الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ لَا يُبْدَأُ الْخَوَارِجُ بِالْقِتَالِ حَتَّى يُسْأَلُوا مَا نَقَمُوا، ثُمَّ يُؤْمَرُوا بِالْعَوْدِ، ثُمَّ يُؤْذَنُوا بِالْحَرْبِ
16738 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِِ اللهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَأْمُرُ أُمَرَاءَهُ حِينَ كَانَ يَبْعَثُهُمْ فِي الرِّدَّةِ: " إِذَا غَشِيتُمْ دَارًا فَإِنْ سَمِعْتُمْ بِهَا أَذَانًا بِالصَّلَاةِ فَكُفُّوا حَتَّى تَسْأَلُوهُمْ مَاذَا نَقَمُوا، فَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا أَذَانًا فَشُنُّوهَا غَارَةً، وَاقْتُلُوا وَحَرِّقُوا وَانْهَكُوا فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، لَا يُرَى بِكُمْ وَهَنٌ لِمَوْتِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم "
16739 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ بِالطَّابِرَانِ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّوَّافِ، ثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْحَرْبِيُّ، ثَنَا أَبُو غَسَّانَ، ثَنَا زِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ، ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْجَهْمِ أَبِي الْجَهْمِ، مَوْلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: بَعَثَنِي عَلِيٌّ رضي الله عنه إِلَى النَّهْرِ إِلَى الْخَوَارِجِ، فَدَعَوْتُهُمْ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ
16740 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِِ اللهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطُّرْسُوسِيُّ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
⦗ص: 310⦘
الْيَمَامِيُّ، ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكُ الْحَنَفِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اجْتَمَعُوا فِي دَارٍ، وَهُمْ سِتَّةُ آلَافٍ، أَتَيْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُبْرِدُ بِالظُّهْرِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ، قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا، قَالَ: فَخَرَجْتُ آتِيهُمْ، وَلَبِسْتُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ، فَأَتَيْتُهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي دَارٍ، وَهُمْ قَائِلُونَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ، فَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا تَعِيبُونَ عَلَيَّ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الْحُلَلِ، وَنَزَلَتْ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، قَالُوا: فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، لِأُبَلِّغَكُمْ مَا يَقُولُونَ، وَتُخْبِرُونَ بِمَا تَقُولُونَ، فَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْوَحْيِ مِنْكُمْ، وَفِيهِمْ أُنْزِلَ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُخَاصِمُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ:{بَل هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَتَيْتُ قَوْمًا لَمْ أَرَ قَوْمًا قط أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُم، مُسَهَّمَةً وُجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ، كَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَرُكَبَهُمْ ثَفِنٌ، عَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَنُكَلِّمَنَّهُ وَلَنَنْظُرَنَّ مَا يَقُولُ، قُلْتُ: أَخْبِرُونِي مَاذَا نَقَمْتُمْ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصِهْرِهِ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؟ قَالُوا: ثَلَاثًا، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالُوا: أَمَّا إِحْدَاهُنَّ، فَإِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللهِ، قَالَ اللهُ عز وجل:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، وَمَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلْحُكْمِ؟ فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، قَالُوا: وَأَمَّا الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، فَلَئِنْ كَانَ الَّذِينَ قَاتَلَ كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّ سَبْيُهُمْ وَغَنِيمَتُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مَا حَلَّ قِتَالُهُمْ، قُلْتُ: هَذِهِ ثِنْتَانِ، فَمَا الثَّالِثَةُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ مَحَا اسْمَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ، قُلْتُ: أَعِنْدَكُمْ سِوَى هَذَا؟ قَالُوا: حَسْبُنَا هَذَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَمِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَرُدُّ بِهِ قَوْلَكُمْ أَتَرْضَوْنَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللهِ، فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مَا قَدْ رَدَّ حُكْمَهُ إِلَى الرِّجَالِ فِي ثَمَنِ رُبْعِ دِرْهَمٍ فِي أَرْنَبٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الصَّيْدِ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] إِلَى قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]، فَنَشَدْتُكُمْ بِاللهِ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الصَّيْدِ أَفْضَلُ أَمْ حُكْمُهُمْ فِي دِمَائِهِمْ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، وَأَنْ تَعَلَمُوا أَنَّ اللهَ لَوْ شَاءَ لَحَكَمَ وَلَمْ يُصَيِّرْ ذَلِكَ إِلَى الرِّجَالِ، وَفِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا قَالَ اللهُ عز وجل:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]، فَجَعَلَ اللهُ حُكْمَ الرِّجَالِ سُنَّةً مَاضِيَةً، أَخْرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ، ثُمَّ تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا
⦗ص: 311⦘
يُسْتَحَلُّ مِنْ غَيْرِهَا؟ فَلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَهِيَ أُمُّكُمْ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَتْ بِأُمِّنَا لَقَدْ كَفَرْتُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، فَأَنْتُمْ تَدُورُونَ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ، أَيُّهُمَا صِرْتُمْ إِلَيْهَا صِرْتُمْ إِلَى ضَلَالَةٍ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قُلْتُ: أَخْرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا آتِيكُمْ بِمَنْ تَرْضَوْنَ، أُرِيكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ:" اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ "، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَا وَاللهِ مَا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولَ اللهِ مَا قَاتَلْنَاكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ، اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ "، فَوَاللهِ لِرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَمَا أَخْرَجَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ حِينَ مَحَا نَفْسَهُ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: فَرَجَعَ مِنَ الْقَوْمِ أَلْفَانِ، وَقُتِلَ سَائِرُهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ
16741 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِِ اللهِ الْحَافِظُ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حِمْشَاذٍ الْعَدْلُ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ السَّدُوسِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَبَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَهَا، مَرْجِعَهُا مِنَ الْعِرَاقِ لَيَالِيَ قُوتِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، إِذْ قَالَتْ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ شَدَّادٍ، هَلْ أَنْتَ صَادِقِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ؟ حَدِّثْنِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ، قُلْتُ: وَمَا لِي لَا أَصْدُقُكِ؟ قَالَتْ: فَحَدِّثْنِي عَنْ قِصَّتِهِمْ، قُلْتُ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَنْ كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ، وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ، خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ فَنَزَلُوا أَرْضًا مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ، يُقَالُ لَهَا: حَرُورَاءُ، وَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ أَلْبَسَكَهُ اللهُ وَأَسْمَاكَ بِهِ، ثُمَّ انْطَلَقْتَ فَحَكَمْتَ فِي دِينِ اللهِ، وَلَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، فَلَمَّا أَنْ بَلَغَ عَلِيًّا مَا عَتَبُوا عَلَيْهِ وَفَارَقُوهُ أَمَرَ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لَا يَدْخُلَنَّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا رَجُلٌ قَدْ حَمَلَ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا أَنِ امْتَلَأَ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ الدَّارُ، دَعَا بِمُصْحَفٍ عَظِيمٍ فَوَضَعَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه بَيْنَ يَدَيْهِ فَطَفِقَ يَصُكُّهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمُصْحَفُ حَدِّثِ النَّاسَ، فَنَادَاهُ النَّاسُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَسْأَلُهُ عَنْهُ، إِنَّمَا هُوَ وَرَقٌ وَمِدَادٌ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْهُ، فَمَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أَصْحَابُكُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، يَقُولُ اللهُ عز وجل فِي امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: 35]، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَنَقَمُوا عَلَيَّ أَنِّي كَاتَبْتُ مُعَاوِيَةَ وَكَتَبْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَالَحَ قَوْمَهُ قُرَيْشًا،
⦗ص: 312⦘
فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَا تَكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قُلْتُ: فَكَيْفَ أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللهُمَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" اكْتُبْهُ "، ثُمَّ قَالَ:" اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ "، فَقَالَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ نُخَالِفُكَ، فَكَتَبَ:" هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قُرَيْشًا "، يَقُولُ اللهُ فِي كِتَابِهِ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخَرَ} [الأحزاب: 21]، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ إِنَّ هَذَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ، هَذَا مَنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، فَرُدُّوهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللهِ عز وجل، قَالَ: فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ فَقَالُوا: وَاللهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللهِ، فَإِذَا جَاءَنَا بِحَقٍّ نَعْرِفُهُ اتَّبَعْنَاهُ، وَلَئِنْ جَاءَنَا بِالْبَاطِلِ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ، وَلَنَرُدَّنَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، فَوَاضَعُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، كُلُّهُمْ تَائِبٌ، فَأَقْبَلَ بِهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَبَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِنَا وَأَمْرِ النَّاسِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، قِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ حَتَّى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَتَنَزَّلُوا فِيهَا حَيْثُ شِئْتُمْ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ نَقِيَكُمْ رِمَاحَنَا مَا لَمْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا وَتَطْلُبُوا دَمًا، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ نَبَذْنَا إِلَيْكُمُ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا ابْنَ شَدَّادٍ، فَقَدْ قَتَلَهُمْ؟ فَقَالَ: وَاللهِ مَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَقَتَلُوا ابْنَ خَبَّابٍ، وَاسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ، فَقَالَتْ: آللَّهِ؟ قُلْتُ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ كَانَ، قَالَتْ: فَمَا شَيْءٌ بَلَغَنِي عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَتَحَدَّثُونَ بِهِ يَقُولُونَ: ذُو الثَّدْيِ، ذُو الثَّدْيِ، قُلْتُ: قَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَقَفْتُ عَلَيْهِ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْقَتْلَى، فَدَعَا النَّاسَ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَمَا أَكْثَرُ مَنْ جَاءَ يَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي، وَرَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي، فَلَمْ يَأْتُوا بِثَبْتٍ يُعْرَفُ إِلَّا ذَلِكَ، قَالَتْ: فَمَا قَوْلُ عَلِيٍّ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، قَالَتْ: فَهَلْ سَمِعْتَ أَنْتَ مِنْهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: اللهُمَّ لَا، قَالَتْ: أَجَلْ صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، يَرْحَمُ اللهُ عَلِيًّا، إِنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ: كَانَ لَا يَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ إِلَّا قَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ
16742 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَبْدَةَ السَّلِيطِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: عَرَضَ عَلَيَّ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَنَحْنُ عِنْدَهَا، مَرْجِعَهُ مِنَ الْعِرَاقِ لَيَالِيَ قُتِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ
⦗ص: 313⦘
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: حَدِيثُ الثُّدَيَّةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَسْمَعَهُ ابْنُ شَدَّادٍ، وَسَمِعَهُ غَيْرُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ
16743 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرُّزَازُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، قَالَ: أُرَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، أَوْ عَمٌّ لِي، قَالَ: لَمَّا تَوَاقَفْنَا يَوْمَ الْجَمَلِ، وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه حِينَ صَفَّنَا نَادَى فِي النَّاسِ: " لَا يَرْمِيَنَّ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، وَلَا يَطْعَنُ بِرُمْحٍ، وَلَا يَضْرِبُ بِسَيْفٍ، وَلَا تَبْدَؤُا الْقَوْمَ بِالْقِتَالِ، وَكَلِّمُوهُمْ بِأَلْطَفِ الْكَلَامِ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: فَإِنَّ هَذَا مَقَامٌ مَنْ فَلَجَ فِيهِ فَلَجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَمْ نَزَلْ وُقُوفًا حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ، حَتَّى نَادَى الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ: يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، فَنَادَى عَلِيٌّ رضي الله عنه مُحَمَّدًا ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ إِمَامُنَا وَمَعَهُ اللِّوَاءُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ مَا يَقُولُونَ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا مُحَمَّدٌ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَ فَرَفَعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَدَيْهِ فَقَالَ: اللهُمَّ كُبَّ الْيَوْمَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ لِوُجُوهِهِمْ
16744 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحُرْفِيُّ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، مِنْ وَلَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ ذِي الْجَنَاحَيْنِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ عَلِيًّا، رضي الله عنه، لَمْ يُقَاتِلْ أَهْلَ الْجَمَلِ حَتَّى دَعَا النَّاسَ ثَلَاثًا، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَخَلَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ رضي الله عنهم، فقَالُوا: قَدْ أَكْثَرُوا فِينَا الْجِرَاحَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي وَاللهِ مَا جَهِلْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِمْ إِلَّا مَا كَانُوا فِيهِ، وَقَالَ: صُبَّ لِي مَاءً، فَصَبَّ لَهُ مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا رَبَّهُ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ ظَهَرْتُمْ عَلَى الْقَوْمِ فَلَا تَطْلُبُوا مُدْبِرًا، وَلَا تُجِيزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَانْظُرُوا مَا حَضَرَتْ بِهِ الْحَرْبُ مِنْ آنِيَةٍ فَاقْبُضُوهُ، وَمَا كَانَ سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ قَالَ رحمه الله: هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَلَمْ يَسْلُبْ قَتِيلًا
16745 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِِ اللهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ أَبُو مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي بَشِيرٍ الشَّيْبَانِيُّ، فِي قِصَّةِ حَرْبِ الْجَمَلِ، قَالَ: فَاجْتَمَعُوا بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: مَنْ يَأْخُذُ الْمُصْحَفَ؟ ثُمَّ يَقُولُ لَهُمْ: مَاذَا تَنْقُمُونَ، تُرِيقُونَ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: إِنَّكَ مَقْتُولٌ، قَالَ: لَا أُبَالِي، قَالَ: خُذِ الْمُصْحَفَ، قَالَ: فَذَهَبَ
⦗ص: 314⦘
إِلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ قَالَ مِنَ الْغَدِ مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: إِنَّكَ مَقْتُولٌ كَمَا قُتِلَ صَاحِبُكَ، قَالَ: لَا أُبَالِي، قَالَ: فَذَهَبَ فَقُتِلَ، ثُمَّ قُتِلَ آخَرُ، كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: قَدْ حَلَّ لَكُمْ قِتَالُهُمُ الْآنَ، قَالَ: فَبَرَزَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو بَشِيرٍ: فَرَدَّ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ فِي الْعَسْكَرِ حَتَّى الْقِدْرَ