المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خاتمة في أمور مهمة - الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة - جـ ٢

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول فِي إِسْلَامه وهجرته وَغَيرهمَا

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه وكرم الله وَجهه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي ثَنَاء الصَّحَابَة وَالسَّلَف عَلَيْهِ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي نبذ من كَلِمَاته وقضاياه الدَّالَّة على علو قدره علما وَحِكْمَة وزهدا وَمَعْرِفَة بِاللَّه تَعَالَى

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي وَفَاته رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الأول فِي خِلَافَته

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي فضائله رضي الله عنه

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي بعض مآثره

- ‌الْفَصْل الأول فِي الْآيَات الْوَارِدَة فيهم

- ‌الْمَقْصد الأول فِي تَفْسِيرهَا

- ‌الْمَقْصد الثَّانِي فِيمَا تضمنته تِلْكَ الْآيَة من طلب محبَّة آله صلى الله عليه وسلم وَأَن ذَلِك من كَمَال الْإِيمَان

- ‌الْمَقْصد الثَّالِث فِيمَا أشارت إِلَيْهِ من التحذير من بغضهم

- ‌الْمَقْصد الرَّابِع مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة الْحَث على صلتهم وَإِدْخَال السرُور عَلَيْهِم

- ‌الْمَقْصد الْخَامِس مِمَّا أشارت إِلَيْهِ الْآيَة من توقيرهم وتعظيمهم وَالثنَاء عَلَيْهِم

- ‌خَاتِمَة فِيمَا أخبر بِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا حصل على آله وَمِمَّا أصَاب مسيئهم من الانتقام الشَّديد

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي سرد أَحَادِيث وَارِدَة فِي أهل الْبَيْت وَمر أَكثر هَذَا فِي الْفَصْل الأول وَلَكِن قصدت سردها فِي هَذَا الْفَصْل ليَكُون ذَلِك أسْرع لاستحضارها

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي بعض أهل الْبَيْت كفاطمة وولديها رضي الله عنهم

- ‌الخاتمة فِي بَيَان اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَفِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي وَفِي حقية خلَافَة مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن لَهُ عَن الْخلَافَة وَفِي بَيَان اخْتلَافهمْ فِي كفر وَلَده يزِيد وَفِي جَوَاز لَعنه وَفِي تَوَابِع وتتمات تتَعَلَّق بذلك

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتقاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌تَتِمَّة

- ‌تَتِمَّة فِي أَبْوَاب منتاة من كتاب لِلْحَافِظِ السخاوي

- ‌بَاب مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِم تبعا للصَّلَاة على مشرفهم صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب بشارتهم الْجنَّة

- ‌بَاب الْأمان ببقائهم

- ‌بَاب النحذير من بغضهم وسبهم

- ‌خَاتِمَة فِي أُمُور مهمة

- ‌بَاب فِي التَّخْيِير وَالْخلاف

الفصل: ‌خاتمة في أمور مهمة

‌خَاتِمَة فِي أُمُور مهمة

أَولهَا يتَعَيَّن ترك الانتساب إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِحَق

فَفِي البُخَارِيّ (إِن من أعظم الفرى أَن يدعى الرجل إِلَى غير أَبِيه أَو يري عينه مَا لم تَرَ) الحَدِيث وروى أَيْضا (لَيْسَ من رجل ادّعى لغير أَبِيه وَهُوَ يعلم إِلَّا كفر) وروى أَيْضا (من ادّعى إِلَى غير أَبِيه فالجنة حرَام عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة (فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ)

وروى جمَاعَة أَحَادِيث أخر فِيهَا أَن ادِّعَاء نسب بِالْبَاطِلِ أَو التبري مِنْهُ كَذَلِك كفر أَي للنعمة أَو إِن اسْتحلَّ أَو يُؤَدِّي إِلَيْهِ وَمن هُنَا توقف كثير من قُضَاة الْعدْل عَن الدُّخُول فِي الْأَنْسَاب ثبوتا أَو انْتِفَاء لَا سِيمَا نسب أهل الْبَيْت الطَّاهِر المطهر

وَعَجِيب من قوم يبادرون إِلَى إثْبَاته بِأَدْنَى قرينَة وَحجَّة موهمة يسْأَلُون عَنْهَا يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم

ثَانِيهمَا اللَّائِق بِأَهْل الْبَيْت المكرم المطهر أَن يجروا على طَريقَة مشرفهم وسنته صلى الله عليه وسلم اعتقادا وَعَملا وَعبادَة وزهدا وتقوى ناظرين إِلَى قَوْله تَعَالَى {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} الحجرات 13 وَإِلَى قَول مشرفهم صلى الله عليه وسلم وَقد سُئِلَ أَي النَّاس أكْرم قَالَ (أكْرمهم عِنْد الله أَتْقَاهُم لله) ثمَّ قَالَ (خيارهم فِي الْجَاهِلِيَّة خيارهم فِي الْإِسْلَام إِذا فقهوا)

ص: 689

وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَيْسَ أحد أكْرم من أحد إِلَّا بتقوى الله

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم كَمَا عِنْد أَحْمد لأبي ذَر (انْظُر فَإنَّك لست بِخَير من أَحْمَر وَلَا أسود إِلَّا أَن تفضله بتقوى الله) وَله وَلغيره (يَا أَيهَا النَّاس إِن ربكُم وَاحِد وَإِن أَبَاكُم وَاحِد أَلا لَا فضل لعربي على عجمي وَلَا لأسود على أَحْمَر إِلَّا بالتقوى خَيركُمْ عِنْد الله أَتْقَاكُم لله)

وللطبراني (الْمُسلمُونَ إخْوَة لَا فضل لأحد على أحد إِلَّا بالتقوى)

وَصَحَّ على نزاع فِيهِ أَنه صلى الله عليه وسلم خطب النَّاس بِمَكَّة فَكَانَ من جملَة خطبَته (يَا أَيهَا النَّاس إِن الله قد أذهب عَنْكُم عَيْبَة الْجَاهِلِيَّة أَي بِفَتْح أَوله وكسره وَتَعَاظُمهَا أَي عطف تَفْسِير بِآبَائِهَا فَالنَّاس رجلَانِ رجل بر تَقِيّ كريم على الله وَرجل شقي هَين على الله إِن الله يَقُول {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم إِن الله عليم خَبِير} الحجرات 13) ثمَّ قَالَ (أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم)

وَفِي رِوَايَة سندها حسن (لينتهين أَقوام يفتخرون بآبائهم الَّذين مَاتُوا إِنَّمَا هُوَ فَحم جَهَنَّم أَو لَيَكُونن أَهْون على الله من الْجعل الَّذِي يدهده الخرء بِأَنْفِهِ أَي يدحرجه عَن الله قد أذهب عَنْكُم عَيْبَة الْجَاهِلِيَّة إِنَّمَا هُوَ مُؤمن تَقِيّ وَفَاجِر شقي النَّاس كلهم بَنو آدم وآدَم خلق من تُرَاب)

وَلمُسلم (إِن الله لَا ينظر إِلَى صوركُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَلَكِن ينظر إِلَى قُلُوبكُمْ وَأَعْمَالكُمْ)

ص: 690

وَلأَحْمَد إِن أنسابكم هَذِه لَيست بمسبة على أحد كلكُمْ بَنو آدم لَيْسَ لأحد على أحد فضل إِلَّا بدين أَو تقوى

وَلابْن جرير والعسكري (النَّاس لآدَم وحواء إِن الله لَا يسألكم عَن أحسابكم يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عَن أَعمالكُم إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم)

وَلابْن لال والعسكري (النَّاس كلهم كأسنان الْمشْط وَإِنَّمَا يتفاضلون بالعافية) أَي كلهم متساوون فِي الصُّور وَإِنَّمَا يتفاوتون بِالْأَعْمَالِ (فَلَا تصحبن أحدا لَا يرى لَك من الْفضل ماترى لَهُ)

وَلأبي يعلى وَغَيره (كرم الْمُؤمن دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه)

وَقَالَ عمر رضي الله عنه لمفتخر بآبائه بقوله أَنا ابْن بطحاء مَكَّة كدائها وكدائها إِن يكن لَك دين مَال فلك كرم وَإِن يكن لَك عقل فلك مُرُوءَة وَإِن يكن لَك فلك شرف وَإِلَّا أَنْت وَالْحمار سَوَاء

وَصَحَّ حَدِيث (من أَبْطَأَ بِهِ عمله لم يسْرع بِهِ نسبه)

وروى الطَّبَرَانِيّ (إِن أهل بَيْتِي يرَوْنَ أَنهم أولى النَّاس بِي وَلَيْسَ كَذَلِك إِن أولى النَّاس بِي مِنْكُم المتقون من كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا)

وروى الشَّيْخَانِ (إِن آل أبي فلَان لَيْسُوا لي بأولياء إِنَّمَا وليي الله صَالح كَذَلِك إِن الْمُؤمنِينَ)

زَاد البُخَارِيّ تَعْلِيقا (وَلَكِن لَهُم رحم سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا) أَي

ص: 691

سأصلها بصلتها الَّتِي تنبغي لَهَا

رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير بِلَفْظ (إِن لبني أبي طَالب عِنْدِي رحما سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا) وَكَذَا وَقعت هَذِه الزِّيَادَة عِنْد مُسلم فِي صَحِيحه وَهِي مَحْمُولَة على غير الْمُسلم مِنْهُم وَإِلَّا فَمنهمْ عَليّ وجعفر رضي الله عنهما وهما من أخص النَّاس بِهِ صلى الله عليه وسلم لما لَهما من السَّابِقَة والتقدم فِي الْإِسْلَام ونصرة الدّين بل فِي حَدِيث ورد مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا (صَالح الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه)

قَالَ النَّوَوِيّ وَمعنى الحَدِيث عَن وليي من كَانَ صَالحا وَإِن بعد مني نسبه

وَقَالَ غَيره الْمَعْنى إِنِّي لَا أوالي أحدا بِالْقَرَابَةِ وَإِنَّمَا أحب الله لما لَهُ من الْحق الْوَاجِب على الْعباد وَأحب صَالح الْمُؤمنِينَ لوجه الله تَعَالَى وَأُوَالِي من وَالِي الْإِيمَان وَالصَّلَاح سَوَاء كَانُوا من ذَوي رحمي أم لَا وَلَكِن أرعى لِذَوي الرَّحِم حَقهم فَأصل رَحِمهم

وَهَذَا يُؤَيّد مَا ورد (آل مُحَمَّد كل تَقِيّ)

وَمن ثمَّ لما قَالَ هاشمي لأبي العيناء تغض عني وَأَنت تصلي عَليّ فِي كل صَلَاة فِي قَوْلك اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد قَالَ لَهُ إِنِّي أُرِيد الطيبين الطاهرين وَلست مِنْهُم

ورؤي أَنْصَارِي فِي النّوم فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي

قيل بِمَاذَا قَالَ بِالنِّسْبَةِ الَّتِي بيني وَبَين النَّبِي صلى الله عليه وسلم

قيل لَهُ أَنْت شرِيف قَالَ لَا

ص: 692

قيل فَمن أَيْن النِّسْبَة قَالَ كنسبة الْكَلْب إِلَى الرَّاعِي

قَالَ ابْن العديم رَاوِي ذَلِك فَأَوَّلْته بانتسابه إِلَى الْأَنْصَار

وَقَالَ غَيره أولته بانتسابه إِلَى الْعلم خُصُوصا علم الحَدِيث لقَوْله صلى الله عليه وسلم (أولى النَّاس بِي أَكْثَرهم عَليّ صَلَاة) إِذْ هم أَكثر النَّاس عَلَيْهِ صَلَاة صلى الله عليه وسلم

تَنْبِيه تمسك بِالْآيَةِ وَالْأَحَادِيث السَّابِقَة لم يعْتَبر الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح واعتبرها الْجُمْهُور

وَلَا شَاهد فِيمَا ذكر لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لما ينفع فِي الْآخِرَة وَلَيْسَ كلامنا فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَام فِي أَن النّسَب الْعلي هَل يفتخر بِهِ ذَوُو الْعُقُول فِي الدُّنْيَا أَولا وَلَا شكّ فِي الافتخار بِهِ وَأَن من أجبرها وَليهَا على نِكَاح غير مكافىء لَهَا فِي النّسَب يعد ذَلِك بخسا لحقها وعارا عَلَيْهَا بل صَلَاح الذُّرِّيَّة ينفع فِي الْآخِرَة فقد صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى {ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ} الطّور 21 أَنه قَالَ إِن الله يرفع ذُرِّيَّة الْمُؤمن مَعَه فِي دَرَجَته يَوْم الْقِيَامَة وَإِن كَانُوا دونه فِي الْعَمَل

وَصَحَّ عَنهُ أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} الْكَهْف 82 أَنه قَالَ حفظا بصلاح أبويهما وَمَا ذكر عَنْهُمَا صلاحا

وَقَالَ سعيد بن جُبَير يدْخل الرجل الْجنَّة فَيَقُول أَيْن أبي أَيْن أُمِّي أَيْن وَلَدي أَيْن زَوجي فَيُقَال لَهُ إِنَّهُم لم يعملوا مثل عَمَلك فَيَقُول كنت أعمل لي وَلَهُم فَيُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة ثمَّ قَرَأَ جنَّات عدن يدْخلُونَهَا وَمن صلح من آبَائِهِم وأزواجهم وذرياتهم الرَّعْد 23 فَإِذا نفع الْأَب الصَّالح مَعَ أَنه السَّابِع كَمَا قيل فِي الْآيَة عُمُوم الذُّرِّيَّة فَمَا بالك بِسَيِّد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذُريَّته الطّيبَة الطاهرة المطهرة وَقد قيل إِن حمام الْحرم إِنَّمَا اكرم لِأَنَّهُ من ذُرِّيَّة حَمَامَتَيْنِ عششتا على غَار ثَوْر الَّذِي اختفى فِيهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد خُرُوجه من مَكَّة لِلْهِجْرَةِ

ص: 693

وَقد حكى التقي الفاسي عَن بعض الْأَئِمَّة أَنه كَانَ يُبَالغ فِي تَعْظِيم شرفاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة على مشرفهم ومشرفها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسبب تَعْظِيمه لَهُم أَنه كَانَ مِنْهُم شخص اسْمه مطير مَاتَ فتوقف عَن الصَّلَاة عَلَيْهِ لكَونه كَانَ يلْعَب بالحمام فَرَأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النّوم وَمَعَهُ فَاطِمَة الزهراء ابْنَته رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَأَعْرَضت عَنهُ فاستعطفها حَتَّى أَقبلت عَلَيْهِ وعاتبته قائلة لَهُ أما يسع جاهنا مطيرا

وَحكى أَيْضا فِي تَرْجَمَة صَاحب مَكَّة السَّيِّد الشريف أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد حسن بن عَليّ بن قَتَادَة الحسني أَنه لما مَاتَ امْتنع الشَّيْخ عفيف الدّين الدلاصي من الصَّلَاة عَلَيْهِ فَرَأى فِي الْمَنَام فَاطِمَة رضي الله عنها وَهِي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَالنَّاس يسلمُونَ عَلَيْهَا وَأَنه رام السَّلَام عَلَيْهَا فَأَعْرَضت عَنهُ ثَلَاث مَرَّات فتحامل عَلَيْهَا وسألها عَن سَبَب إعراضها عَنهُ فَقَالَت يَمُوت وَلَدي وَلَا تصلي عَلَيْهِ فتأدب واعترف بظلمه بِعَدَمِ الصَّلَاة عَلَيْهِ

وَحكى التقي المقريزي عَن يَعْقُوب المغربي أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة فِي رَجَب سنة سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ العابد مُحَمَّد الْفَارِسِي وهما بالروضة المكرمة إِنِّي كنت أبْغض أَشْرَاف الْمَدِينَة بني حُسَيْن لتظاهرهم بالرفض فَرَأَيْت وَأَنا نَائِم تجاه الْقَبْر الشريف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُول يَا فلَان

بامسي مَالِي أَرَاك تبغض أَوْلَادِي فَقلت حاش لله مَا أكرههم وَإِنَّمَا كرهت مَا رَأَيْت من تعصبهم على أهل السّنة فَقَالَ لي مَسْأَلَة فقهية أَلَيْسَ الْوَلَد الْعَاق يلْحق بِالنّسَبِ فَقلت بلَى يَا رَسُول الله

فَقَالَ هَذَا ولد عَاق

فَلَمَّا انْتَبَهت صرت

ص: 694

لَا ألْقى من بني الْحُسَيْن أحدا إِلَّا بالغت فِي إكرامه

وَحكي أَيْضا عَن الرئيس الشَّمْس الْعمريّ قَالَ سَار الْجمال مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب ونوابه وَأَتْبَاعه وَأَنا مَعَه إِلَى بَيت السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الطباطبي فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ فَخرج وَعظم عَلَيْهِ مَجِيء الْمُحْتَسب إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي حاللني

قَالَ مماذا يَا مَوْلَانَا فَقَالَ إِنَّك لماجلست البارحة عِنْد السُّلْطَان الظَّاهِر برقوق فَوق عز ذَلِك عَليّ وَقلت فِي نَفسِي كَيفَ يجلس هَذَا فَوقِي فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل رَأَيْت فِي مَنَامِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مَحْمُود أتأنف أَن تجْلِس تَحت وَلَدي فَبكى الشريف عِنْد ذَلِك وَقَالَ يَا مَوْلَانَا من أَنا حَتَّى يذكرنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبكى الْجَمَاعَة ثمَّ سَأَلُوهُ الدُّعَاء وَانْصَرفُوا

وَحكى التقي بن فَهد الْحَافِظ الْهَاشِمِي الْمَكِّيّ قَالَ جَاءَنِي الشريف عقيل بن هميل وَهُوَ من الْأُمَرَاء الهواشم فَسَأَلَنِي عشَاء فاعتذرت إِلَيْهِ وَلم أفعل فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ اللَّيْلَة أَو فِي غَيرهَا فَأَعْرض عني فَقلت كَيفَ تعرض عني يَا رَسُول الله وَأَنا خَادِم حَدِيثك فَقَالَ كَيفَ لَا أعرض عَنْك ويأتيك ولد من أَوْلَادِي يطْلب الْعشَاء فَلم تعشه قَالَ فَلَمَّا أَصبَحت جِئْت الشريف واعتذرت إِلَيْهِ وأحسنت إِلَيْهِ بِمَا تيَسّر

وَحكى الْجمال عبد الْغفار الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن نوح عَن أم نجم الدّين بن مطروح وَكَانَت من الصَّالِحَات قَالَت حصل لنا غلاء بِمَكَّة أكل النَّاس فِيهِ

ص: 695

الْجُلُود وَكُنَّا ثَمَانِيَة عشر نفسا فَكُنَّا نعمل مِقْدَار نصفقدح نكتفي بِهِ فجاءنا أَربع عشرَة قفة من الدَّقِيق فَفرق زَوجي عشرَة

على أهل مَكَّة وَأبقى لنا أَرْبَعَة فَنَامَ فانتبه يبكي فَقلت لَهُ مابالك قَالَ رَأَيْت السَّاعَة فَاطِمَة الزهراء رضي الله عنها وَهِي تَقول لي يَا سراج تَأْكُل الْبر وأولادي جِيَاع فَنَهَضَ وَفرق مَا بَقِي على الْأَشْرَاف وَبَقينَا بِلَا شَيْء وَمَا كُنَّا نقدر على الْقيام من الْجُوع

وَحكى المقريزي عَن الْمعز بن الْعِزّ قَاضِي الْحَنَابِلَة وَكَانَ من جلساء الْملك الْمُؤَيد أَنه راى نَفسه كَأَنَّهُ بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ وَكَأن الْقَبْر الشريف انْفَتح وَخرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَجلسَ على شفيره وَعَلِيهِ أَكْفَانه وَأَشَارَ إِلَيّ بِيَدِهِ فَقُمْت إِلَيْهِ حَتَّى دَنَوْت مِنْهُ فَقَالَ لي قل للمؤيد يفرج عَن عجلَان يَعْنِي ابْن سعيد أَمِير الْمَدِينَة وَكَانَ مَحْبُوسًا سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة قَالَ فَصَعدت للمؤيد وأخبرته وَحلفت لَهُ مَا رَأَيْت عجلَان هَذَا قطّ فَلَمَّا انْقَضى الْمجْلس قَامَ بِنَفسِهِ إِلَى مرماة النشاب ثمَّ استدعى عجلَان من البرج وَأَفْرج عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ

قَالَ التقي المقريزي وَعِنْدِي عدَّة حكايات صَحِيحَة مثل هَذَا فِي حق بني الْحسن وَبني الْحُسَيْن فإياك والوقيعة فيهم وَإِن كَانُوا على أَي حَالَة لِأَن الْوَلَد ولد على كل حَال صلح أَو فجر

قَالَ وَمن غَرِيب مَا اتّفق أَن السُّلْطَان وَلم يُعينهُ كحل الشريف مدراج بن مقبل بن مُخْتَار بن مُحَمَّد بن رَاجِح بن إِدْرِيس بن حسن ابْن أبي

ص: 696

عَزِيز بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن الْحُسَيْنِي حَتَّى تفقأت حدقتاه وسالتا وورم دماغه وانتفخ وأنتن فَتوجه بعد مُدَّة من عماه إِلَى الْمَدِينَة ووقف عِنْد الْقَبْر المكرم وشكا مَا بِهِ وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَمسح عَيْنَيْهِ بِيَدِهِ الشَّرِيفَة فَأصْبح وَهُوَ يبصر وَعَيناهُ أحسن مِمَّا كَانَتَا واشتهر ذَلِك فِي الْمَدِينَة ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فَغَضب السُّلْطَان ظنا مِنْهُ أَن من كحلوه حابوه فأقيمت عِنْده الْبَيِّنَة العادلة بِأَنَّهُم شاهدوا حدقتيه سائلتين وَأَنه قدم الْمَدِينَة أعمى ثمَّ أصبح يبصر وَحكى رُؤْيَاهُ فسكن مَا عِنْد السُّلْطَان

وَأَخْبرنِي بعض الْأَشْرَاف الصَّالِحين مِمَّن أجمع على صُحْبَة نسبه وصلاحه وَصَلَاح آبَائِهِ قَالَ كنت بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فرايت شريفا عِنْد مكاس يَأْكُل من طَعَامه ويلبس من ثِيَابه فَاشْتَدَّ إنكاري على ذَلِك الشريف وساء اعتقادي فِيهِ فَبت عقب ذَلِك فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم جَالِسا فِي مجْلِس حافل وَالنَّاس محيطون بِهِ صفا وَرَاء صف وَأَنا من جملَة الواقفين دَاخل الْحلقَة وَإِذا أَنا أسمع قَائِلا يَقُول بِصَوْت عَال أحضروا الصُّحُف

وَإِذا بأوراق على هَيْئَة مَا يكْتب فِيهَا مراسيم السلاطين جِيءَ بهَا وَوضعت بَين يَدي النَّبِي صلى الله عليه وسلم ووقف إِنْسَان بَين يَدَيْهِ يعرضهَا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يُعْطِيهَا لأربابها كل من طلع اسْمه يعْطى

ص: 697

صَحِيفَته قَالَ فَأول صحيفَة عَظِيمَة أخرجت وَإِذا بذلك الشريف الَّذِي أنْكرت عَلَيْهِ يُنَادى باسمه فَخرج منحشو الْحلقَة حَتَّى انْتهى بَين يَدي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يعْطى صَحِيفَته فَأَخذهَا وَولى فَرحا مَسْرُورا

قَالَ فَذهب عَن قلبِي جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ على ذَلِك الشريف واعتقدت فِيهِ وَعلمت بتقديمه على سَائِر الْحَاضِرين أَي وَبَان أَن أكله من طَعَام ذَلِك المكاس إِنَّمَا كَانَ للضَّرُورَة الَّتِي تحل أكل الْميتَة

وَمن ذَلِك مَا أَخْبرنِي بِهِ بعض أكَابِر أَشْرَاف الْيمن وصالحيهم لما وَقع من أَمِير الْحَاج الْفَاجِر الْمُفْسد المذموم المخذول مَا سَوَّلت لَهُ نَفسه الخبيثة من الهجوم على السَّيِّد الشريف صَاحب مَكَّة مُحَمَّد أبي نمي زَاد ترقيه وعلوه ببيته بمنى يَوْم عيد النَّحْر ليَقْتُلهُ هُوَ وَأَوْلَاده فِي سَاعَة وَاحِدَة أعاذهم الله من ذَلِك فظفروا بِهِ وَأَرَادُوا قَتله وَجَمِيع جنده لكنه أَعنِي السَّيِّد أَبَا نمي خشِي على الْحجَّاج أَن يقتلُوا عَن آخِرهم فَلَا يفضل مِنْهُم عقال فَأمْسك عَن قِتَاله ثمَّ ذهب لَيْلَة النَّفر إِلَى مَكَّة وَالنَّاس فِي أَمر مريج فَلم يَزْدَدْ ذَلِك الْجَبَّار إِلَّا طغيانا فَنَادَى أَن الشريف مَعْزُول فَلَمَّا سَمِعت الْأَعْرَاب بذلك سقطوا على الْحجَّاج ونهبوا مِنْهُم اموالا لَا تعد وعزموا على نهب مَكَّة بأسرها واستئصال الْحجَّاج والأمير وجنده فَركب الشريف جزاه الله عَن الْمُسلمين خيرا وأثخن فِي الْأَعْرَاب الْجراح وَقتل الْبَعْض فخمدوا وَاسْتمرّ ذَلِك بِمَكَّة وَالنَّاس فِي أَمر مريج بِحَيْثُ عطلت أَكثر مَنَاسِك الْحَج وَالْجَمَاعَات وقاسوا من الْخَوْف

ص: 698

والشدة مَا لم يسمع بِمثلِهِ ثمَّ رَحل ذَلِك الْجَبَّار وَهُوَ يتوعد الشريف بِأَنَّهُ يسْعَى فِي بَاب السُّلْطَان فِي عَزله وَقَتله وَكَانَ ذَلِك كُله سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة قَالَ ذَلِك الشريف فَخرجت من مَكَّة فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى جدة وَأَنا فِي غَايَة الضّيق والوجل على الشريف وَأَوْلَاده وَالْمُسْلِمين فَلَمَّا قربت من جدة قبيل الْفجْر نزلت أستريح سَاعَة حَتَّى يفتح سورها فَرَأَيْت فِي النّوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عَليّ كرم الله وَجهه وَفِي يَده عَصا معوجة الرَّأْس وَكَأَنَّهُ يضْرب عَن السَّيِّد الشريف أبي نمي وَيَقُول لي أخبرهُ بِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بهؤلاء وَأَن الله ينصره عَلَيْهِم

فَمَا مَضَت إِلَّا مُدَّة يسيرَة وَإِذا الْخَبَر أَتَى من بَاب السُّلْطَان نَصره الله وأيده بغاية الإجلال والتعظيم للسَّيِّد الشريف فنصره الله على ذَلِك الْمُفْسد وَمن أغراه على ذَلِك وَعَاد أَمر الْمُسلمين إِلَى مَا عهدوه من الْأَمْن الَّذِي لم يعهدوه فِي غير ولَايَته

وَأَخْبرنِي بعض النَّاس أَنه رأى يَوْم النَّحْر فِي تِلْكَ الشدَّة السَّيِّد بَرَكَات وَالِد أبي نمى وَكَانَ السَّيِّد بَرَكَات يترجم بِالْولَايَةِ رَاكِبًا فرسا عَظِيمَة وَمَعَهُ السَّيِّد الْجَلِيل عبد الْقَادِر الجيلاني على فرس أُخْرَى فَقَالَ يَا مَوْلَانَا السَّيِّد بَرَكَات إِلَى أَيْن أَنْت ذَاهِب فِي هَذِه الهمة الْعَظِيمَة فَقَالَ إِلَى نصْرَة السَّيِّد أبي نمي

وَكَانَت تِلْكَ الرُّؤْيَة مُوَافقَة لهجوم ذَلِك الْفَاجِر فخذله الله وخيبه

وَرَأى النَّاس فِي هَذِه الْوَقْعَة العجيبة الغريبة من المنامات الشاهدة بسلامة السَّيِّد أبي نمي وَأَوْلَاده مَا لَا يُحْصى فَللَّه الْحَمد على ذَلِك

ص: 699

وَأخْبرنَا بعض النَّاس أَن بعض صلحاء الْيمن حج بعياله فِي الْبَحْر فَلَمَّا وصُولا جدة فتشهم المكاسون حَتَّى تَحت ثِيَاب النِّسَاء فَاشْتَدَّ غَضَبه فَتوجه إِلَى الله فِي صَاحب مَكَّة السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات رَحمَه الله تَعَالَى فَرَأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يعرض عَنهُ فَقَالَ لم ذَا يَا رَسُول الله قَالَ أما رَأَيْت فِي الظلمَة من هُوَ أظلم من ابْني هَذَا فانتبه مَرْعُوبًا وَتَابَ إِلَى الله أَلا يتَعَرَّض لأحد من الْأَشْرَاف وَإِن فعل مَا فعل

وَحكى بعض الصَّالِحين أَن فَاجِرًا بِمصْر أَخذ شريفة قهرا ليفجر بهَا وَكَانَ أخص النَّاس بالسلطان وأقربهم عِنْده

قَالَ فتحيرت لِأَن الْعشَاء قد صليت وَلم يبْق إِلَّا الْأَقْدَام على ذَلِك الْأَمر فتوسلت بِبَعْض الصَّالِحين فَلم يمض إِلَّا يسير وَإِذا الطّلب جَاءَ إِلَيْهِ من السُّلْطَان فَأَخَذُوهُ وَخرجت الشَّرِيفَة سَالِمَة وَكَانَ فِي تِلْكَ الأخذة هَلَاك ذَلِك الْفَاجِر عَاجلا ببركة تِلْكَ الشَّرِيفَة

وَحكى لي بعض طلبة الْعلم أَن إنْسَانا بِمَدِينَة فاس ثَبت عَلَيْهِ الْقَتْل فَأمر بِهِ القَاضِي ليقْتل فَأرْسل السُّلْطَان وَهُوَ يَقُول للْقَاضِي لَا تقتله فَإِنِّي رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا تقتلوه

فَقَالَ القَاضِي لَا بُد من قَتله فأراده فِي الْيَوْم الثَّانِي فَأرْسل السُّلْطَان يَقُول رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَائِلا ذَلِك ثَانِيًا فَلم يسمع القَاضِي وَأَرَادَ قَتله فِي الْيَوْم الثَّالِث فَأرْسل السُّلْطَان يَقُول رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَائِلا ذل ك ثَالِثا فَغَضب القَاضِي وَقَالَ لَا نَتْرُك الشَّرْع بالمنام وَإِن تكَرر فَذهب بِهِ ليقْتل وَإِذا إِنْسَان يبرز لوَلِيّ الدَّم وَقد كَانَ النَّاس عجزوا فِيهِ أَن يعفوا فَلم يعف

ص: 700

فبمجرد أَن كَلمه فِي الْعَفو عَفا فَبلغ السُّلْطَان فَأمر بِالرجلِ فأحضر إِلَيْهِ فَقَالَ اصدقني مَا شَأْنك فَقَالَ نعم قتلت من أثبت عَليّ قَتله لكني كنت أَنا وَهُوَ على شرب فَأَرَادَ أَن يفجر بشريفة فمنعته فَلم يمْتَنع عَنْهَا إِلَّا بقتْله فَقتلته دفعا عَن الزِّنَا بهَا

فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان صدقت وَلَوْلَا ذَلِك مَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَلَاث مَرَّات وَهُوَ يَقُول لي لَا تقتلوه

ثَالِثا اللَّائِق بِوَاجِب حَقهم وتعظيمهم وتوقيرهم والتأدب مَعَهم أَن ينزلُوا مَنَازِلهمْ وَأَن يعرف لَهُم شرفهم وَأَن يتواضع لَهُم فِي الْمجَالِس فَإِن لحبهم وإكرامهم أثرا بَينا

مِنْهُ مَا رَوَاهُ النَّجْم بن فَهد والمقريزي أَن بعض الْقُرَّاء كَانَ إِذا مر بِقَبْر تمرلنك قَرَأَ {خذوه فغلوه ثمَّ الْجَحِيم صلوه} الحاقة 30 31 الْآيَة وكررها قَالَ فَبينا أَنا نَائِم رايت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالس وتمرلنك إِلَى جَانِبه قَالَ فنهرته وَقلت إِلَى هُنَا يَا عَدو الله وَأَرَدْت أَن آخذ بِيَدِهِ وأقيمه من جَانب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعه فَإِنَّهُ كَانَ يحب ذريتي فانتبهت فَزعًا وَتركت مَا كنت أقرؤه على قَبره فِي الْخلْوَة

وَأخْبر الْجمال المرشدي والشهاب الكوراني أَن بعض أَبنَاء تمرلنك أخبر أَنه لما مرض تمرلنك مرض الْمَوْت اضْطربَ فِي بعض الْأَيَّام اضطرابا شَدِيدا فاسود وَجهه وَتغَير لَونه ثمَّ أَفَاق فَذكرُوا لَهُ ذَلِك فَقَالَ إِن مَلَائِكَة الْعَذَاب أَتَوْنِي فجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُم اذْهَبُوا عَنهُ فَإِنَّهُ كَانَ يحب ذريتي وَيحسن إِلَيْهِم فَذَهَبُوا

وَإِذا نفع حبهم هَذَا الظَّالِم الَّذِي لَا اظلم مِنْهُ فَكيف بِغَيْرِهِ

ص: 701

وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي إكرام عالمهم وصالحهم فقد روى أَبُو نعيم حَدِيث (إِن الْحِكْمَة تزيد الشريف شرفا وترفع العَبْد الْمَمْلُوك حَتَّى يجلس فِي مجَالِس الْمُلُوك)

وليحذر الإفراط فِي حبهم فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم كَمَا روى أَحْمد بن منيع وَأَبُو يعلى حَدِيث (يَا عَليّ يدْخل النَّار فِيك رجلَانِ محب مفرط أَي بتَخْفِيف الرَّاء ومبغض مفرط أَي بتَشْديد الرَّاء كِلَاهُمَا فِي النَّار)

وَمَا احسن قَول زين العابدين رضي الله عنه وَعَن أهل بَيته يَا أَيهَا النَّاس أحبونا حب الْإِسْلَام فَمَا برح بِنَا حبكم حَتَّى صَار علينا عارا

وَقَالَ مرّة أُخْرَى يَا أهل الْعرَاق أحبونا بحب الْإِسْلَام فَمَا زَالَ حبكم بِنَا حَتَّى صَار سبة

وَأثْنى قوم عَلَيْهِ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُم ماأجرأكم أَو أكذبكم على الله نَحن من صالحي قَومنَا فحسبنا أَن نَكُون من صالحي قَومنَا

وَقَالَ بَعضهم سَأَلته وَجَمَاعَة من أهل الْبَيْت جُلُوس هَل فِيكُم من هُوَ مفترض الطَّاعَة قَالُوا من قَالَ إِن فِينَا هَذَا فَهُوَ وَالله كَذَّاب

وَقَالَ الْحسن بن الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم لرجل مِمَّن يغلو فيهم وَيحكم أحبونا لله فَإِن أَطعْنَا الله فأحبونا وَإِن عصينا الله فأبغضونا قُولُوا فِينَا الْحق فَإِنَّهُ أبلغ فِيمَا تُرِيدُونَ وَنحن نرضى بِهِ مِنْكُم

ص: 702

فَائِدَة دخل زيد بن زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ رضي الله عنهم على هِشَام بن عبد الْملك فَسلم عَلَيْهِ بالخلافة وَتكلم فخشي مِنْهُ فَقَالَ أَنْت الراجي للخلافة المنتظر لَهَا وَكَيف ترجوها وَأَنت ابْن أمة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن تعييرك إيامي بأمي لَيْسَ جَوَابا فَإِن شِئْت أَجَبْتُك وَإِن شِئْت أَمْسَكت

قَالَ بل أجب فَمَا أَنْت وجوابك قَالَ إِنَّه لَيْسَ أحد أعظم عِنْد الله عز وجل من نَبِي بَعثه الله رَسُولا فَلَو كَانَت أم الْوَلَد تقصر بِهِ عَن بُلُوغ الْأَنْبِيَاء وَالرسل لم يبْعَث الله إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عليهما السلام وَكَانَت أمه مَعَ أم إِسْحَاق كأمي مَعَ أمك وَلم يمنعهُ ذَلِك أَن يَبْعَثهُ الله نَبيا وَكَانَ عِنْد ربه مرضيا وَكَانَ أَبَا للْعَرَب وَأَبا لخير النَّبِيين وَخَاتم الْمُرْسلين والنبوة أعظم من الْخلَافَة وَمَا علا رجل بِأُمِّهِ وَهُوَ ابْن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ خرج مغضبا

وَلما ولي السفاح ورد عَلَيْهِ رَأس مَرْوَان بن مُحَمَّد وَهُوَ آخر مُلُوك بني أُميَّة من مصر لِأَنَّهُ هرب من الشَّام لمصر وَأَن عبد الحميد الطَّائِي نبش هشاما بالرصافة وصلبه وَحَرقه بالنَّار خر لله سَاجِدا وَقَالَ الْحَمد لله قد قتلت بالحسين بن عَليّ رضي الله عنهما مِائَتَيْنِ من بني أُميَّة وصلبت هشاما بزيد بن عَليّ وَقتلت مَرْوَان بأخي إِبْرَاهِيم

نقلت من كتاب الْمُخْتَار فِي مَنَاقِب الأخيار للشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة أبي

ص: 703

السعادات ابْن الْأَثِير رَحمَه الله تَعَالَى عَلَيْهِ قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه إِن أَبَا بكر الصّديق رضي الله عنه خرج إِلَى الْيمن قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فَنزلت على شيخ من الأزد عَالم قد قَرَأَ الْكتب وَعلم من علم النَّاس علما كثيرا وَأَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعمِائَة سنة إِلَّا عشر سِنِين فَلَمَّا رَآنِي قَالَ أحسبك حرميا

قَالَ أَبُو بكر قلت نعم أَنا من أهل الْحرم

قَالَ وأحسبك تيميا قلت نعم وَأَنا من تيم بن مرّة أَنا عبد الله بن عُثْمَان بن عَامر

قَالَ بقيت لي فِيك وَاحِدَة

قلت مَا هِيَ قَالَ تكشف لي عَن بَطْنك

قلت لَا أفعل أَو تُخبرنِي

قَالَ أجد فِي الْعلم الصَّحِيح الزكي الصَّادِق أَن نَبيا يبْعَث فِي الْحرم يعاونه على أمره فَتى وكهل فَأَما الْفَتى فجواس غَمَرَات ودفاع معضلات وَأما الكهل فأبيض نحيف على بَطْنه شامة وعَلى فَخذه شامة وعَلى فَخذه الْأَيْسَر عَلامَة وَمَا عَلَيْك أَن تريني مَا سَأَلتك فقد تكاملت لي فِيك الصّفة إِلَّا مَا خَفِي عَليّ

قَالَ أَبُو بكر فَكشفت لَهُ عَن بَطْني فَرَأى شامة سَوْدَاء فَوق سرتي فَقَالَ أَنْت هُوَ وَرب الْكَعْبَة وَإِنِّي مُتَقَدم إِلَيْك فِي أَمر فاحذره

قلت وَمَا هُوَ قَالَ إياك والميل عَن طَرِيق الْهدى وَتمسك بالطريقة الْوُسْطَى وخف الله فِيمَا خولك وأعطاك

فَقَالَ أَبُو بكر فَقضيت فِي الْيمن غرضي ثمَّ أتيت الشَّيْخ أودعهُ فَقَالَ أحامل أَنْت عني أبياتا قلتهَا فِي ذَلِك النَّبِي قلت نعم فَأَنْشد يَقُول

(ألم تَرَ أَنِّي قد وهنت معاشري

وَنَفْسِي وَقد أَصبَحت فِي الْحَيّ ماهنا)

ص: 704

(حييت وَفِي الْأَيَّام للمرء عِبْرَة

ثَلَاث مئين ثمَّ تسعين آمنا)

وَذكر أبياتا عدَّة مِنْهَا

(وَقد خمدت مني شرارة قوتي

وألفيت شَيخا لَا أُطِيق الشواحنا)

(فَمَا زلت أَدْعُو الله فِي كل حَاضر

حللت بِهِ سرا وجهرا معالنا)

(فحي رَسُول الله عني فإنني

على دينه أَحْيَا وَإِن كنت واكنا)

وَقَالَ أَبُو بكر فَحفِظت وَصيته وشعره وقدمت مَكَّة

وَبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَجَاءَنِي عقبَة بن أبي معيط وَشَيْبَة بن ربيعَة وَأَبُو جهل بن هِشَام وصناديد قُرَيْش فَقلت لَهُم هَل نابتكم نائبة أَو ظهر فِيكُم أَمر قَالُوا يَا أَبَا بكر أعظم الْخطب وَأجل النوائب يَتِيم أبي طَالب يزْعم أَنه نَبِي وَلَوْلَا أَنْت مَا انتظرنا فَإذْ قد جِئْت فَأَنت الْغَايَة والكفاية

قَالَ أَبُو بكر فصرفتهم على حس وَمَسّ وَسَأَلت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقيل إِنَّه فِي منزل خَدِيجَة فقرعت عَلَيْهِ الْبَاب فَخرج إِلَيّ فَقلت يَا مُحَمَّد فقدت من منَازِل أهلك واتهموك بالفتنة وَترك دين آبَائِك وأجدادك قَالَ (يَا أَبَا بكر إِنِّي رَسُول الله إِلَيْك وَإِلَى النَّاس كلهم فَآمن بِاللَّه) فَقلت وَمَا دليلك على ذَلِك قَالَ (الشَّيْخ الَّذِي لَقيته بِالْيمن) فَقلت فكم من مَشَايِخ لقِيت بِالْيمن واشتريت وَأخذت وَأعْطيت

قَالَ (الشَّيْخ الَّذِي أفادك الأبيات) فَقلت وَمن خبرك بهَا يَا حَبِيبِي قَالَ (الْملك الْعَظِيم الَّذِي يَأْتِي الْأَنْبِيَاء قبلي)

قلت مد يدك فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله

قَالَ أَبُو بكر فَانْصَرَفت وَلَا بَين لابتيها أَشد سُرُورًا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

نقل من كتاب الشَّرْح والإبانة عَن أصُول السّنة والديانة قَالَ سُفْيَان

ص: 705

الثَّوْريّ من فضل عليا على أبي بكر وَعمر فقد عابهما وَعَابَ من فَضله عَلَيْهِمَا

وَقَالَ جَابر بن عبد الله قَالَ لي مُحَمَّد بن عَليّ عليه السلام يَا جَابر بَلغنِي أَن أَقْوَامًا بالعراق يتناولون أَبَا بكر وَعمر ويزعمون أَنهم يحبونا ويزعمون أَنِّي أَمرتهم بذلك فَبَلغهُمْ أَنِّي إِلَى الله مِنْهُم بَرِيء وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو وليت لتقربت بدمائهم إِلَى الله عز وجل

وَقَالَ سُلَيْمَان كنت عِنْد عبد الله بن الْحُسَيْن بن حسن فَقَالَ لَهُ رجل أصلحك الله من أهل ملتنا أحد يَنْبَغِي أَن نشهدك عَلَيْهِ بشرك قَالَ نعم الرافضة أشهد أَنهم مشركون فَكيف لَا يكونُونَ مُشْرِكين وَلَو سَأَلتهمْ أأذنب النَّبِي صلى الله عليه وسلم لقالوا نعم وَقد غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَلَو قلت لَهُم أأذنب عَليّ رضي الله عنه لقالوا لَا وَمن قَالَ ذَلِك عَلَيْهِ فقد كفر

وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن من فضلنَا على أبي بكر وَعمر فقد برىء من سنة جدنا وَنحن خصماؤه عِنْد الله

وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (سَيَأْتِي قوم لَهُم نبز يُقَال لَهُم الرافضة أَيْن لقيتهم فاقتلهم فَإِنَّهُم مشركون) قلت يَا رَسُول الله وَمَا الْعَلامَة فيهم قَالَ (يقرظونك بِمَا لَيْسَ فِيك ويطعنون على السّلف الأول)

وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (يخرج قبل قيام السَّاعَة قوم يُقَال لَهُم الرافضة بُرَآء من الْإِسْلَام)

ثمَّ يجب الْإِيمَان والمعرفة بِأَن خير الْخلق وأفضلهم وأعظمهم منزلَة عِنْد الله بعد

ص: 706

النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وأحقهم بخلافة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَبُو بكر الصّديق عبد الله بن عُثْمَان وَهُوَ عَتيق ابْن أبي قُحَافَة رضي الله عنه ونعلم أَنه مَاتَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلم يكن على وَجه الأَرْض أحد بِالْوَصْفِ الَّذِي قدمنَا ذكره غَيره رَحْمَة الله عَلَيْهِ ثمَّ من بعده على هَذَا التَّرْتِيب وَالصّفة أَبُو حَفْص عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَهُوَ الْفَارُوق ثمَّ من بعدهمَا على هَذَا التَّرْتِيب والنعت عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ أَبُو عبد الله وَأَبُو عَمْرو ذُو النورين ثمَّ على هَذَا النَّعْت وَالصّفة من بعدهمْ أَبُو الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ الأنزع البطين صهر رَسُول رب الْعَالمين صلوَات الله وَرَحمته وَبَرَكَاته عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فبحبهم وَمَعْرِفَة فَضلهمْ قَامَ الدّين وتمت السّنة وَعدلت الْحجَّة

وَتشهد للعشرة بِالْجنَّةِ بِلَا شكّ وَلَا اسْتثِْنَاء وهم أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فَهَؤُلَاءِ لَا يتقدمهم أحد فِي الْفضل وَالْخَيْر وَتشهد لكل من شهد لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْجنَّةِ وَأَن حَمْزَة سيد الشُّهَدَاء وجعفر الطيار فِي الْجنَّة وَالْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة وَتشهد لجَمِيع الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار بالرضوان وَالتَّوْبَة وَالرَّحْمَة من الله لَهُم

ثمَّ بعد ذَلِك تشهد لعَائِشَة رضي الله عنها بنت أبي بكر الصّديق رضي الله عنهما أَنَّهَا الصديقة الطاهرة المبرأة من السَّمَاء على لِسَان جِبْرِيل إِخْبَارًا من الله متلوا فِي كِتَابه مثبتا فِي صُدُور الْأمة ومصاحفها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنَّهَا زَوْجَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاضلة وَأَنَّهَا زَوجته وصاحبته فِي الْجنَّة وَهِي أم الْمُؤمنِينَ فِي

ص: 707

الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَمن شكّ فِي ذَلِك أَو طعن فِيهِ أَو توقف عَنهُ فقد كذب بِكِتَاب الله وَشك فِيمَا جَاءَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَزعم أَنه من عِنْد غير الله قَالَ الله تَعَالَى {يعظكم الله أَن تعودوا لمثله أبدا إِن كُنْتُم مُؤمنين} النُّور 17 فَمن أنكر هَذَا فقد برىء من الْإِيمَان وتحب جَمِيع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على مَرَاتِبهمْ ومنازلهم أَولا فأولا وتترحم على أبي عبد الرَّحْمَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أخي أم حَبِيبَة زَوْجَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَال الْمُؤمنِينَ أَجْمَعِينَ كَاتب الْوَحْي وتذكر فضائله وتروي مَا روى فِيهِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقد قَالَ ابْن عمر رضي الله عنهما كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (يدْخل عَلَيْكُم من هَذَا الْفَج رجل من أهل الْجنَّة) فَدخل مُعَاوِيَة رضي الله عنه فتعلم أَن هَذَا مَوْضِعه ومنزلته ثمَّ تحب فِي الله من أطاعه وَإِن كَانَ بَعيدا مِنْك وَخَالف مرادك فِي الدُّنْيَا وَتبْغض فِي الله من عَصَاهُ ووالى أعداءه وَإِن كَانَ قَرِيبا مِنْك وَوَافَقَ هَوَاك فِي دنياك

نقل من كتاب الغنية لطالبي الْحق عز وجل تأليف الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة القطب الرباني أبي صَالح عبد الْقَادِر الجيلي نفعنا الله ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَفِيه وَقد رُوِيَ عَن إمامنا أبي عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَحْمَة الله عَلَيْهِ رِوَايَة أُخْرَى أَن خلَافَة أبي بكر رضي الله عنه ثبتَتْ بِالنَّصِّ الْجَلِيّ وَالْإِشَارَة وَهُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث رضي الله عنهم وَجه هَذِه الرِّوَايَة مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (لما عرج بِي سَأَلت رَبِّي عز وجل أَن يَجْعَل الْخَلِيفَة من بعدِي عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَت الْمَلَائِكَة يَا مُحَمَّد إِن الله يفعل مَا يَشَاء الْخَلِيفَة من بعْدك أَبُو بكر)

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث ابْن عمر رضي الله عنهما (الَّذِي بعدِي أَبُو بكر لَا يثبت بعدِي إِلَّا قَلِيلا)

ص: 708

وَمِنْه وَأَن لَا يكاثر أهل الْبدع وَلَا يدانيهم وَلَا يسلم عَلَيْهِم لِأَن إمامنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رحمه الله عَلَيْهِ قَالَ من سلم على صَاحب بِدعَة فقد أحبه لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم (أفشوا السَّلَام بَيْنكُم تحَابوا) وَلَا يجالسهم وَلَا يقرب مِنْهُم وَلَا يهنيهم فِي الأعياد وأوقات السرُور وَلَا يصل عَلَيْهِم إِذا مَاتُوا وَلَا يترحم عَلَيْهِم إِذا ذكرُوا بل يباينهم ويعاديهم فِي الله عز وجل مُعْتَقدًا محتسبا بذلك الثَّوَاب الجزيل وَالْأَجْر الْكَبِير

وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (من نظر إِلَى صَاحب بِدعَة بغضا لَهُ فِي الله مَلأ الله قلبه أمنا وإيمانا وَمن انتهر صَاحب بِدعَة آمنهُ الله يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر وَمن استحقر صَاحب بِدعَة رَفعه الله فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة وَمن لقِيه بالبشر أَو بِمَا يسره فقد استخف بِمَا أنزل الله على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

عَن أبي الْمُغيرَة عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (أَبى الله عز وجل أَن يقبل عمل صَاحب بِدعَة حَتَّى يدع بدعته)

وَقَالَ فُضَيْل بن عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى من أحب صَاحب بِدعَة أحبط الله عمله وَأخرج نور الْإِيمَان من قلبه وَإِذا علم الله عز وجل من رجل أَنه مبغض لصَاحب بِدعَة رَجَوْت الله عز وجل أَن يغْفر لَهُ وَإِن قل عمله وَذَا رَأَيْت مبتدعا فِي طَرِيق فَخذ طَرِيقا أُخْرَى

وَقَالَ فُضَيْل بن عِيَاض رضي الله عنه سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة رضي الله عنه يَقُول من تبع جَنَازَة مُبْتَدع لم يزل فِي سخط الله عز وجل حَتَّى يرجع وَقد لعن النَّبِي صلى الله عليه وسلم المبتدع فَقَالَ صلى الله عليه وسلم (من أحدث حَدثا أَو آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَلَا يقبل مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا) يَعْنِي بِالصرْفِ الْفَرِيضَة وبالعدل النَّافِلَة

ص: 709