الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُقدمَة الْخَامِسَة
فِيمَا جَاءَ من الْأَمْثَال والنوادر فِي حق الْأَعْوَر وَغير ذَلِك فِي الْأَمْثَال
تَقول الْعَرَب كسير وعويرا وكل غير خير
قَالَ الْمفضل أول من قَالَ ذَلِك أُمَامَة بنت نشبة بن مرّة كَانَ تزَوجهَا رجل من غطفان أَعور يُقَال لَهُ خلف بن رَوَاحَة فَمَكثت عِنْده زَمَانا حَتَّى ولدت لَهُ خَمْسَة ثمَّ نشزت عَلَيْهِ وَلم تصبر مَعَه فَطلقهَا ثمَّ إِن أَبَاهَا وأخاها خرجا فِي سفر لَهما فلقيهما رجل من بني سليم يُقَال لَهُ حَارِثَة بن مرّة فَخَطب أُمَامَة فَأحْسن الْعَطِيَّة فزوجاها مِنْهُ وَكَانَ أعرج مكسور الْفَخْذ فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا رَأَتْهُ محطوم الْفَخْذ فَقَالَت كسير وعوير وكل غير خير فأرسلتها مثلا يضْرب فِي الشَّيْء يكره ويذم من وَجْهَيْن لَا خير فِيهِ قَالَ الشَّاعِر
(أَيَدْخُلُ من يَشَاء بِغَيْر إِذن
…
وَكلهمْ كسير أَو عوير)
(وَأبقى من وَرَاء الْبَاب حَتَّى
…
كَأَنِّي خصية وسواي أير)
قَالَ الميداني وكسير تَصْغِير كسير يُقَال شَيْء كسير أَي مكسور وَحقه كسير مشدد الْيَاء إِلَّا أَنه خفف لازدواج عوير وَهُوَ تَصْغِير أَعور مرخما وَيَقُولُونَ اللَّيْل أَعور وَإِنَّمَا قيل ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يبصر فِيهِ كَمَا قَالُوا نَهَار مبصر أَي يبصر فِيهِ وَيَقُولُونَ إِن أَتَاك أحد الْخَصْمَيْنِ وَقد فقئت عينه فَلَا
تقض لَهُ حَتَّى يَأْتِيك خَصمه فَلَعَلَّهُ قد فقئت عَيناهُ جَمِيعًا هَذَا مثل أوردهُ الْمُنْذِرِيّ وَقَالَ هَذَا من أمثالهم الْمَعْرُوفَة قلت هَذَا يشبه مَا يحْكى أَن كسْرَى وقف لَهُ رجل قصير واستغاث بِهِ متظلما عَن غَرِيم ظلمه فَأَعْرض عَنهُ وَلم يسمع كَلَامه ففهم الرجل وَقَالَ إِن غريمي أقصر مني فَأقبل عَلَيْهِ وأشكاه
وَيَقُولُونَ بدل أَعور قيل إِن يزِيد بن الْمُهلب لما صرف عَن خُرَاسَان بقتيبة بن مُسلم الْبَاهِلِيّ وَكَانَ شَيخا أَعور قَالَ النَّاس هَذَا بدل أَعور فَصَارَ هَذَا مثلا لكل من لَا يرتضى بَدَلا من الذَّاهِب
وَقَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء
(كَانَت خُرَاسَان أَرضًا إِذْ يزِيد بهَا
…
وكل بَاب من الْخيرَات مَفْتُوح)
(حَتَّى أَتَانَا أَبُو حَفْص بأسرته
…
كَأَنَّمَا وَجهه بالخل منضوح)
وَيَقُولُونَ أبْصر من غراب زعم ابْن الْأَعرَابِي أَن الْعَرَب تسمي الْغُرَاب أَعور لِأَنَّهُ مغمض أبدا إِحْدَى عَيْنَيْهِ مقتصر على إِحْدَاهمَا من قُوَّة بَصَره وَقَالَ غَيره إِنَّمَا سمي أَعور لحدة بَصَره على طَرِيق التفاؤل لَهُ وَقَالَ بشار بن برد
(وَقد ظلموه حِين سموهُ سيدا
…
كَمَا ظلم النَّاس الْغُرَاب بأعورا)
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم إِن الْغُرَاب يبصر من تَحت الأَرْض بِقدر منقاره
قلت وَقَالَ أَرْبَاب طبائع الْحَيَوَان هَذِه الْمقَالة فِي الهدهد وَقَول الْعَرَب أشأم من غراب الْبَين إِنَّمَا لزمَه ذَلِك لِأَن الْغُرَاب إِذا بَان أهل الدَّار للنجعة وَقع فِي مَوضِع بُيُوتهم يتلمس ويتقمم فتشاءموا بِهِ وتطيروا مِنْهُ إِذْ كَانَ لَا يعتري مَنَازِلهمْ إِلَّا إِذا بانوا فَسَموهُ غراب الْبَين ثمَّ كَرهُوا إِطْلَاق ذَلِك الِاسْم مَخَافَة الزّجر والطيرة وَعَلمُوا أَنه نَافِذ الْبَصَر صافي الْعين فَقَالُوا أصفى من عين الْغُرَاب كَمَا قَالُوا أصفى من عين الديك وسموه الْأَعْوَر كِنَايَة كَمَا قَالُوا فِي الطَّيرَة من الاعمى بَصِير وَمن تشاؤمهم بالغراب اشتقوا مِنْهُ اسْم الاغتراب والغربة وَلَيْسَ فِي الأَرْض بارح وَلَا نطيح وَلَا قعيد وَلَا شَيْء مِمَّا يتشاءمون بِهِ إِلَّا والغراب عِنْدهم أنكد مِنْهُ ويرون أَن صياحه أَكثر أَخْبَارًا وَأَن الزّجر فِيهِ أَعم قَالَ عنترة شعر
(خرق الْجنَاح كَأَن لحيي رَأسه
…
جلمان بالأخبار هش مولع)
وَقَالَ غَيره شعر
(وَصَاح غراب فَوق أَعْوَاد بانة
…
بأخبار أحبابي فقسمني الْفِكر)
(فَقلت غراب باغتراب وبانة
…
ببين النَّوَى تِلْكَ العيافة والزجر)
(وهبت جنوب باجتنابي مِنْهُم
…
وهاجت صبا قلت الصبابة والهجر)
وَقَالَ غَيره شعر
(تغنى الطائران ببين سلمى
…
على غُصْنَيْنِ من غرب وَبَان)
(فَكَانَ البان أَن بَانَتْ سليمى
…
وَفِي الغرب اغتراب غير دَان)
وَقَول جبلة بن الْأَيْهَم فِي واقعته الْمَشْهُورَة مَعَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
(تنصرت الْأَشْرَاف من أجل لطمة
…
وَمَا كَانَ فِيهَا لَو صبرت لَهَا ضَرَر)
(تكنفني فِيهَا لجاج ونخوة
…
وبعت لَهَا الْعين الصَّحِيحَة بالعور)
قَالَ أَبُو الْحسن ابْن سَيّده فِي الْمُحكم أَرَادَ العوراء فَوضع الْمصدر مَوضِع الصّفة وَلَو أَرَادَ العور الَّذِي هُوَ الْعرض لقابل الصَّحِيحَة وَهُوَ جَوْهَر بالعور وَهُوَ عرض وَهَذَا قَبِيح فِي الصَّنْعَة وَقد يُرِيد الْعين الصَّحِيحَة بِذَات العور فَحذف وكل هَذَا ليقابل الْجَوْهَر بالجوهر لِأَن مُقَابلَة الشَّيْء بنظيره أذهب فِي الصَّنْعَة وأشرف فِي الْوَضع