المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شروط الوكالة - الفقه على المذاهب الأربعة - جـ ٣

[عبد الرحمن الجزيري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌مقدمة [الجزء الثالث]

- ‌مباحث المزارعة والمساقاة ونحوهما

- ‌تعريف المزارعة

- ‌حكم المزارعة وركنها وشروطها وما يتعلق بذلك

- ‌دليل المزارعة

- ‌مباحث المساقاة

- ‌تعريفها وشروطها وأركانها وما يتعلق بها

- ‌مباحث المضاربة

- ‌تعريفها

- ‌أركانها وشروطها وأحكامها

- ‌دليل المضاربة وحكمة تشريعها

- ‌مبحث في بيان ما يختص به كل من رب المال والعامل

- ‌مبحث إذا ضارب المضارب غيره

- ‌مبحث قسمة الربح في المضاربة

- ‌مباحث الشركة

- ‌تعريفها وأقسامها

- ‌مبحث أركان الشركة

- ‌شرط الشركة وأحكامها

- ‌مبحث في تصرفات الشركاء في المال وغيره

- ‌مبحث إذا ادعى أحد الشركاء تلف المال ونحو ذلك

- ‌مباحث الإجارة

- ‌تعريفها وأركانها وأقسامها

- ‌شروط الإجارة

- ‌مبحث ما تجوز إجارته وما لا تجوز

- ‌ مبحث ما يضمنه العامل إذا تلف وما لا يضمنه

- ‌مبحث ما يفسخ به عقد الإجارة وما لا يفسخ

- ‌مباحث الوكالة

- ‌تعريفها

- ‌ دليلها وأركانها

- ‌ شروط الوكالة

- ‌مبحث الوكالة بالبيع والشراء

- ‌مبحث التوكيل بالخصومة

- ‌مبحث هل للوكيل أن يوكل غيره

- ‌مبحث عزل الوكيل

- ‌مباحث الحوالة

- ‌تعريفها

- ‌أركان الحوالة وشروطها

- ‌مبحث في براءة ذمة المديون بالحوالة

- ‌مباحث الضمان

- ‌تعريفه

- ‌أركان الضمان وشروطه

- ‌أحكام تتعلق بالكفالة

- ‌مباحث الوديعة

- ‌تعريفها

- ‌أركان الوديعة وشروطها

- ‌مبحث حكم الوديعة وما تضمن به وما لا تضمن

- ‌مباحث العارية

- ‌تعريفها

- ‌حكم العارية وركنها وشرطها

- ‌أقسام العارية وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌مبحث ما تضمن به العارية وما لاتضمن

- ‌مباحث الهبة

- ‌تعريفها

- ‌مبحث أركان الهبة وشروطها

- ‌مبحث في هبة الدين

- ‌مبحث الرجوع في الهبة

- ‌مبحث في مقابل عوض مالي

- ‌مباحث الوصية

- ‌تعريفها ودليليها

- ‌أركان الوصية وشروطها

- ‌مبحث حكم الوصية

- ‌مبحث الوصية بالحج والقراءة ونحوهما وبما يعمل في المآتم وغير ذلك

- ‌مبحث الوصية لقوم مخصوصين كالجيران والآقارب ونحوهم

- ‌مبحث الوصية لمتعدد بالثلث أو أكثر أو أقل

- ‌مبحث الوصي المختار

الفصل: ‌ شروط الوكالة

-‌

‌ شروط الوكالة

-تنقسم الوكالة إلى أقسام منا يرجع إلى الموكل. ومنها يرجع إلى الوكيل. ومنها ما يرجع إلى الموكل فيه. ومنها ما يرجع إلى الصيغة التي تتحقق بها الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .

(1) الحنفية - قالوا: شروط الوكالة التي ترجع إلى الموكل هو أن يكون الموكل ممن يملك فعل ما وكل به بنفسه فلا يصح التوكيل من المجنون جنوناً مطبقاً والصبي الذي لا يعقل أصلاً. لأن النجنون لا يملك التصرف في شيء بنفسه مطلقاً، ومثله الذي لا يعقل، أما الصبي الذي يعقل فقد عرفت في مباحث الحجر أن تصرفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: أن يتصرف تصرفاً ضاراً به لا محالة كالطلاق والهبة والصدقة ونحوها، وفي هذه الحالة لا يصح تصرفه مطلقاً فلا يصح أن يطلق زوجه أو أن يهب غيره من ماله أو أن يتصدق بشيء منه فإن فعل وقع ذلك التصرف باطلاً فهو لا يملك التصرف فلا يملك أن يوكل فيه غيره.

الثاني: أن يتصرف تصرفاً نافعاً له كقبول الهبة والصدقة فإن فيه منفعة محققة له، وفي هذه الحالة يقع تصرفه صحيحاً مطلقاً ولو لم يأذنه وليه فهو يملك ذلك التصرف فيصح له أن يوكل فيه غيره.

الثالث: أن يتصرف تصرفاً يحتمل النفع والضر كالبيع والشراء والإجارة وفي هذه الحالة إن كان وليه قد أذنه بذلك التصرف فإنه يقع صحيحاً فيصح له أن يوكل فيه غيره وإن لم يأذنه يقع موقوتاً على إذنه فإن أجازه إلا فلا ومثله التوكل.

أما المجنون جنوناً متقطعاً بحيث يجن تارة ويفيق أخرى فإنه يصح أن يوكل في حالة صحوه بشرط أن يكون لحوه وقت معلوم حتى تعرف لإفاقته من جنونه وإلا فلا يصح له أن يوكل. وأما المعتوه وهو الغالب عليه اختلاط الأمور فإنه لا يصح توكيله.

أما الإسلام فليس شرطاً في الموكل فيجوز أن يوكل الذمي غيره كالمسلم لأن حقوقههم مضمونة من الضياع كحقوقنا وإذا وكل الذمي المسلم بتقاضي ثمن الخمر فإنه يكوه للمسلم أن يفعل وإذا وكل الذمي المسلم أن يرهن له خمراً في نظير نقود أو يرهن له عيناً في نظير خمر يأخذه فإنه يصح إذا أخبر به على أنه رسول فيقول: أرهن لفلان خمراً. أما إذا أضافه لنفسه بأن قال: ارهن لي خمراً أو أقرضني نقوداً في نظير خمر فإنه لم يكن رهناً وهل النرتد كذلك أو لا؟ خلاف فبعضهم يقول: إذا وكل المرتد شخصاً فإن ذلك التوكيل يقع موقوفاً، فإن أسلم المرتد نفذ ما صدر منه توكيله الغير وإن مات أو خرج من دار الإسلام إلى دار الإسلام إلأى دار الحرب بطل توكيله فإن لحق بدار الحرب ثم عاد إلى الإسلام فإن كان القاضي حكم بلحوقه بدار الحرب فإن التوكيل يبطل وإن لا فإنه ينفذ. وبعضهم يقول: إن للمرتد أن يوكل غيره ويقع توكيله صحيحاً نافذاً. هذا إذا كان المرتد رجلاً. أما المرأة المرتدة فإن توكيلها جائز في قولهم جميعاً لأن ردتها لا تعتبر في حكم ملكها فهي ملكها كالمسلمة في ذلك.

ص: 150

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإذا وكلت قبل ردتها ثم ارتد فغن توكيلها لا يبطل إلا إذا وكلت بتزويجها وهي مرتدة فإنه يكون باطلاً فإن زوجها حال ردتها لا يصح، أما إذا عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح. أما إذا وكلته بأن يزوجها وهي مسلمة ثم اردت ثم عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح لأن ردتها أبطلت التوكيل في ذلك.

وأما الشروط التي ترجع إلى الوكيل فهي أمران:

أحدهما: أن يكون عاقلاً فلا يصح لشخص أن يوكل مجنوناً أو صبياً لا يعقل أما البلوغ والحرية فلا يشترطان في الوكيل فيصح أن يكون الوكيل صبياً عاقلاً يدرك ما يترتب على العقود من المتافع والمضار سواء أذنه وليه ومثله العبد في ذلك.

ثانيهما: أن يعلم الوكيل بالوكالة فعلم الوكيل شرط في صحة تصرفه بلا خلاف فإذا وكل شخصاً آخر في بيع متاعه ولم يعلم الوكيل فباع المتاع قبل العلم بكل تصرفه إلا إذا أجازه الموكل وعلم الوكيل بالتوكيل يثبت بالمشافهة أو الكتابة إليه أو بإخيار رجلين أو واحد عدل أو غير عدل وصدقه الوكيل.

أما الإسلام وعدم الردة فلا يشترطان في الوكيل باتفاق وإن كان عدم الردة مختافاً فيه في الموكل فيصح للمسلم أن يوكل الذمي حتى في بيع الخمر والخنزير عند أبي حنيفة الذي يقول إن الموكل إذا كان ذمياً بلا خلاف.

وإذا وكل المسلم حربياً في دار الحرب وكان المسلم في دار الإسلام فغن التوكيل باطلاً في هذه الحالة، وكذلك العكس، وهو ما إذا وكل الحربي مسلماً وهو في دار الحرب والمسلم في دار الإسلام.

وأما الشروط التي ترجع إلى الموكل فيه فمنعها أن لا يكون من الأمور المياحة فلا يصح لشخص أن يوكل غيره في أن يحتطب له أو يسقي له الماء أو يستخرج له شيئاً من المعادن المباحة كالحديد والرصاص والجواهر ونحو ذلك فإذا حصل الوكيل على شيء من ذلك فهو له وليس للموكل منه شيء، ومثل ذلك ما إذا وكله ليشحذ له فإن التوكيل لا يصح وإذا شحذ الوكيل شيئاَ فهو له.

ومنها: أن لا يكون الموكل فيه استقراصاً (طلب قرض من الغير) فإذا وكل شخص آخر في أن يطلب من شخص أن يقرضه مالاً فقال الوكيل: أقرضني كذا كان الرقض للوكيل لا للموكل، فإذا هلك كان المسؤول عنه الوكيل، وللوكيل أن لا يعطيه للموكل، نعم إذا قال: فلان أرسلني إليك لتقرضه فأعطاه فإن القرض يكون للمرسل وهذا يسمى (رسولاً) لا وكيلاً والفرق بين الرسول والوكيل أن الوكيل يكون بألفاظ التوكيل الآتي بيانها في الصيغة بخلاف الرسول فإنه يكون بلفظ الرسالة كأن يقول

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

له: كن رسولاً عني في كذا، أو أرسلتك لتأتي بكذا، فلا بد في الرسول أن يضيف العقد إلى المرسل. بخلاف الوكيل فإن له أن ينسب لنفسه وللمرسل إلا في أمور كانكاخ والهبة وسيأتي بيانها.

ومن شورط الموكل فيه أن لا يكون حداً من الحدود التي لا تشترط فيها الدعوى كحد الزنا وحد الشرب، فإن إثباته تكفي فيه شهادته الحسبة بدون دعوى فلا يصح فيه التوكل، لا في إيفائه ولا في استيفائه، والمراد قبضه.

أما الأول فظاهر لأنه لا يصح أن يقول شخص لآخر وكلتك عني في تأدية حد الرب فتسلم طهرك للجلد ولو وقع لأنه لا يصح إلا من الجاني.

وأما الثاني: فلأن هذا الحديث بدون دعوى فلا يصح فيه التوكيل مطلقاً.

وأما الحدود التي تحتاج إلى إقامة الدعوى كحد القذف وحد السرقة في صحة التوكيل فيها خلافاً فأبو حنيفة ومحمد يقولان بأن التوكيل يصح في إثبات الحد فإذا وكب شخص آخر في حد القذف على من قذفه فإنه يصح هذا التوكيل سواء كان الموكل حاضراً أو غائباً أما في الاسيفاء فإنه يجوز التوكيل إذا كان الموكل حاضراً بأن يحضر هو ووكيله حال تنفيذ الحد، وأبو يوسف يقول: لا يصح فيه التوكيل كسابقه، إلا أنه يقول: إن الممنوع إنما هو التوكيل في إثبات الحد، أما التوكيل في إثبات المال المسروق فإنه يونفق عليه أبا حنيفة ومحمداً، ولا يخفى أن حد الزنا وحد الشرب من حقوق الله تعالى، وكذلك حد القذف وحد الشرب، ومعنى كونها من حقوق الله أن الله تعالى قرر لها عقوبة ثابتة ليس للمجني عليه فيها شأن فلا بد من تنفيذها، فالظاهر أن أبا يوسف يقول: إن التوكيل فيها لا معنى له سواء احتاجت لدعوى أو لا.

وأما حقوق العباد فإنها تنقسم إلى قسمين:

نوع لا يجوز اسيفاؤه مع وجود شبهة، ونوع يجوز استيفاؤه مع الشبهة.

مثال الأول: القصاص في القتل أو القود، وهو القصاص في إتلاف عضو أو نحوه مما هو أقل من النفس؛ وهذا النوع يصح التوكيل في إثباته عند أبى حنيفة ومحمد أيضاً، ولا يجوز في إيفائه ولا في استيفائه.

أما الأول: فظاهر، إذا لا يصح أن يوكل شخص آخر في أن يقتل نفسه بدلاً عنه ليدفع عنه حد جنايته أو يقطع عضواً منه لأن ذلك لا يصلح إلا من الجاني نفسه.

ومثال الثاني: وهو ما يجوز استيفاؤه مع الشبهة كالديوان والأعيان وسائر الحقوق غير القصاص، فإنه يصح للوكيل أن يستلمها مه وجود شبهة عفو صاحبها وتركها لمن هي عليه، فهذا النوع يصح التوكيل فيه إيفاء واستيفاء باتفاق.

ويجوز التوكيل في سائر العقود سوى ما ذكر كالبيع والشراء والإجارة والنكاح والطلاق والهبة والصدقة والخلع والصلع والإعارة والاستعارة وقبض الحقوق والخصومات وتقاضي الديون

ص: 152

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والرهن والارتهان وطلب الشفعة والرد بالغيب والقسمة والاستيهاب (أي طلب الهبة من الغير) إلا أن بعض هذه العقود لا يصح للوكيل فيها أن يسندها إلى نفسه بل من إسنادها إلى الموكل.

ومنها: النكاح فإن الوكيل لا بد أن يقول: قبلت زواج موكلي، أو زوجت فلانة موكلتي، فإذا قال: قبلت الزواج ولم يصفه، أو قال الزواج فإنه بنعقد له لا لموكله، بخلاف ما إذا كان وطيلاً في الطلاق فإنه إذا أضافه إلى نفسه أن يقول: امرأة فلان طالق. أما إذا قال: امرأتي طالق فإنها تطلق فليس الإضافة إلى نفسه أن يقول: لمراتي بل معناها أن يسند طلاق امرأة موكله إلى نفسه، ولا يشترط أن يقول: ففلان وكلني في أن أطلق امرأته.

ومنها: الهبة فإنه لا بد فيها من الإضافة إلى الموكل فإذا وكل إنسان آخر أن يهب مائة فقال: وهبت ولم يقل موكلي فإن الهبة لا تصح.

ومنها: الصلح عن دم العمد والصلح عن الإنكار فإذا ادعى شخص على آخر مائتين فأنكر المدعي عليه، ثم وكل عنه من يصالح على مائة فإنه لا بد في ذلك من الإضافة، فإذا قال المدعي على مائة صالحت وقبل وكيل المدعي عليه بأن قال: قبلت الصلح لفلان فإنه يصح. أما إذا قال: قبلت ولم يسند القبول لموكله فإنه لا يصح الصلح. وهذا بخلاف الصلح عن إقرار فإنه يصح إضافته إلى الوكيل والموكل.

ومنها: التصدق فإذا وكله أن يتصدق من ماله بكذا فإنه ينبغي أن يضيفها الوكيل إلى الموكل.

وأما الصيغة فإنها تنقسم إلى قسمين: (خاصة وعامة) :

فأما الخاصة فهي اللفظ الذي يدل على التوكل في أمر خاص كقوله: وكلتك في شراء هذا البيت مثلاً. وأما العامة فهي لفظ يدل على العموم كقوله: أنت وكيلي في كل شيء وقوله: ما صنعت من شيء فهو جائز، وجائز أمرك في كل شيء فليس لها لفظ خاص حتى لو قال: أردت أن تقوم مقامي، أو أحببت، أو رغبت فإنه يصح. وهل ينفذ تصرف الوكيل بعد ذلك في كل شيء أو يستثنى بعض الأمور؟

والجواب: أن ذلك يختلف باختلاف العبارات، فإذا قال له: أنت وكيلي في كل شيء يكون وكيلاً له في حفظ المال لا غير على الصحيح.

ومثل ذلك ما لو قال له: أنت وكيلي في كل شيء وقليل، وإذا قال له: أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك يكون وكيلاً في جميع التصرفات المالية كالبيبع، والشراء، والهبة، والصدقة.

ص: 153

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واختلف في الإعتاق، والطلاق، والوقف. فقال بعضهم: إنه لا يكون وكيلاً فيها إلا إذا دل دليل سابق في الكلام وبعضهم يقول: إنه يشملها.

وإذا قال: وكلتك في جميع أموري فقال له: طلقت امرأتك أو قفت جميع فإنه لا يجوز على الأصح.

وإذا قال له: وكلتك في جميع أموري ولأقمتك مقام نفسي لا تكون الوكالة عامة إلا إذا قال: في جميع أموري التي يجوز فيها التوكل فإنها في هذه الحالة تكون عامة تشمل البيع والشراء والأنكحة وغير ذلك.

وأما في الحالة الأولى وهي قوله: وكلتك في جميع أموري، وأقمتك مقام نفسي بدون أن يقول: في أموري التي يجوز فيها التوكيل فإنه ينظر إلى حال الموكل فإن كانت له صناعة خاصة فإنه يكون وكيلاً عنه فيها.

أما إذا لم تكن له صناعة خاصة وكانت له معاملات مختلفة فإن الوكالة تقع باطلة. والحاصل أن الوكيل وكالة عامة يملك كل شيء إلا الطلاق والعتاق والهبة والصدقة على المفتي به، وكذا لا يملك الإبراء والحط عن الديون لأنها تبرع وهو لا يملك التبرع.

وكذا لا يملك الإقراض والهبة بشرط العوض، ويملك ما وراء ذلك فيملك قبض الدين وإيفاءه والدعوى بحقوق على الموكل والأقارير على الموكل بالديون ولا يختص بمجلس القاضي لأن ذلك في الوكيل بالوكالة الخاصة.

على أن هناك صيغاً لا ينعقد بها التوكل أصلاً منها أن يقول له: لا أنهاك عن طلاق زوجتي ومنها أن يقول له: أنت وصيتي.

ومنها: أن يقول لغيره: اشتر لي جملاً بعشرة جنيهات أو جارية بخمسين جنيهاً، فذلك لا يكون توكيلاً وإنما يكون مشورة. أما قال له: اشتر لي جملاً بعشرة جنيهات ولك على شرائك درهم فإنه يكون وكيلاً.

ومنها: أن يقول شخص لآخر مديون له اشتر بمالي عليك جملاً أو عبداً فإنه لا يصح التوكيل، وأما إذا قال له: اشتر لي جمل فلان أو هذه الجارية فإنه يصح.

ومنها: أن يقول لمديونه أسلم مالي عليك في قمح أو سمن مثلاً (يعني استلمه في السلم) فإنه لا يصح التوكيل.

أما إذا عين الشخص الذي يتعاقد معه عقد السلم بأن يقول: أسلم مالي عليك إلى فلان في كذا فإنه يصح.

أما الصيغ الخاصة فإن منهم بأن يقول شخص لآخر: إذا لم تبع جملي هذا تكون امرأتي طالقاً فإذا قال له ذلك وكله في بيع الجمل.

ص: 154

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومنها: أن يقول: سلطتك على بناء هذه الدار مثلاً بمنزلة قوله: وكلتك.

ومنها: أن يقول: فوضت إليك دوابي أو أمر مماليكي وبذلك يملك حفظها ورعيها وعلفها والإنفاق عليها.

ومنها: أن يقول: فوضت إليك امرأتي وبذلك يملك طلاقها في المجلس فقط، أما إذا قال له: ملكتك أمر امرأتي فإنه يملك طلاقها في المجلس وغيره.

الماكية - قالوا: الشروط المتعلقة بالوكيل ثلاثة:

الأول: الحرية فلا تصح بين رقيق وحر ولا بين رقيقين، إلا إذا كان الرقيق مأذوناً له بالتجارة من سيده فإنه حينئذ يكون في حكم الحر.

الثاني: الرشد فلا تصح بين سفيهين ولا بين سفيه ورشيد. على أن هذا الشرط لهم فيه اختلاف فبعضهم يقول: يجوز في بعض الأمور، ولكن ظاهر المذهب يقتضي أن المحجور عليه لا يصح أن يوكل أحداً عنه في الخصومة في تخليص ماله وطلب حقوقه. ويجوز للغير أن يوكله عن نفسه إلا إذا كانت امرأة محجوراً عليها فإن لها أن توكل عنها غيرها فيما يتعلق بأمر عصمتها بل ليس لوليها قيام في ذلك إلا بتوكيل منها.

والحاصل: أن في ذلك طريقين أحدهما: أنه لا يجوز توكيله ولا توكيله مطلقاً وعلى ذلك الشرط الرشد. ثانيهما: أنه يجوز أن يتوكل عن غيره ولا يوكل هو عنه. أما المرأة الذي يضارها زوجها فلا خلاف في صحة توكيل الغير عنها.

الثالث: البلوغ ولا يصح بين صبيين ولا بين صبي وبالغ أما إذا كانت صغيرة متزوجة وأرادت أن تخاصم زوجها أو وليها فإن توكيلها يكون مقبولاً بل لازماً كما عرفت.

فهذه الشروط هي التي تلزم الوكيل والموكل.

أما الإسلام فإنه ليس شرطاً في الموكل بلا نزاع فيجوز للذمي أن يوكل المسلم عنه ويقع توكيله صحيحاً. ولكن هل يصح للمسلم أن يوكل الذمي عنه؟.

والجواب: أنه لا يصح وإنما لم يذكر هذا الشرط في الشروط لأن الذمي أهل للتوكيل والتوكل ما دام حراً بالغاً رشيداً. ولكن المانع من جملة وكيلاً عن المسلم أمر عارض وهو ما عساه أنه يتصرف تصرفاً لا تقره الشريعة.

ولهذا قالوا في الشركة: إنه لا يصح للمسلم أن يشارك الذمي إذا كان بيع الذمي وشراؤه بحضرة المسلم خوفاً من أنه إذا انفرد بذلك يدخل في معاملته ربا أو يشتري خمراً أو خنزيراً وذلك لا تقره الشريعة فإذا تأكد من أنه يتعامل بما تحرمه الشريعة وجب عليه أن يتصدق بالربح الذي

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أصابه من شركته فغن شك يستحب له التصدق. أما إذا تأكد من حسن معاملته ومطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه لا شيء عليه.

ومثل الذمي في ذلك المسلم الذي لا يحافظ على دينه فالمانع من توكيل الذمي هو الخوف من تصرفاً لا يطابق الشريعة الإسلامية وواجب على المسلم أن يحتفظ بدينه فلا يصح له أن يبيح لغيره التصرف باسمه فيما لا يقره الدين ولهذا اعتبر المسلم الذي لا يحافظ على دينه كالذمي.

وأما الشروط المتعلقة بالموكل فيه فإنها ترجع إلى شيء واحد وهو أن يكون من الأمور التي تقبل شرعاً ولا تتعين فيه شراء ولا تتعين فيه مباشرة له بنفسه فيجوز لشخص أن يوكل عنه غيره في عقد بيع وشراء وإجارة، ونكاح وصلح ومضاربة ومساقاة عقد يجوز فسخه كما في المزارعة قبل رمي البذر فإنه يصح لأحد العاقدين فسخه يصح له أن يوكل غيره في الفسخ.

ومثل ذلك البيع الفاسد كما إذا باع صبي مميز شيئاً فللولي أن يوكل من يفسخه ومن ذلك الطلاق حل لقيد النكاح فيجوز لشخص أن يوكل غيره في طلاق زوجه وفي الخلع كما يجوز له أن يوكل شخصاً في إقالة من اشترى منه شيئاً. وكذا له أن يوكل في قضاء دين عليه وقبض حق له على الغير. وكذا يجوز له أن يوكل - في حد أو قصاص أو تأديب - فللزوج أن يوكل عنه أباه مثلاً في تأديب زوجه إذا تركت الصلاة لأن للزوج عن حق عقوبة زوجه إذا تركت الصلاة فله أن يوكل غيره في ذلك.

ولولي الدم أن يوكل عنه على القتل وللشخص أن يوكل عنه في استيفاء الحدود والعقوبات.

وكذا له أن يوكل في الحوالة كأن يكون مديناً لشخص بكذا وله دين عند آخر فله أن يوكل شخصاً في أن يحيل الدائن الذي يطالبه بدينه على المدين الذي له دين. وكذا يصح التوكيل على أن يبرئ شخصاً من حق له عليه حتى ولو كان الحق مجهولاً عند الجميع لأن الإبراء من الحقوق لا يتوقف على علمها.

وليس له أن يوكل غيره في العبادات إلا في المالية منها كأداء الزكاة فإنه يصح التوكيل في أدائها وقد اختلف في الحج فقيل ويصح فيه التوكيل وقيل لا يصح كما تقدم.

وهل يصح لصاحب الوظيفة الدينية أن ينيب عنه كالمؤذنين والإمام والقارئ في مكان خاص؟

والجواب: انه يجوز التوكيل فيها حيث لم يشترط الواقف عدم النيابة فيها.

أما إذا لم يشترط عدم النيابة فيها فإن الأجرة تسقط ولا يستحقها ولا النائب.

أما إذا لم يشترط عدم النيابة فالأجرة تكون للأصل وهما على ما تراضيا عليه معاً كانت النيابة لضرورة أو لغير ضرورة. ويلتحق بالعبادات الشهادة والإيمان فليس له أن يوكل عنه من يؤدي الشهادة بدله ولا يحلف اليمين عنه. ومثل ذلك الإيلاء واللعان فإنه لا يصح له أن يوكل عنه من يولي من امرأته بأن يحلف أن لا يقربها مدة معلومة أو من يلاعن عنه مع امرأته التي يتهمها بالزنا كما هو مبين في محله لأن اللعان شهادات مؤكدة باليمين وذلك لا تصح فيه الوكالة.

ص: 156

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولا تصح الوكالة في المعاصي كالسرقة والظهار كأن يقول له: وكلتك في أن تظاهر من امراتي فإن الظهار منكر من القول وزور فإذا قال زوجة موكلي عليه أمه لا يصح الظهار.

وبعضهم يقول: إن هذا كالطلاق إذ لا فرق بين ذلك وبين امرأته موكلي طالق فإن كلاً منهما إنشاء كالبيع والنكاح فيصح التوكيل فيهما. وهل التوكل في طلاق محرم كما إذا قال له: وكلتك في طلاق زوجي وهي حائض مثل الظهار فلو طلقها الوكيل لا يقع به الطلاق أو لا؟ خلاف فبعضهم يقول: إنه لا يقع لأنه توكيل على معصية.

وبعضهم يقول: إنه يقع الطلاق في نفسه ليس بمعصبة وإنما حرمته عارضة بسبب الحيض وهذا الخلاف فيما إذا وكله في أن يطلقها حال الحيض. أما إذا وكله في أن يطلقها مطلقاً فطلقها الوكيل حال الحيض فغن طلاقه يقع على الموكل اتفاقاً لأن أصل التوكيل لم يكن على معصية. وحاصل ما تقدم أن الأفعال التي كلف الشارع بها الناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما كان لمصلحة تتعلق بخصوص الفاعل بحيث لو باشر الفعل غيره فأتت المصلحة التي شرع من أجلها فهذا تمنع النيابة قطعاً وذلك كالإيمان بالله تعالى فإن الغرض من التصديق بالإله العبودية له وإجلاله وتعظيمه وذلك أمر خاص بالشخص نفسه ومصلحته ترجع إليه بخصوصه فلا يصح أن ينيب فيه غيره.

ومثل ذلك الصلاة والصيام فإنهما ما شرعا إلا لتعظيم الله وإجلاله وإظهار العبودية له تعالى وذلك لا يكون إلا من الشخص نفسه فلا يصح أن ينيب غيره فيه.

وكذا حلف اليمين فإنه ما شرع إلا للدلالة على صدق المدعي وذلك لا يحصل بحلف غيره فلا تصلح النيابة. وكذا النكاح بمعنى الوطء فإن الغرض منه إعفاف النفس عن الفاحشة والمحافظة على الأنساب وذلك لا يحصل بفعل الغير فلا يصح له أن ينيب غيره فيه بخلاف النكاح بمعنى العقد فغن الغرض منه تحقيق سبب إباحة الزوج وهذا السبب بتحقيق مباشرة الشخص بنفسه وبمباشرة وكيله بدون أن تفرت مصلحته الخاصة.

القسم الثاني: ما كانت المصلحة تتعلق بتحقيق الفعل بقطع النظر عن الأشخاص وذلك كرد المغضوب والعارية وقضاء الديون وتفريق الزكاة وإيصال الحقوق لأهلها فإن الشارع طلب من المكلف فعل هذه الأشياء لما فيها من المنافع فمتى وجد الفعل فقد تحققت المصلحة سواء كانت لفعل المكلف أو بفعل وكيله حتى ولو لم يشعر المكلف بفعلها.

القسم الثالث: ماكان مشروعاً لمصلحة تتردد بين الفعل من جهة وبين الفاعل من جهة كالحج فإنه شرع لأمرين:

أحدهما تعظيم الله تعالى وإجلاله والخضوع له وهذه المصلحة متعلقة بالفاعل لا تحصل من سواه.

ص: 157

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثانيهما: إنفاق المال الذي ينتفع به الناس ومصلحة الاتفاق تحقق بحصوله من أي شخص فمن نظر إلى الحالة الأولى ملحقاً بالقسم الأول فقال: إن الحج لا تصح فيه الإنابة وبذلك قال مالك: فمن حج عن شخص لا ينفعه في إسقاط الفريضة وإنما له ثواب الإنفاق والدعاء، وقد قطع النظر عن الإنفاق لأنه أمر عارض بدليل أن المكي يحج بلا مال.

وأما من نظر إلى المعنى الثاني وهو الإنفاق - كالإمام الشافعي - فإنه يقول بجواز الحج عن الغير وذلك لأن القربة المالية لا تنفك غالباً عن السفر فلا ينظر إلى المكي الذي يحج بلا نفقه لأن ذلك نادر.

وأما الصيغة فلها اعتبارات ثلاثة وذلك لأنه إما أن ينظر إليها بالنسبة إلى جانب الموكل. أو بانسبة إلى جانب الوكيل. أو بالنسبة إلى جانب الموكل فيه. فإن نظر إليها بالنسبة للموكل فإنه يشترط لها أن تدل على معنى الوكالة عرفاً أو لغة أو عادة فإذا خالفت اللغة العرف يعمل بالعرف ولا ينظر للغة.

ولا يشترط لها أن تكون بلفظ مخصوص فإذا قال له: وكلتك أو أنت وكيل عني فإنه يصح. وكذا إذا قال له: تصرف عني بالفظ تصح بإشارة الأخرس أو الممنوع عن الكلام بسبب من الأسباب. ومثل انعقاد باعادة أن يكون لأخوين دار مملوكة لهما وقد جرت أحدهما أن يؤجرها ويقبض أجرتها فإنه يعتبر وكيلاً عن أخيه ويصدق في دعواه أنه أعطاه من الأجرة ما لم يثبت أنه متعدّ.

أما إن نظر إلى الصيغة بالنسبة للوكيل فإنه يشترط أن يقترن بها من جانب الوكيل ما يدل على قبول التوكيل. وهل قبول الوكيل يجب أن يكون فوراً، أو يصح مع التراخي؟ خلاف. والتحقيق أنه ينظر في ذلك العرف والعادة فإن كانت الصيغة الصادرة من الموكل تستدعي الجواب فوراً في العرف فإنه يجب أن يكون قبول الوكيل فوراً وإلا فلا.

وأما إذا نظر إلى الصيغة بالنسبة للموكل فيه يجب أن يكون معلوماً سواء كانت الوكالة متعلقة بأمر عام كما إذا فوض له التصرف. أو كانت متعلقة بشيء خاص كما إذا وكله في بيع سلعة خاصة أو طلب حق خاص ونحو ذلك.

أما طريق علم الموكل فيه فإنه يكون بلفظ يدل عليه أو لغة وقد عرفت أن العرف مقدم على اللغة إذا خالفها ويقوم مقام اللفظ إشارة الأخرس أو غير القادر بأي سبب فإذا قال له: أنت وكيلي أو كلتك ولم يبين الشيء الذي وكله فيه ولا قرينة تدل عليه ولا عرف بين الناس فيه فإنه لا يكفي في صحة الوكالة وإن كان لفظ وكلتك يدل على الوكالة لغة لأنه اعتبار للغة ما لم يؤيدها العرف فلا بد من بيان الموكل فيه بصيغة عامة أو خاصة.

مثال الأولى: أن يقول له: وكلتك وكالة مفوضة أو وكلتك في جميع أموري أو أقمتك مقامي في أموري أو نحو ذلك مما يدل على التوكيل العام.

ومثال الثانية: أن يقول له: وكلتك في شراء هذه الدار أو المطالبة لي بحقي الذي عند فلان أو

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نحو ذلك.

ويترتب على الوكالة العامة نفاذ تصرف الوكيل في كل ما لا يضر بالمال للموكل أن يرد تصرفه أو يضمنه (يلزمه) شيئاً أما ما يضر بالمال لا ينفذ فليس للوكيل أن يتصدق من مال موكله ولا يهبه ولا يفعله ما ينقصه. إلا إذا قال له: وكلتك وكالة مفوضة وكل ما يصدرعنك ينفذ ولو كان ضاراً فإن تصرف الوكيل في هذه الحالة ينفذ فيه ضرر بالمال وإن كان يحرم عليه أن يفعل ما يضر بموكله ولو أذنه لأنه أمينة والأمين يجب عليه ألا يضر بمن ائتمنه على أي حال غير أنه لا ينفذ تصرفه إذا كان فيه سفه ويبذير. أما إذا تصرف بمعصية فإن الوكالة تكون من أصلها لما عرفت من انها لا تصح في المعاصي.

ويستثني من الوكالة العامة أمور:

أحدها: طلاق زوجة الموكل فإنه لا يدخل في التوكيل حتى ولو قال له: كل تصرفك نافذ ولو فيه ضرر وذلك لأن طلاق الزوجة لا بد له عرفاً من توكيل خاص بأن يقول له: وكلتك على طلاق زوجتي فلانة أو يشير إليها لأن يقول: وكلتك على طلاق هذه.

ثانيها: تزويج البنت فليس للوكيل أن يزوج بنت موكله إلا بتوكيل خاص بأن يقول وكلتك على زواج بنتي فلانة أو هذه مشيراً إليها.

ثالثها: بيع داره التي يسكنها. فلا بد له من توكيل خاص أيضاً بأن يقول: وكلتك على بيع داري الفلانية أو هذه الدار.

رابعها: بيع عبده القائم بأمور فإنه لا يدخل في الوكالة العامة. فهذه الأمور الأربعة لا تدخل في الوكالة العامة بل لا بد فيها من التوكيل الخاص.

الشافعية - قالوا: يشترط في الموكل أن يكون أهلاً لمباشرة الشيء الذي يزيد أن يوكل فيه غيره بحيث يصح له أن يتصرف فيه بنفسه وبذلك يخرج الصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران المتعدي بسكره والفاسق في تزويج من له عليها الولاية لأن الفسق يسلب الولاية والمعتوه والمجور عليه لسفه في مال ونحوه. والمرأة في عقد نكاح فإنها غير أهل لمباشرته بنفسها بدون ولي فلا يصح أن تنوب عن غيرها فيه ومثلها المحرم في ذلك فإنه ليس له أن يباشر عقد النكاح بنفسه مادام محلاماً فلا يصح للغير أن يوكله فيه.

وضابط ذلك أن كل ما جاز للإنسان أن يتصرف بنفسه في شيء جاز له أن يوكل فيه غيره. وكل ما لا يجوز أن يتصرف الإنسان في شيء بنفسه بدون وليه فإنه لا يجوز له أن يوكل فيه غيره ولكن هذا الضابط مبني على الغالب لأنه يستثني من الشق الأول منه مسائل: منها ما إذا ظفر شخص بحق له في دار مغلقة ولا يمكنه الوصول إليه إلا بكسر الباب أو نقب الجدار فإن له أن يباشر ذلك بنفسه وليس له أن يوكل عنه غيره ولو عجز عن العمل ما لم يكن من ذوي الهيئات ولا يليق بحاله أن يباشر ذلك العمل بنفسه فإنه في هذه الحالة يصح أن يوكل غيره فهذا الرجل يجوز له التصرف بنفسه ولا يجوز له أن يوكل غيره.

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومنها: السفيه المجور عليه إذا أذنه بالنكاح فإن له أن يباشر بنفسه وليس له أن يوكل عنه غيره.

ومنها: الوكيل القادر على القيام بالعمل فيما وكل فيه فإن له أن يباشر العمل وليس بوكل عنه غيره إلا إذا كان غير لا ئق به.

وكذلك يستثنى من الشق الثاني مسائل: منها الأعمى فإنه لا يجوز له أن يتصرف في بعض الأعيان التي يتوقف التصرفات فيها على الرؤية ولكنه يجوز له أن يوكل فيها غيره فهذا لا يجوز له التصرف بنفسه ومع ذلك فإنه يجوز له أن يوكل فيه غيره.

ومنها: المحرم بحج أو عمرة فإنه لا يصح له أن يباشر عقد النكاح بنفسه كما تقدم ولكن يصح له أن يوكل عنه غيره ليعقد له عقد النكاح بعد التحلل من الإحرام وسواء نص في التوكل على أن العقد يكون بعد التحلل أو أطلق ولم ينص فإنه يحمل على أن يكون العقد بعد التحلل نعم يجوز لغير المحرم أن يوكل عنه شخصاً يباشر له عقد النكاح لأن المحرم في هذه الحالة يكون سفيراً لا يباشر عقداً.

وكما أن الموكل يشترط فيه أن يكون أهلاً للتصرف في الشيء الذي يريد أن يوكل فيه غيره كذلك يشترط في الوكيل أن يكون أهلاً للتصرف فيما يريد أن يوكل فيه غيره. فكل ما جاز للإنسان أن يتصرف في شيء بنفسه جاز له أن يتوكل فيه غيره. وكل ما لا يجوز له أن يتصرف فيه بنفسه لا يجوز له أن يتوكل فيه عن غيره.

وهذا الضابط أيضاً مبني على الغالب تستثني من الشق منه مسائل:

منها: المرأة فإن لها أنتتوكل في طلاق غيرها. وليس لها أن تباشر طلافها بنفسها فهي لا يجوز لها التصرف في هذه المسألة مع أنه يجوز لها أن تتوكل.

ومنها: السفيه المحجور عليه والعبد فغن لهما أن يتوكلا في قبول النكاح بدون إذن السيد. أما في إيجاب النكاح فإنه لا يجوز منهما مع أنه لا يصح لهما أن يتصرفا في قبول النكاح لأنفسهما بدون إذن الولي والسيد.

ومنها الصبي المأمون الذي لم يجرب عليه الكذب مرة واحدة فإنه يجوز توكيله في إيصال الهدية والإذن في دخول الدار. وتفرقة الزكاة وذبح الأضحية. ومع ذلك فهو ممنوع من التصرف.

فهذه شروط الوكيل والموكل. ويزاد عليها في الوكيل معنياً فلو قال لاثنين: وكلت أحدكما في بيع كذا لم يصح. وأما الموكل فيه فإنه يشترط فيه أمور:

أحدها: ان يكون معلوماً ولو بوجه ما فإذا كان مجهولاً جهالة تامة فغن التوكيل لا يصح، فمثال المجهول أن يقول له: وكلتك في جميع أموري أو في كثير وقليل فهذا التوكيل لا يصح لما في الجهالة من الغرر المفضي للنزاع.

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومثال المعلوم من بعض الوجوه أن يقول له: وكلتك في بيع أموالي أو دوابي أو نحو ذلك ولو لم تكن أمواله معلومة من جميع الوجوه لأنه يكتفي بتميزها عن غيرها من العقود الأخرى.

ثانيها: أن يكون قابلاً لنيابة والشيء الذي يقبل النيابة هو إبرام العقود وفسخها فله أن يوكل عنه في البيع والهبة والضمان والوصية والحوالة وغيرها من العقود. وصورة التوكيل في الضمان أن يقول: جعلت موكلي ضامناً لك كذا وفي الوصية أن يقول جعلت موصباً لك بكذا. وصورة التوكيل في الحوالة أن يقول الوكيل: أحلتك بمالك على موكلي من دين بنظيره مما له على فلان. وكذا فسخ العقود فله أن يوكل في إقالة شخص من شراء سلعة أو في رد سلعة اشتراها لظهور عيب فيها. أو في فسخ عقد له حق فسخه بخيار المجلس أو بشرط من الشروط. وكذلك له أن يوكل غيره في قبض دين أو عين أو يوكله في أن يعطي غيره ديناً عليه.

أما إذا كان عليه عين (كالقمح أو الدواب) فإنه لا يصح أن يوكل غيره في تسليمها بل لا بد من أن يسلمها بنفسه على المعتمد. وكذا يصح له أن يوكل غيره في خصومة من دعوى وفي جواب عن دعوى سواء أرضي الخصم أم لا.

وكذا له أن يوكل في تملك أمر مباح كاصطياد السمك أو الطير. وله أيضاً أن يوكل في استيفاء العقوبة وتوقيعها على الجاني فيجوز التوكيل في حضور توقيع في الحدود ولكن لا يصح التوكيل في إيفائها بمعنى أنه يوكله في أن يتحمل عنه العقوبة، فإن ذلك لاقبل النيابة (راجع مذهب الحنفية) .

ولا يصح التوكيل في العبادات البدنية التي لا بد لها أو لمتعلقها من نية كالصلاة والإمامة فإن الإمامة وإن كانت لا تحتاج إلى نية ولكنها تتعلق بالصلاة والصلاة لا بد من نية ويلحق بهذا اليمين والإيلاء والظهار والشهادة والنذر فإن كل هذا لا يقبل النيابة.

أما العبادات التي تتركب من بدنية ومالية فإنه يصح فيها التوكيل كالحج والعمرة وتجهيز الميت وبنذر في الحج توابعه كركعتي الطواف فإنها وإن كانت صلاة لا تنفع فيها النيابة ولكن تقبل النيابة في هذه الحالة تبعاً.

ومجمل القول أن العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام لا تقبل النيابة والعبادات المالية المحضة أو المركبة من بدنية ومالية فإنها تقبل الإنابة.

ثالثها: أن يكون الموكل فيه مملوكاً فإذا وكله في طلاق امرأة سيزوجها كانت الوكالة باطلة.

أما الصيغة فإنها لفظ يدل على التوكيل من أحدهما (الوكيل أو الموكل) وعدم رد من الآخر فإذا قال الموكل: وكلتك في كذا أو فوضت إليك كذا سواء كان مشافهة أو كتابة أو مراسلة فإنه يصح.

ولا يشترط أن يقول الوكيل: قبلت بل الشرط ألا يرفض التوكيل، وكذلك لا يشترط عمله بالتوكيل فإذا

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكل شخص أخاه في أن يتصرف في شيء قبل أن بعلم بالتوكيل نفذ تصرفه ولا يشترط الفور فلو علم بالتوكيل ولم يشترط العمل فوراً أو لم يرده فوراً فإنه لا يضر على انه يشترط اللفظ من الجانبين في صورتين:

إحداهما: إذا كان لشخص عين مملوكة، ولكنها في يد غيره بإجارة أو إعارة أو نحو ذلك ثم وهبها لشخص آخر فوكل الموهوب له واضع اليد بقبضها فإن ابتوكيل في هذه الحالة لا يصح إلا إذا قبله واضع اليد لفظاً حتى تزول عنه يده، ولا يكتفي بإمساك الأرض، لأن معنى ذلك استدامة إجارتها أو إعارتها.

ثانيهما: الوكالة بجعل، فإذا وكل شخص آخر بأن يشتري له أرضاً معلومة وله على ذلك كذا فإنه لا بد في ذلك من القبول لفظاً لأن في هذه

الحالة تكون إجارة وشروطها أن يكون العمل الذي يقوم به الوكيل مضبوطاً.

الحنابلة - قالوا: يشترط في الموكل أن يكون أهلاً للتصرف في الشيء الذي يريد أن يوكل فيه، لأن من لا يصح أن يتصرف بنفسه فلا يصح أن يتصرف لنائبه بطريق الأولى إلا في أحوال ضرورية

منها: أن يكون الموكل أعمى فإنه ممنوع من التصرف فيما يحتاج لرؤية كعقد البيع وافجارة، ولكنه يجوز أن يوكل غيره عنه في ذلك لأن منعه عن التصرف لعجزه عن العلم بالمبيع لا لنقص فيه.

ومثل الأعمى الغائب فإن له أن يوكل غيره في عقد البيع أو الإجارة وإن كان ممنوعاً من التصرف لعدم الرؤية، فخرج بذلك الصبي والسفيه والمجنون ونحوهم كما تقدم في البيع على أنه يصح توكيل الصبي المميز بإذن وليه في كل تصرف لا يشترط فيه اليلوغ، فلا يصح توكيله في نحو إيجاب النكاح، ولكن يصح توكيله في قبوله. أما الطلاق فإنه يصح توكيله بدون إذن وليه إذا عقله.

وكذلك يشترط في الوكيل أن يكون أهلاً للتصرف فيما يوكل فيه فلا يصح له أن يوكل في شيء ممنوع من التصرف بنفسه إلا في أمور:

أحدها: أن يتوكل الحر الغني القادر على النككاح في زواج أمه لمن يتاح له فإنه ممنوع من تزويجها ولكنه يباح ل له أن يتوكل في تزويجها لغيره.

ثانيها: أن يتوكل الغني عن فقير في قبض الزكاة، فإنه ممنوع عن أخذ الزكاة لنفسه، ولكنه يصح توكيله عن غيره، ومثل ذلك الزكاة والكفارة والنذر.

ثالثها: أن يتوكل في قبول زواج أخته أو عمته لأجنبي فإنه ممنوع من زواجها لنفسه مع جواز توكيله في قبول زواجها لغيره.

ومنها: توكيل المرأة في طلاق نفسها أو طلاق غيرها فإنه صحيح، مع أن المرأة لا تتصرف في الطلاق من غير توكيل. فهذه الصور جارية على الغالب.

وأما الموكل فيه فهو كل ما فيه حق الآدمي من العقود فيصح في البيع والشراء والإجارة

ص: 162