الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
سورة الفتح
":
البخاري ج10 ص210 حدثنا أحمد بن إسحاق السلمي حدثنا يعلى حدثنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال أتيت أبا وائل أسأله، فقال: كنا بصفين فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله تعالى. فقال علي: نعم. فقال سهل بن حنيف اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية- يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمشركين- ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل، أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، قال:"بلى"، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا فقال: "يابن الخطاب، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا". فرجع متغيظا، فلم يصبر حتى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: يابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا. فنزلت سورة الفتح.
الحديث أخرجه مسلم ج2 ص141 وفيه، فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه فقال: يا رسول الله أوفتح هو؟ قال: "نعم"، فطابت نفسه.
وأخرجه أيضا أحمد ج3 ص486، وابن جرير ج26 ص70.
وقد أخرج البخاري ج10 ص205 والترمذي وصححه، وأحمد ج1 ص31 من حديث عمر نحوه وظاهره الإرسال عند البخاري، لكن زيد بن أسلم قد صرح بالسماع عند الترمذي فعلم اتصاله. قاله المباركفوري في التحفة ج4 ص185، وأخرجه أحمد وأبو داود في الجهاد.
وأخرج ابن جرير ج26 ص71، والحاكم ج2 ص459 عن مجمع بن جارية رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحديبية حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كراع الغميم فإذا الناس يرسمون1 نحو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قالوا أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال لبعض الناس فحركنا حتى وجدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند كراع الغميم واقفا فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} فقال بعض الناس أوفتح؟ هو قال: "والذي نفسي بيده إنه لفتح".
قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقال الذهبي قلت: لم يخرج مسلم لمجمع ولا لأبيه شيئا وهما ثقتان، ومجمع أحد رجال السند وليس بالصحابي هنا.
قوله تعالى:
{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية 5.
أحمد ج3 ص134 حدثنا بهز حدثنا همام عن قتادة عن أنس أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرجعه من الحديبية وأصحابه يخالطون الحزن والكآبة وقد حيل بينهم وبين مساكنهم، ونحروا الهدي بالحديبية {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} إلى قوله {صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} قال:"لقد أنزلت علي آيتان هما أحب إلي من الدنيا جميعا". قال: فلما تلاهما قال رجل هنيئا مريئا يا رسول الله قد بين لك ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل الآية التي بعدها {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الآية.
1 يرسمون: أي يذهبون إليه سراعا كما في النهاية.
الحديث أخرجه الإمام أحمد في مواضع من مسنده منها ص196 من هذا الجزء وص215 و252، وأخرجه البخاري ج8 ص456 وبين أن قوله:"هنيئا مريئا" من قول عكرمة، ومسلم ج12 ص143 عنده أصل الحديث وليس عنده نزول الآية، والترمذي ج4 ص185، وابن جرير ج26 ص69، وابن حبان كما في موارد الظمآن ص436، والحاكم ج2 ص459 وقال صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي وفيه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قال: فتح خيبر.
قوله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} الآية 24.
البخاري ج6 ص257 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال أخبرني الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين" فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل1 حل فألحت فقالوا خلأت القصواء فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل"، ثم قال:"والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" ثم زجرها فوثبت، قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه2 الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكى إلى
1 كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.
2 التبرض هو الأخذ قليلا قليلا كذا في الفتح.
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشا نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا أمددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جمعوا، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره" فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا، قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة بنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال عروة بن مسعود: أي قوم ألستم بالولد1. قالوا: بلى. قال: أولست بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني. قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد، اقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله
1 كذا لأبي ذر ولغيره بالعكس ألستم بالوالد وألست بالولد وهو الصواب وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما ا. هـ فتح الباري باختصار.
قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإني والله لا أرى وجوها، وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: امصص بظر اللات: أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكلما تكلم أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال له أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ فقالوا المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر ألست أسعى في غدرتك. وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء". ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعينيه قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم محمدا. والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فذلك بها وجهه وجلده، فإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه. فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له" فبعثت له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن وقد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص وقال: دعوني آتيه. فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "هذا مكرز وهو رجل فاجر". فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، وقال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد سهل لكم من أمركم قال معمر: قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات أكتب بيننا وبينك كتابا. فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكاتب، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"اكتب بسم الله الرحمن الرحيم". فقال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما أدري ما هي ولكن اكتب "باسمك اللهم" كما كنا نكتب. فقال المسلمون: والله لا تكتبها إلا "بسم الله الرحمن الرحيم" فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اكتب باسمك اللهم" ثم قال: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله". فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"والله إني لرسول اله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله" قال الزهري: وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به" فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أُخِذْنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما. فبينما هم
كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال: سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد". قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "فأجزه لي" قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: "بلى فافعل"، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بلى قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله قال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: ألست نبي الله حقا. قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى". قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: "إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري". قلت: أولست كنت تحدثنا أنا نأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى فأخبرك أنا نأتيه العام"؟ قال قلت: لا، قال:"فإنك آتيه ومطوف به". قال: فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا. قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق. قلت: أليس كان يحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به، قال: بلى فأخبرك أنك آتيه العام. قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال الزهري قال عمر: فعملت لذلك أعمالا، فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه:"قوموا فانحروا ثم احلقوا". قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك
فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك. نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} 1 حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة. فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغ ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جريت به ثم جريت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه به فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"لقد رأى هذا الرجل ذعرا" فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قتل صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد"، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر قال، وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعيرٍ لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تناشده بالله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن،
1 تعليق قال الحافظ في الفتح ج6 ص276 ظاهره أنهن جئن إليه وهو بالحديبية، وليس كذلك، وإنما جئن إليه بعد في أثناء المدة.
فأرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم فأنزل الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حتى بلغ {الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم. وحالوا بينهم وبين البيت.
الحديث أخرجه عبد الرزاق ج5 ص342، وأحمد ج4 ص331، وابن جرير ج26 ص101. وأخرج مسلم ج2 ص187، والترمذي ج4 ص185، وأبو داود ج3 ص13، وأحمد ج3 ص122، 125، وابن جرير ج26 ص94 عن أنس بن مالك أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، فأخذهم سلما فاستحياهم فأنزل الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} .
وأخرج أحمد ج4 ص87 قال الهيثمي ج6 ص145 رجاله رجال الصحيح، الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي ج2 ص461، وابن جرير ج26 ص94، والبيهقي ج6 ص319 من حديث عبد الله بن مغفل نحوه.
تنبيه:
قال الحافظ في الفتح على حديث البخاري حيث قال البخاري بسنده، فأنزل الله وذكر الآية، قال الحافظ: كذا هنا وظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير وفيه نظر، والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك وأخرجه أحمد والنسائي من حديث
عبد الله بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأخذوا من المسلمين غرة فظفروا بهم فعفا عنهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنزلت الآية وقيل في نزولها غير ذلك ا. هـ. أقول: ويؤيد ما قاله الحافظ رحمه الله أن في الآية {بِبَطْنِ مَكَّةَ} وأبو بصير وجماعته لم يكونوا ببطن مكة، والله أعلم.