَمِير شيخو لمنجك خَمْسَة أَفْرَاس ومبلغ ألفي دِينَار وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: خلع على الْأَمِير قبلاي الْحَاجِب وَاسْتقر فِي نِيَابَة السلطنة عوضا عَن بيبغا ططر حارس الطير. وَفِيه قدم الْخَبَر بِنفَاق عرب الصَّعِيد ونهبهم الغلال ومعاصر السكر وكبسهم الْبِلَاد وكثره حروبهم بِحَيْثُ قتل مِنْهُم ألف رجل وَأَن ابْن مغنى حشد وَركب فِي الْبر وَالْبَحْر. وَامْتنع النَّاس من سلوك الطرقات وَأَنه مَتى لم يُبَادر الْأُمَرَاء إِلَى حربه لَا يحصل للأراضي تخضير وَكَانَ زمن النّيل. فَطلب عز الدّين أزدمر الْأَعْمَى الكاشف وأعيد لَهُ إقطاعه من الْأَمِير قندس أَمِير آخور وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه القبلي. وخلع على مَمْلُوك أسندمر وَاسْتقر فِي كشف الإطفيحية وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع ابْن بيبغا ططر حارس الطير النَّائِب. وأنعم على فَارس الدّين ألبكي نَائِب غَزَّة بتقدمة ألف ورسم بِخُرُوجِهِ صُحْبَة أزدمر الْأَعْمَى الكاشف وَعين مَعَه سِتَّة أُمَرَاء طبلخاناه.
وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: قدم الْأَمِير بيبغا روس من سجن الكرك فَركب الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه وطلع إِلَى السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَنزل بيبغا روس إِلَى بَيته فَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء حَتَّى وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان وَمَعَهُ الْأَمِير بيبغا روس وَعَلِيهِ التشريف وصحبته الْأُمَرَاء. فلعب السُّلْطَان بالكرة وَعَاد إِلَى القلعة آخر النَّهَار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير بيبغا روس وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن أرغون الكاملي. وَاسْتقر أرغون الكاملي فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن أيتمش الناصري وَفِيه خلع أَيْضا على أَمِير أَحْمد الساقي شاد الشرابخاناه ونائب صفد وَاسْتقر فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن طنبرق. ورسم طنبرق إِلَى حلب أَمِير طبلخاناه ثمَّ رسم أَن يكون بطالا بِدِمَشْق وَفِيه خلع على الْوَزير علم الدّين بن زنبور خلعة الِاسْتِمْرَار وَركب قُدَّام الْمحمل بالزناري فِي موكب عَظِيم. وَلم يركب أحد من الوزراء قُدَّام الْمحمل سوى ابْن السلعوس فِي أَيَّام الْأَشْرَف خَلِيل وَأمين الْملك بن الغنام فِي أَيَّام النَّاصِر مُحَمَّد مرّة وَاحِدَة. وَفِيه أحيط بموجود سِتّ حدق ووكل بهَا. وَكتب موجودها وألزمت. بِمَال كَبِير سوى موجودها ثمَّ أفرج عَنْهَا وَلم يُؤْخَذ لَهَا شَيْء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أول شعْبَان: خلع على مُحَمَّد بن الكوراني بِولَايَة مصر والصناعة عوضا عَن بلاط. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثالثه: سَافر الْأَمِير بيبغا روس إِلَى نِيَابَة حلب وأمير أَحْمد إِلَى نِيَابَة حماة وَفِيه كتب باستقرار منجك فِي نِيَابَة صفد فَسَأَلَ الإعفاء وَأَن يُقيم بجامعه بطالا فَأُجِيب إِلَى ذَلِك بسفارة الْأَمِير شيخو. فاسترد أملاكه الَّتِي أنعم بهَا على المماليك والخدام والجواري ورم مَا تشعت من صهريجه واستجد بِهِ خطْبَة وَولي زين الدّين البسطامي فِي خطابته
وَفِيه خلع على عمر شاه وَاسْتقر حاحب الْحجاب عوضا عَن النَّائِب قبلاي وَفِيه أنعم على طشتمر القاسمي بتقدمة ألف وَاسْتقر حاجباً ثَانِيًا. وَفِيه أنعم على جمَاعَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة بإمرات. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سابعه: قدم أَمِير على المارديني وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة بيغرا. وَفِيه أخرج أقجبا الحاحب الْحَمَوِيّ وطينال الجاشنكير وملكتمر السعيدي وقطلوبغا أَخُو مغلطاى وطشنبغا الدوادار وَفرقُوا بِبِلَاد الشَّام. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: وصل الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن من سجن الكرك فَخلع عَلَيْهِ من الْغَد ورسم لَهُ بِالْعودِ إِلَى بِلَاده من جِهَة عيذاب فَبعث إِلَيْهِ الْأُمَرَاء تقادم كَثِيرَة وَتوجه. وَكَانَت أمه رجعت من مَكَّة بعد مسكه وأقامت فِي مملكة الْيمن ابْنه الْملك الصَّالح وكتبت إِلَى تجار الكارم توصيهم بابنها الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن أَن يقرضوه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وختمت على مَالهم من أَصْنَاف المتجر بعدن وزبيد وتعز فَقدم قاصدها وَقد قبض على الْمُجَاهِد ثَانِيًا وسجن وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: وصل الْأَمِير أيتمش الناصري من الشَّام فَقبض عَلَيْهِ من الْغَد وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشريه: خرج الْأَمِير فَارس الدّين ألبكي وَمَعَهُ الْأَمِير آينبك وَأَرْبَعَة أُمَرَاء طبلخاناه صُحْبَة الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف إِلَى الْوَجْه القبلي بِسَبَب نفاق العربان فِي تجمل كَبِير. وَفِي مستهل شهر رَمَضَان: قدم الشريف ثقبة بعد مَا قدم قوده وقود أَخِيه
عجلَان فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي إِمَارَة مَكَّة بمفرده وأنعم عَلَيْهِ الْأَمِير طاز بقرض ألف دِينَار وأقرضه الْأَمِير شيخو عشرَة آلَاف دِرْهَم. واقترض ثقبة من التُّجَّار مَالا كثيرا وَاشْترى الْخَلِيل وَالسِّلَاح والمماليك واستخدم عدَّة مماليك. وَفِيه رسم بسفر الحسام لاجين العلائي مَمْلُوك آقبغا الجاشنكير وأستادار العلائي صُحْبَة ثقبة ليقلده بِمَكَّة. وَفِيه رسم بِإِبْطَال رمى والبرسيم وَالشعِير على أهل النواحي وَنقش المرسوم على رخامة بِجَانِب بَاب الْقلَّة وَكتب بذلك إِلَى الْوُلَاة. وَفِيه خلع على ابْن الأطرش وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَنظر المارستان عوضا عَن الضياء بعناية جمَاعَة من الْأُمَرَاء بِهِ لِكَثْرَة مهاداته لَهُم. وَفِيه قدم الْخَبَر بِخُرُوج عِيسَى بن حسن الهجان عَن الطَّاعَة وَامْتنع بجماعته فِي الْوَادي. وَفِي شَوَّال: قدم كتاب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام بالحط على قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَأَنه حكم بِنَزْع وقف من أَصْحَابه وَأَعَادَهُ ملكا وَطلب الْأَمِير أرغون الكاملي أَن يعْقد لذَلِك مجْلِس فِيهِ قُضَاة مصر وعلماؤها بَين يَدي السُّلْطَان. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن أرغون لما ولى نِيَابَة الشَّام خرج عَلَاء الدّين الْفَرْع إِلَى لِقَائِه قريب حلب وأغراه بالسبكي وقدح فِيهِ وفى وَلَده بقوادح حَتَّى غير خاطره. فَلَمَّا لقِيه السُّبْكِيّ لم يجد مِنْهُ إقبالا وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَن وقف جمَاعَة بدار الْعدْل يَشكونَ من السُّبْكِيّ أَن لَهُم وَقفا من عهد أجدادهم وأقطع للأجناد ثمَّ استرجعوه مِنْهُم وَثَبت وَقفه على قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي بِدِمَشْق فانتزعه السُّبْكِيّ مِنْهُم وَسلمهُ لمن كَانَ قَدِيما فِي يَده بالملكية وسألوا عقد مجْلِس. فَلَمَّا اجْتمع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء لذَلِك قَامَ الْفَرْع وَجَمَاعَة فِي العصبية على السُّبْكِيّ وشنعوا عَلَيْهِ. فَأجَاب السُّبْكِيّ بِأَنَّهُ ثَبت عندى أَن يكون فِي يَد مَالِكه وَقد حكم بذلك. وهأنا وَمن يُنَازعنِي فِيمَا حكمت فَلم
ينازعه أحد. فَطلب الْأَمِير أرغون الكاملي قُضَاة الْقُضَاة فَحَضَرُوا إِلَّا عز الدّين بن جمَاعَة فَإِنَّهُ تعذر حُضُوره. وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتاب النَّائِب بِحَضْرَة الشَّيْخ بهاء الدّين أَحْمد إِبْنِ السُّبْكِيّ فأظهر كتاب أَبِيه بِصُورَة الْوَاقِعَة وهى أَن أجداد الشكاة ادعوا الوقفية فِي ضَيْعَة كَذَا فوقفها أَبْنَاءَهُم من بعدهمْ ثمَّ أقطعت بعد وفاتهم لجَماعَة من الْجند فَادّعى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين البوسي لما قدم من بعلبك أَنَّهَا ملكه وَبِيَدِهِ وَأَنه ابتاعها من أَهلهَا قبل وفاتهم وَأثبت كتاب مشتراه وتسلمها وَأَن الشِّرَاء كَانَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَبَقِي إِلَى سنة أَربع وَتِسْعين. فأظهر قوم كتاب وَقفهَا وأثبتوه وتسلموها فَسُمي البوسي فِي سنة أَربع وسبعمائه واستعاد الضَّيْعَة مِنْهُم بعد منازعا عقد فِيهَا عدَّة مجَالِس. فَأَخذهَا تنكز مِنْهُم ثمَّ استردها البوسى فَلم يزل إِلَى هَذَا الْوَقْت وقف أهل الْوَقْف وأثبتوه على قَاضِي الْمَالِكِيَّة جمال الدّين المسلاتى. فَأثْبت الْآخرُونَ أَن المسلاتي كَانَت بَينه وَبَين البوسي عَدَاوَة لَا يجوز مَعهَا أَن يحكم كل وَأخذُوا الضَّيْعَة. فتحاكم الْفَرِيقَانِ إِلَى السُّبْكِيّ فَحكم باستقرار يَد الْملاك وَأبقى كل ذِي حجَّة على حجَّته. فَتَنَازَعَ ابْن السُّبْكِيّ والتاج الْمَنَاوِيّ طَويلا وانقضوا وَأخذ السُّبْكِيّ خطوط جمَاعَة من الْمُفْتِينَ بِصِحَّة حكم أَبِيه. ثمَّ اجْتَمعُوا ثَانِيًا وَحضر قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة وانتدب للنَّظَر فِي ذَلِك. بمفرده. فَادّعى قوام الدّين أَمِير كَاتب الْحَنَفِيّ فَسَاد حكم السُّبْكِيّ وتعصب عَلَيْهِ تعصبا زَائِدا. وَذَلِكَ أَنه لما قدم قوام الدّين دمشق وَبهَا يلبغا اليحياوي نَائِبا اخْتصَّ بِهِ وَأخذ ينهاه عَن رفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع وَأَن هَذَا لَا يجوز وَصلَاته الَّتِي صلاهَا كَذَلِك بَاطِلَة يجب عَلَيْهِ إِعَادَتهَا فَسَأَلَ يلبغا ابْن السُّبْكِيّ عَن ذَلِك فَأنْكر مقَالَة القوام. واشتهر بَين الْأُمَرَاء والأجناد مقَالَة القوام وَكَثُرت القالة فِيهَا. فَطلب السُّبْكِيّ القوام وَمنعه من الْإِفْتَاء وَاقْتضى رَأْي ابْن جمَاعَة النّظر فِي من شهد بالعداوة وفيمن شهد بالوقفية فَكتب بذلك لنائب الشَّام. وَفِيه ارْتَفع سعر اللَّحْم ووقف حَال المعاملين بِحَيْثُ أخذُوا الأغنام من أَرْبَابهَا بِغَيْر ثمن. فَأبْطل الْوَزير المعاملين وَاشْترى الأغنام بِالثّمن الناض وَكَانَت عَادَة اللَّحْم من أَرْبَعِينَ درهما إِلَى خمسين درهما القنطار وَأكْثر مَا عهد بستين درهما القنطار. فَبلغ فِي هَذِه الْأَيَّام بتعريف الْحِسْبَة إِلَى مائَة وَأَرْبَعين وَمِائَة وَخمسين درهما وأبيع فِي الحوانيت كل رَطْل بِخَمْسَة دَرَاهِم سَوْدَاء عَنْهَا دِرْهَم وَثلث دِرْهَم كاملية.
وَتعذر وجود الْغنم فَكتب فِي الْبِلَاد الشامية بتجهيز التركمان بالأغنام وَحمل نَحْو الْخَمْسمِائَةِ ألف دِرْهَم لشراء الأغنام. وَكتب إِلَى وُلَاة الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري بِحمْل الأغنام فَحملت أَغْنَام كَثِيرَة من أَعمال مصر. وَقدم من الشَّام نَحْو الْعشْرين ألف رَأس فَانْحَطَّ سعر اللَّحْم. وَفِي خَامِس عشره: سَار محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير طيبغا المجدي. وَقدم الْحَج عَالم كثير من أهل الصَّعِيد والفيوم وَالْوَجْه البحري وَقدم من أهل الْمغرب جمَاعَة كَثِيرَة وَقدم التكرور وَمَعَهُمْ رَقِيق كثير وَفِيهِمْ ملكهم. فَسَأَلَ ملكهم الإعفاء من الدُّخُول على السُّلْطَان فأعفي وَسَار بقَوْمه وَفِيه قدم الْبَرِيد بقتل نجمة الْكرْدِي بحيلة عَملهَا عَلَيْهِ صَاحب ماردين حَتَّى قدم عَلَيْهِ فَتَلقاهُ وأكرمه ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَضرب عُنُقه بِيَدِهِ وَقتل من مَعَه. وَفِيه قدم الْخَبَر بَان الْأَمِير أزدمر الْأَعْمَى الكاشف رتب من مَعَه من الْأُمَرَاء فِي عدَّة مَوَاضِع وَركب وَمَعَهُ الْأَمِير آينبك لَيْلًا وَصَاح العربان من عَرك صباحاً وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَامْتنع باقيهم بِالْجَبَلِ. فَعَاد الْأَمِير أزدمر وَطلب بني هِلَال أَعدَاء عَرك فَأَتَاهُ مِنْهُم وَمن غَيرهم خلق كثير. وَكتب الْأَمِير أزدمر لأَوْلَاد الْكَنْز. بمسك الطرقات على عَرك وَركب وَمَعَهُ الْأَمِير فَارس الدّين والأمراء وأسندمر المتوفي الإطفيحية إِلَى الْجَبَل وَقد لقِيه الأحدب فِي حشد كَبِير فَلم بثبت الأحدب وَانْهَزَمَ من رمي النشاب وَترك أثقاله وحريمه. ونادى الْأَمِير أزدمر. يَا بنى هِلَال دونكم أعداءكم فمالوا عَلَيْهِم يقتلُون وينهبون الواشي والغلال والدقيق والقرب والروايا وسلبوا الْحَرِيم حَتَّى امْتَلَأت أَيدي بني هِلَال وأيدي الأجناد والغلمان من النهب. وَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان وَأَن الْبِلَاد قد خضرت أراضيها وأطاع عربانها العصاة وتوطن أَهلهَا. فسر السُّلْطَان والأمراء بذلك وَحمل إِلَى كل من الكاشف والأمراء خلعة. وَفِيه ألزمت سِتّ حدق أَلا تَجْتَمِع بِأحد فَإِنَّهَا كَانَت من جملَة أنصار النَّاصِر حسن. وَفِيه ضيق على النَّاصِر حسن وسدت عَنهُ أَمَاكِن كَثِيرَة كَانَ ينظر مِنْهَا وَيحدث من يُرِيد وَفِيه توجه السُّلْطَان والأمراء إِلَى السرحة قَرِيبا من الأهرام. وَفِي أول ذِي الْحجَّة قدم عِيسَى بن حسن الهجان طَائِعا بِأَمَان فَخلع عَلَيْهِ. وَفِيه ارْتَفع سعر الْقَمْح من عشْرين إِلَى سَبْعَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب وانحط سعر اللَّحْم فأبيع بدرهم الرطل.
وَفِيه قدم كتاب الْأَمِير أرغون الكاملي نَائِب الشَّام يطْلب الإعفاء من النِّيَابَة. وَفِي هَذِه السّنة: اسْتَقر فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب زين الدّين عمر بن سعيد بن يحيى التلمساني عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن ياسين الريَاحي. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بهَا جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْكَمَال عمر بن الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن العديم بعد وَفَاة أَبِيه. وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن الشهَاب مَحْمُود عوضا عَن الشريف شهَاب الدّين بن قَاضِي الْعَسْكَر وَقدم الشريف إِلَى الْقَاهِرَة. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان قطب الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن مكرم كَاتب الْإِنْشَاء فِي أَوَاخِر شعْبَان عَن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَأشهر وَكَانَ كثير الْعِبَادَة. وَتُوفِّي الشريف أدّى صَاحب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي السحن. وَتُوفِّي قاضى الْحَنَفِيَّة بحلب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن ابْن أَحْمد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن أَبى جَرَادَة الْمَعْرُوف بِابْن العديم عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة مِنْهَا فِي قَضَاء حماة عشر سِنِين وَفِي قَضَاء حلب اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة. وَتُوفِّي تَاج مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن حَامِد المراكشي الْفَقِيه الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرى جُمَادَى الْآخِرَة عَن اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة نَشأ بِالْقَاهِرَةِ واستوطن بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير بيبرس الأحمدي أحد الطبلخاناه وَهُوَ مُجَرّد بالصعيد. فَحمل مَيتا إِلَى الْقَاهِرَة وَقدم فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشري رَمَضَان. وَمَات عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن مقَاتل الْحَرَّانِي نَاظر الشَّام فِي عَاشر رَمَضَان بالقدس. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن القيسراني موقع الدست وَصَاحب الْمدرسَة بسويقة الصاحب من الْقَاهِرَة وَبهَا قَبره. وَمَات الشَّيْخ. ابْن بدلك فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرى شَوَّال.
وَمَات تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الكويك فِي دَاره لَيْلَة السبت سادس عشرى ذِي الْحجَّة ذبحه الحرامية. وَمَات ملك الْمغرب أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي سعيد عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق ابْن محيو بن أبي بكر بن حمامة فِي ثَالِث عشري ربيع الآخر. وَقَامَ بعده ابْنه أَبُو عنان فَارس وَكَانَت مدَّته احدى وَعشْرين سنة.
فارغة