الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مباحث الضمان
تعريفه
-الضمان في اللغة التزام في ذمة الغير وهو مشتق من الضمن لأن الذمة من ضمن البدنفي معناه الكفالة يقال كفل فلان بمعنى فلاناً ضمه إليه ومنه قوله تعالى: {وكفلها زكريا} أي ضمها إلى نفسه ليعولها ويقوم بترتيبها. وهي مصدر كفل بفتح الفاء وضمها وكسرها يقال كفل كفلاً وكفولاً ويتعدى بالباء يقال كفلت بالرجل وقد يتعدى بعن إذا تعلق بالمديون فيقال كفلت عن المديون ويتعدى باللام إذا تعلق بالدائن فيقال كفلت للدائن. أما معناه اصطلاحاً ففيه تفصيل المذاهب (1) .
(1) (الحنفية - قالوا: في تعريق الكفالة رأيان:
أحدهما: أنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بنفس أو دين أو عين فالأقسام ثلاثة كفالة بالنفس وكفالة بالدين وكفالة بالعين.
ثانيهما: أنها ضم ذمة إلى ذمة في أصل الدين. ولكن التعريف الأول أصح من الثاني وذلك لأنه عام يشمل أقسام الثلاثة. أما الأول فإنه مقصور على الكفالة في الدين وبيان ذلك أنه إذا كان لشخص عند آخر دين فغن له أن يطالبه بكفيل موقوق به عنده ليضمه إلى المديون الأصلي وهنا اختلفت آراء علماء الحنفية فمنهم من يقول: إن ضم الكفيل إلى أصيل يجعل لصاحب الدين الحق في مطالبته بالدين من غير أن تشتغل ذمته بذلك الدين لأن الدين مشغولة به ذمة الأصيل فقط.
وصاحب هذا الرأي يستدل عليه بأنا إذا قلنا إن ضم ذمة الكفيل إلى الأصيل يتلاتب علها شغل ذمة الكفيل لا يكون جامعاً لكا أقسام الكفالة فإن الضمان بالنفس ليس فيه شغل لذمة الكفيل بلا خلاف لصاحب الدين إلا أن يطالبه بإحضار الشخص المديون بذاته. ومثل الكفالة بالأعيان وهي ثلاثة أقسام:
الأول المضمونة بنفسها.
الثاني: العيان المضمونة بغيرها.
الثالث: العيان غير المضمونة.
فأما الأعيان المضمونة بنفسها فهي التي يجب على من أخذها أن يردها بعيمها إن كانت موجودة فإن هلكت كان عليه أن ياتي بمثلها إن كان لها مثل وإلا فعليه وذلك قيمتها كالمغصوب والمبيع بيعاً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فاسداً فإذا غصب شخص من آخر بقرة مثلاً فإنه يجب على الغاصب أن يرد البقرة ما دامت موجودة فإذا ماتت وجب عليه أن يشتري مثلها لصاحبها.
وإذا اغتصب جوهرة ليس لها مثيل وفقدت عليه أن يدفع لصاحبها قيمتها متى ثبت ضياعها بينه أو إقرار. وكذلك إذا اشترى سلعة بعقد فاسد كما ستعرفه موضحاً في مبحث شروط الكفالة.
أما العيان المضمونة بغيرها فهي الأعيان التي يجب تسليمها ما دامت موجودة فإذا هلكت لا يجب تسليم مثلها ولا قيمتها فإنه مضمون بغيره وهو الثمن فإذا اشترى سلعة وأعطاه ثمنها ولم يقبضها وكفلها للمشتري فغن الكفيل لا يلزم برد مثلها ولا قيمتها ومثل ذلك الرهن فإنه مضمون بغيره وهو الدين فإذا كان لشخص عند آخر دين وأعطاه سلعة رهناً عن ذلك الدين ثم كفل السلعة آخر وهلكت السلعة لا يلزم الكفيل بثمنها ولا قيمتها فالأعيان المضمونة بنفسها والمضمونة بغيرها تصح كفالتها ولكن ذمة الكفيل لا تشغل بها اتفاقاً فليس لصاحبها إلا أن يطالب الكفيل بإحضارها في حال وجودها ويدفع قيمتها أو رد مثلها في الأعيان المضمونة بنفسها ولا يطالب بشيء عند هلاك العيان المضمونة بغيرها فمن أجل ذلك قلنا إن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة ليشغل التعريف أقسام الكفالة الثلاثة.
أما الأعيان غير المضمونة لا بنفسها ولا بغيرها فإنها لا يجب تسليمها ولا تصح كفالتها وهي الأمانات كالوديعة، ومال المضاربة والشركة ونحوها. وقد اعترض على التعريف الثاني وهو ضم ذمة إلى ذمة في الدين أن هذا التعريف يستلزم تعدد الدين ومضاعفته فإذا كان لشخص دين عند آخر قدره ألف ثم كفله فيه غيره وشغلت ذمة الكفيل به في ذمة كل منها ألف ولكن هذا الاعتراض ليس بشيء لأن الدين وإن شغلت به ذمة الكفيل إلا أنه ليس لصاحبه أن يأخذ دينه إلا من أحدها فقط ومتى دفعه أحدهما فقد برأت ذمة الآخر منه فلا يلزم من شغل الذمتين به أن يأخذه من اثنين ونظير هذه الغصب من الغاصب فإذا اغتصب زيد سلعة من عمرو واغتصب خالد تلك السلعة من زيد الغاصب فإن كلاً من زيد الغاصب الأول وخالد الغاصب الثاني منه يكون ضامناً لتلك السلعة لا يتعدد حقه بذلك فليس إلا أن يستوفي حقه من أحدهما إلا أنه في مسألة الغاصب تبرأ ذمة أحدهما إذا اختار صاحب السلعة الثاني وضمنه سلعته بخلاف الكفالة في الدين فإنه لا تبرأ الذمة اختيار واحد منهما ليضمن له دينه بل لا تبرأ إلا بالقبض فعلاً.
فوجهة نظر من يقول إن الكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة فقط هي جعل التعريف عاماً يشمل الأقسام الثلاثة.
أما من قال: إنها ضم في نفس الدين مع المطالبة أيضاً فقد استدل بأدلة منها.
أن صاحب الدين إذا وهبه للكفيل الحق في ان يرجع به على الأصيل فلو لم تكن ذمة الكفيل مشغولة بالدين لما صح أن يهبه له الدائن لأن الدين لا تصح هبته لمن ليس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عليه الدين إلا إذا أمره بقبضه كما يأتي في الهبة فدل ذلك على أن ذمة الكفيل مشغولة بالدين. وأيضا، فإن صاحب الدين إذا اشترى من الكفيل سلعة بدينه فإنه يصح مع شراء بالدين لا يصح إلا ممن عليه الدين، وأيضاً فإن الكفيل إذا مات يؤخذ الدين من تركته ولو ذمته غير مشغولة بالدين فإن المطالبة تسقط عنه بموته.
وهذه المسائل متفق عليها فكيف تقولون إنها ضم في المطالبة فقط؟
والجواب عن ذلك أن من قال إن الكفالة هي الضم في المطالبة لا ينفي أنها قد تكون ضماً في أصل الدين تعريفها بذلك لأنه لا يشمل أقسامها الثلاثة التي ذكرناها وذلك لأن الذي يتصور فيه ضم إلى ذمة إلى ذمة في أصل الدين هو الكفالة في الدين فقط. أما القسمان الآخران فأنه لا يتصور فيهما ذلك اتفاقاً ولا يقال إن من عرفها بأنها ضم ذمة إلى ذمة في نفس لاحظ تعريف قسم واحد فغن ذلك لا يمنع كون التعريف ناقصاً وأن الأصح بما يشمل الأقسام الثلاثة. وعلى هذا يكون الخلاف في التعريف لا ثمرة له.
أما كون ثمرته في اليمين لأن حلف ألا يحنث على القول بأن ذمته مشغولة بالدين ولا يحنث على أن ذمته مشغولة بالمطالبة فهذا مما لا معنى له.
هذا والمراد بالذمة العهد المتعلق بالإنسان فقولهم في ذمته كذا أي في نفسه باعتبار عهدها المتعلق بها فقولهم ضم ذمة إلى ذمة معناه ضم شخص إلى شخص إلى شخص في التعهد بالحق. وبعضهم يقول: إنها وصف شرعي تتحقق به الهلية لوجوب ماله وعليه والأول أو ضح، والكالقة والضمان بمعنى واحد عند الحنفية.
(وبعد) فإن الكفالة لا تصح إلا إذا أمر بها المدين كما سيأتي وإذا كانت الكفالة بالأمر فإنها توجب دينين وثلاث مطالبات.
المالكية - قالوا: الضمان والكفالة والحمالة بمعنى واحد وهو أن يشغل صاحب الحق ذمة الضضامن مع ذمة المضمون سواء كان شغل الذمة متوقفاً على شيء أو لم يكن متوفقاً.
وبيان ذلك أن الضمان عندهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ضمان المال فإذا ضمن شخص آخر في مال فغن ذمته تشغل بذلك المال كما شغلت به ذمة الأصيل بدون أن يتوقف على أمر آخر.
القسم الثاني: ضمان الوجه وهو التزام الاتيان بالغريم الذي الدين عند الحاجة فهذا الضمان لم يصح في غير المال، ولا تشغل ذمة الضامن بالمال إلا إذا لم يحضر المديون أما إذا أحضره فلا يلزم بالدين. فهذا القسم يتوقف فيه شغل الذمة بالحق على عدم إحضار المضمون.
القسم الثالث: ضمان الطلب وهو أن يلتزم الضامن طلب الغريم والتفتيش عليه. وهذا القسم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يصح فيه ضمان غير المال ولا تشغيل ذمة الضامن بالمال إلا إذا ثبت تفريطه في الإتيان بالمضمون أو في الدلالة علم موضعه وتركه فشغل الضامن في هذا القسم تتوقف على تفريط الضامن أو تهريبه وبذلك يتضح أن شغل الذمة لا يتوقف على شيء في ضمان المال. ويتوقف على عدم الإتيان بالمضمون في ضمان الوجه. ويتوقف على تفريط الضامن في ضمان الطلب. فالطلب على الوجه الذي يشمل أقسام الضمان الثلاثة.
الحنابلة - قالوا: ضمان الديون الثابتة فإذا ضمن شخص آخر في دين فقد شغلت ذمته بذلك الدين كذمة المديون الأصلي فلم الدين فلم ينتقل الدين من ذمة المضمون إلى الضامن بل باق مع شغل الضامن ولصاحب الدين الحق في مطالبة الاثنين فإذا برئت ذمة المضمون الأصلي بقضاء أو حوالة فقد برئت ذمة الضامن لأنه تابع للمضمون.
أما إذا برئت ذمة الضامن فغن المضمون لم تبرأ ذمته. ومثله إذا قضى الحاكم ببراءة ذمة الضامن أو حال الضامن صاحب الدين عنه فإن المديون الأصلي لا تبرأ ذمته بذلك ويكون لصاحب الدين حق مطالبته.
أما إذا قبض دينه من أحدهما فعلاً فإن ذمتها تبرأ من دينه ثم إذا دفع الضامن الرجوع على المضمون صح له أن يرجع. أما إذا لم ينو فليس له حق الرجوع.
القسم الثاني: ضمان ما يؤؤل إلى الوجوب وإن لم يكن واجباً بالفعل وذلك كالعيان المغصوبة والمستعارة، فإن مثل هذه العيان إن لم تكن واجبة في ذمة الغاصب أو المستعير بالفعل ولكنها تؤول إلى الوجوب لأنها ردها إلى صاحبها ما دامت قائمة فغن هلكت كان ملزماً بقيمتها فمعنى ضمان هذه العيان أو ضمان قيمتها عند هلاكها.
ومثل العيان المغصوبة والمستعارة العيان المقبوضة على سوم الشراء ومعنى المقبوضة على سوم الشراء هو أن يساوم شخص آخر في شراء سلعة ولم يتعاقد معه نهائياً سواء قطع معه ثمنها وقبضها ولم يسلمه الثمن أو لم يقطع معه ثمنها، ولكن قبضها ليطلع عليها أهله أو أصحابه فمثل هذه السلعة تكون مضمونة كالعارية والعين المغصوبة بحيث إذا هلكت وجب عليه رد قيمتها وإلا ردها بعينها.
أما إذا أخذ العين بغير مساومة وبغير قطع ثمن فلا تكون مضمونة ولا يصح الضمان فيها ومثل الأعيان التي تؤخذ مساومة العيان غير المضمونة كالوديعة ومال الشركة والعين المستأجرة فإنها لا يصح فيها الضمان وذلك لأنه لا يجب على من وضع عليها يده أن يردها. فكذا لا يجب على ضامنه، نعم لا يصح ضمان التعدي عليها بمعنى أنه تعدى عليها من كانت بيده فإنها تجب عليه فكذا ضامنه.