الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: حياته
1-
اسمه ونسبه ونسبته وكنيته ولقبه:
هو أحمد بن علي بن محمد بن علي، وما فوق ذلك مختلف فيه، وليس هذا موضع التفصيل في ذلك، وهو كناني القبيلة كما وجد بخط أبيه، وينتسب إلى عسقلان: المدينة التي جاءت منها أصوله بعد سنة 583هـ، وأما حجر فهو اسم أحد أجداده أو لقب له، وأشتهر بـ"ابن حجر" وقد كناه والده أبا الفضل، ولقب شهاب الدين وله كتاب عنوانه:"القصد الأحمد بمن كنيته أبو الفضل واسمه أحمد"1.
2-
ولادته ونشأته:
ولد في الثاني والعشرين من شعبان سنة 773هـ على شاطئ النيل بمصر2 ونشأ يتيمًا إذ مات أبوه العالم الأديب الشاعر التاجر سنة 777هـ3 وكانت أمه قد ماتت قبل ذلك4.
وكان له أخ شقيق نشأ وطلب العلم ثم مات فحزن عليه والده جدًّا ولكن أحد المشايخ الصالحين بشره بأن الله سيخلف عليه غيره ويعمره قال ابن حجر: "فولدت أنا
1 انظر "الجواهر والدرر""1/ 46-49".
2 المصدر السابق "1/ 49".
3 ترجمه في "أنباء الغمر""1/ 174-175" ونقل السخاوي هذه الترجمة في "الجواهر""1/ 51-53" ولم يصرح باسم مصدره.
4 "رفع الأصر عن قضاة مصر""ص85".
له بعد ذلك بيسير، وفتح الله بما فتح"1 وليس له سوى شقيقة واحدة أكبر منه نشأت ومهرت في العلم وتوفيت سنة 798 وقد وصفها أخوها بقوله: أمي بعد أمي2.
وقد دخل الكُتَّاب في الخامسة، وأكمل حفظ القرآن في التاسعة، وصلى بالناس التروايح بمكة سنة 785 وله اثنتا عشرة سنة، إذ كان مجاوزًا مع وصيه زكي الدين الخروبي كبير التجار، وسمع في تلك السنة "صحيح البخاري" على مسند الحجاز عفيف الدين عبد الله النشاوري3.
3-
طلبه العلم ورحلاته فيه وحجه:
في سنة 786 عاد من مكة إلى مصر، فحفظ كتبًا من مختصرات العلوم "كالعمدة والحاوي ومختصر ابن الحاجب الأصلي، والملحة للحريري وغيرها"، وعرضها -كما هي العادة- على جماعة من أئمة العصر وكتبوا له خطوطهم بذلك4.
بثم عرضت له فترة إلى سنة 790 فعاد إلى الطلب يقول السخاوي5: "واشتغل بطلب ما غلب على العادة طلبه، من أصل وفروع ولغة ونحوها، وطاف على شيوخ الدراية، لكنه كان في مدة الفترة -وهو في المكتب- وبعد ذلك حبب إليه النظر في التواريخ وأيام الناس حتى إنه كان يستأجرها ممن في عنده، فعلق بذهنه الصافي الرائق شيء كثير من أحوال الرواة، وكان
ذلك بإشارة شخص من أهل الخير سماه
1 قال: هذا في "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" في ترجمة الشيخ يحيى الصنافيري "ت772هـ".
2 ترجمها في "أنباء الغمر""3/ 302" وانظر "الجواهر والدرر""1/ 58-59".
3 "رفع الأصر""ص85-86".
4 "رفع الأصر""56""الحواهر والدرر""1/ 64""والضوء اللامع""2/ 36".
5 في "الجواهر""1/ 65-66" وانظر "رفع الأصر""ص86-87" و"معجم الشيوخ" لابن فهد "ص71".
صاحب الترجمة لي وأنسيته، وممن رغبه في ذلك أيضًا البدر البشتكي، وأعانه عليه بإعارة "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني وغيره
…
".
وفي سنة 792 نظر في فنون الأدب ففاق فيها، حتى كان لا يسمع شعرًا إلا ويستحضر من أين أخذه الناظم، وتولع بذلك، وما زال يتتبعه خاطره حتى فاق فيه وساد، وطارح الأدباء، وقال الشعر الرائق، والنثر الفائق، ونظم مدائح ومقاطيع، وكتب عنه الأئمة من ذلك، ثم شغل عن ذلك بعد سنة 800 فلم ينظر في كتب الفن ودواوينه إلا اتفاقًا، وأكثر نظمه قبل سنة "816"1.
- وأول ما طلب العلم بنفسه في سنة 793.. وفي هذه السنة رحل إلى "قوص" وغيرها من بلاد الصعيد لكنه لم يستفد بها شيئًا من المسموعات الحديثية، بل لقي جماعة من العلماء2.
- ولم يكثر الطلب إلا في سنة 796 فإنه -كما كتب بخطه: رفع الحجاب، وفتح الباب، وأقبل العزم المصمم على التحصيل، ووفق للهداية إلى سواء السبيل فأخذ عن مشايخ ذلك العصر وقد بقي منهم بقايا، وواصل الغدو والرواح إليهم بالبواكر والعشايا.
واجتمع بحافظ العصر زين الدين العراقي، وذلك في شهر رمضان من هذه السنة، وحبب إليه علم الحديث، فلازمه عشرة أعوام، وتخرج منه وانتفع بملازمته، وقرأ عليه "الألفية" و"شرحها" له بحثًا، وانتهى ذلك في رمضان سنة 798، ثم قرأ عليه "النكت على علوم الحديث لابن الصلاح" له مجالس آخرها في جمادى الأولى سنة 899. وهو أول من أذن له في التدريس في علوم الحديث، وكان إذنه في سنة
1 انظر "الجواهر""1/ 66-67" و"رفع الأصر" و"معجم الشيوخ""ص71".
2 انظر "الجواهر""1/ 67 و81".
797.
ولم تنسلخ سنة 796 حتى خرَّج لشيخه مسند القاهرة أبي إسحاق التنوحي "المائة العشارية" وكان أول مَنْ قرأها على المخرَّجَة له في جمع حافل الحافظ أبو زرعة ابن شيخه العراقي في سنة 797 وكذا قرأها عليه غيره من الأعيان، وقرظ له جماعة من أئمة العصر وشهدوا له بالتقدم يقول السخاوي:"كل ذلك مع اشتغاله بغير الحديث من العلوم، والمحافظة على المنطوق منها والمفهوم، كالفقه والعربية والأصول وغيرها من العلم المنقول والمعقول"1.
وفي سنة 797 رحل إلى الإسكندرية ودخلها أواخر ذي القعدة، وسمع من مسنديها، وأقام بها إلى أن تمت السنة، ودخل في التي تليها عدة أشهر، وكتب جزءًا سماه "الدرر المضيئة من فوائد إسكندرية" ذكر في مسموعه هنالك، وما وقع له من النظم والمرسلات وغير ذلك، انتقاه السخاوي ثم أعلن ندمه على عدم كتابته كله2
- وفي آخر شوال خرج قاصدًا أرض الحجاز، فدخل الطور ثم ينبع وفي ربيع الأول من سنة 800 دخل بلاد اليمن، فلقي بـ: تعز وزبيد وعدن والمهجم ووادي الخصيب وغيرها غير واحد من العلماء والفضلاء.
واجتمع في زبيد ووادي الخصيب بصاحب القاموس الفيروزآبادي فقرأ عليه أشياء
…
وتناول النصف الثاني من كتابه هذا لتعذر وجود باقيه حينئذ.
وقد خرج وهو هنالك من مرويات نفسه، وكتب بخطه أشياء واجتمع بالملك الأشرف -مالك اليمن- وأهداه تذكرته الأدبية في أربعين مجلدًا لطافًا.
ورجع من اليمن وقد زادت معارفه، وانتشرت علومه ولطائفه، إلى مكة فحج
1 انظر "الجواهر""1/ 76-69" و"رفع الأصر""ص87" و"معجم الشيوخ""ص71".
2 انظر "الجواهر""1/ 84-85".
حجة الإسلام وعاد إلى مصر1، وجد في استكمال ما بقي عليه من مسموع القاهرة ومصر، وقد سمع بالجيزة ومنها توجه إلا الأهرام. وسمع بالقرافة2.
- وفي 16 من شعبان سنة 802 قرأ على شيخه العراقي تصنيفه في أحاديث مسند أحمد وكتب له عليه:
"قرأ عليَّ هذا الجزء فيما وقع في "مسند أحمد" من الأحاديث التي قيل إنها موضوعة: صاحبه وكاتبه الشيخ المحدث المفيد الحافظ المتقن شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الإمام نور الدين علي
…
"3 وهذه الأوصاف تبين لنا ما صار إليه في تلك السنة، وهي شهادة كبيرة من حافظ كبير.
- وفي 23 من شعبان خرج راحلًا إلى الشام، فسمع بسرياقوس وقطية وغزة والرملة والخليل ودمشق والصالحية ونابلس وبيت المقدس وكانت إقامته بدمشق مائة يوم، ومسموعه في تلك المدة نحو ألف جزء حديثية، منها من الكتب الكبار:"المعجم الأوسط" للطبراني، و"معرفة الصحابة" لابن منده، وأكثر "مسند أبي يعلى"، وغير ذلك.
وقد كتب بخطه من الأجزاء الحديثية والفوائد النثرية والسماعات التي يلحقها في تصانيفه ونحوها ثماني مجلدات فأكثر، وعمل "أطراف كتاب المختارة" للحافظ الضياء المقدسي في مجلد ضخم. وفي أول سنة 803 وفي أول سنة إلى القاهرة4. وقد حمل
1 انظر التفصيل في "الجواهر""1/ 84-89 و91 و121" و"ابن حجر" للدكتور شاكر "1/ 125-126" ومقدمة كتاب "المراسيل" لأبي داود للشيخ شعيب الرنئوط "ص12".
2 انظر "الجواهر""1/ 93-95".
3 المصدر السابق "1/ 210".
4 انظر في ذلك: "رفع الأصر""ص87-88" و"عنوان الزمان" للبقاعي "المخطوط 1/ 38-39" و"الجواهر""1/ 95-104" و"معجم الشيوخ""ص71".
عن شيوخ كثيرين منهم نساء عدة قرأ عليهن كتبًا مدهشة1.
وفي هذه السنة توفي شيخه محب الدين بن الوحدية الذي نصحه أن يهتم بالفقه وقد ترجمه في كتابه "المجمع المؤسس" فقال2:
"اجتمع بي مرة بمصر فرآني حريصًا على سماع الحديث، وكبته فقال: اصرف بعض هذه الهمة إلى الفقه، فأنني أرى بطريق الفراسة أن علماء هذا البلد سينقرضون، وسيُحتاج إليك، فلا تقصر بنفسك، فنفعتني كلمته، ولا أزال أترحم عليه لهذا السبب رحمه الله تعالى".
وعلق السخاوي على هذا بقوله3: "فكان كذلك، ما مات حتى شدت إليه الرحال" وهذا يوضح لنا عنايته بالفقه واهتمامه به وقد كان له فيه شيوخ أجلاء منهم شيخ الإسلام البلقيني.
- وفي سنة 805 حج وهناك تلقى الخبر بموت البلقيني ومحاصرة النصارى للإسكندرية. وقد جاور بعض سنة 806، وسافر فيها إلى اليمن -وهي المرة الثانية- فلقي بها بعض من رآهم سابقًا وغيرهم، فحملوا عنه وحملوا عنهم، وفي طريق الذهاب انصدع المركب فغرق ما معه ومن ذلك كتبه، ومن جملة هذه الكتب مما هو بخطه "أطراف" المزي، وأطراف "مسند أحمد"، و"أطراف المختارة" وترتيب كل من "مسندي الطيالسي" و"عبد بن حميد" وكلها من تصنيفه4.
1 انظر ما قرأه على فاطمة بنت محمد بن المنجا في "المعجم المفهرس""ص257-274"، وعلى فاطمة بنت الهادي المقدسية فيه أيضًا "ص240-256".
2 "ص317".
3 في "الجواهر""1/ 114".
4 انظر "المصدر السابق "1/ 89-91".
- وهذا وقد حج في سنة 815 ومعه زوجته1 ثم في سنة 824 وهي آخر حجاته فسمع وأسمع2.
- وفي سنة 836 رحل إلى حلب بصحبة السلطان الأشراف والعسكر، فمر بدمشق وحمص وحماة، وزار القرى المجاورة لحلب، وفيها سمع وأسمع وأملى الحديث وألف عددًا من الكتب وتزوج امرأة من أهلها، استقدمها بعدُ إلى القاهرة، ولولا ضيق المجال لتوسعت في تفاصيل هذه الرحلة ففيها فوائد جمة، وهي توضيح لنا جانبًا من حياة ابن حجر في حبه للعلم وانصرافه له وحفظه الوقت والقيام بجلائل الأعمال، وعدم الاستنكاف من طلب العلم وهو في الثالثة والستين من العمر! وهذه الرحلة هي آخر رحلاته3.
4-
شيوخه:
تلقى ابن حجر العلم عن كثيرين، وقد خصص لشيوخه كتابه المسمى "المجمع المؤسس للمعجم المفهرس" قال في مقدمته4:"إن كثيرًا من سلف المحدثين اعتنوا بجمع أسامي مشايخهم وتدوين أخبار كبارهم، فتغايرت مقاصدهم في الترجمة، فرأيت أن أحذوا حذوهم، وأسير تلوهم لأتذكر عهدهم، وأجدد لهم الرحمة بعدهم، فجمعت أسامي شيوخي على المعجم مرتبًا وقسمته على قسمين مهذبًا، فالأول مَنْ حملت عنه على طريق الرواية، والثاني من "حملت" عنه شيئًا على طريق الرواية،
1 المصدر السابق "1/ 91" وابن حجر للدكتور شاكر "1/ 100".
2 ذكر هذه الحجة في "فتح الباري""3/ 448" وانظر "الجواهر""1/ 91-93" و"لحظ الألحاظ" لابن فهد "ص335-336" وقد كان من الآخذين عنه في هذه الحجة.
3 انظر التفصيل في "الجواهر""1/ 116-133" وعد إلى آخر "تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة""ص72" و"ابن حجر" للدكتور شاكر "1/ 104/ 105 و367".
4 "ص2-3".
وأضفت إلى الثاني من أخذت عنه شيئًا في المذاكرة من الأقران ونحوهم، وقد قسمتهم من حيث العلو إلى خمس طبقات
…
وقد بدا لي أن يكون هذا المعجم مشتملًا على الفهرست جمعًا ين النوعين، وتأصيلًا للفرعين، فذكرت في ترجمة كل شخص جميع ما سمعته منه أو قرأته عليه إلا ما غاب عني
…
"1.
وقد قسمهم تلميذه السخاوي إلى ثلاثة أقسام2:
القسم الأول: فيمن سمع منه ولو حديثًا تامًا وعدتهم أزيد من 230 نفسًا.
القسم الثاني: فيمن أجاز له وعدتهم أزيد من 220.
القسم الثالث: فيمن أخذ عنه مذاكرته أو إنشادًا3 وعدتهم أزيد من 180 فجملة الأفسام -من غير الحوالات- 630 نفسًا.
وأهم شيوخه هم الذين ذكرهم السخاوي إذ قال4:
"واجتمع له من الشيوخ الذين يشار إليهم، ويعول في حل المشكلات عليهم، ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره؛ لأن كل واحد منهم كان متبحرًا ورأسًا في فن اشتهر به لا يلحق فيه:
1-
فالبلقيني "724-805" في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع5.
1 هذا الكتاب في غاية الأهمية وهو يوضح لنا التكوين العلمي لابن حجر تمام التوضيح وفيه فوائد جمة فليت له من يحققه ويخدمه الخدمة اللائقة. "وقد طبع الكتاب مع فهارسه بأربع مجلدات. دار ابن الجوزي".
وكذلك كتابه "المعجم المفهرس" وغيابهما عن أيدي الباحثين إلى هذه الساعة خسارة جسيمة.
2 انظر "الجواهر""1/ 135-177".
3 في "الجواهر "1/ 164": إنشاء. ولعل الصواب ما أثبت.
4 "الجواهر والدرر""1/ 79-80" وقد زدت ذكر الولادة والوفاء على النص، وأشرت إلى موضع ترجمة كل واحد من هؤلاء في الهامش.
5 "المجمع المؤسس""ص216"، و"أنباء الغمر""5/ 107" و"الضوء اللامع""6/ 85".
2-
وابن الملقن "723-804" في كثرة التصانيف1.
3-
والعراقي "725-806" في معرفة علم الحديث ومتعلقاته2.
4-
والهيثمي "735-807" في حفظ المتون واستحضارها3.
5-
والمجد الشيرازي "729-817" في حفظ اللغة واطلاعه عليها4.
6-
والغماري "720-802" في معرفة العربية ومتعلقاتها5.
7-
وكذا المحب ابن هشام "نحو 749-799" كان حسن التصرف فيها لوفور ذكائه6، وكان الغماري فائقًا في حفظها.
8-
والأنباسي "725-802" في حسن تعليقه، وجودة تفهيمه7.
9-
والعز ابن جماعة "747-819" في تفننه في علوم كثيرة، بحيث إنه كان يقول: أنا أقرئ في خمسة عشر علمًا لا يعرف علماء عصري أسماءها8.
10-
والتنوخي "709-800" في معرفته القراءات وعلو سنده فيها9.
1 "المجمع المؤسس""ص225"، و"أنباء الغمر""5/ 252" و"الضوء اللامع""6/ 100".
2 "المجمع المؤسس""ص176" و"أنباء الغمر""5/ 170".
3 "المجمع المؤسس""ص204" وسأذكر نبذة عنه في قسم التحقيق انظر رقم "37".
4 "المجمع المؤسس""ص307" و"أنباء الغمر""7/ 159".
5 "أنباء الغمر""4/ 181".
6 "أنباء الغمر""3/ 359".
7 "المجمع المؤسس""ص39" و"أنباء الغمر""3/ 144".
8 "أنباء الغمر""7/ 240".
9 "المجمع المؤسس""ص5" و"الدرر الكامنة""1/ 11" و"أنباء الغمر""3/ 398".
وهم مع ذلك في غاية التبجيل لصاحب الترجمة والتكريم، والتحرز عن مخاطبته بغير تعظيم، بل ربما راجعوه للتفهيم.
5-
وظائفه:
تقلد الحافظ ابن حجر وظائف متعددة وهي:
1-
التدريس:
وقد ولي التدريس:
أ- "التفسير" في المدرسة "الحسنية" في مستهل سنة 829، وفي "القبة المنصورية".
ب- و"الحديث" في مدارس كثيرة: هي "الشيخونية" وهي أول مكان ولي فيه تدريس الحديث في شوال سنة 808، و"قبة الخانقاه البيبرسية" في سنة 813 بعد ولايته مشيخة الصوفية ونظرها بيسير، و"المدرسة الجمالية" المستجدة أول ما فتحت سنة 811 و"الجامع الطلوني" سنة 833 و"القبة المنصورية" و"المدرسة الزينية" سنة 851 وغيرها، ومن خلال هذه الوظيفة أملى أكثر من ألف مجلس حديثي.
ج- و"الفقه في "الشريفية" الفخرية سنة 808 و"الشيخونية" في سنة 811 و"الكهارية" و"المؤيدية" أول ما فتحت سنة 822 و"الصالحية" سنة 833 والصلاحية ونظرها أيضًا سنة "846"1.
2-
الإفتاء:
1 انظر "الضوء اللامع""2/ 38-39" و"رفع الأصر""ص88" وابن حجر للدكتور شاكر "205/ 1-227" وابن حجر مؤرخًا للدكتور محمد الدين عز الدين "ص56-62" وقد فصل الإملاء عن التدريس وعدهما وظيفتين وهذا خطأ فالإملاء شكل من أشكال تدريس الحديث.
ولي أفتاء العدل في سنة 811 واستمرت هذه الوظيفة معه حتى مات1.
3-
القضاء:
ولي قضاء الشافعية في محرم سنة 827، وعزل في نفس السنة ثم أعيد وعزل مرات إلى سنة 852 وقد كانت ولايته القضاء تزيد على إحدى وعشرين سنة بأشهر2.
وهناك وظائف أخرى كالخطابة بالجامع الأزهر، وجامع عمرو بن العاص، وخزن كتب المدرسة المحمودية.
والنظر على حمام ابن الكويك قال السخاوي: "وغير ذلك مما لم يجتمع له في آن واحد"3.
6-
أسرته:
- تزوج ابن حجر في سنة وفاة أخته 798 وأولى زوجاته "أنس" ابنة القاضي كريم الدين عبد الكريم بن أحمد النستراوي الأصل المصري4.
وقد جاءه منها خمس بنات: زين خاتون "802-833"5 وفرحة "804-
1 "الجواهر""1/ 221" و"ابن حجر" للدكتور شاكر "1/ 248-250" وابن حجر مؤرخًا "ص62-64".
2 "رفع الأصر""ص88" و"الذيل على رفع الأصر""ص80-85" وقد فصل في توليه وعزله وملابسات ذلك. و"الضوء اللامع""2/ 38" و"التبر المسبوك""ص231" وابن حجر "1/ 291-247" وابن حجر مؤرخًا "ص64-73".
3 "الضوء اللامع""2/ 39" وابن حجر "1/ 247 و250-252" وابن حجر مؤرخًا "ص77-79".
4 انظر ترجمتها في "الضوء اللامع""12/ 10".
5 ترجمتها في "الضوء""12/ 151".
828"1 وغالية "807-819"2 ورابعة "811-832"3 وفاطمة "817-819"4.
وتزوج "الأولى" الأمير شاهين الكركي وولدت له "يوسف" المعروف بسبط ابن حجر الذي أعطاه جده مسودة كتابه "ترتيب طبقات الحفاظ للذهبي" ليكمله فأكمله بعد وفاة جده وسماه: "رونق الألفاظ بمعجم الحفاظ".
وهو مؤلف: "النجوم الزاهرة بأخبار قضاة مصر والقاهرة" الذي بناه على مسودة "رفع الأصر عن قضاة مصر" لجده أيضًا5.
وتزوج "فرحة" شيخ الشيوخ محب الدين بن الأشقر وماتت عنده، فتزوج أختها رابعة أرملة الشهاب ابن مكنون وأما غالية وفاطمة فقد ماتتا مبكرًا6.
- وتسرى ابن حجر بجارية كانت لزوجته فولدت له ابنه الوحيد بدر الدين محمدًا "815-969" الذي صنف له كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام، وقد انتقد بسببه7.
- وتزوج أرملة "الزين أبي بكر الأمشاطي سنة 834 حين كانت زوجته أنس مجاورة، وولدت له سنة 835 بنتًا سماها آمنة ماتت في شوال سنة 836 حين كان هو في حلب، وبموتها طلقت أمها، فإنه كان علق طلاقها عند سفره على موتها8.
1 ترجمتها في "الضوء""12/ 115".
2 ترجمتها في "الضوء""12/ 85" واسمها بالغين المعجمة وقد يتحرف إلى العين.
3 ترجمتها في "الضوء""12/ 34".
4 ترجمتها في "الضوء""12/ 88".
5 انظر ترجمة السبط في "الضوء""10/ 313-317" وقد ذكر عنه أشياء مستغربة!
6 انظر "أنباء الغمر""7/ 206".
7 انظر ترجمته في "الضوء""7/ 20" وابن حجر "1/ 103" وابن حجر مؤرخًا "ص83-84" ولحظ الألحاظ "ص331".
8 انظر "الضوء""12/ 3"، و"ابن حجر""1/ 103".
- وتزوج في حلب سنة 836 "ليلى بنت محمود بنت طوعان" وكانت ثيبًا ذات ولدين بالغين، وطلقها عند عودته إلى القاهرة ثم استقدمها وأعادها، وفي سنة 841 سافرت إلى حلب في زيارة أهلها ففارقها وعادت في سنة 842 فأعادها إلى عصمته واستمرت معه حتى مات وورثته، وتزوجت بعده عدة أزواج، ولم يرزق منها أولادًا1
7-
تلاميذه:
ذكر البقاعي أن تلاميذه ملأت الآفاق ولا يحصون كثرة2.
وقال السخاوي في "التبر المسبوك"3: "اشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل الأئمة إليه، وتبجح الفضلاء بالوفود عليه، وكثرت طلبته حتى كان رءوس العلماء في كل مذهب وبكل قطر من تلامذته" وزاد في الضوء4: "وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى وألحق الأنباء بالآباء، والأحفاد، بل وأبناءهم بالأجداد".
وقد سرد في "الجواهر والدرر" أسماء جماعة من الذين أخذوا عنه رواية ودراية مرتبًا إياهم على حرف المعجم وأوصل عددهم إلى خمسمائة شخص، وهم من أقطار شتى ومذاهب مختلفة5.
ومن هؤلاء التلاميذ:
1-
الحافظ ابن فهد المكي صاحب "لحظ الألحاظ""ت871"6.
1 انظر "الضوء""12/ 123" و"الجواهر""1/ 133" وابن حجر "1/ 104-105" وابن حجر مؤرخًا "ص82-83".
2 انظر عنوان الزمان "المخطوط""1/ 84".
3 "ص231".
4 "2/ 39".
5 انظر ابن حجر "1/ 167".
6 انظر ترجمته في "صدر ذيول تذكرة الحفاظ""ص2-5".
2-
العلامة محمد بن سليمان الكافيجي الحنفي "ت879"1.
3-
العلامة المفسر المحدث إبراهيم عن عمر البقاعي "ت885"2.
4-
العلامة المحدث المؤرخ محمد بن محمد الخيضري "ت894"3.
5-
الحافظ المؤرخ محمد بن عبد الرحمن السخاوي "ت902" حامل علمه وكاتب سيرته والقائم بنشر فضله وإحياء ذكره4.
6-
العلامة المفنن الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري "ت926"5.
8-
طرف من روعه وتعبده:
قال البقاعي: وهو "منور الشيبة" من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار
…
"6.
"وهو كثير الصوم: قليل الأكل جدًّا، شديد التحري في المطعم، لا يأكل هدايا الإخوان، ولا من مرتبات السلطات، كان في السفر يشتري له من ماله ما يشتهي من دجاج وغيره، وربما فني ذلك في المفازة فيبل7 البقسماط ويأكله بسكر أو نحوه،
1 انظر ترجمته في "الضوء اللامع""7/ 259" و"بغية الوعاة""1/ 117".
2 انظر ترجمته في "الضوء اللامع""1/ 101".
3 انظر ترجمته في "الضوء اللامع""9/ 117".
4 انظر ما قاله عن علاقته بشيخه في "التبر المسبوك""ص232-233" وقد أطال في ذلك. و"الضوء""2/ 40".
5 انظر ترجمته في "الذيل على رفع الأصر""ص140".
6 "عنوان الزمان""1/ 47".
7 هذا ما ترجح عندي من هذه الكلمة ونقلها الدكتور محمد كمال الدين في ابن حجر مؤرخًا "ص103": فعمل وهو بعيد.
ومَنْ معه يأكلون اللحم المرتب على السلطان على السفرة التي يأكل عليها
…
يستعين على الشدائد بالصبر والصلاة.."1.
وقال السخاوي2:
"ومما يدل على عدم تضييع وقته بدون عبادة أنه توجه مرة للمدرسة المحمودية فلم يجد مفتاحها، كان قد سها عنه بمنزلة، فأمر بإحضار نجار، وشرع هو في الصلاة، إلى أن انتهى النجار من فتح الباب وقيل له: لو أرسلت أحضرت المفتاح من البيت كان أقل كلفة؟ فقال: هذا أسرع ويحصل الانتفاع بالمفتاح الثاني.
وتوجه مرة هو وصهرة القاضي محب الدين بن الأشقر في السماسم3 بالخانقاه فأخرج من جيبه مصحفا حمائليا وشرع في التلاوة فيه.
وكان رحمه الله إذا جلس مع الجماعة بعد العشاء وغيرها للمذاكرة تكون السبحة داخل كمه بحيث لا يراها أحد، ويستمر يديرها وهو يسبح أو يذكر غالب جلوسه. وربما تسقط من كمه، فيتأثر لذلك رغبة في إخفائه" وقد وصف بأنه "متين الديانة"4.
9-
كلمات معبرة في وصفه:
تكلم مَنْ ترجمه عن أخلاقه وآدابه وأحواله كلمات مهمة معلمة اقتصر هنا على بعضها:
قال البقاعي في وصفه له5: "
…
حلو الشمائل، بديع القول، طريف النادرة
1 المصدر السابق "1/ 55".
2 في "الجواهر""1/ 111".
3 كذا في المصدر المسمى!
4 انظر "لحظ الألحاظ" لابن فهد "ص336" و"معجم الشيوخ" لابنه ص"77".
5 "عنوان الزمان""14/ 47".
جدًّا، مجلسه كأنه البستان، فيه من جميع ما يشتهي الإنسان، العلم والأخبار الحسان، والنوادر اللطاف، وأحوال الناس في كل زمان من غير خروج في ذلك عن السنة، إذا رأى من بعض جلساته ما يسوءه قطع المجلس وقام إلى الصلاة، أو دخل إلى البيت، ونحو ذلك، قلَّ أن يواجه أحدًا بما يكره، يؤدب بأحواله، ويهذب بأقواله.." إلخ.
وقال السخاوي بعد كلام على قضائه وتدريسه ومؤلفاته وغير ذلك1: "كل ذلك مع تواضعه وحلمه، واحتماله وصبره وبهائه وظرفه وصيامه وقيامه واحتياطه، وورعه وميله إلى النكتة اللطيفة، والنادرة الطريفة، ومزيد أدبه مع الأئمة المتقدمين والمتأخرين، بل ومع كل مجالس من كبير وصغير، ومحبته في أهل الفضل، والتنويه بذكرهم وعدم إطراء نفسه، وركونه إلى هضمها، وبذله، وخصاله التي لم تجمع لأحد من أهل عصره
…
".
ووصفه بمزيد الأدب مع الأئمة المتقدمين والمتأخرين يؤكد لنا سمو نفسه ووفور فضله مع ما بلغه من مرتبة عالية في العلم والمنصب، وهذا على عكس ما وصف به الإمام الواحدي فقد قال فيه الإمام عبد الغافر الفارسي:"وكان حقيقًا بكل احترام وإعظام، لولا ما كان فيه من غمزة وإزرائه على الأئمة المتقدمين، وبسطه اللسان فيهم بغير ما يليق بماضيهم، عفا الله عنا وعنه"2.
10-
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
بلغ ابن حجر مكانه علمية رفيعة جدًّا يقول البقاعي3: "ولم يزل على خدمة العلوم حتى صار رأس الناس قاطبة، وإمام المسلمين كافة".
1 "التبرك المسبوك""ص231".
2 انظر "معجم الأدباء""12/ 260".
3 "عنوان الزمان""1/ 46".
وقد وُصف بالحفظ مبكرًا، وصفه بذلك شيوخه الإمام سراج الدين البلقيني وولده جلال الدين والحافظ العراقي وغيرهم.
يقول ابن حجر في كتابه "المجمع المؤسس"1 في ترجمة الشيخ سراج الدين البلقيني:
"قرأت عليه كتاب "دلائل النبوة" للبيهقي..وجرت لي معه في حال قراءتها نوادر، وذلك أنه كان يستكثر ما يقع لي من النكت الحديثية في المجلس، ويقول: هذا لا يصدر إلا عن تبييت مطالعة ومراجعة، فكنت أتنصل من ذلك فلا يقبل، إلى أن أمرني بترك الجزء الذي نقرأ فيه عنده تلك الليلة، وكان يعرف أن لا نسخة لي، فتركته عنده، فلما أصبحنا وشرعت في القراءة مر إسناد فيه: "ثنا تمتام" فقطع عليَّ القراءة وقال: مَنْ تمتام هذا فإرنني راجعت الأسماء فلم أجده، وظننته تصحيفًا؟ فقلت: لا بل هو لقب واسمه محمد بن غالب بن حرب، حافظ مشهور. قال مَنْ ذكره؟ قلت: الخطيب في "تاريخ بغداد" وله ترجمة عندكم في "الميزان" للذهبي؛ لأن بعض الناس تكلم فيه. فسكت الشيخ، وقال له ولده جلال الدين: هذا حافظ فلا تمتنحه بعدها"2.
ثم كتب له على الجزء الأول من "تغليق التعليق".
"الجزء الأول من "تغليق التعليق" جمع الشيخ الحافظ، المحدث المتقن المحقق شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن الفقير إلى الله تعالى الفاضل المرحوم نور الدين علي الشهير بابن حجر، نفع الله به وبفائده آمين"3.
1 "ص220".
2 جاء قول جلال الدين هذا منسوبًا إلى أبيه في "ابن حجر العسقلاني ومنهجه في فتح الباري""ص71" وهو سهو.
3 "الجواهر والدرر""1/ 207".
وقد أذنا له بالفتوى والتدريس وكتب له: "أجزت له أن يفتي بذلك لطالبيه بالتوجيه، فإنه نعم الفاضل النبيه"1.
قال السخاوي:
"وقد كان صاحب الترجمة رأى في المنام إذ ذاك إنه دخل مدرسة الشيخ "سراج الدين" وهو يصلي الظهر، فأحس الشيخ بداخل، فتمادى في الركوع فأدرك معه صلاة الظهر، فعبرها عليه، فقال له الشيخ: يحصل لك ظهور كبير. قال صاحب الترجمة: فقلت له: لأنك تأخرت لي حتى أدركتك فأخذت عنك وأذنت لي، فأقر ذلك3.
قلت: وكان الأمر كذلك، حقق الله تعبير شيخ الإسلام بالظهور العام، جعلهما الله بدار السلام مع السادة الكرام".
ومما يدل على منزلة ابن حجر العلمية في حياة شيوخة -فضلًا عما صار إليه مع تقدم العمر وزيادة الفصل- ما جاء عن العلامة النحوي ابن العباس النحوي ابن العباس الحناوي قال: كنت أكتب الإملاء عن شيخنا العراقي، فإذا جاء ابن حجر ارتج المجلس له، وعند عرض الإملاء قل أن يخلو من إصلاح يفيده ابن حجر.
ومن إجلال شيخه العراقي له أنه كان يودعه إذا أراد سفرًا، ويهنئه بالسلامة إذا قدم4.
1 المصدر السابق "1/ 208".
2 المصدر السابق.
3 أورد الدكتور محمد كمال الدين هذا المنام على أنه واقعة حقيقية، وهذا غريب! انظر ابن حجر مؤرخًا "ص28".
4 "الجواهر""1/ 212".
هذا طرف من منزلته عن شيوخه، وأما تلامذته فقد قالوا وأطالوا وهو الجدير بكل ثناء، الحقيق بكل تقدير، وقد عبق الزمان بنشر ذكره، وأطبقت الألسن على تفضيله وتبجيله حتى اليوم1.
وقد أنصفه جلال الدين السيوطي إذ قال عنه: "فريد زمانه، وحامل لواء السنة في أوانه: ذهبي هذا العصر ونضاره، وجوهره الذي ثبت به على كثير من الإعصار فخاره، أمام هذا الفن للمقتدين، ومقدم عساكر المحدثين، وعمدة الوجود في التوهية والتصحيح، وأعظم الشهود والحكام في بابي التعديل والتجريح
…
"2.
وإذ قال:
"انتهت إليه الرحلة والرئاسة في الحديث في الدنيا بأسرها، فلم يكن في عصره حافظ سواه"3.
وكذلك الإمام عبد الحي اللكنوي الحنفي "ت1304هـ" حين قال: "وكل تصانيفه تشهد بأنه إمام الحفاظ، محقق المحدثين، زبدة الناقدين، لم يخلف بعده مثله"4.
وهو ممن حاز لقب "أمير المؤمنين في الحديث"5.
11-
وفاته:
1 أطال السخاوي في ذكر المثنين عليه وإيراد عباراتهم في باب خاص فعد إليه: "الجواهر" 1/ 204-267".
2 "نظم العقيان""ص45".
3 "حسن المحاضرة""1/ 363".
4 "التعليقات السنية على الفوائد البهية""ص16".
5 انظر: "أمراء المؤمنين في الحديث" للشيخ عبد الفتاح أبو غدة "ص116-117".
يقول السخاوي1:
"ولم يزل على جلالته وعظمته في النفوس، ومداومته على أنواع الخيرات إلى أن توفي في أواخر ذي الحجة سنة 852، وكان له مشهد لم ير مَنْ حضره من الشيوخ -فضلًا عمن دونهم- مثله، وشهد أمير المؤمنين والسلطان فمَنْ دونهما الصلاة عليه، وقدم السلطان الخليفة للصلاة، ودفن تجاه تربة الديلمي بالقرافة وتزاحم الأمراء والأكابر على حمل نعشه، ومشى إلى تربته مَنْ لم يمش نصف مسافتها قط، ولم يخلف في مجموعه مثله، ورثاه غير واحد بما مقامه أجل منه".
ويقول السيوطي2:
وأخبرني الشهاب المنصوري3 أنه شهد جنازته، فلما وصل إلى المصلى أمطرت السماء على نعشه، فأنشد في ذلك الوقت:
قد بكت السحب على
…
قاضي القضاء بالمطر
وانهدم الركن الذي
…
كان مشيدًا من حجر
وممن رثاه الحجازي "790-875"4 بقصيدة تضم أكثر من خمسين بيتًا وضمنها أبيات الزمخشري التي أنشدها ابن حجر قبيل وفاته، ومطلع القصيدة:
كل البرية للمنية صائرة
…
وقفولها شيئًا فشئيًا سائرة5
1 في "الضوء""2/ 40".
2 في "طبقات الحفاظ""ص548".
3 انظر ترجمته في "حسن المحاضرة""1/ 575"، توفي سنة "887".
4 ترجمته في "حسن المحاضرة "أيضًا "1/ 573-574".
5 أوردها كلها ابن فهد في "لحظ الألحاظ""ص339-342" والسيوطي في "حسن المحاضرة" 1/ 364-366" وعن مراثيه الأخرى انظر ابن حجر "1/ 196-197".
ويصور لنا الإمام عمر بن فهد الهاشمي المكي "812-885" أثر موته على الناس فيقول1:
"وكثر الأسف عليه لوفور محاسنه، وانتاب الناس قبره مدة، وكان موته مصيبة يا لها من مصيبة عمت الأنام، وهدمت ركن الإسلام، وأصمت المسامع، وأجرت المدامع، وإنها -والله- لمن أعظم الفجائع وأطم الوقائع، فلقد كان للإسلام والمسلمين سندًا، وللدين -في هذا الوقت- عضدًا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا الله وإنا إليه راجعون، ولم يخلف في معناه مثله".
1 في "معجم الشيوخ""ص78".