الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث هل لمن يريد السفر أن يختار من تسافر معه من زوجاته
؟
-وإذا سافر المتزوج أكثر من مرة واحدة فلا يخلو إما أن يكون مسافراً سفر انتقال من بلدة إلى أخرى ليستوطن بها، أو مسافراً سفراً مؤقتاً لقضاء حاجة، فإن كان الأول فإنه لا يجوز له أن يترك بعضهن ويأخذ البعض الآخر، لما في ذلك من المضارة للباقيات فإذا كان لا يستطيع أن يعيش معهن جميعاً في البلدة المنقول إليها وجب عليه أن يسرح منهن البعض الذي لا يريده، وإلا وجب عليه أن يقرع بينهن ويأخذ معه من عليها القرعة على أن تمكث معه زمناً ثم يعيدها ويأخذ غيرها لتمكث معه مثل الزمن الذي قضاه مع ضرتها، وهكذا، أما ما اعتاده بعض الناس الذين يتزوجون أكثر من واحدة في بلاد الأرياف ثم ينزحون بواحدة منهن إلى مصر ويتركون الباقيات كالمعلقات بحجة أنه لا يمكن العيش بهن جميعاً في مصر فإنه لا يجوز إلا برضاء الباقيات، وينبغي أن يكون هذا مما لا خلاف فيه، لأن لكل زوجة الحق في القسم في مثل هذه الحالة، إذ لا يقال للزوج إنه مسافر وإنما يقال له: إنه أقام في جهة وهجر نساءه في جهة أخرى، مع أن لهن عليه حقوقاً يجبر عليها، أما إن كان السفر لغرض من الأغراض من تجارة، وغزو، وحج، واستشفاء، ونحو ذلك، فإن فيه تفصيل المذاهب (1) .
هبتها، فلو قدمها انقضت فلا يكون لها حق في الرجوع. أما إذا كانت ليلتها الجمعة وأراد أن ينقلها إلى ليلة الاثنين فإنه يجوز من غير رضاها لأنه يريد أن يؤخرها لها لتكون لها الفرصة في الرجوع إذا شاءت، ولكن لا يجوز له النقل إلا برضاء الضرة الثالثة، وعلى هذا القياس.
هذا، وقد نقل بعض محققي الحنفية هذا عن الشافعية، فذكر أنهم يجيزون نقل الليلة الموهوبة بجوار ليلة الموهوب لها ليبيت عندها ليلتين متواليتين، ورجع هو عدم الجواز لما يلحق الضرة الثالثة من الضرر، ولكن الواقع أن الشافعية لم يجيزوا على الاطلاق، بل اشترطوا رضاء الضرة ورضاء الواهبة بحيث لا يعود على واحدة منهن ضرر، وهذا حسن ولا شيء فيه.
ويتضح من هذا كله أن الأئمة الثلاثة يقولون بعدم أخذ العوض المالي في نظير هبة النوبة من المبيت، وكذلك لا يجوز للزوجة بيع نوبتها لضرتها أو لزوجها بعوض مال خلافاً للمالكية القائلين بالجواز، ولكن الحنابلة والحنفية لهم رأيان في هذا والراجح عدم الجواز، كما عرفت، أما الشافعية فإنه لا خلاف عندهم في عدم الجواز) .
(1)
(الحنفية - قالوا: للزوج الذي يريد السفر إلى جهة أن يختار من بين زوجاته من تسافر معه لأنه هو الذي يقدر مشقة السفر ويعرف الصالحة له منهن، فهو صاحب الشأن وربما كان ترك بعضهن لازماً لتدبير المنزل، فلا يصح أخذها ولكن يرد على هذا التعليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه عند
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
السفر، والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك لأنهن كن عنده صالحات لاحتمال مشقة السفر وتدبير المنزل، فأيتهن لم تخرج لها القرعة صلحت لتدبير المنزل لأنهن جميعاً كن متمسكات بدينهن كما أمرهن الله فيعرفن واجباتهن في كل شأن من الشؤون وحيث تساوين في هذا المعنى فقد كان صلى الله عليه وسلم يقرع بينهن تطيباً لخاطرهن لا فرضاً عليه خصوصاً أن مذهب الحنفية يقضي بأن القسم غير واجب على النبي صلى الله عليه وسلم بل كان يفعله لما في طبيعته من حب العدل المطلق، فاقتراع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه لا يقتضي وجوب ذلك على غيره لما قد يعارض ذلك من المصلحة التي قررناها.
وقال بعض الحنفية: إن القرعة أحب تطيباً لخاطر الزوجات، والذي أفهمه أن عدم القرعة أحب، وذلك لأننا قلنا: إن المسألة منوطة بالمصلحة، وقد تخرج القرعة لمن لا تصلح، نعم انهم قالوا: إن له في هذه الحالة أن يرد القرعة ويأخذ الصالحة، ولكن هذا ينتج عكس المطلوب، وهو ترضية القلوب، لأن التي تخرج القرعة لها فلا تنفذ معها ينكسر خاطرها وتسوء حالها، فأولى أن لا يقرع بل يختار الصالحة من أول الأمر، نعم قد يقال: إذا كن متساويات في الصلاحية للسفر وتدبير المنزل ينبغي أن يقرع بينهن تطييباً لخاطرهن.
هذا، وليس للباقيات قسم، فإذا سافر بإحداهن وقضى معها مدة أسقطت من الحساب وفازت معه بها فعند العودة لا يقضيها لضراتها، لا فرق بين أن تكون مدة سفر، أو مدة إقامة، ولا فرق بين أن تكون من أجل الحج والغزو أو لا، وكذا لا فرق بين أن تكون سفر معصية أو لا، وإذا سافرت الزوجة وحدها وحضرت فلا حق لها في المطالبة بما مضى، لأن الذي مضى لا يعود ولو كان السفر بإذنه. هذا وإذا سافر بهن جميعاً هل يجب القسم بينهن في السفر أو لا؟ لا نص على هذا في كتب الحنفية، والذي أراه أنه يجب عليه القسم، وقد صرح به الحنابلة.
المالكية - قالوا: للزوج أن يختار من يسافر بها من بين زوجاته بدون قرعة، وسواء كان السفر من أحل الحج والغزو أو لا، وهذا القول هو ظاهر المدونة، فإنها أطلقت، ولكن بعضهم حمل هذا على ما إذا كان السفر لغير الحج والغزو. فإن كان لهما وجبت القرعة لما فيهما من ميزة توجب التزاحم والمشاحة، وهو المشهور، ولكن السفر للحج في زماننا هو الذي يوجب المشاحة، أما الغزو فلا، ولا تقضي مدة السفر ذهاباً وإياباً ولا مدة الإقامة، فالتي سافرت هي وحدها، ولو بإذنه لا حق لها في المطالبة بما فاتها ولو كان ذلك لقضاء حاجتها، وبالجملة فالذي يفوت من أوقات القسم لا يقضى ولو لم يكن مسافراً.
الشافعية - قالوا: إذا سافر سفراً قصيراً لغير نقلة من البلد إلى بلد آخر فإنه يصح له أن يأخذ بعض نسائه ويترك البعض بشروط: الأول أن يقرع بينهن، فمن خرج سهمها أخذها حتماً.
الثاني: أن يكون السفر مباحاً. فإذا كان عاصياً بسفره، كما إذا سافر لتلصص، فإنه لا يحل له أن يأخذ واحدة منهن. الثالث: أن عليه قضاء المدة التي يقطنها مع من يأخذ في الجهة التي سافر إليها