الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مباحث المضاربة
تعريفها
-هي في اللغة عبارة عن أن يدفع شخص مالاً لآخر ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما على ما شرطا والحسارة على صاحب المال.
وهي مشتقة من الضرب بمعنى السفر لأن الاتجار يستلزم السفر غالباً. قال تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض} أي سافرتم، وتسمى قراضاً ومقارضة مشتقة من القرض وهو القطع سميت بذلك لأن المالك قطع قطعة من ماله ليعمل فيه بجزء من الربح والعامل قطع لرب المال جزءاً من الربح الحاصل بسعيه؛ فالمفاعلة على بابها.
وأما عند الفقهاء: عقد بين اثنين يتضمن أن يدفع احدهما للآخر مالاً يملكه ليتجر فيه بجزء شائع معلوم من الربح كالنصف أو الثلث أو نحوهما مخصوصة.
وظاهر أن هذا المعنى يطابق المعنى اللغوي إلا أنه مقيد بالشروط التي
تجعل العقد صحيحاً أو فاسداً في نظر الشرع.
ومناسبة المضاربة للمساقاة والمزارعة ظاهرة لأنك قد عرفت أنهما عقدان بين اثنين من جانب أحدهما الأرض أو الشجر، ومن جانب الآخر العمل، ولكل منهما نصيب في الخارج من الثمر، وكذلك المضاربة فإنها عقد يتضمن أن يكون المال منة جانب والعمل من جانب آخر ولكل من الجانبين نصيب في الربح، وتسمى المضاربة قراضاً عند الفقهاء أيضاً ويقال لرب المال مقارض - بكسر الراء - وللعامل مقارض - بفتحها - أما المضاربة فيقال للعامل فيها مضارب - بكسر الراء - وليس للمالك اسم مشتق منها.
أركانها وشروطها وأحكامها
-ولها أركان وشروط وأحكام مفصلة في المذاهب (1)
(1) الحنفية: قالوا: عقد المضاربة بالنظر لغرض المتعاقدين يكون شركة في الربح لأنه دفع من جانب المالك، ويذل عمل من جانب المضارب، بأن يتجر في المال ليشترك مع صاحبه في ربحه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فالغرض من
ذلك العقد هو الاشتراك في الربح ومن أجل ذلك عرفوه بأنه عقد على الشركة في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر.
ولكن المضارب له أحوال يختلف معها حكم المضاربة، ولهذا قالوا: إن حكم المضاربة بتنويع إلى أنواع:
أحدهما: أن المضارب عند قبض المال وقبل الشروع في العمل يكون أميناً وحكم الأمين أن يكون المال أمانة في يده يجب عليه حفظه ورده عند طلب المالك وليس عليه الضمان إذا فقد منه.
ثانيهما: أنه عند الشروع في العمل يكون المضارب وكيلا وحكم الوكيل أنه يقوم مقام موكله فيما وكل فيه ويرجع على صاحب المال بما يلحقه من التعهدات المالية المتعلقة بوكالته. ومن أحكامه أنه لا يجبر الوكيل على العمل فيما وكل فيه إلا في دفع الوديعة، كأن قال رجل لآخر: وكلتتك في دفع هذا الثوب المودع عندي لفلان فإنه إذا غاب الموكل على دفع الثوب لصاحبه وعقد الوكالة ليس لازماً فإن لكل منهما أن يتجلى عنه
بدون إذن صاحبه.
ثالثهما: انه عند حصول الربح يكون حكم المضارب كالشريك في شركة تاعقود المالية، وهي أن يكون لكل من الشريكين حصة معينة من الربح الناتج الآتية لأن المفهوم الآتي مشترط فيه أن يدفع كل واحد من الشريكين رأس مال.
رابعهما: إذا فسدت المضاربة يكون حكم المضارب حكم الأجير بمعنى أن الربح جميعه يكون لرب المال والخسارة تكون عليه وللمضارب أجر مثله سواء ربح المال أو خسر خلاف، والصحيح أنه إذا عمل في المضاربة الفاسدة فلا أجر له إذا لم يربح لأنه إذا أخذ أجراً مع عدم الربح الفاسدة
تكون الفاسدة أروج من الصحيحة إذ من الصحيحة إذ ليس له شيء إذا
لم يربح في الصحيحة فكيف يستحق في الفاسدة مع عدم الربح؟
خامسهما: إذا خالف المضارب شرطاً من الشروط يكون غاضباً. وحكم الغاضب أنه يكون آثماً ويجب عليه رد المغصوب شرطاً من الشروط يكون غاصباً. وحكم الغاصب أنه يكون آثماً ويجب عليه رد المغصوب وعليه ضمانه وقد اغترض جعل الوجه الثالث والرابع من أحكام المضاربة وذلك لأن اعتبار المضارب أجيراً للشروط ومتى خالف فقد نقص العقد فكيف يصح جعل الغضب من أحكامها وقد أجيب بأنهما من أحكام الفاسدة؟ ولكن هذا الجواب لا ينفع في مسألة الغصب لأن حكم الإجارة الفاسدة وهو أن يكون للمضارب أجر مثله وليس للغاصب أجر،
على أن الكلام في أحكام المضاربة الصحيحة، فالظاهر أن ذكر هذين الأمرين من الأحكام مبنى على التسامح.
سادسهما: أنه إذا شرط أن يكون الربح كله للمضارب كان قرضاً فإذا قبض المال وعمل فيه على هذا الشرط يكون مسؤولاً عنه وحده فله ربحه وعليه خسارته وإذا فقد منه كان ضامناً له ويجب عليه رده
لصاحبه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سابعهما: إذا شرط أن يكون الربح كله للمالك كان حكمه كحكم هقد البضاعة وهو أن يوكله في شراء بضاعة بلا أجر فكل ما يشتريه يكون له وعليه نفقات حمل وليس للمشتري أجر، فهذا هو حكم المضاربة.
واما ركنها: فهو الإيجاب والقبول وذلك يكون بألفاظ تدل على المعنى المقصود كأن يقول له: خذ هذا المال واعمل فيه مضاربة أو مقارضة أو معاملة، أو خذ هذا المال مضاربة على ما رزقنا الله من ربح فهو بيننا نصف أو ثلث، فيقول المضارب: أخذت أو رضيت أو قبلت. ولو قال: خذ هذا المال بالنصف أو على النصف ولم يرد على هذا فإن ذلك يكون مضاربة صحيحة.
وأما شروط صحتها فهي أمور:
منها: أن يكون رأس المال من النقدين الذهب والفضة المسكوكين باتفاق أهل المذهب وتصح بالفلوس الرائحة على المفتى به، والمراد بالفلوس الرائحة ما يتعامل به من غير الذهب والفضة كالقروش الصاغ والتعريفة وغيرهما من النقد المتخذ من النيكل أو النحاس في جواز المضاربة بالذهب والفضة إذا لم تكن مضروبة وقد اختلف في جواز المضاربة بالتبر إذا كان رائحاً كالنقد المضروب فقيل تصح به وقيل لا وكذلك لا تصح المضاربة بعروض التجارة فإذا أعطى رجل لآخر قطنا أو ثياباً ببمائة جنيه مثلاً وقال له: بعضها مضاربة على أن يكون الربح بيننا فهي مضاربة فاسدة فإذا باعها وخسر لا يكون العامل مسؤولاً عن تلك الخسارة حتى لو اصطلح مع رب المال على أن يعطيه كل المال بدون خسارة فإن ذلك الصلح لا يعمل به. وهل للعامل أجر مثله في حال الخسارة أو لا؟ خلاف تقدم قريباً فإذا عمل المضارب في الثمن الذي باع به البضاعة عومل بالشرط الذي تعاقدا عليه لأنه في هذه الحالة يصير مضاربة فالعامل في الأول لم يضمن لأنه أمين بمقتضى الوكالة فلما عمل في الثمن صار مضارباً بعد ذلك فاستحق المشروط.
ومنها: أن يكون رأس المال معلوماً عند العقد كي يقع العاقدان في منازعة.
ومنها: أن يكون رأس المال معيناً حاضراً عند المالك فلا تصح المضاربة
بالدين الذي له عند المضارب فإذا قال له: اعمل قال له: اعمل فيما عندك من مضاربة على أن يكون لك نصف الربح فإنه لا يصح. فإذا اتجر المديون في مال الدين الذي عليه وخسر أو ربح كانت الخسارة عليه والربح له وكان الدين باقياً بحاله وقيل يبرأ المديون من الدين ويكون الربح لصاحب المال والخسارة عليه وللمضارب أجر مثله، أما إذا كان الدين عند شخص آخر غير المضارب فقال له صاحبه لي عند فلان مائة جنيه فاقبضها واعمل مضاربة ففعل فإنه يصح مع الكراهة وكذا إذا قبض بعض المائة وعمل فيه فإنه يصح كذلك أما إذا قال له اقبض ديني من فلان فاعمل مضاربة أو ثم اعمل فيه مضاربة فقبض بعضه وعمل فيه مضاربة فإنه لا يصح لأن الفاء وثم تفيد لا يعمل فيه إلا بعد قبضه جميعه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإذا أودع رجل عند آخر مالاً وقال له اعمل فيما عندك مضاربة فإنه يصح. وكذا إذا أعطى رجل لآخر مالاً يشتري له بضاعة ثم قال له اعمل فيه مضاربة فإنه لا يصح.
ومنها: أن يكون المال مسلماً للمضارب بحيث يتصرف فيه وحده فإذا شرط أن يعمل رب المال مع غير المضارب فإن العقد يفسد ولا فرق في ذلك بين أن يكون صاحب المال هو الذي تولى صيغة العقد أو غيره
فإذا كان صاحب المال صغيراً وتولى التعاقد وليه شرط أن يعمل الصغير مع المضارب فسدت، وإذا فسدت يكون للمضارب أجر مثله من مال القاصر. وإذا وكل شخص آخر في أن يتعاقد مع شخص في ماله مضاربة فاشترط الوكيل أن يعمل مع ذلك المضارب بجزء من الربح فسد العقد لأن الوكيل يقوم مقام موكله فيما وكل فيه. وقد عرفت أنه لا يصح أن يشترط صاحب المال العمل مع المضارب فكذلك وكيله.
ومنها: أن يكون نصيب المضارب من الربح معلوماً على وجه شائع كالنصف والثلث أو نحوهما أما إذا عين عداً مخصوصاً كأن قال له اعمل هذا المال مضاربة ولك عشرون جنيهاً من الربح فإن العقد يكون فاسداً، وكذلك إذا ضم إلى نصيبه عدداً معيناً كما قال له اعمل مضاربة ولك نصف الربح وعشرون جنيهاً فوق ذلك فإنه لا يصح، وكذا إذا شرط له نصف الربح إلا عشرين جنيهاً أو عشرة أو أقل أو أكثر فإن العقد يفسد، أما إذا شرط أن له ربح نصف المال أو ثلثه بدون تعيين نصف خاص أو ثلث خاص فإنه لا يصح.
وإذا شرط للمضارب أجرة شهرية زيادة عن نصف الربح مثلاً، فإن ذلك الشرط باطل ولكن العقد صحيح فإذا عمل على ذلك الشرط فإنه لا يستحق إلا نصيبه في الربح فقط أما إذا دفع له مالاً ليضارب فيه بشرط أن يعطيه منزله ليسكنه، أو أرضاً ليزرعها، فإن العقد يفسد بذلك.
المالكية - قالوا: المضاربة أو القرض في الشرع عقد توكل صادر من رب المال لغيره على أن يتجر بخصوص النقدين (الذهب والفضة) المضروبين يعامل به ولا بد أن يدفع رب المال للعامل القدر الذي يريد أن يتجر فيه عاجلاً.
فقولهم: توكيل يشمل كل توكيل، وقولهم: على أن يتجر بخصوص النقدين اخرج التوكيل على أن يتجر بعرض تجارة أو حبوب أو حيوان فإنه في هذه الحالة يكون قراضاً فاسداً فإذا قال له رب المال خذ هذا القطن مثلاً وثمنه مائة جنيه فبعه ولك نصف ربحه أو أقل أو أكثر ففعل ذلك فإنه لا يأخذ الجزء الذي سماه من الربه لأن المضاربة فاسدة ولكن للعامل الحق أولاً في أجر مثل بيعه إن كان له أجر وثانياً له جزء في الربح يعادل الجزء الذي يستحقه العامل الذي يضارب في مثل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ذلك المال ويقال له قراض المثل سواء كان ذلك الجزء موافقاً لما سمي أو أقل أو زيد وينتظر في ذلك للعادة فإن لم يربح شيئاً فلا شيء له. وكذلك إذا قال له خذ هذا القطن فبعه واعمل بثمنه مضاربة على أن لك كذا من ربحه فإن حكمه كالأول وبعضهم يقول إن ذلك إنما يكون مضاربة فاسدة إذا كان بيعه محتاجاً لعناء وله شأن أما إذا كان بيعه هنياً فإن المضاربة تكون صحيحة ولكن المعتمد المنع مطلقاً فإذا كانت عروض التجارة تحت رجل آخر يتولى بيعها غير رب المال والعامل ثم قال رب المال للمضارب: خذ ثمن العروض التي يتولى بيعها فلان واعمل فيها مضاربة بكذا فإنه يجوز وهذا كله إذا لم تكن عادة أهل البلد الذي وقع فيه العقد أن يتعاملوا بعروض التجارة فقط أما إذا كانت عادتهم هذه وليس عندهم نقد مضروب فإنه يصح جعل العروض رأس مال المضاربة حينئذ.
وقولهم: مضروب معناه مختوم بختم الحاكم يخرج به التوكل على أن يتجر له بقطع الذهب أو الفضة غير المضروبة ويشمل ذلك صورتين: الصورة الأولى أن يكون عقد المضاربة في بلد لا تتعامل بالمضروب بغير المضروب أصلاً. الصورة الثانية أن يكون في بلد تتعامل بالمضروب وغير المضروب، وفي كلتا الحالتين ينتنع أن يجعل رأس المال من غير المضروب فإذا وقع العقد وعمل المضارب على ذلك فإنه يمضي على عمله ويكون له قراض المثل فقط إذا جعل قطع الذهب أو الفضة أثماناً. أما إذا باعها واتجر بثمنها فإن له مع قراض المثل أجر مثل بيعها إن كان له أجر في العادة. وقد عرفت أن قراض المثل هو أن يكون له جزء في الربح يساوي ما يؤخذ عادة من مثل ذلك المال الذي يعمل فيه مضاربة بقطع النظر على الجزء المسمى عند العقد فإذا لم يربح شيئاً فلا شيء له.
أما إذا كان عقد المضاربة في بلد لا تتعامل إلا بقطع الذهب والفضة ولا تعرف النقد المضروب فإن عقد المضاربة يكون صحيحاً وليس للعامل إلا
الجزء الذي سمي من الربح ومثل قطع الذهب والفضة الفلوس كالقروش المأخوذة من النحاس فإنه لا يصح جعلها رأس المال المضاربة فإن جعلت ووقع العقد عليها كانت قراضاً وعلى العامل ردها عمل فيها فحكم ذلك كالذي قبله وهو أنه إذا باعها بنقدين وضارب في ثمنها كان له أجر مثل بيعها وقراض مثلها وإذا عمل بها هي كان له قراض مثلها فقط.
وقولهم: وأن يدفع له عاجلاً القدر الذي يتجر له فيه خرج ما ليس كذلك وهو يشمل أموراً ثلاثة: الأول: الذين وكذلك بأن يكون لرب المال ديناً على العامل فقال له: اعمل في الدين الذي عليك مضاربة بثلث ربحه أو نحو ذلك، فإن ذلك يكون مضاربة فاسدة، فإذا اتجر العمل في ذلك الدين كان له ربحه وعليه خسارته، والدين باق بحاله وعلى المدين ضمانه.
فإذا وكل رب المال العامل على أن يخلص له ديناً عند آخر ويتجر من ربحه فإن ذلك يكون مضاربة فاسدة أيضاً فإذا مضى فيها العامل فإنه يكون له أجراً مثل تخليص الدين إن كان له أجر عادة وله قراض المثل في ربحه أي يأخذ جزءاً من الربح يساوي الجزء يأخذ المضارب من مثل ذلك المال عادة سواء وافق المسمى أو لا كما تقدم فإذا أحضر المدين
اتلدين وقبضه صاحبه منه ثم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عامله به مضاربة فإنه يصح. وكذلك إذا أحضره ولم يقبضه ولكن يشترط في هذه الحالة أن يشهد المدين رجلين أو رجلَا وامرأتين على أنه قد أحضر الدين وبرأت ذمته منه، وفي هذه الحالة يصح أن يجعل رأس مال مضاربة.
الأمر الثاني: الرهن بأن يكون تحت يد العامل نقود مضروبة مرهونة عنده في نظير دين له عند رب المال فإنه لا يصح في هذه الحلة أن يقول صاحب المال المرهون للراهن: اعمل فيه مضاربة بنصف ربحه مثلَا إلا إذا سد الدين الذي له عليه، مثال ذالك ما يفعله الملاّك في زماننا مع المستأجرين فإنهم يأخذون منهم تأميناَ نقدياَ رهناَ على دين إجارتهم فإنه لا يجوز أن يقول صاحب التأمين لمن هو عنده اعمل فيه مضاربة بنصف الربح الذي يخرج منه أما إذا كان المرهون عروض تجارة أو حيوان فأن المنع فيها ظاهر لأنه لا يصح أن تجعل رأس مال المضاربة كما علمت وكذالك إذا كان المرهون في يد أمين فإنه لا يجوز أن يقول صاحب الرهن للأمين: اعمل فيها مضاربة بجزء من الربح قبل أن يسد الدين الذي رهنت تحت يد الأمين من أجله.
الأمر الثالث: أن يكون المال وديعة عند العامل فأذا أودع شخص عند شخص آخر مالَا فإنه لا يصح أن يقول له أتجر في ذلك المال ولك نصف ربحه أو ثلثه أو نحو ذلك.
فإذا أحضر الوديعة واستلمها صاحبها فإنه يصح أن يعطيها له ليعمل فيها مضاربة بعد ذلك وكذلك إذا احضرها ولم يستلمها صاحبها، ولا حاجة الى الإشهاد في الوديعة وكذلك إذا كانت الوديعة تحت يد شخص غير الشخص الذى أودعت عنده فإنه لاتصح المضاربة عليها فإذا أودع شخص عند أخر نقوداَ ثم خاف عليها الشخص الذى أودعت عنده فأودعها شخصاَ آخر فإنه لا يصح أن تجعل رأس مال المضاربة ابضاً فإذا اتجر فيها من اودعت عنده بإذن صاحبها كان الريح لصاحبها والخسارة عليه للعامل اجرة مثله والرهن فىذلك كالوديعة. اما إذا اتجر فيها من غير إذنه فالربح والخسارة على العامل.
ويؤخذ من بيان التعريف على هذا الوجه بعض الشروط الازمة لصحة عقد المضاربة وجميع شروطه عشرة، احدهما: دفع راس المال للعامل فوراً فإذا كان مؤجلاً فسد العقد، ثانيها: كون راس المال معلوماً وقدره وقت العقد ككونه مائة جنيه مصرية مثلاً فلا يصح ان يضاربه على مبلغ غير معين ثالثها: كون رأس المال غير مضمون فلو شرط رب المال على العامل ان يكون ضامناً لرأس المال إذا فقد منه قهراً عنه فإن المضاربة تكون فاسدة فإذا عمل العامل على هذا الشرط كان له قراض مثل هذا المال في ربحه ولا يضمنه إذا فقد بلا تفريط لأن هذا الشرط باطل فلا يعمل به أما إذا تطوع العامل بالضمان من تلقاء نفسه بدون طلب من رب المال فقيل تصح المضاربة بذلك وقيل لا تصح وإذا سلم رب المال للعامل وطلب منه ضامناً يضمنه فيما تلف من ماله يتعدى العامل فإنه يصح إذا طلب منه ضامناَ يضمنه مطلقاَ فيما تلف بتعديه وغيره فإن المضاربة تفسد ولا يلزم الشرط.
رابعها: كون رأس المال عيناً يتعامل بها اهل البلد سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خامسها: ان يبين الجزء الذي يختص به العامل من الربح كالنصف أو الثلث ونحوهما فإن لم يبينه أصلاً كأن قال له: اعمل فيه ولك نصيب في ربحه أو لك جزء أو نحو ذلك ثم عمل فيه على هذا الإبهام فإن للعامل قراض مثله فإن كان للناس عادة في نحو هذا فإنه يعمل بها حتى إذا كانت العادة بإن العامل يأخذ النصف كان له النصف وإن كانت تقضي بأقل أو أكثر عمل بها.
أما إذا قال هل: اعمل والربح مشترك فإن ذلك معين لإن معناه متساوي
في الربح عرفاً فللعامل في هذه الصورة نصف الربح.
سادسها: أن لا يختص أحدهما بشيء معين سوى الجزء الذي له فلا يصح أن يضاف لأحدهما عشر جنيهات أو خمس مثلاً على ثلث الربح أو
نصفه، نعم للعامل أن يأخذ ما يضطر إلى إنفاقه في سبيل التجارة وما يلزمه من مؤونة السعر ونحوها بقدر الضرورة.
سابعها: أن يكون الجزء المعين في الربح مشاعة كالنصف والثلث ونحو ذلك فلا يصح ان يكون مقدراً بعدد كأن يقول له لك عشرون جنيهاً في الربح كما لا يصح أن يكون مبنياً بحالة معروفة كأن يقول له: اعمل مضاربة ولك في الربح مثل ما أخذ فلان وهل يصح أن يشترط الربح كله للعامل أو لرب المال أو لا؟
والجواب أنه يجوز ولكن لا يكون داخلاً في تعريف المضاربة لأنك قد عرفت أنها عقد على أن يتجر العامل بمال المالك وله جزء من ربحه.
ثامنها: أن يخص العامل بالعامل فلا يصح أن يشترط مشاركة رب المال
أو غيره معه وإلا فسد العقد.
تاسعها: أن لا يحجر على العامل في عمله كأن يقول: لا تتجر إلا في الصيف فقط أو في موسم القطن او القمح او نحو ذلك مما عين فيه زمن العمل فإن العقد في هذه الحالة يقع فاسداً وللعامل أجرة مثله على رب المال الخسارة وله الربح.
عاشرها: ان لا يضرب له أجلاً فإذا ضرب له أجلاً كأن قال له: اعمل فيه سنة أو اعمل به بعد شهرين فإنه يكون مضاربة فاسدة وللعامل في هذا القراض المثل لا أجر المثل لأنه اخف مما قبله فإن الذي قبله فيه حجر شديد على العامل بخلاف ذلك فإن الأمر أمامه كما يجب في المدة التي حددها له.
أما حكمه فهو الجواز، وأما أركانه فهي رأس المال والعمل والربح والعاقدان والصيغة. وحيث أنك قد عرفت انه عقد توكل فلا بد فيه من الللفظ كأن يقول: اعمل في هذا المال ولك كذا من ربحه فيقول قبلت. وذلك لأن التوكل لا بد فيه من اللفظ فلا تكفي فيه المعاطاة كان يسلمه المال فيأخذه العامل ويعمل فيه بدون لفظ وبعضهم يقول أنه عقد إجارة للعامل وعلى هذا لا يشترط فيه اللفظ لأن الإجارة تكفي في المعاطاة كالبيع متى وجدت قرينة تدل عليه.
الحنابلة - قالوا: المضاربة عبارة عن أن يدفع صاحب المال قدراً معيناً من ماله إلى من يتجر فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بجزء مشاع معلوم من ربحه ولا بد من ذلك المال من أن يكون نقداً مضروباً ويقوم مقام دفع المال أن يكون قد أودع عند شخص مالا ثم قال له: اعمل في هذا الماللا المودع مضاربة فتصبح المضاربة عندهم بالوديعة.
وحكم المضاربة يختلف باختلاف الأحوال فهي في أول الأمر أمانة ووكالة لأن العامل يتصرف بإن رب المال فهو وكيله في التصرف - والمال تحت يده أمانة - فإذا ربح العامل في المال كان عقد المضاربة شركة لاشتراكهما في الربح وإذا فسدت المضاربة كان إجارة لأن العامل يأخذ أجر مثله.
وإذ خالف العامل ما أمره به صاحب المال تكون غصباً فعليه أن يرد المال وربحه ولا شيء له نظير عمله لأن حكم الغاصب كذلك.
وركنها: الإيجاب والقبول بكل لفظ يؤدي معنى المضاربة أو القراض أو المعاملة أو نحو ذلك لأن المقصود المعنى وهو يحصل بكل ما يدل عليه
وتكفي فيها المعاطاة فإذا أخذ العامل المال وباشر العمل فيه من غير أن يقول: قبلت فإنه يصح فلا يشترط فيها اللفظ كما يشترط في التوكل.
ويشترط لصحة المضاربة شروط:
منها: أن يبين نصيب العامل من نصف أو ثلث أو نحوهما لأنه لا يستحقه إلا بالشروط فإذا لم يبين أصلاً بأن يقال: خذ المال مضاربة ولم يذكر نصيب العامل في الربح أو بينه على وجه العامل على هذا كان الربح لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجرة مثله. وإذا شرط المالك أن يكون الربح كله لم تكن مضاربة وإنما تكون إضاعاً له (توكيل على عمل بدون أجر) .
فالربح كله لرب المال ولا شيء للعامل لأنه يكون في هذه الحالة وكيلاً متبرعاً، فلو شرط رب المال أن يكون ضمان ماله على العامل لا ينفذ ذلك الشرط لأن هذا العقد يقتضي كون المال أمانة غير مضمونة ما لم يتعد العامل أو يفرط فإنه يضمن حينئذ.
وإذا شرط أن يكون الربح كله للعامل كان قرضاً ليس للمالك شيء من ربحه ولا شيء عليه من خسارته وعلى العامل ضمانه حتى لة قال صاحبه: لا ضمان عليك لا ينفذ ذلك الشرط لأن عقد القرض يقتضي أن يضمنه المقترض فإذا فقد منه شيء أو فقد كله لزمه.
ومنها: أن يكون رأس المال معلوماً فلا تصح المضاربة بصرة فيها جنيهات من غير عد وبيان لما في ذلك من الغرر المفضي إلى النزاع في الربح لجهله حينئذ.
ومنها أن يكون رأس المال حاضراً فلا تصح بالمال الغائب أو المال الذي في الذمة فإذا كان لشخص مال عند آخر لم يحن موعده فإنه لا يصح أن يضاربه به عليه. نعم إذا قال له: اقبض ديني من فلان أو منك واتجر فيه مضاربة فإنه يصح، وكذا إذا قال له: اقبض وديعتي من فلان أو منك واعمل فيها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مضاربة فإنه يصح، لأنه في هذه الحال يكون قد وكله في قبض الدين أو الوديعة وعلق عقد المضاربة على قبضها وتعلبق المضاربة صحيح.
ومنها: أن يكون رأس المال ذهباً أو فضة مضروبين مختومين بختم الملك فلا تصح إذا كان رأس المال قطع ذهب أو فضة لم تضرب كما لا تصح إذا كان فلوساً (عملة من غير الذهب والفضة) كالنحاس ونحوه سواء كانت رائحة يتعامل بها أو كاسدة. وكذلك لا يصح أن يكون رأس المال عرض تجارة فإذا قال شخص لآخر: خذ هذه الثياب أو هذا البر أو هذه الغم وهي بمائة جنيه مثلاً وبعها مضاربة بجزء معين من الربح فإنه لا تصح إذ ربما ارتفع سعرها فربحت قبل ان يعمل فيها المضارب عملاً فيأخذ نصيباً من ذلك الربح بدون عامل وذلك غبن لصاحب السلعة كذلك لا يصح ان يقول له بعها ولك نصف الربح ما يزيد على قيمتها لأن قيمتها قد ترتفع فتستغرق كل الربح الذي حصل عليه العامل فلا ينال شيء وكل ذلك موجب للنزاع نعم يصح أن يقول له: خذ هذا القطن وبعه
واعمل بثمنه مضاربة لأنه في هذه الحالة يكون قد وكله في بيعه وعلى المضاربة على قبضة للثمن فأشبه الوديعة وتعليق المضاربة جائز اما إذا قال له: ضاربتك على ثمن هذه السلعة قبل بيعها فإنه لا يصح لأن ثمنها معلوم قبل بيعها فلا تصح المضاربة به فعلاً.
ومنها: أن يكون نصيب كل منهما مشاعاً في كل المال بأن يقدر النصف أو الثلث أو نحو ذلك فإذا عين لواحد منهما مخصوص كعشرة جنيهات أو خمسة أو نحو ذلك فسدت. وإذا اشترط أن يكون الربح بينهما فإنه يصح ويكون لكل واحد نصفه.
وإذا فسدت بالمضاربة كان الربح كله لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجر مثله خسر المال أو ربح.
وهناك شروط لا تفسد العقد، ولكنها هي باطلة لا يعمل بها، منها: أن يشترط عليه أن يكون نصيبه من الخسارة أكثر من نصيبه في الربح او شرط عليه ان ينتفع بالسلعة التى يشتريها العامل او ان تبقى الشركة بينهما مدة معينة اولا يشترى إلا من فلان، فهذه كلها شروط فاسدة لاتنفذ ولا يعمل بها ولكن العقد لا يفسد بها فيستمر على حاله ويصح ان تؤقت المضاربة بوقت معين كان يقول له: خذ هذه الجنيهات واتجر مضاربة مدة سنة فإذا مضت السنة فلا تيع ولا تشتري فإن ذلك يصح.
الشافعيةـ قالوا: المضاربة او القراض عقد يقتضى أن يدفع شخص لاخر مالاً ليتجر فيه على ان يكون لكل منهما نصيب فى الربح بشروط مخصوصة.
ومن هذا تعلم ان المضاربة قائمة على ستة أركان: مالك المال هو الذى يدفع والعامل الذى يتجر به، والعقد الذى هو الصيغة اعنى الأيجاب والقبول. فلا تتحقق المضاربة إلا الصيغة فإنها ذكرت ضمناً فى قوله عقد لان العقود لابد فيها من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الصيغة والمراد بالركن ما يتوقف على ذكره تحقق العقد فلا يرا أن العمل فى الربح يوجدان العقد فكيف يكونان ركناً له يتوقف وجوده عليهما لان الغرض ان وجوده يتوقف على ذكرهما إذا لم يذكرا في العقد يكون فاسداً وهذا لا ينافى أن وجودهما فى الخارج يكون بعد تحقق صحة العقد وقد عرفت فى اركان البيع أن الركن منقسم إلى قسمين: اصلى وهو ماكان داخلاً فى حقيقة الشيء وذلك هو الإيجاب والقبول، وغير أصلي وهو ما يتوقف وجود الشيء
فمن نظر إلى الأول قال إن ركن المضاربة الاجاب والقبول فقط. ومن نظر إلى الثاني عد أركانها على الوجه الذي ذكره الشافعية، وذلك النظر مطرود في كل العقود منه على ذكر.
أما شروط صحة المضاربة فهي تتعلق بكل ركن من هذه الأركان، فأما العامل والمالك فتشترط فيهما معاً أن يكونا للتصرف كما هو الشأن في سائر العقود فلا يصح عقد المضاربة من أعمى، ولكن يوكل من يقبض عنه.
ويشترط في العامل وحده أن يكون مستقلاً بالعمل منفرداً فلو اشترط أن يعمل معه غيره فسد العقد، ويستثنى من ذلك اشتراط أن يعمل معه غلام المالك فإنه يجوز ولكن بشروط ثلاثة:
أحدهما: أن يكون الغلام معروفاً للعامل بالمشاهدة أو الوصف.
ثانيهما: أن لا يشترط أن يكون بعض المال تحت يد الغلام.
ثالثهما: أن لا يحجر به على العامل أن لا يتصرف العامل إلا إذا رجع رب المال أو لا يتصرف إلا تحت إشراف فلان لأن كل هذا يغل يد العمل فتقوم معذرته في الأعمال والتفريط، والمفروض أنه أمين فتقييده بعد ذلك ضار بالمال وموجب لفتح باب النزاع. وأما العمل فيشترط فيه شرط، الأول: أن يكون عملاً في تجارة من بيع وشراء فلا تصح المضاربة على عمل صناعي، كأن يضارب نساجاً على أن يشتري قطناً ثم ينسخه ويبيعه منسوجاً، او يضارب خبازاً على أن يشتري قمحاً ويطحنه ثم يخبزه ويبيعه قرضاً، وإنما لا تصح المضاربة في ذلك لأنه عمل محدود تصح إجارة العامل عليه فلا داعي حينئذ للمضاربة لأنها إنما أبيحت للضرورة حيث لا تمكن الإجارة وذلك لأن التجارة التي سيقوم بها العامل مجهولة وقد يكون رب المال عاجزاً عن القيام بها فأبيح له أن يفعل ذلك النوع من المعاملة بأن يشرك معه غيره في الربح المجهول في نظير ذلك العمل المجهول. فإذا أمكن ضبط عمل العامل فلا يصح أن يفعل ذلك بل عليه أن يستأجره بأجرة معينة بإزاء ذلك العمل المنضبط.
فإذا تعاقد معه على أن يتجر فاشترى العامل من تلقاء نفسه قمحاً وطحنه وخبزه فإن ذلك لا يفسد العقد ولكن أجرته تكون على العامل ويكون ضامناً له إذا تلف لأن وظيفة العامل في المضاربة إنما هي التجارة ولوازمها فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن عليه أن يقوم بنشرها وطيّها وقياسها بالذراع ونحوه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كلما دعت الحاجة، وإن كان يتجر في مكيل أو موزون كالحنطة والسكر
فإن عليه أن يزن أو بكيل ونحو هذا مما تستلزمه التجارة، أما إنه يخبز أو ينسج فهذه ليست أعمالاً تجارية وإنما هي أعمال صناعية فليست من وظيفته.
الشرط الثاني من الشروط المتعلقة بالعمل: أن يكون العامل حراً في عمله فلا يصح لرب المال أن يضيق عليع والتضييق عليه يكون على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يشترط عليه شراء سلعة معينة كأن يقول له: لا تشتر إلا حللاً هندية. فإن شرط عليه ذلك فسد العقد. نعم له أن يمنعه من شراء سسلعة معينة ويعمل بذلك الشرط
الوجه الثاني: أن يشترط عليه شراء شيء ينذره وجوده كأن يقول له: اشتر فاكهة الشتاء في زمن الصيف أو لا تشتر إلا الخيل المضمرة البلق إلا إذا كان في محل يكثر وجود ذلك أو لا تبع إلا لفلان فإن ذلك يفسد العقد.
أما إذا قال له: لا تشتر من فلان ولا تبع لفلان فإن له ذلك. وإذا شرط أن يشتري من حانوت (دكان) مخصوص فإن العقد يفسد أما إذا اشترط من سوق معين فإنه يصح.
ولا يضر أن يعين المالك جنس التجارة أو نوعها كأن يقول له: اشتري قمحاً هندياً فإن ذلك يصح إذا لم يندر وجوده إذا لم يندر وجوده كما تقدم
الشرط الثالث: أن لا يكون العمل مؤقتاً بمدة معلومة فإذا قال له: قارضتك لمدة سنة فسد العقد سواء صرح بمنعه من التصرف بعد تلك المدة بأن قال: قارضتك سنة ولا تبع بعدها أو لا تشتر بعدها أو لم يصرح بشيء
بل قال له: قارضتك لمدة سنة وسكت فإن العقد فاسد على أي حال لأن التأقيت ينافي الغرض من الربح. نعم إذا قال: قارضتك ولا تشتري بعد سنة فإنه يصح لأنه لم يقيض المقارضة بالمدة ولكن منعه من الشراء فقط بعد سنة وذلك لا يضر إلا إذا لم يمنعه عن بيع ما يكون قد اشتراه ولم يفيده بمدة يحجر عليه فيها يحرمه من الربح على انه إنما يصح إذا كانت المدة واسعة كما ذكر. أما إذا كانت ضيقة لا يأتي فيها شراء شيء لغرض الربح عادة فإنه لا يصح على أي حال وأما الربح فيشترط له أمور:
الأول: أن يكون مختصاً بالعاقدين فلا يصح أن يجعل لغيرهما جزء منه إلا لعبيديهما فما شرط لأحدهما يضم ما شرط لسيده.
الثاني: أن يكون الربح مبيناً بالجزئية والتعيين كالنصف أو الثلث أو نحوهما لو قال له: قارضتك على أن يكون لك نصيب أو جزء من الربح فسد. أما إذا قال له: قارضتك والربح بيننا فإنه يصح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويكون لكل واحد منهما النصف وقيل: لا يصح ولكن المعتمد الأول ولا بد من بيان نصيب العمل فلو قال له: قارضتك ولي نصف الربح فسد على الأصح لأنه لم يبين نصيب العامل فيحتمل أن يقول أنه أراد يكون النصف له والنصف الآخر يتصرف فيه كما يحب وليس للعامل شيء.
أما إذا بين نصيب العامل بأن قال: قارضتك ولك نصف الربح فإنه يصح على المعتمد لأن النصف الباقي يكون لصاحب المال من غير شبهة وبعضهم يقول: لإنه لا بد من بيان نصيب المالك أيضاً
الثالث: أن يكون الربح مختصاً بالعاقدين فلا يصح أن يدخل معهما فيه آخر إلا إذا كان مملوكاً لأحدهما فيصح أن يبشترط له شيء من الربح مضاف من ملك سيده إذا اشترط أن يكون الربح كله للعامل فقيل: إن عقد المضاربة يفسد وقيل: لا أما إذا اشترط الربح كله للمالك فقيل: يفسد فللمالك الربح وعليه الخسارة وللعامل أجرة مثله كما هو الشأن في سائر صور المضاربة الفاسدة وقيل يكون إيضاعاً (توكيل بلا جعل) وهو الأصح رضي أن يعمل مجاناً. ولا يصح أن يشترط لأحدهما شيء معدود الربح كعشرة جنيهات والباقي بينهما لأنه قد لا يربح سواهما فيحرم الشريك الآخر من الربح. وكذلك لا يصح أن يخص أحدهما بربح نوع مخصوص.
وأما الصيغة فهي الإيجاب والقبول فإنها تحقق بقوبول المالك ضاربتك وعاملتك ونحوهما فيقول العمل قبلت أو رضيت. وإذا كان الإيجاب بلفظ الماضي كما في ضاربتك وعاملتك المذكورين فلا بد أن يكون القبول رفضاً فلا يصح أن يأخذا العمل المال ويعمل فيه دون تصريح بالقبول أما إذا كانت الصيغة بلفظ الأمر كأن يقول المالك: خذ هذا الألف مثلاً واتجر فيه على أن يكون الربح بيننا نصفين وقيل لا بد فيه من القبول لفظاَ أيضاً كغيره من سائر العقود وقيل يكفي فيه الشروع في العمل فإذا أخذ وعمل فيه بدون قول صح العقد، ومثل ذلك ما إذا قال له: خذه وبع فيه واشتر على أنا يكون الربح بيننا ويشترط لصحة الصيغة أن يذكر فيها الربح نصاً، فإن لم ينص على الربح فسد العقد كما تقدم.
وأما المال فلا يشترط له شروط. وأحدها أن يكون نقداً مضروباً (ذهباً أو فضة مختومين بختم الحاكم ليتعامل بهما) فلا تصح بالتبر (كسارة الذهب والفضة إذا أخذ من معدهما قبل تنقيتهما من ترابهما) ولا بقطع الذهب التي لم تضرب ضرباً يتعامل به كالحلي من أسورة والخلاخل ونحوهما فلو أعطت امرأة حليها لشخص على أن يتجر فيه بجزء من الربح فإنه لا يصح وكذلك لا يصح بعرض التجارة كالنحاس والقطن والقماش ونحو ذلك.
ومن عروض التجارة الفلوس (العملة المأخوذة من غير الذهب والفضة) فلا تصح المضاربة بها