المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع في نبذ من كلماته وقضاياه الدالة على علو قدره علما وحكمة وزهدا ومعرفة بالله تعالى - الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول فِي إِسْلَامه وهجرته وَغَيرهمَا

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه وكرم الله وَجهه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي ثَنَاء الصَّحَابَة وَالسَّلَف عَلَيْهِ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي نبذ من كَلِمَاته وقضاياه الدَّالَّة على علو قدره علما وَحِكْمَة وزهدا وَمَعْرِفَة بِاللَّه تَعَالَى

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي وَفَاته رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الأول فِي خِلَافَته

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي بعض مآثره

- ‌الْفَصْل الأول فِي الْآيَات الْوَارِدَة فيهم

- ‌الْمَقْصد الأول فِي تَفْسِيرهَا

- ‌الْمَقْصد الثَّانِي فِيمَا تضمنته تِلْكَ الْآيَة من طلب محبَّة آله صلى الله عليه وسلم وَأَن ذَلِك من كَمَال الْإِيمَان

- ‌الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا أشارت إِلَيْهِ من التحذير من بغضهم

- ‌الْمَقْصد الرَّابِع مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة الْحَث على صلتهم وَإِدْخَال السرُور عَلَيْهِم

- ‌الْمَقْصد الْخَامِس مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة من توقيرهم وتعظيمهم وَالثنَاء عَلَيْهِم

- ‌خَاتِمَة فِيمَا أخبر بِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا حصل على آله وَمِمَّا أصَاب مسيئهم من الانتقام الشَّديد

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي سرد أَحَادِيث وَارِدَة فِي أهل الْبَيْت وَمر أَكثر هَذَا فِي الْفَصْل الأول وَلَكِن قصدت سردها فِي هَذَا الْفَصْل ليَكُون ذَلِك أسْرع لاستحضارها

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي بعض أهل الْبَيْت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم

- ‌الخاتمة فِي بَيَان اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَفِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي وَفِي حقية خلَافَة مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن لَهُ عَن الْخلَافَة وَفِي بَيَان اخْتلَافهمْ فِي كفر وَلَده يزِيد وَفِي جَوَاز لَعنه وَفِي تَوَابِع وتتمات تتَعَلَّق بذلك

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتقاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌تَتِمَّة

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌بَاب مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِم تبعا للصَّلَاة على مشرفهم صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب بشارتهم الْجنَّة

- ‌بَاب الْأمان ببقائهم

- ‌بَاب النحذير من بغضهم وسبهم

- ‌خَاتِمَة فِي أُمُور مهمة

- ‌بَاب فِي التَّخْيِير وَالْخلاف

الفصل: ‌الفصل الرابع في نبذ من كلماته وقضاياه الدالة على علو قدره علما وحكمة وزهدا ومعرفة بالله تعالى

‌الْفَصْل الرَّابِع فِي نبذ من كَلِمَاته وقضاياه الدَّالَّة على علو قدره علما وَحِكْمَة وزهدا وَمَعْرِفَة بِاللَّه تَعَالَى

أخرج ابْن سعد عَنهُ قَالَ وَالله مَا نزلت آيَة إِلَّا وَقد علمت فيمَ نزلت وَأَيْنَ نزلت وعَلى من نزلت إِن رَبِّي وهب لي قلبا عقولا وَلِسَانًا ناطقا

وَأخرج ابْن سعد وَغَيره عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ قَالَ عَليّ سلوني عَن كتاب الله فَإِنَّهُ لَيْسَ من آيَة إِلَّا وَقد عرفت بلَيْل نزلت أم بنهار أم فِي سهل أم جبل

وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَبْطَأَ عَليّ عَن بيعَة أبي بكر فَلَقِيَهُ أَبُو بكر فَقَالَ أكرهت إمارتي فَقَالَ لَا وَلَكِن آلَيْت لَا أرتدي بردائي إِلَّا إِلَى الصَّلَاة حَتَّى أجمع الْقُرْآن فزعموا أَنه كتبه على تَنْزِيله قَالَ مُحَمَّد ابْن سِيرِين لَو أصبت ذَلِك الْكتاب كَانَ فِيهِ الْعلم

وَمن كراماته الباهرة أَن الشَّمْس ردَّتْ عَليّ لما كَانَ رَأس النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حجره وَالْوَحي ينزل عَلَيْهِ وَعلي لم يصل الْعَصْر فَمَا سري عَنهُ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَقد

ص: 375

غربت الشَّمْس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ إِنَّه كَانَ فِي طَاعَتك وَطَاعَة رَسُولك فاردد عَلَيْهِ الشَّمْس) فطلعت بَعْدَمَا غربت

وَحَدِيث ردهَا صَححهُ الطَّحَاوِيّ وَالْقَاضِي فِي الشِّفَاء وَحسنه شيخ الْإِسْلَام أَبُو زرْعَة وَتَبعهُ غَيره وردوا على جمع قَالُوا إِنَّه مَوْضُوع وَزعم فَوَات الْوَقْت بغروبها فَلَا فَائِدَة لردها فِي مَحل الْمَنْع

بل نقُول كَمَا أَن ردهَا خُصُوصِيَّة كَذَلِك إِدْرَاك الْعَصْر الْآن أَدَاء خُصُوصِيَّة وكرامة على أَن فِي فِي ذَلِك أَعنِي أَن الشَّمْس إِذا غربت ثمَّ عَادَتْ هَل يعود الْوَقْت بعودها ترددا حكيته مَعَ بَيَان الْمُتَّجه مِنْهُ فِي شرح الْعباب فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة

قَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ وَفِي الْبَاب حِكَايَة عَجِيبَة حَدثنِي بهَا جمَاعَة من مَشَايِخنَا بالعراق أَنهم شاهدوا أَبَا مَنْصُور المظفر بن أردشير القباوي الْوَاعِظ ذكر بعد الْعَصْر هَذَا الحَدِيث ونمقه بألفاظه وَذكر فَضَائِل أهل الْبَيْت فغطت

ص: 376

سَحَابَة الشَّمْس حَتَّى ظن النَّاس أَنَّهَا قد غَابَتْ فَقَامَ على الْمِنْبَر وَأَوْمَأَ إِلَى الشَّمْس وَأنْشد

(لَا تغربي يَا شمس حَتَّى يَنْتَهِي

مدحي لآل الْمُصْطَفى ولنجله)

(واثني عنانك إِن أردْت ثناءهم

أنسيت إِذْ كَانَ الْوُقُوف لأَجله)

(إِن كَانَ للْمولى وقوفك فَلْيَكُن

هَذَا الْوُقُوف لخيله ولرجله)

قَالُوا فانجاب السَّحَاب عَن الشَّمْس وطلعت

وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن حجر الْمرَادِي قَالَ قَالَ لي عَليّ كَيفَ بك إِذا أمرت أَن تلعنني قلت أَو كَائِن ذَلِك قَالَ نعم

قلت فَكيف أصنع قَالَ العني وَلَا تَبرأ مني

قَالَ فَأمرنِي مُحَمَّد بن يُوسُف أَخُو الْحجَّاج وَكَانَ أَمِيرا من قبل عبد الْملك بن مَرْوَان على الْيمن أَن ألعن عليا فَقلت إِن الْأَمِير أَمرنِي إِن ألعن عليا فالعنوه لَعنه الله فَمَا فطن لَهَا إِلَّا رجل

أَي لِأَنَّهُ إِنَّمَا لعن الْأَمِير وَلم يلعن عليا فَهَذَا من كرامات عَليّ وإخباره بِالْغَيْبِ

وَمن كراماته أَيْضا أَنه حدث بِحَدِيث فكذبه رجل فَقَالَ لَهُ أَدْعُو عَلَيْك إِن كنت كَاذِبًا قَالَ ادْع فَدَعَا عَلَيْهِ فَلم يبرح حَتَّى ذهب بَصَره

ص: 377

وَأخرج ابْن الْمَدَائِنِي عَن مجمع أَن عليا كَانَ يكنس بَيت المَال ثمَّ يصلى فِيهِ رَجَاء أَن يشْهد لَهُ أَنه لم يحبس فِيهِ المَال عَن الْمُسلمين

وَجلسَ رجلَانِ يتغديان مَعَ أَحدهمَا خَمْسَة أرغفة وَمَعَ الآخر ثَلَاثَة أرغفة فَمر بهما ثَالِث فأجلساه فَأَكَلُوا الأرغفة الثَّمَانِية على السوَاء ثمَّ طرح لَهما الثَّالِث ثَمَانِيَة دَرَاهِم عوضا عَمَّا أكله من طعامهما فتنازعا فَصَاحب الْخَمْسَة أرغفة يَقُول إِن لَهُ خَمْسَة دَرَاهِم وَلِصَاحِب الثَّلَاثَة ثَلَاثَة وَصَاحب الثَّلَاثَة يَدعِي أَن لَهُ أَرْبَعَة وَنصفا فاختصما إِلَى عَليّ فَقَالَ لصَاحب الثَّلَاثَة خُذ مَا رَضِي بِهِ صَاحبك وَهُوَ الثَّلَاثَة فَإِن ذَلِك خير لَك

فَقَالَ لَا رضيت إِلَّا بمر الْحق فَقَالَ عَليّ لَيْسَ لَك فِي مر الْحق إِلَّا دِرْهَم وَاحِد فَسَأَلَهُ عَن بَيَان وَجه ذَلِك فَقَالَ عَليّ أليست الثَّمَانِية أرغفة أَرْبَعَة وَعشْرين ثلثا أكلتموها وَأَنْتُم ثَلَاثَة وَلَا يعلم أَكْثَرَكُم أكلا فتحملون على السوَاء فَأكلت أَنْت ثَمَانِيَة أَثلَاث وَالَّذِي لَك تِسْعَة أَثلَاث وَأكل صَاحبك ثَمَانِيَة أَثلَاث وَالَّذِي لَهُ خَمْسَة عشر ثلثا فَبَقيَ لَهُ سَبْعَة وَلَك وَاحِد فَلهُ سَبْعَة بسبعته وَلَك وَاحِد بواحدك فَقَالَ رضيت الْآن

وأتى بِرَجُل فَقيل لَهُ زعم هَذَا أَنه احْتَلَمَ بأمي

فَقَالَ اذْهَبْ فأقمه فِي الشَّمْس فَاضْرب ظله

ص: 378

وَمن كَلَامه النَّاس نيام فَإِذا مَاتُوا انتبهوا النَّاس بزمانهم أشبه مِنْهُم بآبائهم

لَو كشف الغطاء مَا ازددت يَقِينا

ماهلك امْرُؤ عرف قدره

قيمَة كل امرىء مَا يُحسنهُ

من عرف نَفسه فقد عرف ربه كَذَا نسب هَذَا إِلَيْهِ وَالْمَشْهُور أَنه من كَلَام يحيى بن معَاذ الرَّازِيّ الْمَرْء مخبوء تَحت لِسَانه

من عذب لِسَانه كثر إخوانه

بِالْبرِّ يستعبد الْحر

بشر مَال الْبَخِيل بحادث أَو وَارِث

لَا تنظر الَّذِي قَالَ وَانْظُر إِلَى مَا قَالَ

الْجزع عِنْد الْبلَاء تَمام المحنة

لَا ظفر مَعَ الْبَغي

لَا ثَنَاء مَعَ الْكبر

وَلَا صِحَة مَعَ النهم والتخم

لَا شرف مَعَ سوء الْأَدَب

لَا رَاحَة مَعَ الْحَسَد

لَا سؤدد مَعَ الانتقام

لَا صَوَاب مَعَ ترك المشورة

لَا مُرُوءَة للكذوب

لَا كرم أعز من التقى

لَا شَفِيع أنجح من التَّوْبَة

لَا لِبَاس أجمل من الْعَافِيَة

لَا دَاء أعيى من الْجَهْل

الْمَرْء عَدو مَا جَهله

رحم الله امْرَءًا عرف قدره وَلم يَتَعَدَّ طوره

إِعَادَة الِاعْتِذَار تذكير بالذنب

النصح بَين الْمَلأ تقريع

نعْمَة الْجَاهِل كروضة على مزبلة

الْجزع أتعب من الصَّبْر

المسؤول حر حَتَّى يعد

أكبر الْأَعْدَاء أخفاهم مكيدة

الْحِكْمَة ضَالَّة الْمُؤمن

الْبُخْل جَامع لمساوىء الْعُيُوب

إِذا حلت الْمَقَادِير ضلت التدابير

عبد الشَّهْوَة أذلّ من عبد الرّقّ

الْحَاسِد مغتاظ على من لَا ذَنْب لَهُ

كفى بالذنب شَفِيعًا للمذنب

السعيد من وعظ بِغَيْرِهِ

الْإِحْسَان يقطع اللِّسَان

أفقر الْفقر الْحمق

ص: 379

أغْنى الْغنى الْعقل

الطامع فِي وثاق الذل

لَيْسَ الْعجب مِمَّن هلك كَيفَ هلك بل الْعجب مِمَّن نجا كَيفَ نجا

احْذَرُوا نفار النعم فَمَا شارد بمردود

أَكثر مصَارِع الْعُقُول تَحت بروق الأطماع

إِذا وصلت إِلَيْكُم النعم فَلَا تنفرُوا أقصاها بقلة الشُّكْر

إِذا قدرت على عَدوك فَاجْعَلْ الْعَفو عَنهُ شكر الْقُدْرَة عَلَيْهِ مَا أضمر أحد شَيْئا إِلَّا ظهر فِي فلتات لِسَانه وعَلى صفحات وَجهه

الْبَخِيل يستعجل الْفقر ويعيش فِي الدُّنْيَا عَيْش الْفُقَرَاء وَيُحَاسب فِي الْآخِرَة حِسَاب الْأَغْنِيَاء

لِسَان الْعَاقِل وَرَاء قلبه وقلب الأحمق وَرَاء لِسَانه الْعلم يرفع الوضيع وَالْجهل يضع الرفيع

الْعلم خير من المَال

الْعلم يحرسك وَأَنت تحرس المَال

الْعلم حَاكم وَالْمَال مَحْكُوم عَلَيْهِ

قَصم ظَهْري عَالم متهتك وجاهل متنسك هَذَا يُفْتى وينفر النَّاس بتهتكه وَهَذَا يضل النَّاس بتنسكه

أقل النَّاس قيمَة أقلهم علما إِذْ قيمَة كل امرىء مَا يُحسنهُ

وَكَلَامه رضي الله عنه فِي هَذَا الأسلوب البديع كثير تركته خوف الإطالة

وَمن كَلَامه أَيْضا كونُوا فِي النَّاس كالنحلة فِي الطير إِنَّه لَيْسَ فِي الطير شَيْء إِلَّا وَهُوَ يستضعفها وَلَو يعلم الطير مَا فِي أجوافها من الْبركَة لم يَفْعَلُوا ذَلِك بهَا

خالطوا النَّاس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فَإِن للمرء مَا اكْتسب وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة مَعَ من أحب

وَمِنْه كونُوا بِقبُول الْعَمَل أَشد اهتماما مِنْكُم بِالْعَمَلِ

فَإِنَّهُ لن يقل عمل مَعَ التَّقْوَى وَكَيف يقل عمل متقبل

ص: 380

وَمِنْه يَا حَملَة الْقُرْآن اعْمَلُوا بِهِ فَإِن الْعَالم من عمل بِمَا علم وَوَافَقَ علمه عمله وسيكون أَقوام يحملون الْعلم لَا يُجَاوز تراقيهم تخَالف سريرتهم علانيتهم وَيُخَالف عَمَلهم علمهمْ يَجْلِسُونَ حلقا فيباهي بَعضهم بَعْضًا حَتَّى إِن الرجل يغْضب على جليسه أَن يجلس إِلَى غَيره ويدعه أُولَئِكَ لَا تصعد أَعْمَالهم فِي مجَالِسهمْ تِلْكَ إِلَى الله

وَمِنْه لَا يخافن أحد مِنْكُم إِلَّا ذَنبه وَلَا يرجون إِلَّا ربه وَلَا يستحيي من لَا يعلم أَن يتَعَلَّم وَلَا يستحيي من يعلم إِذا سُئِلَ عَمَّا لَا يعلم أَن يَقُول أعلم

الصَّبْر من الْإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد

وَمِنْه الْفَقِيه كل الْفَقِيه من لَا يقنط النَّاس من نَفسه رَحْمَة الله وَلَا يرخص لَهُم فِي معاصي الله وَلم يؤمنهم عَذَاب الله وَلم يدع الْقُرْآن رَغْبَة عَنهُ إِلَى غَيره

وَمِنْه لَا خير فِي عبَادَة لَا علم فِيهَا وَلَا خير فِي علم لَا فهم مَعَه وَلَا خير فِي قِرَاءَة لَا تدبر فِيهَا

وَمِنْه مَا أبردها على كَبِدِي إِذا سُئِلت عَمَّا لَا أعلم أَن أَقُول الله أعلم

وَمِنْه من أَرَادَ أَن ينصف النَّاس من نَفسه فليحب لَهُم مَا يحب لنَفسِهِ

وَمِنْه سبع من الشَّيْطَان شدَّة الْغَضَب وَشدَّة العطاس وَشدَّة التثاؤب والقيء والرعاف والنجوى وَالنَّوْم عِنْد الذّكر

ص: 381

وَمِنْه الحزم سوء الظَّن وَهُوَ حَدِيث وَلَفظه (إِن من الحزم سوء الظَّن)

وَمِنْه التَّوْفِيق خير قَائِد وَحسن الْخلق خير قرين وَالْعقل خير صَاحب وَالْأَدب خير مِيرَاث وَلَا وَحْشَة أَشد من الْعجب

وَقَالَ لما سُئِلَ عَن الْقدر طَرِيق مظلم لَا تسلكه وبحر عميق لَا تلجه سر الله قد خَفِي عَلَيْك فَلَا تفشه

أَيهَا السَّائِل إِن الله خلقك كَمَا شَاءَ أَو كَمَا شِئْت قَالَ بل كَمَا شَاءَ

قَالَ فيستعملك كَمَا شَاءَ

وَقَالَ إِن للنكبات نهايات لَا بُد لأحد إِذا نكب أَن يَنْتَهِي إِلَيْهَا فَيَنْبَغِي للعاقل إِذا أَصَابَته نكبة أَن ينَام لَهَا حَتَّى تَنْقَضِي مدَّتهَا فَإِن فِي رَفعهَا قبل انْقِضَاء مدَّتهَا زِيَادَة فِي مكروهها

وَسُئِلَ عَن السخاء فَقَالَ مَا كَانَ مِنْهُ ابْتِدَاء فَأَما مَا كَانَ عَن مَسْأَلَة فحياء وتكرم

وَأثْنى عَلَيْهِ عَدو لَهُ فأطراه فَقَالَ إِنِّي لست كَمَا تَقول وَأَنا فَوق مَا فِي نَفسك

وَقَالَ جَزَاء الْمعْصِيَة الوهن فِي الْعِبَادَة والضيق فِي الْمَعيشَة والنغص فِي

ص: 382

اللَّذَّة قيل وَمَا النغص قَالَ لَا ينَال شَهْوَة حَلَال إِلَّا جَاءَهُ مَا ينغصه إِيَّاهَا

وَقَالَ لَهُ عدوه ثبتك الله فَقَالَ على صدرك

وَلما ضربه ابْن ملجم قَالَ لِلْحسنِ وَقد دخل عَلَيْهِ باكيا يَا بني احفظ عني أَرْبعا وأربعا قَالَ وَمَا هن يَا أَبَت قَالَ إِن أغْنى الْغنى الْعقل وأكبر الْفقر الْحمق وأوحش الوحشة الْعجب وَأكْرم الْكَرم حسن الْخلق

قَالَ فالأربع الْأُخَر قَالَ إياك ومصاحبة الأحمق فَإِنَّهُ يُرِيد أَن ينفعك فيضرك وَإِيَّاك ومصادقة الْكذَّاب فَإِنَّهُ يقرب عَلَيْك الْبعيد وَيبعد عَلَيْك الْقَرِيب وَإِيَّاك ومصادقة الْبَخِيل فَإِنَّهُ يخذلك فِي مَاله أحْوج مَا تكون إِلَيْهِ وَإِيَّاك ومصادقة الْفَاجِر فَإِنَّهُ يبيعك بالتافه

وَقَالَ لَهُ يَهُودِيّ مَتى كَانَ رَبنَا فَتغير وَجهه قَالَ لم يكن فَكَانَ هُوَ كَانَ وَلَا كينونة كَانَ بِلَا كَيفَ كَانَ لَيْسَ لَهُ قبل وَلَا غَايَة انْقَطَعت الغايات دونه فَهُوَ غَايَة كل غَايَة فَأسلم الْيَهُودِيّ

وافتقد درعا وَهُوَ بصفين فَوَجَدَهَا عِنْد يَهُودِيّ فحاكمه فِيهَا إِلَى قاضيه شُرَيْح وَجلسَ بجنبه وَقَالَ لَوْلَا أَن خصمي يَهُودِيّ لاستويت مَعَه فِي الْمجْلس وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (لَا تسووا بَينهم فِي الْمجَالِس) وَفِي رِوَايَة (اصغروهم من حَيْثُ أَصْغَرهم الله) ثمَّ ادّعى بهَا فَأنْكر الْيَهُودِيّ فَطلب شُرَيْح

ص: 383

بَيِّنَة من عَليّ فَأتى بقنبر وَالْحسن فَقَالَ لَهُ شُرَيْح شَهَادَة الابْن لِأَبِيهِ لَا تجوز فَقَالَ الْيَهُودِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ قدمني إِلَى قاضيه وقاضيه قضى عَلَيْهِ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن الدرْع درعك

وَأخرج الْوَاقِدِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ مَعَ عَليّ أَرْبَعَة دَرَاهِم لَا يملك غَيرهَا فَتصدق بدرهم لَيْلًا وبدرهم نَهَارا وبدرهم سرا وبدرهم عَلَانيَة فَنزل فِيهِ الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف بِمَ وَلَا هم يَحْزَنُونَ الْبَقَرَة 274

وَقَالَ مُعَاوِيَة لِضِرَار بن حَمْزَة صف لي عليا فَقَالَ اعفني فَقَالَ أَقْسَمت عيلك بِاللَّه فَقَالَ كَانَ وَالله بعيد المدى شَدِيد القوى يَقُول فصلا وَيحكم عدلا يتفجر الْعلم من جوانبه وتنطق الْحِكْمَة من لِسَانه يستوحش من الدُّنْيَا وزهرتها ويأنس بِاللَّيْلِ ووحشته بِالنَّهَارِ وَكَانَ غزير الدمعة طَوِيل الفكرة يُعجبهُ من اللبَاس مَا قصر وَمن الطَّعَام مَا خشن وَكَانَ فِينَا كأحدنا يجيبنا إِذا سألناه ويأتينا إِذا دعوناه وَنحن وَالله مَعَ تقريبه إيانا وقربه منا لَا نكاد نكلمه هَيْبَة لَهُ يعظم أهل الدّين وَيقرب الْمَسَاكِين لَا يطْمع الْقوي فِي باطله وَلَا ييأس الضَّعِيف من عدله وَأشْهد لقدر رَأَيْته فِي بعض مواقفه وَقد أرْخى اللَّيْل سدوله

ص: 384

وَغَارَتْ نجومه قَابِضا على لحيته يتململ السَّلِيم أَي اللديغ ويبكي بكاء الحزين وَيَقُول يَا دنيا غري غَيْرِي أَلِي أَو إِلَيّ تشوفت هَيْهَات هَيْهَات قد باينتك ثَلَاثًا لَا رَجْعَة فِيهَا فعمرك قصير وخطرك قَلِيل آه آه من قلَّة الزَّاد وَبعد السّفر ووحشة الطَّرِيق

فَبكى مُعَاوِيَة وَقَالَ رحم الله أَبَا الْحسن كَانَ وَالله كَذَلِك

وَسبب مُفَارقَة أَخِيه عقيل لَهُ أَنه كَانَ يُعْطِيهِ كل يَوْم من الشّعير مَا يَكْفِي عِيَاله فاشتهى عَلَيْهِ أَوْلَاده مريسا فَصَارَ يوفر كل يَوْم شَيْئا قَلِيلا حَتَّى اجْتمع عِنْده مَا اشْترى بِهِ سمنا وَتَمْرًا وصنع لَهُم فدعوا عليا إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ وَقدم لَهُ ذَلِك سَأَلَ عَنهُ فقصوا عَلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ أَو كَانَ يكفيكم ذَاك بعد الَّذِي عزلتم مِنْهُ قَالُوا نعم فنقص عَنهُ مِمَّا كَانَ يُعْطِيهِ مِقْدَار مَا كَانَ يعْزل كل يَوْم وَقَالَ لَا يحل لي أَن أَزِيد من ذَلِك

فَغَضب فحمى لَهُ حَدِيدَة وقربها من خَدّه وَهُوَ غافل فتأوه فَقَالَ تجزع من هَذِه وتعرضني لنار جَهَنَّم فَقَالَ لأذهبن إِلَى من يعطيني تبرا ويطعمني تَمرا فلحق بِمُعَاوِيَة

ص: 385

وَقد قَالَ مُعَاوِيَة يَوْمًا لَوْلَا علم بِأَنِّي خير لَهُ من أَخِيه مَا أَقَامَ عندنَا وَتَركه

فَقَالَ لَهُ عقيل أخي خير لي فِي ديني وَأَنت خير لي فِي دنياي وَقد آثرت دنياي وأسأل الله خَاتِمَة خير

وَأخرج ابْن عَسَاكِر أَن عقيلا سَأَلَ عليا فَقَالَ إِنِّي مُحْتَاج وَإِنِّي فَقير فَأعْطِنِي قَالَ اصبر حَتَّى يخرج عطاؤك مَعَ الْمُسلمين فأعطيك فألح عَلَيْهِ فَقَالَ لرجل خُذ بِيَدِهِ وَانْطَلق بِهِ إِلَى حوانيت أهل السُّوق فَقل لَهُ دق هَذِه الأقفال وَخذ مَا فِي الحوانيت

قَالَ تُرِيدُ أَن تتخذني سَارِقا قَالَ وَأَنت تُرِيدُ أَن تتخذني سَارِقا أَن آخذ أَمْوَال الْمُسلمين فأعطيكما دونهم

قَالَ لَآتِيَن مُعَاوِيَة

قَالَ أَنْت قَالَ أَنْت وَذَاكَ فَأتى مُعَاوِيَة فَسَأَلَهُ فَأعْطَاهُ مئة ألف ثمَّ قَالَ اصْعَدْ على الْمِنْبَر فاذكر مَا أولاك بِهِ عَليّ وَمَا أوليتك فَصَعدَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي أخْبركُم إِنِّي أردْت عليا على دينه فَاخْتَارَ دينه وَإِنِّي أردْت مُعَاوِيَة على دينه فاختارني على دينه

وَقَالَ مُعَاوِيَة لخَالِد بن معمر لم أَحْبَبْت عليا علينا قَالَ على ثَلَاث خِصَال على حلمه إِذا غضب وعَلى صدقه إِذا قَالَ وعَلى عدله إِذا حكم

وَلما وصل إِلَيْهِ فَخر من مُعَاوِيَة قَالَ لغلامه اكْتُبْ إِلَيْهِ ثمَّ أمْلى عَلَيْهِ

(مُحَمَّد النَّبِي أخي وصهري

وَحَمْزَة سيد الشُّهَدَاء عمي)

ص: 386

(وجعفر الَّذِي يُمْسِي ويضحي

يطير مَعَ الْمَلَائِكَة ابْن أُمِّي)

(وَبنت مُحَمَّد سكني وعرسي

مَنُوط لَحمهَا بدمي ولحمي)

(وسبطا أَحْمد ابناي مِنْهَا

فأيكمو لَهُ سهم كسهمي)

(سبقتكم إِلَى الْإِسْلَام طرا

غُلَاما مَا بلغت أَوَان حلمي)

قَالَ الْبَيْهَقِيّ إِن هَذَا الشّعْر مِمَّا يجب على كل أحد متوان فِي عَليّ حفظه ليعلم مفاخره فِي الْإِسْلَام

ومناقب عَليّ وفضائله أَكثر من أَن تحصى

وَمن كَلَام الشَّافِعِي رضي الله عنه

(إِن نَحن فضلنَا عليا فإننا

روافض بالتفضيل عِنْد ذَوي الْجَهْل)

(وَفضل أبي بكر إِذا مَا ذكرته

رميت بِنصب عِنْد ذكري للفضل)

(فَلَا زلت ذَا رفض وَنصب كِلَاهُمَا

بحبهما حَتَّى أُوَسَّد فِي الرمل)

وَقَالَ أَيْضا رضي الله عنه

(قَالُوا ترفضت قلت كلا

مَا الرَّفْض ديني وَلَا اعتقادي)

(لَكِن توليت غير شكّ

خير إِمَام وَخير هادي)

(إِن كَانَ حب الْوَلِيّ رفضا

فإنني أرفض الْعباد)

ص: 387

وَقَالَ أَيْضا رضي الله عنه

(يَا رَاكِبًا قف بالمحصب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض)

(سحرًا إِذا فاض الحجيج إِلَى منى

فيضا كملتطم الْفُرَات الفائض)

(إِن كَانَ رفضا حب آل مُحَمَّد

فليشهد الثَّقَلَان إِنِّي رَافِضِي)

قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي فِي ذَلِك حِين نسبه الْخَوَارِج إِلَى الرَّفْض حسدا وبغيا

وَله أَيْضا وَقد قَالَ لَهُ الْمُزنِيّ إِنَّك رجل توالي أهل الْبَيْت فَلَو عملت فِي هَذَا الْبَاب أبياتا فَقَالَ

(وَمَا زَالَ كتما مِنْك حَتَّى كأنني

برد جَوَاب السَّائِلين لأعجم)

(وأكتم ودي مَعَ صفاء مودتى

لتسلم من قَول الوشاة وَأسلم)

ص: 388