الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
أما بعد فقد اخترت أن يكون بحثي الذي أقدمه للجامعة الإسلامية في الصحيح1 المسند من أسباب النزول وذلك لأمور منها:
1-
ارتباطه بفنين عظيمين وهما تفسير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللذان هما أساس ديننا.
2-
أن معرفة سبب نزول الآية يعين على فهم معناها فقد أشكلت بعض الآيات على بعض الصحابة فمن بعدهم حتى عرفوا سبب نزولها فمما أشكل عليهم {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} حتى أخبرهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه بسبب نزولها كما سيأتي إن شاء الله تعالى فظهر لهم معناها. ومما
1 أعني بالصحيح على اصطلاح الأولين ما يشمل الصحيح والحسن كما في تدريب الراوي ص21.
أشكل عليهم قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} حتى نزل –على رواية كما سيأتي إن شاء الله تعالى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وقد أشكل على عروة قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} حتى أخبرته عائشة رضي الله عنها بسبب نزولها.
3-
هذا ومما حدا بي إلى اختيار هذا الموضوع أن أسباب النزول قد دخلها الدخيل كغيرها من سائر الفنون قال الواحدي رحمه الله في مقدمة كتابه أسباب النزول بعد ذكره كلام عبيدة السلماني لما سئل عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادا ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن:
"أما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا ملقيا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية، وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب" إلى آخر كلامه رحمه الله ص5.
وقال السيوطي في الإتقان ج2 ص190 بعد ذكر جماعة ممن يذكرون التفسير بالأسانيد كابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما "ثم ألف في التفسير خلائق فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال تترى فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من يسنح له قول يورده ومن يخطر بباله شيء يعتمده ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن يرجع إليهم في التفسير حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} نحو عشرة1 أقوال
1 وأعظم من هذا ما حكاه الشوكاني في فتح القدير ج3 ص254 في تفسير {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الآية وقد حكى بعض المحققين أن أقوال المختلفين في الروح بلغت إلى ثمانية عشر مائة قول فانظر إلى هذا الفضول الفارغ والتعب العاطل عن النفع بعد أن علموا أن الله قد استأثر بعلمه ولم يطلع عليه أنبياءه ولا أذن لهم بالسؤال عنه ولا البحث عن حقيقته فضلا عن أممهم المقتدين بهم إلى آخر كلامه رحمه الله فراجعه.
وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع التابعين وأتباعهم حتى قال ابن أبي حاتم لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين ا. هـ. المراد من الإتقان. قلت وهذا هو الذي حملني على ذكر الأسانيد ما وجدت إلى ذلك سبيلا وإن كان فيه من المشقة ما هو معروف لدى أهل هذا الفن.
وإليك مثالا واحدا يصدق ما قاله هذان الإمامان من أنه قد وقع التساهل في نقل ما لم يثبت في كتب التفسير، وهذا المثال هو قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} ويمكن أنه لا يوجد تفسير إلا وهي مذكورة فيه وقل من نبه على عدم صحتها. أما جهابذة علماء الحديث ونقاده فإليك ما قالوه فيها: قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله بعد ذكره لها من طريق مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلمي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها. قال أبو محمد وهذا باطل بلا شك لأن الله تعالى أمر بقبض زكاة أموال المسلمين وأمر عليه السلام عند عند موته ألا يبقى في جزيزة العرب دينان فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ولا بد ولا فسحة في ذلك وإن كان كافرا ففرض ألا يقر في جزيرة العرب فسقط هذا الأثر بلا شك وفي رواته معان بن رفاعة والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد وهو أبو عبد الملك الألهاني وكلهم ضعفاء ومسكين بن بكير ليس بالقوي ا. هـ. ج11من المحلى ص208 وقال السيوطي في لباب النقول إن سندها ضعيف وقال الحافظ في تخريج الكشاف إن في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واه وقال في الفتح ج3 ص8 بعد ذكر بعض القصة لكنه حديث ضعيف لا يحتج به ا. هـ. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص32 رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني
وهو متروك. وقال فيه الذهبي في تجريد أسماء الصحابة إنه حديث منكر بمرة. وقال المناوي في فيض القدير ج4 ص527 قال البيهقي في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير ا. هـ. وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال وفي كونه صاحب هذه القصة إن صح الخبر –ولا أظنه يصح- هو البدري نظر. ا. هـ كلام المناوي وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء ج3 ص338 سندها ضعيف وإنما مثلت1 بهذه القصة لشهرتها في كتب التفاسير ولأن كثيرا من إخواننا المشتغلين بالوعظ والإرشاد وفقني الله وإياهم يستحسنونها ويلقونها على العامة غير منتبهين مع عدم صحتها سندا فهي لا تصح معنى إذ فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو أن التائب لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب، تاب الله عليه.
4-
ومن الدوافع لي على اختيار هذا الموضوع الرغبة في التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي، وذلك كقصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: البينة أو حد في ظهرك فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم.
5-
ومنها رجاء الاستفادة من مراحل التشريع فإننا في أمس الحاجة إلى أن
1 ولها طريق آخر عند ابن جرير لكنه عن ابن عباس أنها نزلت في ثعلبة بن أبي حاطب وهو غير ثعلبة ابن حاطب إلا أنها مسلسلة بالعوفيين وهم ضعفاء فهي ضعيفة جدا.
نعتبر أنفسنا مجددين وأن نبدأ الدعوة من جديد وفي أسباب النزول الكثير الطيب من بيان مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف.
تنبيه:
قد حاولت بقدر الاستطاعة أن أجمع طرق الحديث لما فيه من الفوائد من معرفة وصل الحديث وإرساله وصحته وإعلاله1 فرب حديث ظاهر سنده الصحة في كتاب ويكون في كتاب آخر معلولا وقد قال ابن الصلاح في علوم الحديث ص82: وروى عن علي بن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه ا. هـ. وإليك المثال على ذلك: قال الحاكم رحمه الله ج2 ص324 حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت:
لما جاء أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رق لها رقة شديدة وقال:
"إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا" قالوا نعم يا رسول الله وردوا عليها الذي لها قال: وقال العباس يا رسول الله إني كنت مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وبني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر". فقال: ما ذاك عندي يا رسول الله قال: "فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم" فقال والله يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا الشيء
1 وله فوائد أُخَر منها أنه يصرح المدلس بالسماع في بعض الطرق ومنها بيان المبهم ومنها متابعة الضعيف.
ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفعل". ففدى العباس نفسه وبني أخويه وحليفه وأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي ا. هـ.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص28 رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع ا. هـ. ثم بعد الاطلاع على سنن البيهقي ج6 ص322 ظهر أن قصة العباس مدرجة على هذا السند. قال البيهقي رحمه الله: كذا فيما حدثنا به شيخنا أبو عبد الله في كتاب المستدرك ثم ذكره الحافظ البيهقي على الصواب مبينا أن قصة العباس لها سند آخر وأنها مرسلة وقال الحافظ في الفتح ج9 ص382 بعد ذكره هذه القصة وفي طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة وصنيع إسحاق يعني ابن راهوية وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضي أنها موصولة والعلم عند الله ا. هـ.
وقال في المطالب العالية ج3 ص337 وأظن ذلك مدرجا في الخبر من كلام ابن إسحاق وحديث عباس على هذا معضل وأما على ظاهر السياق أولا فهو مسند وهو على ذلك عمل إسحاق ا. هـ. والأمثلة على هذا كثيرة.
اعتذار: لم آل جهدا في الحرص على العزو إلى أئمة الحديث وكتبهم وقد يضيق علي الوقت بالعزو إلى بعضهم وربما اكتفيت بعزو بعض المؤلفين إليه وهذا قليل وربما صعب علي الوقوف على سند الحديث إذا كان في الكتب المفقودة أو العزيزة الوجود فإن صححه إمام تطمئن النفس إلى تصحيحه كتبته بدون سند وإلا توقفت فيه حتى يسهل الله بالعثور على سنده. والله سبحانه أسأل أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع بهذا المؤلف الإسلام والمسلمين آمين.