المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تَتِمَّة   لما فرغت من هَذَا الْكتاب أَعنِي الصَّوَاعِق المحرقة رَأَيْت بعد - الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول فِي إِسْلَامه وهجرته وَغَيرهمَا

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه وكرم الله وَجهه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي ثَنَاء الصَّحَابَة وَالسَّلَف عَلَيْهِ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي نبذ من كَلِمَاته وقضاياه الدَّالَّة على علو قدره علما وَحِكْمَة وزهدا وَمَعْرِفَة بِاللَّه تَعَالَى

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي وَفَاته رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الأول فِي خِلَافَته

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي بعض مآثره

- ‌الْفَصْل الأول فِي الْآيَات الْوَارِدَة فيهم

- ‌الْمَقْصد الأول فِي تَفْسِيرهَا

- ‌الْمَقْصد الثَّانِي فِيمَا تضمنته تِلْكَ الْآيَة من طلب محبَّة آله صلى الله عليه وسلم وَأَن ذَلِك من كَمَال الْإِيمَان

- ‌الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا أشارت إِلَيْهِ من التحذير من بغضهم

- ‌الْمَقْصد الرَّابِع مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة الْحَث على صلتهم وَإِدْخَال السرُور عَلَيْهِم

- ‌الْمَقْصد الْخَامِس مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة من توقيرهم وتعظيمهم وَالثنَاء عَلَيْهِم

- ‌خَاتِمَة فِيمَا أخبر بِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا حصل على آله وَمِمَّا أصَاب مسيئهم من الانتقام الشَّديد

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي سرد أَحَادِيث وَارِدَة فِي أهل الْبَيْت وَمر أَكثر هَذَا فِي الْفَصْل الأول وَلَكِن قصدت سردها فِي هَذَا الْفَصْل ليَكُون ذَلِك أسْرع لاستحضارها

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي بعض أهل الْبَيْت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم

- ‌الخاتمة فِي بَيَان اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَفِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي وَفِي حقية خلَافَة مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن لَهُ عَن الْخلَافَة وَفِي بَيَان اخْتلَافهمْ فِي كفر وَلَده يزِيد وَفِي جَوَاز لَعنه وَفِي تَوَابِع وتتمات تتَعَلَّق بذلك

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتقاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌تَتِمَّة

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌بَاب مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِم تبعا للصَّلَاة على مشرفهم صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب بشارتهم الْجنَّة

- ‌بَاب الْأمان ببقائهم

- ‌بَاب النحذير من بغضهم وسبهم

- ‌خَاتِمَة فِي أُمُور مهمة

- ‌بَاب فِي التَّخْيِير وَالْخلاف

الفصل: ‌ ‌تَتِمَّة   لما فرغت من هَذَا الْكتاب أَعنِي الصَّوَاعِق المحرقة رَأَيْت بعد

‌تَتِمَّة

لما فرغت من هَذَا الْكتاب أَعنِي الصَّوَاعِق المحرقة رَأَيْت بعد أَربع عشرَة سنة وَقد كتب مِنْهُ من النّسخ مَا لَا أحصي وَنقل إِلَى أقاصي الْبلدَانِ والأقاليم كأقصى الْمغرب وَمَا وَرَاء النَّهر سَمَرْقَنْد وبخارى وكشمير وَغَيرهَا والهند واليمن كتابا فِي مَنَاقِب أهل الْبَيْت فِيهِ زيادات على مَا مر لبَعض الْحفاظ من معاصري مَشَايِخنَا وَهُوَ الْحَافِظ السخاوي رحمه الله وَكَانَ يُمكن إِلْحَاق زياداته لقلتهَا على حَوَاشِي النّسخ لَكِن لتفرقها تعذر ذَلِك فَأَرَدْت أَن ألخص هَذَا الْكتاب مَعَ زيادات فِي وَرَقَات إِن أفردت فَهِيَ كَافِيَة فِي التَّنْبِيه على كثير من مآثرهم وَإِن ضمت لهَذَا الْكتاب فَهِيَ مُؤَكدَة تَارَة ومؤسسة أُخْرَى

فَأَقُول اعْلَم أَنه أَشَارَ فِي خطْبَة هَذَا الْكتاب إِلَى بعض حط على ذخائر العقبى فِي مَنَاقِب ذَوي الْقُرْبَى للْإِمَام الْحَافِظ الْمُحب الطَّبَرِيّ بِأَن فِيهِ كثيرا من الْمَوْضُوع وَالْمُنكر فضلا عَن الضَّعِيف ثمَّ نقل عَن شَيْخه الْحَافِظ الْعَسْقَلَانِي أَنه قَالَ فِي حق الْمُحب الطَّبَرِيّ إِنَّه كثير الْوَهم فِي عزوه للْحَدِيث مَعَ كَونه لم يكن

ص: 647

فِي زَمَنه مثله ثمَّ ذكر مُقَدّمَة فِي بَيَان فروع بني هَاشم وفروع بني الْمطلب ولاحاجة لنا بذلك لِأَنَّهُ مَعْرُوف مَشْهُور أَكْثَره وَلِأَن الْغَرَض إِنَّمَا هُوَ ذكر مَا يخْتَص بآل الْبَيْت المطهر

وَفِيه أَبْوَاب

ص: 648

بَاب وَصِيَّة النَّبِي صلى الله عليه وسلم

قَالَ صلى الله عليه وسلم (أَلا إِن عيبتي الَّتِي آوي إِلَيْهَا أهل بَيْتِي وَإِن كرشي الْأَنْصَار فاعفوا عَن مسيئهم من واقبلوا محسنهم) حَدِيث حسن

وَفِي رِوَايَة (أَلا إِن عيبتي وكرشي أهل بَيْتِي وَالْأَنْصَار فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عَن مسيئهم) أَي إِنَّهُم جماعتي وأصحابي الَّذين أَثِق بهم وأطلعهم على أسراري وأعتمد عَلَيْهِم

وكرشي باطني وعيبتي ظاهري وجمالي

وَهَذَا غَايَة فِي التعطف عَلَيْهِم وَالْوَصِيَّة بهم وَمعنى (وتجاوزوا عَن مسيئهم) أقيلوهم عثراتهم فَهُوَ كَحَدِيث (أقيلوا ذَوي الهيئات)

وَصَحَّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه فسر قَوْله تَعَالَى {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} الشورى 23 بِأَن المُرَاد مِنْهُ أَنه مَا من بطن من قُرَيْش إِلَّا وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهَا ولادَة وقرابة قريبَة

أَي إِن لم تؤمنوا بِمَا جِئْت بِهِ وتبايعوني عَلَيْهِ فَلَا أَسأَلكُم مَالا وَإِنَّمَا أَسأَلكُم أَن تحفظُوا الْقَرَابَة الَّتِي بيني وَبَيْنكُم فَلَا تؤذوني وَلَا تنفرُوا النَّاس عني صلَة للرحم الَّتِي بيني وَبَيْنكُم إِذْ أَنْتُم فِي الْجَاهِلِيَّة كُنْتُم تصلونَ الْأَرْحَام وَلَا تدعوا غَيْركُمْ من الْعَرَب يكون أولى مِنْكُم بحفظي ونصرتي

ص: 649

وَتَبعهُ على ذَلِك جمَاعَة من تلامذته وَغَيرهم وَلَكِن خَالفه أَجلهم تِلْمِيذه الإِمَام سعيد بن جُبَير ففسر بِحَضْرَتِهِ الْآيَة بِأَن المُرَاد قل لَا أَسأَلكُم أَيهَا النَّاس مَالا على مَا بلغته إِلَيْكُم وَإِنَّمَا الَّذِي أسالكموه أَن تصلوا قَرَابَتي وتودوني فيهم

وَكَانَ ابْن جُبَير مَعَ ذَلِك يُفَسر الْآيَة بِالْوَجْهِ الأول أَيْضا وَهُوَ التَّحْقِيق لِأَنَّهَا صَالِحَة لكل مِنْهُمَا لَكِن يُؤَيّد الأول أَن السُّورَة مَكِّيَّة وَقد رد ابْن عَبَّاس على ابْن جُبَير تَفْسِيره وَلم يرجع إِلَيْهِ

وَجَاء من طَرِيق ضَعِيفَة أَن ابْن عَبَّاس فَسرهَا بِمَا فسر بِهِ ابْن جُبَير وَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَالُوا يَا رَسُول الله عِنْد نزُول الْآيَة من قرابتك هَؤُلَاءِ الَّذين وَجَبت علينا مَوَدَّتهمْ قَالَ (عَليّ وَفَاطِمَة وابناهما)

وَفِي طَرِيق ضَعِيفَة أَيْضا لَكِن لَهَا شَاهد مُخْتَصر صَحِيح أَن سَبَب نزُول الْآيَة افتخار الْأَنْصَار بآثارهم الحميدة فِي الْإِسْلَام على قُرَيْش فَأَتَاهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مجَالِسهمْ فَقَالَ (ألم تَكُونُوا أَذِلَّة فَأَعَزكُم الله بِي) قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله

قَالَ (أَلا تَقولُونَ ألم يخْرجك قَوْمك فَآوَيْنَاك أَو لم يُكذِّبُوك فَصَدَّقْنَاك أَو لم يَخْذُلُوك فَنَصَرْنَاك)

فَمَا زَالَ يَقُول لَهُم حَتَّى جثوا على الركب وَقَالُوا أَمْوَالنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا لله وَرَسُوله فَنزلت الْآيَة

وَفِي طَرِيق ضَعِيفَة أَيْضا أَن سَبَب نُزُولهَا أَنه صلى الله عليه وسلم لما قدم الْمَدِينَة كَانَت تنوبه نَوَائِب وَلَيْسَ فِي يَده شَيْء فَجمع لَهُ الْأَنْصَار مَالا فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك ابْن أُخْتنَا وَقد هدَانَا الله بك وتنوبك نَوَائِب وَحُقُوق وَلَيْسَ مَعَك سَعَة فجمعنا لَك من أَمْوَالنَا مَا تستعين بِهِ عَلَيْهَا فَنزلت

ص: 650

وَكَونه ابْن أختهم جَاءَ فِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة لِأَن أم عبد الْمطلب من بني النجار مِنْهُم

وَفِي حَدِيث سَنَده حسن (أَلا إِن لكل نَبِي تَرِكَة ووضيعة وَإِن تركتي ووضيعتي الْأَنْصَار فاحفظوني فيهم)

وَيُؤَيّد مَا مر من تَفْسِير ابْن جُبَير أَن الْآيَة فِي الْآل ماجاء عَن عَليّ كرم الله وَجهه قَالَ فِينَا آل حم آيَة لَا يحفظ مودتنا إِلَّا كل مُؤمن ثمَّ قرا الْآيَة

وَجَاء ذَلِك عَن زين العابدين أَيْضا فَإِنَّهُ لما قتل أَبوهُ الْحُسَيْن رضي الله عنه جِيءَ بِهِ أَسِيرًا فأقيم على درج دمشق فَقَالَ رجل من أهل الشَّام الْحَمد لله الَّذِي قتلكم واستأصلكم وَقطع قرن الْفِتْنَة

فَقَالَ لَهُ زين العابدين أَقرَأت الْقُرْآن قَالَ نعم فَبين لَهُ أَن الْآيَة فيهم وَأَنَّهُمْ الْقُرْبَى فِيهَا فَقَالَ وَإِنَّكُمْ لَأَنْتُم هم قَالَ نعم

أخرجه الطَّبَرَانِيّ

وَأخرج الدولابي أَن الْحسن كرم الله وَجهه قَالَ فِي خطبَته أَنا من أهل الْبَيْت الَّذين افْترض الله مَوَدَّتهمْ على كل مُسلم فَقَالَ لنبينا صلى الله عليه وسلم {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَمن يقترف حَسَنَة نزد لَهُ فِيهَا حسنا} واقتراف الْحَسَنَة مودتنا أهل الْبَيْت

ص: 651

وَأورد الْمُحب الطَّبَرِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الله جعل أجري عَلَيْكُم الْمَوَدَّة فِي أهل بَيْتِي وَإِنِّي سَائِلكُمْ غَدا عَنْهُم)

وَقد جَاءَت الْوَصِيَّة الصَّرِيحَة بهم فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث (إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي الثقلَيْن أَحدهمَا أعظم من الآخر كتاب الله حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وعترتي أهل بَيْتِي وَلنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا)

قَالَ التِّرْمِذِيّ // حسن غَرِيب // وَأخرجه آخَرُونَ وَلم يصب ابْن الْجَوْزِيّ فِي إِيرَاده فِي الْعِلَل المتناهية كَيفَ وَفِي صَحِيح مُسلم وَغَيره فِي خطبَته قرب رابغ مرجعه من حجَّة الْوَدَاع قبل وَفَاته بِنَحْوِ شهر (إِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن أَولهمَا كتاب الله فِيهِ الْهدى والنور) ثمَّ قَالَ (وَأهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي) ثَلَاثًا فَقيل لزيد بن أَرقم رَاوِيه من أهل بَيته أَلَيْسَ نساؤه من أهل بَيته قَالَ من أهل بَيته وَلَكِن أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة بعده قيل وَمن هم قَالَ هم آل عَليّ وَآل عقيل وَآل جَعْفَر وَآل الْعَبَّاس رضي الله عنهم

قيل كل هَؤُلَاءِ حرم الصَّدَقَة قَالَ نعم

ص: 652

وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة (كَأَنِّي قد دعيت فأجبت إِنِّي قد تركت فِيكُم الثقلَيْن أَحدهمَا آكِد من الآخر كتاب الله عز وجل وعترتي أَي بِالْمُثَنَّاةِ فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا فَإِنَّهُمَا لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عَليّ حَوْضِي) وَفِي رِوَايَة (وإنهما لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عَليّ الْحَوْض سَأَلت رَبِّي ذَلِك لَهما فَلَا تتقدموهما فَتَهْلكُوا وَلَا تقصرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلكُوا وَلَا تعلموهم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم) وَلِهَذَا الحَدِيث طرق كَثِيرَة عَن بضع وَعشْرين صحابيا الْحَاجة لنا إِلَى بسطها وَفِي رِوَايَة آخر مَا تكلم بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (اخلفوني فِي أَهلِي)

وسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما إِذْ يُقَال لكل خطير شرِيف ثقلا أَو لِأَن الْعَمَل بِمَا أوجب الله من حقوقهما ثقيل جدا

وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا) المزمل 5 أَي لَهُ وزن وَقدر لِأَنَّهُ لَا يُؤدى إِلَّا بتكليف مَا يثقل

وَسمي الْإِنْس وَالْجِنّ ثقلين لاختصاصهما بكونهما قطان الأَرْض وبكونهما فضلا بالتمييز على سَائِر الْحَيَوَان وَفِي هَذِه الْأَحَادِيث سِيمَا قَوْله صلى الله عليه وسلم (انْظُرُوا كَيفَ تخلفوني فيهمَا) و (أوصيكم بعترتي خيرا) و (أذكركم الله فِي اهل بَيْتِي) الْحَث الأكيد على مَوَدَّتهمْ ومزيد الْإِحْسَان إِلَيْهِم واحترامهم وإكرامهم وتأدية حُقُوقهم الْوَاجِبَة والمندوبة كَيفَ وهم أشرف بَيت وجد على وَجه الأَرْض فخرا وحسبا ونسبا وَلَا سِيمَا إِذا كَانُوا متبعين للسّنة النَّبَوِيَّة كَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلفهم كالعباس وبنيه وَعلي وَأهل بَيته وَعقيل وبنيه وَبني

ص: 653

جَعْفَر وَفِي قَوْله صلى الله عليه وسلم (لَا تتقدموهما فَتَهْلكُوا وَلَا تقصرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلكُوا وَلَا تعلموهم فَإِنَّهُم أعلم مِنْكُم) دَلِيل على ان من تاهل مِنْهُم للمراتب الْعلية والوظائف الدِّينِيَّة كَانَ مقدما على غَيره وَيدل لَهُ التَّصْرِيح بذلك فِي كل قُرَيْش كَمَا مر فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فيهم

وَإِذا ثَبت هَذَا لجملة قُرَيْش فَأهل الْبَيْت النَّبَوِيّ الَّذين هم غرَّة فَضلهمْ ومحتد فَخْرهمْ وَالسَّبَب فِي تميزهم على غَيرهم بذلك أَحْرَى وأحق وَأولى

وَسبق عَن زيد بن أَرقم أَن نِسَاءَهُ صلى الله عليه وسلم من أهل بَيته ثمَّ قَالَ وَلَكِن أهل بَيته إِلَى آخِره وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنهم من أهل بَيته بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ دون الْأَخَص وهم من حرمت عَلَيْهِ الصَّدَقَة وَيُؤَيّد ذَلِك خبر مُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم خرج ذَات غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرجل من شعر أسود فجَاء الْحسن فَأدْخلهُ ثمَّ الْحُسَيْن فَأدْخلهُ ثمَّ فَاطِمَة فَأدْخلهَا ثمَّ عَليّ فَأدْخلهُ رضي الله عنهم ثمَّ قَالَ {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 33 وَفِي رِوَايَة (اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي) وَفِي أُخْرَى أَن أم سَلمَة أَرَادَت أَن تدخل مَعَهم فَقَالَ صلى الله عليه وسلم بعد مَنعه لَهَا (أَنْت على خير) وَفِي أُخْرَى أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله وَأَنا فَقَالَ (وَأَنت) أَي من أهل الْبَيْت الْعَام بِدَلِيل الرِّوَايَة الْأُخْرَى قَالَت وَأَنا قَالَ (وَأَنت من أَهلِي)

وَكَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم لواثلة لما قَالَ يَا رَسُول الله وَأَنا فَقَالَ (أَنْت من أَهلِي) وَرُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لعَلي (سُلَيْمَان منا آل الْبَيْت وَهُوَ نَاصح

ص: 654

فاتخذه لنَفسك) فعده مِنْهُم بِاعْتِبَار صدق صحبته وعظيم قربه وولائه

وَفِي سَنَد كل مَا عدا رِوَايَة مُسلم مقَال

وَفِي رِوَايَة (أُسَامَة منا آل الْبَيْت ظهرا لبطن) وروى أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن الَّذين نزلت فيهم الْآيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعلي وَفَاطِمَة وابناهما رضي الله عنهم وَقَالَ (يَا رب هَذَا عمي وصنوا أبي وَهَؤُلَاء أهل بَيْتِي فاسترهم من النَّار كستري إيَّاهُم بملاءتي هَذِه) فأمنت أسكفه الْبَاب وحوائط الْبَيْت آمين آمين آمين

وَحَدِيث مُسلم أصح من هَذَا وَأهل الْبَيْت فِيهِ غير أَهله فِي حَدِيث الْعَبَّاس وبنيه الْمَذْكُور لما مر أَن لَهُ إطلاقين إطلاقا بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَهُوَ مَا يشْتَمل جَمِيع الْآل تَارَة والزوجات أُخْرَى وَمن صدق فِي ولائه ومحبته أُخْرَى وإطلاقا بِالْمَعْنَى الْأَخَص وهم من ذكرُوا فِي خبر مُسلم وَقد صرح الْحسن رضي الله عنه بذلك فَإِنَّهُ حِين اسْتخْلف وثب عَلَيْهِ رجل من بني أَسد فطعنه وَهُوَ ساجد بخنجر لم يبلغ مِنْهُ مبلغا وَلذَا عَاشَ بعده عشر سِنِين فَقَالَ يَا أهل الْعرَاق اتَّقوا الله فِينَا فَإنَّا امراؤكم وضيفانكم وَنحن أهل الْبَيْت الَّذين قَالَ الله عز وجل فيهم إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ

ص: 655

تَطْهِيرا) وَلَا زَالَ يُكَرر ذَلِك حَتَّى مَا بَقِي أحد من أهل الْمَسْجِد إِلَّا وَهُوَ يحن بكاء

وَقَالَ زين العابدين لبَعض أهل الشَّام أما قَرَأت فِي الْأَحْزَاب {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} قَالَ وَلَأَنْتُمْ هم قَالَ نعم

وَقَول زيد بن أَرقم أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة هُوَ بِضَم الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَالْمرَاد بِالصَّدَقَةِ فِيهِ وفسرهم الشَّافِعِي وَغَيره ببني هَاشم وَالْمطلب وعوضوا عَنْهَا خمس الْخمس من الْفَيْء وَالْغنيمَة الْمَذْكُور فِي سورتي الْأَنْفَال والحشر إِذْ هم المُرَاد بِذِي الْقُرْبَى فيهمَا

قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَفِي تَخْصِيصه صلى الله عليه وسلم بني هَاشم وَالْمطلب بإعطائهم سهم ذَوي الْقُرْبَى وَقَوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا بنوا هَاشم وَالْمطلب شَيْء وَاحِد) فَضِيلَة أُخْرَى وَهِي أَنه حرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة وعوضهم عَنْهَا خمس الْخمس فَقَالَ (إِن الصَّدَقَة لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد)

قَالَ وَذَلِكَ يدل أَيْضا على أَن آله الَّذين أمرنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِم مَعَه هم الَّذين حرم الله عَلَيْهِم الصَّدَقَة وعوضهم عَنْهَا خمس الْخمس فالمسلمون من بني هَاشم وَالْمطلب يكونُونَ داخلين فِي صَلَاتنَا على آل نَبينَا صلى الله عليه وسلم فِي فرائضنا ونوافلنا وفيمن أمرنَا بحبهم

انْتهى

وَقصر مَالك وَأَبُو حنيفَة رضي الله عنهما تَحْرِيم الزَّكَاة على بني هَاشم وَعَن أبي حنيفَة جَوَازهَا لَهُم مُطلقًا

ص: 656

وَقَالَ الطَّحَاوِيّ إِنَّهُم حرمُوا سهم ذَوي الْقُرْبَى

وَأَبُو يُوسُف تحل من بَعضهم لبَعض وَمذهب أَكثر الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد حل أَخذهم النَّفْل

وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك وَعنهُ حل أَخذ الْفَرْض دون التَّطَوُّع لِأَن الذل فِيهِ أَكثر

وَأسْندَ الْمُحب الطَّبَرِيّ خبر (اسْتَوْصُوا بِأَهْل بَيْتِي خيرا فَإِنِّي أخاصمكم عَنْهُم غَدا يَوْم الْقِيَامَة وَمن أكن خَصمه أخصمه وَمن أخصمه دخل النَّار)

قَالَ الْحَافِظ السخاوي لم أَقف لَهُ على أصل أعتمده وَصَحَّ عَن أبي بكر رضي الله عنه أَنه قَالَ ارقبوا مُحَمَّدًا أَي احْفَظُوا عَهده ووده صلى الله عليه وسلم فِي أهل بَيته

ص: 657