الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَحْش على مَا يرعاه سمي بذلك وَمِنْه قَوْلك راعيت الْأَمر أَي تخوفت عواقبه وَمِنْه الرَّاعِي وَهُوَ الْوَالِي وَقد ارعوى فلَان عَن الْقَبِيح أَي تخوف إِتْيَانه وَالِاسْم مِنْهُ الرعوى بِفَتْح الرَّاء والرعيا بضَمهَا مثل البقيا والبقوى ورعيت النُّجُوم إِذا رقبَتهَا وَلَا يفعل ذَلِك إِلَّا متخوف
الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِيمَا يتَعَلَّق بذلك من حَيْثُ التصريف وَالْإِعْرَاب
يُقَال عورت عينه وعارت تعور وتعور بِسُكُون الْعين وَكسر الْوَاو فِي الأول وَضم الْعين وَسُكُون الْوَاو فِي الثَّانِي فَهُوَ رجل أَعور بَين العور وهما أعوران وَالْجمع عور وعوران مثل أعمى وَعمي وعميان وأعور لَا ينْصَرف لِأَن فِيهِ علتين فرعيتين من علل تسع وهما الْوَصْف وَوزن الْفِعْل وَقد تقرر فِي كتابي نكت الْهِمْيَان فِي نكت العميان الْكَلَام على امْتنَاع بِنَاء أفعل التَّفْضِيل وأفعل التَّعَجُّب من الألوان والعيوب الظَّاهِرَة وَمن فعل غير الثلاثي وتعليل ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَة ذَلِك هَهُنَا فَلَا تقل زيد أَعور من عَمْرو وَلَا تقل مَا أعوره بل فلَان أَشد عورا من فلَان وَمَا أقبح عوره وَقَول الْقَائِل أَبيض من
أُخْت بني إباض
وَقَول الآخر
(أما الْمُلُوك فَأَنت الْيَوْم الأمهم
…
لؤما وأبيضهم سربال طباخ)
فمحمولان على الشذوذ وَكَذَلِكَ قَوْلهم مَا أعطَاهُ للدرهم وَالدِّينَار وَمَا أولاه للمعروف وَمَا أحوجه من حَاج يحوج حوجا أَي احْتَاجَ وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا فعلوا هَذَا بعد حذف الزِّيَادَة ورد الْفِعْل إِلَى الثلاثي وَهَذَا وَجه حسن وَحكم أفعل بِهِ فِي حكم مَا أَفعلهُ فَلَا تَقول أَعور بِهِ كَمَا لَا تَقول مَا أعوره بل يُقَال أشدد بعوره وَيَسْتَوِي فِي لفظ أفعل بِهِ للمذكر والمؤنث والتثنية وَالْجمع تَقول يَا زيد أكْرم بِعَمْرو وَيَا هِنْد أكْرم بزيد وَيَا رجلَانِ أكْرم بِهِ وَيَا رجال أكْرم بِهِ
كَمَا تَقول مَا أحسن زيدا وَمَا أحسن هندا وَمَا أحسن الرجلَيْن وَمَا أحسن الرِّجَال وَمَا أحسن الهندات كَذَلِك قَالَ أَبُو عبد الله حَمْزَة بن الْحسن المعنون بأفعل حاكيا عَن الْمَازِني أَنه قَالَ قد جَاءَت أحرف كَثِيرَة مِمَّا زَاد فعله على ثَلَاثَة أحرف فأدخلت الْعَرَب عَلَيْهَا التَّعَجُّب فَقَالُوا مَا أتقاه لله ومل أنتنه وَمَا اظلمها وَمَا أضوأها وَمَا أفقره وَمَا أغناه وَإِن كَانَ يُقَال افْتقر
وَاسْتغْنى وَقَالُوا للمستقيم مَا أقومه وَفِي المتمكن مَا أمكنه عِنْد الْأَمِير وَقَالُوا مَا أصوبه وَمَا أخطأه على لُغَة من قَالَ صاب بِمَعْنى أصَاب وخطئت بِمَعْنى أَخْطَأت وَقَالُوا مَا أشغله وَإِنَّمَا يَقُولُونَ فِي فعله شغل وَمَا أزهاه وَفعله زهي وَقَالُوا مَا آبله يُرِيدُونَ مَا أَكثر إبِله وَإِنَّمَا يَقُولُونَ تأبل إبِلا إِذا اتخذها وَقَالُوا مَا أبغضه لي وَمَا أحبه إِلَيّ وَمَا أعجبه بِرَأْيهِ وَقَالَ بعض الْعَرَب مَا أملاه للقربة هَذَا مَا حَكَاهُ عَن الْمَازِني ثمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش لَا يكادون يَقُولُونَ فِي الأرسح مَا أرسحه وَفِي الأسته مَا أستهه قلت الأرسح الْقَلِيل اللَّحْم على الْفَخْذ قَالَ وَسمعت مِنْهُم من يَقُول رسح وسته
وَأَنت أَيهَا الْوَاقِف على هَذَا الْكَلَام تعلم أَن فِي هَذَا الْكَلَام نظرا وَذَلِكَ أَن الحكم بِهَذِهِ الْكَلِمَات كلهَا من الْمَزِيد فِيهِ غير مُسلم لِأَن قَوْلهم مَا أتقاه لله يُمكن أَن يحمل على لُغَة من يَقُول تقاه يتقيه بِفَتْح التَّاء من الْمُسْتَقْبل وسكونها أَيْضا حَتَّى قد قَالُوا التقي بِفَتْح التَّاء وَسُكُون الْقَاف وبنوا مِنْهُ تَقِيّ يَتَّقِي مثل سقى يسْقِي كَمَا قَالَ شعر
(زيادتنا نعْمَان لَا تنسينها
…
تق الله فِينَا وَالْكتاب الَّذِي تتلو)
وَقَالَ آخر
(جلاها الصيقلون فأبرزوها
…
خفافا كلهَا يَتَّقِي بأثر)
وَقَالَ آخر
(وَلَا أتقي الغيور إِذا رَآنِي
…
ومثلي لز بالحمس الربيس)
فَلَمَّا وجدوا مِنْهُ الثلاثي بنوا مِنْهُ أفعل التَّعَجُّب وبنوا مِنْهُ فعيلا كالتقي وَقَوْلهمْ مَا أنتنه إِنَّمَا حملوه على أَنه من بَاب نَتن ينتن نَتنًا وَهِي لُغَة فِي أنتن ينتن فَمن قَالَ فِي فعله نَتن قَالَ فِي الْفَاعِل منتن وَمن قَالَ منتن بناه على أنتن قَالَ فِي فَاعله إِمَّا نَتن بِسُكُون أوسطه مثل صَعب فَهُوَ صَعب أَو نتين مثل ظرف فَهُوَ ظريف
وَقَوْلهمْ مَا أظلمها وأضوأها من هَذَا الْقَبِيل أَيْضا لِأَن ظلم يظلم ظلمَة لُغَة فِي أظلم وَكَذَلِكَ مَا أضوأها يعنون اللَّيْلَة إِنَّمَا هُوَ من ضاء يضيء وَهِي لُغَة فِي أَضَاء يضيء إضاءة وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فالتعجب فِي هَذَا على قَاعِدَته وقانونه
وَقَوْلهمْ مَا أفرته فَيجوز أَن يُقَال أَنهم لما وجدوه على فعيل توهموه من بَاب فعل بِضَم الْعين مثل صغر فَهُوَ صَغِير أَو حملوه على ضِدّه فعدوه من بَاب فعل بِكَسْر الْعين كغني فَهُوَ غَنِي كَمَا حملُوا عدوة الله على صديقَة وَذَلِكَ من عَادَتهم أَن يحملوا الشَّيْء على نقيضه كَقَوْلِه
(إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر
…
لعمر الله أعجبني رِضَاهَا)
فَعدى رَضِي بعلى لأَنهم قَالُوا فِي ضِدّه سخط عَليّ أَو حملوه على فعيل بِمَعْنى مفعول فَقَالُوا إِنَّه لمكسور الفقار وَإِذا حمل على هَذَا الْوَجْه كَانَ فِي الشذوذ مثله إِذا حمل على افْتقر وَقَوْلهمْ مَا أغناه فَهُوَ على النهج القويم لِأَنَّهُ من
قَوْلهم غَنِي فَهُوَ غَنِي وَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى حمله على الشذوذ وَقَوْلهمْ للمستقيم مَا أقومه فقد حملوه على قَوْلهم شَيْء قويم أَي مُسْتَقِيم وَقَامَ بِمَعْنى استقام صَحِيح قَالَ الراجز
(وَقَامَ ميزَان النَّهَار فاعتدل
…
)
وَيَقُولُونَ دِينَار قَائِم إِذا لم يزدْ على مِثْقَال وَلم ينقص وَذَلِكَ لِاسْتِقَامَةِ فِيهِ فعلى هَذَا الْوَجْه مَا أقومه غير شَاذ
وَقَوْلهمْ للمتمكن عِنْد الْأَمِير مَا أمكنه إِنَّمَا هُوَ من قَوْلهم فلَان عِنْد الْأَمِير مكين وَله مكانة أَي منزلَة فَلَمَّا رَأَوْا المكانة وَهِي من مصَادر فعل بِضَم الْعين وسمعوا المكين وَهُوَ من نعوت هَذَا الْبَاب نَحْو كرم فَهُوَ كريم وَشرف فَهُوَ شرِيف توهموا أَنه من مكن مَكَانَهُ فَهُوَ مكين مثل متن متانة فَهُوَ متين فَقَالُوا مَا أمكنه وَلَيْسَ توهمهم هَذَا بأغرب من توهم الْمِيم فِي التَّمَكُّن والإمكان والمكانة وَالْمَكَان وَمَا اشتق مِنْهَا أَصْلِيَّة وَجَمِيع هَذَا من الْكَوْن وَهَذَا كَأَنَّهُمْ توهموا الْمِيم فِي الْمِسْكِين أَصْلِيَّة فَقَالُوا تمسكن وَلِهَذَا نَظَائِر
وَقَوْلهمْ مَا أصوبه على لُغَة من يَقُول صاب وَلم يزِيدُوا على هَذَا فقد جَاءَ فِي الْمثل مَعَ الخواطيء سهم صائب لِأَن صاب اسْم فَاعله صائب وَكَانَ من حَقهم أَن لَا يَقُولُوا مَا أصوبه بل يَقُولُونَ مَا أصيبه وَقَوْلهمْ مَا أخطأه فبعض الْعَرَب تَقول خطئت بِمَعْنى أَخْطَأت كَمَا تقدم وَقَوْلهمْ مَا أشغله لَا ريب فِي شذوذه لِأَنَّهُ إِن حمل على الِاشْتِغَال كَانَ شاذا وَإِن حمل على أَنه من الْمَفْعُول فَكَذَلِك وَقَوْلهمْ مَا أزهاه من زهي فَهُوَ مزهو قَالَ ابْن
دُرَيْد زها الرجل يزهو زهوا أَي تكبر وَلَيْسَ هَذَا من بَاب زهي لِأَن مَا لم يسم فَاعله لَا يتعجب مِنْهُ وَبَين مَا أشغله وَمَا أزهاه فرق لِأَن المزهو وَإِن كَانَ مَفْعُولا فِي اللَّفْظ فَهُوَ فِي الْمَعْنى فَاعل لِأَنَّهُ لم يَقع عَلَيْهِ فعل من غَيره كالمشغول الَّذِي شغله غَيره فَلَو حمل مَا أزهاه على أَنه تعجب من الْفَاعِل الْمَعْنَوِيّ لم يكن بذلك بَأْس وَقَوْلهمْ مَا آبله لَيْسَ من الْكَثْرَة فِي شَيْء إِنَّمَا هُوَ تعجب من قَوْلهم أبل الرجل يأبل إبالة مثل قَوْلهم شكس شكاسة فَهُوَ آبل حاذق بمصلحة الْإِبِل وَفُلَان من آبل النَّاس أَي من أَشَّدهم تأنقا فِي رعيه الْإِبِل وَقَوْلهمْ مَا أبله مَعْنَاهُ مَا أحذقه وأعلمه برعي الْإِبِل وَلَيْسَ هُوَ من كَثْرَة الْإِبِل فَلَا يكون هَذَا شاذا فَفِي الأول سَهْو وَهَذَا سَهْو ثَان وَقَوْلهمْ تأبل سَهْو ثَالِث إِذا عنوا بِهِ اتخذ إبِلا لِأَن التأبل إِنَّمَا هُوَ امْتنَاع الرجل من غشيان الْمَرْأَة وَمِنْه الحَدِيث إِن آدم تأبل على ابْنه الْمَقْتُول كَذَا وَكَذَا عَاما وتأبلت الْإِبِل اجتزأت بالرطب عَن المَاء وَالصَّحِيح فِي اقتناء الْإِبِل واتخاذها قَالَ طفيل الغنوي
(فأبل واسترخى بِهِ الْخطب بَعْدَمَا
…
أساف وَلَوْلَا سَعْيه لم يؤبل)
أَي لم يكن صَاحب إبل وَلَا اتخذها
وَقَوْلهمْ مَا أبغضه لي ويروى مَا أبغضه إِلَيّ وَبَين الرِّوَايَتَيْنِ فرق بَين وَذَلِكَ إِنَّمَا أبغضه لي يكون من الْمُبْغض أَي مَا أَشد إبغاضي لَهُ وكلا الْوَجْهَيْنِ شَاذ وَكَذَلِكَ مَا أحبه إِلَيّ إِن جعلته من حببته أحبه فَهُوَ حبيب ومحبوب كَانَ شاذا وَإِن جعلته من أحببته فَهُوَ محب
وَقَوْلهمْ مَا أعجبه بِرَأْيهِ هُوَ من الْإِعْجَاب لَا غير يُقَال أعجب فلَان
بِرَأْيهِ على مَا لم يسم فَاعله فَهُوَ معجب وَأما قَول بعض الْعَرَب مَا أملأ الْقرْبَة إِن حَملته على الامتلاء أَو على المملوء كَانَ شاذا واما قَول الْأَخْفَش لَا يكادون يَقُولُونَ فِي الأرسح مَا أرسحه وَفِي الأسته مَا أستهه فَكَلَام مُسْتَقِيم لِأَنَّهُ من الْعُيُوب والخلق قَالَ وَسمعت مِنْهُم من يَقُول رسح وسته فهم لَا يَقُولُونَ مَا أرسحه وَمَا استهه وَالْقَاعِدَة أَنهم إِذا بنوا من فعل يفعل صفة على فعل قَالُوا فِي مؤنثه فعلة نَحْو أَسف فَهُوَ آسَف وَالْمَرْأَة آسفة وسحاب نمر وللمؤنث نمرة وَلم يسمع امْرَأَة رسحة وَلَا ستهه بل قَالُوا رسحاء وستهاء فَهَذَا يدل على أَن الْمُذكر أرسح وأسته