الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الثَّالِث فِي بعض مآثره
كَانَ رضي الله عنه سيدا كَرِيمًا حَلِيمًا زاهدا ذَا سكينَة ووقار وحشمة جوادا ممدوحا وَسَيَأْتِي بسط شَيْء من ذَلِك
أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية أَنه قَالَ إِنِّي لأستحيي من رَبِّي أَن أَلْقَاهُ وَلم أمش إِلَى بَيته
فَمشى عشْرين حجَّة
وَأخرج الْحَاكِم عَن عبد الله بن عمر قَالَ لقد حج الْحسن خمْسا وَعشْرين حجَّة مَاشِيا وَإِن النجائب لتقاد بَين يَدَيْهِ
وَأخرج أَبُو نعيم أَنه خرج من مَاله مرَّتَيْنِ وقاسم الله تَعَالَى مَاله ثَلَاث مَرَّات حَتَّى أَنه كَانَ ليعطي نعلا ويمسك نعلا وَيُعْطِي خفا ويمسك خفا
وَسمع رجلا يسْأَل ربه عز وجل عشرَة آلَاف دِرْهَم فَبعث بهَا إِلَيْهِ
وجاءه رجل يشكو إِلَيْهِ حَاله وَفَقره وَقلة ذَات يَده بعد أَن كَانَ مثريا فَقَالَ يَا هَذَا حق سؤالك يعظم لدي معرفتي بِمَا يجب لَك وَيكبر عَليّ ويدي تعجز
عَن نيلك مَا أَنْت أَهله وَالْكثير فِي ذَات الله قَلِيل وَمَا فِي ملكي وَفَاء لشكرك فَإِن قبلت الميسور وَرفعت عني مُؤنَة الاحتفال والاهتمام لما أتكلفه فعلت
فَقَالَ يَا ابْن بنت رَسُول الله أقبل الْقَلِيل وأشكر الْعَطِيَّة وأعذر على الْمَنْع
فأحضر الْحسن وَكيله وحاسبه وَقَالَ هَات الْفَاضِل
فأحضر خمسين ألف دِرْهَم وَقَالَ مَا فعلت فِي الْخَمْسمِائَةِ دِينَار الَّتِي مَعَك قَالَ هِيَ عِنْدِي قَالَ أحضرها فأحضرها
فَدَفعهَا وَالْخمسين ألفا إِلَى الرجل وَاعْتذر مِنْهُ
وأضافته هُوَ وَالْحُسَيْن وَعبد الله بن جَعْفَر عَجُوز فَأَعْطَاهَا ألف دِينَار وَألف شَاة وَأَعْطَاهَا الْحُسَيْن مثل ذَلِك وَأَعْطَاهَا عبد الله بن جَعْفَر مثلهمَا ألفي شَاة وَألْفي دِينَار
وَأخرج الْبَزَّار وَغَيره عَنهُ أَنه لما اسْتخْلف بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ وثب عَلَيْهِ رجل فطعنه بخنجر وَهُوَ ساجد ثمَّ خطب النَّاس فَقَالَ يَا أهل الْعرَاق اتَّقوا الله فِينَا فَإنَّا أمراؤكم وضيفانكم وَنحن أهل الْبَيْت الَّذين قَالَ الله فيهم {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 23 فَمَا زَالَ يَقُولهَا حَتَّى مَا بَقِي أحد فِي الْمَسْجِد إِلَّا وَهُوَ يبكي
وَأخرج ابْن سعد عَن عُمَيْر بن إِسْحَاق أَنه لم يسمع مِنْهُ كلمة فحش إِلَّا مرّة
كَانَ بَينه وَبَين عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان خُصُومَة فِي أَرض فَقَالَ لَيْسَ لَهُ عندنَا إِلَّا مَا أرْغم أَنفه
قَالَ فَهَذِهِ أَشد كلمة فحش سَمعتهَا مِنْهُ
وَأرْسل إِلَيْهِ مَرْوَان يسبه وَكَانَ عَاملا على الْمَدِينَة ويسب عليا كل جُمُعَة على الْمِنْبَر فَقَالَ الْحسن لرَسُوله ارْجع إِلَيْهِ فَقل لَهُ إِنِّي وَالله لَا أمحو عَنْك شَيْئا مِمَّا قلت بِأَن اسبك وَلَكِن موعدي وموعدك الله فَإِن كنت صَادِقا فجزاك الله خيرا بصدقك وَإِن كنت كَاذِبًا فَالله أَشد نقمة
وَأَغْلظ عَلَيْهِ مَرْوَان مرّة وَهُوَ سَاكِت ثمَّ امتخط بِيَمِينِهِ فَقَالَ لَهُ الْحسن وَيحك أما علمت أَن الْيَمين للْوَجْه وَالشمَال لِلْفَرجِ أُفٍّ لَك
فَسكت مَرْوَان
وَكَانَ رضي الله عنه مطلاقا للنِّسَاء وَكَانَ لَا يُفَارق امْرَأَة إِلَّا وَهِي تحبه وَأحْصن تسعين امْرَأَة
وَأخرج ابْن سعد عَن عَليّ أَنه قَالَ يَا أهل الْكُوفَة لَا تزوجوا الْحسن فَإِنَّهُ رجل مطلاق
فَقَالَ رجل من هَمدَان لنزوجنه فَمَا رَضِي أمسك وَمَا كره طلق
وَلما مَاتَ بَكَى مَرْوَان فِي جنَازَته فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن أتبكيه وَقد كنت تجرعه مَا تجرعه فَقَالَ إِنِّي كنت أفعل ذَلِك إِلَى أحلم من هَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَبَل
وَأخرج ابْن عَسَاكِر أَنه قيل لَهُ إِن أَبَا ذَر يَقُول الْفقر أحب إِلَيّ من الْغنى والسقم أحب إِلَى من الصِّحَّة إِلَيّ فَقَالَ رحم الله أَبَا ذَر أما أَنا فَأَقُول من اتكل إِلَى حسن اخْتِيَار الله لم يتمن أَنه فِي غير الْحَالة الَّتِي اخْتَار الله لَهُ
وَكَانَ عطاؤه كل سنة مائَة ألف فحبسها عَنهُ مُعَاوِيَة فِي بعض السنين فَحصل لَهُ إِضَافَة شَدِيدَة
قَالَ فدعوت بداوة لأكتب إِلَى مُعَاوِيَة لأذكره نَفسِي ثمَّ أَمْسَكت فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ كَيفَ أَنْت يَا حسن فَقلت بِخَير يَا ابت وشكوت إِلَيْهِ تَأَخّر المَال عني فَقَالَ أدعوت بِدَوَاةٍ لتكتب إِلَى مَخْلُوق مثلك تذكره ذَلِك قلت نعم يَا رَسُول الله فَكيف أصنع فَقَالَ قل اللَّهُمَّ اقذف فِي قلبِي رجاءك واقطع رجائي عَمَّن سواك حَتَّى لَا أَرْجُو أحدا غَيْرك اللَّهُمَّ وَمَا ضعفت عَنهُ قوتي وَقصر عَنهُ عَمَلي وَلم تَنْتَهِ إِلَيْهِ رغبتي وَلم تبلغه مَسْأَلَتي وَلم يجر على لساني مِمَّا أَعْطَيْت أحدا من الْأَوَّلين والآخرين من الْيَقِين فخصني بِهِ يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ
قَالَ فوَاللَّه مَا ألححت فِيهِ أسبوعا حَتَّى بعث إِلَيّ مُعَاوِيَة بِأَلف ألف وَخَمْسمِائة ألف فَقلت الْحَمد لله الَّذِي لَا ينسى من ذكره وَلَا يخيب من دَعَاهُ فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ (يَا حسن كَيفَ أَنْت)
فَقلت بِخَير يَا رَسُول الله وحدثته بحديثي فَقَالَ (يَا بني هَكَذَا من رجا الْخَالِق وَلم يرج الْمَخْلُوق)
وَلما احْتضرَ قَالَ لِأَخِيهِ يَا أخي إِن أَبَاك قد استشرف لهَذَا الْأَمر فَصَرفهُ الله عَنهُ ووليها أَبُو بكر ثمَّ استشرف لَهَا وصرفت عَنهُ إِلَى عمر ثمَّ لم يشك وَقت الشورى أَنَّهَا لَا تعدوه فصرفت عَنهُ إِلَى عُثْمَان فَلَمَّا قتل عُثْمَان بُويِعَ ثمَّ نوزع حَتَّى جرد السَّيْف فَمَا صفت لَهُ وَإِنِّي وَالله مَا أرى أَن يجمع الله فِينَا النُّبُوَّة والخلافة فَلَا أَعرفن بِمَا استخفك سُفَهَاء الْكُوفَة فأخرجوك
وَقد كنت طلبت إِلَى عَائِشَة رضي الله عنها أَن أدفن مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَت نعم فَإِذا مت فأطلب ذَلِك إِلَيْهَا وَمَا أَظن الْقَوْم إِلَّا سيمنعونك فَإِن فعلوا فَلَا تراجعهم
فَلَمَّا مَاتَ أَتَى الْحُسَيْن عَائِشَة رضي الله عنها فَقَالَت نعم وكرامة فَمَنعهُمْ مَرْوَان فَلبس الْحُسَيْن وَمن مَعَه السِّلَاح حَتَّى رده أَبُو هُرَيْرَة ثمَّ دفن بِالبَقِيعِ إِلَى جنب أمه رضي الله عنهما
وَكَانَ سَبَب مَوته أَن زَوجته جعدة بنت الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ دس إِلَيْهَا يزِيد أَن تسمه ويتزوجها وبذل لَهَا مائَة ألف دِرْهَم فَفعلت فَمَرض أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَمَّا مَاتَ بعثت إِلَى يزِيد تسأله الْوَفَاء بِمَا وعدها فَقَالَ لَهَا إِنَّا لم نرضك لِلْحسنِ فنرضاك لأنفسنا
وبموته مسموما شَهِيدا جزم غير وَاحِد من الْمُتَقَدِّمين كقتادة وَأبي بكر بن
حَفْص والمتأخرين كالزبن الْعِرَاقِيّ فِي مُقَدّمَة شرح التَّقْرِيب
وَكَانَت وَفَاته سنة بسع وَأَرْبَعين أَو خمسين أَو إِحْدَى وَخمسين أَقْوَال وَالْأَكْثَرُونَ على الثَّانِي كَمَا قَالَه جمَاعَة وَغلط الْوَاقِدِيّ مَا عدا الأول سِيمَا من قَالَ سنة سِتّ وَخمسين
وَمن قَالَ سنة تسع وَخمسين
وَجهد بِهِ أَخُوهُ أَن يُخبرهُ بِمن سقَاهُ فَلم يُخبرهُ وَقَالَ الله أَشد نقمة إِن كَانَ الَّذِي أَظن وَإِلَّا فَلَا يقتل بِي وَالله برىء
وَفِي رِوَايَة يَا أخي قد حضرت وفاتي ودنا فراقي لَك وَإِنِّي لَاحق بربي وَأَجد كَبِدِي تقطع وَإِنِّي لعارف من أَيْن دهيت فَأَنا أخاصمه إِلَى الله تَعَالَى فبحقي عَلَيْك لَا تَكَلَّمت فِي ذَلِك بِشَيْء فأذا أذا قضيت نحبي فقمصني وغسلني وكفني واحملني على سَرِيرِي إِلَى قبر جدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أجدد بِهِ عهدا ثمَّ ردني إِلَى قبر جدتي فَاطِمَة بنت أَسد فَاطِمَة بنت أَسد فادفني هُنَاكَ وَأقسم عَلَيْك بِاللَّه أَن لَا تريق فِي أَمْرِي محجمة دم
وَفِي رِوَايَة إِنِّي يَا أخي سقيت السم ثَلَاث مَرَّات لم أسقه مثل هَذِه الْمرة
فَقَالَ من سقاك قَالَ مَا سؤالك عَن هَذَا تُرِيدُ أَن تقَاتلهمْ أكل أَمرهم إِلَى الله
أخرجه ابْن عبد الْبر
وَفِي أُخْرَى لقد سقيت السم مرَارًا مَا سقيته مثل هَذِه الْمرة وَلَقَد لفظت طَائِفَة من كَبِدِي فرأيتني أقلبها بِعُود فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن أَي أخي من سقاك قَالَ وَمَا تُرِيدُ إِلَيْهِ أَتُرِيدُ أَن تقتله قَالَ نعم
قَالَ لَئِن كَانَ الَّذِي أَظن فَالله أَشد نقمة وَإِن كَانَ غَيره فَلَا يقتل بِي بَرِيء
وَرَأى كَأَن مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ {قل هُوَ الله أحد} فَاسْتَبْشَرَ بِهِ هُوَ وَأهل بَيته فقصوها على ابْن الْمسيب فَقَالَ إِن صدقت رُؤْيَاهُ فَقل مَا بَقِي من أَجله فَمَا بَقِي إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ
وَصلى عَلَيْهِ سعيد بن الْعَاصِ لِأَنَّهُ كَانَ واليا على الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة وَدفن عِنْد جدته بنت أَسد بقبته الْمَشْهُورَة وعمره سبع وَأَرْبَعُونَ سنة كَانَ مِنْهَا مَعَ ريسول الله صلى الله عليه وسلم سبع سِنِين ثمَّ مَعَ أَبِيه ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ خَليفَة سِتَّة أشهر ثمَّ تسع سِنِين وَنصف سنة بِالْمَدِينَةِ رَضِي الله عَنهُ
الْبَاب الْحَادِي عشر فِي فَضَائِل أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ وَفِيه فُصُول
ولنقدم على ذَلِك أَصله وَهُوَ تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَاطِمَة من عَليّ كرم الله وجههما وَذَلِكَ أَوَاخِر السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة على الْأَصَح وَكَانَ سنّهَا خمس عشرَة سنة وَنَحْو نصف سنة وَسنة إِحْدَى وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَلم يتَزَوَّج عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَت وأراده فَمَنعه صلى الله عليه وسلم خوفًا عَلَيْهَا لشدَّة غيرتها عَن أنس كَمَا عِنْد ابْن أبي حَاتِم وَلأَحْمَد نَحوه قَالَ جَاءَ أَبُو بكر وَعمر يخطبان فَاطِمَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسكت وَلم يرجع إِلَيْهِمَا شَيْئا فَانْطَلقَا إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه يأمرانه بِطَلَب ذَلِك
قَالَ عَليّ فنبهاني لأمر فَقُمْت أجر رِدَائي حَتَّى أتيت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت تزَوجنِي فَاطِمَة قَالَ وعندك شَيْء قلت فرسي وبدني فَقَالَ أما فرسك فَلَا بدلك مِنْهَا وَأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وَثَمَانِينَ فَجِئْته بهَا فوضعها فِي حجره فَقبض مِنْهَا قَبْضَة فَقَالَ أَي بِلَال ابتع لنا بهَا طيبا وَأمرهمْ أَن يجهزوها فَجعل لَهَا سَرِير مَشْرُوط ووسادة من أَدَم حشوها لِيف
وَقَالَ لعَلي إِذا أتتك فَلَا تحدث شَيْئا حَتَّى آتِيك فَجَاءَت مَعَ أم أَيمن فَقَعَدت فِي جَانب الْبَيْت وَأَنا فِي جَانب وَجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَهُنَا أخي فَقَالَت أم أَيمن أَخُوك وَقد زَوجته ابْنَتك قَالَ نعم وَدخل صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لفاطمة ائْتِينِي بِمَاء فَقَامَتْ إِلَى قَعْب فِي الْبَيْت فَأَتَت فِيهِ بِمَاء فَأَخذه وَمَج فِيهِ ثمَّ قَالَ لَهَا تقدمي فتقدمت فنضح بَين ثدييها وعَلى رَأسهَا وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم ثمَّ قَالَ لَهَا أدبري فأدبرت فصب
بَين كتفيها ثمَّ فعل مثل ذَلِك بعلي ثمَّ قَالَ ادخل بأهلك بِسم الله وَالْبركَة
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَن أنس أَيْضا عِنْد أبي الْخَيْر الْقزْوِينِي الحاكمي خطبهَا عَليّ بعد أَن خطبهَا أَبُو بكر ثمَّ عمر رضي الله عنهم فَقَالَ قد أَمرنِي رَبِّي بذلك قَالَ أنس ثمَّ دَعَاني النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد أَيَّام فَقَالَ ادْع أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن وعدة من الْأَنْصَار فَلَمَّا اجْتَمعُوا وَأخذُوا مجَالِسهمْ وَكَانَ عَليّ غَائِبا قَالَ صلى الله عليه وسلم (الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عَذَابه وسطوته النَّافِذ أمره فِي سمائه وأرضه الَّذِي خلق الْخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بِدِينِهِ وَأكْرمهمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِن الله تبَارك اسْمه وتعالت عَظمته جعل الْمُصَاهَرَة سَببا لاحقا وأمرا مفترضا أوشج بِهِ الْأَرْحَام أَي ألف بَينهَا وَجعلهَا مختلطة مشتبكة وألزمها الْأَنَام فَقَالَ عز من قَائِل {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا وَكَانَ رَبك قَدِيرًا} الْفرْقَان 54 فَأمر الله تَعَالَى يجْرِي إِلَى قَضَائِهِ وقضاؤه يجْرِي إِلَى قدره وَلكُل قَضَاء قدر وَلكُل قدر أجل وَلكُل أجل كتاب يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب الرَّعْد 39 ثمَّ إِن الله تَعَالَى أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ بن أبي طَالب فَاشْهَدُوا أَنِّي قد زَوجته على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة إِن رَضِي بذلك عَليّ)
ثمَّ دَعَا
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطبق من بسر ثمَّ قَالَ انتهبوا فانتهبنا وَدخل عَليّ فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي وَجهه ثمَّ قَالَ (إِن الله عز وجل أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة أرضيت بذلك) قَالَ قد رضيت بذلك يَا رَسُول الله
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم (جمع الله شملكما وأعز جدكما وَبَارك عَلَيْكُمَا وَأخرج مِنْكُمَا كثيرا طيبا)
قَالَ أنس فوَاللَّه لقد أخرج الله مِنْهُمَا الْكثير الطّيب
تَنْبِيه ظَاهر هَذِه الْقِصَّة لَا يُوَافق مَذْهَبنَا من اشْتِرَاط الْإِيجَاب وَالْقَبُول فَوْرًا بِلَفْظ التَّزْوِيج أَو النِّكَاح دون نَحْو رضيت وَاشْتِرَاط عدم التَّعْلِيق لَكِنَّهَا وَاقعَة حَال مُحْتَملَة أَن عليا قبل فَوْرًا لما بلغه الْخَبَر
وَعِنْدنَا أَن من زوج غَائِبا بِإِيجَاب صَحِيح كَمَا هُنَا فَبَلغهُ الْخَبَر فَقَالَ فَوْرًا قبلت تَزْوِيجهَا أَو قبلت نِكَاحهَا صَحَّ
وَقَوله إِن رَضِي بذلك
لَيْسَ تَعْلِيقا حَقِيقِيًّا لِأَن الْأَمر مَنُوط بِرِضا الزَّوْج وَإِن لم يذكر فَذكره تَصْرِيح بالواقع وَوَقع لبَعض الشَّافِعِيَّة مِمَّن لم يتقن الْفِقْه هُنَا كَلَام غير ملائم فليجتنب
تَنْبِيه آخر أَشَارَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان إِلَى أَن هَذِه الرِّوَايَة كذب فَقَالَ فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن دِينَار رَاوِي الحَدِيث أَتَى بِحَدِيث كذب وَلَا نَدْرِي من
هُوَ
انْتهى
قَالَ شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر فِي لِسَان الْمِيزَان وَالْخَبَر الْمَذْكُور أسْندهُ عَن أنس قَالَ بَينا أَنا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ غشيه الْوَحْي فَلَمَّا سري عَنهُ قَالَ (إِن رَبِّي أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ فَانْطَلق فَادع أَبَا بكر وَعمر) وسمى جمَاعَة من الْمُهَاجِرين وبعددهم من الْأَنْصَار فَلَمَّا أخذُوا مجَالِسهمْ خطب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته) فَذكر الْخطْبَة وَالْعقد وَقدر الصَدَاق وَذكر الْبشر وَالدُّعَاء
أخرجه ابْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمته عَن أبي الْقَاسِم النسيب بِسَنَد لَهُ إِلَى مُحَمَّد بن نَهَار بن أبي المحياة عَن عبد الْملك بن خِيَار ابْن عَم يحيى بن معِين عَن مُحَمَّد هَذَا عَن هشيم عَن يُونُس بن عبيد عَن الْحسن عَن أنس
قَالَ ابْن عَسَاكِر غَرِيب ثمَّ نقل عَن مُحَمَّد بن طَاهِر أَنه ذكره فِي تَكْمِلَة الْكَامِل والراوي فِيهِ جَهَالَة
انْتهى
وَبِه يعلم أَن إِطْلَاق الذَّهَبِيّ كَونه كذبا فِيهِ نظر وَإِنَّمَا هُوَ غَرِيب فِي سَنَده مَجْهُول وَسَيَأْتِي فِي الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة بسط يتَعَلَّق بذلك وَفِيه عَن النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح مَا يرد على الذَّهَبِيّ وَيبين أَن للقصة أصلا أصيلا فَلْيَكُن مِنْك على ذكر