المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أركان الوصية وشروطها - الفقه على المذاهب الأربعة - جـ ٣

[عبد الرحمن الجزيري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌مقدمة [الجزء الثالث]

- ‌مباحث المزارعة والمساقاة ونحوهما

- ‌تعريف المزارعة

- ‌حكم المزارعة وركنها وشروطها وما يتعلق بذلك

- ‌دليل المزارعة

- ‌مباحث المساقاة

- ‌تعريفها وشروطها وأركانها وما يتعلق بها

- ‌مباحث المضاربة

- ‌تعريفها

- ‌أركانها وشروطها وأحكامها

- ‌دليل المضاربة وحكمة تشريعها

- ‌مبحث في بيان ما يختص به كل من رب المال والعامل

- ‌مبحث إذا ضارب المضارب غيره

- ‌مبحث قسمة الربح في المضاربة

- ‌مباحث الشركة

- ‌تعريفها وأقسامها

- ‌مبحث أركان الشركة

- ‌شرط الشركة وأحكامها

- ‌مبحث في تصرفات الشركاء في المال وغيره

- ‌مبحث إذا ادعى أحد الشركاء تلف المال ونحو ذلك

- ‌مباحث الإجارة

- ‌تعريفها وأركانها وأقسامها

- ‌شروط الإجارة

- ‌مبحث ما تجوز إجارته وما لا تجوز

- ‌ مبحث ما يضمنه العامل إذا تلف وما لا يضمنه

- ‌مبحث ما يفسخ به عقد الإجارة وما لا يفسخ

- ‌مباحث الوكالة

- ‌تعريفها

- ‌ دليلها وأركانها

- ‌ شروط الوكالة

- ‌مبحث الوكالة بالبيع والشراء

- ‌مبحث التوكيل بالخصومة

- ‌مبحث هل للوكيل أن يوكل غيره

- ‌مبحث عزل الوكيل

- ‌مباحث الحوالة

- ‌تعريفها

- ‌أركان الحوالة وشروطها

- ‌مبحث في براءة ذمة المديون بالحوالة

- ‌مباحث الضمان

- ‌تعريفه

- ‌أركان الضمان وشروطه

- ‌أحكام تتعلق بالكفالة

- ‌مباحث الوديعة

- ‌تعريفها

- ‌أركان الوديعة وشروطها

- ‌مبحث حكم الوديعة وما تضمن به وما لا تضمن

- ‌مباحث العارية

- ‌تعريفها

- ‌حكم العارية وركنها وشرطها

- ‌أقسام العارية وما يتعلق بها من الأحكام

- ‌مبحث ما تضمن به العارية وما لاتضمن

- ‌مباحث الهبة

- ‌تعريفها

- ‌مبحث أركان الهبة وشروطها

- ‌مبحث في هبة الدين

- ‌مبحث الرجوع في الهبة

- ‌مبحث في مقابل عوض مالي

- ‌مباحث الوصية

- ‌تعريفها ودليليها

- ‌أركان الوصية وشروطها

- ‌مبحث حكم الوصية

- ‌مبحث الوصية بالحج والقراءة ونحوهما وبما يعمل في المآتم وغير ذلك

- ‌مبحث الوصية لقوم مخصوصين كالجيران والآقارب ونحوهم

- ‌مبحث الوصية لمتعدد بالثلث أو أكثر أو أقل

- ‌مبحث الوصي المختار

الفصل: ‌أركان الوصية وشروطها

وأما دليل مشروعيتها فالكتاب والسنة.

أما الكتاب فقوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية}

وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "وما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"

ومعنى الحديث: ليس من الحزم والرأي السديد أن يمر على الإنسان زمن يملك فيه مالاً يوصي به ولا يكتب وصيته فليس المراد خصوص الليلتين بل الحث على المبادرة بكتابة الوصية.

‌أركان الوصية وشروطها

-أركانها: موصٍ، وموصى له، وموصى به، وصيغة. وأما شروطها ففيها شروط المذاهب (1) .

وبعض المالكية عرف بالوصية بما عرفها به الحنفية. ولا يخفى أن الأول يشمل الوصية بمعنى إقامة الوصي بخلاف الثاني.

الشافعية - قالوا: الوصية تبرع بحق مضاف إلى بعد الموت، سواء أضافة لفظاً أولا فإذا قال أوصيت لزيد بكذا كان معناه بعد الموت.

الحنابلة - قالوا: الوصية هي المر بالتصرف بعد الموت كأن يوصي شخصاً بان يقوم على أولاده الصغار أو رزوج أو يفرق ثلث ماله ونحو ذلك.

وهذا تعريف الوصية يمعنى الإيصاء أي إقامة وصي. وأما تعريفها بمعنى إعطاء الغير جزءاً من المال فهو أن يقال الوصية "تبرع بالمال بعد الموت") .

(1)

(الحنفية - قالوا: إن للوصية ركناً واحداً وهو الإيجاب والقبول كما عرفت في نظائره.

فأما الإيجاب فهو أن يقول أوصيت بكذا لفلان أو أوصيت إلى فلان. أو جعلت إلى فلان ثلث مالي بعد موتي ونحو ذلك من الألفاظ المستعملة في الوصية.

وأما القبول فإنه شرط فادة الملك به فلا يملكه الموصى له قبل القبول فلا يشترط القبض في الوصية بخلاف الهبة.

ويشترط في القبول أن يكون بعد الموت فإذا قبل الموصى له في حال حياة الموصي أو ردّ الوصية وقع ذلك باطلاً وله القبول بعد الموت. وذلك لأن الوصية تمليك بعد الموت فهي معلقة على الموت

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حتى لو أروصى له بثلث غنمه الموجودة تحت يده ثم مات بعد أن انقرض نصفها لا يملك إلا ثلث الباقي وهكذا فالإيجاب لا يتحقق ثبوته إلا بعد الموت. فطذلك القبول أو الرد لا ينفع إلا بعد الموت.

أما قبل الموت فلا إيجاب. وبعضهم يقول إن القبول بشرط لأن الوصية من باب الميراث.

والقبول إما أن يكون صريحاً كأن يقول قبلت الوصية. أو يكون دلالة.

ومثاله أن يموت الموصى له من غير قبول سكوته دلالة على القبول ويأخذ وارثه الموصى به. ويقوم الفعل مقام القول، كما إذاى نفذ الموصى له الوصية فعلاً فإن ذلك يعتبر قبولاً.

الحنفية - قالوا: يشترط في الموصي أن يكون أهلاً للتمليك (رأي يفيده غيره الملك) وهو ما اجتمع فيه أمور:

منها: أن يكون بالغاً فلا تصح وصية الصغير واحد بتجهيزه ودفنه، وعلى ذلك يحمل ما ورد عن عمرر رضي الله عنه من إجازته صبي مراهق.

ومنها أن يكون عاقلاً فلا تصح وصية المجنون حال جنونه ولو أفاق ومات بعد إفاقته لن الأهلية كانت معدومة وقت الوصية.

وإذا وصى حال إفاقته ثم جن فإن جنونه مطبقاً واستمر ستة أشهر بطلت الوصية وإلا فلا.

أما إذا وضى وهو سليم ثم طرأ عليه وسواس حتى صار معتوهاً واستمر كذلك حتى بطلت الوصية.

ومنها أن لا يكون مديناً ديناً يستغرق كل ماله فإن كان كذلك فإن الوصية لا تصح. وذلك لأن سداد الدين مقام على تنفيذ الوصية.

ومنها: أن لا يكون هازلاً ولا مخطئاً ولا مكرهاً.

ومنها أن لا يكون وارثاً وقت الموت لا وقت الوصية.

فإذا أوصى شخص لأخ وارث وقت الوصية ثم ولد يمنع الخ من الإرث صحت الوصية وعلى عكس ذلك ما إذا أوصى لأخ لا يرث لوجود ابن للموصي ثم مات الابن قبل موت أبيه وأصبح الأخ وارثاً فإن الوصية تبطل.

وإذا أجازت الورثة للوارث فإنها تنفذ.

ويشترط في المجيز أن يكون عاقلاً بالغاً صحيحاً لا مريضاً فإذا أجاز المريض ومات في مرضه لا نتفذ إجازته إلا إذا أجازتها الورثة فيهم هذه الشروط.

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومنها: أن لا يكون رقيقاً -ولو مكانياً - إلا إذا علق ما بعد الغتق فإنه يصح، وتجوز وصية ابن السبيل وهو البعيد عن ماله.

ومنها: أن لا يكون الموصي معتقل اللسان طرأ على لسانه مرض منعه من النطق فإن وصيته لا تصح إلا إذا استمر زمناً فصار كالأخرس بحيث يتكلم بالإشارة المعهودة وحينئذ تكون إشارته وكتابته كالنطق فإشارة الأخرس تقوم مقام نطقه لأنها أصبحت معهودة للناس.

ومثله من طرأ على لسانه مرض وصارت له إشارة معهودة يخاطب بها الناس فإنها تقوم مقام نطقه في الوصية والطلاق والنكاح والشراء أما إذا كانم مرضه عارضاً وليست له إشارة معهودة فإن هذه العقود لا تصح منه حتى يبرأ لسانه.

ويشترط في الموصى له أمور:

منها: ان يكون أهلاً للتمليك فلا تصح الوصية لمن لا يملك كما إذا قال أوصيت بهذا التبن لدواب فلان هذه الصيغة تفيد أنه جعل التبن ملكاً للدواب وهذا لا يصح ولو أراد إطعامها به لأن العبرة في مثل هذا اللفظ لا لنقد المتكلم. فإذا قال أوصيت بهذا التبن ليعلف به دواب فلان فإنه يصح، ولا يشترط القبول في مثل هذه الحالة لأن للوصية جهتين إذ هي تارة تشبه الهبة، وفي هذه الحالة يشترط لها القبول فمتى كان القول ممكناً بحيث ينأتى من الموصي له شرطاً لنفاذها، وتارة تشبه الميراث فلا يشترط فيها القبول عند تعذره كالوقف على الفقراء والمساكين.

وكذا تصح الوصية إذا قال أوصيت بكذا لللإنفاق على دابة فلان أو فرسه ويجب تنفيذ الوصية للإنفاق على الدواب ولا يصح بيعها وإذا مات بطلت الوصية. وإذا كان يملك دواب حال حياة الموصي ثم اشترى غيرها بعد موته فإنه ينفق على الذي اشترها بعد موته فقط لأنها هي المقصودة بالوصية.

ومنها: أن يكون حياً وقت الوصية ولو تقديراً فيشمل الوصية للجنين في بطن أمه فإنه حي تقديراً فتصح الوصية للحمل كما تصبح به كقوله: أوصيت بحمل دابتي هذه لفلان أو أوصيت بهذه الدابة للحمل الذي في بطن فلانة، ولا يشترط القبول في هذه الحالة كما عرفت، وإنما تصح الوصية للحمل بشرط أن يكون موجوداً حين الوصية، ويعرف حياً في مدة نقل عن ستة أشهر من تاريخ الوصية إذا كان لها زوج متمكن من قرباتها، فإذا مات الموصي ثم ولدت بعد موته في مدة تقل عن ستة أشهر علم أن الوالد كان موجوداً وقت الوصية.

أما إذا ولدته بعد مضي ستة أشهر كاملة لم يثبت عند الوصية لأن أقل الحمل ستة أشهر فيمكن أن تكون علقت به بعد الوصية فلا يكون موجوداً عندها.

أما إذا كان الزوج ميتاً أو كانت مطلقة بائناً فإن الوصية تصح إذا ولدته لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق ولو كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية فإذا جاءت به لأقل من سنتين حياً

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإنه يثبت وجوده عند الوصية حكماً بدليل ان النسب ميثبت من الزوج باعتبار أنها به قبل موته أو قبل طلاقها.

وبذلك نكون قد حكمنا بوجود الولد موت الموصي لأن المفروض أن الموصى مات بعد الزوج.

ومتى حكمنا بذلك فقد حكمنا بوجود الولد عند الوصية كما لا يخفى.

وكما تصح الوصية لحمل الإنسان كذلك تصح لحمل الحيوانت ليفق عليها من الموصى به كما عرفت.

ومنها: أن لا يباشر قتل الموصي عمداً أو خطأ، فإذا أوصى شخص لآخر ثم قتله الموصى له بعد الوصية بطلت، وكذا إذا ضربه ضربة قاتلة ثم أوصى له بعد الضربة ومات فغن وصيته تبطل. وإذا أجازت الورثة، وإذا كان القاتل صبياً أو مجنوناً نفذت الوصية ولو لم تجزها الورثة.

ومنها: أن يكون الموصى له معلوماً ويكفي علمه بالوصف كالمساكين والفقراء فتصح الوصية إذا قال: أوصيت للفقراء أو للمساكين.

ولا يشترط في الموصى له أن يكون مسلماً فتصح الوصية من المسلم للذمي إلا ان يكون حربياً في دار الحرب. فإذا خرج من دار الحرب وطلب أخذ الوصية فلا يأخذ الوصية منها شيئاً ولو أجاز الورثة.

أما المرتد فإن الوصية له لا تصح من المسلم، وتصح وصية الذمي المسلم، ويشترط في الموصى به أمور:

منها: أن يكون قابلاً للتملك بعقد سواء كان مالاً أو منفعة فكل ما يصح تمليمه بعقد البيع ونحوه أو بعقد الإجارة كمنافع الدار والدواب ونحوهما فإنه يصح الوصية به. ولا يشترط أن يكون الموصى به موجوداً في الحال فتصصح الوصية بالمعدوم المحتمل وجوده كالوصية بثمر لفلان ما دام حياً.

ومثل ذلك ما إذا أوصى لزيد بثلث ماله ولم يكن له مال وقت الوصية ولكن ربح مالاً قبل موته فإن زيداً يستحق ثلثه بعد موت الموصي.

نعم إذا كان الموصي به معيناً فإنه يشترط موجوداً وقت الوصية.

كما لإذا قالت: أوصيت لفلان بثلث غنمي فإنه يلزم أن تكون الغنم موجودة عند الوصية.

ومثل ذلك ما إذا كان الموصى به شائعاً في بعض ماله.

كما إذا قال: أوصيت لفلان بالمعز من غنمي فإنه تكون المعز موجودة عند الوصية.

أما إذا كان شائعاً في كل المال، كما إذا قال: أوصيت له بمعز من مالى فإنه لا يشترط وجود المعز عند الوصية بل الشرط وجودها عند الموت.

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومنها: أن يكون الموصى به ثلث المال فلا تنفذ الوصية فيما زاد على الثلث إلا أن يجيزه الورثة وهو كبار. ولا تنفع إجازتهم في حال حياته بل لا بد من الإجازة بعد موته. فإذا أجازوا حال حياته حال حياته كان لهم الرجوع.

وإذا أوصى بجميع ماله لشخص وليس له وارث نفذت وصيته بدون إجازة بيت المال.

وإذا أوصى الرجل لزوجته ببكل ماله وليس لها وارث سواه فإن الوصية تصح وتاخذ كل المال ومثله ما إذا أوصت المرأة لزوجها. أما غير الزوجين فإنه إذا لم يكن ثمة وارث سواه فإنه يأخذ الكل بدون وصية، إما برد أو رحم بخلاف الزوجين فإنهما لا يأخذان كل المال إلا بالوصية.

المالكية - قالوا: أن يكون حراً فلا تصح وصية الرقيق ولو بشائبه رق.

ثانيهما: أن يكون مميزاً فلا تصح وصية المجنون والصغير والسكران إذا فقدوا التمييز وقت الإيضاح. فالبلوغ غير شرط.

ومثل ذلك السلامة من السفه فإنهما ليست بشرط إذ للسفيه أن يوصي سواء كان له قيم مولى عليه أو لا.

فإذا تداين السفيه ولي ثم مات الولي لا يلزم ورثته سداد ذلك الدين إذا

أوصى به فإنه يسدد من ثلث ماله.

وبعضهم يقول: يلزمه الدين بعد موته وإن لم يوص عليه.

وهل تصح وصايا الصبي مطلقاً أو تصح بشرط أن تكون وصايا بقربة؟ خلاف.

فبعضهم يقول: إذا أوصى الصبي لسلطان مثلاً فإن وصيته باطلة على رأي من يشترط لصحة وصيته أن تكون بقربة لأن الوصية لذي سلطان بقربة.

وتكون صحيحة على رأي من لا يشترط ذلك.

ولا يشترط في الموصي الإسلام فتصح وصية الكافر للمسلم. إلا إذا وصى بما يحرم على المسلم الانتفاع به كالخمر والخنزير.

ويشترط في الموصى له أن يكون ممن يصح أن يملك ما اوصى له به إما حالاً وإما مآلاً فيصح الإيصاء للحمل الموجود أو الذي سيوجد.

فإذا قال: اوصيت بكذا لمن سيوجد فللان من أولاده فإنه يشمل من كان حملاً في بطن أمه ويشمل من لم يكن موجوداً اصلاً فيؤجر الموصى به للحمل إذا لم يكن حمل وللوضع إن كان حمل فإذا وضع الولد واستهل صارخاً استحق الموصى به وإلا فلا، فنزول الولد مستهلاً شرط استحقاقه للموصى به لا لصحة الوصية.

ص: 282

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإذا ولدت أكثر من واحد وزرع الموصى به عليهم بنسبة واحدة الذكر مثل الأنثى ما لم ينص على غير ذلك فإن نص على تفصيل أحد عمل بنصه.

ولا يشترط في الموصى له أن لا يكون قاتلاً للموصي الوصية للقاتل بشرط أن تقع الضربة وأن يعرف المقتول قاتله فإذا ضرب شخص آخر ضربة قاتلة أو خطأ ثم اوصى له بعد الضربة بشيء من ماله ومات فإن الوصية تصح وتؤخذ الوصية من ثلث التركة وثلث مال الدية في القتل خطأ ومن أصل مال المتوفى في القتل عمداً.

أما إذا أوصى له قبل أن يضربه فأماته فإن الوصية تبطل سواء عرف القاتل ولم يغير الوصية أو لا على الراجح لأن في ذلك شبهة استعجال الوصية كالميراث.

ويشترط في الصيغة أن تكون بما يدل على الوصية من لفظ صريح كأوصيت أو غير صريح ولكن يفهم منه الوصية بالقرينة كاعطوا كذا لفلان بعد موتي ومثل اللفظ والإشارة المفهمة ولو كان الموصي قادراً على النطق.

أما القبول فهو شرط لنفيذ الوصية بعد الوصية بعد الموت ولا بد أن يكون القبول بعد الموت فإذا حصل القبول قبل الموت فإنه لا ينفذ.

ويشترط لصحة القبول أن يكون حاصلاً من الشخص الذي عينه الموصي إذا كان بالغاً رشيداً فإن لم يكن كذلك فإن وليه يقوم مقامه في القبول عنه.

فلو مات الموصى له قبل القبول فإن وارثه يقوم في القبول.

فإذا لم يكن الموصى له معيناً كأن أوصى للفقراء والمساكين فإن الوصية تصح بدون قبول هذه الحالة.

وإذا مات الموصي وتأخر القبول زمناً ارتفعت فيه قيمة الموصى به فهل الزيادة تكون حقاً للموصى له اختلف في ذلك على أقوال ثلاثة:

أحدهما - أنها كلها للموصى له.

ثانيها - أنهما كلها للموصي.

ثالثها - أن للموصى له ثلثها فقط. والقول الثالث هو أعدل الأقوال وأشهرها.

فإذا أوصى له ببستان يساوي ألف جنيه وكان ذلك يعادل ثلث ماله، ثم مات الموصي وتأخر قبول الموصى له حتى أثمر البستان فزاد ثمنه مائتي جنيه فأصبح يساوي ألفاً ومائتي جنيه ثم قبله الموصى له بعد ذلك. فعلى القول الأول يكون له خمسة أسداس فقط وهو ألف لأن السدس الذي زاد فيه قبل قبوله وهو المائتين يكون حقاً لورثة الموصي

وعلى القول الثاني: يكون البستان الذي يساوي ألفاً مع المائتين الزائدتين حقاً للموصى له لأنه ثبت له ملك البستان بوفاة الموصي، فما يحدث فيه يكون حقاً له.

ص: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وعلى القول الثلث يكون للموصى له الأصل وهو يساوي الألف وثلث الثمرة لأنه وغن كانت ثبت له الملك بموت الموصي ولكن المعتبر في تنفيذ الوصية القبول فمتى لم يحصل القبول كانت الزيادة الحادثة تركة يستحق الموصى له ثلثها والثلثين للورثة وذلك أعدل الأقوال وأشهرها فهو يستحق ألفاً وستة وستين وثلثاً. فإذا أخذ الألف فقط نقص عما يستحقه من ثلث مال المتوفى كله لأن المائتين اعتبرت تركة للمتوفى إذا لم تحدث في ملك الورثة.

الشافعية - قالوا: يشترط في الموصي أن بالغاً عاقلاً حراً مختاراً فلا تصح وصية الصبي والمجنون والمعنى عليه.

أما السكران المتعدي بسكره فهو كالمكلف تصح منه سائر العقود وكذا لا يصح وصية الرقيق مكاتباً كان أو غيره كما لا تصح وصية المكره.

ولا يشترط الإسلام فتصح الوصية من الكافر سواء كان حربياً أو لا، وكذا تصح وصية المرتد بشرط أن يعود للإسلام.

أما إذا مات مرتداً فإن وصيته ولا يشترط في الموصي أن يكون محجوراً عليه فتصح وصية المحجور عليه لسفه أو فلس لأن صحيحة وهو في حاجة إلى الثواب.

أما الموصى له فيشترط فيه شروط:

أحدهما: أن يكون ممن يتأتى له الملك بنفسه إن كان مكلفاً أو بوليه إن كان صبياً أو مجنوناً ونحوهما فتصح للعاقل والكبير والصغير حتى الجنين في بطن أمه ولو قبل انفصاله على المعتمد. نعم يصح أن يقول:

أوصيت بكذا لأولاد زيد الموجودين، لمن سيحدث له من الأولاد، فإن الوصية تصح للجميع على أن يكون المعدوم تابعاً للأولاد الموجودين وهذا بخلاف الوقف كما سيأتي لأن الوقف يصح في ذلك نظراً لكون المقصود منه الدوام ولكن يقبل عمن ليس أهلاً كالصغير والمجنون لوليه.

الملك فإن الوصية له لا تصح كالميت فإنه يصح لفلان حال موته

أما الوصية لميت نغسله وتكفينه وتجهيزه فهي جائزة لأنها في الحقيقة وصية لمن يلي أمر تجهيزه أو يقال لجهة بر لا لشخص الميت.

ومن ذلك الوصية على الدابة لأنها أهل للملك إلا إذا كان الغرض صاحبها أو علفها فإن كان الوقف على علف الدابة كان وقفاً على جهة بر إطعام الحيوان والرفق به من جهات البر فيشترط لصحة الوصية أن يقبلها مالك الدابة لأنه بالوصية في هذه الحالة ولكن لا يسلم علفها المالك بل يصرفه الوصي إن كان وصي فإن لم يكن يسلم للقاضي أو نائبه.

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولا يصح الإنفاق على غير الجهة التي عينها الموصي وهو علف الدابة. فإذا باع الدابة لغيره فإن كان ذلك حال حياة الموصي كانت الوصية باقية للبائع.

وإذا باعها بعد موته انتقلت للمشتري على المعتمد على أنه يلزم لصرف به على علف الدابة إذا قامت قرينه أن المقصود مالك الدابة فإنه يملك الموصى به أي حال.

ومن ذلك ما إذا أوصى على من سيحدث لزيد من الأولاد فإنه لا يصح لأن الشرط أن يكون الموصصى له ممن يتأنى له الملك والمعدوم لا يتأنى له الملك.

ثانيها: أن يكون الموصى له معيناً إن كلن غير جهة كزيد فإذا أوصى بثلث ماله لزيد ولم يعينه في العقد فلا تصح الوصية له.

أما إن كان الموصى له جهة بر فإنه لا يشترط تعيينها فإذا قال أوصيت بثلث مالي للفقراء والمساكين فإنه يصح ولا يلزم تعيين فقراء مخصوصين بل لو قال: أوصيت بكذا من مالي ولم يذكر الموصى له أصلاً فإنه يصح لأن الموصى له يكون مذكوراً ضمناً وهو جهة البر.

ثالثها: أن يكون مياحاً قابلاً بالاختيار، فلا تصح الوصية بحد قذف على غير من هو عليه، فإذا قال القاضي مثلاً أوصيت بتنفيذ حد قذف فلانة على زيد، وكان زيد غير قاذف فإن الوصية لا تصح لأن حد القذف لا يقبل النقل ممن وجب عليه إلى غيره أما إذا كان زيد هو القاذف فإن الوصية تصح ومثل ذلك بالشفعة لشخص لا يستحقها.

وتصح الوصية بالحمل لأنه لا يقبل النقل من اختصاص شخص إلى آخر فإذا أوصى شخص لآخر بالحمل الذي في بطن بقرته فإن الوصية تصح، وإذا كان الحمل موجوداً في بطن أمه يشترط أن يكون وجوده معروفاً عند الوصية، وأن ينفصل حياً ويرجع في معرفة مدة حمله إلى أهل الخبرة، وكما تصح للحمل فإذا قال: أوصيت لولد فلان الذي في بطن أمه بكذا فإن الوصية تصح له بشرط أن يكون موجوداً عند الوصية، وأن ينفصل حياً حياة مستقرة. ويعرف وجوده إذا ولدته في مدة تقل عن ستة

أشهر من وقت الوصية إذا كانت المرأة فراشا ينسب الحمل إليه كأن تكون متزوجة. اما إذا لم تكن كذلك فإن لم يكن لها فراش أصلاً فلا تصح الوصية أما إذا كان لها زوج ومات عنها أو طبقها فإن الوصية تكون له إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر إلى أقل من أربع سنين وهي أكثر مدة الحمل.

أما إذا كان الحمل معدوماً رأساً فإن الوصية تصح به وله لأنه لا يشترط أن يكون الموصى به موجوداً فتصح الوصية بثمر البستان ويحمل الدابة في هذا العام على الأصح. وكذا لا يشترط في الموصى به أن يكون طاهراً فتصح الوصية بالكلب المباح نفعه وبالزيل الذي ينتفع به أما الذي لا ينتفع به فلا تصح به الوصية.

وأما الصيغة فيشترط لها أن تكون بلفظ يدل على الوصية سواء كان صريحاً أو كتابة فالصريح كقوله أوصيت له بكذا أو أعطوه له أو هو هبة بعد موتي.

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والكناية كقوله هواه من مالي بشرط النية في الكناية. أما القبول فهو أن يقول: قبلت وهل يشترط أن يكون لفظاً فلا يكفي فيه الفعل؟ قولان والأوجه أنه لا بد من اللفظ ولا بد أن يكون القبول بعد الموت إذ لا تلزم الوصية إلا بعد الموت.

الحنابلة - قالوا: أن يكون عاقلاً فلا تصح من المجنون مطبقاً.

أما الذي يغمى عليه أو يختنق (يتشمج) أحياناً ثم يقيق وصيته حال إفاقته.

أما ضعيف العقل ضعفاً لا يمنع رشده فإن وصيته في ماله فله أن يوصي بعد موته بثلث ماله كما يصح له أن يقيم وصياً على أولاده من بعد

لأن رشده لم يذهب فله أن يتصرف لنفسه ولأولاده.

فإذا كان ضعيف العقل تمنع رشده ويوجب الحجر عليه فإنه يصح له أن يوصي بماله فقط ولا يصح أن يقيم وصياً على أبنائه لأنه إذا كان لا يحسن التصرف على نفسه فلا يملك اختيار من يتصرف على غيره.

ويلحق بالمجنون السكران فإن وصيته لا تصح.

ومنها: أن يكون مميزاً فلا تصح من طفل فاقد التمييز أما البلوغ فليس بشرط قتصح من الصغير المميز. منها أن يكون قادراً على النطق فإن اعتقل لسانه فلا تصح إشارته ولو كانت مفهومة إلا إذا كان ميؤساً من برئه، فإن إشارته المفهومة تكفي كالأخرس فإن وصيته تصح بإشارته المفهومة فإن لم تفهم إشارته فلا تصح وصيته.

ومنها: أن لا يكون محجوراً عليه لسفه إذا أراد الإيصال على أولاده فإذا قال المحجور عليه لسفه أوصيت على أولادي فلاناً من بعدي فإن وصيته تبطل لأنه لم يحسن التصرف على نفسه فلا يحسن اختيار من يوصيه على غيره.

أما وصيته بمال فإنها تصح لأن فيها نفعاً كالصلاة والصيام ونحوهما من العبادات، ومثله المحجور عليه لفلس فإن وصيته ولا يشترط في الموصي أن يكون مسلماً فتصح من الكافر كما تصح من الفاسق.

ويشترط في الموصى له أن لا يكون قاتلاً للموصي سواء كان القتل عمداً أو خطأ فإذا أوصى شخص لآخر فقتله بطلت الوصية وإذا ضربه فجرحه ثم أوصى له ومات من الجرح بطلت الوصية أيضاً.

ولا يشترط في الموصى له أن يكون مسلماً فتصح للكافر ولو مرتداً أو حربياً بدار الحرب ما لم يكن مقاتلاً فإن كان فلا تصح الوصية على الصحيح.

وأن يكون موجوداً عند الوصية فتصح الوصية على الحمل بشرط أن يكون موجوداً حال الوصية

ص: 286