الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث انقضاء العدة بوضع الحمل
-شروطه - عدة الزوجة الصغيرة الحامل - عدة الحبلى بوطء الشبهة - أو النكاح الفاسد - عدة الحبلى من زنا - تداخل العدتين في بعضهما - أكثر مدة الحمل وأقلها.
تنقضي العدة بوضع الحمل، سواء كانت الزوجة مطلقة أو متوفى عنها زوجها بشروط مفصلة في المذاهب (1) .
(1) (الحنفية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بوضع حمل المطلقة والمتوفى عنها زوجها ثلاثة شروط: أحدها: أن ينفصل الحمل منها جميعاً، فإن نزل بعضه ولو ثلثاه، فإن عدتها لا تنقضي، وفائدة هذا الشرط تظهر عملياً فيما إذا مات الجنين في بطنها، واحتاج إخراجه منها إلى تقطيعه، فأخرج معظمه وبقيت منه قطعة، فإن عدتها لا تنقضي، ولو كانت القطعة صغيرة إلا إذا يئست من إخراجها على المعتمد، ثانيها: أن يكون الولد متخلقاً، فإذا أسقطت قطعة لحم لم يظهر فيها جزء انسان، فإن عدتها لا تنقضي بها، بل لا بد من انقضاء عدتها بثلاث حيض، ثم إن أمكن اعتبار دم السقط حيضاً، بأن لم يزد على أكثر مدة الحيض، وهي عشرة أيام، ولم يقل عن أقلها وهي ثلاثة أيام وثلاث ليال احتسب حيضة لها، وإلا كان استحاضة فلا يحسب. ثالثها: أنها إذا كانت حاملة باثنين أو أكثر، فإن عدتها لا تنقضي إلا بنزول الولد الأخير وانفصاله منها جميعه، فلا يكفي انفصال واحد.
ولا يشترط لانقضاء عدة الحامل بوضع الحمل أن يكون الزوج بالغاً، بل تنقضي عدة زوجة الصغير الذي لا يولد لمثله بوضع حملها إذا فارقها في حال الحياة، ولا يلحقه نسبه طبعاً لأنه زنا، والعدة تجب بخلوة الصغير ولو لم يطأ. كما تجب بوطئه، وحيث كانت حاملاً من غيره فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، فإن قلت: أن الصغير عند الحنفية لا يصح طلاقه، فكيف يتصور وجوب العدة على امرأته المطلقة؟ والجواب: أنه يتصور في حالتين: إحداهما: أن يخلو بها وهو صغير ويتركها ثم يطلقها بعد بلوغه، الحالة الثانية: أن تكون ذمية بالغة متزوجة بذمي صغير، ثم تسلم ويأبى ولي الصغير أن يسلم فإنها تبين منه في هذه الحالة وتعتد بالخلوة الصحيحة، والمراد بالصغير غير المراهق، وهو من لم يبلغ سنه ثنتي عشرة سنة، وتجب بخلوة الصغير ووطئه العدة دون المهر.
هذا إذا كانت امرأة الصغير الحامل مطلقة، أما إذا توفي عنها وهي حامل أو مات عنها وحملت في العدة. ففي عدتها خلاف، فبعضهم يقول: إن عدتها تنقضي بوضع الحمل أيضاً، كالمطلقة، وقيل: بل تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة الوفاة، فإذا مات عنها ثم وضعت حملها بعد شهرين من وفاته مثلاً، فإنه يجب عليها أن تنتظر شهرين وعشرة أيام بعد الحمل، وإذا انقضت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل وضع الحمل فإن عدتها تنقضي قبل الوضع، ويصح العقد عليهم، ولكن لا يصح جماعها إلا بعد الوضع، ولا يثبت النسب من الصغير على أي حال، سواء ولدت لأقل من ستة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أشهر من تاريخ العقد عليها. أو لستة أشهر فأكثر، والقول الثاني هو الصحيح. وهو رأي المالكية والشافعية كما ستعرفه في مذهبهم.
ثم إن عدة الحامل المطلقة تنقضي بوضع الحمل، سواء كان المطلق صغيراً أو كبيراً فإذا وطئ شخص امرأة الآخر بشبهة، كما إذا زفت عروس إلى غير زوجها فوطئها، وحملت منه فإنه يحرم على زوجها أن يطأها حتى تنقضي عدتها من وطء الشبهة بوضع الحمل، فإذا طلقها زوجها أيضاً فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وتتداخل العدتان، ولا يحل للواطئ الذي أحبلها أن يتزوجها إلا بعد وضع الحمل، لأنها مشغولة بعدة مطلقها، ومثل ذلك ما إذا طلق شخص امرأته طلاقاً بائناً، ثم وطئها على ظن أنها تحل له في أثناء العدة فإنها في هذه الحالة يجب عليها عدتان: إحداهما عدة الطلاق والثانية عدة وطء الشبهة، ولكن العدتين تتداخلان بمعنى أنها تستأنف عدة أخرى، بحيث إذا حملت منه فإن عدتها لا تنقضي إلا بوضع الحمل، أما إذا لم تحمل فإنه يحسب لها ما مضى من الحيض من مجموع العدتين المتداخلتين، مثلاً إذا وطئها بعد أن حاضت مرة فإنه يجب عليها أن تستأنف العدة بثلاث حيض من وقت الوطء، منها حيضتان تحسب مضمومة إلى عدتها الأولى.
والعدة الثانية تحسب من تاريخ الوطء وهي ثلاث حيض، منها الحيضتان المضمومتان إلى الحيضة الأولى، وهذا معنى التداخل وكذا إذا وطئها أجنبي بشبهة، وهي تحت زوجها ثم طلقها زوجها أو وطئها أجنبي بشبهة، أو بعقد فاسد، وهي في العدة، فإنها تلزم بعدتين، عدة بالوطء الفاسد وعدة لزوجها، ولكنهما تتداخلان، فتستأنف العدة بالحيض، فإذا حاضت ثلاث مرات انقضت العدتان جميعاً، فإن كانت قد حاضت مرة بعد طلاق زوجها فإنه يضم إليها حيضتان من الثلاث، تنقضي بهما عدة زوجها، ثم تحسب الثلاث حيض من تاريخ الوطء، وبها تنقضي عدة الثاني، فالحيضتان الحاصلتان بعد الوطء تحسبان تارة من العدة الأولى، وتارة من العدة الثانية، وإن كانت قد حاضت ثنتين قبل الوطء الفاسد، فإن عليها أن تستأنف عدة بثلاث حيض من تاريخ الوطء، تضم منها واحدة إلى عدة الزواج الأول، وتضم هي بعينها إلى عدة الثاني، فتدخل الحيضة مرة في هذه العدة ومرة في هذه العدة، وعلى هذا القياس.
وبهذا تعلم أنها إذا حملت بعقد صحيح، أو عقد فاسد، أو وطء شبهة، فإنها تعتد بوضع الحمل، ويثبت نسب الولد من الواطئ الذي علقت منه، أما الحبلى من زنا فإنها لا عدة عليها، بل يجوز العقد عليها، ولكن لا يحل وطؤها حتى تضع الحمل، فإذا طلقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة عليها، أما إذا خلا بها، أو وطئها وهو يظن حلها له، ثم طلقها بعد ذلك وقبل أن تضع الحمل، فإن عدتها تنقضي بوضع حملها من الزنا، ولا عدة له عليها.
هذا والحنفية يقولون: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر كغيرهم من الأئمة الثلاثة، وأكثرها سنتان، خلافاً للجميع، كما ستعرفه من مذاهبهم.
فإذا تزوجت المطلقة، أو المتوفى عنها زوجها وهي في العدة بزوج آخر ثم جاءت بولد فإن ولدته لأقل من سنتين من تاريخ طلاقها من الأول، أو تاريخ وفاته، فإنه ينظر هل ولدته لأقل من ستة أشهر من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تاريخ الزواج الثاني أو ولدته لستة أشهر فأكثر من ذلك التاريخ؟ فإن كان الأول فإن الولد يلحق بالمطلق أو المتوفى، مثلاً إذا طلقها في شهر المحرم، ومضت عليها سنة ونصف لم تحض فيهما مع كونها من ذوات الحيض، ثم تزوجت بغيره وجاءت بولد بعد خمسة أشهر فإنه يكون للأول، لأنها جاءت به لأقل من سنتين من تاريخ طلاقها، ولأقل من ستة أشهر من تاريخ زواجها الثاني، أما إذا جاءت به لستة أشهر من تاريخ الزواج فأكثر فإنه يكون للثاني، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فيحتمل أنها علقت من الثاني، وأن أكثر مدة الحمل سنتان، وقد مضى في هذه الحالة أكثر منها من تاريخ طلاقها من الأول، فلا يمكن نسبة الولد إليه، ويكون النكاح صحيحاً في هذه الحالة، لأنه يتبين أن عدتها قد انقضت بحملها من الثاني فإذا ولدته لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول، ولأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني، كما إذا تزوجت بعد سنة وثمانية أشهر من تاريخ طلاقها، ثم ولدت لأربعة أشهر من تاريخ زواجها، فتكون قد ولدت لسنتين وشهرين من تاريخ طلاقها ولأربعة أشهر من تاريخ زواجها، فإن الولد لا ينسب لا للأول ولا للثاني، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج الثاني يعلم بأنها في العدة أو لا، لأنه متى أمكن نسبة الولد إلى واحد منهما على الوجه الذي ذكرناه فإنه ينسب إليه، سواء كان العقد صحيحاً أو فاسداً، لأن نسبة الولد إلى أحدهما أولى من ضياعه ونسبته إلى الزنا، على أنه إذا كان الثاني لا يعلم بأنها في العدة فإن نكاحه يكون صحيحاً، وسيأتي إيضاح ذلك في مباحث النسب.
المالكية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بالحمل أربعة شروط: الشرط الأول: أن يلحق الولد بالزوج، بأن يثبت نسبه منه ولو نفاه بسبب اللعان الآتي بيانه، متى ثبتت خلوته بها، لأنه وإن نفاه في الظاهر، ولكن يحتمل أنه منه في الواقع، فتنقضي عدتها بوضعه، فإذا لم يلحق نسب الولد بالزوج المتوفى، فإن العدة لا تنقضي بالوضع، مثلاً إذا تزوج امرأة وهي حائض، ثم طهرت من الحيض ولم يقربها، ثم حملت سفاحاً وظهر حملها ومات زوجها عنها، فلا تنقضي عدتها بوضع الحمل، بل لا بد من مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة الوفاة فإن وضعت بعد ثلاثة أشهر من وفاته مثلاً فإن عدتها لا تنقضي، بل لا بد من أن تنتظر شهراً وعشرة أيام بعد الوضع حتى تكمل أربعة أشهر وعشراً، وإذا انقضت أربعة أشهر وعشر قبل أن تضع فلا تنقضي عدتها إلا بالوضع.
هذا في المتوفى عنها زوجها، أما المطلقة فإنها إذا حملت من زنا وهي تحته فإن عدتها لا تنقضي إلا بثلاثة أطهار تحسب لها بعد وضع الحمل، بحيث تحيض بعد الوضع ثلاث حيض وتطهر منها، ولا تنقضي عدتها إلا إذا رأت دم الرابعة.
الشرط الثاني: أن تثبت خلوته بها زمناً يمكنه أن يطأها فيه، وليس معه نساء متصفات بالعدالة والعفة، ولو واحدة، فإذا خلا بها لحظة صغيرة، أو كان معهما واحدة متصفة بالعدالة والعفة فلا تعتبر الخلوة، أما إذا كان معها نساء متهتكات معروفات بالسقوط فإنهن لا يمنعن صحة الخلوة فإذا لم تثبت الخلوة وظهر بها حمل فإنها تعتد بوضعه ما لم ينفه الزوج بلعان، فإن نفاه فإن وضعه لا يكون عدة لها،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولكن يكون استبراء ولا نفقة لها عليه ولا يتوارثان. أما إذا ثبتت الخلوة ونفاه بلعان فإنها تعتد بوضعه. لأن نفيه إياه في الظاهر لا يرفع احتمال أن يكون منه في الواقع.
الشرط الثالث: أن ينفصل الولد كله منها بعد الطلاق فلو نزل بعضه فإن عدتها لا تنقضي. وفي انقضاء العدة بنزول ثلثيه الخلاف المتقدم في عدة المتوفى عنها زوج وهي حامل.
الشرط الرابع: أن يكون حملاً ولو قطعة لحم. وقد عرفت أنه يعرف بصب الماء الحار عليه فإن لم يذب كان حملاً.
ثم إن المالكية قالوا: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأكثرها خمس سنين، وهذا هو المشهور الذي درج عليه القضاء عندهم، فإذا طلق امرأته واعتدت بالحيض أو بالأشهر في حال ما إذا مات عنها زوجها، وانقضت عدتها بثلاث حيض في الحالة الأولى، أو بأربعة أشهر وعشرة في الحالة الثانية ثم جاءت بولد لأقل من خمس سنين تحسب من زمن انقطاع وطئه عنها، فإن الولد يلحق نسبه بالزوج إن كان ميتاً بلا كلام، ويلحق بالمطلق إن كان حياً ما لم ينفه بلعان، بأن يدعي أنه ابن زنا ويلاعن بالكيفية الواردة في القرآن، كما يأتي في مباحث اللعان.
هذا إذا لم تتزوج حتى انقضت عدتها بالأشهر إذا كانت متوفى عنها زوجها أو بالحيض إن كانت مطلقة، وليس الحيض دليلاً على انقضاء العدة عند ظهور الحمل، لأن الحامل قد تحيض عند المالكية، أما إذا تزوجت غيره قبل الحيض، أو بعد الحيض، ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من الزواج الثاني، فإن الولد ينسب إلى الزوج الأول، ويفسد نكاح الزوج الثاني، لأنه يتبين في هذه الحالة أنه نكحها وهي في العدة، وتنقضي عدتها في الاثنين بوضع الحمل، أما إذا ولدته لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني فإنه يلحق بالثاني، ولو ولدته قبل انقضاء أقصى مدة المحل من انقطاع وطء الثاني، وهي الخمس سنين، ولا يفسخ النكاح.
وإذا ارتابت المرأة في وجود الحمل بعد انقضاء عدتها، فإنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تزول الريبة، ولو مكثت أقصى مدة الحمل، وهي خمس سنين، فإن تزوجت وهي مرتابة، فإن تزوجت قبل مضي الخمس سنين بأربعة أشهر، وولدت لخمسة أشهر من وطء الثاني، فإن الولد لا ينسب لواحد منهما، أما الأول فلأنها ولدته بعد الخمس سنين بشهر، وأما الثاني فلأنها ولدته لأقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر، وتحد المرأة لأنها تكون زانية، وقد استشكل بعض العلماء هذا فقال: إن الخمس سنين ليست محددة بكتاب الله، خصوصاً أن بعضهم قال: إن مدة الحمل قد تكون سبع سنين، وعلى هذا فينسب الولد الأول، ولا تحد المرأة.
الشافعية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بوضع الحمل ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون الحمل منسوباً إلى رجل له حق في العدة، ولو احتمالاً، فدخل بذلك الوطء بالعقد الصحيح والفاسد والوطء بشبهة الحمل الحاصل بسبب واحد من هذه الأشياء ينسب إلى الواطئ فيوجب العدة، أما وطء الزنا فإنه لا عدة فيه، ويحل التزوج بالحامل من الزنا ووطؤها وهي حامل على الأصح، فلو جهل حالها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
هل هو من الزنا، أو من وطء الشبهة، عوملت بوطء الشبهة بالنسبة للحد، فلا تحد، عوملت بوطء الزنا بالنسبة للعدة عليها، وقوله: ولو احتمالاً لإدخال وضع الحمل المنفي بلعان، فإنه وإن كان الولد لا ينسب إلى الواطئ لأنه زعم أنه تولد من الزنا، ولكن يحتمل أنه كاذب في الباطن فتنقضي العدة بوضعه، ولذا لو استلحقه بعد نفيه، يلحقه وينسب إليه، فإن حملت بزنا أو بوطء وهي تحت زوجها، ثم مات عنها فإنها تعتد عدة وفاة فلا تنقضي عدتها إلا بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام، مثلاً إذا كانت متزوجة صبياً لا يولد لمثله، بأن كان دون تسع سنين، أو متزوجة برجل ممسوح، أي مقطوع الذكر والأنثيين، ثم مات فوجدت حاملاً، فإن عدتها لا تنقضي إلا بمضي أربعة أشهر وعشرة، بحيث لو وضعت قبلها فإن عدتها لا تنقضي، وذلك لأن الولد في هذه الحالة لا يمكن نسبته إلى الزوج لا حقيقة ولا احتمالاً. وهذا بخلاف ما إذا كان مقطوع الانثيين دون الذكر، أو العكس، فإنه في الحالة الأولى يحتمل أن ينزل ماءً تحمل منه، وفي الحالة الثانية يحتمل أن يساحقها فينزل المني بواسطة الانثيين. وعلى كل حال فلا تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل، لأن الولد ينسب إلى الميت.
أما إذا طلقها فوطئها شخص آخر، وهي في عدتها بعقد فاسد، أو وطئها بشبهة فحملت منه فإنها في هذه الحالة تعتد عدتين: عدة وطء الشبهة وعدة الطلاق. وتبدأ بالعدة الأولى، فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الوطء الفاسد، ثم تعتد بعد انقضاء النفاس عدة كاملة بثلاثة أطهار، فإذا لم تحمل بالوطء الفاسد فإنها تبدأ بعد الطلاق، فتقضي ثلاثة قروء كاملة من وقت طلاقها بحيث لو كانت طاهرة بعد انقضاء نطقه بالطلاق، ثم حاضت يحسب لها ذلك طهراً كاملاً. وبعد أن تنتهي من عدة الطلاق تعتد عدة أخرى للوطء الفاسد بثلاثة قروء أخرى.
وبهذا تعلم أن عدة الوطء الفاسد تقدم في حالة ما إذا حملت به، أما إذا لم تحمل فإن عدة الطلاق تقدم حتى ولو كان الوطء الفاسد قبل الطلاق، مثلاً إذا وطئها شخص بشبهة، وهي في عصمته، ولم تحمل من وطئه، ثم طلقها زوجها فإنها تعتد لطلاقه أولاً.
هذا إذا وطئها شخص غير زوجها، أما إذا طلقها زوجها طلاقاً رجعياً قبل أن يراجعها فقد تقدم حكم ذلك في مبحث الرجعة، وهو إن كانت من ذوات الحيض تبتدئ عدتها من بعد الفراغ من الوطء وما مضى من العدة يسقط، أما ما بقي فإنه يدخل في العدة الجديدة لا فرق في ذلك بين أن تحمل من هذا الوطء أو لا، مثلاً إذا طلقها وهي غير حامل، ثم وطئها بعد مضي قرء من عدتها، فأحبلها بذلك الوطء، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل ويدخل فيها ما بقي لها من قرأين فلا تطالب بهما بعد انقضاء الوضع، وكذا إذا طلقها وهي حامل ثم وطئها قبل الوضع فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، ولا تطالب بعدة الاقراء بعد الوضع لأن الغرض من العدة معرفة براءة الرحم وهو مشغول، فلا حاجة لعدة أخرى، بل تدخل في عدة الحمل، لأنه هو صاحب العدة، وإذا كانت مكن ذوات الأشهر، فكذلك تبدأ عدتها من وقت الوطء، ويدخل فيها ما بقي من الأشهر وقولهم: إذا طلقها طلاقاً رجعياً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
احترز به عما إذا طلقها طلاقاً بائناً، ثم وطئها وهو عامل بالتحريم، فإن ذلك يكون زنا لا عدة له عندهم.
وحاصل ذلك أنه إذا طلقها طلاقاً رجعياً، ثم وطئها قبل الرجعة كان ذلك الوطء وطء شبهة تعتد له، لأن بعض الأئمة يقول بجوازه، فلا فرق فيه بين أن يكون عالماً بالتحريم أو جاهلاً أما إذا طلقها طلاقاً بائناً ثم وطئها، فإن كان عالماً بالتحريم فإن وطأه يكون زنا، وإلا بأن كان قريب عهد بالإسلام ويجهل، أو يعلم التحريم، ولكنه ظنها امرأته الأخرى، فإنه يكون وطء شبهة يجب فيه العدة.
هذا، وليس له أن يطأ حاملاً بوطء الشبهة، حتى ولو راجعها قبل وضع الحمل.
الشرط الثاني: أن ينفصل منها الولد، فلو مات في بطنها ومكث سنين كثيرة ولم تلد، فإن عدتها لا تنقضي، ولو كانت حاملاً باثنين، فإن عدتها لا تنقضي إلا بانفصال الولد الثاني.
الشرط الثالث: أن يكون الولد مخلقاً، بأن أخبر القوابل أنه حمل لظهور يد أو أصبع، أو ظفر بخلاف ما إذا وجد شك في أنه لحم إنسان، فإنها لا تنقضي به العدة، وكذا إذا أسقطت علقة غير مخلقة، فإنها لا تنقضي بها العدة.
واعلم أن أقل مدة الحمل عند الشافعية ستة أشهر كغيرهم، وأكثرها أربع سنين فإذا فارق امرأته بطلاق بائن، أو رجعي، أو فسخ فجاءت بولد بعد أربع سنين، وتحسب من ابتداء فراقها ناقصة لحظة الوطء التي أحبلها بها قبل طلاقها لأن المعقول أن مدة الحمل تحسب من وقت علوق الولد لا من وقت طلاق المرأة، وأكثرها أربع سنين، فإذا حسبت من تاريخ فراق المرأة بطلاق ونحوه كانت أكثر من أربع سنين، فلا بد إذاً من أن يقال أربع سنين من وقت علوق الولد أو يقال: أربع سنين من وقت الفرقا ناقصة لحظة الوطء التي حملت فيها قبل الفراق، وعلى كل حال فإذا جاءت المرأة بولد بعد أربع سنين كان الولد ابناً للمطلق، إلا إذا تزوجت بغيره وكان الزوج الثاني قادراً على الوطء، أما إذا تزوجت ممن لا يمكنه الوطء لصغر أو غيره وجاءت بولد فإنه ينسب للمطلق أيضاً، لأن الزوج الثاني لعدمه، فإذا تزوجت المطلقة وهي في العدة، وكان الزوج الثاني يجهل كونها في العدة فولدت له لأكثر من أربع سنين من طلاق الزوج الأول كان الولد للزوج الثاني بشرط أن تلده لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئها، مثلاً إذا طلقت وهي من ذوات الحيض ومضت عليها ثلاث سنين وأربعة أشهر ولم تحض، ثم تزوجت بآخر ووطئها ثم ولدت بعد ثمانية أشهر.
فإن الولد يكون للثاني، لأن أقصى مدة الحمل، وهي أربع سنين فقد انقضت وجاءت به لأكثر من ستة أشهر، ولو كان طلاق الأول رجعياً، على المعتمد، أما إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت وطء الثاني أو لأقل من أربع سنين من وقت طلاق الأول، فإن الولد يلحق بالأول، ثم إن المرأة تنقضي عدتها بوضع الحمل بالنسبة للزوج الأول، وتعتد ثانية للوطء الثاني المبني على نكاح الشبهة.
هذا، وإذا أمكن نسبته لهما معاً بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني، ولأقل من أربع سنين من طلاق الأول، فإن الولد في هذه الحالة يعرض على القائف، أي الذي يعرف الشبه، فيقول:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وجه هذا الولد كوجه فلان، أو يده، أو رجله، أو أصابعه، أو نحو ذلك، وما يحكم به القائف يعمل به، فإذا لم يوجد قائف، أو اختلفت القافة في أمره، فإن الولد يترك للبلوغ، وبعد البلوغ يختار أيهما شاء، وينسب إليه.
وقولهم: ولو كان الزوج الثاني يجهل كونها في العدة خرج به ما إذا كان يعلم أنها في العدة، فإنه يكون زانياً لا يترتب على وطئه نسب ولا عدة، كما تقدم.
الحنابلة - قالوا: يشترط في انقضاء العدة بوضع الحمل ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يلحق الولد الزوج، فإن لم يلحقه، كما إذا كان الزوج صغيراً دون عشر سنين أو كان ممسوحاً، وهو مقطوع الذكر والأنثيين أو مقطوع الأنثيين فقط، لأنه لا يلد، ثم توفي وتبين أن امرأته حامل، فإن عدتها لا تنقضي بوضع الحمل، لظهور أن الولد ليس ابنه، فلا يلحق نسبه به، ومثل ذلك ما إذا تزوجها، ثم مات عقب العقد بدون أن يمضي وقت يتمكن فيه من وطئها. أو دخل بها ثم مات عنها، وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت العقد، فإنها في كل هذه الأحوال لا تنقضي عدتها بالوضع، بل لا بد من مضي أربعة أشهر وعشراً إذا كانت حرة، ونصفها إذا كانت أمة، وتبدأ عدتها بعد وضع الحمل، فعليها عدتان: عدة الوطء الفاسد، وتنقضي بوضع الحمل، وعدة الزوج المتوفى، وتنقضي بأربعة أشهر وعشرة أيام، تبدأ فيها عقب الوضع، وإذا عقد عليها عقداً فاسداً، كما تزوجها بغير ولي أو شهود، ثم وطئها فحملت، وتوفي عنها، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإذا لم تحمل فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، كالمتوفى عنها زوجها بالعقد الصحيح، وهذا بخلاف ما إذا عقد عليها عقداً مجمعاً على بطلانه، كما إذا عقد على امرأة وهي في عدة غيره ووطئها، فإنه إذا توفي عنها وهي غير حامل، فإن عدتها تنقضي بثلاث حيض، لأن هذا العقد كالعدم، فالغرض من العدة ثبوت براءة الرحم بالحيض كما إذا زنا شخص بامرأة، فإنها يجب عليها أن تعتد بثلاث حيض، ولا تجب العدة بالخلوة في العقد الباطل المجمع على بطلانه، وإنما تجب بالخلوة في العقد الفاسد.
والحاصل أن العدة تجب بالوطء، سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو زنا، وسواء كانت المرأة مكرهة أو مطاوعة، ولكن إذا توفي الزوج ولم تكن حاملاً، فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشراً في العقد الصحيح، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مدخولاً بها أو غير مدخول بها، فإن كانت حاملاً، وكان زوجها كبيراً يولد لمثله، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإن كان صغيراً لا يولد لمثله، أو ثبت أن الحمل ليس من زوجها المتوفى، فإن عدتها لا تنقضي بوضع الحمل، بل لا بد من أربعة أشهر وعشر تحسب لها عقب الولادة، ومثل العقد الصحيح العقد الفاسد، وهو الذي لم يصح عند الحنابلة، ولكن قال به غيرهم من الأئمة، كالعقد بغير ولي، أو شهود، أما العقد الباطل المجمع على بطلانه، فإنه إن وطئها ولم يحبلها، ومات عنها، فإن عدتها تنقضي بثلاث حيض، ومثل ذلك ما إذا زنى بها، وقد عرفت حكم ما إذا أحبلها، أما إذا طلقها وهو حي فسيأتي حكمه بعد، ولكن بفارق حكمه حكم المتوفى عنها زوجها فيما إذا طلقها وهو صغير لا يولد لمثله، فإنها لا عدة عليها أصلاً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشرط الثاني: أن تضع كل الحمل، فإذا وضعت بعضه كثيراً كان أو قليلاً، فإن عدتها لا تنقضي وإذا كانت حاملاً باثنين فإن عدتها لاتنقضي إلا بوضع الثاني كله، ويصح العقد عليها بمجرد الوضع، ولكن يحرم وطؤها حتى تطهر من النفاس، ولو انقطع الدم. وإن وضعت ولداً وشكت في وجود آخر، فإن عدتها لا تنقضي حتى يزول الشك.
الشرط الثالث: أن يكون الولد مخلقاً. فإن أسقطت مضغة فإن العدة لا تنقضي بها إلا إذا أخبر النساء الخبيرات بأن هذه المضغة إنسان فإن العدة تنقضي به. بخلاف ما إذا قالت الخبيرات إنه مبدأ خلق آدمي. فإنه لا تنقضي به العدة، بل لا بد أن تشهد بأن به صورة إنسان خفية. ومن باب أولى ما إذا وضعت علقة. أو دماً فإنه لا تنقضي به العدة.
ثم اعلم أن أقل مدة الحمل عند الحنابلة ستة أشهر. كغيرهم. أما أكثرها فهي أربع سنين. وفاقاً للشافعية، وخلافاً للحنفية القائلين: إنها سنتان. والمالكية القائلين: إنها خمس سنين.
فإذا تزوجت المطلقة. أو المتوفى عنها زوجها وهي في العدة فإن النكاح يقع باطلاً على كل حال ولا تنقطع عدتها حتى يطأها الزوج الثاني. سواء علم بالتحريم أو لم يعلم. فإذا فارقها الثاني بنت على عدتها من الأول. مثلاً إذا طلقها فحاضت حيضة وتزوجت بغيره زواجاً باطلاً كانت عدتها الأولى ما لم يطأها الثاني، فإذا وطئها انقضت العدة من الأول، فإذا فارقها الثاني بنت على عدة الأول، واستأنفت العدة من الثاني، فلا تتداخل العدتان، فعليها لزوجها الأول عدة قضت منها حيضة، وبقي عليها حيضتان، وعليها من الوطء الحرام عدة أيضاً تقضيها بعد عدة الزوج الأول ولا فرق في عدة الأول بين أن تكون حيضاً أو شهراً، فإذا جاءت بولد، فإن كان لأقل من ستة أشهر من تاريخ وطء الثاني فإنه يكون للأول، بشرط أن لا يكون سقطاً، بل يعيش كالأولاد، كما تقدم، وبه تنقضي عدة الزوج الأول، ويكون عليها عدة للوطء الثاني بثلاثة قروء، أما إذا ولدته لستة أشهر فأكثر، فإنه ينسب للثاني وبه تنقضي عدة الوطء الثاني، وتبقى عليها عدة كاملة للزوج الأول، فتعتد به بثلاثة قروء بعد ولادتها أيضاً.
هذا إذا أمكن نسبته إلى الثاني فقط، بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئه، ولأربع سنين فأكثر من تاريخ طلاقها من زوجها الأول، كأن كانت تحيض كل ثلاث سنين ونصف مرة. أو تأخر حيضها بسبب من الأسباب، ثم حاضت بعد هذه المدة، وتزوجت بآخر قبل أن تحيض الحيضتين الباقيتين، فوطئها وولدت لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئه، فإن الولد في هذه الحالة ينسب للثاني بلا كلام، لأنها ولدته بعد انقضاء أكثر من مدة الحمل من تاريخ الفراق، وأقل مدة الحمل من تاريخ الوطء، فلا شبهة في كون الولد للثاني، أما إذا أمكن نسبة الولد لهما معاً بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني، ولأقل من أربع سنين من تاريخ طلاقها من الأول، فإن الولد يبحث بمعرفة القافة، بأن ينظر القائف في الواطئين وفي الولد، فإذا ألحقوه بواحد منهما كان ابنه وانقضت به عدتها، وبقيت عليها عدة الآخر ثلاثة قروء، والمراد بالقافة من لهم خبرة بشبه الولد بأبيه.