الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل الرجعة
-إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً، فإن كان لحاجة شرعية فإنه لا ينبغي له أن يراجعها خصوصاً إذا كان طلاقها واجباً وإمساكها محرماً، فإنه يحرم عليه أن يرجع إليها ثانياً، أما إذا كان طلاقها محرماً، كما إذا طلقها طلاقاً بدعياً، فقد عرفت اختلاف الأئمة في الرجعة، وعرفت أن بعضهم يرى وجوبها عليه، فإن لم يفعل أرغمه الحاكم. أو راجع عنه إن أبى، أما إن طلقها طلاقاً مباحاً، كأن ساءت المعاشرة بينهما مؤقتاً، ولم يستطع أحد أن يصلح بينهما، ثم زالت هذه الشدة بعد الطلاق وصفت القلوب، فإن الرجعة في هذه الحالة تكون مندوبة، إلى غير ذلك من الأحكام المتقدم بيانها في مبحث الطلاق السني.
ثم إن الرجعة ثابتة بالكتاب، والسنة والاجماع، فأما الكاتب فمنه قوله تعالى:{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أن أرادوا اصلاحاً} ، وأما السنة فمنها حديث ابن عمر المتقدم حين طلق امرأته، فإن النبي صله الله وعليه وسلم قال لعمر:"مر ابنك فليراجعها"، فدل ذلك على ثبوت الرجعة، على أن النبي صلى الله وعليه وسلم قد طلق حفصة، ثم راجعها، وأما الإجماع فقد أجمع أئمة الدين على أن الحر إذا طلق دون الثلاث. والعبد إذا طلق دون اثنتين لهما حق الرجعة في العدة ولم يخالف في ذلك أحد.
أركان الرجعة وشروطها
-للرجعة أركان ثلاثة: صيغة، ومحل، ومرتجع، ولكل واحدة من هذه الثلاثة شروط مفصلة في المذاهب (1) .
الاستمتاع بها بنية الرجعة، وإلا حرم، وخلافاً للحنابلة الذين يقولون إن الرجعة تحصل بالوطء واو لم ينو به الرجعة بدون كراهة.
الحنابلة - قالوا: الرجعة إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد، وهو تعريف لا يرد عليه شيء، ثم إن الحنابلة يقولون: إن إعادة المطلقة طلاقاً رجعياً تارة تكون بألفاظ مخصوصة وتارة تكون بالوطء، سواء نوى به الرجعة أو لا، وسيأتي توضيه) .
(1)
(الحنفية - قالوا: إن ركن الرجعة هو الصيغة وحدها، وأما المحل، والمرتجع فهما خارجان عن الماهية، ثم الصيغة عندهم قسمان: قول، وفعل، والقول إما صريح، أو كناية، فالصريح هو كل ما يدل على الرجعة وإبقاء الزوجية، ونحو: راجعتك، وراجعتك، وراجعتك، إذا كان مخاطباً لها، فإن لم يكن مخاطباً لها، سواء كانت حاضرة أو غائبة، قال: رجعت زوجتي، أو امرأتي الخ، ومن الصريح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رددتك، ومسكتك، وأمسكتك. وهذه الألفاظ تحصل بها الرجعة وإن لم ينو، إلا أنه يشترط في الرجعة بقوله: رددتك، أن يقول: إلى أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك لا يكون صريحاً في الرجعة. بل يكون كناية يتوقف على النية، وذلك لأن رددت يحمل رد زواجها فلم يقبلها. ويحتمل رجعتها إليه، فإذا صرح بكلمة إليه، أو إلى عصمته، فقد رفع الاحتمال، ومن الصريح أن يقول لها: نكحتك، أو تزوجتك، وأما الكناية فهي مثل أن يقول لها: أنت عندي كما كنت، أو أنت امرأتي أو أصبحنا من الآن كما كنا، أو نحو هذا، فإن نوى بهذه الألفاظ الرجعة فإنه يصح وإلا فلا، أما الفعل فقد تقدم أنه كل فعل من الزوج أو الزوجة يوجب حرمة المصاهرة من لمس، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل الفرج، ويشترط في ذلك الشهوة، فإن فعل أحد الزوجين مع الآخر شيئاً من هذا بدون شهوة فإنه لا تتحقق به الرجعة، على أن المرأة إذا قبلته، أو نظرت إلى فرجه، أو نحو ذلك بدون أن يشتهي هو فلا بد أن تقول: إنها هي فعلت بشهوة، ولا بد أن يصدقها، أما إذا قال: إنها لم تفعل بشهوة فلا تصح الرجعة إلا إذا قامت قرينة على كذبه وصدقها، أما إذا قبلته فانتشر، أو عانقها وقبل فاها، أو أمسك ثديها.
أو نحو ذلك من الأمارات التي تدل على أنه التذ، فغن حصل شيء من ذلك ومات الزوج وادعى الورثة أنها فعلت معه بدون شهوة، فلم ترجع زوجة له وادعت هي أنها فعلت بشهوة، فإن ادعت أنه قد اشتهى هو فإن بينتها على ذلك تسمع، ولا تثبت الرجعة بالنظر إلى الدبر بشهوة إجماعاً، لأنه لا تثبت بذلك حرمة المصاهرة، وهل الوطء في الدبر رجعة أو لا؟ فبعضهم يقول: إنه ليس برجعة، ولكن الصحيح أنه رجعة، لأن فيه المس بشهوة، كما لا يخفى. وإنما لم تثبت به حرمة المصاهرة مع كونه فيه مساً لأنك قد عرفت في مبحثه أن حرمة المصاهرة تثبت بالوطء في الفرج وبالمقدمات المفضية إلى الوطء في الفرج، فإذا وطئها في الدبر ظهر أنه لا يقصد وطأها في الفرج فمقدمات الوطء في الدبر لا قيمة لها بخلافه هنا. فإن الغرض المس بشهوة مطلقاً، وقد تحققت، ولا تصح الرجعة بالخلوة بدون تلذذ، وكما تحصل الرجعة بمقدمات الوطء المذكورة تحصل بالوطء من باب أولى، والوطء كمقدماته جائزان للزوج المطلق طلاقاً رجعياً سواء نوى بهما الرجعة أو لا. ولكن الأولى أن يراجعها بالقول، وأن يشهد على ذلك عدلين ولو بعد الرجعة بالفعل، وإذا راجعها وهي غائبة يندب له إعلامها، وهذه هي الرجعة السنية وأما الرجعة بالوطء ومقدماته فإنها بدعية فإن راجع بها ندب له أن يرجع بالقول ويشهد على قوله وإلا كان مكروهاً تنزيهاً. كما عرفت. وإنما حل وطء المطلقة رجعياً والتلذذ بها، لأن ملك العصمة باق من كل وجه ولا يزول إلا عند انقضاء العدة، كما بيناه.
فإن قلت: إذا كانت الزوجية قائمة من كل وجه، فما بالكم قلتم: إنه لا يصح للزوج أن يسافر بزوجته المطلقة طلاقاً رجعياً قبل مراجعتها؟ قلت: إن ذلك ثبت بالنص، وهو النهى عن خروج المطلقة مطلقاً من منزلها، قال تعالى:{لا تخرجوهن من بيوتهن} ، والنهى عن الإخراج مطلقاً شمل الإخراج من أجل السفر.
ويشترط للرجعة شرط واحد، وهو أن تكون الزوجة مطلقة طلاقاً رجعياً، بحيث لا يكون ثلاثاً في الحرة ولا ثنتين في الأمة. أو واحدة مقترنة بعوض مالي في الخلع، أو موصوفة بصفة تنبئ عن الإبانة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كطلقة شديدة أو مشبهة بما يفيد الإبانة كطلقة مثل الجبل، أو تكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، أو واحدة قبل الدخول.
والحاصل أن الطلاق البائن، هو الطلاق الثلاث، والطلاق الواحد بعوض مالي، والطلاق الواحد الموصوف أو المشبه بما يشعر بالإبانة على الوجه المتقدم في وصف الطلاق، والكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، بخلاف الكنايات التي يقع بها الرجعي، وقد تقدم بيانهما في مبحث الكنايات بالإيضاح التام، والطلاق قبل الدخول، أما الطلاق الرجعي فهو ما ليس كذلك وهو الذي تصح فيه الرجعة، ثم إن الرجعة تصح من المجنون بالفعل، مثلاً إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً، وهو سليم، ثم جن فله مراجعتها بالوطء أو بالتقبيل، أو نحو ذلك، وكذلك تصح رجعة النائم والساهي والمكره، فإذا قبلها بشهوة وهي مكرهة فقد راجعها بذلك، وكذا إذا كانت جالسة متكئة وأمكنه أن ينظر إلى داخل فرجها بشهوة، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم تعلم، وكذا إذا نظرت إلى ذكره بشهوة بدون علمه فإنه يكون رجعة، وتصح أيضاً مع الهزل، واللعب، والخطأ، بأن أراد أن يقول لأخته: اسقني الماء فجرى لسانه يقول: راجعت زوجتي، نعم يشترط في صحة الرجعة أن لا يعلقها على شرط، كأن يقول: إن دخلت الدار قد راجعتك وكذا يشترط أن لا يضيفها إلى وقت في المستقبل كأن يقول: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإذا قال ذلك فإنه لا يكون رجعة باتفاق، على أنهم يعدون ذلك من أحكام الرجعة ويمكن عده في الشروط وكذا لا يصح شرط الخيار في الرجعة، فإذا قال لها: راجعتك على أني بالخيار، فإن الرجعة لا تصح، وعلى هذا يمكن أن يقال: إن شروط الرجعة أربعة: أحدها: أن يكون الطلاق رجعياً فلا رجعة من الطلاق البائن. ثانيها أن لا يشترط فيها الخيار. ثالثها: أن لا يضيفها إلى زمن. رابعها: أن لا يعلقها على شرط ثم إنه يشترط في الرجعة خمسة شروط، وهي:
- 1 - وأن لا يكون ثلاثاً.
- 2 - وأن لا يكون واحدة بعوض، سواء كان بلفظ الخلع ونحوه، أو بلفظ الطلاق.
- 3 - وأن لا يكون واحدة قبل الدخول.
- 4 - وأن لا يكون واحدة موصوفة أو مشبهة بما يفيد البينونة.
- 5 - وأن لا يكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن بالنية أو بقرينة الحال.
فالطلاق الرجعي هو ما توفرت فيه الشروط فإذا ضمت الشروط للشروط المتقدمة كانت شروط الرجعة تسعة، ولا حاجة إلى عد شروط المرتجع من كونه عاقلاً بالغاً الخ، لأن الرجعة لا تتحقق إلا بعد تحقق الطلاق من نكاح صحيح، فالصبي والمجنون لا يتحقق منهما طلاق فلا رجعة، والنكاح الفاسد لا طلاق منه فلا رجعة، فتحصل أن ركن الرجعة شيء واحد، وهو قول مخصوص، أو فعل مخصوص، والأول ينقسم إلى قسمين: صريح، وكناية، والثاني ينقسم إلى قسمين: وطء، وعمل يوجب حرمة المصاهرة، ويصح التعبير عنه بمقدمات الوطء وكلاهما يحل للزوج فعله مع مطلقته
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرجعية كما يحل لها مع كراهة التنزيه، فالرجعة السنية التي لا كراهة فيها هي أن يراجعها بالقول، ويشهد على قوله عدلين، ثم إن راجعها في غيبتها يعلمها ولا يدخل عليها إلا بإذنها كي تستعد للقائه، ولهذا قسموا الرجعة إلى قسمين: سنية، وبدعية، أما شروطها فقد عرفت ما فيها. المالكية - قالوا: يشترط في المرتجع شرطان، أحدهما: أن يكون بالغاً، فلا تصح الرجعة من الصبي ولا من وليه، وذلك لأن طلاق الصبي غير لازم، وطلاق وليه عنه إما أن يكون بعوض، وهو بائن لا رجعة فيه حتماً، وإما أن يكون بغير عوض، وهو بائن أيضاً، لأنه بمنزلة الطلاق قبل الدخول، لأن وطء الصبي لا يعتبر، فكأنه عدم محض، وهذا بخلاف نكاح الصبي فإنه صحيح، ولكنه يتوقف على إجازة الولي. ثانيهما: أن يكون عاقلاً، فلا تصح الرجعة من المجنون، ومثله السكران، فإن رجعته لا تصح ولو كان سكره بحلال.
ولا يشترط أن يكون حراً، فإن العبد يصح نكاحه بإذن سيده وإذن السيد بالنكاح إذن بتوابع النكاح، فلا تتوقف رجعته على إذن سيده، ومثل العبد المحجور عليه لسفه أو لفلس، فإن لهما الحق في الرجعة بدون إذن الولي في المحجور عليه لسفه، أو إذن الغريم إذا كان محجوراً عليه لفلس، وكذا لا يشترط أن يكون المرتجع سليماً من المرض، فيصح للمريض أن يراجع زوجته، وليس في رجعته إدخال وارث جديد، وهو لا يجوز، لأن المطلقة رجعياً ترث وهي في العدة على كل حال، وإن لم يراجعها.
وكذا لا يشترط أن يكون الزوجان غير محرمين إحرام النسك، فيصح للمحرم أن يراجع زوجته حال الإحرام، سواء كانت محرمة هي، أو لا؟ فهؤلاء الخمسة تصح رجعتهم، وإن كان لا يصح نكاحهم ابتداء، وهم: العبد، والسفيه، والمفلس، والمريض والمحرم، أما الصبي فإنه وإن كان يجوز نكاحه لا يقع موقوفاً على إذن وليه ولكنه لا يصح طلاقه أيضاً، وطلاق وليه عنه بائن لا رجعي، وأما المجنون والسكران فنكاحهما لم يصح أصلاً، كما أن طلاقهما لم يصح، فلم تصح رجعتهما بحال من الأحوال. وأما المرتجعة وهي الزوجة، فيشترط فيها ثلاثة أمور: أحدها: أن تكون مطلقة طلاقاً غير بائن، والطلاق البائن هو ما كان بالثلاث أو كان واحدة في نظير عوض أو كان واحدة ونوى به طلاقاً بائناً أو حكم به حاكم على الزوج بسبب عيب، أو نشوز، أو إضرار، أو فقد الزوج، أو إسلام، أو كمال عتق الزوجة. إلا إذا حكم به الحاكم بسبب الإيلاء، فإنه يكون رجعياً وكذا إذا حكم به عليه لعسر في النفقة فإنه يكون رجعياً له مراجعتها في العدة، ومثل ذلك ما إذا كان موسراً ولكنه غائب عنها في مكان بعيد لا تصل إليه وليس له مال في بلدها، فإنه إذا طلق عليه القاضي وحضر وهي في العدة كان له مراجعتها، فمتى كانت مطلقة طلاقاً غير بائن فإن له مراجعتها بدون رضاها. ثانيها: أن تكون في عدة نكاح صحيح أما إذا كانت في عدة نكاح فاسد، كما إذا تزوج خامسة ودخل بها، فإن نكاحه فاسد يفسخ بعد الدخول، وعليها العدة ولا تصح رجعتها وهي معتدة، وكذا إذا جمع أختاً مع أختها، ولو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ماتت الأولى أو طلقت، لأن النكاح فاسد فلا تصح رجعتها.
ثالثها: أن يدخل بها ويطأها وطأً حلالاً، فإذا تزوج امرأة ودخل بها وهي حائض ووطئها في حال الحيض، أو وطئها وهي محرمة بالنسك فقط، ولم يطأها قبل ذلك ولا بعده، ثم طلقها طلقة رجعية فإنه لا يحل له رجعتها، لأن وطأها محرم لا قيمة له في نظر الشرع والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، فكأنه طلقها قبل الدخول فتبين منه ولا رجعة له عليها، ولا تصح الرجعة إلا إذا ثبت النكاح بشاهدين، وثبتت الخلوة أيضاً ولو بامرأتين، وتصادق الزوجان على الوطء، فإذا لم تعلم الخلوة بينهما وأراد رجعتها فإنه لا يمكن منها، ولو تصادقا على الوطء قبل الدخول أو بعده من باب أولى، فإن التصادق على الوطء لا ينفع على أي حال عند عدم العلم بالخلوة ومع كون تصادقهما على الوطء لا يعمل به في الرجعة فإنه يعمل في غير الرجعة، فإذا أقر بأنه وطئها لزمه نفقتها وسكناها ما دامت في العدة، وإذا أقرت بأنه وطئها لزمها أن تعتد منه وأن لا تتزوج غيره حتى تنقضي عدتها، على أنه إذا أقر هو بالوطء ولم تصدقه فلا يلزمها شيء، وبالعكس، وأما ما تتحقق به الرجعة فهو أمران:
أحدهما: القول: وهما قسمان: الأول: صريح في الرجعة لا يحتمل غيرها، كرجعت زوجتي إلى عصمتي، وراجعتها، ورددتها لنكاحي، فإذا لم يقل: لنكاحي لا يكون صريحاً إذ يحتمل عدم قبولها، يقال: رد الأمر إذا لم يقبله.
والثاني: كناية يحتمل الرجعة وغيرها، كقوله: أمسكت زوجتي، أو مسكتها، فإنه يحتمل أمسكتها حبستها لأعذبها، وأمسكتها في عصمتي زوجة، ومن ذلك ما إذا قال لها: أعدت الحل، ورفعت التحريم فإنه يحتمل لي، أو لغيري، أو رفعت عني، أو عن غيري، فهو كناية فإن كانت بلفظ صريح لا تحتمل غيره، فإن الرجعة تصح به بدون نية، قضاء لا ديانة، فلا بد من النية لتحل له بينه وبين الله، أما المحتمل فإن الرجعة لا تصح به بدون نية مطلقاً، وهل إذا قال قولاً صريحاً هازلاً ينوي به عدم الرجعة يكون رجعة أو لا؟ والجواب: أنها تكون رجعة في الظاهر، فيلزم بنفقتها وكسوتها، وإذا مات ترثه بناء على هذا القول الهزلي، أما بينه وبين الله فليست بزوجة له، فلا يحل له وطؤها إلا إذا راجعها بلفظ جدي في العدة. أو عقد عليها إذا انقضت العدة، كما إذا أتى بلفظ صريح بدون نية وبدون هزل. بقي هل تصح الرجعة بالكلام النفسي بينه وبين الله أو لا؟ قولان مصححان، ولكن المعول عليه أن الكلام النفسي لا يثبت به يمين، ولا طلاق ولا رجعة، لا في الظاهر ولا في الباطن، على أنه لا خلاف في أنه لا يترتب عليه شيء في الظاهر، فإن القاضي له الظاهر.
الأمر الثاني: الفعل، وهو أن يطأ الزوجة بنية مراجعتها، فإن فعل ذلك فإنه يصح وتعود الزوجية بينهما، وإن لم ينو حرم عليه ذلك الوطء ولكن هذا الوطء لا يوجب حداً ولا صداقاً ويلحق به نسب الولد إذا حملت منه، ويجب عليه أن يستبرئها بحيضة بعد هذا الوطء بحيث لا يحل له أن يراجعها بالوطء مع نية المراجعة قبل أن تحيض وتطهر بعد الوطء الأول ولكن يحل له أن يراجعها بالقول: إن كانت باقية في العدة، فإذا انقضت عدتها بعد وطئها ولم يراجعها بالقول لقد بانت منه، ولا يحل له ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لغيره أن ينكحها قبل أن تحيض حيضة الاستبراء فإذا عقد عليها قبل انقضاء مدة الاستبراء كان العقد فاسداً فيفسخ، وإذا وطئها في زمن الاستبراء لا يتأبد تحريمها عليه.
هذا، وإذا وطئها بلا نية مراجعتها ثم انقضت عدتها وطلقها بعد ذلك، فهل يعتبر هذا الطلاق ويلحق بالأول أو لا؟ في ذلك قولان: أحدهما أنه لا يلحق، وذلك لأنك قد عرفت أن المشهور أنه لا يحل للرجل أن يطأ مطلقته رجعياً بدون نية الرجعة، فإذا وطئها كذلك لم يكن مراجعها وعلى هذا إذا انقضت عدتها لا تكون له زوجة، فطلاقها بعد ذلك لم يصادف محلاً، وبعضهم يقول: إن الطلاق الثاني يلحق وذلك لأن الوطء بدون نية الرجعة يعتبر رجعة عند بعضهم فبالنظر لهذا القول ينبغي الاحتياط فتحسب زوجة له بحيث لو طلقها بعد العدة يعتبر طلاقه وهذا القول هو المشهور، ولا مانع عند المالكية أن يبنى قول مشهور على قول ضعيف.
والحاصل أن الرجعة تحصل بالقول مع النية، سواء كان القول صريحاً أو محتملاً، فإذا أتى بالقول الصريح الذي لا يحتمل، فإنه يكون رجعة في الظاهر وإن لم ينو، سواء كان جاداً أو هازلاً، أما بينه وبين الله فإنها لا تحل له إلا إذا نوى بلفظ الرجعة وكان جاداً لا هازلاً، وإذا أتى بقول محتمل، فلا تحصل به الرجعة لا قضاء ولا ديانة إلا بالنية، وكما تحصل بالقول تحصل بالفعل مع النية، فإذا وطئها بنية الرجعة صح، وإلا فلا، وحرم عليه ذلك الوطء على الوجه الذي ذكرناه، أما الكلام النفسي بدون لفظ ففيه قولان: وأما النية وحدها بدون أن يتلفظ أو يطأها، فإنها لا تنفع، بلا خلاف.
وبهذا تعلم أن الصيغة إن كانت قولاً صريحاً، أو كناية فيشترط فيها النية، وإن كانت فعلاً، وهو الوطء فيشترط فيه النية، وكذا يشترط أن تكون الرجعة بالقول منجزة غير معلقة على شيء على الراجح، فإذا قال لها: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإن هذا لا يكون رجعة أصلاً لا في الغد ولا الآن، وذلك لأن الرجعة ضرب من ضروب الزواج، فكأنه قد تزوجها بالرجعة، وكما لا يجوز التأجيل في النكاح بحيث لا يصح أن يقول شخص لآخر: زوجني بنتك الآن على أن يحل لي وطؤها فكذا لا يجوز التأجيل في الرجعة، وبعضهم يرى أنه لا يشترط ذلك، فيصح أن يقول لها: إن جاء الغد فقد راجعتك ويكون ذلك رجعة في الغد الآن. فإذا جاء الغد صحت الرجعة من غير أن يأتي برجعة جديدة، أما الآن فيكون حكمها حكم من لم تراجع بحيث لا يحل له أن يطأها بدون نية مراجعتها، وعلى هذا إذا انقضت عدتها قبل مجيء الغد فلا تصح الرجعة وتبين منه.
الشافعية - قالوا: المرتجع هو الزوج أو وكيله إذا وكل عنه من يراجع له زوجته، أو وليه إذا جن بعد أن وقع طلاقاً رجعياً، وهو عاقل فإنه يشترط له سواء كان زوجاً أو وكيله أو وليه ثلاثة شروط: أحدها أن يكون عاقلاً، فلا تصح الرجعة من المجنون، والصبي الذي لا يميز، كما لا يصح طلاقهما، وإذا طلق المجنون حال إفاقته ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، وكذا إذا علق الطلاق وهو عاقل على شيء ثم وقع بعد جنونه، كما إذا قال: أنت طالق إن دخلت دار أبيك ثم جن فدخلت، فإن الطلاق يقع لأنه صدر منه وهو عاقل، ولكن لا تصح رجعته حال جنونه، إنما لوليه أن يراجع عنه، ولكن يشترط لصحة رجعة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الولي الشروط التي يصح للولي أن يزوج بها المجنون، وقد تقدمت في صحيفة 37 و 38، ومنها أنه إذا كان الولي غير مجبر فإنه لا يصح له أن يزوج المجنون إلا إذا كان في حاجة إلى الزواج، وإلا فلا، ومثل المجنون النائم والمغمى عليه، فإنه لا يصح رجعتهما إلا بعد الإفاقة، ثانيها: أن يكون بالغاً، فلا تصح الرجعة من الصبي المميز، فإن قلت: إن الصبي المميز لا يقع طلاقه أصلاً، فكيف يتصور رجعته،؟ لأن الرجعة إنما تتصور إذا كانت الزوجة مطلقة، ثم يقال: إنها صحيحة أو فاسدة، أما إذا كانت المرأة غير مطلقة، فما معنى رجعتها صحيحة أو فاسدة؟ والجواب: أن الحنابلة يقولون: أن الطلاق الصبي المميز يقع، فإذا قضى حاكم حنبلي بطلاق صبي، فإنه لا يصح له أن يراجعها عند الشافعية، وأيضاً يمكن أن تتصور رجعة الصبي فيما إذا طلق رجل بالغ امرأته ووكل صبياً مميزاً في رجعتها، فهل تصح رجعته أو لا؟ والجواب: لا تصح، ولا يخفى أن هذه صور فرضية لا تقع في زماننا وإنما الغرض من ذكرها استيفاء البحث العلمي، وهل إذا طلق الصبي المميز وحكم الحنبلي بصحة طلاقه يصح لوليه أن يراجعها له أو لا؟ والجواب: نعم يصح
بشرطين: الشرط الأول: أن يكون للولي الحق في زواجه وهو الأب أو الجد بالشروط المتقدمة في صحيفة 37. الشرط الثاني: أن لا يحكم الحنبلي بالطلاق البائن فإن تناول حكمه البينونة، فإنه لا يصح للولي أن يراجع، وإنما يصح أن يعقد عليها عقداً جديداً. وقد ذكر بعض علماء الشافعية بهذه المناسبة مسألة، وهي أن الحنابلة يقولون: إن الصبي المميز الذي لم يبلغ سنه عشر سنين إذا كان ينتصب ذكره ويفهم معنى الوقاع فإنه إذا تزوج امرأة مطلقة ثلاثاً وأولج فيها ذكره ثم طلقها فإن طلاقه يصح بدون الولي، وتحل مطلقته لزوجها الأول بدون أن تعتد من الصبي، لأن المفروض أن سنه لم يبلغ عشر سنين.
والحنابلة يقولون: أن العدة لا تجب إلا إذا بلغ الصبي عشر سنين على الأقل، وبلغت الصبية تسع سنين، لأن ابن العشر يصح أن ينزل، وبنت التسع يصح أن توطأ، والعدة شرعت لرفع احتمال شغل الرحم، فمن كان أقل من عشر أو كانت موطوءته أقل من تسع فإنه لا يتصور منهما حمل وولادة، فلا عدة عليها إذا وطئها غلام أقل من عشر سنين، ولكن الحنابلة يقولون: إذا قصد الزوجان التحليل فإن العقد يقع باطلاً على أي حال، سواء وطئها صغيراً أو كبيراً فهل للشافعية الذين يقولون: أن قصد التحليل جائز لا يترتب عليه فساد العقد ما دام العقد خالياً من اشتراط التحليل لفظاً أن يقلدوا الحنابلة في ذلك، مثلاً إذا طلق شخص زوجته ثلاث مرات انقضت عدتها ثم تزوجت بصبي دون عشر، ووطئها ولم ينزل طبعاً، طلقها طلاقاً بائناً، وقضى حنبلي بصحة طلاقه وعدم وجوب العدة، ثم رجعت لزوجها الأول بعقد صحيح بشهود وولي فهل يصح ذلك؟ والجواب: أن في صحة هذه المسألة خلافاً، والصحيح في الجواب هو ما قدمناه في مبحث المحلل في صحيفة 24، وهو أن ذلك ديانة بينهما وبين الله، أما قضاء فإنه لا يصح، وإذا علم القاضي بهما فرق بينهما.
وأقول: أن الناس يمكنهم أن يفعلوا ذلك تقليداً للإمام أحمد بشرط أن يجتنبوا قصد التحليل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بقدر الإمكان بقطع النظر عن مذهب الشافعي، وذلك بأن المرأة المطلقة ثلاثاً إذا يئس منها زوجها وذهبت إلى حال سبيلها فإن لها أن تعمد إلى صبي مميز يعرف الزواج والطلاق، وإن كان له ولي تأخذ منه إذناً بزواجها منه، ثم تتزوجه بإيجاب وقبول بولي شاهدين، ثم تمكنه منها ولو بإيلاج رأس ذكره المنتصب في داخل فرجها وبعد ذلك يطلقها بدون أن يعلم بذلك زوجها الأول وبدون أن تتفق مع الصبي على تطليقها، أو مع وليه.
وبالجملة فلا تشير إلى التحليل، وبذلك تحل للأول بدون عدة، فإن قلت: إن ذلك لا يخلو عن قصد التحليل من المرأة وقصد التحليل مفسد للعقد عند الحنابلة، قلت: نعم وللتفادي من ذلك تقلد المرأة في ذلك الإمام أبي حنيفة، لأن قصد التحليل، ولو من المحلل عند الحنفية لا يضر بل قد يكون محموداً إذا ترتب عليه مصلحة، كعدم تضييع الأولاد، أو الجمع بين زوجين متحابين أو نحو ذلك، أما ما يفعله الناس من كون الزوج يجيء بالمحلل ويعطيه نقوداً ويحضره حين يدخل مع مطلقته، فإن هذه الصورة الشنعة لا تصلح في تقليد الحنابلة وقد تقدم تفصيل المذاهب في المحلل، فارجع إليه.
ثالثها: أن يكون المرتجع مختاراً، فلا تصح رجعة المكره.
وبالجملة فكل من كان أهلاً للزواج في ذاته في الجملة، ولو توقف زواجه على الأذن فإنه يصح طلاقه ورجعته، وذلك هو العاقل البالغ، فإذا عرض ما يمنع الأهلية مؤقتاً كالسكر فإنه لا يمنع الرجعة، فتصح رجعة السكران لأن استتار عقله بعارض السكر لا يجعله مجنوناً، فلا يفقد الأهلية بسبب ذلك العارض، وذلك لأنه أهل لمباشرة الزواج في الجملة، أي بعد أن يفيق من سكره، ومثله المحرم بالنسك، فإنه وإن كان لا يصح له أن يباشر عقد الزواج وهو محرم، ولكن الاحرام عارض مؤقت لا يفقده الأهلية، فيصح له أن يراجع وهو محرم، لأنه أهل للزوج وهو غير محرم وكذا السفيه، فإنه وإن كان محجوراً عليه التزوج بسبب السفه، لأن التزوج متوقف على المال ولكن هذا الحجر عارض فإذا كان متزوجاً وطلق زوجته رجعياً، فإن له رجعتها بدون إذن، ومثل السفيه العبد فإنه وإن كان غير أهل للتزوج بنفسه بدون إذن سيده، ولكن إذا أذنه سيده بالزواج فإن له أن يطلق ويراجع بنفسه، إذ المراد بأهلية الزواج أنه يصح منه مباشرة عقد الزواج، وإن توقف على إذن، فمتى أذن الولي السفيه، أو العبد كان أهلاً لتولي الزواج، أما المكروه فإنه وإن كان أهلاً لمباشرة عقد الزواج في الجملة أي بعد الزوال الإكراه، ولكن أعمال المكره غير المعتبرة في نظر الشرع فلهذا اعتبروا الإكراه غير مفيد في الرجعة، فإذا أكره شخص على مراجعة زوجته ولم يقر بها حتى مات بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه.
وهل الردة سبب عارض كالسكر، فيصح للمرتد أن يراجع مطلقته؟ والجواب: لا، وذلك لأن الردة تزيل أثر النكاح فالمرأة ليست محلاً للرجعة رأساً.
فهذا تفصيل شروط المرتجع، وأما المحل، وهي الزوجة فيشترط فيها شروط:
أحدها: أن تكون زوجة معقود عليها بصحيح العقد، فخرجت الأجنبية، فإنها لا تحل بالرجعة طبعاً، سواء كانت غير معقود عليها أصلاً، أو كانت معقوداً عليها وطلقت طلاقاً بائناً كأن طلقها ثلاثاً،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أو طلقها قبل الدخول بها، والمراد بالدخول وطؤها ولو في دبرها، كما تقدم في محله، ومثل الوطء ادخال مني الرجل بأنبوبة ونحوها في قبلها أو دبرها، أو طلقها طلقة واحدة على عوض، أو طلقها طلقة واحدة رجعية وانقضت عدتها، فإنها في كل هذه الأحوال تكون أجنبية لا تحل بالرجعة.
ثانيها: أن تكون معينة، فلو كان متزوجاً ثنتين، وقال: إحدى زوجتي طالق، ثم قال: راجعت زوجتي المطلقة إلى عصمتي فإن الرجعة لا تصح فلا بد من أن يقول: زوجتي فلانة طالق، ثم يقول في الرجعة: راجعت زوجتي فلانة أو يخاطبها أو يشير إليها، كما يأتي في الصيغة.
ثالثها: أن تكون الزوجة قابلة للحل، أما إذا كانت غير قابلة للحل كالمرتدة في حال ردتها فإنها في هذه الحالة لا تحل لأحد فهي غير قابلة للحل، فإذا كان زوج المرتدة قد طلاقها طلاقاً رجعياً فإنه لا يصح له رجعتها إلا إذا تابت، وكذا إذا ارتد هو، أو ارتدا معاً فإنه لا يصح له الرجعة في هذه الحالة، لأن الردة تزيل أثر الحل، فلا يحل الاستمتاع حال الردة.
رابعها: أن تكون مطلقة لا مفسوخاً نكاحها، فإنها لا تحل بالرجعة، وإنما تحل بالعقد، كالمطلقة طلاقاً بائناً.
وبعضهم عد شروط الرجعة سبعة: أحدها: أن تكون زوجة، وأراد به إخراج الأجنبية التي لم يعقد عليها أصلاً، ثانيها: أن تكون موطوءة في القبل أو في الدبر، وأراد به إخراج المطلقة قبل الدخول. ثالثها: أن تكون معينة وأراد به إخراج رجعة المبهمة. رابعها: أن تكون قابلة للحل، وأراد به إخراج المرتدة. خامسها: أن تكون مطلقة، وأراد به إخراج المفسوخ عقدها، فإنها لا تحل بالرجعة بل بالعقد كما ذكرنا. سادسها: أن تكون مطلقة طلاقاً مجاناً بدون عوض وأراد به إخراج المطلقة على عوض بائن. سابعها: أن لا يستوفي الزوج عدد طلاقها، هو الثلاث، فإن طلقها ثلاث مرات فلا تحل له إلا إذا نكحت غيره.
ولا يخفى أن المآل واحد، فمن أراد الاختصار فإنه يمشي مع الأول، ومن أراد الإيضاح فإنه يمشي مع الثاني.
وأما الصيغة فيشترط لها شروط: الشرط الأول: أن تكون لفظاً يشعر بالمراد، وهو ينقسم إلى قسمين: صريح وكناية، فالصريح رددتك إلي، ورجعتك، وارتجعتك، وأرجعتك وأنت مراجعة، ومسكتك، ولكن يشترط في رددت أن يضيف اللفظ إليه، أو إلى النكاح، فيقول: رددتك إلي، أو إلى نكاحي، وإلا لم يكن صريحاً، إذا يحتمل رددتك إلى أهلك، ويشترط في رجعت وأمسكت، وما تصرف منهما أن ينسبه إلى المرأة، أما بكاف الخطاب، بأن يقول: رجعتك وهكذا، وأما بالاسم الظاهر، بأن يقول: رجعت زوجتي أو رجعت فلانة، وأما باسم الإشارة، بأن يقول: رجعت هذه ويشير إليها، فإن لم يقل ذلك، بأن قال: رجعت، أو ارتجعت أو نحو ذلك من غير أن يذكر ما يدل على المرأة من ضمير ونحوه فإنه يكون لغواً، فلا تصح به الرجعة، نعم إذا سأله سائل، فقال له: هل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
راجعت زوجتك؟ فقال: راجعتها، فإنه يصح، وإن لم يذكر ما يدل على المرأة، لأنها ذكرت في السؤال على أنه يسن مع هذا أن يقول: رجعتك إلى نكاحي، أو راجعتك إلي، أو أمسكتك على نكاحي.
والحاصل أنه يجب في رددت أمران: أحدهما أن يذكر فيه ما يدل على المرأة من كاف الضمير، أو الاسم الظاهر، أو اسم الإشارة، بأن يقول: رددتك، أو رددت زوجتي أو فلانة أو رددت هذه. الأمر الثاني: أن يضيف ذلك إليه أو إلى نكاحه، فيقول: رددت زوجتي إلى نكاحي، أو إلي، أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك، فإنه لا يكون صريحاً لأنه يحتمل ردها إلى أهلها وعدم قبولها، أما غير رددت من صيغ الصريح فإنه يشترط فيه نسبته إلى الزوجة، ويسن فيه نسبته إلى الزوج أو إلى نكاحه، كما يسن أن يشهد على الرجعة، وإنما كانت هذه الألفاظ صريحة في الرجعة لأنها اشتهرت فيها، وقد ذكر بعضها في كتاب الله تعالى: فمن ذلك الرد قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} وورود المصدر يدل على صحة استعمال فعله وما اشتق منه. كرددت زوجتي إلي أو أنت مردودة إلي ومن ذلك الإمساك قال تعالى: {فإمساك بمعروف} وهو مثل الرد، ومن ذلك الرجعة قال تعالى {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} .
ولهذا، قلنا إن صرائح الرجعة منحصرة فيما ذكر. وتحصل بها الرجعة بدون نية.
وأما كناية الرجعة، فهي كأن يقول لها: تزوجتك، أو نكحتك، فإن هذه الألفاظ صريحة في العقد ولا يمكن استعمالها في الرجعة صريحاً، لأن المطلق رجعياً زوجة، فلا معنى لقوله لها: تزوجتك، أو نكحتك، فكل ما كان صريحاً في باله - ولا يمكن أن ينفذ في الموضوع المستعمل فيه - فإنه يكون كناية، وهذا معنى قولهم: ما كان صريحاً في بابه، ولم يجد نفاذاً في موضوعه كان كناية في غيره، وقد يقال: إنه يصح استعمال تزوجت ونكحت في الرجعة بمعنى أعددتك إلى زواج كامل ونكاح كامل، كما قالوا في رددت زوجتي إلى نكاحي، أي إلى نكاحي الكامل الذي لا ينقطع بمضي العدة، ولعل هذا هو السبب في قول بعضهم: إن لفظ التزويج والنكاح استثني من قاعدة ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية في غيره، فإن هذا القائل لاحظ أن لفظ التزويج والنكاح يمكن استعمالها في موضوع الرجعة على معنى أنه تزوجها زواجاً كاملاً، وإن كانت زوجة له فلا يصح أن يكون كناية في الرجعة على هذه القاعدة، ولكن الشافعية استثنوا لفظ النكاح والتزويج من هذه القاعدة، فقالوا: إنهما كنايتان، فلا تصح الرجعة بهما إلا بالنية، فالرجعة لا تصح إلا باللفظ، سواء كان صريحاً، أو كناية، ويلحق باللفظ الكتابة فإذا كتب راجعت زوجتي إلى عصمتي ونحوه فإنه يصح، وترجع زوجة له بذلك لأن الكتابة كاللفظ، ومثل الكتابة إشارة الأخرس المفهمة.
فلا تصح الرجعة بالوطء أو بمقدمات الوطء، سواء نوى به الرجعة أو لم ينو، لأنه لا يدل على الرجعة إلا وطء الكافر، فإنه إذا كان الرجعة عندهم فإننا نقرهم عليه، ويحرم على المطلق رجعياً أن يتمتع بمطلقته قبل أن يراجعها باللفظ لا بوطء ولا بغيره، فإن وطئها كان عليه مهر المثل، لأنه وطء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شبهة، لأن الحنفية يقولون بجوازه، وإن راجع بعده لأن فيها تحريم الوطء كالبائن هكذا في المهر، بخلاف ما إذا وطئها وهو مرتد ثم أسلم، فإنه لا مهر عليه، لأن الإسلام يزيل أثر الردة، أما الرجعة فلا تزيل أثر الطلاق.
وإذا وطئها في أثناء العدة فإنها تبتدأ العدة من الفراغ من الوطء بحيث لو لم يراجعها فإنها لا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض بعد فراغه من وطئها أو يمضي عليها أربعة أشهر إن كانت لا تحيض من ابتداء الفراغ، ولا يحسب لها ما مضى، أما إذا أراد مراجعتها هو فإنه ليس له أن يراجعها إلا فيما بقي لها من العدة الأولى، مثلاً إذا حاضت حيضتين بعد طلاقها رجعياً، ثم وطئها بدون رجعة، فبعد الفراغ من وطئها تبتدئ عدة جديدة، فلا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض أخرى غير الحيضتين، أما هو فإنه ليس له مراجعتها إلا في المدة الباقية لها، وهي الحيضة الأخيرة.
هذا إذا لم تكن حاملاً، فإذا كانت حاملاً أو أحبلها بالوطء، فإن عدتها وضع الحمل على كل حال، وله أن يراجعها ما لم تلد.
الشرط الثاني من شروط الصيغة: أن تكون منجزة، فإذا علقها على أمر ووقع، فإنها لا تصح، مثلاً إذا قال لزوجته: راجعتك إن شئت فقالت: شئت، فلا تصح الرجعة.
الشرط الثالث: أن لا تكون مؤقتة بوقت، فإذا قال لها: راجعتك شهراً لم تحصل الرجعة.
الحنابلة - قالوا: يشترط في المرتجع أن يكون عاقلاً، ولو صبياً مميزاً حراً كان أو عبداً، فإذا طلقها وهو عاقل ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، ولا تصح رجعة المرتد قبل توبته، كما لا يصح تزويجه ذكراً أو أنثى، وإذا طلق في أثناء ردته كان طلاقه موقوفاً، فإن أسلم وقع طلاقه وإن لم يسلم لم يقع، لأنه لم يصادف محلاً، فإن الردة تفسخ النكاح.
ويشترط في المحل، وهي الزوجة أن تكون زوجة بصحيح العقد، فلا تصح رجعة الأجنبية أو المفسوخ عقدها لفساد فيه، وأن يكون قد وطئها أو خلا بها، لأن الخلوة توجب العدة عند الحنابلة، فإن طلقها قبل ذلك فلا رجعة لها، لأن المطلقة قبل الدخول تبين ولا عدة لها، وأن تكون مطلقة طلاقاً رجعياً، فلا رجعة للمطلقة على مال، أو المطلقة ثلاثاً، أو المطلقة قبل الدخول، وأن تكون في العدة، فلا رجعة لمن انقضت عدتها.
أما الصيغة فإنها لفظ وفعل، فأما اللفظ فيشترط فيه شرطان: أحدهما أن يكون صريحاً في الرجعة، وهو رجعتك، ورجعت زوجتي وراجعت زوجتي، وارتجعت زوجتي، وأمسكت زوجتي، ورددتها، فلا يصح الرجعة بقوله: نكحتها أو تزوجتها، فإنه كناية والرجعة لا تصح بالكناية. ثانيهما: أن لا تكون معلقة على شرط كأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فقد راجعتك فإن ذلك ليس رجعة، وأما الفعل فهو الوطء فيحل للمطلق رجعياً أن يطأ زوجته، وإذا فعل فقد رجعت لذلك، ولو لم ينو به الرجعة، أما غير الوطء فلا تحصل به الرجعة، فلو قبلها، أو لمسها أو باشرها أو نظر إلى فرجها بشهوة أو نحو ذلك، فإن ذلك لا يكون رجعة ومثل ذلك ما إذا خلا بها، فإن الخلوة لا تكون رجعة) .