المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم - الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول فِي إِسْلَامه وهجرته وَغَيرهمَا

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه وكرم الله وَجهه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي ثَنَاء الصَّحَابَة وَالسَّلَف عَلَيْهِ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي نبذ من كَلِمَاته وقضاياه الدَّالَّة على علو قدره علما وَحِكْمَة وزهدا وَمَعْرِفَة بِاللَّه تَعَالَى

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي وَفَاته رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الأول فِي خِلَافَته

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي بعض مآثره

- ‌الْفَصْل الأول فِي الْآيَات الْوَارِدَة فيهم

- ‌الْمَقْصد الأول فِي تَفْسِيرهَا

- ‌الْمَقْصد الثَّانِي فِيمَا تضمنته تِلْكَ الْآيَة من طلب محبَّة آله صلى الله عليه وسلم وَأَن ذَلِك من كَمَال الْإِيمَان

- ‌الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا أشارت إِلَيْهِ من التحذير من بغضهم

- ‌الْمَقْصد الرَّابِع مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة الْحَث على صلتهم وَإِدْخَال السرُور عَلَيْهِم

- ‌الْمَقْصد الْخَامِس مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة من توقيرهم وتعظيمهم وَالثنَاء عَلَيْهِم

- ‌خَاتِمَة فِيمَا أخبر بِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا حصل على آله وَمِمَّا أصَاب مسيئهم من الانتقام الشَّديد

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي سرد أَحَادِيث وَارِدَة فِي أهل الْبَيْت وَمر أَكثر هَذَا فِي الْفَصْل الأول وَلَكِن قصدت سردها فِي هَذَا الْفَصْل ليَكُون ذَلِك أسْرع لاستحضارها

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي بعض أهل الْبَيْت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم

- ‌الخاتمة فِي بَيَان اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَفِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي وَفِي حقية خلَافَة مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن لَهُ عَن الْخلَافَة وَفِي بَيَان اخْتلَافهمْ فِي كفر وَلَده يزِيد وَفِي جَوَاز لَعنه وَفِي تَوَابِع وتتمات تتَعَلَّق بذلك

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتقاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌تَتِمَّة

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌بَاب مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِم تبعا للصَّلَاة على مشرفهم صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب بشارتهم الْجنَّة

- ‌بَاب الْأمان ببقائهم

- ‌بَاب النحذير من بغضهم وسبهم

- ‌خَاتِمَة فِي أُمُور مهمة

- ‌بَاب فِي التَّخْيِير وَالْخلاف

الفصل: ‌الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم

‌الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي بعض أهل الْبَيْت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم

الحَدِيث الأول أخرج أَبُو بكر فِي الغيلانيات عَن أبي أَيُّوب رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد من بطْنَان الْعَرْش يَا أهل الْجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حَتَّى تمر فَاطِمَة بنت مُحَمَّد على الصِّرَاط فتمر مَعَ سبعين ألف جَارِيَة من الْحور الْعين كمر الْبَرْق)

الحَدِيث الثَّانِي أخرج أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُنَادي مُنَاد من بطْنَان الْعَرْش أَيهَا النَّاس غضوا أبصاركم حَتَّى تجوز فَاطِمَة إِلَى الْجنَّة)

الحَدِيث الثَّالِث أخرج أَحْمد والشيخان وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن

ص: 557

الْمسور بن مخرمَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن بني هِشَام بن الْمُغيرَة اسْتَأْذنُوا أَن ينكحوا ابنتهم عَليّ بن أبي طَالب فَلَا آذن ثمَّ لَا آذن يثم لَا آذن إِلَّا أَن يُرِيد ابْن أبي طَالب أَن يُطلق ابْنَتي وينكح ابنتهم فَإِنَّمَا هِيَ بضعَة مني يريبني مايريبها وَيُؤْذِينِي مَا يؤذيها)

الحَدِيث الرَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن فَاطِمَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا (إِن جِبْرِيل كَانَ يعارضني الْقُرْآن كل سنة مرّة وَإنَّهُ عارضني الْعَام مرَّتَيْنِ وَلَا أرَاهُ إِلَّا حضر أَجلي وَإنَّك أول أهل بَيْتِي لحَاقًا بِي فاتقي الله واصبري فَإِنَّهُ نعم السّلف أَنا لَك)

الحَدِيث الْخَامِس أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن الزبير رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِنَّمَا فَاطِمَة بضعَة مني يُؤْذِينِي مَا آذاها وينصبني مَا أنصبها)

ص: 558

الحَدِيث السَّادِس أخرج الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا (يَا فَاطِمَة أَلا ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة نسَاء الْمُؤمنِينَ)

الحَدِيث السَّابِع أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (أحب أَهلِي إِلَيّ فَاطِمَة)

الحَدِيث الثَّامِن أخرج الْحَاكِم عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة إِلَّا مَرْيَم بنت عمرَان)

الحَدِيث التَّاسِع عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعَلي (فَاطِمَة أحب إِلَيّ مِنْك وَأَنت أعز عَليّ مِنْهَا)

الحَدِيث الْعَاشِر أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عمر وَعَن عَليّ وَعَن جَابر وَعَن أبي هُرَيْرَة وَعَن أُسَامَة بن زيد وَعَن الْبَراء وَابْن عدي عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة)

ص: 559

الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ وَعَن ابْن عمر وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر وَالطَّبَرَانِيّ عَن قُرَّة وَعَن مَالك بن الْحُوَيْرِث وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (ابناي هَذَانِ الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة وأبوهما خير مِنْهُمَا)

الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن حُذَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ (أما رَأَيْت الْعَارِض الَّذِي عرض لي قبل ذَلِك هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة لم يهْبط إِلَى الأَرْض قطّ قبل هَذِه اللَّيْلَة اسْتَأْذن ربه عز وجل أَن يسلم عَليّ ويبشرني أَن الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة وَأَن فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة)

الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن فَاطِمَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (أما حسن فَلهُ هيبتي وسؤددي وَأما حُسَيْن فَإِن لَهُ جرأتي وجودي)

الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الْحسن وَالْحُسَيْن هما ريحانتاي من الدُّنْيَا)

ص: 560

الحَدِيث الْخَامِس عشر أخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن ابْني هذَيْن ريحانتاي من الدُّنْيَا)

الحَدِيث السَّادِس عشر أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان عَن أُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (هَذَانِ ابناي وابنا ابْنَتي اللَّهُمَّ إِنِّي أحبهما فأحبهما وَأحب من يحبهما)

الحَدِيث السَّابِع عشر أخرج أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن بُرَيْدَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (صدق الله وَرَسُوله {أَنما أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} نظرت إِلَى هذَيْن الصَّبِيَّيْنِ يمشيان ويعثران فَلم أَصْبِر حَتَّى قطعت حَدِيثي ورفعتهما)

الحَدِيث الثَّامِن عشر أخرج أَبُو دَاوُد عَن الْمِقْدَاد بن معد يكرب أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (هَذَا مني يَعْنِي الْحسن وحسين من عَليّ)

الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج البُخَارِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ

ص: 561

وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة إِلَّا ابْني الْخَالَة عِيسَى ابْن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا وَفَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة إِلَّا مَا كَانَ من مَرْيَم)

الحَدِيث الْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَابْن عَسَاكِر عَن الْمِقْدَاد بن معد يكرب أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْحسن مني وَالْحُسَيْن من عَليّ)

الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عقبَة بن عَامر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْحسن وَالْحُسَيْن شنفا الْعَرْش وليسا بمعلقين)

الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن ابْني هَذَا سيد وَلَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين) يَعْنِي الْحسن

الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخهرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن يعلى بن مرّة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (حُسَيْن مني وَأَنا مِنْهُ أحب الله من أحب حُسَيْنًا الْحسن وَالْحُسَيْن سبطان من الأسباط)

ص: 562

الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (أحب أهل بَيْتِي إِلَيّ الْحسن وَالْحُسَيْن)

الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (من أحب الْحسن وَالْحُسَيْن فقد أَحبَّنِي وَمن أبغضهما فقد أبغضني)

الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أخرج ابو يعلى عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (من سره أَن ينظر إِلَى سيد شباب أهل الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى الْحُسَيْن)

الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج الْبَغَوِيّ وَعبد الْغَنِيّ فِي الْإِيضَاح عَن سلمَان رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (سمى هَارُون ابنيه شبْرًا وشبيرا وَإِنِّي سميت ابْني الْحسن وَالْحُسَيْن بِمَا سمى بِهِ هَارُون ابنيه)

وَأخرج ابْن سعد عَن عمرَان أَن ابْن سُلَيْمَان قَالَ الْحسن وَالْحُسَيْن من

ص: 563

أَسمَاء أهل الْجنَّة مَا سميت الْعَرَب بهما فِي الْجَاهِلِيَّة

الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أخرج ابْن سعد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن ابْني الْحُسَيْن يقتل بعدِي بِأَرْض الطف وَجَاءَنِي بِهَذِهِ التربة فَأَخْبرنِي أَن فِيهَا مضجعه)

الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أم الْفضل بنت الْحَارِث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَتَانِي جِبْرِيل فَأَخْبرنِي أَن أمتِي ستقتل ابْني هَذَا يَعْنِي الْحُسَيْن وأتاني بتربة من تربته حَمْرَاء)

وَأخرج أَحْمد (لقد دخل عَليّ الْبَيْت ملك لم يدْخل عَليّ قبلهَا فَقَالَ لي إِن ابْنك هَذَا حُسَيْنًا مقتول وَإِن شِئْت أريتك من تربة الأَرْض الَّتِي يقتل بهَا قَالَ فَأخْرج تربة حَمْرَاء)

الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (اسْتَأْذن ملك الْقطر ربه أَن يزورني فَأذن لَهُ) وَكَانَ فِي يَوْم أم سَلمَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (يَا أم سَلمَة احفظي علينا الْبَاب لَا يدْخل أحد) فَبينا هِيَ

ص: 564

على الْبَاب إِذْ دخل الْحُسَيْن فاقتحم فَوَثَبَ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَجعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يلثمه ويقبله فَقَالَ لَهُ الْملك أَتُحِبُّهُ قَالَ نعم قَالَ إِن أمتك ستقتله وَإِن شِئْت أريك الْمَكَان الَّذِي يقتل بِهِ فَأرَاهُ فجَاء بسهلة أَو تُرَاب فَأَخَذته أم سَلمَة فَجَعَلته فِي ثوبها

قَالَ ثَابت كُنَّا نقُول إِنَّهَا كربلاء

وَأخرجه أَيْضا أَبُو حَاتِم فِي صَحِيحه وروى أَحْمد نَحوه وروى عبد بن حميد وَابْن احْمَد نَحوه أَيْضا لَكِن فِيهِ أَن الْملك جِبْرِيل فَإِن صَحَّ فهما وَاقِعَتَانِ وَزَاد الثَّانِي أَيْضا أَنه صلى الله عليه وسلم شمها وَقَالَ (ريح كرب وبلاء) والسهلة بِكَسْر أول رمل خشن لَيْسَ بالدقاق الناعم

وَفِي رِوَايَة الملا وَابْن أَحْمد فِي زِيَادَة الْمسند قَالَت ثمَّ ناولني كفا من تُرَاب أَحْمَر وَقَالَ (إِن هَذَا من تربة الأَرْض الَّتِي يقتل بهَا فَمَتَى صَار دَمًا فاعلمي أَنه قد قتل) قَالَت أم سَلمَة فَوَضَعته فِي قَارُورَة عِنْدِي وَكنت أَقُول إِن يَوْمًا يتَحَوَّل فِيهِ دَمًا ليَوْم عَظِيم

وَفِي رِوَايَة عَنْهَا فَأَصَبْته يَوْم قتل الْحُسَيْن وَقد صَار دَمًا

وَفِي أُخْرَى ثمَّ قَالَ يَعْنِي جِبْرِيل أَلا أريك تربة مَقْتَله فجَاء بحصيات فجعلهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 565

فِي قَارُورَة

قَالَت أم سَلمَة فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة قتل الْحُسَيْن سَمِعت قَائِلا يَقُول

(أَيهَا القاتلون جهلا حُسَيْنًا

أَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ والتذليل)

(قد لعنتم على لِسَان ابْن دَاوُد

ومُوسَى وحامل الْإِنْجِيل)

قَالَت فَبَكَيْت وَفتحت القارورة فَإِذا الحصيات قد جرت دَمًا

وَأخرج ابْن سعد عَن الشّعبِيّ قَالَ مر عَليّ رضي الله عنه بكربلاء عِنْد مسيره إِلَى صفّين وحاذى نِينَوَى قَرْيَة على الْفُرَات فَوقف وَسَأَلَ عَن اسْم هَذِه الأَرْض فَقيل كربلاء فَبكى حَتَّى بل الأَرْض من دُمُوعه ثمَّ قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يبكي فَقلت مَا يبكيك قَالَ (كَانَ عِنْدِي جِبْرِيل آنِفا وَأَخْبرنِي أَن وَلَدي الْحُسَيْن يقتل بشاطىء الْفُرَات بِموضع يُقَال لَهُ كربلاء ثمَّ قبض جِبْرِيل قَبْضَة من تُرَاب شمني إِيَّاه فَلم أملك عَيْني أَن فاضتا)

وَرَوَاهُ أَحْمد مُخْتَصرا عَن عَليّ قَالَ دخلت على النَّبِي صلى الله عليه وسلم الحَدِيث

وروى الملا أَن عليا مر بِقَبْر الْحُسَيْن فَقَالَ هَهُنَا مناخ رِكَابهمْ وَهَهُنَا مَوضِع رحالهم وَهَهُنَا مهراق دِمَائِهِمْ فتية من آل مُحَمَّد يقتلُون بِهَذِهِ الْعَرَصَة تبْكي عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض

وَأخرج أَيْضا أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ مشربَة درجتها فِي حجرَة عَائِشَة يرقى إِلَيْهَا إِذا 00

ص: 566

أَرَادَ لَقِي جِبْرِيل فرقى إِلَيْهَا وَأمر عَائِشَة أَن لَا يطلع إِلَيْهَا أحد فرقى حُسَيْن وَلم تعلم بِهِ فَقَالَ جِبْرِيل من هَذَا قَالَ ابْني فأذخه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَجعله على فَخذه فَقَالَ جِبْرِيل ستقتله أمتك فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أمتِي قَالَ نعم وَإِن شِئْت أَخْبَرتك الأَرْض الَّتِي يقتل فِيهَا فَأَشَارَ جريل بِيَدِهِ إِلَى الطف بالعراق فَأخذ مِنْهَا تربة حَمْرَاء فَأرَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ هَذِه من تربة مصرعه

وَأخرج التِّرْمِذِيّ أَن أم سَلمَة رَأَتْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم باكيا وبرأسه ولحيته التُّرَاب فَسَأَلته فَقَالَ (قتل الْحُسَيْن آنِفا)

وَكَذَلِكَ رَآهُ ابْن عَبَّاس نصف النَّهَار أَشْعَث أغبر بِيَدِهِ قَارُورَة فِيهَا دم يلتقطه فَسَأَلَهُ فَقَالَ (دم الْحُسَيْن واصحابه لم أزل أتتبعه مُنْذُ الْيَوْم) فنظروا فوجدوه قد قتل فِي ذَلِك الْيَوْم

فاستشهد الْحُسَيْن كَمَا قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم بكربلاء من أَرض الْعرَاق بِنَاحِيَة الْكُوفَة وَيعرف الْموضع أَيْضا بالطف قَتله سِنَان بن أنس النَّخعِيّ وَقيل غَيره يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَله سِتّ وَخَمْسُونَ سنة وَأشهر

ص: 567

وَلما قَتَلُوهُ بعثوا بِرَأْسِهِ إِلَى يزِيد فنزلوا أول مرحلة فَجعلُوا يشربون بِالرَّأْسِ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ خرجت عَلَيْهِ من الْحَائِط يَد مَعهَا قلم من حَدِيد فَكتبت سطر بِدَم

(أترجو أمة قتلت حُسَيْنًا

شَفَاعَة جده يَوْم الْحساب)

فَهَرَبُوا وَتركُوا الرَّأْس

أخرجه مَنْصُور بن عمار

وَذكر غَيره أَن هَذَا الْبَيْت وجد بِحجر قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم بثلاثمائة سنة وَأَنه مَكْتُوب فِي كَنِيسَة من أَرض الرّوم لَا يدرى من كتبه

وَذكر أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي كتاب دَلَائِل النُّبُوَّة فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مَمْلُوءَة دَمًا

وَكَذَا رُوِيَ فِي أَحَادِيث غير هَذِه

وَمِمَّا ظهر يَوْم قَتله من الْآيَات أَيْضا أَن السَّمَاء اسودت اسودادا عَظِيما حَتَّى رؤيت النُّجُوم نَهَارا وَلم يرفع حجر إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم عبيط

ص: 568

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ أَن الورس الَّذِي كَانَ فِي عَسْكَرهمْ تحول رَمَادا وَكَانَ فِي قافلة من الْيمن تُرِيدُ الْعرَاق فوافيتهم حِين قَتله

وَحكى ابْن عُيَيْنَة عَن جدته أَن جمالا مِمَّن انْقَلب ورسه رَمَادا أخبرنَا بذلك ونحروا نَاقَة فِي عَسْكَرهمْ فَكَانُوا يرَوْنَ فِي لَحمهَا مثل الفيران فطبخوها فصارات مثل العلقم وَأَن السَّمَاء احْمَرَّتْ لقَتله وانكسفت الشَّمْس حَتَّى بَدَت الْكَوَاكِب نصف النَّهَار وَظن النَّاس أَن الْقِيَامَة قد قَامَت وَلم يرفع حجر فِي الشَّام إِلَّا رُؤِيَ تَحت دم عبيط

وَأخرج عُثْمَان بن أبي شيبَة أَن السَّمَاء مكثت بعد قَتله سَبْعَة أَيَّام ترى على الْحِيطَان كَأَنَّهَا ملاحف معصفرة من شدَّة حمرتها وَضربت الْكَوَاكِب بَعْضهَا بَعْضًا

وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ عَن ابْن سِيرِين أَن الدُّنْيَا أظلمت ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ظَهرت الْحمرَة فِي السَّمَاء

وَقَالَ أَبُو سعيد مَا رفع حجر من الدُّنْيَا إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم عبيط وَلَقَد مطرَت السَّمَاء دَمًا بَقِي أَثَره فِي الثِّيَاب مُدَّة حَتَّى تقطعت

واخرج الثَّعْلَبِيّ وَأَبُو نعيم مَا مر من أَنهم مُطِرُوا دَمًا

زَاد أَبُو نعيم فأصبحنا

ص: 569

وحبابنا وجرارنا مملوءه دَمًا

وَفِي رِوَايَة أَنه مطر كَالدَّمِ على الْبيُوت والجدر بخراسان وَالشَّام والكوفة وَأَنه لما جِيءَ بِرَأْس الْحُسَيْن إِلَى دَار زِيَاد سَأَلت حيطانها دَمًا

وَأخرج الثَّعْلَبِيّ أَن السَّمَاء بَكت وبكاؤها حمرتها

وَقَالَ غَيره احْمَرَّتْ آفَاق السَّمَاء سِتَّة أشهر بعد قَتله ثمَّ لَا زَالَت الْحمرَة ترى بعد ذَلِك وَأَن ابْن سِيرِين قَالَ أخبرنَا أَن الْحمرَة لم تَرَ فِي السَّمَاء قبل قَتله

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وحكمته أَن غضبنا يُؤثر حمرَة الْوَجْه وَالْحق منزه عَن الجسمية فأظهر تَأْثِير غَضَبه على من قتل الْحُسَيْن بحمرة الْأُفق إِظْهَارًا لعظم الْجِنَايَة

قَالَ وأنين الْعَبَّاس وَهُوَ ماسور ببدر منع النَّبِي صلى الله عليه وسلم النّوم فَكيف بأنين الْحُسَيْن وَلما أسلم وَحشِي قَاتل حَمْزَة قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (غيب وَجهك عني فَإِنِّي لَا أحب أَن أرى من قتل الْأَحِبَّة)

قَالَ وَهَذَا وَالْإِسْلَام يجب مَا قبله فَكيف بِقَلْبِه صلى الله عليه وسلم أَن يرى من ذبح الْحُسَيْن وَأمر بقتْله وَحمل أَهله على أقتاب الْجمال وَمَا مر من أَنه لم يرفع حجر فِي الشَّام أَو الدُّنْيَا إِلَّا رُؤِيَ تَحْتَهُ دم عبيط وَقع يَوْم قتل عَليّ أَيْضا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ حكى عَن الزُّهْرِيّ أَنه قدم الشَّام يُرِيد الْغَزْو فَدخل على عبد الْملك فَأخْبرهُ أَنه يَوْم قتل عَليّ لم يرفع حجر من بَيت الْمُقَدّس إِلَّا وجد تَحت دم ثمَّ قَالَ لَهُ لم يبْق من يعرف هَذَا غَيْرِي

ص: 570

وَغَيْرك فَلَا تخبر بِهِ

قَالَ فَمَا أخْبرت بِهِ إِلَّا بعد مَوته

وَحكى عَنهُ أَيْضا أَن غير عبد الْملك أخبر بذلك أَيْضا

قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالَّذِي صَحَّ عَنهُ أَن ذَلِك حِين قتل الْحُسَيْن وَلَعَلَّه وجد عِنْد قَتلهمَا جَمِيعًا

انْتهى

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ أَن جمعا تَذَاكَرُوا أَنه مَا من أحد اعان على قتل الْحُسَيْن إِلَّا أَصَابَهُ بلَاء قبل أَن يَمُوت فَقَالَ شيخ أَنا أعنت وَمَا أصابني شَيْء

فَقَامَ ليصلح السراج فَأَخَذته النَّار فَجعل يُنَادي النَّار النَّار وانغمس فِي الْفُرَات وَمَعَ ذَلِك فَلم يزل بِهِ حَتَّى مَاتَ

وَأخرج مَنْصُور بن عمار أَن بَعضهم ابْتُلِيَ بالعطش وَكَانَ يشرب رِوَايَة وَلَا يرْوى وَبَعْضهمْ طَال ذكره حَتَّى كَانَ إِذا ركب الْفرس لواه على عُنُقه كَأَنَّهُ حَبل

وَنقل سبط ابْن الْجَوْزِيّ عَن السّديّ أَنه أَضَافَهُ رجل بكربلاء فتذاكروا أَنه

ص: 571

مَا شَارك أحد فِي دم الْحُسَيْن إِلَّا ى مَاتَ أقبح موتَة فكذب المضيف بذلك وَقَالَ إِنَّه مِمَّن حضر فَقَامَ آخر اللَّيْل يصلح السراج فَوَثَبت النَّار فِي جسده فَأَحْرَقتهُ

قَالَ السّديّ فَأَنا وَالله رَأَيْته كَأَنَّهُ حميمة

وَعَن الزُّهْرِيّ لم يبْق مِمَّن قَتله إِلَّا من عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا إِمَّا بقتل أَو عمى اَوْ سَواد الْوَجْه أَو زَوَال الْملك فِي مُدَّة يسيرَة

وَحكى سبط ابْن الْجَوْزِيّ عَن الْوَاقِدِيّ أَن شَيخا حضر قَتله فَقَط فَعميَ فَسئلَ عَن سَببه فَقَالَ إِنَّه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم حاسرا عَن ذِرَاعَيْهِ وَبِيَدِهِ سيف وَبَين يَدَيْهِ نطع وَرَأى عشرَة من قاتلي الْحُسَيْن مذبوحين بَين يَدَيْهِ ثمَّ لَعنه وسبه بتكثيره سوادهم ثمَّ أكحله بمرود من دم الْحُسَيْن فَأصْبح أعمى

وَأخرج أَيْضا أَن شخصا مِنْهُم علق فِي لبب فرسه رَأس الْحُسَيْن بن عَليّ فرؤي بعد ايام وَوَجهه أَشد سوادا من القار

فَقيل لَهُ إِنَّك كنت أَنْضَرُ الْعَرَب وَجها فَقَالَ مَا مرت عَليّ لَيْلَة من حِين حملت تِلْكَ الرَّأْس إِلَّا وَاثْنَانِ يأخذان بضبعي ثمَّ ينتهيان بِي إِلَيّ نَار تأجج فيدفعاني فِيهَا وَأَنا أنكص فتسفعني كَمَا ترى ثمَّ مَاتَ على أقبح حَاله

ص: 572

وَأخرج أَيْضا أَن شَيخا رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النّوم وَبَين يَدَيْهِ طست فِيهَا دم وَالنَّاس يعرضون عَلَيْهِ فيلطخهم حَتَّى انْتَهَيْت إِلَيْهِ فَقلت مَا حضرت

فَقَالَ لي هويت فَأَوْمأ إِلَيّ بإصبعه فَأَصْبَحت أعمى

وَمر أَن أَحْمد روى أَن شخصا قَالَ قتل الله الْفَاسِق ابْن الْفَاسِق الْحُسَيْن فَرَمَاهُ الله بكوكبين فِي عَيْنَيْهِ فَعميَ

وَذكر الْبَارِزِيّ عَن الْمَنْصُور أَنه رأى رجلا بِالشَّام وَجهه وَجه خِنْزِير فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنَّه كَانَ يلعن عليا كل يَوْم ألف مرّة وَفِي الْجُمُعَة ألف مرّة وَأَوْلَاده مَعَه فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَذكر مناما طَويلا من جملَته أَن الْحسن شكاه إِلَيْهِ فلعنه ثمَّ بَصق فِي وَجهه فَصَارَ مَوضِع بصاقه خنزيرا وَصَارَ آيَة للنَّاس

وَأخرج الملا عَن أم سَلمَة أَنَّهَا سَمِعت نوح الْجِنّ على الْحُسَيْن

وَابْن سعد عَنْهَا أَنَّهَا بَكت عَلَيْهِ حَتَّى غشي عَلَيْهَا

وروى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر أَنه سَأَلَهُ رجل عَن دم البعوض طَاهِر أَو لَا فَقَالَ لَهُ مِمَّن أَنْت قَالَ من أهل الْعرَاق

فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا يسألني عَن دم البعوض وَقد قتلوا ابْن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول (هما ريحانتاي من الدُّنْيَا)

ص: 573

وَسبب مخرجه رضي الله عنه أَن يزِيد لما اسْتخْلف سنة سِتِّينَ أرسل لعامله بِالْمَدِينَةِ أَن يَأْخُذ لَهُ الْبيعَة على الْحُسَيْن ففر لمَكَّة خوفًا على نَفسه فَسمع بِهِ أهل الْكُوفَة فأرسلوا إِلَيْهِ أَن يَأْتِيهم ليبايعوه ويمحو عَنْهُم مَا هم فِيهِ من الْجور فَنَهَاهُ ابْن عَبَّاس وَبَين لَهُ غدرهم وقتلهم لِأَبِيهِ وخذلانهم لِأَخِيهِ فابى فَنَهَاهُ أَن لَا يذهب بأَهْله فَأبى فَبكى ابْن عَبَّاس وَقَالَ واحبيباه واحسيناه

وَقَالَ لَهُ ابْن عمر نَحْو ذَلِك فَأبى فَبكى ابْن عمر وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ أستودعك الله من قَتِيل

وَنَهَاهُ ابْن الزبير أَيْضا فَقَالَ لَهُ حَدثنِي أبي إِن لمَكَّة كَبْشًا بِهِ يسْتَحل حرمتهَا فَمَا أحب أَن أكون أَنا ذَلِك الْكَبْش

وَمر قَول أَخِيه الْحسن لَهُ إياك وسفهاء الْكُوفَة أَن يستخفوك فيخرجوك ويسلموك فتندم ولات حِين مناص وَقد تذكر ذَلِك لَيْلَة قَتله فترحم على أَخِيه الْحسن رضي الله عنهما وَلما بلغ مسيره أَخَاهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة كَانَ بَين يَدَيْهِ طست يتَوَضَّأ فِيهِ فَبكى حَتَّى ملأَهُ من دُمُوعه وَلم يبْق بِمَكَّة إِلَّا من حزن لمسيره

وَقدم أَمَامه مُسلم بن عقيل فَبَايعهُ من أهل الْكُوفَة اثْنَا عشر ألفا

وَقيل أَكثر من ذَلِك وَأمر يزِيد ابْن زِيَاد فجَاء إِلَيْهِ وَقَتله وَأرْسل بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ فشكره وحذره من الْحُسَيْن وَلَقي الْحُسَيْن فِي مسيره الفرزدق فَقَالَ لَهُ بَين لي خبر النَّاس

فَقَالَ أجل على الْخَبِير سَقَطت يَا ابْن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قُلُوب النَّاس مَعَك

ص: 574

وَسُيُوفهمْ مَعَ بني أُميَّة وَالْقَضَاء ينزل من السَّمَاء وَالله يفعل مَا يَشَاء

وَسَار الْحُسَيْن وَهُوَ على غير علم بِمَا جرى لمُسلم حَتَّى كَانَ على ثَلَاث من الْقَادِسِيَّة تَلقاهُ الْحر بن يزِيد التَّمِيمِي فَقَالَ ارْجع فَمَا تركت لَك خَلْفي خيرا ترجوه وَأخْبرهُ الْخَبَر وقدوم ابْن زِيَاد واستعداده لَهُ فهم بِالرُّجُوعِ بِالرُّجُوعِ فَقَالَ أَخُو مُسلم وَالله لَا نرْجِع حَتَّى نصيب بثأرنا أَو نقْتل فَقَالَ لَا خير فِي الْحَيَاة بعدكم ثمَّ سَار فَلَقِيَهُ أَوَائِل خيل ابْن زِيَاد فَعدل إِلَى كربلاء ثامن الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَكَانَ لما شَارف الْكُوفَة سمع بِهِ أميرها عبيد الله بن زِيَاد فَجهز إِلَيْهِ عشْرين ألف مقَاتل فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ التمسوا مِنْهُ نُزُوله على حكم ابْن زِيَاد وبيعته ليزِيد فابى فقاتلوه وَكَانَ أَكثر الخارجين لقتاله الَّذين كاتبوه وَبَايَعُوهُ ثمَّ لما جَاءَهُم أخلفوه وفروا عَنهُ إِلَى أعدائه إيثارا للسحت العاجل على الْخَيْر الآجل

فحارب أُولَئِكَ الْعدَد الْكثير وَمَعَهُ من إخْوَته وَأَهله نَيف وَثَمَانُونَ نفسا فَثَبت فِي ذَلِك الْموقف ثباتا باهرا مَعَ كَثْرَة أعدائه وعددهم ووصول سِهَامهمْ ورماحهم إِلَيْهِ

وَلما حمل عَلَيْهِم وسيفه مصلت فِي يَده أنْشد يَقُول

(أَنا ابْن عَليّ الحبر من آل هَاشم

كفاني بِهَذَا مفخرا حِين أَفْخَر)

(وجدي رَسُول الله أكْرم من مَشى

وَنحن سراج الله فِي النَّاس يزهر)

ص: 575

(وَفَاطِمَة أُمِّي سلالة أَحْمد

وَعمي يدعى ذَا الجناحين جَعْفَر)

(وَفينَا كتاب الله أنزل صَادِقا

وَفينَا الْهدى وَالْوَحي وَالْخَيْر يذكر)

وَلَوْلَا مَا كادوه بِهِ من أَنهم حالوا بَينه وَبَين المَاء لم يقدروا عَلَيْهِ إِذْ هُوَ الشجاع القرم الَّذِي لَا يَزُول وَلَا يتَحَوَّل

وَلما منعُوهُ وَأَصْحَابه المَاء ثَلَاثًا قَالَ لَهُ بَعضهم انْظُر إِلَيْهِ كَأَنَّهُ كبد السَّمَاء لَا تذوق مِنْهُ قَطْرَة حَتَّى تَمُوت عطشا

فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن اللَّهُمَّ اقتله عطشا

فَلم يرو مَعَ كَثْرَة شربه للْمَاء حَتَّى مَاتَ عطشا

ودعا الْحُسَيْن بِمَاء ليشربه فحال رجل بَينه وَبَينه بِسَهْم ضربه فَأصَاب حنكه فَقَالَ اللَّهُمَّ أظمئه

فَصَارَ يَصِيح الْحر فِي بَطْنه وَالْبرد فِي ظَهره وَبَين يَدَيْهِ الثلَّة والمراوح وَخَلفه الكافور وَهُوَ يَصِيح الْعَطش فَيُؤتى بسويق وَمَاء وَلبن لَو شربه خَمْسَة لكفاهم فيشربه ثمَّ يَصِيح فيسقى كَذَلِك إِلَى أَن انقد بَطْنه

وَلما استحر الْقَتْل باهله فَإِنَّهُم لَا يزَالُوا يقتلُون مِنْهُم وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى قتلوا مَا يزِيد على الْخمسين صَاح الْحُسَيْن أما ذاب يذب عَن حَرِيم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَحِينَئِذٍ خرج يزِيد بن الْحَارِث الريَاحي من عَسْكَر أعدائه رَاكِبًا فرسه وَقَالَ يَا ابْن بنت رَسُول الله لَئِن كنت أول من خرج عَلَيْك فإنني الْآن من حزبك لعَلي أنال بذلك شَفَاعَة جدك

ثمَّ قَاتل بَين يَدَيْهِ حَتَّى قتل فَحمل عَلَيْهِ جمع

ص: 576

كَثِيرُونَ مِنْهُم حالوا بَينه وَبَين حريمه فصاح كفوا سفهاءكم عَن الْأَطْفَال وَالنِّسَاء

فكفوا ثمَّ لم يزل يقاتلهم حَتَّى أثخنوه بالجراح وَسقط إِلَى الأَرْض فحزوا رَأسه يَوْم عَاشُورَاء عَام إِحْدَى وَسِتِّينَ وَلما وضع بَين يَدي عبيد الله بن زِيَاد أنْشد قَاتله

(املأ ركابي فضَّة وذهبا

فقد قتلت الْملك المحجبا)

(وَمن يُصَلِّي الْقبْلَتَيْنِ فِي الصِّبَا

وَخَيرهمْ إِذْ يذكرُونَ النسبا)

(قتلت خير النَّاس أما وَأَبا

)

فَغَضب ابْن زِيَاد من قَوْله وَقَالَ إِذا علمت ذَلِك فَلم قتلته وَالله لَا نلْت مني خيرا ولألحقنك بِهِ

ثمَّ ضرب عُنُقه

وَقتل مَعَه من اخوته وَبني أَخِيه الْحسن وَمن أَوْلَاد جَعْفَر وَعقيل تِسْعَة عشر رجلا وَقيل أحد وَعِشْرُونَ

قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ مَا كَانَ على وَجه الأَرْض يَوْمئِذٍ لَهُم شَبيه

وَلما حمل رَأسه لِابْنِ زِيَاد جعله فِي طست وَجعل يضْرب ثناياه بقضيب وَيَقُول بِهِ فِي أَنفه وَيَقُول مَا رَأَيْت مثل هَذَا حسنا إِن كَانَ لحسن الثغر

وَكَانَ عِنْده أنس فَبكى وَقَالَ كَانَ أشبههم برَسُول الله صلى الله عليه وسلم

رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره

ص: 577

وروى ابْن أبي الدُّنْيَا أَنه كَانَ عِنْده زيد بن أَرقم فَقَالَ لَهُ ارْفَعْ قضيبك فوَاللَّه لطالما رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقبل مَا بَين هَاتين الشفتين

ثمَّ جعل زيد يبكي فَقَالَ ابْن زِيَاد

أبكى الله عَيْنَيْك لَوْلَا أَنَّك شيخ قد خرفت لضَرَبْت عُنُقك

فَنَهَضَ وَهُوَ يَقُول أَيهَا النَّاس أَنْتُم العبيد بعد الْيَوْم قتلتم ابْن فَاطِمَة وأمرتم ابْن مرْجَانَة وَالله ليقْتلن خياركم ويستعبدن شِرَاركُمْ فبعدا لمن رَضِي بالذلة والعار

ثمَّ قَالَ يَا ابْن زِيَاد لأحدثنك بِمَا هُوَ أَغيظ عَلَيْك من هَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أقعد حسنا على فَخذه الْيُمْنَى وَحسَيْنا على فَخذه الْيُسْرَى ثمَّ وضع يَده على يافوخهما ثمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أستودعك إيَّاهُمَا وَصَالح الْمُؤمنِينَ) فَكيف كَانَت وَدِيعَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم عنْدك يَا ابْن زِيَاد وَقد انتقم الله من ابْن زِيَاد هَذَا فقد صَحَّ عِنْد التِّرْمِذِيّ أَنه لما جِيءَ بِرَأْسِهِ وَنصب فِي الْمَسْجِد مَعَ رُؤُوس أَصْحَابه جَاءَت حَيَّة فتخللت الرؤوس حَتَّى دخلت فِي منخره فَمَكثت هنيهة ثمَّ خرجت ثمَّ جَاءَت فَفعلت كَذَلِك مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا

وَكَانَ نصبها فِي مَحل نَصبه لرأس الْحُسَيْن وفاعل ذَلِك بِهِ هُوَ الْمُخْتَار بن أبي عبيد تبعه طَائِفَة من الشِّيعَة تدفعوا على خذلانهم للحسين وَأَرَادُوا غسل الْعَار عَنْهُم ففرقة مِنْهُم تبِعت الْمُخْتَار فملكوا الْكُوفَة وَقتلُوا السِّتَّة آلَاف الَّذين قَاتلُوا الْحُسَيْن أقبح القتلات وَقتل رئيسهم عمر بن سعد وَخص شمر قَاتل

ص: 578

الْحُسَيْن على قَول بمزيد نكال وأوطأوا الْخَيل صَدره وظهره لِأَنَّهُ فعل ذَلِك بالحسين وشكر النَّاس للمختار ذَلِك لكنه أنبأ آخرا عَن خبث قَبِيح حَتَّى زعم أَنه يُوحى إِلَيْهِ وَأَن ابْن الْحَنَفِيَّة هُوَ الْمهْدي وَلما نزل ابْن زِيَاد الْموصل فِي ثَلَاثِينَ ألفا جهز لَهُ الْمُخْتَار سنة تسع وَسِتِّينَ طَائِفَة قَتَلُوهُ هُوَ وَأَصْحَابه على الْفُرَات يَوْم عَاشُورَاء وَبعث برؤوسهم للمختار فَنصبت فِي الْمحل الَّذِي نصب فِيهِ رَأس الْحُسَيْن ثمَّ حولت إِلَى مَا مر حَتَّى دَخَلتهَا تِلْكَ الْحَيَّة

وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق قَول عبد الْملك بن عُمَيْر دخلت قصر الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ على ابْن زِيَاد وَالنَّاس عِنْده سماطان وَرَأس الْحُسَيْن رضي الله عنه على ترس على يَمِينه ثمَّ دخلت على الْمُخْتَار فِيهِ فَوجدت رَأس ابْن زِيَاد وَعِنْده النَّاس كَذَلِك ثمَّ دخلت على مُصعب بن الزبير فِيهِ فَوجدت رَأس الْمُخْتَار عِنْده كَذَلِك ثمَّ دخلت على عبد الْملك بن مَرْوَان فِيهِ فَوجدت عِنْده رَأس مُصعب كَذَلِك فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ لَا أَرَاك الله الْخَامِس ثمَّ أَمر بهدمه

وَلما أنزل ابْن زِيَاد رَأس الْحُسَيْن وَأَصْحَابه جهزها مَعَ سَبَايَا آل الْحُسَيْن إِلَى يزِيد فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ قيل إِنَّه ترحم عَلَيْهِ وتنكر لِابْنِ زِيَاد وَأرْسل بِرَأْسِهِ وَبَقِيَّة بنيه إِلَى الْمَدِينَة

وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره الْمَشْهُور أَنه جمع أهل الشَّام

ص: 579

وَجعل ينكت الرَّأْس بالخيزران وَجمع بِأَنَّهُ أظهر الأول وأخفى الثَّانِي بِقَرِينَة أَنه بَالغ فِي رفْعَة ابْن زِيَاد حَتَّى أدخلهُ على نِسَائِهِ

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَلَيْسَ الْعجب إِلَّا من ضرب يزِيد ثنايا الْحُسَيْن بالقضيب وَحمل آل النَّبِي صلى الله عليه وسلم على أقتاب الْجمال أَي مُوثقِينَ فِي الحبال وَالنِّسَاء مكشفات الرؤوس وَالْوُجُوه وَذكر أَشْيَاء من قَبِيح فعله

وَلما وصلوا دمشق أقِيمُوا على درج الْجَامِع حَيْثُ يُقَام الْأُسَارَى والسبي وَقيل إِن يزِيد أرسل بِرَأْس الْحُسَيْن وَمن بَقِي من أَهله إِلَى الْمَدِينَة فَكفن رَأسه وَدفن عِنْد قبر أمه بقبة الْحسن

وَقيل أُعِيد إِلَى الجثة بكربلاء بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا من قَتله

وَقيل بل كَانَت الرَّأْس فِي خزانته لِأَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام يلاطفه ويبشره فَسَأَلَ الْحسن الْبَصْرِيّ عَن ذَلِك فَقَالَ لَعَلَّك صنعت إِلَى آله مَعْرُوفا

قَالَ نعم وجدت رَأس الْحُسَيْن فِي خزانَة يزِيد فكسوته خَمْسَة أَثوَاب وَصليت عَلَيْهِ مَعَ جمَاعَة من أَصْحَابِي وقبرته

فَقَالَ لَهُ الْحسن هُوَ ذَلِك سَبَب رِضَاهُ صلى الله عليه وسلم عَلَيْك

فَأمر سُلَيْمَان لِلْحسنِ بجائزة سنية

وَلما فعل يزِيد بِرَأْس الْحُسَيْن مَا مر كَانَ عِنْده رَسُول قَيْصر فَقَالَ مُتَعَجِّبا إِن عندنَا فِي بعض الجزائر فِي دير حافر حمَار عِيسَى فَنحْن نحج إِلَيْهِ كل عَام من الأقطار وننذر النذور ونعظمه كَمَا تعظمون كعبتكم فَأشْهد إِنَّكُم على بَاطِل

ص: 580

وَقَالَ ذمِّي آخر بيني وَبَين دَاوُد سَبْعُونَ أَبَا وَإِن الْيَهُود تعظمني وتحترمني وَأَنْتُم قتلتم ابْن نَبِيكُم

وَلما كَانَت الحرس على الرَّأْس كلما نزلُوا منزلا وضعوه على رمح وحرسوه فَرَآهُ رَاهِب فِي دير فَسَأَلَ عَنهُ فعرفوه بِهِ فَقَالَ بئس الْقَوْم أَنْتُم لَو كَانَ للمسيح ولد لأسكناه أحداقنا بئس الْقَوْم أَنْتُم هَل لكم فِي عشرَة آلَاف دِينَار ويبيت الرَّأْس عِنْدِي هَذِه اللَّيْلَة

قَالُوا نعم فَأَخذه وغسله وطيبه وَوَضعه على فَخذه فَوجدَ مِنْهُ نورا صاعدا إِلَى عنان السَّمَاء وَقعد يبكي إِلَى الصُّبْح ثمَّ أسلم لِأَنَّهُ رأى نورا ساطعا من الرَّأْس إِلَى السَّمَاء ثمَّ خرج عَن الدَّيْر وَمَا فِيهِ وَصَارَ يخْدم أهل الْبَيْت

وَكَانَ مَعَ أُولَئِكَ الحرس دَنَانِير أخذوها من عَسْكَر الْحُسَيْن ففتحوا أكياسها ليقتسموها فرأوها خزفا وعَلى أحد جَانِبي كل مِنْهَا {وَلَا تحسبن الله غافلا عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ} إِبْرَاهِيم 42 وعَلى الآخر {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} الشُّعَرَاء 227 وَسَيَأْتِي فِي الخاتمة الْكَلَام فِي أَنه هَل يجوز لعن يزِيد أَو يمْتَنع وسيق حَرِيم الْحُسَيْن إِلَى الْكُوفَة كالأسارى فَبكى أهل الْكُوفَة فَجعل زين العابدين بن الْحُسَيْن يَقُول أَلا إِن هَؤُلَاءِ يَبْكُونَ من أجلنا فَمن ذَا الَّذِي قتلنَا

ص: 581

وَأخرج الْحَاكِم من طرق مُتعَدِّدَة أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (قَالَ جِبْرِيل قَالَ الله تَعَالَى إِنِّي قتلت بِدَم يحيى بن زَكَرِيَّا سبعين الْفَا وَإِنِّي قَاتل بِدَم الْحُسَيْن بن عَليّ سبعين ألفا)

وَلم يصب ابْن الْجَوْزِيّ فِي ذكره لهَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات وَقتل هَذِه الْعدة بِسَبَبِهِ لَا يسْتَلْزم أَنَّهَا كعدد عدَّة المقاتلين لَهُ فَإِن فتنته أفضت إِلَى تعصبات ومقاتلات تفي بذلك

وزين العابدين هَذَا هُوَ الَّذِي خلف أَبَاهُ علما وزهدا وَعبادَة وَكَانَ إِذا تَوَضَّأ للصَّلَاة اصفر لَونه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أَلا تَدْرُونَ بَين يَدي من أَقف

وَحكي أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ألف رَكْعَة وَحكى ابْن حمدون عَن الزُّهْرِيّ أَن عبد الْملك حمله مُقَيّدا من الْمَدِينَة بأثقلة من حَدِيد ووكل بِهِ حفظَة

ص: 582

فَدخل عَلَيْهِ الزُّهْرِيّ لوداعه فَبكى وَقَالَ وددت أَنِّي مَكَانك

فَقَالَ أتظن أَن ذَلِك يكربني لَو شِئْت لما كَانَ وَإنَّهُ ليذكرني عَذَاب الله ثمَّ أخرج رجلَيْهِ من الْقَيْد وَيَديه من الغل ثمَّ قَالَ لَا جزت مَعَهم على هَذَا يَوْمَيْنِ من الْمَدِينَة فَمَا مضى يَوْمَانِ إِلَّا وفقدوه حِين طلع الْفجْر وهم يَرْصُدُونَهُ فطلبوه فَلم يجدوه قَالَ الزُّهْرِيّ فَقدمت على عبد الْملك فَسَأَلَنِي عَنهُ فَأَخْبَرته فَقَالَ قد جَاءَ فِي يَوْم فَقده الأعوان فَدخل عَليّ فَقَالَ مَا أَنا وَأَنت فَقلت أقِم عِنْدِي

فَقَالَ لَا أحب ثمَّ خرج فوَاللَّه لقد امْتَلَأَ قلبِي مِنْهُ خيفة

أَي وَمن ثمَّ كتب عبد الْملك للحجاج أَن يجْتَنب دِمَاء بني عبد الْمطلب وَأمره بكتم ذَلِك فكوشف بِهِ زين العابدين فَكتب إِلَيْهِ إِنَّك كتبت للحجاج يَوْم كَذَا سرا فِي حَقنا بني عبد الْمطلب بِكَذَا وَكَذَا وَقد شكر الله لَك ذَلِك وَأرْسل بِهِ إِلَيْهِ فَلَمَّا وقف عَلَيْهِ وجد تَارِيخه مُوَافقا لتاريخ كِتَابه للحجاج وَوجد مخرج الْغُلَام مُوَافقا لمخرج رَسُوله للحجاج فَعلم أَن زين العابدين كوشف بأَمْره فسر بِهِ وَأرْسل إِلَيْهِ مَعَ غُلَامه بوقر رَاحِلَته دَرَاهِم وَكِسْوَة وَسَأَلَهُ أَن لَا يخليه من صَالح دُعَائِهِ

وَأخرج أَبُو نعيم والسلفي لما احج هِشَام بن عبد الملك فِي حَيَاة أَبِيه أَو الْوَلِيد لم يُمكنهُ أَن يصل للحجر من الزحام فنصب لَهُ مِنْبَر إِلَى جَانب زَمْزَم وَجلسَ ينظر إِلَى النَّاس وَحَوله جمَاعَة من أَعْيَان أهل الشَّام فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ أقبل زين العابدين فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْحجر تنحى لَهُ النَّاس حَتَّى اسْتَلم فَقَالَ أهل الشَّام لهشام من هَذَا قَالَ لَا أعرفهُ

مَخَافَة أَن يرغب أهل الشَّام فِي زين العابدين فَقَالَ الفرزدق أَنا أعرفهُ ثمَّ أنْشد

ص: 583

(هَذَا الَّذِي تعرف الْبَطْحَاء وطأته

وَالْبَيْت يعرفهُ والحل وَالْحرم)

(هَذَا ابْن خير عباد الله كلهم

هَذَا التقي النقي الطَّاهِر الْعلم)

(إِذا رَأَتْهُ قُرَيْش قَالَ قَائِلهَا

إِلَى مَكَارِم هَذَا يَنْتَهِي الْكَرم)

(ينمى إِلَى ذرْوَة الْعِزّ الَّتِي قصرت

عَن نيلها عرب الْإِسْلَام والعجم)

القصيدة الْمَشْهُورَة وَمِنْهَا

(هَذَا ابْن فَاطِمَة إِن كنت جاهله

بجده أَنْبيَاء الله قد ختموا)

(فَلَيْسَ قَوْلك من هَذَا بضائره

الْعَرَب تعرف من أنْكرت والعجم)

ثمَّ قَالَ

(من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم)

(لَا يَسْتَطِيع جواد بعد غايتهم

وَلَا يدانيهم قوم وَإِن كرموا)

فَلَمَّا سَمعهَا هِشَام غضب وَحبس الفرزدق بعسفان بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وامر لَهُ زين العابدين بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم وَقَالَ اعذر لَو كَانَ عندنَا أَكثر لوصلناك بِهِ فَردهَا قَالَ إِنَّمَا امتدحه لله لَا لعطاء

فَقَالَ زين زين العابدين رضي الله عنه إِنَّا أهل بَيت إِذا وهبنا شَيْئا لَا نستعيده

فقبلها الفرزدق ثمَّ هجا هشاما فِي الْحَبْس فَبعث فَأخْرجهُ

ص: 584

وَكَانَ زين العابدين عَظِيم التجاوز وَالْعَفو والصفح حَتَّى إِنَّه سبه رجل فتغافل عَنهُ فَقَالَ لَهُ إياك أَعنِي

فَقَالَ وعنك أعرض أَشَارَ إِلَى آخر {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} الْأَعْرَاف 199

وَكَانَ يَقُول مَا يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم

توفّي وعمره سبع وَخَمْسُونَ مِنْهَا سنتَانِ مَعَ جده عَليّ ثمَّ عشر مَعَ عَمه الْحسن ثمَّ إِحْدَى عشرَة مَعَ أَبِيه الْحُسَيْن

وَقيل سمه الْوَلِيد بن عبد الْملك وَدفن بِالبَقِيعِ عِنْد عَمه الْحسن عَن أحد عشر ذكرا وَأَرْبع إناث

وَارثه مِنْهُم عبَادَة وعلما وزهادة

أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد الباقر سمي بذلك من بقر الأَرْض أَي شقها وأثار مخبئاتها ومكامنها فَكَذَلِك هُوَ أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الْأَحْكَام وَالْحكم واللطائف مَا لَا يخفى إِلَّا على منطمس البصيرة أَو فَاسد الطوية السريرة وَمن ثمَّ قيل فِيهِ هُوَ باقر الْعلم وجامعه وشاهر علمه وعمرت أوقاته بِطَاعَة الله وَله من الرسوخ فِي مقامات العارفين مَا تكل عَنهُ أَلْسِنَة

ص: 585

الواصفين وَله كَلِمَات كَثِيرَة فِي السلوك والمعارف لَا تحتملها هَذِه العجالة وَكَفاهُ شرفا أَن ابْن الْمَدِينِيّ روى عَن جَابر أَنه قَالَ لَهُ وَهُوَ صَغِير رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عَلَيْك فَقيل لَهُ وَكَيف ذَاك قَالَ كنت جَالِسا عِنْده وَالْحُسَيْن فِي حجره وَهُوَ يداعبه فَقَالَ (يَا جَابر يُولد لَهُ مَوْلُود اسْمه عَليّ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد ليقمْ سيد العابدين

فَيقوم وَلَده ثمَّ يُولد لَهُ ولد اسْمه مُحَمَّد فَإِن أَدْرَكته يَا جَابر فأقرئه مني السَّلَام)

توفّي سنة سبع عشرَة ومئة عَن ثَمَان وَخمسين سنة مسموما كأبيه وَهُوَ علوي من جِهَة أَبِيه وَأمه وَدفن أَيْضا فِي قبَّة الْحسن وَالْعَبَّاس بِالبَقِيعِ وَخلف سِتَّة أَوْلَاد أفضلهم وأكملهم

جَعْفَر الصَّادِق وَمن ثمَّ كَانَ خَلِيفَته ووصيه وَنقل النَّاس عَنهُ من الْعُلُوم مَا سَارَتْ بِهِ الركْبَان وانتشر صيته فِي جَمِيع الْبلدَانِ وروى عَنهُ الْأَئِمَّة الأكابر كيحيى بن سعيد وَابْن جريج والسفيانين وَأبي حنيفَة وَشعْبَة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ

ص: 586

وَأمه أم فَرْوَة بنت الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر كَمَا مر

وسعي بِهِ عِنْد الْمَنْصُور لما حج فَلَمَّا حضر السَّاعِي بِهِ يشْهد قَالَ لَهُ أتحلف قَالَ نعم

فَحلف بِاللَّه الْعَظِيم إِلَى آخِره فَقَالَ أحلفه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا أرَاهُ فَقَالَ لَهُ حلفه فَقَالَ لَهُ قل بَرِئت من حول الله وقوته والتجأت إِلَى حَولي وقوتي لقد فعل جَعْفَر كَذَا وَكَذَا وَقَالَ كَذَا وَكَذَا فَامْتنعَ الرجل ثمَّ حلف فَمَا تمّ حَتَّى مَاتَ مَكَانَهُ

فَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ لجَعْفَر لَا بَأْس عَلَيْك أَنْت المبرأ الساحة الْمَأْمُون الغائلة ثمَّ انْصَرف فَلحقه الرّبيع بجائزة حَسَنَة وَكِسْوَة سنية وللحكاية تَتِمَّة

وَوَقع نَظِير هَذِه الْحِكَايَة ليحيى بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بِأَن شخصا زبيريا سعى بِهِ للرشيد فَطلب تَحْلِيفه فتلعثم فزبره الرشيد فَتَوَلّى يحيى تَحْلِيفه بذلك فَمَا أتم يَمِينه حَتَّى اضْطربَ وَسقط لجنبه فَأخذُوا بِرجلِهِ وَهلك فَسَأَلَ الرشيد يحيى عَن سر ذَلِك فَقَالَ تمجيد الله فِي الْيَمين يمْنَع المعاجلة بالعقوبة

وَذكر المَسْعُودِيّ أَن هَذِه الْقِصَّة كَانَت مَعَ أخي يحيى هَذَا الملقب بمُوسَى الجون وَأَن الزبيرى سعى بِهِ للرشيد فطال الْكَلَام بَينهمَا ثمَّ طلب مُوسَى

ص: 587

تَحْلِيفه فحلفه بِنَحْوِ مَا مر فَلَمَّا حلف قَالَ مُوسَى الله أكبر حَدثنِي أبي عَن جدي عَن أَبِيه عَن جده عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَا حلف أحد بِهَذِهِ الْيمن أَي وَهِي تقلدت الْحول وَالْقُوَّة دون حول الله وقوته إِلَى حَولي وقوتي مَا فعلت كَذَا وَهُوَ كَاذِب إِلَّا عجل الله لَهُ الْعقُوبَة قبل ثَلَاث) وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت فَوكل عَليّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن مَضَت ثَلَاث وَلم يحدث بالزبيري حَادث فدمي لَك حَلَال

فَوكل بِهِ

فَلم يمض عصر ذَلِك الْيَوْم حَتَّى أصَاب الزبيرِي جذام فتورم حَتَّى صَار كالزق فَمَا مضى إِلَّا قَلِيل وَقد توفّي وَلما أنزل فِي قَبره انخسف قَبره وَخرجت رَائِحَة مفرطة النتن فطرحت فِيهِ أحمال الشوك فانخسف ثَانِيًا فَأخْبر الرشيد بذلك فَزَاد تعجبه ثمَّ أَمر لمُوسَى بِأَلف دِينَار وَسَأَلَهُ عَن سر تِلْكَ الْيَمين فروى لَهُ حَدِيثا عَن جده عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (مَا من أحد يحلف بِيَمِين مجد الله فِيهَا إِلَّا استحيا من عُقُوبَته وَمَا من أحد حلف بِيَمِين كَاذِبَة نَازع الله فِيهَا حوله وقوته إِلَّا عجل الله لَهُ الْعقُوبَة قبل ثَلَاث)

وَقتل بعض الطغاة مَوْلَاهُ فَلم يزل ليلته يُصَلِّي ثمَّ دَعَا عَلَيْهِ عِنْد السحر فَسمِعت الْأَصْوَات بِمَوْتِهِ

وَلما بلغه قَول الحكم بن الْعَبَّاس الْكَلْبِيّ فِي عَمه زيد

(صلبنا لكم زيدا على جذع نَخْلَة

وَلم نر مهديا على الْجذع يصلب)

قَالَ اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك فافترسه الْأسد

وَمن مكاشفاته أَن ابْن عَمه عبد الله الْمَحْض كَانَ شيخ بني هَاشم وَهُوَ

ص: 588

وَالِد مُحَمَّد الملقب بِالنَّفسِ الزكية فَفِي آخر دولة بني أُميَّة وضعفهم أَرَادَ بَنو هَاشم مبايعة مُحَمَّد وأخيه وَأَرْسلُوا لجَعْفَر ليبايعهما فَامْتنعَ فاتهم أَنه يحسدهما فَقَالَ وَالله لَيست لي وَلَا لَهما إِنَّهَا لصَاحب القباء الْأَصْفَر ليلعبن بهَا صبيانهم وغلمانهم

وَكَانَ الْمَنْصُور العباسي يَوْمئِذٍ حَاضرا وَعَلِيهِ قبَاء أصفر فَمَا زَالَت كلمة جَعْفَر تعْمل فِيهِ حَتَّى ملكوا

وَسبق جعفرا إِلَى ذَلِك وَالِده الباقر فَإِنَّهُ أخبر الْمَنْصُور بِملك الأَرْض شرقها وغربها وَطول مدَّته فَقَالَ لَهُ وملكنا قبل ملككم قَالَ نعم

قَالَ وَيملك أحد من وَلَدي قَالَ نعم

قَالَ فمدة بني أُميَّة أطول أم مدتنا قَالَ مدتكم وليلعبن بِهَذَا الْملك صِبْيَانكُمْ كَمَا يلْعَب بالكرة هَذَا مَا عهد إِلَيّ أبي فَلَمَّا أفضت الْخلَافَة للمنصور بِملك الأَرْض تعجب من قَول الباقر

وَأخرج أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن وهب قَالَ سَمِعت اللَّيْث ابْن سعد يَقُول حججْت سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة فَلَمَّا صليت الْعَصْر فِي الْمَسْجِد رقيت أَبَا قبيس فَإِذا رجل جَالس يَدْعُو فَيَقُول يَا رب يَا رب حَتَّى انْقَطع نَفسه ثمَّ قَالَ يَا حَيّ يَا حَيّ حَتَّى انْقَطع نَفسه ثمَّ قَالَ إلهي إِنِّي أشتهي الْعِنَب فأطعمنيه اللَّهُمَّ وَإِن برداي قد خلقا فاكسني

قَالَ اللَّيْث فوَاللَّه مَا استتم كَلَامه حَتَّى نظرت إِلَى سلة مَمْلُوءَة عنبا وَلَيْسَ على الأَرْض يَوْمئِذٍ عِنَب وَإِذا بردَان موضوعان لم أر مثلهمَا فِي الدُّنْيَا فَأَرَادَ أَن يَأْكُل فَقلت أَنا شريكك فَقَالَ وَلم فَقلت لِأَنَّك دَعَوْت وَكنت أُؤْمِن فَقَالَ تقدم وكل

فتقدمت وأكلت

ص: 589

عنبا لم آكل مثله قطّ مَا كَانَ لَهُ عجم فأكلنا حَتَّى شبعنا وَلم تَتَغَيَّر السلَّة فَقَالَ لَا تدخر وَلَا تخبىء مِنْهُ شَيْئا ثمَّ أَخذ أحد البردين وَدفع إِلَيّ الآخر فَقلت أَنا لي غنى عَنهُ فائتزر بِأَحَدِهِمَا وارتدى بِالْآخرِ ثمَّ أَخذ برديه الخلقين فَنزل وهما بِيَدِهِ فَلَقِيَهُ رجل بالمسعى فَقَالَ لَهُ اكسني يَا ابْن رَسُول الله مِمَّا كساك الله فإنني عُرْيَان فدفعهما إِلَيْهِ فَقلت من هَذَا قَالَ جَعْفَر الصَّادِق فطلبته بعد ذَلِك لأسْمع مِنْهُ شَيْئا فَلم أقدر عَلَيْهِ

انْتهى

توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة مسموما أَيْضا على مَا حُكيَ وعمره ثَمَان وَسِتُّونَ سنة وَدفن بالقبة السَّابِقَة عِنْد أَهله عَن سِتَّة ذُكُور وَبنت

مِنْهُم

مُوسَى الكاظم وَهُوَ وَارثه علما وَمَعْرِفَة وكمالا وفضلا سمي الكاظم لِكَثْرَة تجاوزه وحلمه وَكَانَ مَعْرُوفا عِنْد أهل الْعرَاق بِبَاب قَضَاء الْحَوَائِج عِنْد الله وَكَانَ أعبد أهل زَمَانه وأعلمهم وأسخاهم

وَسَأَلَهُ الرشيد كَيفَ قُلْتُمْ إِنَّا ذُرِّيَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُم أَبنَاء عَليّ فَتلا {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان} إِلَى أَن قَالَ {وَعِيسَى} الْأَنْعَام 84 وَلَيْسَ لَهُ أَب وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى فَمن حاجك فِيهِ من بَعْدَمَا جَاءَك من الْعلم فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم آل عمرَان 61 الْآيَة وَلم يدع النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد مباهلته النَّصَارَى غير عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن رضي الله عنهم فَكَانَ الْحسن وَالْحُسَيْن هما الْأَبْنَاء

ص: 590

وَمن بديع كراماته ماحكاه ابْن الْجَوْزِيّ والرامهرمزي وَغَيرهمَا عَن شَقِيق الْبَلْخِي أَنه خرج حَاجا سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة فَرَآهُ بالقادسية مُنْفَردا عَن النَّاس فَقَالَ فِي نَفسه هَذَا فَتى من الصُّوفِيَّة يُرِيد أَن يكون كلا على النَّاس لأمضين إِلَيْهِ ولأوبخنه فَمضى إِلَيْهِ فَقَالَ يَا شَقِيق اجتنبوا كثيرا من الظَّن إِن بعد الظَّن إِثْم الحجرات 12 الْآيَة فَأَرَادَ أَن يحالله فَغَاب عَن عَيْنَيْهِ فَمَا رَآهُ إِلَّا بواقصة يُصَلِّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر فجَاء إِلَيْهِ ليعتذر فَخفف فِي صلَاته وَقَالَ {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن} طه 28 الْآيَة فَلَمَّا نزلُوا زبالة رَآهُ على بِئْر فَسَقَطت ركوته فِيهَا فَدَعَا فطغى المَاء لَهُ حَتَّى أَخذهَا فَتَوَضَّأ وَصلى أَربع رَكْعَات ثمَّ مَال إِلَى كثيب رمل فَطرح مِنْهَا فِيهَا وَشرب فَقَالَ لَهُ أَطْعمنِي من فضل مَا رزقك الله تَعَالَى

فَقَالَ يَا شَقِيق لم تزل نعم الله علينا ظَاهِرَة وباطنة فَأحْسن ظَنك بِرَبِّك فناولنيها فَشَرِبت مِنْهَا فَإِذا سويق وسكر مَا شربت وَالله ألذ مِنْهُ وَلَا أطيب ريحًا فشبعت وَرويت وأقمت أَيَّامًا لَا أشتهي شرابًا وَلَا طَعَاما ثمَّ لم أره إِلَّا بِمَكَّة وَهُوَ بغلمان وغاشية وَأُمُور على خلاف مَا كَانَ عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ

وَلما حج الرشيد سعي بِهِ إِلَيْهِ وَقيل لَهُ إِن الْأَمْوَال تحمل إِلَيْهِ من كل جَانب حَتَّى اشْترى ضَيْعَة بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَقبض عَلَيْهِ وأنفذه لأميره بِالْبَصْرَةِ عِيسَى بن

ص: 591

جَعْفَر بن مَنْصُور فحبسه سنة ثمَّ كتب لَهُ الرشيد فِي دَمه فاستعفى وَأخْبر أَنه لم يدع على الرشيد وَأَنه إِن لم يُرْسل من يتسلمه وَإِلَّا خلى سَبيله فَبلغ الرشيد كِتَابه فَكتب للسندي بن شاهك بتسلمه وَأمره فِيهِ بِأَمْر فَجعل لَهُ سما فِي طَعَامه وَقيل فِي رطب فتوعك وَمَات بعد ثَلَاثَة أَيَّام وعمره خمس وَسِتُّونَ سنة

وَذكره المَسْعُودِيّ أَن الرشيد رأى عليا فِي النّوم مَعَه حَرْبَة وَهُوَ يَقُول إِن لم تخل عَن الكاظم وَإِلَّا نحرتك بِهَذِهِ

فَاسْتَيْقَظَ فَزعًا وَأرْسل فِي الْحَال وَالِي شرطته إِلَيْهِ بِإِطْلَاقِهِ وَأَن يدْفع لَهُ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَأَنه يخيره بَين الْمقَام فيكرمه أَو الذّهاب إِلَى الْمَدِينَة وَلما ذهب إِلَيْهِ قَالَ لَهُ رَأَيْت مِنْك عجبا وَأخْبرهُ أَنه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعلمه كَلِمَات قَالَهَا فَمَا فرغ مِنْهَا إِلَّا وَأطلق

قيل وَكَانَ مُوسَى الْهَادِي حَبسه أَولا ثمَّ أطلقهُ لِأَنَّهُ رأى عليا رضي الله عنه يَقُول {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم} مُحَمَّد 22 فانتبه وَعرف أَنه المُرَاد فَأَطْلقهُ لَيْلًا

قَالَ لَهُ الرشيد حِين رَآهُ جَالِسا عِنْد الْكَعْبَة أَنْت الَّذِي تبايعك النَّاس سرا فَقَالَ أَنا إِمَام الْقُلُوب وَأَنت إِمَام الجسوم

ص: 592

وَلما اجْتمعَا أَمَام الْوَجْه الشريف على صَاحبه أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ الرشيد السَّلَام عَلَيْك يَا ابْن عَم

مسمعا من حوله فَقَالَ الكاظم السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَت

فَلم يحتملها وَكَانَت سَببا لإمساكه لَهُ وَحمله مَعَه إِلَى بَغْدَاد وحبسه فَلم يخرج من حَبسه إِلَّا مَيتا مُقَيّدا وَدفن جَانب بَغْدَاد الغربي

وَظَاهر هَذِه الحكايات التَّنَافِي إِلَّا أَن يحمل على تعدد الْحَبْس وَكَانَت أَوْلَاده حِين وَفَاته سَبْعَة وَثَلَاثِينَ ذكرا وَأُنْثَى مِنْهُم

عَليّ الرضى وَهُوَ أنبههم ذكرا وأجهلم قدرا وَمن ثمَّ أحله الْمَأْمُون مَحل مهجته وأشركه فِي مَمْلَكَته وفوض إِلَيْهِ أَمر خِلَافَته فَإِنَّهُ كتب بِيَدِهِ كتابا سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ بِأَن عليا الرضى ولي عَهده وَأشْهد عَلَيْهِ جمعا كثيرين

لكنه توفّي قبله فأسف عَلَيْهِ كثيرا

وَأخْبر قبل مَوته بِأَنَّهُ يَأْكُل عنبا ورمانا مبثوثا وَيَمُوت وَأَن الْمَأْمُون يُرِيد دَفنه خلف الرشيد فَلم يسْتَطع فَكَانَ ذَلِك كُله كَمَا أخبر بِهِ

وَمن موَالِيه مَعْرُوف الْكَرْخِي أستاذ السّري السَّقطِي لِأَنَّهُ أسلم

ص: 593

على يَدَيْهِ

وَقَالَ لرجل يَا عبد الله ارْض بِمَا يُرِيد واستعد لما لَا بُد مِنْهُ فَمَاتَ الرجل بعد ثَلَاثَة أَيَّام

رَوَاهُ الْحَاكِم

وروى الْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن عِيسَى عَن أبي حبيب قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام فِي الْمنزل الَّذِي ينزل الْحجَّاج ببلدنا فَسلمت عَلَيْهِ فَوجدت عِنْده طبقًا من خوص الْمَدِينَة فِيهِ تمر صيحاني فناولني مِنْهُ ثَمَانِي عشرَة فتألوت أَن أعيش عدتهَا فَلَمَّا كَانَ بعد عشْرين يَوْمًا قدم أَبُو الْحسن عَليّ الرِّضَا من الْمَدِينَة وَنزل ذَلِك الْمَسْجِد وهرع النَّاس بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ فمضيت نَحوه فَإِذا هُوَ جَالس فِي الْموضع الَّذِي رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم جَالِسا فِيهِ وَبَين يَدَيْهِ طبق من خوص الْمَدِينَة فِيهِ تمر صيحاني فَسلمت عَلَيْهِ فاستدناني وناولني قَبْضَة من ذَلِك التَّمْر فَإِذا عدتهَا بِعَدَد مَا ناولني النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النّوم فَقلت زِدْنِي فَقَالَ لَو زادك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لزدناك

وَلما دخل نيسابور كَمَا فِي تاريخها وشق سوقها وَعَلِيهِ مظلة لَا يرى من وَرَائِهَا تعرض لَهُ الحافظان أَو زرْعَة الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن أسلم الطوسي ومعهما من طلبة الْعلم والْحَدِيث مَا لَا يُحْصى فتضرعا إِلَيْهِ أَن يُرِيهم وَجهه ويروي لَهُم حَدِيثا عَن آبَائِهِ فاستوقف البغلة وَأمر غلمانه بكف المظلة وَأقر عُيُون تِلْكَ الْخَلَائق بِرُؤْيَة طلعته الْمُبَارَكَة فَكَانَت لَهُ ذؤابتان مدليتان على عَاتِقه وَالنَّاس بَين

ص: 594

صارخ وَبَاكٍ ومتمرغ فِي التُّرَاب ومقبل لحافر بغلته فصاحت الْعلمَاء معاشر النَّاس أَنْصتُوا فأنصتوا واستملى مِنْهُ الحافظان الْمَذْكُورَان فَقَالَ حَدثنِي أبي مُوسَى الكاظم عَن أَبِيه جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر عَن أَبِيه زين العابدين عَن أَبِيه الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهم قَالَ حَدثنِي حَبِيبِي وقرة عَيْني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (حَدثنِي جِبْرِيل قَالَ سَمِعت رب الْعِزَّة يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله حصني فَمن قَالَهَا دخل حصني وَمن دخل حصني أَمن من عَذَابي)

ثمَّ أرْخى السّتْر وَسَار فعد أهل المحابر والدوى الَّذين كَانُوا يَكْتُبُونَ فأنافوا على عشْرين ألفا

وَفِي رِوَايَة أَن الحَدِيث الْمَرْوِيّ (الْإِيمَان معرفَة بِالْقَلْبِ وَإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَعمل بالأركان)

وَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ قَالَ أَحْمد لَو قَرَأت هَذَا الْإِسْنَاد على مَجْنُون لبرىء من جنته

وَنقل بعض الْحفاظ أَن امْرَأَة زعمت أَنَّهَا شريفة بِحَضْرَة المتَوَكل فَسَأَلَ عَمَّن يُخبرهُ بذلك فَدلَّ على عَليّ الرضى فجَاء فأجلسه مَعَه على السرير وَسَأَلَهُ فَقَالَ إِن الله حرم لحم أَوْلَاد الْحُسَيْن على السبَاع فلتلق للسباع فَعرض عَلَيْهَا بذلك فَاعْترفت بكذبها ثمَّ قيل للمتوكل أَلا تجرب ذَلِك فِيهِ فَأمر بِثَلَاثَة من السبَاع فجيء بهَا فِي صحن قصره ثمَّ دَعَاهُ فَلَمَّا دخل بَابه

ص: 595

أغلق عَلَيْهِ وَالسِّبَاع قد أصمت الأسماع من زئيرها فَلَمَّا مَشى فِي الصحن يُرِيد الدرجَة مشت إِلَيْهِ وَقد سكنت وتمسحت بِهِ ودارت حوله وَهُوَ يمسحها بكمه ثمَّ ربضت فَصَعدَ للمتوكل وتحدث مَعَه سَاعَة ثمَّ نزل فَفعلت مَعَه كفعلها الأول حَتَّى خرج فَأتبعهُ المتَوَكل بجائزة عَظِيمَة فَقيل للمتوكل افْعَل كَمَا فعل ابْن عمك فَلم يَجْسُر عَلَيْهِ وَقَالَ أتريدون قَتْلِي ثمَّ أَمرهم أَن لَا يفشوا ذَلِك

وَنقل السعودي أَن صَاحب هَذِه الْقِصَّة هُوَ ابْن ابْن عَليّ الرضى هُوَ عَليّ العسكري وَصوب لِأَن الرضى توفّي فِي خلَافَة الْمَأْمُون اتِّفَاقًا وَلم يدْرك المتَوَكل

وَتُوفِّي رضي الله عنه وعمره خمس وَخَمْسُونَ سنة عَن خَمْسَة ذُكُور وَبنت أَجلهم

مُحَمَّد الْجواد لكنه لم تطل حَيَاته

وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَنه بعد موت أَبِيه بِسنة وَاقِف وَالصبيان يَلْعَبُونَ فِي أَزِقَّة بَغْدَاد إِذْ مر الْمَأْمُون فَفرُّوا ووقف مُحَمَّد وعمره تسع سِنِين فَألْقى الله مجبته فِي قلبه فَقَالَ لَهُ يَا غُلَام مَا مَنعك من الِانْصِرَاف فَقَالَ لَهُ مسرعا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم يكن بِالطَّرِيقِ ضيق فأوسعه لَك وَلَيْسَ لي جرم فأخشاك وَالظَّن بك حسن

ص: 596

أَنَّك لَا تضر من لَا ذَنْب لَهُ

فأعجبه كَلَامه وَحسن صورته فَقَالَ لَهُ مَا اسْمك وَاسم أَبِيك فَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ الرضى

فترحم على أَبِيه وسَاق جَوَاده

وَكَانَ مَعَه بزاة للصَّيْد فَلَمَّا بعد عَن الْعمار أرسل بازه على دراجة فَغَاب عَنهُ ثمَّ عَاد من الجو فِي منقاره سَمَكَة صَغِيرَة وَبهَا بَقَاء الْحَيَاة فتعجب من ذَلِك غَايَة الْعجب وَرجع فَرَأى الصّبيان على حَالهم وَمُحَمّد عِنْدهم فَفرُّوا إِلَّا مُحَمَّدًا فَدَنَا مِنْهُ وَقَالَ لَهُ مَا فِي يَدي فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله تَعَالَى خلق فِي بَحر قدرته سمكًا صغَارًا يصيدها بازات الْمُلُوك وَالْخُلَفَاء فيختبر بهَا سلالة أهل بَيت الْمُصْطَفى

فَقَالَ لَهُ أَنْت ابْن الرضى حَقًا وَأَخذه مَعَه وَأحسن إِلَيْهِ وَبَالغ فِي إكرامه فَلم يزل مشفقا بِهِ لما ظهر لَهُ بعد ذَلِك من فَضله وَعلمه وَكَمَال عَظمته وَظُهُور برهانه مَعَ صغر سنه وعزم على تَزْوِيجه بابنته أم الْفضل وصمم على ذَلِك فَمَنعه العباسيون من ذَلِك خوفًا من أَن يعْهَد إِلَيْهِ كَمَا عهد إِلَى أَبِيه فَلَمَّا ذكر لَهُم أَنه إِنَّمَا اخْتَارَهُ لتميزه على كَافَّة أهل الْفضل علما وَمَعْرِفَة وحلما مَعَ صغر سنه فنازعوا فِي اتصاف مُحَمَّد بذلك ثمَّ تواعدوا على أَن يرسلوا إِلَيْهِ من يختبره فأرسلوا إِلَيْهِ يحيى بن أَكْثَم ووعدوه بِشَيْء كثير إِن قطع لَهُم مُحَمَّدًا فَحَضَرُوا للخليفة وَمَعَهُمْ ابْن أَكْثَم وخواص الدولة فَأمر الْمَأْمُون بفرش حسن لمُحَمد فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ يحيى مسَائِل أَجَابَهُ عَنْهَا بِأَحْسَن جَوَاب وأوضحه فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة أَحْسَنت أَبَا جَعْفَر فَإِن أردْت أَن تسْأَل يحيى وَلَو مَسْأَلَة وَاحِدَة فَقَالَ لَهُ مَا تَقول فِي رجل نظر إِلَى امْرَأَة أول النَّهَار حَرَامًا ثمَّ حلت لَهُ ارتفاعه ثمَّ حرمت عَلَيْهِ عِنْد الظّهْر ثمَّ حلت لَهُ عِنْد الْعَصْر ثمَّ حرمت عَلَيْهِ الْمغرب ثمَّ حلت لَهُ الْعشَاء ثمَّ حرمت عَلَيْهِ نصف اللَّيْل ثمَّ حلت لَهُ الْفجْر فَقَالَ يحيى لَا أَدْرِي

فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد هِيَ أمة نظرها أَجْنَبِي

ص: 597

بِشَهْوَة وَهِي حرَام ثمَّ اشْتَرَاهَا ارْتِفَاع النَّهَار فَأعْتقهَا الظّهْر وَتَزَوجهَا الْعَصْر وَظَاهر مِنْهَا الْمغرب وَكفر الْعشَاء وَطَلقهَا رَجْعِيًا نصف اللَّيْل وراجعها الْفجْر

فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ الْمَأْمُون للعباسيين قد عَرَفْتُمْ مَا كُنْتُم تنكرون

ثمَّ زوجه فِي ذَلِك الْمجْلس بنته أم الْفضل ثمَّ توجه بهَا إِلَى الْمَدِينَة فَأرْسلت تَشْتَكِي مِنْهُ لأَبِيهَا أَنه تسرى عَلَيْهَا فَأرْسل إِلَيْهَا أَبوهَا إِنَّا لم نُزَوِّجك لَهُ لنحرم عَلَيْهِ حَلَالا فَلَا تعودي لمثله ثمَّ قدم بهَا بِطَلَب من المعتصم لليلتين بَقِيَتَا من الْمحرم سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي فِيهَا فِي آخر ذِي الْقعدَة وَدفن فِي مَقَابِر قُرَيْش فِي ظهر جده الكاظم وعمره خمس وَعِشْرُونَ سنة وَيُقَال إِنَّه سم أَيْضا عَن ذكرين وبنتين أَجلهم

عَليّ العسكري سمي بذلك لِأَنَّهُ لما وَجه لإشخاصه من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة إِلَى سر من رأى وَأَسْكَنَهُ بهَا وَكَانَت تسمى الْعَسْكَر فَعرف بالعسكري وَكَانَ وَارِث أَبِيه علما وسخاء وَمن ثمَّ جَاءَهُ أَعْرَابِي من أَعْرَاب الْكُوفَة وَقَالَ إِنِّي من المتمسكين بولاء جدك وَقد ركبني دين أثقلني حمله وَلم أقصد لقضائه سواك

فَقَالَ كم دينك قَالَ عشرَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ طب نفسا بِقَضَائِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ كتب لَهُ ورقة فِيهَا ذَلِك الْمبلغ دينا عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ ائْتِنِي بِهِ فِي الْمجْلس الْعَام وطالبني بهَا وَأَغْلظ عَليّ فِي الطّلب فَفعل فاستمهله ثَلَاثَة أَيَّام فَبلغ ذَلِك المتَوَكل فَأمر لَهُ بِثَلَاثِينَ ألفا فَلَمَّا وصلته أَعْطَاهَا الْأَعرَابِي

ص: 598

فَقَالَ يَا ابْن رَسُول الله إِن الْعشْرَة آلَاف أَقْْضِي بهَا أربي

فَأبى أَن يسْتَردّ مِنْهُ من الثَّلَاثِينَ ألف شَيْئا فولى الْأَعرَابِي وَهُوَ يَقُول الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته

وَمر أَن الصَّوَاب فِي قصَّة السبَاع الْوَاقِعَة من المتَوَكل أَنه هُوَ الممتحن بهَا وَأَنَّهَا لم تقربه بل خضعت واطمأنت لما رَأَتْهُ وَيُوَافِقهُ مَا حَكَاهُ المَسْعُودِيّ وَغَيره أَن يحيى بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط لما هرب إِلَى الديلم ثمَّ أُتِي بِهِ إِلَى الرشيد وَأمر بقتْله ألقِي فِي بركَة فِيهَا سِبَاع قد جوعت فَأَمْسَكت عَن أكله ولاذت بجانبه وهابت الدنو مِنْهُ فَبنِي عَلَيْهِ ركن بالجص وَالْحجر وَهُوَ حَيّ

توفّي رضي الله عنه بسر من رأى فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَدفن بداره وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَكَانَ المتَوَكل أشخصه من الْمَدِينَة إِلَيْهَا سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن قضى عَن أَرْبَعَة ذُكُور وَأُنْثَى أَجلهم

أَبُو مُحَمَّد الْحسن الْخَالِص وَجعل ابْن خلكان هَذَا هُوَ العسكري

ص: 599

ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَوَقع لبهلول مَعَه أَنه رَآهُ وَهُوَ صبي يبكي وَالصبيان يَلْعَبُونَ فَظن أَنه يتحسر على مَا فِي أَيْديهم فَقَالَ اشْترِي لَك مَا تلعب بِهِ فَقَالَ يَا قَلِيل الْعقل مَا للعب خلقنَا

فَقَالَ لَهُ فلماذا خلقنَا قَالَ للْعلم وَالْعِبَادَة

فَقَالَ لَهُ من أَيْن لَك ذَلِك قَالَ من قَول الله عز وجل {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} الْمُؤْمِنُونَ 115 ثمَّ سَأَلَهُ أَن يعظه فوعظه بِأَبْيَات ثمَّ خر الْحسن مغشيا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ لَهُ مَا نزل بك وَأَنت صَغِير لَا ذَنْب لَك فَقَالَ إِلَيْك عني يَا بهْلُول إِنِّي رَأَيْت والدتي توقد النَّار بالحطب الْكِبَار فَلَا تتقد إِلَّا بالصغار وَإِنِّي أخْشَى أَن أكون من صغَار حطب نَار جَهَنَّم

وَلما حبس قحط النَّاس بسر من رأى قحطا شَدِيدا فَأمر الْخَلِيفَة الْمُعْتَمد ابْن المتَوَكل بِالْخرُوجِ للاستسقاء ثَلَاثَة أَيَّام فَلم يسقوا فَخرج النَّصَارَى وَمَعَهُمْ رَاهِب كلما مد يَده إِلَى السَّمَاء هطلت ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّانِي كَذَلِك فَشك بعض الجهلة وارتد بَعضهم فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة فَأمر بإحضار الْحسن الْخَالِص وَقَالَ لَهُ أدْرك أمة جدك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل أَن يهْلكُوا فَقَالَ الْحسن يخرجُون غَدا وَأَنا أزيل الشَّك إِن شَاءَ الله وكلم الْخَلِيفَة فِي إِطْلَاق أَصْحَابه من السجْن فَأَطْلَقَهُمْ فَلَمَّا خرج النَّاس للاستسقاء وَرفع الراهب يَده مَعَ النَّصَارَى غيمت السَّمَاء فَأمر الْحسن بِالْقَبْضِ على يَده فَإِذا فِيهَا عظم آدَمِيّ فَأَخذه من يَده وَقَالَ استسق فَرفع يَده فَزَالَ الْغَيْم وطلعت الشَّمْس فَعجب النَّاس من ذَلِك فَقَالَ الْخَلِيفَة لِلْحسنِ مَا هَذَا يَا أَبَا مُحَمَّد فَقَالَ هَذَا عظم نَبِي ظفر بِهِ هَذَا الراهب من بعض الْقُبُور وَمَا كشف من عظم نَبِي تَحت السَّمَاء إِلَّا هطلت بالمطر فامتحنوا ذَلِك

ص: 600

الْعظم فَكَانَ كَمَا قَالَ وزالت الشُّبْهَة عَن النَّاس

وَرجع الْحسن إِلَى دَاره

وَأقَام عَزِيزًا مكرما وصلات الْخَلِيفَة تصل إِلَيْهِ كل وَقت إِلَى أَن مَاتَ بسر من رأى وَدفن عِنْد أَبِيه وَعَمه وعمره ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ سنة وَيُقَال إِنَّه سم أَيْضا

وَلم يخلف غير وَلَده

أبي الْقَاسِم مُحَمَّد الْحجَّة وعمره عِنْد وَفَاة أَبِيه خمس سِنِين لَكِن آتَاهُ الله فِيهَا الْحِكْمَة وَيُسمى الْقَائِم المنتظر

قيل لِأَنَّهُ ستر بِالْمَدِينَةِ وَغَابَ فَلم يعرف أَيْن ذهب

وَمر فِي الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة قَول الرافضة فِيهِ أَن الْمهْدي وأوردت ذَلِك مَبْسُوطا فَرَاجعه فَإِنَّهُ مُهِمّ

ص: 601