المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم - الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول فِي إِسْلَامه وهجرته وَغَيرهمَا

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه وكرم الله وَجهه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي ثَنَاء الصَّحَابَة وَالسَّلَف عَلَيْهِ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي نبذ من كَلِمَاته وقضاياه الدَّالَّة على علو قدره علما وَحِكْمَة وزهدا وَمَعْرِفَة بِاللَّه تَعَالَى

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي وَفَاته رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الأول فِي خِلَافَته

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي بعض مآثره

- ‌الْفَصْل الأول فِي الْآيَات الْوَارِدَة فيهم

- ‌الْمَقْصد الأول فِي تَفْسِيرهَا

- ‌الْمَقْصد الثَّانِي فِيمَا تضمنته تِلْكَ الْآيَة من طلب محبَّة آله صلى الله عليه وسلم وَأَن ذَلِك من كَمَال الْإِيمَان

- ‌الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا أشارت إِلَيْهِ من التحذير من بغضهم

- ‌الْمَقْصد الرَّابِع مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة الْحَث على صلتهم وَإِدْخَال السرُور عَلَيْهِم

- ‌الْمَقْصد الْخَامِس مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة من توقيرهم وتعظيمهم وَالثنَاء عَلَيْهِم

- ‌خَاتِمَة فِيمَا أخبر بِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا حصل على آله وَمِمَّا أصَاب مسيئهم من الانتقام الشَّديد

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي سرد أَحَادِيث وَارِدَة فِي أهل الْبَيْت وَمر أَكثر هَذَا فِي الْفَصْل الأول وَلَكِن قصدت سردها فِي هَذَا الْفَصْل ليَكُون ذَلِك أسْرع لاستحضارها

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي بعض أهل الْبَيْت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم

- ‌الخاتمة فِي بَيَان اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَفِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي وَفِي حقية خلَافَة مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن لَهُ عَن الْخلَافَة وَفِي بَيَان اخْتلَافهمْ فِي كفر وَلَده يزِيد وَفِي جَوَاز لَعنه وَفِي تَوَابِع وتتمات تتَعَلَّق بذلك

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتقاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌تَتِمَّة

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌بَاب مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِم تبعا للصَّلَاة على مشرفهم صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب بشارتهم الْجنَّة

- ‌بَاب الْأمان ببقائهم

- ‌بَاب النحذير من بغضهم وسبهم

- ‌خَاتِمَة فِي أُمُور مهمة

- ‌بَاب فِي التَّخْيِير وَالْخلاف

الفصل: ‌الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم

‌الْفَصْل الأول فِي الْآيَات الْوَارِدَة فيهم

الْآيَة الأولى قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 33

أَكثر الْمُفَسّرين على أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن لتذكير ضمير عَنْكُم وَمَا بعده

وَقيل نزلت فِي نِسَائِهِ صلى الله عليه وسلم لقَوْله {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن} الْأَحْزَاب 34 وَنسب لِابْنِ عَبَّاس وَمن ثمَّ كَانَ مَوْلَاهُ عِكْرِمَة يُنَادي بِهِ فِي السُّوق

وَقيل المُرَاد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَحده وَقَالَ آخَرُونَ نزلت فِي نِسَائِهِ لأَنهم فِي بَيت سكناهُ وَلقَوْله تَعَالَى {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن} وَأهل بَيته نِسْبَة وهم من تحرم الصَّدَقَة عَلَيْهِم

وَاعْتَمدهُ جمع ورجحوه وأيده ابْن كثير بأنهن سَبَب النُّزُول وَهُوَ دَاخل قطعا إِمَّا وَحده على قَوْله أَو مَعَ غَيره على الْأَصَح

وَورد فِي ذَلِك أَحَادِيث مِنْهَا مَا يصلح متمسكا للْأولِ وَمِنْهَا مَا يصلح متمسكا للْآخر وَهُوَ أَكْثَرهَا فَلِذَا كَانَ هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا تقرر

ولنذكر من تِلْكَ الْأَحَادِيث جملَة فَنَقُول أخرج أَحْمد عَن أبي سعيد

ص: 421

الْخُدْرِيّ أَنَّهَا نزلت فِي خَمْسَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن

وَأخرجه ابْن جرير مَرْفُوعا بِلَفْظ (أنزلت هَذِه الْآيَة فِي خَمْسَة فِي وَفِي عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة)

وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا

وَلمُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم أَدخل أُولَئِكَ تَحت كسَاء عَلَيْهِ وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة

وَصَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم جعل على هَؤُلَاءِ كسَاء وَقَالَ (اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وحامتي أَي خاصتي أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا) فَقَالَت أم سَلمَة وَأَنا مَعَهم قَالَ (إِنَّك على خير)

وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ بعد تَطْهِيرا (أَنا حَرْب لمن حاربهم وَسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم)

وَفِي أُخْرَى ألْقى عَلَيْهِم كسَاء وَوضع يَده عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إِن هَؤُلَاءِ

ص: 422

آل مُحَمَّد فَاجْعَلْ صلواتك وبركاتك على آل مُحَمَّد إِنَّك حميد مجيد)

وَفِي أُخْرَى أَن الْآيَة نزلت بِبَيْت أم سَلمَة فَأرْسل صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم وجللهم بكساء ثمَّ قَالَ نَحْو مَا مر وَفِي أُخْرَى أَنهم جَاءُوا واجتمعوا فَنزلت فَإِن صحتا حمل على نُزُولهَا مرَّتَيْنِ

وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَ (اللَّهُمَّ أَهلِي اذْهَبْ عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا) ثَلَاثًا وَأَن أم سَلمَة قَالَت لَهُ أَلَسْت من أهلك قَالَ بلَى وَأَنه أدخلها فِي الكساء بَعْدَمَا قضى دعاءه لَهُم

وَفِي أُخْرَى أَنه لما جمعهم ودعا لَهُم بأطول مِمَّا مر قَالَ وَاثِلَة وَعلي يَا رَسُول الله فَقَالَ (اللَّهُمَّ وعَلى وَاثِلَة)

وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة قَالَ وَاثِلَة وَأَنا من أهلك قَالَ وَأَنت من أَهلِي قَالَ وَاثِلَة إِنَّهَا لمن أَرْجَى مَا أَرْجُو

ص: 423

قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَكَأَنَّهُ جعله فِي حكم الْأَهْل تَشْبِيها بِمن يسْتَحق هَذَا الِاسْم لَا تَحْقِيقا

وَأَشَارَ الْمُحب الطبرى إِلَى أَن هَذَا الْفِعْل تكَرر مِنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي بَيت أم سَلمَة وَبَيت فَاطِمَة وَغَيرهمَا وَبِه جمع بَين اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِي هَيْئَة اجْتِمَاعهم وَمَا جللهم بِهِ وَمَا دَعَا بِهِ لَهُم وَمَا أجَاب بِهِ وَاثِلَة وَأم سَلمَة وَيُؤَيّد ذَلِك رِوَايَة أَنه قَالَ نَحْو ذَلِك لهَؤُلَاء وهم فِي بَيت فَاطِمَة وَفِي رِوَايَة أَنه ضم إِلَى هَؤُلَاءِ بَقِيَّة بَنَاته وأقاربه وأزواجه وَصَحَّ عَن أم سَلمَة فَقلت يَا رَسُول الله أما أَنا من أهل بَيْتك فَقَالَ بلَى إِن شَاءَ الله

وَذهب الثَّعْلَبِيّ إِلَى أَن المُرَاد من أهل الْبَيْت فِي الْآيَة جَمِيع بني هَاشم

وَيُؤَيِّدهُ الحَدِيث الْحسن أَنه صلى الله عليه وسلم اشْتَمَل على الْعَبَّاس وبنيه بملاءة ثمَّ قَالَ (يَا رب هَذَا عمي وصنو أبي وَهَؤُلَاء أهل بَيْتِي فاسترهم من الناسر كستري إيَّاهُم بملاءتي هَذِه) فأمنت أُسْكُفَّة الْبَاب وحوائط الْبَيْت فَقَالَت آمين ثَلَاثًا

ص: 424

وَفِي رِوَايَة فِيهَا من وَثَّقَهُ ابْن معِين وَضَعفه غَيره ثمَّ جعل الْقَبَائِل بُيُوتًا فجعلني فِي خَيرهمْ بَيْتا وَذَلِكَ قَوْله عز وجل {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 33

وَالْحَاصِل أَن أهل بَيت السُّكْنَى داخلون فِي الْآيَة لأَنهم المخاطبون بهَا وَلما كَانَ أهل بَيت النّسَب تخفى إرادتهم مِنْهَا بَين صلى الله عليه وسلم بِمَا فعله مَعَ من مر أَن المُرَاد من أهل الْبَيْت هُنَا مَا يعم أهل بَيت سكناهُ كأزواجه وَأهل بَيت نسبه وهم جَمِيع بني هَاشم وَالْمطلب وَقد ورد عَن الْحسن من طرق بَعْضهَا سَنَده حسن وَأَنا من أهل الْبَيْت الَّذين أذهب الله عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا

فبيت النّسَب مُرَاد فِي الْآيَة كبيت السُّكْنَى وَمن ثمَّ أخرج مُسلم عَن زيد ابْن أَرقم أَنه لما سُئِلَ أنساؤه من أهل بَيته فَقَالَ نساؤه من أهل بَيته وَلَكِن أهل بَيته من حرم الله الصَّدَقَة عَلَيْهِم

فَأَشَارَ إِلَى أَن نِسَاءَهُ من أهل بَيت سكناهُ الَّذين امتازوا بكرامات وخصوصيات أَيْضا لَا من أهل بَيت نسبه وَإِنَّمَا أُولَئِكَ من حرمت عَلَيْهِم الصَّدَقَة

ثمَّ هَذِه الْآيَة منبع فَضَائِل أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ لاشتمالها على غرر من مآثرهم والاعتناء بشأنهم حَيْثُ ابتدئت بإنما المفيدة لحصر إِرَادَته تَعَالَى فِي

ص: 425

أَمرهم على إذهاب الرجس الَّذِي هُوَ الْإِثْم أَو الشَّك فِيمَا يجب الْإِيمَان بِهِ عَنهُ وتطهيرهم من سَائِر الْأَخْلَاق وَالْأَحْوَال المذمومة

وَسَيَأْتِي فِي بعض الطّرق تحريمهم على النَّار وَهُوَ فَائِدَة ذَلِك التَّطْهِير وغايته إِذْ مِنْهُ إلهام الْإِنَابَة إِلَى الله تَعَالَى وإدامة الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَمن ثمَّ لما ذهبت عَنْهُم الْخلَافَة الظَّاهِرَة لكَونهَا صَارَت ملكا وَلذَا لم تتمّ لِلْحسنِ عوضوا عَنْهَا بالخلافة الْبَاطِنَة حَتَّى ذهب قوم إِلَى ان قطب الْأَوْلِيَاء فِي كل زمن لَا يكون إِلَّا مِنْهُم وَمِمَّنْ قَالَ يكون من غَيرهم الْأُسْتَاذ أَبُو الْعَبَّاس المرسي كَمَا نَقله عَنهُ تِلْمِيذه التَّاج ابْن عَطاء الله

وَمن تطهيرهم تَحْرِيم صَدَقَة الْفَرْض بل وَالنَّفْل على قَول لمَالِك عَلَيْهِم لِأَنَّهَا أوساخ النَّاس مَعَ كَونهَا تنبىء عَن ذل الْآخِذ وَعز الْمَأْخُوذ مِنْهُ وعوضوا عَنْهَا خمس خمس الْفَيْء وَالْغنيمَة المنبىء عَن عز الْآخِذ وذل الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَمن ثمَّ كَانَ الْمُعْتَمد دُخُول أهل بَيت النّسَب فِي الْآيَة وَلذَا اختصوا بمشاركته صلى الله عليه وسلم فِي تَحْرِيم صَدَقَة الْفَرْض وَالزَّكَاة وَالنّذر وَالْكَفَّارَة وَغَيرهَا

وَخَالف بعض الْمُتَأَخِّرين فبحث أَن النّذر كالنفل وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وامتاز

ص: 426

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحرْمَة النَّفْل وَإِن كَانَ على جِهَة عَامَّة أَو غير مُتَقَوّم على الْأَصَح وَاخْتَارَ الْمَاوَرْدِيّ حل صلَاته فِي الْمَسَاجِد وشربه من سِقَايَة زَمْزَم وبئر رومة وَاسْتدلَّ الشَّافِعِي رضي الله عنه لحل النَّفْل لَهُم بقول الباقر لما عوتب فِي شربه من سقايات بَين مَكَّة وَالْمَدينَة إِنَّمَا حرم علينا الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة

وَوَجهه أَن مثله لَا يُقَال من قبل الرَّأْي لتَعَلُّقه بالخصائص فَيكون مُرْسلا لِأَن الباقر تَابِعِيّ جليل وَقد اعتضد مرسله بقول أَكثر أهل الْعلم وَتَحْرِيم ذَلِك يعم بني هَاشم وَالْمطلب مواليهم قيل وأزواجه وَهُوَ ضَعِيف وَإِن حكى ابْن عبد الْبر الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَلُزُوم نفقتهن بعد الْمَوْت لَا يحرم الْأَخْذ إِلَّا من جِهَة الْفقر والمسكنة بِخِلَافِهِ بِجِهَة أُخْرَى كَدين أَو سفر كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الْفِقْه وَفِي خبر أَنَّهَا تحل لبَعض بني هَاشم من بعض لكنه ضَعِيف مُرْسل فَلَا حجَّة فِيهِ

وشربه صلى الله عليه وسلم من سِقَايَة زَمْزَم وَاقعَة حَال تحْتَمل أَن المَاء الَّذِي فِيهَا من نَزعه صلى الله عليه وسلم أَو نزع مأذونه فَلم يتَحَقَّق أَنه من صَدَقَة الْعَبَّاس

وَحِكْمَة ختم الْآيَة بتطهير الْمُبَالغَة فِي وصولهم لأعلاه وَفِي رفع التَّجَوُّز عَنهُ ثمَّ تنويه تَنْوِين التَّعْظِيم والتكثير والإعجاز الْمُفِيد إِلَى أَنه لَيْسَ من جنس مَا يتعارف ويؤلف ثمَّ أكد صلى الله عليه وسلم ذَلِك كُله بتكرير طلب مَا فِي الْآيَة لَهُم بقوله (اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي) إِلَى آخر مَا مر وبإدخاله نَفسه مَعَهم فِي الْعد لتعود عَلَيْهِم بركَة اندراجهم فِي سلكه بل فِي رِوَايَة أَنه اندرج مَعَهم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل إِشَارَة إِلَى

ص: 427

عَليّ قدرهم وأكده أَيْضا بِطَلَب الصَّلَاة عَلَيْهِم بقوله (فَاجْعَلْ صَلَاتك) إِلَى آخر مَا مر وأكده أَيْضا بقوله (أَنا حَرْب لمن حاربهم) إِلَى آخر مَا مر أَيْضا وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ بعد ذَلِك (أَلا من آذَى قَرَابَتي فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله تَعَالَى)

وَفِي أُخْرَى (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن عبد بِي حَتَّى يحبني وَلَا يحبني يحب ذَوي قَرَابَتي فأقامهم مقَام نَفسه وَمن ثمَّ صَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا كتاب الله وعترتي) وألحقوا بِهِ أَيْضا فِي قصَّة المباهلة فِي آيَة {قل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} آل عمرَان 61 الْآيَة فغدا صلى الله عليه وسلم مُحْتَضِنًا الْحسن آخِذا بيد الْحُسَيْن وَفَاطِمَة تمشي خَلفه وَعلي خلفهَا

وَهَؤُلَاء هم أهل الكساء فهم المُرَاد فِي آيَة المباهلة كَمَا أَنهم من جملَة المُرَاد بِآيَة {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} فَالْمُرَاد بِأَهْل الْبَيْت فِيهَا وَفِي كل مَا جَاءَ فِي فَضلهمْ أَو فضل الْآل أَو ذَوي الْقُرْبَى جَمِيع آله صلى الله عليه وسلم وهم مؤمنو بني هَاشم وَالْمطلب وَخبر (آلي كل مُؤمن تَقِيّ) ضَعِيف بالمرة وَلَو صَحَّ لتأيد بِهِ

ص: 428

جمع بَعضهم بَين الْأَحَادِيث بِأَن الْآل فِي الدُّعَاء لَهُم فِي نَحْو الصَّلَاة يَشْمَل كل مُؤمن تَقِيّ وَفِي حُرْمَة الصَّدَقَة عَلَيْهِم مُخْتَصّ بِمُؤْمِن بني هَاشم وَالْمطلب وأيد ذَلِك الشُّمُول بِخَبَر البُخَارِيّ (مَا شبع آل مُحَمَّد من خبز مأدوم ثَلَاثًا)

(اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد قوتا)

وَفِي قَول إِن الْآل هم الْأزْوَاج والذرية فَقَط

الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} الْأَحْزَاب 56

صَحَّ عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة قُلْنَا يَا رَسُول لله قد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك فَقَالَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم فَقُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْكُم أهل الْبَيْت قَالَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) إِلَى آخِره فسؤالهم بعد نزُول الْآيَة وإجابتهم باللهم صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد إِلَى آخِره دَلِيل ظَاهر على ان الْأَمر بِالصَّلَاةِ على أهل

ص: 429

بَيته وَبَقِيَّة آله عقب نُزُولهَا وَلم يجابوا بِمَا ذكر فَلَمَّا أجِيبُوا بِهِ دلّ على ان الصَّلَاة عَلَيْهِم من جملَة الْمَأْمُور بِهِ وَأَنه صلى الله عليه وسلم أقامهم فِي ذَلِك مقَام نَفسه لِأَن الْقَصْد من الصَّلَاة عَلَيْهِ مزِيد تَعْظِيمه وَمِنْه تعظيمهم وَمن ثمَّ لما أَدخل من مر فِي الكساء قَالَ (اللَّهُمَّ إِنَّهُم مني وَأَنا مِنْهُم فَاجْعَلْ صَلَاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عَليّ وَعَلَيْهِم)

وَقَضِيَّة استجابة هَذَا الدُّعَاء أَن الله صلى عَلَيْهِم مَعَه فَحِينَئِذٍ طلب من الْمُؤمنِينَ صلَاتهم عَلَيْهِم مَعَه ويروى (لَا تصلوا عَليّ الصَّلَاة البتراء) فَقَالُوا وَمَا الصَّلَاة البتراء قَالَ (تَقولُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وتمسكون بل قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) وَلَا يُنَافِي مَا تقدم حذف الْآل فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم) إِلَى آخِره لِأَن ذكر الْآل ثَبت فِي رِوَايَات أخر وَبِه يعلم أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِك كُله فحفظ بعض الروَاة مَا لم يحفظه الآخر ثمَّ عطف الْأزْوَاج والذرية على الْآل فِي كثير من الرِّوَايَات يَقْتَضِي أَنَّهُمَا ليسَا من الْآل وَهُوَ وَاضح فِي الْأزْوَاج بِنَاء على الْأَصَح فِي الْآل أَنهم مؤمنو بني هَاشم وَالْمطلب وَأما الذُّرِّيَّة فَمن الْآل على سَائِر الْأَقْوَال فَذكرهمْ

ص: 430

بعد الْآل للْإِشَارَة إِلَى عَظِيم شرفهم

روى أَبُو دَاوُد (من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى إِذا صلى علينا أهل الْبَيْت فَلْيقل اللَّهُمَّ صل على النَّبِي مُحَمَّد وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَذريته وَأهل بَيته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد)

وَقَوْلهمْ علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك

أشاروا بِهِ إِلَى السَّلَام عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّد كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره

وَيدل لَهُ خبر مُسلم أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك فَسكت النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى تمنينا أننا لم نَسْأَلهُ ثمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم (قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) الحَدِيث

وَزَاد آخِره (وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم) أَي من الْعلم ويروى من التَّعْلِيم لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يعلمهُمْ التَّشَهُّد كَمَا يعلمهُمْ السُّورَة وَصَحَّ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أما السَّلَام عَلَيْكُم فقد عَرفْنَاهُ فَكيف نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا صلى الله عَلَيْك فَصمت صلى الله عليه وسلم حَتَّى أحببنا أَن الرجل لم يسْأَله فَقَالَ (إِذا أَنْتُم صليتم عَليّ فَقولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد)

ص: 431

الحَدِيث

وَلَا يُقَال تفرد بِهِ ابْن إِسْحَق وَمُسلم لم يخرج لَهُ إِلَّا فِي المتابعات لأَنا نقُول الْأَئِمَّة وثقوه وَإِنَّمَا هُوَ مُدَلّس فَقَط وَقد زَالَت عِلّة التَّدْلِيس بتصريحه فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ فاتضح أَن ذَلِك خرج مخرج الْبَيَان لِلْأَمْرِ الْوَارِد فِي الْآيَة

وَيُوَافِقهُ قَوْله قُولُوا فَإِنَّهَا صِيغَة أَمر وَهُوَ للْوُجُوب وَمَا صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود بتشهيد الرجل فِي الصَّلَاة ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يَدْعُو لنَفسِهِ فَهَذَا التَّرْتِيب مِنْهُ لَا يكون من قبل الرَّأْي فَيكون فِي حكم الْمَرْفُوع

وَصَحَّ أَيْضا أَنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يَدْعُو فِي صلَاته لم يحمد الله وَلم يصل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (عجل هَذَا) ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَو لغيره (إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد ربه وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ)

وَمحل الْبدَاءَة بالتحميد وَالثنَاء على الله تَعَالَى جُلُوس التَّشَهُّد

وَبِهَذَا كُله اتَّضَح قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه بِوُجُوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّد لما علمت مِنْهُ أَنه صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم الْأَمر بِوُجُوبِهَا فِيهِ وَمن أَنه صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود تعْيين محلهَا وَهُوَ بَين التَّشَهُّد وَالدُّعَاء فَكَانَ القَوْل بِوُجُوبِهَا

ص: 432

لذَلِك الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي هُوَ الْحق الْمُوَافق لصريح السّنة ولقواعد الْأُصُولِيِّينَ وَيدل لَهُ أَيْضا أَحَادِيث صَحِيحَة كَثِيرَة استوعبتها فِي شرحي الْإِرْشَاد والعباب مَعَ بَيَان الرَّد الْوَاضِح على من شنع على الشَّافِعِي وَبَيَان أَن الشَّافِعِي لم يشذ بل قَالَ بِهِ قبله جمَاعَة من الصَّحَابَة كَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَجَابِر وَأبي مَسْعُود البدري وَغَيرهم وَالتَّابِعِينَ كالشعبي والباقر وَغَيرهم كإسحاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد بل لمَالِك قَول مُوَافق للشَّافِعِيّ رَجحه جمَاعَة من أَصْحَابه

قَالَ شيخ الْإِسْلَام خَاتِمَة الْحفاظ ابْن حجر لم أر عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ التَّصْرِيح بِعَدَمِ الْوُجُوب إِلَّا مَا نقل عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ من إشعاره بِأَن غَيره كَانَ قَائِلا بِالْوُجُوب انْتهى

فَزعم أَن الشَّافِعِي شَذَّ وَأَنه خَالف فِي ذَلِك فُقَهَاء الْأَمْصَار مُجَرّد دعة بَاطِلَة لَا يلْتَفت إِلَيْهَا وَلَا يعول عَلَيْهَا وَمن ثمَّ قَالَ ابْن الْقيم أَجمعُوا على مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّد وَإِنَّمَا أختلفوا فِي الْوُجُوب والاستحباب فَفِي تمسك من لم يُوجِبهَا بِعَمَل السّلف نظر لأَنهم كَانُوا يأْتونَ بهَا فِي صلَاتهم فَإِن أُرِيد بعملهم اعْتِقَادهم احْتَاجَ إِلَى نقل صَرِيح عَنْهُم بِعَدَمِ الْوُجُوب وأنى يُوجد ذَلِك قَالَ وَأما قَول عِيَاض إِن النَّاس شنعوا على الشَّافِعِي

فَلَا معنى لَهُ فَأَي شناعة فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لم يُخَالف فِي ذَلِك نصا وَلَا إِجْمَاعًا وَلَا قِيَاسا وَلَا مصلحَة راجحة بل القَوْل بذلك من محَاسِن مذْهبه وَللَّه در الْقَائِل حَيْثُ قَالَ

ص: 433

(وَإِذا محاسني اللَّاتِي أدل بهَا

صَارَت ذنوبا فَقل لي كَيفَ أعْتَذر)

وَاعْلَم أَن النَّوَوِيّ نقل عَن الْعلمَاء كَرَاهَة إِفْرَاد الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَمن ثمَّ قَالَ بعض الْحفاظ كنت أكتب الحَدِيث فأكتب الصَّلَاة فَقَط فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النّوم

فَقَالَ لي أما تتمّ الصَّلَاة فِي كتابك فَمَا كتبت بعد ذَلِك إِلَّا صليت عَلَيْهِ وسلمت

وَلَا يحْتَج بتعليمهم كَيْفيَّة الصَّلَاة السَّابِقَة لِأَن السَّلَام سبقها فِي التَّشَهُّد فَلَا إِفْرَاد فِيهِ وَقد جَاءَ ذكر الصَّلَاة مقرونة بِالسَّلَامِ فِي مَوَاطِن مِنْهَا عقب مَا يُقَال عِنْد ركُوب الدَّابَّة كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء مَرْفُوعا وَكَذَا فِي غَيره وَإِنَّمَا حذف فِي بعض المواطن اختصارا وَكَذَا حذف الْآل

وَقد اخْرُج الديلمي أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (الدُّعَاء مَحْجُوب حَتَّى يصلى على مُحَمَّد وَأهل بَيته اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله)

وَكَأن قَضِيَّة الْأَحَادِيث السَّابِقَة وجوب الصَّلَاة على الْآل فِي التَّشَهُّد الْأَخير كَمَا هُوَ قَول الشَّافِعِي خلافًا لما يُوهِمهُ

ص: 434

كَلَام الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَرجحه بعض أَصْحَابه وَمَال إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ وَمن ادّعى الْإِجْمَاع على عدم الْوُجُوب فقد سَهَا لَكِن بَقِيَّة الْأَصْحَاب قد ذَهَبُوا إِلَى أَن اخْتِلَاف تِلْكَ الرِّوَايَات من أجل أَنَّهَا وقائع مُتعَدِّدَة فَلم يوجبوا إِلَّا مَا اتّفقت الطّرق عَلَيْهِ وَهُوَ أصل الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا زَاد فَهُوَ من قبيل الْأَكْمَل وَلذَا استدلوا على عدم وجوب قَوْله (كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم) بسقوطه فِي بعض الطّرق وَللشَّافِعِيّ رضي الله عنه

(يَا أهل بَيت رَسُول الله حبكم

فرض من الله فِي الْقُرْآن أنزلهُ)

(كفاكم من عَظِيم الْقدر أَنكُمْ

من لم يصل عَلَيْكُم لَا صَلَاة لَهُ)

فَيحْتَمل لَا صَلَاة لَهُ صَحِيحَة فَيكون مُوَافقا لقَوْله بِوُجُوب الصَّلَاة على الْآل وَيحْتَمل لَا صَلَاة لَهُ كَامِلَة فيوافق أظهر قوليه

الْآيَة الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى {سَلام على إل ياسين} الصافات 130

فقد نقل جمَاعَة من الْمُفَسّرين عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن المُرَاد بذلك سَلام على آل مُحَمَّد

وَكَذَا قَالَه الْكَلْبِيّ وَعَلِيهِ فَهُوَ صلى الله عليه وسلم دَاخل بطرِيق الأولى أَو النَّص كَمَا فِي

ص: 435

اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى

لَكِن أَكثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد إلْيَاس عليه السلام وَهُوَ قَضِيَّة السِّيَاق

تَنْبِيه لفظ السَّلَام فِي نَحْو هَذِه الْجُمْلَة خبر مُرَاد بِهِ الْإِنْشَاء والطلب على الْأَصَح والطلب يَسْتَدْعِي مَطْلُوبا مِنْهُ وَطَلَبه تَعَالَى من غَيره محَال فَالْمُرَاد بسلامه تَعَالَى على عباده إِمَّا بشارتهم بالسلامة وَإِمَّا حَقِيقَة الطّلب فَكَأَنَّهُ طلب من نَفسه إِذْ سَلَامه تَعَالَى يرجع لكَلَامه النَّفْسِيّ الأزلي وتضمنه الطّلب مِنْهُ لإنالة السَّلامَة الْكَامِلَة للْمُسلمِ عَلَيْهِ غير محَال إِذْ هُوَ طلب نَفسِي مُقْتَض لتَعلق الْإِرَادَة بِهِ والطلب من النَّفس مَعْقُول يُعلمهُ كل أحد من نَفسه فَالْحَاصِل أَنه تَعَالَى طلب لَهُم مِنْهُ إنالتهم السَّلامَة الْكَامِلَة فَيتَعَلَّق ذَلِك بهم فِي الْوَقْت الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى تخصيصهم بِهِ كَمَا فِي أمره وَنَهْيه المتعلقين بِنَا مَعَ قدمهما

وَذكر الْفَخر الرَّازِيّ أَن أهل بَيته صلى الله عليه وسلم يساوونه فِي خَمْسَة أَشْيَاء فِي السَّلَام قَالَ السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَقَالَ تَعَالَى {سَلام على إل ياسين} الصافات 130

وَفِي الصَّلَاة عَلَيْهِم فِي التَّشَهُّد

وَفِي الطَّهَارَة قَالَ تَعَالَى {طه} طه 1 أَي يَا طَاهِر وَقَالَ {وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 133

وَفِي تَحْرِيم الصَّدَقَة

ص: 436

وَفِي الْمحبَّة قَالَ تَعَالَى {فَاتبعُوني يحببكم الله} آل عمرَان وَقَالَ {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} الشورى 23

الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون} الصافات 24

أخرج الديلمي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون عَن ولَايَة عَليّ)

وَكَأن هَذَا هُوَ مُرَاد الواحدي بقوله رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون} أَي عَن ولَايَة عَليّ وَأهل الْبَيْت لِأَن الله أَمر نبيه صلى الله عليه وسلم أَن يعرف الْخلق أَنه لَا يسألهم على تَبْلِيغ الرسَالَة أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَالْمعْنَى أَنهم يسْأَلُون هَل وَالوهم حق الْمُوَالَاة كَمَا أوصاهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم أم أضاعوها وأهملوها فَتكون عَلَيْهِم الْمُطَالبَة والتبعة

انْتهى

وَأَشَارَ بقوله كَمَا أوصاهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك وَهِي كَثِيرَة وَسَيَأْتِي مِنْهَا جملَة فِي الْفَصْل الثَّانِي

وَمن ذَلِك حَدِيث مُسلم عَن زيد بن أَرقم قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ

(أما بعد أَيهَا النَّاس إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ يُوشك أَن يأتني رَسُول رَبِّي عز وجل فَأُجِيبَهُ وَإِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن أَولهمَا كتاب الله عز وجل فِيهِ الْهدى والنور فَتمسكُوا بِكِتَاب الله عز وجل وخذوا بِهِ وحث فِيهِ وَرغب فِيهِ ثمَّ قَالَ وَأهل بَيْتِي أذكركم الله عز وجل فِي أهل بَيْتِي) ثَلَاث مَرَّات فَقيل لزيد من

ص: 437

أهل بَيته أَلَيْسَ نساؤه من أهل بَيته قَالَ بلَى إِن نِسَاءَهُ من أهل بَيته لَكِن أهل بَيته من حرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة بعده قَالَ وَمن هم قَالَ هم عَليّ وَآل جَعْفَر وَآل عقيل وَآل عَبَّاس قَالَ كل هَؤُلَاءِ حرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة قَالَ نعم

وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي أَحدهمَا أعظم من الآخر كتاب الله عز وجل حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وعترتي أهل بَيْتِي وَلنْ يفترقا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا)

وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده بِمَعْنَاهُ وَلَفظه (إِنِّي أوشك أَن أدعى فَأُجِيب وَإِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن كتاب الله حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وعترتي أهل بَيْتِي وَإِن اللَّطِيف الْخَبِير أَخْبرنِي أَنَّهُمَا لن يفترقا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض فانظروا بِمَ تخلفوني فيهمَا وَسَنَده لَا بَأْس بِهِ

وَفِي رِوَايَة أَن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع وَفِي اخرى مثله يَعْنِي كتاب الله كسفينة نوح من ركب فِيهَا نجا وَمثلهمْ أَي أهل بَيته كَمثل بَاب حطة من

ص: 438

دخله غفرت لَهُ الذُّنُوب

وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ لذَلِك فِي الْعِلَل المتناهية وهم أَو غَفلَة عَن استحضار بَقِيَّة طرقه بل فِي مُسلم عَن زيد بن أَرقم أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِك يَوْم غَدِير خم وَهُوَ مَاء بِالْجُحْفَةِ كَمَا مر وَزَاد (أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي) قُلْنَا لزيد من أهل بَيته نساؤه قَالَ لَا وأيم الله إِن الْمَرْأَة تكون من الرجل الْعَصْر من الدَّهْر ثمَّ يطلقهَا فترجع إِلَى أَبِيهَا وقومها أهل بَيته أَهله وعصبته الَّذين حرمُوا الصَّدَقَة بعده

وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة (إِنِّي تَارِك فِيكُم أَمريْن لن تضلوا إِن تبعتموهما وهما كتاب الله وَأهل بَيْتِي عِتْرَتِي)

زَاد الطَّبَرَانِيّ (إِنِّي سَأَلت ذَلِك لَهما فَلَا تقدموهما فَتَهْلكُوا وَلَا تقصرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلكُوا وَلَا تعلموهم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم)

وَفِي رِوَايَة كتاب الله وسنتي وَهِي المُرَاد من الْأَحَادِيث المقتصرة على الْكتاب لِأَن السّنة مبينَة لَهُ فأغنى ذكره عَن ذكرهَا

وَالْحَاصِل أَن الْحَث وَقع على التَّمَسُّك بِالْكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل الْبَيْت وَيُسْتَفَاد من مَجْمُوع ذَلِك بَقَاء الْأُمُور الثَّلَاثَة إِلَى قيام السَّاعَة

ص: 439

ثمَّ اعْلَم أَن لحَدِيث التَّمَسُّك بذلك طرقا كَثِيرَة وَردت عَن نَيف وَعشْرين صحابيا وَمر لَهُ طرق مبسوطة فِي حادي عشر الشّبَه وَفِي بعض تِلْكَ الطّرق انه قَالَ ذَلِك بِحجَّة الْوَدَاع بعرقة وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَه بِالْمَدِينَةِ فِي مَرضه وَقد امْتَلَأت الْحُجْرَة بِأَصْحَابِهِ وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَ ذَلِك بغدير خم وَفِي أُخْرَى أَنه قَالَه لما قَامَ خَطِيبًا بعد انْصِرَافه من الطَّائِف كَمَا مر وَلَا تنَافِي إِذْ لَا مَانع من أَنه كرر عَلَيْهِم ذَلِك فِي تِلْكَ المواطن وَغَيرهَا اهمتاما بشأن الْكتاب الْعَزِيز والعترة الطاهرة

وَفِي رِوَايَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر آخر مَا تكلم بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (أخلفوني فِي أهل بَيْتِي)

وَفِي أُخْرَى عِنْد الطَّبَرَانِيّ وَأبي الشَّيْخ (إِن لله عز وجل ثَلَاث حرمات فَمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه وَمن لم يحفظهن لم يحفظ الله دُنْيَاهُ وَلَا آخرته) قلت مَا هن قَالَ (حُرْمَة الْإِسْلَام وحرمتي وَحُرْمَة رحمي)

وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَن الصّديق رضي الله عنه من قَوْله يَا أَيهَا النَّاس ارقبوا

ص: 440

مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أهل بَيته

أَي احفظوه فيهم فَلَا تؤذوهم

وَأخرج ابْن سعد والملا فِي سيرته أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (اسْتَوْصُوا بِأَهْل بَيْتِي خيرا فَإِنِّي أخاصمكم عَنْهُم غَدا وَمن أكن خَصمه أخصمه وَمن أخصمه دخل النَّار)

وَأَنه قَالَ (من حفظني فِي أهل بَيْتِي فقد اتخذ عِنْد الله عهدا)

وَأخرج الأول (أَنا وَأهل بَيْتِي شَجَرَة فِي الْجنَّة وَأَغْصَانهَا فِي الدُّنْيَا فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه سَبِيلا)

وَالثَّانِي حَدِيث (فِي كل خلف من أمتِي عدُول من أهل بَيْتِي ينفون عَن هَذَا الدّين تَحْرِيف الضَّالّين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين أَلا وَإِن أئمتكم وفدكم إِلَى الله عز وجل فانظروا من توفدون)

وَأخرج أَحْمد خبر (الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا الْحِكْمَة أهل الْبَيْت)

وَفِي خبر حسن (أَلا إِن عيبتي وكرشي أهل بَيْتِي وَالْأَنْصَار فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عَن مسيئهم)

تَنْبِيه سمى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْقُرْآن وعترته وَهِي بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة الْأَهْل

ص: 441

والنسل والرهط الأدنون ثقلين لِأَن الثّقل كل نَفِيس خطير مصون وَهَذَانِ كَذَلِك إِذْ كل مِنْهُمَا مَعْدن الْعُلُوم الدينة والأسرار وَالْحكم الْعلية وَالْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَلذَا حث صلى الله عليه وسلم على الِاقْتِدَاء والتمسك بهم والتعلم مِنْهُم وَقَالَ (الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا الْحِكْمَة أهل الْبَيْت)

وَقيل سميا ثقلين لثقل وجوب رِعَايَة حقوقهما ثمَّ الَّذين وَقع الْحَث عَلَيْهِم مِنْهُم إِنَّمَا هم العارفون بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم إِذْ هم الَّذين لَا يفارقون الْكتاب إِلَى الْحَوْض وَيُؤَيِّدهُ الْخَبَر السَّابِق (وَلَا تعلموهم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم)

وتميزوا بذلك لأَنهم عَن بَقِيَّة الْعلمَاء لِأَن الله أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وَقد مر بَعْضهَا وَسَيَأْتِي الْخَبَر الَّذِي فِي قُرَيْش (تعلمُوا مِنْهُم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم) فَإِذا ثَبت هَذَا الْعُمُوم لقريش فَأهل الْبَيْت مِنْهُم أولى مِنْهُم بذلك امتازوا عَنْهُم بخصوصيات لَا يشاركهم فِيهَا بَقِيَّة قُرَيْش

وَفِي أَحَادِيث الْحَث على التَّمَسُّك بِأَهْل الْبَيْت إِشَارَة إِلَى عدم انْقِطَاع متأهل مِنْهُم للتمسك بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَمَا أَن الْكتاب الْعَزِيز كَذَلِك وَلِهَذَا كَانُوا أَمَانًا لأهل الأَرْض كَمَا يَأْتِي وَيشْهد لذَلِك الْخَبَر السَّابِق (فِي كل خلف من أمتِي عدُول من أهل بَيْتِي) إِلَى آخِره

ثمَّ أَحَق من يتَمَسَّك بِهِ مِنْهُم إمَامهمْ وعالمهم عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه لما قدمْنَاهُ من مزِيد علمه ودقائق مستنبطاته وَمن ثمَّ قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ

ص: 442

عَليّ عترة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

أَي الَّذين حث على التَّمَسُّك بهم فخصه بِمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ خصّه صلى الله عليه وسلم بِمَا مر يَوْم غَدِير خم

وَالْمرَاد بالعيبة والكرش فِي الْخَبَر السَّابِق آنِفا أَنهم مَوضِع سره وأمانته ومعادن نفائس معارفه وحضرته إِذْ كل من العيبة والكرش مستودع لما يخفى فِيهِ مِمَّا بِهِ القوام وَالصَّلَاح لِأَن الأول لما يحرز فِيهِ نفائس الْأَمْتِعَة وَالثَّانِي مُسْتَقر الْغذَاء الَّذِي بِهِ النمو وقوام البنية وَقيل هما مثلان لاختصاصهم بالأمور الظَّاهِرَة والباطنة إِذْ مظروف الكرش بَاطِن والعيبة ظَاهر وعَلى كل فَهَذَا غَايَة فِي التعطف عَلَيْهِم وَالْوَصِيَّة بهم

وَمعنى (وتجاوزوا عَن مسيئهم) أَي فِي غير الْحُدُود وَحُقُوق الْآدَمِيّين

وَهَذَا أَيْضا محمل الْخَبَر الصَّحِيح (أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم) وَمن ثمَّ ورد فِي رِوَايَة (إِلَّا الْحُدُود) وفسرهم الشَّافِعِي بِأَنَّهُم الَّذين لَا يعْرفُونَ بِالشَّرِّ

وَيقرب مِنْهُ قَول غَيره هم أَصْحَاب الصَّغَائِر دون الْكَبَائِر وَقيل من إِذا أذْنب تَابَ

الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} آل عمرَان 103

ص: 443

أخرج الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيرهَا عَن جَعْفَر الصَّادِق رضي الله عنه أَنه قَالَ نَحن حَبل الله الَّذِي قَالَ الله فِيهِ {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} وَكَانَ جده زين العابدين إِذا تَلا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} التَّوْبَة 119 يَقُول دُعَاء طَويلا يشْتَمل على طلب اللحوق بِدَرَجَة الصَّادِقين والدرجات الْعلية وعَلى وصف المحن وَمَا انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمة الدّين والشجرة النَّبَوِيَّة ثمَّ يَقُول وَذهب آخَرُونَ إِلَى التَّقْصِير فِي أمرنَا وَاحْتَجُّوا بمتشابه الْقُرْآن فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الْخَبَر

إِلَى أَن قَالَ فَإلَى من يفزع خلف هَذِه الْأمة وَقد درست أَعْلَام هَذِه الْملَّة ودانت الْأمة بالفرقة وَالِاخْتِلَاف يكفر بَعضهم بَعْضًا وَالله تَعَالَى يَقُول {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْبَينَات} آل عمرَان 105 فَمن الموثوق بِهِ على إبلاغ الْحجَّة وَتَأْويل الحكم إِلَى أهل الْكتاب وَأَبْنَاء أَئِمَّة الْهدى ومصابيح الدجى الَّذين احْتج الله بهم على عباده وَلم يدع الْخلق سدى من غير حجَّة هَل تعرفونهم أَو تجدونهم إِلَّا من فروع الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة وبقايا الصفوة الَّذين أذهب الله عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا وبرأهم من الْآفَات وافترض مَوَدَّتهمْ فِي الْكتاب

الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله} النِّسَاء 54

أخرج أَبُو الْحسن المغازلي عَن الباقر رضي الله عنه أَنه قَالَ فِي هَذِه الْآيَة نَحن النَّاس وَالله

ص: 444

الْآيَة السا بعة قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم} الْأَنْفَال 33

أَشَارَ صلى الله عليه وسلم إِلَى وجود ذَلِك الْمَعْنى فِي أهل بَيته وَإِنَّهُم أَمَان لأهل الأَرْض كَمَا كَانَ هُوَ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا لَهُم وَفِي ذَلِك أَحَادِيث كَثِيرَة يَأْتِي بَعْضهَا وَمِنْهَا (النُّجُوم أَمَان لأهل السَّمَاء وَأهل بَيْتِي أَمَان لأمتي) أخرجه جمَاعَة كلهم بِسَنَد ضَعِيف وَفِي رِوَايَة ضَعِيفَة أَيْضا (أهل بَيْتِي أَمَان لأهل الأَرْض فَإِذا هلك أهل بَيْتِي جَاءَ أهل الأَرْض من الْآيَات مَا كَانُوا يوعدون)

وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَد (فَإِذا ذهب النُّجُوم ذهب أهل السَّمَاء وَإِذا ذهب أهل بَيْتِي ذهب أهل الأَرْض)

وَفِي رِوَايَة صححها الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ (النُّجُوم أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق وَأهل بَيْتِي أَمَان لأمتي من الِاخْتِلَاف فَإِذا خالفتها قَبيلَة من الْعَرَب اخْتلفُوا فصاروا حزب إِبْلِيس)

وَجَاء من طرق عديدة يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا (إِنَّمَا مثل أهل بَيْتِي فِيكُم كَمثل سفينة نوح من ركبهَا نجا) وَفِي رِوَايَة مُسلم (وَمن تخلف عَنْهَا غرق) وَفِي رِوَايَة

ص: 445

(هلك وَإِنَّمَا مثل أهل بَيْتِي فِيكُم مثل بَاب حطة فِي بني إِسْرَائِيل من دخله غفر لَهُ) وَفِي رِوَايَة (غفر لَهُ الذُّنُوب)

وَقَالَ بَعضهم يحْتَمل أَن المُرَاد بِأَهْل الْبَيْت الَّذين هم أَمَان علماؤهم لأَنهم الَّذين يهتدى بهم كَالنُّجُومِ وَالَّذين إِذا فقدوا جَاءَ أهل الأَرْض من الْآيَات مَا يوعدون وَذَلِكَ عِنْد نزُول الْمهْدي لما يَأْتِي فِي أَحَادِيثه أَن عِيسَى يُصَلِّي خَلفه وَيقتل الدَّجَّال فِي زَمَنه وَبعد ذَلِك تتتابع الايات بل فِي مُسلم أَن النَّاس بعد قتل عِيسَى للدجال يمكثون سبع سِنِين ثمَّ يُرْسل الله ريحًا بَارِدَة من قبل الشَّام فَلَا يبْقى على وَجه الأَرْض أحد فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خير أَو إِيمَان إِلَّا قَبضه فَيبقى شرار فِي خفَّة الطير وأحلام السبَاع لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا

الحَدِيث

قَالَ وَيحْتَمل وَهُوَ الْأَظْهر عِنْدِي أَن المُرَاد بهم سَائِر أهل الْبَيْت فَإِن الله لما خلق الدُّنْيَا بأسرها من أجل النَّبِي صلى الله عليه وسلم جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بَيته لأَنهم يساوونه فِي أَشْيَاء مر عَن الرَّازِيّ بَعْضهَا وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي حَقهم (اللَّهُمَّ إِنَّهُم مني وَأَنا مِنْهُم) وَلِأَنَّهُم بضعَة مِنْهُ بِوَاسِطَة أَن فَاطِمَة رضي الله عنها أمّهم بضعته فأقيموا مقَامه فِي الْأمان

انْتهى مُلَخصا

وَوجه تشبيههم بالسفينة فِيمَا مر أَن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة

ص: 446

3 -

مشرفهم صلى الله عليه وسلم وَأخذ بِهَدي عُلَمَائهمْ نجا من ظلمَة المخالفات وَمن تخلف عَن ذَلِك غرق فِي بَحر كفر النعم وَهلك فِي مفاوز الطغيان

وَمر فِي خبر (أَن من حفظ حُرْمَة الْإِسْلَام وَحُرْمَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَحُرْمَة رَحمَه حفظ الله تَعَالَى دينه ودنياه وَمن لم يحفظ لم يحفظ الله دُنْيَاهُ وَلَا آخرته)

وَورد (يرد الْحَوْض أهل بَيْتِي وَمن أحبهم من أمتِي كهاتين السبابتين) وَيشْهد لَهُ خبر (الْمَرْء مَعَ من أحب)

وبباب حطة أَن الله تَعَالَى جعل دُخُول ذَلِك الْبَاب الَّذِي هُوَ بَاب أريحاء أَو بَيت الْمُقَدّس مَعَ التَّوَاضُع وَالِاسْتِغْفَار سَببا للمغفرة وَجعل لهَذِهِ الْأمة مَوَدَّة أهل الْبَيْت سَببا لَهَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا

الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى} طه 82

قَالَ ثَابت الْبنانِيّ اهْتَدَى إِلَى ولَايَة أهل بَيته صلى الله عليه وسلم

وَجَاء ذَلِك عَن أبي جَعْفَر الباقر أَيْضا

وَأخرج الديلمي مَرْفُوعا (إِنَّمَا سميت ابْنَتي فَاطِمَة لِأَن الله فطمها ومحبيها

ص: 447

عَن النَّار)

وَأخرج أَحْمد أَنه صلى الله عليه وسلم أَخذ بيد الحسنين وَقَالَ (من أَحبَّنِي وَأحب هذَيْن واباهما وأمهما كَانَ معي فِي درجتي يَوْم الْقيام)

وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب (وَكَانَ معي فِي الْجنَّة)

وَمعنى الْمَعِيَّة هُنَا معية الْقرب وَالشُّهُود لَا معية الْمَكَان والمنزل

وَأخرج ابْن سعد عَن عَليّ أَخْبرنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن أول من يدْخل الْجنَّة أَنا وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن قلت يَا رَسُول الله فمحبونا قَالَ من وَرَائِكُمْ

وَمر فِي فَضَائِل أبي بكر رضي الله عنه أَنه أول من يدْخل الْجنَّة

وَفِي فَضَائِل عمر رضي الله عنه ذَلِك أَيْضا وَمر الْجمع بَينهمَا بِمَا يعلم بِهِ محمل هَذَا الحَدِيث

وَلَا تتوهم الرافضة والشيعة قبحهم الله من هَذِه الْأَحَادِيث أَنهم محبوا

ص: 448

أهل الْبَيْت لأَنهم أفرطوا فِي محبتهم حَتَّى جرهم ذَلِك إِلَى تَكْفِير الصَّحَابَة وتضليل الْأمة وَقد قَالَ عَليّ يهْلك فِي محب مفرط يقرظني بِمَا لَيْسَ فِي

وَمر خبر لَا يجْتَمع حب عَليّ وبغض أبي بكر وَعمر فِي قلب مُؤمن

وَهَؤُلَاء الضالون الحمقى أفرطوا فِيهِ وَفِي اهل بَيته فَكَانَت محبتهم عارا عَلَيْهِم وبوارا قَاتلهم الله أَنى يؤفكون

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف أَن عليا أُتِي يَوْم الْبَصْرَة بِذَهَب وَفِضة فَقَالَ ابيضي واصفري غري غَيْرِي غري أهل الشَّام غَدا إِذا ظَهَرُوا عَلَيْك

فشق قَوْله ذَلِك على النَّاس فَذكر ذَلِك لَهُ فَأذن فِي النَّاس فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ إِن خليلي صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَا عَليّ إِنَّك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين وَيقدم عَلَيْهِ عَدوك غضابا مقمحين) ثمَّ جمع عَليّ يَده إِلَى عُنُقه يُرِيهم الإقماح

وشيعته هم أهل السّنة لأَنهم الَّذين أحبوهم كَمَا أَمر الله أمرنَا وَرَسُوله وَأما غَيرهم فاعداؤه فِي الْحَقِيقَة لِأَن الْمحبَّة الْخَارِجَة عَن الشَّرْع الجائرة عَن سنَن الْهدى هِيَ الْعَدَاوَة الْكُبْرَى فَلِذَا كَانَت سَببا لهلاكهم كَمَا مر آنِفا عَن لاصادص المصدوق صلى الله عليه وسلم

وأعداؤهم الْخَوَارِج وَنَحْوهم من أهل الشَّام لَا مُعَاوِيَة وَنَحْوه من الصَّحَابَة لأَنهم متأولون فَلهم أجر وَله هُوَ وشيعته أَجْرَانِ رضي الله عنهم

وَيُؤَيّد مَا قُلْنَاهُ من أَن أُولَئِكَ المبتدعة الرافضة والشيعة وَنَحْوهمَا لَيْسُوا من شيعَة

ص: 449

عَليّ وَذريته بل من أعدائهم مَا أخرجه صَاحب المطالب الْعَالِيَة عَن عَليّ وَمن جملَته أَنه مر على جمع فَأَسْرعُوا إِلَيْهِ قيَاما فَقَالَ من الْقَوْم فَقَالُوا من شيعتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ

فَقَالَ لَهُم خيرا ثمَّ قَالَ يَا هَؤُلَاءِ مَالِي لَا أرى فِيكُم سمة شِيعَتِنَا وَحلية أحبتنا فأمسكوا حَيَاء فَقَالَ لَهُ من مَعَه نَسْأَلك بِالَّذِي أكْرمكُم أهل الْبَيْت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بِصفة شيعتكم

فَقَالَ شِيعَتِنَا هم العارفون بِاللَّه الْعَامِلُونَ بِأَمْر الله أهل الْفَضَائِل الناطقون بِالصَّوَابِ مأكولهم الْقُوت وملبوسهم الاقتصاد ومشيهم التَّوَاضُع نجعوا لله بِطَاعَتِهِ وخضعوا إِلَيْهِ بِعِبَادَتِهِ مضوا غاضين أَبْصَارهم عَمَّا حرم الله عَلَيْهِم رامقين أسماعهم على الْعلم برَبهمْ نزلت أنفسهم مِنْهُم فِي الْبلَاء كَالَّتِي نزلت مِنْهُم فِي الرخَاء رَضوا عَن الله تَعَالَى بِالْقضَاءِ فلولا الْآجَال الَّتِي كتب الله تَعَالَى لَهُم لم تَسْتَقِر أَرْوَاحهم فِي أَجْسَادهم طرفَة عين شوقا إِلَى لِقَاء الله وَالثَّوَاب وخوفا من أَلِيم الْعقَاب عظم الْخَالِق فِي انفسهم وَصغر مَا دونه فِي أَعينهم فهم وَالْجنَّة كمن رَآهَا فهم على أرائكها متكئون وهم وَالنَّار كمن رَآهَا فهم فِيهَا معذبون صَبَرُوا أَيَّامًا قَليلَة فأعقبتهم رَاحَة طَوِيلَة أرادتهم الدُّنْيَا فَلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها أما اللَّيْل فصافون أَقْدَامهم تالون لأجزاء الْقُرْآن ترتيلا يعظون أنفسهم بأمثاله ويستشفون لدائهم بدوائه تَارَة وَتارَة يفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أَقْدَامهم تجْرِي دموعهم على خدودهم يمجدون جبارا عَظِيما ويجأرون

ص: 450

إِلَيْهِ فِي فكاك رقابهم

هَذَا ليلهم فَأَما نهارهم فحكماء عُلَمَاء بررة أتقياء براهم خوف باريهم فهم كالقداح تحسبهم مرضى أَو قد خولطوا وَمَا هم بذلك بل خاسرهم من عَظمَة رَبهم وَشدَّة سُلْطَانه مَا طاشت لَهُ قُلُوبهم وذهلت مِنْهُ عُقُولهمْ فَإِذا أشفقوا من ذَلِك بَادرُوا إِلَى الله تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ الزاكية لَا يرضون لَهُ بِالْقَلِيلِ وَلَا يستكثرون لَهُ الجزيل فهم لأَنْفُسِهِمْ متهمون وَمن أَعْمَالهم مشفقون ترى لأَحَدهم قُوَّة فِي دين وحزما فِي لين وإيمانا فِي يَقِين وحرصا على علم وفهما فِي فقه وعلما فِي حلم وكيسا فِي قصد وقصدا فِي غنى وتجملا فِي فاقة وصبرا فِي شَفَقَة وخشوعا فِي عبَادَة وَرَحْمَة لمجهود وَإِعْطَاء فِي حق ورفقا فِي كسب وطلبا فِي حَلَال ونشاطا فِي هدى واعتصاما فِي شَهْوَة لَا يغره مَا جَهله وَلَا يدع إحصاء مَا عمله يستبطىء نَفسه فِي الْعلم وَهُوَ من صَالح عمله على وَجل يصبح وشغله الذّكر ويمسي وهمه الشُّكْر يبيت حذرا من سنة الْغَفْلَة وَيُصْبِح فَرحا بِمَا أصَاب من الْفضل وَالرَّحْمَة ورغبته فِيمَا يبْقى وزهادته فِيمَا يفنى وَقد قرن الْعلم بِالْعَمَلِ وَالْعلم بالحلم دَائِما نشاطه بَعيدا كسله قَرِيبا أمله قَلِيلا زلله متوقعا أَجله عَاشِقًا قلبه شاكرا ربه قانعا نَفسه محرزا دينه كاظما غيظه آمنا مِنْهُ جَاره سهلا أمره مَعْدُوما كبره بَينا صبره كثيرا ذكره لَا يعْمل شَيْئا من الْخَيْر رِيَاء وَلَا يتْركهُ حَيَاء

أُولَئِكَ شِيعَتِنَا وأحبتنا وَمنا ومعنا أَلا هَؤُلَاءِ شوقا إِلَيْهِم

ص: 451

فصاح بعض من مَعَه وَهُوَ همام بن عباد بن خَيْثَم وَكَانَ من المتعبدين صَيْحَة فَوَقع مغشيا عَلَيْهِ فحركوه فَإِذا هُوَ فَارق الدُّنْيَا فَغسل وَصلى عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن مَعَه

فَتَأمل وفقك الله لطاعته وأدام عَلَيْك من سوابغ نعمه وحمايته هَذِه الْأَوْصَاف الجليلة الرفيعة الباهرة الْكَامِلَة المنيعة تعلم أَنَّهَا لَا تُوجد إِلَّا فِي أكَابِر العارفين لأئمة الْوَارِثين فَهَؤُلَاءِ هم شيعَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأهل بَيته

وَأما الرافضة والشيعة وَنَحْوهمَا إخْوَان الشَّيَاطِين وأعداء الدّين وسفهاء الْعُقُول ومخالفوا الْفُرُوع وَالْأُصُول ومنتحلو الضلال ومستحقو عَظِيم الْعقَاب والنكال فهم لَيْسُوا بشيعة لأهل الْبَيْت المبرئين من الرجس المطهرين من شوائب الدنس لأَنهم أفرطوا وفرطوا فِي جنب الله فاستحقوا مِنْهُ أَن يبقيهم متحيرين فِي مهالك الضلال والاشتباه وَإِنَّمَا هم شيعَة إِبْلِيس اللعين وحلفاء أبنائه المتمردين فَعَلَيْهِم لعنة الله وَمَلَائِكَته وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَكَيف يزْعم محبَّة قوم من لم يتخلق قطّ بِخلق من أَخْلَاقهم وَلَا عمل فِي عمره بقول من أَقْوَالهم وَلَا تأسى فِي دهره بِفعل من أفعالهم وَلَا تأهل لفهم شَيْء من أَحْوَالهم لَيست هَذِه محبَّة فِي الْحَقِيقَة بل بغضة عِنْد أَئِمَّة الشَّرِيعَة والطريقة إِذْ حَقِيقَة الْمحبَّة طَاعَة المحبوب وإيثار محابه ومرضاته على محاب النَّفس ومرضاتها والتأدب بآدابه وأخلاقه وَمن ثمَّ قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لَا يجْتَمع حبي وبغض أبي بكر وَعمر

لِأَنَّهُمَا ضدان وهما لَا يَجْتَمِعَانِ

ص: 452

الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى فَمن حاجك فِيهِ من بعد مَا جَاءَك من الْعلم فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم ونسائنا منساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَاذِبين آل عمرَان 61

قَالَ فِي الْكَشَّاف لَا دَلِيل أقوى من هَذَا على فضل أَصْحَاب الكساء وهم عَليّ وَفَاطِمَة والحسنان لِأَنَّهَا لما نزلت دعاهم صلى الله عليه وسلم فاحتضن الْحُسَيْن وَأخذ بيد الْحسن ومشت فَاطِمَة خَلفه وَعلي خلفهمَا فَعلم أَنهم المُرَاد من الْآيَة وَأَن أَوْلَاد فَاطِمَة وذريتهم يسمون أبناءه وينسبون إِلَيْهِ نِسْبَة صَحِيحَة نافعة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

ويوضح ذَلِك أَحَادِيث نذكرها مَعَ مَا يتَعَلَّق بهَا تتميما للفائدة فَنَقُول

صَحَّ عَنهُ عليه الصلاة والسلام أَنه قَالَ على الْمِنْبَر (مَا بَال أَقوام يَقُولُونَ إِن رحم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا ينفع قومه يَوْم الْقِيَامَة بلَى وَالله إِن رحمي مَوْصُولَة افي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِنِّي أَيهَا النَّاس فرط لكم على الْحَوْض)

وَفِي رِوَايَة ضَعِيفَة وَإِن صححها الْحَاكِم أَنه صلى الله عليه وسلم بلغه أَن قَائِلا قَالَ لبريدة إِن مُحَمَّدًا لن يُغني عَنْك من الله شَيْئا

فَخَطب ثمَّ قَالَ (مَا بَال أَقوام يَزْعمُونَ أَن رحمي لَا ينفع بل حَتَّى حاء وَحكم أَي هما قبيلتان من الْيمن أَنِّي لأشفع فأشفع حَتَّى إِن من أشفع لَهُ فَيشفع حَتَّى إِن إِبْلِيس ليتطاول طَمَعا فِي الشَّفَاعَة)

ص: 453

وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن عليا يَوْم الشورى احْتج على أَهلهَا فَقَالَ لَهُم أنْشدكُمْ بِاللَّه هَل فِيكُم أحد أقرب إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الرَّحِم مني وَمن جعله صلى الله عليه وسلم نَفسه وأبناءه أبناءه ونساؤه نِسَاءَهُ غَيْرِي قَالُوا اللَّهُمَّ لَا الحَدِيث

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ إِن الله عز وجل جعل ذُرِّيَّة كل نَبِي فِي صلبه وَإِن الله تَعَالَى جعل ذريتي فِي صلب عَليّ بن أبي طَالب

وَأخرج أَبُو الْخَيْر الحاكمي وَصَاحب كنوز المطالب فِي بني أبي طَالب أَن عليا دخل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعِنْده الْعَبَّاس فَسلم فَرد عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَام وَقَامَ فعانقه وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وَأَجْلسهُ عَن يَمِينه فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس أَتُحِبُّهُ قَالَ يَا عَم وَالله لله أَشد حبا لَهُ مني إِن الله عز وجل جعل ذُرِّيَّة كل نَبِي فِي صلبه وَجعل ذريتي فِي صلب هَذَا زَاد الثَّانِي فِي رِوَايَته إِنَّه إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دعِي النَّاس بأسماء أمهاتهم سترا من الله عَلَيْهِم إِلَّا هَذَا وَذريته فَإِنَّهُم يدعونَ بأسماء آبَائِهِم لصِحَّة ولادتهم

ص: 454

وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (كل بني أم ينتمون إِلَى عصبَة إِلَّا ولد فَاطِمَة فَأَنا وليهم وَأَنا عصبتهم) وَله طرق يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا وَقَول ابْن الْجَوْزِيّ بعد أَن أورد ذَلِك فِي الْعِلَل المتناهية إِنَّه لَا يَصح

غير جيد كَيفَ وَكَثْرَة طرقه رُبمَا توصله إِلَى دَرَجَة الْحسن بل صَحَّ عَن عمر أَنه خطب أم كُلْثُوم من عَليّ فاعتل بصغرها وَبِأَنَّهُ أعدهَا لِابْنِ أَخِيه جَعْفَر فَقَالَ لَهُ مَا أردْت الْبَاءَة وَلَكِن سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة مَا خلا سببي ونسبي وكل بني أُنْثَى عصبتهم لأبيهم مَا خلا ولد فَاطِمَة فَإِنِّي أَنا أبوهم وعصبتهم) وَفِي رِوَايَة أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد رِجَاله من أكَابِر أهل الْبَيْت أَن عليا عزل بَنَاته لولد أَخِيه جَعْفَر فَلَقِيَهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحسن أنكحني ابْنَتك أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

فَقَالَ قد حبستها لولد أخي جَعْفَر

فَقَالَ عمر إِنَّه وَالله مَا على وَجه الأَرْض من يرصد من حسن صحبتهَا مَا أرصد فأنكحني يَا أَبَا الْحسن فَقَالَ

ص: 455

قد أنكحتكها فَعَاد عمر إِلَى مَجْلِسه بالروضة مجْلِس الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ رفئوني قَالُوا بِمن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ بِأم كُلْثُوم بنت عَليّ وَأخذ يحدث أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (كل صهر أَو سَبَب أَو نسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا صهري وسببي ونسبي) وَأَنه كَانَ لي صُحْبَة فَأَحْبَبْت أَن يكون لي مَعهَا سَبَب

وَبِهَذَا الحَدِيث الْمَرْوِيّ من طَريقَة أهل الْبَيْت يزْدَاد التَّعَجُّب من إِنْكَار جمَاعَة من جهلة أهل الْبَيْت فِي أزمنتنا تَزْوِيج عمر بِأم كُلْثُوم

لَكِن لَا عجب لِأَن أُولَئِكَ لم يخالطوا الْعلمَاء وَمَعَ ذَلِك استولى على عُقُولهمْ جهلة الروافض فأدخلوا فِيهَا ذَلِك فقلدوهم فِيهِ وَمَا دروا أَنه عين الْكَذِب ومكابرة للحس إِذْ من مارس الْعلم وطالع كتب الْأَخْبَار وَالسّنَن علم ضَرُورَة أَن عليا زَوجهَا لَهُ وَأَن إِنْكَار ذَلِك جهل وعناد ومكابرة للحس وخبال فِي الْعقل وَفَسَاد فِي الدّين

وَفِي رِوَايَة للبيهقي أَن عمر لما قَالَ فَأَحْبَبْت ان يكون لي من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَبَب وَنسب فَقَامَ عَليّ للحسنين زوجا عمكما

فَقَالَا هِيَ امْرَأَة من النِّسَاء تخْتَار لنَفسهَا

فَقَامَ عَليّ مغضبا فَأمْسك الْحسن ثَوْبه وَقَالَ لَا صَبر لنا على هجرانك يَا أبتاه فزوجاه

وَفِي رِوَايَة أَن عمر صعد الْمِنْبَر فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّه وَالله مَا حَملَنِي على الإلحاح على عَليّ فِي ابْنَته إِلَّا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول كل سَبَب

ص: 456

وَنسب وصهر يَنْقَطِع إِلَّا سببي وصهري وإنهما يأتيان يَوْم الْقِيَامَة فيشفعان لصاحبهما وَفِي رِوَايَة أَنه لما أَكثر تردده إِلَى عَليّ اعتل بصغرها فَقَالَ لَهُ مَا حَملَنِي على كَثْرَة ترددي إِلَيْك إِلَّا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول كل حسب وَنسب وَسبب وصهر يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا حسبي ونسبي وسببي وصهري فَأمر بهَا عَليّ فزينت وَبعث بهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهَا قَامَ إِلَيْهَا وأجلسها فِي حجره وَقبلهَا ودعا لَهَا فَلَمَّا قَامَت أَخذ بساقها وَقَالَ لَهَا قولي لأَبِيك قد رضيت قد رضيت فَلَمَّا جَاءَت قَالَ لَهَا مَا قَالَ لَك فَذكرت لَهُ جَمِيع مَا فعله وَمَا قَالَه وأنكحها إِيَّاه فَولدت لَهُ زيدا مَاتَ رجلا

وَفِي رِوَايَة أَنه لما خطبهَا إِلَيْهِ قَالَ حَتَّى اسْتَأْذن فَاسْتَأْذن ولد فَاطِمَة فأذنوا لَهُ

وَفِي رِوَايَة أَن الْحُسَيْن سكت وَتكلم الْحسن فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا أبتاه من بعد عمر صحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَتُوفِّي وَهُوَ عَنهُ رَاض ثمَّ ولي الْخلَافَة فَعدل

فَقَالَ لَهُ أَبوهُ صدقت وَلَكِن كرهت أَن أقطع أمرا دونكما ثمَّ قَالَ لَهَا انطلقي إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقولِي لَهُ إِن أبي يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك إِنَّا قد قضينا حَاجَتك الَّتِي طلبت فَأَخذهَا عمر وَضمّهَا إِلَيْهِ وَأعلم من عِنْده أَنه تزَوجهَا فَقيل لَهُ إِنَّهَا صبية صَغِيرَة فَذكر الحَدِيث السَّابِق وَفِي آخِره أردْت أَن يكون بيني وَبَين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَبَب وصهر

وَتَقْبِيله وضمه لَهَا على جِهَة الْإِكْرَام لِأَنَّهَا لصغرها لم تبلغ حدا تشْتَهى حَتَّى يحرم ذَلِك وَلَوْلَا صغرها لما بعث بهَا أَبوهَا كَذَلِك ثمَّ حَدِيث عمر هَذَا جَاءَ عَن جمَاعَة آخَرين من الصَّحَابَة كالمنذر

ص: 457

وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَابْن عمر

قَالَ الذَّهَبِيّ وَإِسْنَاده صَالح

تَنْبِيه علم مِمَّا ذكر فِي هَذِه الْأَحَادِيث عَظِيم نفع الانتساب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي أَحَادِيث أخر من حثه لأهل بَيته على خشيَة الله واتقائه وطاعته وَأَن الْقرب إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة إِنَّمَا هُوَ بالتقوى فَمن ذَلِك الحَدِيث الصَّحِيح أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} الشُّعَرَاء 214 دَعَا قُريْشًا فَاجْتمعُوا فَعم وَخص وَطلب مِنْهُم أَن ينقذوا أنفسهم من النَّار إِلَى أَن قَالَ (يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد يَا صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب يَا بني عبد الْمطلب لَا أملك لكم من الله شَيْئا غير أَن لكم رحما سيأبلها بِبلَالِهَا)

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن حبَان (يَا بني هَاشم لَا يَأْتِين النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بِالآخِرَة يحملونها على ظُهُورهمْ وتأتون بالدنيا على ظهوركم لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا)

وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد (إِن أوليائي يَوْم الْقِيَامَة المتقون وَإِن كَانَ نسب أقرب من نسب لَا تَأتي النَّاس بِالْأَعْمَالِ وتأتون بالدنيا تحملونها على رِقَابكُمْ فتقولون يَا مُحَمَّد فَأَقُول هَكَذَا وَهَكَذَا) وَأعْرض فِي كلا عطفيه

ص: 458

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ (إِن أهل بَيْتِي هَؤُلَاءِ يرَوْنَ أَنهم أولى النَّاس بِي وَلَيْسَ كَذَلِك إِن أوليائي مِنْكُم المتقون من كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا)

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يَقُول (إِن آل أبي فلَان لَيْسُوا بأوليائي إِنَّمَا وليي الله وَصَالح الْمُؤمنِينَ) زَاد البُخَارِيّ (لَكِن لَهُم رحم سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا)

يَعْنِي سأصلها بصلتها

وَوجه عدم الْمُنَافَاة كَمَا قَالَه الْمُحب الطَّبَرِيّ وَغَيره من الْعلمَاء أَنه صلى الله عليه وسلم لَا يملك لأحد شَيْئا لَا نفعا وَلَا ضرا لَكِن الله عز وجل يملكهُ نفع أَقَاربه وَجَمِيع أمته بالشفاعة الْعَامَّة والخاصة فَهُوَ لَا يملك إِلَّا مَا يملكهُ لَهُ مَوْلَاهُ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (غير أَن لكم رحما سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا) وَكَذَا معنى قَوْله (لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا) أَي بِمُجَرَّد نَفسِي من غير مَا يكرمني بِهِ الله من نَحْو شَفَاعَة أَو مغْفرَة وخاطبهم بذلك رِعَايَة لمقام التخويف والحث على الْعَمَل والحرص على أَن يَكُونُوا أولى النَّاس حظا فِي تقوى الله وخشيته ثمَّ أَوْمَأ إِلَى حق رَحمَه إِشَارَة إِلَى

ص: 459

إِدْخَال نوع طمأنينة عَلَيْهِم

وَقيل هَذَا قبل علمه بِأَن الانتساب إِلَيْهِ ينفع وَبِأَنَّهُ يشفع فِي إِدْخَال قوم الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَرفع دَرَجَات آخَرين وَإِخْرَاج قوم من النَّار وَلما خَفِي ذَلِك الْجمع عَن بَعضهم حمل حَدِيث (كل سَبَب وَنسب) على أَن المُرَاد أَن أمته صلى الله عليه وسلم يَوْم الْقِيَامَة ينسبون إِلَيْهِ بِخِلَاف أُمَم الْأَنْبِيَاء لَا ينسبون إِلَيْهِم وَهُوَ بعيد

وَإِن حَكَاهُ وَجها فِي الرَّوْضَة بل يردهُ مَا مر من استناد عمر إِلَيْهِ فِي الْحِرْص على تَزْوِيجه بِأم كُلْثُوم وَإِقْرَار عَليّ والمهاجرين وَالْأَنْصَار لَهُ على ذَلِك وَيَردهُ على ذَلِك وَيَردهُ أَيْضا ذكر الصهر والحسب مَعَ السَّبَب وَالنّسب كَمَا مر وغضبه صلى الله عليه وسلم لما قيل إِن قرَابَته لَا تَنْفَع

على أَن فِي حَدِيث البُخَارِيّ مَا يَقْتَضِي نِسْبَة بَقِيَّة الْأُمَم إِلَى أَنْبِيَائهمْ فَإِن فِيهِ (يَجِيء نوح عليه السلام وَأمته فَيَقُول الله تَعَالَى هَل بلغت فَيَقُول أَي رب نعم فَيَقُول لأمته هَل بَلغَكُمْ. .) الحَدِيث

وَكَذَا جَاءَ فِي غَيره

وَاعْلَم أَنه اسْتُفِيدَ من قَوْله صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث السَّابِق (إِن أوليائي مِنْكُم المتقون) وَقَوله (إِنَّمَا وليي الله وَصَالح الْمُؤمنِينَ) أَن نفع رَحمَه وقرابته وشفاعته للمذنبين من أهل بَيته وَإِن لم تنتف لَكِن يَنْتَفِي عَنْهُم بِسَبَب عصيانهم ولَايَة الله وَرَسُوله لكفرانهم نعْمَة قرب النّسَب إِلَيْهِ بارتكابهم مَا يسوءه صلى الله عليه وسلم عِنْد عرض عَمَلهم عَلَيْهِ وَمن ثمَّ يعرض صلى الله عليه وسلم عَمَّن يَقُول لَهُ مِنْهُم يَوْم الْقِيَامَة يَا مُحَمَّد

ص: 460

كَمَا فِي الحَدِيث السَّابِق

وَقد قَالَ الْحسن بن الْحسن السبط لبَعض الغلاة فيهم وَيحكم أحبونا لله فَإِن أَطعْنَا الله فأحبونا وَإِن عَصَيْنَاهُ فابغضونا وَيحكم لَو كل الله نَافِعًا بِقرَابَة من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِغَيْر عمل بِطَاعَتِهِ لنفع بذلك من هُوَ أقرب إِلَيْهِ منا وَالله إِنِّي أَخَاف أَن يُضَاعف للعاصي منا الْعَذَاب ضعفين وَإِن يُؤْتى المحسن منا أجره مرَّتَيْنِ

وَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من قَوْله تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} الْأَحْزَاب 30

خَاتِمَة علم من الْأَحَادِيث السَّابِقَة اتجاه قَول صَاحب التَّلْخِيص من أَصْحَابنَا من خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم أَن أَوْلَاد بَنَاته ينسبون إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوْلَاد بَنَات غَيره لَا ينسبون إِلَى جدهم من الْكَفَاءَة وَغَيرهَا وَأنكر ذَلِك الْقفال وَقَالَ لَا خُصُوصِيَّة بل كَانَ أحد ينْسب إِلَيْهِ اولاد بَنَاته

وَيَردهُ الْخَبَر السَّابِق (كل بني أم ينتمون إِلَى عصبَة) إِلَى آخِره ثمَّ معنى الانتساب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ من خصوصياته أَنه يُطلق عَلَيْهِ أَنه أَب لَهُم وَأَنَّهُمْ بنوه حَتَّى يعْتَبر ذَلِك فِي الْكَفَاءَة فَلَا يكافىء شريفة هاشمية غير شرِيف

وَقَوْلهمْ إِن بني هَاشم وَالْمطلب أكفاء مَحَله فِيمَا عدا هَذِه الصُّورَة كَمَا بَينته بِمَا فِيهِ كِفَايَة فِي إِفْتَاء طَوِيل مسطر فِي الْفَتَاوَى وَحَتَّى

ص: 461

يدْخلُونَ فِي الْوَقْف على أَوْلَاده وَالْوَصِيَّة لَهُم وَأما أَوْلَاد بَنَات غَيره فَلَا تجْرِي فيهم مَعَ جدهم لأمهم هَذِه الْأَحْكَام

نعم يَسْتَوِي الْجد للْأَب وَالأُم فِي الانتساب إِلَيْهِمَا من حَيْثُ تطلق الذُّرِّيَّة والنسل والعقب عَلَيْهِم فَأَرَادَ صَاحب التَّلْخِيص بالخصوصية مَا مر وَأَرَادَ الْقفال بعدمها هَذَا وَحِينَئِذٍ فَلَا خلاف بَينهمَا فِي الْحَقِيقَة

وَمن فَوَائِد ذَلِك أَيْضا أَنه يجوز أَن يُقَال للحسنين أَبنَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَب لَهما اتِّفَاقًا وَلَا يجْرِي فِيهِ القَوْل الضَّعِيف لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُقَال لَهُ صلى الله عليه وسلم أَب الْمُؤمنِينَ وَلَا عِبْرَة بِمن منع ذَلِك حَتَّى فِي الحسنين من الأمويين للْخَبَر الصَّحِيح الْآتِي فِي الْحسن إِن ابْني هَذَا سيد

وَمُعَاوِيَة وَإِن نقل الْقُرْطُبِيّ عَنهُ ذَلِك لَكِن نقل عَنهُ مَا يَقْتَضِي أَنه رَجَعَ عَن ذَلِك وَغير مُعَاوِيَة من بَقِيَّة الأمويين الْمَانِع لذَلِك لَا يعْتد بِهِ وعَلى الْأَصَح فَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم} الْأَحْزَاب 40 إِنَّمَا سيق لانْقِطَاع حكم التبني لَا لمنع هَذَا الْإِطْلَاق المُرَاد بِهِ أَنه أَبُو الْمُؤمنِينَ فِي الاحترام وَالْإِكْرَام

الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} الضُّحَى 5

نقل الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ رَضِي مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أَن لَا يدْخل أحد من أهل بَيته النَّار وَقَالَهُ السّديّ

انْتهى

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (وَعَدَني رَبِّي فِي أهل بَيْتِي

ص: 462

من أقرّ مِنْهُم لله بِالتَّوْحِيدِ ولي بالبلاغ أَن لَا يعذبهم)

وَأخرج الملا (سَأَلت رَبِّي أَن لَا يدْخل النَّار أحد من أهل بَيْتِي فَأَعْطَانِي ذَلِك)

وَأخرج أَحْمد فِي المناقب أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَا معشر بني هَاشم وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا لَو أخذت بِحَلقَة الْجنَّة مَا بدأت إِلَّا بكم)

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (أول من يرد عَليّ الْحَوْض أهل بَيْتِي وَمن أَحبَّنِي من أمتِي)

وَهُوَ ضَعِيف وَالَّذِي صَحَّ (أول من يرد عَليّ الْحَوْض فُقَرَاء الْمُهَاجِرين) فَإِن صَحَّ الأول أَيْضا حمل على أَن أُولَئِكَ أول من يرد بعد هَؤُلَاءِ

وَأخرج المخلص وَالطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ (أول من أشفع لَهُ من أمتِي أهل بَيْتِي ثمَّ

ص: 463

الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من قُرَيْش ثمَّ الْأَنْصَار ثمَّ من آمن بِي واتبعني من الْيمن ثمَّ سَائِر الْعَرَب ثمَّ الْأَعَاجِم وَمن أشفع لَهُ أَولا أفضل)

وَعند الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا (أول من أشفع لَهُ من أمتِي من أهل الْمَدِينَة ثمَّ أهل مَكَّة ثمَّ أهل الطَّائِف)

وَيجمع بَينهمَا بِأَن ذَاك فِيهِ تَرْتِيب من حَيْثُ الْقَبَائِل وَهَذَا فِيهِ تَرْتِيب من حَيْثُ الْبلدَانِ فَيحْتَمل أَن المُرَاد الْبدَاءَة فِي قُرَيْش بِأَهْل الْمَدِينَة ثمَّ مَكَّة ثمَّ الطَّائِف وَكَذَا فِي الْأَنْصَار ثمَّ من بعدهمْ وَمن أهل مَكَّة بذلك على هَذَا التَّرْتِيب وَمن أهل الطَّائِف بذلك كَذَلِك

وَأخرج تَمام وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن فَاطِمَة أحصنت فرجهَا فَحرم الله ذريتها على النَّار) وَفِي رِوَايَة (فَحَرمهَا الله وذريتها على النَّار)

وَأخرج الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي أَنه قَالَ (يَا فَاطِمَة لم سميت فَاطِمَة) قَالَ عَليّ لم سميت فَاطِمَة يَا رَسُول الله قَالَ (إِن الله قد فطمها

ص: 464

وذريتها من النَّار)

وَأخرج النَّسَائِيّ (إِن ابْنَتي فَاطِمَة حوراء آدمية لم تَحض وَلم تطمث إِنَّمَا سَمَّاهَا فَاطِمَة لِأَن الله فطمها ومحبيها عَن النَّار)

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا (إِن الله غير معذبك وَلَا أحد من ولدك)

وَورد أَيْضا (يَا عَبَّاس إِن الله غير معذبك وَلَا أحد من ولدك)

وَصَحَّ (يَا بني عبد الْمطلب) وَفِي رِوَايَة (يَا بني هَاشم إِنِّي قد سَأَلت الله عز وجل لكم أَن يجعلكم رحماء نجباء وَسَأَلته أَن يهدي ضالكم ويؤمن خائفكم ويشبع جائعكم)

وَأخرج الديلمي وَغَيره أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (نَحن بَنو عبد الْمطلب سَادَات أهل

ص: 465

الْجنَّة أَنا وَحَمْزَة وجعفر بن أبي طَالب وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَالْمهْدِي)

وَفِي حَدِيث ضَعِيف عَن عَليّ شَكَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حسد النَّاس فَقَالَ لي (أما ترْضى أَن تكون رَابِع أَرْبَعَة أول من يدْخل الْجنَّة أَنا وَأَنت وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَأَزْوَاجنَا عَن أَيْمَاننَا وَشَمَائِلنَا وَذُرِّيَّتنَا خلف أَزوَاجنَا)

وَأخرج أَحْمد فِي المناقب أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لعَلي (أما ترْضى أَنَّك معي فِي الْجنَّة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَذُرِّيَّتنَا خلف ظُهُورنَا وَأَزْوَاجنَا خلف ذريتنا وشيعتنا عَن أَيْمَاننَا وَشَمَائِلنَا)

وَمر عَن عَليّ فِي الْآيَة الثَّامِنَة بَيَان صفة تِلْكَ الشِّيعَة فراجع ذَلِك فَإِنَّهُ مُهِمّ وَبِه تبين لَك أَن أَن الْفرْقَة الْمُسَمَّاة بالشيعة الْآن إِنَّمَا هم شيعَة إِبْلِيس لِأَنَّهُ استولى على عُقُولهمْ فأضلها ضلالا مُبينًا

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لعَلي (أول أَرْبَعَة يدْخلُونَ الْجنَّة أَنا وَأَنت وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَذُرِّيَّاتنَا خلف ظُهُورنَا وَأَزْوَاجنَا خلف ذرياتنا وشيعتنا عَن

ص: 466

وَسَنَده ضَعِيف لَكِن يشْهد لَهُ مَا صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس (إِن الله يرفع ذُرِّيَّة الْمُؤمن مَعَه فِي دَرَجَته وَإِن كَانُوا دونه فِي الْعَمَل) ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ} الطّور 21 الْآيَة

وَأخرج الديلمي (يَا عَليّ إِن الله قد غفر لَك ولذريتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبي شيعتك فأبشر فَإنَّك الأنزع البطين)

وَهُوَ // ضَعِيف //

وَكَذَا خبر (أَنْت وشيعتك تردون عَليّ الْحَوْض رُوَاة مرويين مبيضة وُجُوهكُم وَإِن عَدوك يردون عَليّ الْحَوْض ظماء مقمحين)

ضَعِيف أَيْضا

وَمر بَيَان صِفَات شيعته فاحذر من غرور الضَّالّين وتمويه الجاحدين الرافضة والشيعة وَنَحْوهمَا {قَاتلهم الله أَنى يؤفكون} التَّوْبَة 30

الْآيَة الْحَادِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} الْبَيِّنَة 7

أخرج الْحَافِظ جمال الدّين الزرندي عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن هَذِه

ص: 467

الْآيَة لما نزلت قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعَلي (هُوَ أَنْت وشيعتك تَأتي أَنْت وشيعتك يَوْم الْقِيَامَة راضين مرضيين وَيَأْتِي عَدوك غضابا مقمحين) قَالَ وَمن عدوي قَالَ (من تَبرأ مِنْك ولعنك)

وَخبر (السَّابِقُونَ إِلَى ظلّ الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة طُوبَى لَهُم)

قيل وَمن هم يَا رَسُول الله قَالَ (شيعتك يَا عَليّ ومحبوك) فِيهِ كَذَّاب

واستحضر مَا مر فِي صِفَات شيعته واستحضر أَيْضا الْأَخْبَار السَّابِقَة فِي الْمُقدمَات أول الْبَاب فِي الرافضة

وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ (يَا أَبَا الْحسن أما أَنْت وشيعتك فِي الْجنَّة وَإِن قوما يَزْعمُونَ أَنهم يحبونك يصغرون الْإِسْلَام ثمَّ يلفظونه يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية لَهُم نبز يُقَال لَهُم الرافضة فَإِن أدركتهم فَقَاتلهُمْ فَإِنَّهُم مشركون)

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لهَذَا الحَدِيث عندنَا طرقات كَثِيرَة ثمَّ أخرج عَن أم سَلمَة رضي الله عنها قَالَت كَانَت لَيْلَتي وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْدِي فَأَتَتْهُ فَاطِمَة فتبعها عَليّ رضي الله عنهما فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (يَا عَليّ أَنْت وَأَصْحَابك فِي الْجنَّة أَنْت وشيعتك فِي الْجنَّة إِلَّا أَنه مِمَّن يزْعم مِمَّن يحبك أَقوام يصغرون الْإِسْلَام يلفظونه يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم لَهُم نبز يُقَال لَهُم الرافضة فجاهدهم فَإِنَّهُم مشركون) قَالُوا يَا رَسُول الله مَا الْعَلامَة فيهم قَالَ (لَا

ص: 468

يشْهدُونَ جُمُعَة وَلَا جمَاعَة ويطعنون على السّلف)

وَمن ثمَّ قَالَ مُوسَى بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ وَكَانَ فَاضلا عَن أَبِيه عَن جده إِنَّمَا شِيعَتِنَا منأطاع الله وَرَسُوله وَعمل أَعمالنَا

الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {وَإنَّهُ لعلم للساعة} الزخرف 61

قَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان وَمن تبعه من الْمُفَسّرين إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْمهْدي وَسَتَأْتِي الْأَحَادِيث المصرحة بِأَنَّهُ من أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ وَحِينَئِذٍ فَفِي الْآيَة دلَالَة على الْبركَة فِي نسل فَاطِمَة رضي الله عنهما وَأَن الله ليخرج مِنْهُمَا كثيرا طيبا وَأَن يَجْعَل نسلهما مَفَاتِيح الْحِكْمَة ومعادن الرَّحْمَة

وسر ذَلِك أَنه صلى الله عليه وسلم أعاذها وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم

ودعا لعَلي بِمثل ذَلِك وَشرح ذَلِك كُله يعلم بسياق الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَيْهِ

وَأخرج النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح أَن نَفرا من الْأَنْصَار قَالُوا لعَلي رضي الله عنه لَو كَانَت عنْدك فَاطِمَة

فَدخل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَعْنِي ليخطيها فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ (مَا حَاجَة ابْن أبي طَالب) قَالَ فَذكرت فَاطِمَة

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم (مرْحَبًا وَأهلا) فَخرج إِلَى الرَّهْط من الْأَنْصَار ينتظرونه فَقَالُوا لَهُ مَا وَرَاءَك قَالَ مَا أَدْرِي غير أَنه قَالَ لي مرْحَبًا وَأهلا قَالُوا يَكْفِيك من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحدهمَا قد أَعْطَاك الْأَهْل وأعطاك الرحب فَلَمَّا كَانَ بعد مَا زوجه قَالَ لَهُ (يَا

ص: 469

عَليّ إِنَّه لَا بُد للعرس من وَلِيمَة)

قَالَ سعد رضي الله عنه عِنْدِي كَبْش وَجمع لَهُ رَهْط من الْأَنْصَار آصعا من ذرة فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْبناء قَالَ (يَا عَليّ لَا تحدث شَيْئا حَتَّى تَلقانِي) فَدَعَا صلى الله عليه وسلم بِمَاء فَتَوَضَّأ بِهِ ثمَّ أفرغه على عَليّ وَفَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ (اللَّهُمَّ بَارك فيهمَا وَبَارك عَلَيْهِمَا وَبَارك لَهما فِي نسلهما) وَفِي رِوَايَة (فِي شملهما) وَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ الْجِمَاع وَفِي أُخْرَى (شبليهما) قيل وَهُوَ تَضْعِيف فَإِن صحت فالشبل ولد الْأسد فَيكون ذَلِك كشفا واطلاعا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم على أَنَّهَا تَلد الحسنين فَأطلق عَلَيْهِمَا شبلين وهما كَذَلِك

وَأخرج أَبُو عَليّ الْحسن بن شَاذان أَن جِبْرِيل جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تزوج فَاطِمَة من عَليّ فَدَعَا صلى الله عليه وسلم جمَاعَة من أَصْحَابه فَقَالَ (الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته) الْخطْبَة الْمَشْهُورَة ثمَّ زوج عليا وَكَانَ غَائِبا وَفِي آخرهَا (فَجمع الله شملهما وأطاب نسلهما وَجعل نسلهما مَفَاتِيح الرَّحْمَة ومعادن الْحِكْمَة وَأمن الْأمة) فَلَمَّا حضر عَليّ تَبَسم صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهُ (إِن الله أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة أرضيت بذلك) فَقَالَ قد

ص: 470

رضيتها يَا رَسُول الله ثمَّ خر عَليّ سَاجِدا لله شكرا فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم (بَارك الله لَكمَا وَبَارك فيكما وأعز جدكما وَأخرج مِنْكُمَا الْكثير الطّيب)

قَالَ أنس رضي الله عنه وَالله لقد أخرج الله مِنْهُمَا الْكثير الطّيب وَأخرج أَكْثَره أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي الحاكمي

وَالْعقد لَهُ مَعَ غيبته سَائِغ لِأَن من خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم أَن ينْكح من شَاءَ لمن شَاءَ بِلَا إِذن لِأَنَّهُ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم على أَنه يحْتَمل أَنه بِحُضُور وَكيله وَيحْتَمل أَنه إِعْلَام لَهُم بِمَا سيفعله وَقَوله قد رضيتها يحْتَمل أَنه إِخْبَار عَن رِضَاهُ بِوُقُوع العقد السَّابِق من وَكيله فَهِيَ وَاقعَة حَال مُحْتَملَة

وَأخرج أَبُو دَاوُد السجسْتانِي أَن أَبَا بكر خطبهَا فَأَعْرض عَنهُ صلى الله عليه وسلم ثمَّ عمر فَأَعْرض عَنهُ فَأتيَا عليا فنبهاه إِلَى خطبتها فجَاء فَخَطَبَهَا فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم (مَا مَعَك) فَقَالَ فرسي وبدني

قَالَ (أما فرسك فَلَا بُد لَك مِنْهُ وَأما بدنك فبعها وائتني بهَا) فَبَاعَهَا باربعمائة وَثَمَانِينَ ثمَّ وَضعهَا فِي حجره فَقبض مِنْهَا قَبْضَة وَأمر بِلَالًا أَن يَشْتَرِي بهَا طيبا ثمَّ أَمرهم أَن يجهزوها فَعمل لَهَا سريرا شريط وَفِي شريط وسَادَة من أَدَم حشوها لِيف وملأ الْبَيْت كثيبا يَعْنِي رملا وَأمر أم أَيمن أَن تَنْطَلِق إِلَى ابْنَته وَقَالَ لعَلي (لَا تعجل حَتَّى آتِيك) ثمَّ أَتَاهُم صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لأم أَيمن هَهُنَا أخي قَالَت أَخُوك وتزوجه ابْنَتك قَالَ (نعم) فَدخل على فَاطِمَة

ص: 471

ودعا بِمَاء فَأَتَتْهُ بقدح فِيهِ مَاء فمج فِيهِ ثمَّ نضح على رَأسهَا وَبَين ثدييها وَقَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم) ثمَّ قَالَ لعَلي (ائْتِنِي بِمَاء) فَعلمت مَا يُرِيد فملأت الْقَعْب فَأَتَيْته بِهِ فنضح مِنْهُ على رَأْسِي وَبَين كَتِفي وَقَالَ (اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهُ بك وَذريته من الشَّيْطَان الرَّجِيم)

ثمَّ قَالَ (ادخل بأهلك على اسْم الله تَعَالَى وبركته) وَأخرج أَحْمد وَأَبُو حَاتِم نَحوه

وَقد ظَهرت بركَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم فِي نسلهما فَكَانَ مِنْهُ من مضى وَمن يَأْتِي وَلَو لم يكن فِي الآتين إِلَّا الإِمَام الْمهْدي لكفى وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْل الثَّانِي جملَة مستكثرة من الْأَحَادِيث المبشرة بِهِ

وَمن ذَلِك مَا أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَآخَرُونَ (الْمهْدي من عِتْرَتِي من ولد فَاطِمَة)

وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه (لَو لم يبْق من الدَّهْر إِلَّا يَوْم لبعث الله فِيهِ رجلا من عِتْرَتِي) وَفِي رِوَايَة (رجلا من أهل بَيْتِي يملؤها عدلا كَمَا ملئت جورا) وَفِي رِوَايَة لمن عدا الْأَخير (لَا تذْهب الدُّنْيَا وَلَا تَنْقَضِي حَتَّى يملك رجل من أهل بَيْتِي يواطىء اسْمه اسْمِي) وَفِي أُخْرَى لأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ (لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم وَاحِد لطول الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يبْعَث الله

ص: 472

فِيهِ رجلا من أهل بَيْتِي يواطىء اسْمه اسْمِي وَاسم أَبِيه اسْم أبي يمْلَأ الأَرْض قسطا وعدلا كَمَا ملئت جورا وظلما)

وَأحمد وَغَيره (الْمهْدي منا أهل الْبَيْت يصلحه الله فِي لَيْلَة)

وَالطَّبَرَانِيّ (الْمهْدي منا يخْتم الدّين بِنَا كَمَا فتح بِنَا)

وَالْحَاكِم فِي صَحِيحه (يحل بأمتي فِي آخر الزَّمَان بلَاء شَدِيد من سلطانهم لم يسمع بلَاء أَشد مِنْهُ حَتَّى لَا يجد الرجل ملْجأ فيبعث الله رجلا من عِتْرَتِي أهل بَيْتِي يمْلَأ الأَرْض قسطا وعدلا كَمَا ملئت ظلما وجورا يُحِبهُ سَاكن الأَرْض وَسَاكن السَّمَاء وَترسل السَّمَاء قطرها وَتخرج الأَرْض نباتها لَا تمسك فِيهَا شَيْئا يعِيش فيهم سبع سِنِين أَو ثمانيا أَو تسعا يتَمَنَّى الْأَحْيَاء الْأَمْوَات مِمَّا صنع الله بِأَهْل الأَرْض من خَيره)

وروى االطبراني وَالْبَزَّار نَحوه وَفِيه (يمْكث فِيكُم سبعا أَو ثمانيا فَإِن أَكثر فتسعا)

وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالْحَاكِم (يملك فِيكُم سبع سِنِين) وَفِي أُخْرَى لِلتِّرْمِذِي

(إِن فِي أمتِي الْمهْدي يخرج يعِيش خمْسا أَو سبعا أَو تسعا فَيَجِيء إِلَيْهِ الرجل فَيَقُول يَا مهْدي أَعْطِنِي أَعْطِنِي فيحثي لَهُ فِي ثَوْبه مَا اسْتَطَاعَ أَن)

ص: 473

يعْمل رِوَايَة وَفِي رِوَايَة (فيلبث فِي ذَلِك سِتا أَو سبعا أَو ثمانيا أَو تسع سِنِين)

وَسَيَأْتِي أَن الَّذِي اتّفقت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث سبع سِنِين من غير شكّ

وَأخرج أَحْمد وَمُسلم (يكون فِي آخر الزَّمَان خَليفَة يحثو المَال حثيا وَلَا يعده عدا)

وَابْن مَاجَه مَرْفُوعا (يخرج نَاس من الْمشرق فيوطئون للمهدي سُلْطَانه)

وَصَحَّ أَن اسْمه يُوَافق اسْم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاسم أَبِيه اسْم أَبِيه

وَأخرج ابْن ماجة بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ أقبل فِئَة من بني هَاشم فَلَمَّا رَآهُمْ صلى الله عليه وسلم اغرورقت عَيناهُ وَتغَير لَونه

قَالَ فَقلت مَا نزال نرى فِي وَجهك شَيْئا نكرهه فَقَالَ (إِنَّا أهل بَيت اخْتَار الله لنا الْآخِرَة على الدُّنْيَا وَإِن أهل بَيْتِي سيلقون بعدِي بلَاء شَدِيدا وتطريدا حَتَّى يَأْتِي قوم من قبل الْمشرق مَعَهم رايات سود فيسالون الْخَيْر فَلَا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون مَا سَأَلُوا فَلَا يقبلونه حَتَّى يدفعوها إِلَى رجل من أهل بَيْتِي فيملؤها قسطا كَمَا ملأوها جورا فَمن أدْرك ذَلِك مِنْكُم فليأتهم وَلَو حبوا على الثَّلج)

وَفِي سَنَده من هُوَ سيء الْحِفْظ مَعَ اخْتِلَاطه فِي آخر عمره

وَأخرج أَحْمد عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا (إِذا رَأَيْتُمْ الرَّايَات السود قد خرجت من خُرَاسَان فأتوها وَلَو حبوا على الثَّلج فَإِن فِيهَا خَليفَة الله الْمهْدي) وَفِي سَنَده مضعف لَهُ مَنَاكِير

وَإِنَّمَا أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة وَلَا حجَّة فِي هَذَا وَالَّذِي قبله لَو

ص: 474

فرض انهما صَحِيحَانِ لمن زعم أَن الْمهْدي ثَالِث خلفاء بني الْعَبَّاس

وَأخرج نصير بن حَمَّاد مَرْفُوعا (هُوَ رجل من عِتْرَتِي يُقَاتل عَن سنتي كَمَا قَاتَلت انا على الْوَحْي

وَأخرج أَبُو نعيم ليبْعَثن الله رجلا من عِتْرَتِي أفرق الثنايا أجلى الْجَبْهَة يمْلَأ الأَرْض عدلا يفِيض المَال فيضا)

وَأخرج الرَّوْيَانِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا (الْمهْدي من وَلَدي وَجهه كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّي اللَّوْن لون عَرَبِيّ والجسم جسم إسرائيلي يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا يرضى لخلافته أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض وَالطير فِي الجو يملك عشْرين سنة)

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا (يلْتَفت الْمهْدي وَقد نزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عليه السلام كَأَنَّمَا يقطر من شعره المَاء فَيَقُول الْمهْدي تقدم فصل بِالنَّاسِ فَيَقُول عِيسَى إِنَّمَا أُقِيمَت الصَّلَاة لَك فَيصَلي خلف رجل من وَلَدي) الحَدِيث

وَفِي صَحِيح ابْن حبَان فِي إِمَامَة الْمهْدي نَحوه

وَصَحَّ مَرْفُوعا (ينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم فَيَقُول أَمِيرهمْ الْمهْدي تعال صل بِنَا فَيَقُول لَا إِن بَعْضكُم أَئِمَّة على بعض تكرمة الله هَذِه الْأمة)

وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا يزْدَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وَلَا الدُّنْيَا

ص: 475

إِلَّا إدبارا وَلَا النَّاس إِلَّا شحا وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس وَلَا مهْدي إِلَّا عِيسَى ابْن مَرْيَم) أَي لَا مهْدي على الْحَقِيقَة سواهُ لوضعه الْجِزْيَة وإهلاكه الْملَل الْمُخَالفَة لملتنا كَمَا صحت بِهِ الْأَحَادِيث أَو لَا مهْدي مَعْصُوما إِلَّا هُوَ وَلَقَد قَالَ إِبْرَاهِيم بن ميسرَة لطاوس عمر بن عبد الْعَزِيز الْمهْدي قَالَ لَا إِنَّه لم يستكمل الْعدْل كُله

أَي فَهُوَ من جملَة المهديين وَلَيْسَ الْمَوْعُود بِهِ آخر الزَّمَان وَقد صرح أَحْمد وَغَيره بِأَنَّهُ من المهديين الْمَذْكُورين فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين من بعدِي)

ثمَّ تَأْوِيل حَدِيث (لَا مهْدي إِلَّا عِيسَى) إِنَّمَا هُوَ على تَقْدِير ثُبُوته وَإِلَّا فقد قَالَ الْحَاكِم أوردته تَعَجبا لَا محتجا بِهِ

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن خَالِد وَقد قَالَ الْحَاكِم إِنَّه مَجْهُول وَاخْتلف عَنهُ فِي إِسْنَاده وَصرح النَّسَائِيّ بِأَنَّهُ مُنكر وَجزم غَيره من الْحفاظ بَان الْأَحَادِيث الَّتِي قبله أَي الناصة على أَن الْمهْدي من ولد فَاطِمَة أصح إِسْنَادًا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ (إِذا قَامَ قَائِم آل مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم جمع الله أهل الْمشرق وَأهل الْمغرب فَأَما الرفقاء فَمن أهل الْكُوفَة وَأما الأبدال فَمن أهل الشَّام) وَصَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (يكون اخْتِلَاف عِنْد موت خَليفَة فَيخرج رجل من الْمَدِينَة

ص: 476

هَارِبا إِلَى مَكَّة فيأتيه نَاس من أهل مَكَّة فيخرجونه وَهُوَ كَارِه فيبايعونه بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَيبْعَث إِلَيْهِم بعث من الشَّام فيخسف بهم بِالْبَيْدَاءِ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فَإِذا رأى النَّاس ذَلِك أَتَاهُ أبدال أهل الشَّام وعصائب أهل الْعرَاق فيبايعونه ثمَّ ينشأ رجل من قُرَيْش أَخْوَاله كلب فيبعث إِلَيْهِم بعثا فيظهرون عَلَيْهِم وَذَلِكَ بعث كلب والخيبة لمن لم يشْهد غنيمَة كلب فَيقسم المَال وَيعْمل فِي النَّاس بِسنة نَبِيّهم صلى الله عليه وسلم ويلقي الْإِسْلَام بجرانه إِلَى الأَرْض) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لفاطمة (نَبينَا خير الْأَنْبِيَاء وَهُوَ أَبوك وشهيدنا خير الشُّهَدَاء وَهُوَ عَم أَبِيك حَمْزَة وَمنا من لَهُ جَنَاحَانِ يطير بهما فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ هُوَ ابْن عَم أَبِيك جَعْفَر ومناسبطا هَذِه الْأمة الْحسن وَالْحُسَيْن وهما ابناك) وَالْمرَاد أَنه يتشعب مِنْهُمَا قبيلتان وَيكون من نسلهما خلق كثير وَمنا الْمهْدي

وَأخرج ابْن مَاجَه أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم وَاحِد لطول الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يملك رجل من أهل بَيْتِي يملك جبل الديلم والقسطنطينية)

وَصَحَّ عِنْد الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما منا أهل الْبَيْت أَرْبَعَة منا السفاح وَمنا الْمُنْذر وَمنا الْمَنْصُور وَمنا الْمهْدي

فَإِن أَرَادَ بِأَهْل الْبَيْت مَا يَشْمَل جَمِيع بني هَاشم وَيكون الثَّلَاثَة الأول من نسل الْعَبَّاس والأخير من نسل فَاطِمَة

ص: 477

فَلَا إِشْكَال فِيهِ

وَإِن أَرَادَ أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة من نسل الْعَبَّاس أمكن حمل الْمهْدي فِي كَلَامه على ثَالِث خلفاء بني الْعَبَّاس لِأَنَّهُ فيهم كعمر بن عبد الْعَزِيز فِي بني أُميَّة لما أوتيه من الْعدْل التَّام والسيرة الْحَسَنَة وَلِأَنَّهُ جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن اسْم الْمهْدي يُوَافق اسْم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاسم أَبِيه اسْم أَبِيه

وَالْمهْدِي هَذَا كَذَلِك لِأَنَّهُ مُحَمَّد بن عبد الله الْمَنْصُور وَيُؤَيّد ذَلِك خبر ابْن عدي الْمهْدي من ولد الْعَبَّاس عمي لَكِن قَالَ الذَّهَبِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن الْوَلِيد مولى بني هَاشم وَكَانَ يضع الحَدِيث

وَلَا يُنَافِي هَذَا الْحمل وصف ابْن عَبَّاس للمهدي فِي كَلَامه بِأَنَّهُ يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئث جورا وتأمن الْبَهَائِم السبَاع فِي زَمَنه وتلقي الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا أَي أَمْثَال الأسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَن هَذِه الْأَوْصَاف يُمكن تطبيقها على الْمهْدي العباسي وَإِذا أمكن حمل كَلَامه على مَا ذَكرْنَاهُ لم يناف الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة السَّابِقَة أَن الْمهْدي من ولد فَاطِمَة لِأَن المُرَاد بالمهدي فِيهَا الْآتِي آخر الزَّمَان الَّذِي يأتم بِهِ عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا وَسلم

وَرِوَايَة (إِنَّه يَلِي الْأَمر بعد الْمهْدي اثْنَا عشر رجلا سِتَّة من ولد الْحسن وَخَمْسَة من ولد الْحُسَيْن وَآخر من غَيرهم) واهية جدا

كَمَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام والحافظ الشهَاب ابْن حجر أَي مَعَ مخالفتها للأحاديث الصَّحِيحَة أَنه آخر الزَّمَان وَأَن عِيسَى يأتم بِهِ وَلخَبَر الطَّبَرَانِيّ (سَيكون من بعدِي

ص: 478

خلفاء ثمَّ من بعد الْخُلَفَاء أُمَرَاء ثمَّ من بعد الْأُمَرَاء مُلُوك وَمن بعد الْمُلُوك جبابرة ثمَّ يخرج رجل من أهل بَيْتِي يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا ثمَّ يُؤمر القحطاني فوالذي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا هُوَ دونه) وَفِي نُسْخَة مَا يقوونه وعَلى مَا حملنَا عَلَيْهِ كَلَام ابْن عَبَّاس يُمكن أَن يحمل مَا رَوَاهُ هُوَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (لن تهْلك أمة أَنا أَولهَا وَعِيسَى ابْن مَرْيَم آخرهَا وَالْمهْدِي وَسطهَا) أخرجه أَبُو نعيم

فَيكون المُرَاد بِهِ الْمهْدي العباسي ثمَّ رَأَيْت بَعضهم قَالَ المُرَاد بالوسط فِي خبر (لن تهْلك أمة أَنا أَولهَا ومهديها وَسطهَا والمسيح ابْن مَرْيَم آخرهَا) مَا قبل الآخر

وَأخرج أَحْمد وَالْمَاوَرْدِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَبْشِرُوا بالمهدي رجل من قُرَيْش من عِتْرَتِي يخرج فِي اخْتِلَاف من النَّاس وزلزال فَيمْلَأ الأَرْض عدلا وقسطا كَمَا ملئت ظلما وجورا ويرضى عَنهُ سَاكن السَّمَاء وَسَاكن الأَرْض وَيقسم المَال صحاحا بِالسَّوِيَّةِ ويملأ قُلُوب أمة مُحَمَّد غنى ويسعهم عدله حَتَّى إِنَّه يَأْمر مناديا فينادي من لَهُ حَاجَة إِلَيّ فَمَا يَأْتِيهِ أحد إِلَّا رجل وَاحِد يَأْتِيهِ فيسأله فَيَقُول ائْتِ السادن حَتَّى يعطيك فيأتيه فَيَقُول أَنا رَسُول الْمهْدي إِلَيْك لتعطيني مَالا فَيَقُول أحث فيحثي مَالا يَسْتَطِيع أَن يحملهُ فيلقي حَتَّى يكون قدر مَا يَسْتَطِيع أَن يحمل فَيخرج بِهِ فيندم فَيَقُول أَنا كنت أجشع أمة مُحَمَّد نفسا كلهم دعِي إِلَى هَذَا المَال فَتَركه غَيْرِي فَيرد عَلَيْهِ فَيَقُول إِنَّا لَا نقبل شَيْئا أعطيناه فيلبث فِي

ص: 479

ذَلِك سِتا أَو سبعا أَو ثمانيا أَو تسع سِنِين وَلَا خير فِي الْحَيَاة بعده)

تَنْبِيه الْأَظْهر أَن خُرُوج الْمهْدي قبل نزُول عِيسَى عليه السلام وَقيل بعده

قَالَ أَبُو الْحسن الآبري قد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار واستفاضت بِكَثْرَة رواتها عَن الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم بِخُرُوجِهِ وَأَنه من أهل بَيته وَأَنه يمْلَأ الأَرْض عدلا وَأَنه يخرج مَعَ عِيسَى على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فيساعده على قتل الدَّجَّال بِبَاب لد بِأَرْض فلسطين وَأَنه يؤم هَذِه الْأمة وَيُصلي عِيسَى خَلفه

انْتهى

وَمَا ذكره من أَن الْمهْدي يُصَلِّي بِعِيسَى هُوَ الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث كَمَا علمت

وَأما مَا صَححهُ السعد التَّفْتَازَانِيّ من أَن عِيسَى هُوَ الإِمَام بالمهدي لِأَنَّهُ أفضل فإمامته أولى فَلَا شَاهد لَهُ فِيمَا علل بِهِ لِأَن الْقَصْد بإمامة الْمهْدي لعيسى إِنَّمَا هُوَ إِظْهَار أَنه نزل تَابعا لنبينا حَاكما بِشَرِيعَتِهِ غير مُسْتَقل بِشَيْء من شَرِيعَة نَفسه واقتداؤه بِبَعْض هَذِه الْأمة مَعَ كَونه أفضل من ذَلِك الإِمَام الَّذِي اقْتدى بِهِ فِيهِ من إذاعة ذَلِك وإظهاره مَا لَا يخفى على أَنه يُمكن الْجمع بِأَن يُقَال إِن عِيسَى يَقْتَدِي بالمهدي أَو لَا لإِظْهَار ذَلِك الْغَرَض ثمَّ بعد ذَلِك يَقْتَدِي الْمهْدي بِهِ على أصل الْقَاعِدَة من اقْتِدَاء الْمَفْضُول بالفاضل وَبِه يجْتَمع الْقَوْلَانِ

وروى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه أَنه من ولد الْحسن

وَكَأن سره ترك الْحسن الْخلَافَة

ص: 480

لله عز وجل شَفَقَة على الْأمة فَجعل الله الْقَائِم بالخلافة الْحق عِنْد شدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا من وَلَده ليملأ الأَرْض عدلا

وَرِوَايَة كَونه من ولد الْحُسَيْن واهية جدا وَمَعَ ذَلِك لَا حجَّة فِيهِ لما زعمته الرافضة أَن الْمهْدي هُوَ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد الْحجَّة بن الْحسن العسكري ثَانِي عشر الْأَئِمَّة الآتين فِي الْفَصْل الْآتِي على اعْتِقَاد الإمامية

وَمِمَّا يرد عَلَيْهِم مَا صَحَّ أَن اسْم أبي الْمهْدي يُوَافق اسْم أبي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاسم أبي مُحَمَّد الْحجَّة لَا يُوَافق ذَلِك وَيَردهُ أَيْضا قَول عَليّ مولد الْمهْدي بِالْمَدِينَةِ

وَمُحَمّد الْحجَّة هَذ إِنَّمَا ولد بسر من رأى سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ

وَمن المجازفات والجهالات زعم بَعضهم أَن رِوَايَة إِنَّه من أَوْلَاد الْحسن وَرِوَايَة اسْم أَبِيه اسْم أبي كل مِنْهُمَا وهم

وزعمه أَيْضا أَن الْأمة أَجمعت على أَنه من أَوْلَاد الْحُسَيْن وأنى لَهُ بتوهيم الروَاة بالتشهي وَنقل الْإِجْمَاع بِمُجَرَّد التخمين والحدس والقائلون من الرافضة بِأَن الْحجَّة هَذَا هُوَ الْمهْدي يَقُولُونَ لم يخلف أَبوهُ غَيره وَمَات وعمره خمس سِنِين آتَاهُ الله فِيهَا الْحِكْمَة كَمَا آتاها يحيى عليه الصلاة والسلام صَبيا وَجعله إِمَامًا فِي حَال الطفولية كَمَا جعل

ص: 481

عِيسَى عليه السلام

كَذَلِك توفّي أَبوهُ بسر من رأى وتستر هُوَ بِالْمَدِينَةِ وَله غيبتان صغرى من مُنْذُ وِلَادَته إِلَى انْقِطَاع السفارة بَينه وَبَين شيعته وكبرى وَفِي آخرهَا يقوم وَكَانَ فَقده يَوْم الْجُمُعَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ

فَلم يدر أَيْن ذهب خَافَ على نَفسه فَغَاب فَقَالَ ابْن خلكان والشيعة ترى فِيهِ أَنه المنتظر والقائم الْمهْدي وَهُوَ صَاحب السرداب عِنْدهم وأقاويلهم فِيهِ كَثِيرَة وهم ينتظرون خُرُوجه آخر الزَّمَان من السرداب بسر من رأى دخله فِي دَار أَبِيه وَأمه تنظر إِلَيْهِ سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وعمره حِينَئِذٍ تسع سِنِين فَلم يعد يخرج إِلَيْهَا وَقيل دخله وعمره أَربع وَقيل خمس وَقيل سَبْعَة عشر

انْتهى مُلَخصا

وَالْكثير على أَن العسكري لم يكن لَهُ ولد لطلب أَخِيه جَعْفَر مِيرَاثه من تركته لما مَاتَ فَدلَّ طلبه أَن أَخَاهُ لَا ولد لَهُ وَإِلَّا لم يَسعهُ الطّلب وَحكى السُّبْكِيّ عَن جُمْهُور الرافضة أَنهم قَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا عقب للعسكري وَأَنه لم يثبت لَهُ ولد بعد أَن تعصب قوم لإثباته وَأَن أَخَاهُ جعفرا أَخذ مِيرَاثه

وجعفر هَذَا ضللته فرقة من لاشيعة ونسبوه للكذب فِي ادعائه مِيرَاث أَخِيه وَلذَا سموهُ وَاتبعهُ فرقة وأثبتوا لَهُ الْإِمَامَة

وَالْحَاصِل أَنهم تنازعوا فِي المنتظر بعد وَفَاة العسكري على عشْرين فرقة وَأَن الْجُمْهُور غير الإمامية على أَن الْمهْدي غير الْحجَّة هَذَا إِذْ تغيب شخص هَذِه الْمدَّة المديدة من خوارق الْعَادَات فَلَو كَانَ هُوَ لَكَانَ وَصفه صلى الله عليه وسلم بذلك أظهر من

ص: 482

وَصفه بِغَيْر ذَلِك مِمَّا مر

ثمَّ الْمُقَرّر فِي الشَّرِيعَة المطهرة أَن الصَّغِير لَا تصح ولَايَته فَكيف سَاغَ لهَؤُلَاء الحمقى المغفلين أَن يزعموا إِمَامَة من عمره خمس سِنِين وَأَنه أُوتِيَ الحكم صَبيا مَعَ أَنه صلى الله عليه وسلم لم يخبر بِهِ مَا ذَلِك إِلَّا مجازفة وجراءة على الشَّرِيعَة الغراء

قَالَ بعض أهل الْبَيْت وليت شعري من الْمخبر لَهُم بِهَذَا وَمَا طَرِيقه وَلَقَد صَارُوا بذلك وبوقوفهم بِالْخَيْلِ على ذَلِك السرداب وصياحهم بِأَن يخرج إِلَيْهِم ضحكة لأولي الْأَلْبَاب وَلَقَد أحسن الْقَائِل

(مَا آن للسرداب أَن يلد الَّذِي

كلمتموه وبجهلكم ماآنا)

(فعلى عقولكم العفاء فَإِنَّكُم

ثلثتم العنقاء والغيلانا)

وَزَعَمت فرقة من الشِّيعَة أَن الإِمَام الْمهْدي هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر بن الْحُسَيْن السبط حَبسه المعتصم فنقبت شيعته الْحَبْس وأخرجوه وذهبوا بِهِ فَلم يعرف لَهُ خبر

وَفرْقَة أَن الإِمَام الْمهْدي مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة

قيل فقد بعد أَخَوَيْهِ السبطين وَقيل قبلهمَا وَأَنه حَيّ بجبال رضوى

وَلم تعد الرافضة من أهل الْبَيْت زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن مَعَ أَنه إِمَام جليل

ص: 483

من الطَّبَقَة الثَّانِيَة من التَّابِعين بَايعه كَثِيرُونَ بِالْكُوفَةِ وَطلبت مِنْهُ الرافضة أَن يتبرأ من الشَّيْخَيْنِ لينصروه فَقَالَ بل أتولاهما فَقَالُوا إِذا نرفضك

فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة

فسموا بذلك من حِينَئِذٍ

وَكَانَ جملَة من بَايعه خَمْسَة عشر ألفا وَعند مُبَايَعَتهمْ قَالَ لَهُ بعض بني الْعَبَّاس يَا ابْن عَم لَا يغرنك هَؤُلَاءِ من نَفسك فَفِي أهل بَيْتك لَك أتم العبر وَفِي خذلانهم إيَّاهُم كِفَايَة

وَلما أَبى إِلَّا الْخُرُوج تقاعد عَنهُ جمَاعَة مِمَّن بَايعه وَقَالُوا الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق ابْن أَخِيه الباقر فَلم يبْق مَعَه إِلَّا مِائَتَا رجل وَعِشْرُونَ رجلا فجَاء الْحجَّاج بجموعه فَهزمَ زيدا وأصابه سهم فِي جَبهته فَمَاتَ فَدفن بِأَرْض نهر وَأجْرِي المَاء عَلَيْهِ ثمَّ علم الْحجَّاج بِهِ فنبشه ثمَّ بعث بِرَأْسِهِ وصلب جثته سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَة وَاسْتمرّ مصلوبا حَتَّى مَاتَ هِشَام بن عبد الْملك وَقَامَ الْوَلِيد فدفنه وَقيل بل كتب لعامله اعمد إِلَى عجل أهل الْعرَاق فحرقه ثمَّ انسفه فِي اليم نسفا فَفعل بِهِ ذَلِك

ورؤي النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُسْتَندا إِلَى جذعه المصلوب عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول للنَّاس هَكَذَا تَفْعَلُونَ بولدي

وروى غير وَاحِد أَنهم صلبوه مُجَردا فَنسجَتْ العنكبوت على عَوْرَته فِي يَوْمه

ص: 484

وَلم يعدوا أَيْضا إِسْحَاق بن جَعْفَر الصَّادِق مَعَ جلالة قدره حَتَّى كَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول عَنهُ حَدثنِي الثِّقَة الرضى

وَذَهَبت فرقة من الشِّيعَة إِلَى إِمَامَته

ثمَّ من عَجِيب تنَاقض الرافضة أَنهم لم يدعوها لزيد وَإِسْحَاق مَعَ جلالتهما وادعاء زيد لَهَا وَمن قواعدهم أَنَّهَا تثبت لمن ادَّعَاهَا من أهل الْبَيْت وَأظْهر خوارق الْعَادة الدَّالَّة على صدقه وادعوها لمُحَمد الْحجَّة مَعَ أَنه لم يَدعهَا وَلَا أظهر ذَلِك لغيبته عَن أَبِيه صَغِيرا على مَا زَعَمُوا واختفائه بِحَيْثُ لم يره إِلَّا آحَاد زَعَمُوا رُؤْيَته وكذبهم غَيرهم فِيهَا وَقَالُوا لَا وجود لَهُ أصلا كَمَا مر فَكيف يثبت لَهُ ذَلِك بِمُجَرَّد الْإِمْكَان ويكتفي الْعَاقِل بذلك فِي بَاب العقائد ثمَّ أَي فَائِدَة فِي إِثْبَات الْإِمَامَة لعاجز عَن أعبائها ثمَّ مَا هِيَ الطَّرِيق المثبتة لِأَن كل وَاحِد من الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين ادّعى الْإِمَامَة بِمَعْنى ولَايَة الْخلق وَأظْهر الخوارق على ذَلِك مَعَ أَن الطافح من كلماتهم الثَّابِتَة دَال على أَنهم لَا يدعونَ ذَلِك بل يبعدون مِنْهُ وَإِن كَانُوا أَهلا لَهُ ذكر ذَلِك بعض أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ الَّذين طهر الله قُلُوبهم من الزيغ والضلال ونزه عُقُولهمْ من السَّفه وتناقض الآراء لتمسكهم بواضح الْبُرْهَان وصحيح الِاسْتِدْلَال وألسنتهم عَن الْكَذِب والبهتان الْمُوجب لأولئك غَايَة الْبَوَار والنكار

الْآيَة الثَّالِثَة عشرَة قَوْله تَعَالَى وعَلى الْأَعْرَاف رجال يعْرفُونَ كلا

ص: 485

بِسِيمَاهُمْ) الْأَعْرَاف 46

أخرج الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ الْأَعْرَاف مَوضِع عَال من الصِّرَاط عَلَيْهِ الْعَبَّاس وَحَمْزَة وَعلي بن أبي طَالب وجعفر ذُو الجناحين يعْرفُونَ محبيهم ببياض الْوُجُوه مبغضيهم بسواد الْوُجُوه

وَأورد الديلمي وَابْنه مَعًا لَكِن بِلَا إِسْنَاد أَن عليا رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ ارْزُقْ من أبغضني وَأهل بَيْتِي كَثْرَة المَال والعيال)

كفاهم بذلك أَن يكثر مَالهم فَيطول حسابهم وَأَن تكْثر عِيَالهمْ فتكثر شياطينهم

وَحِكْمَة الدُّعَاء عَلَيْهِم بذلك أَنه لَا حَامِل على بغضه صلى الله عليه وسلم وبغض أهل بَيته إِلَّا الْميل إِلَى الدُّنْيَا لما جبلوا عَلَيْهِ من محبَّة المَال وَالْولد فَدَعَا عَلَيْهِم صلى الله عليه وسلم بتكثير ذَلِك مَعَ سلبهم نعْمَته فَلَا يكون إِلَّا نقمة عَلَيْهِم لكفرانهم نعْمَة من هُدُوا على يَدَيْهِ إيثارا للدنيا بِخِلَاف من دَعَا لَهُ صلى الله عليه وسلم بتكثير ذَلِك كأنس رضي الله عنه إِذْ الْقَصْد بِهِ كَون ذَلِك نعْمَة عَلَيْهِم فيتوصل بِهِ إِلَى مَا رتبه عَلَيْهِ من الْأُمُور الأخروية والدنيوية النافعة

الْآيَة الرَّابِعَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَمن يقترف حَسَنَة نزد لَهُ فِيهَا حسنا} إِلَى قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ} الشورى 23 25

اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة مُشْتَمِلَة على مَقَاصِد وتوابع

ص: 486