المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مبحث هل الخلع جائز أو ممنوع؟ وما دليل ذلك - الفقه على المذاهب الأربعة - جـ ٤

[عبد الرحمن الجزيري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌مقدمة [الجزء الرابع]

- ‌كتاب النكاح

- ‌تعريفه

- ‌حكم النكاح

- ‌مبحث أركان النكاح

- ‌مبحث شروط النكاح

- ‌خلاصة لأهم المسائل المتقدمة المتفق عليها والمختلف فيها

- ‌مباحث الولي

- ‌تعريف الولي

- ‌أقسام الولي

- ‌مبحث اختصاص الولي المجبر وغيره

- ‌مبحث إذا زوج الولي الأبعد مع وجوب الأقرب

- ‌مبحث للولي أن يوكل غيره بالزواج

- ‌دليل الولي من الكتاب والسنة

- ‌خلاصة مباحث الولي

- ‌مبحث الكفاءة في الزواج

- ‌مبحث عد المحرمات اللاتي لا يصح العقد عليهن

- ‌مبحث فيما تثبت به حرمة المصاهرة

- ‌مبحث المحرمات بالجمع

- ‌مبحث المحرمات لاختلاف الدين

- ‌مبحث المحرمة بالطلاق ثلاثة وحكم المحلل

- ‌مبحث إذا اشترط في النكاح شرطاً أو أضافه إلى زمن

- ‌النكاح المؤقت أو نكاح المتعة

- ‌مباحث الصداق

- ‌تعريفه

- ‌شروط المهر

- ‌أقسام الصداق. الخلوة - النكاح الفاسد

- ‌مبحث الوطء بشبهة

- ‌مبحث نكاح الشغار أو جعل كل من المرأتين صداقاً للأخرى

- ‌مبحث ما يعتبر به مهر المثل

- ‌مبحث نكاح التفويض وما يجب فيه من صداق، أو متعة

- ‌مبحث تصرف الزوجين في الصداق بالهبة والبيع ونحوهما

- ‌مبحث إذا هلك الصداق فعلى من ضمانه

- ‌حكم ما إذا كان الصداق عيناً فعرضت له زيادة، أو نقص

- ‌تأجيل الصداق وتعجيله

- ‌منع المرأة نفسها من الدخول وغيره لعدم قبض الصداق

- ‌مبحث إذا عجز الزوج عن دفع الصداق

- ‌مبحث للزوج أن يسافر بزوجته

- ‌مبحث اختلاف الزوجين في الصداق

- ‌مبحث في مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة

- ‌العيوب التي يفسخ بها النكاح ومسائل العنين - والمجبوب - والخصي - ونحوهم

- ‌أنكحة غير المسلمين

- ‌حكم نكاح المرتد عن دينه من الزوجين

- ‌مباحث القسم بين الزوجات في المبيت والنفقة ونحوهما

- ‌تعريفه

- ‌حكم القسم ودليله وشرطه

- ‌مبحث لا تجب المساواة بين الزوجين في الحب القلبي وما يترتب عليه من شهوة

- ‌كيفية القسم، وما يترتب عليه

- ‌مبحث حق الزوجة الجديدة في القسم وتنازل المرأة عن حقها فيه

- ‌مبحث هل لمن يريد السفر أن يختار من تسافر معه من زوجاته

- ‌مبحث هل للزوج أن يجمع بين زوجاته في بيت واحد وفي فراش واحد

- ‌مباحث الرضاع

- ‌تعريفه

- ‌شروط الرضاع

- ‌مبحث من يحرم بالرضاع ومن لا يحرم

- ‌مبحث ما يثبت به الرضاع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌تعريفه

- ‌أركان الطلاق

- ‌شروط الطلاق

- ‌مبحث تقسيم الطلاق

- ‌تقسيمه إلى واجب ومحرم الخ

- ‌مبحث الطلاق السني والبدعي وتعريف كل منهما

- ‌مبحث ما يترتب على الطلاق البدعي من الأحكام

- ‌دليل تحريم طلاق البدعة من الكتاب والسنة

- ‌الطلاق الصريح

- ‌مبحث كنايات الطلاق

- ‌مبحث أقسام كنايات الطلاق

- ‌مبحث في إضافة الطلاق إلى المرأة أو إلى جزئها

- ‌مبحث إذا قال: أنت حرام أو محرمة أو قال: علي الحرام أو نحو ذلك

- ‌مبحث تعدد الطلاق

- ‌مبحث إضافة الطلاق إلى الزمان أو إلى المكان

- ‌مبحث إذا وصف الطلاق أو شبهه بشيء

- ‌مبحث هل للزوج أن ينيب زوجته أو غيرها في الطلاق

- ‌مباحث الخلع

- ‌تعريفه

- ‌مبحث هل الخلع جائز أو ممنوع؟ وما دليل ذلك

- ‌أركان الخلع وشروطه

- ‌شروط ملتزم العوض والزوج وفيه خلع الصغيرة، والسفيهة، والمريضة

- ‌شروط عوض الخلع، وفيه الخلع بالنفقة، والحضانة والمال، ونحو ذلك

- ‌شروط صيغة الخلع

- ‌مبحث الخلع طلاق بائن لا فسخ والفرق بين الفسخ والطلاق

- ‌مباحث الرجعة

- ‌تعريفها

- ‌دليل الرجعة

- ‌أركان الرجعة وشروطها

- ‌مبحث اختلاف الزوجين في انقضاء العدة المبطل للرجعة، وما يتعلق بذلك

- ‌خاتمة في مسألتين

- ‌مباحث الإيلاء

- ‌تعريفه

- ‌أركان الإيلاء وشروطه

- ‌حكم الإيلاء ودليله

- ‌مباحث الظهار

- ‌تعريفه وحكمه. ودليله

- ‌أركان الظهار وشروطه

- ‌مبحث متى تجب كفارة الظهار

- ‌كيفية كفارة الظهار

- ‌مباحث العدة

- ‌تعريفه

- ‌أنواع العدة، وأقسامها

- ‌مبحث انقضاء العدة بوضع الحمل

- ‌دليل عدة الحامل، وحكمة مشروعيتها

- ‌انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل

- ‌مبحث عدة المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض وفيه معنى الحيض وشروطه

- ‌مبحث عدة المطلقة الآيسة من المحيض

- ‌دليلها

- ‌مباحث النفقات

- ‌تعريفها - حكمها - أسبابها - مستحقوها دليلها

- ‌مبحث نفقة الزوجة وتتعلق بها مسائل

- ‌أنواع نفقة الزوجية

- ‌مبحث هل تفرض النفقة بحسب حال الزوج أو الزوجة أو حالهما

- ‌مبحث هل تقدر النفقة بالحبوب والقماش أو بقيمتهما نقداً

- ‌مبحث وجوب شروط النفقة

- ‌مبحث هل تثبت النفقة قبل المطالبة بها

- ‌مبحث ما تسقط به النفقة

- ‌مبحث نفقة العدة

- ‌مبحث الحكم بالنفقة على الغائب وأخذ كفيل بالنفقة

- ‌مبحث إذا عجز الزوج عن النفقة على زوجته

- ‌مبحث نفقة الأولاد

- ‌مبحث النفقة على الآباء والأقارب

- ‌مباحث الحضانة

- ‌تعريفها - مستحقها

- ‌شروط الحضانة

- ‌مدة الحضانة

- ‌مبحث هل للحاضن أن يسافر بالمحضون

- ‌مبحث أجرة الحضانة

الفصل: ‌مبحث هل الخلع جائز أو ممنوع؟ وما دليل ذلك

‌مبحث هل الخلع جائز أو ممنوع؟ وما دليل ذلك

؟

-الخلع نوع من الطلاق، لأن الطلاق تارة يكون بدون عوض، وتارة يكون بعوض، والثاني هو الخلع، وقد عرفت أن الطلاق يوصف بالجواز عند الحاجة التي تقضي الفرقة بين الزوجين، وقد يوصف بالوجوب عند عجز الرجل عن الإنفاق والاتيان، وقد يوصف بالتحريم

الصريحة، فهي: خلعت، وفسخت، وفاديت، فهذه الألفاظ إذا استعملها الزوج المتوفرة فيه الشروط الآتية مع ذكر العوض ولو كان العوض مجهولاً وقبلته الزوجة صح الخلع، وترتب عليه الفراق وإن لم ينو الخلع لأنها صريحة في الخلع فلا تحتاج إلى نية، فإن لم يذكر العوض أو ذكره ولم تقبل الزوجة في المجلس لم يكن الخلع صحيحاً فيلغو ولا يترتب عليه شيء، وإذا ذكر العوض وقبلت الزوجة كان ذلك فسخاً بائناً تملك به الزوجة نفسها، ولكنه لم ينقص عدد الطلقات الثلاث إلا إذا نوى الزوج الطلاق لا الفسخ فإنه يكون طلاقاً ينقص عدد الطلقات الثلاث وأما الكناية في الخلع فهي ثلاثة ألفاظ أيضاً باريتك، أبنتك، ابنتك، فهذه الألفاظ الثلاثة يصح بها الخلع بالنية، أو دلالة الحال، فأما الحال فهي أن يذكر العوض وأن يكون الخلع إجابة لها عن سؤالها، فإذا قالت له: خالعني، فقال لها: خالعتك على مائة ريال مثلاً وقبلت وقع الخلع وفسخ النكاح بينهما من غير حاجة إلى نية فسخ النكاح، أما إذا لم تسأله الخلع أو لم يذكر العوض فلا يصح الخلع بها إلا بالنية من الزوجين فلو قالت له: أبرأتك ولم تذكر عوضاً ناوية به فسخ النكاح، فقال: قبلت وهو ينويه أيضاً لزم الفسخ وإلا فلا يلزم به شيء.

أما الطلاق في مقابل عوض فإنه يقع به طلاق بائن، إذا قالت له: طلقني بمائة شاة مثلاً. فقال لها: طلقتك استحق المائة وطلقت منه طلقة بائنة، بشرط أن ينوي الطلاق، وذلك لأن الطلاق في هذه الحالة يكون كناية، فإذا قالت له: خالعني، أو اخلعني بألف، فقال: طلقتك وقع طلاق رجعي، ولا يلزمها الألف، لأنه طلقها طلاقاً لم تطلبه، وكذا إذا قالت له: اخلعني ولم تذكر عوضاً، فقال لها: طلقتك فإنه يقع رجعياً، إلا إذا كان ثلاثاً فإنه لا رجعة فيه.

والحاصل أن الخلع بألفاظه المخصوصة، سواء كانت صريحة أو كناية فسخاً لا ينقص عدد الطلقات إلا إذا نوى به الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بائناً ينقص عدد الطلقات، بخلاف الطلاق على عوض بلفظ الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بائناً ينقص عدد الطلقات بشرط النية وقبول الزوجة، فإذا سألته الخلع بدون عوض، أو بعوض فاسد، فقال لها: أنت طالق وقع به طلاق رجعي، فإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً لزمته الثلاث، مثل ذلك ما إذا سألته الخلع، أو الطلاق على مال فأجابها بكناية من كنايات الطلاق ناوياً بها الطلاق فإنه يقع طلاقاً بائناً ويلزمها العوض.

فالخلع بألفاظ الخلع صريحة كانت، أو كناية فسخ بائن، والخلع بألفاظ الطلاق صريحة كانت أو كناية طلاق بائن ينقص عدد الطلاق بشرط النية) .

ص: 347

إذا ترتب عليه ظلم المرأة والأولاد، وقد يوصف بغير ذلك من الأحكام المتقدم ذكرها هناك على أن الأصل فيه المنع، وهو الكراهة عند بعضهم، والحرمة عند بعضهم ما لم تفض الضرورة إلى الفراق.

فهذا الأحكام يوصف بها الخلع كما يوصف بها الطلاق (1) ، إلا أنه يجوز الخلع في الوقت الذي لا يجوز فيه الطلاق (2) ، فيصح الخلع وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، بخلاف الطلاق.

أما الدليل على ذلك من الكتاب الكريم فقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ، وحدود الله تعالى هي ما حده الله تعالى وفرضه على واحد من الزوجين من الحقوق وأمر كلاً منهما بالوقوف عنده وعدم مجاوزته، فمن الحقوق التي أمر بها الزوجة طاعة زوجها طاعة تامة فيما يريده من استمتاع، إلا إن ترتب عليه ضرر، ومنها إخلاص المودة له إخلاصاً تاماً، فلا يحل أن يكون جسمها معه وقلبها مع غيره، فإن وجدت عندها حالة قهرية وجب عليها أن تحارب نفسها وأن تمنعها منعاً تاماً عن كل هوى يحملها على خيانته في عرضه أو عمل ما لا يرضى عنه من التكلم مع أجنبي لا يرضى عنه أو السماح له بدخول منزله بدون إذنه أو غير ذلك، ومنها أن تقوم بكل ما يصلح الأسرة، فلا يحل لها أن ترهقه بالإنفاق فيختل نظام الأسرة وتسوء حالة المعيشة، كما لا يحل لها أن تهمل في تربية أبنائها وبناتها، أو تكون أسوة سيئة لهم.

ومنها: عدم خيانته بالمحافظة على ماله إلى غير ذلك، ومن الحقوق التي أمر بها الزوج، الإنفاق عليها، بما يناسب حاله، والمحافظة على عرضها بإعفافها، وعدم خيانتها، ونحو ذلك من الحقوق التي بيناها في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.

فإذا حدث بين الزوجين شقاق فمن السنة أن يتوسط بينهما من يستطيع التأثير عليهما من أهلهما فإن عجزوا عن الاصلاح واشتد الشقاق إلى درجة يخشى معها الخروج عن حدود الله تعالى فإنه في هذه الحالة يصح المفارقة بعوض أو بغير عوض، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:{فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} الآية، والمراد بالحكم الرجل الصالح للحكم، وإنما كان بعث الحكمين من الأهل، لأن الأهل لهم تأثير على النفوس أكثر من

(1)(الشافعية - قالوا: قالوا: الأصل في الخلع الكراهة، ويكون مستحباً إذا أساءت المرأة المعاشرة، ولا يوصف بغير ذلك، فلا يكون حراماً. ولا يكون واجباً) .

(2)

(المالكية - قالوا: لا يصح الخلع في الزمن المنهي عنه، كالطلاق، كما تقدم في مبحث الطلاق البدعي) .

ص: 348

الأجانب لاطلاعهم على بواطن الأمور ومعرفتهم بالأساليب التي تصلح النفوس، على أن أسباب الشقاق قد تكون باطنية، فلا يستطع الزوجان إفشاءها أمام الأجانب، فحكمة اختيار الحكمين من الأهل ظاهرة، وهل للحكمين الحق في التطليق إذا اقتضت المصلحة؟ الجواب: نعم (1) وهل يصح للرجل أن يعامل زوجته بالقسوة حتى تكره معاشرته وتفتدي منه بالمال، وإذا افتدت منه بالمال فراراً من معاشرته القاسية فهل يصح الخلع ويكون له الحق في أخذ المثل؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب (2) .

(1)(الحنفية، والشافعية - قالوا: ليس للحكمين حق تطليق الزوجة، لأن الولاية على الطلاق مختصة، بالأزواج أو من ينوب عنهم. والمال من حق الزوجة في الخلع، فإذا أناب الزوج الحكمين في الطلاق كان لهما ذلك على الوجه السابق في مبحث الإنابة في الطلاق) .

(2)

(الحنفية - قالوا: إذا قسى الزوج على زوجته في المعاملة وضاررها لتفتدي منه حرم عليه أخذ شيء من المال، سواء كان من الصداق، أو من غيره، وإلى هذا يشير قوله تعالى:{فلا تأخذوا منه شيئاً} فإنه نهي للزوج عن أن يأخذ شيئاً من الصداق ولو كان كثيراً أما إذا أساءت الزوجة معاشرة زوجها ولم تؤد له حقوقه، أو خانته في عرضه، فله أن يأخذ عوضاً في مقابلة تطليقها بدون كراهة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فالآية الأولى نهي للأزواج عن أن يأخذوا شيئاً من الصداق في حالتين: حالة ما إذا كان الشقاق من الزوج، وحالة ما إذا لم يخافا الوقوف عند حدود الله، والآية الثانية تبيح للأزواج أخذ العوض على الطلاق في حالة ما إذا خافا أن لا يقيما حدود الله، ومن ذلك إساءة معاشرة الزوجة ومضاررتها، فلكل آية معنى لا يعارض المعنى الآخر، فمن قال: إن الآية الثانية نسخت لا وجه له، وعلى كل حال فمتى قبلت المرأة الخلع على مال فقد لزمها المال ووقع الخلع، وأصبح البدل ملكاً للرجل، ولكن إن كان قبولها لدفع البدل مبنياً على مضاررته وإساءته معاشرتها فقد ملكه ملكاً خبيثاً، وإن كان مبنياً على نشوز الزوجة وكراهتها للرجل فإنه يملكه ملكاً حلالاً، أما إذا أكرهها الزوج على قبول الخلع، إذا كان هو المبتدي بقوله: خالعتك فقبلت مكرهة، وقع الطلاق بائناً إن كان بلفظ الخلع، ولا حق في المال، لأن الرضا شرط في وجوب المال عليها، وإن قال لها: طلقتك على

مائة، وأكرهها على القبول وقع الطلاق رجعياً، ولا حق له في المال. وحاصله أن الإكراه على القبول إن كان بلفظ الخلع يقع به البائن ويسقط العوض، وإن كان بلفظ الطلاق على مال يقع به الرجعي ويسقط العوض.

بقي شيء، وهو هل للزوج أن يأخذ من المرأة أكثر مما أعطاها ولو كانت ناشزة؟ التحقيق الذي ذكروه في الجواب هو أن الأولى له أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها إن كان النشوز من قبلها، أما إن كان من قبله فقد عرفت أنه لا يحل له أن يأخذ شيئاً أبداً، ولكن ظاهر الآية يفيد الإباحة، لأنه تعالى قال:{فلا جناح عليهما} في حالة ما إذا كان النشوز منهما معاً، فإذا كان منها وحدها كان عدم الجناح

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أولى، اللهم إلا أن يقال: نفي الجناح نفي الإثم، فلا ينافي أن الأولى له أن يأخذ ما أعطاها بدون زيادة.

المالكية - قالوا: إذا أساء الرجل معاشرة زوجته وضاررها لتفتدي منه، فإن كان ذلك من أجل تركها للصلاة، أو للغسل من الجنابة فإنه يجوز له ذلك، فإن له أن يمسكها ويؤدبها حتى تؤدي ما فرض عليها، وإن شاء خالعها على مال، ويتم له ما أخذه، أما إذا أساء عشرتها وضاررها بضرب أو شتم بغير حق، أو أخذ مال، أو إيثار ضرة عليها في مبيت، أما إيثار ضرة عليها في حب قلبي فليس بضرر، فإذا فعل معها ذلك وافتدت منه بمال، وقع الطلاق بائناً، ورد لها المال الذي أخذه منها، فإن كان الخلع في نظير رضاع، أو نفقة حمل، أو إسقاط حضانة سقط عنها ما التزمته من ذلك وعاد لها حقها. ويثبت ضررها بشهادة واحد رأى بنفسه الضرر، أو سمعه من غيره. ولا يشترط كونه من الثقات، بل تكفي شهادة أحد الجيران بشرط أن تحلف الزوجة على ما تدعيه من ضرر، وهل يشترط تحليف الشاهد، أو لا؟ خلاف وبعضهم يقول: الصواب تحليفه أيضاً، فإن شهدت امرأتان فإن شهادتهما مع يمين الزوجة تكفي في إثبات الضرر بشرط أن تكون شهادة قطع لا شهادة سماع، بأن تشهدا بأنه ضاررها أمامهما، وقيل: تكفي شهادتهما بالسماع، على أن شهادة الواحد مع يمين الزوجة وشهادة المرأتين مع يمينها تسقط العوض المالي، أما ما لا يؤول إلى المال، فإنه لا يسقط، كخلعها بإسقاط حضانتها.

وإذا ضاررها جاز لها التطليق به، ولكنها وهي في عصمته لم تستطع الخلاص منه إلا بالاعتراف بأن لا حق لها في ادعاء الضرر، ولا حق لها في إحضار بينة تشهد على الضرر فخالعها على مال أخذه، وسجل عليها اعترافها المذكور، فإنه لا يعمل بهذا الاعتراف، لأنه ناشئ عن إكراه، أما طريق إثبات الاعتراف فهي البينة فإن كانت قد أحضرت بينة وقالت لها قبل الخلع: أنها ستعترف لزوجها بأن لا حق لها في ادعاء الضرر ولا في الإشهاد عليه مكرهة على ذلك لتتخلص من شره، وشهدت البينة بذلك، فإن للزوجة الرجوع عن إقرارها باتفاق، ومثل ذلك إذا قامت لها بينة لم تكن تعلم بها، وشهدت بأنها اعترفت مكرهة للتخلص من شره، ويقال للبينة الأولى: بينة استرعاء، أي بينة استشهاد قبل الخلع بأنها لم تشترط على نفسها ذلك إلا للضرر.

هذا كله إذا ضاررها هو. أما إذا كانت هي الناشزة وأساءت معاشرته بشتم ونحوه، فإنه يتم له ما أخذه بلا كراهة.

بقي شيء آخر، وهو ما إذا علم بأنها زانية، فهل له أن يضاررها حتى تفتدي منه؟ وإذا افتدت منه بمال الضرر هل يتم له أخذه؟ والجواب: ليس له ذلك، لأنه إذا علم بزناها ورضي بالبقاء معها من أجل العوض المالي كان في حكم الذي رضي بالديوثة، فليس له إلا أن يطلقها بدون مال، أو يمسكها، كما تقدم في مباحث الطلاق، فإن ضاررها وافتدت منه بمال وثبت ذلك رجعت عليه به وبانت منه بدون مال.

الحنابلة - قالوا: إذا أساء الرجل معاشرة زوجته فضاررها بالضرب والشتم وبالتضييق عليها

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإيثار ضرتها عليها في قسم، أو منعها حقها في النفقة، أو نقصها شيئاً من حقوقها لتفتدي نفسها منه، ففعلت كان الخلع باطلاً، وإن أخذ منها شيئاً وجب أن يرده لها، وبقيت زوجة له على عصمته، كما كانت قبل الخلع، وذلك لأنها أكرهت على العوض فلا يستحق الزوج أخذه، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله:{ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} والنهي يقتضي الفساد عند الحنابلة، نعم إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، أو بلفظ الخلع ونحوه، ولكن نوى به الطلاق فإنه يقع به الطلاق رجعياً، فإذا ضاررها الزوج لا بقصد أن تفتدي منه، ولكن فعله لسوء خلقه فافتدت منه، فإن الخلع يصح، وله أخذ العوض، ولكنه يأثم بمضاررة زوجته وإيذائها فالواجب أن يعمل الأزواج بقوله تعالى:{عاشروهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} .

هذا إذا كان الضرر من جهة الزوج، أما إذا كان من جهة الزوجة، فإن كانت تاركة لفرض من فروض الله، أو كانت فاسدة الأخلاق زانية، فإن له أن يضاررها لتفتدي منه، وإذا افتدت حل له أخذ العوض وصح الخلع، لأن الله تعالى قال:{ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} ، فإنها إذا فعلت فاحشة كان للزوج عضلها وتأديبها حتى تكف عن الفاحشة، أو تفتدي منه، ومثل ذلك ما إذا كان النشوز من جهتهما معاً، وهو المذكور في آية {إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله} .

الشافعية - قالوا: الأصل في الخلع الكراهة، فيكره للرجل أن يخالع زوجته لغير حاجة، كما يكره للمرأة أن تبذل مالها للرجل ليخالعها بدون ضرورة، ولكن يستثنى من الكراهة صورتان: الصورة الأولى: أن يحدث بينهما شقاق يخشى منه أن يفرط كل من الزوجين في الحقوق التي فرضها الله عليه للآخر، كما إذا خرجت الزوجة عن طاعة الزوج، وأساءت معاشرته، أو أساء هو معاشرتها بالشتم أو الضرب بلا سبب، ولم يزجرهما الحاكم ولم يتمكن أهلهما من الصلح بينهما فإنه في هذه الحالة يستحب الخلع، ومتى قبلت المرأة لزمها المال وليس لها أن تطلب رده بدعوى أنه ضاررها، نعم لا يحل للرجل أن يضار امرأته لتفتدي منه، ولكن إن وقع بشرائطه الآتية تم عليهما فليس لواحد منهما الرجوع.

الصورة الثانية: أن يخلف بالطلاق الثلاث على أن لا يدخل هذه الدار، أو على أن لا يدخل هذه الدار هذه السنة، فإن له في هذه الحالة أن يخلعها بدون كراهة، فتبين منه ويدخل الدار، وهي ليست زوجته، فلا يقع عليه يمين الثلاث، ثم تبين منه بطلقة واحدة على الصحيح من أن الخلع طلاق لا فسخ. ومن قال: أنه فسخ يقول: أنها تبين منه ولا ينقص عدد الطلقات، بشرط أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ المفاداة، وأن لا ينوي به الطلاق، ومثل ذلك إذا حلف ليفعلن كذا، كما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها، فإن له أن يخلعها ولا يقع عليه الثلاث بعدم التزوج عليها، أما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها في هذا الشهر، ففيه خلاف. والمعتمد أنه إذا خالعها، وقد بقي من الشهر زمن يمكنه أن يتزوج فيه، فإن الخلع يخلصه من الطلاق الثلاث، وإلا فلا) .

ص: 351