الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
[اليُمْن والشؤم]
اعلم أن اليُمْن والشؤم عند الناس معنيان يكونان في الأشياء، ينشأ عن الأول كثرة الخير، وعن الثاني كثرة الشر. فإذا كان رجلٌ قليلَ المال سيئ الحال نكد العيش فولد له ولدٌ فتوفَّر ماله وحسُنت حاله وصفا عيشه، قال الناس: إن ذلك الولد ميمون. فإذا كبر الولد وكان أبوه يُرسله في حوائجه فينجح في الغالب تأكَّد يمنه. وهكذا كلَّما ازداد نجاحه فيما يحاوله أو يوكل إليه.
وعكس هذا يقال في الشؤم. والناس لا يقصرون هذا على الأناسي، بل يقولون مثله في سائر الحيوانات، بل والجمادات. فترى منهم من يتيمَّن أو يتشائم بالخاتم والعصا والنعل. وإذا سئلوا عن سبب اليُمن والشؤم فأكثرهم يحيله على النجوم. وقد أبطل أهل العلم ذلك. ومنهم مَن يحيله على قدر الله عز وجل. ومنهم من يجحده البتة، ويفسِّر كلَّ ما يراه الناس يُمنًا أو شؤمًا بالأسباب العادية تارةً، وبالاتفاق والمصادفة أخرى.
والحق إثبات اليُمْن والشؤم في الأناسي، وأنه بقدر الله عز وجل لحِكَمٍ، منها ما يظهر لنا ومنها ما يخفى. ولكنه سبحانه وتعالى إذا قدَّر شيئًا هيَّأ أسبابه على ما جرت به سنته. فلذلك يمكن تأويل أكثر ما تراه يُمْنًا أو شؤمًا بحسب الأسباب العادية، إلا أن العاقل المنصف إذا نظر في أسباب الأسباب وأسبابها بان له الحق. وقد عُرف مذهب أهل السنة في تقدير السعادة
والشقاء والرزق والعمر وغير ذلك، فكذلك نقول في اليُمْن والشؤم.
هذا، واليُمن والشؤم عند الناس إنما هو بحسب الخير والشر في الدنيا. والحق أنهما بحسب الخير والشر في الدين. فإذا انضاف إلى الخير في الدين الخيرُ في الدنيا، وإلى الشر في الدين الشرُّ في الدنيا فتلك الغاية.
هذا، واليُمْن والشؤم بالنظر إلى الدنيا لا يمكن الحكم بأحدهما على الشخص جزمًا، لأن التقدير غيب، وليس بيدنا إلا تكرُّر الخير والشر، وليس ذلك بواضحٍ لاحتمال أسباب أخرى، ولاحتمال الاختصاص. فقد تكون المرأة بحيث تُظن أنها مشؤومة على أبيها، فإذا تزوَّجت تحسَّنت حال زوجها فتظن أنها ميمونة عليه. بل قد تتغيَّر الحال في شيء واحد. فقد يتزوَّج الرجل المرأة فتَحسُن حاله مدَّةً، ثم تتغيَّر أو تسوءُ حاله مدَّةً، ثم تحسن. وذلك أنه قد يكون تقدير اليُمْن إنما هو في حال دون أخرى، وكذلك الشؤم.
فالذي ينبغي البناء عليه هو الصفات الظاهرة والمقاصد الدينية. فإذا كانت امرأة جميلة صحيحة ديِّنة أديبة حسنة التدبير، ولكن اشتهر أنه بعد ولادتها افتقر أبوها ولازَمَه المرض، وأن رجلًا تزوَّجها فأصابه مثل ذلك ثم فارقها فحسنت حاله= فلا ينبغي للمؤمن إذا تزوَّجها بعدُ ثم سمع بحال أبيها وزوجها الأوَّل أن يطلِّقها. بل إذا امتنع من تطليقها طاعةً لله لأن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، وتوكُّلًا على الله عز وجل، ورحمةً لها خشيةَ أن لا يتزوَّجها بعدَه أحدٌ= فلسنا نشك أنها تكون ميمونة عليه في دينه، وكذا في دنياه إن شاء الله.
وهكذا من سمع بقصة أبيها وزوجها السابق قبل أن يتزوَّجها فاستخار
الله عز وجل وعَزَم على نكاحها لصفات الخير التي فيها، ولظنّه أن الناس يرغبون عنها لقصَّة أبيها وزوجها السابق وتوكُّلًا على الله تبارك وتعالى.
وإنما يتفق استمرار الشؤم إذا كانت في المرأة بعض أوصاف النقص وأهمُّها ضعف الدين، وتزوَّجها رجل لجمالها أو ليعتزَّ في الدنيا بمصاهرة أهلها أو نحو ذلك، ثم آخر كذلك وهكذا.
والحاصل أنه لا يستقر شؤم المرأة على زوجها إلا إذا لم يُراعِ في نكاحها ما يقتضيه الدين والأخلاق الظاهرة كالعقل والأدب وحسن التدبير. فإن كان قد كُتب عليها الشؤم البتة، فإنه لا يكون في التقدير أن يتزوَّجها أحد إلا على هذا الوجه. والله أعلم.
[ل 35] وكذلك الدار لا مانع أن يُقدَّر لها اليُمْن والشؤم. وقد تكون بُنيت في أرض كانت مسجدًا أو وقفًا، أو أُخذت غصْبًا، أو كان البناء بآلةٍ كذلك، إلى غير هذا.
والذي ينبغي اعتماده في هذا هو النظر في الصفات الظاهرة والدينية. فمن الصفات الظاهرة: النظر في موقع الدار ومحلتها وصفة بنائها بحسب ما يعرفه أهل الخبرة من الموافقة للصحة والمخالفة لها.
ومن الدينية: النظر بحسب ما يتيسَّر في أصل بنائها، أَعَلى وجهِ الحلال أم على خلافه؟ وفي نزولها أعلى وجه الطاعة أم على وجه المعصية أم على الإباحة؟ ويختلف ذلك من وجوه، فإن كانت ملكَه، فمن جهة حلٍّ أم حُرمة أو شبهة؟ وإلا، فنزوله إياها على حلٍّ أو حُرمةٍ أو شُبهةٍ؟
وكذلك غرضه من نزولها، فقد يكون فيه القرب من المسجد أو من
بيتِ أمِّه ليخدمها، أو من بيت فسقٍ ليتيسَّر عليه، أو الاطلاع على العورات، أو الفخر والمباهاة، أو استأجرها بأجرة زائدة على ما يليق به فيحتاج إلى التقصير في الواجبات، وغير ذلك.
وعلى نحو هذا يقال في الفرس.
وبالجملة فمن راعى بحسب ما يتيسَّر الصفاتِ الطبيعيةَ والأحكام والآداب الدينية، ومن جملتها الاستخارة والتعُّوذ والتسمية وذكر الله عز وجل والتوكل عليه وغير ذلك= فإنه لا يناله أثر الشؤم البتة. ومن قصَّر في ذلك فإلى مشيئة الله عز وجل، فإن أصابه شر فبتقصيره، وشؤمُ التقصير محقَّق. فمن الجهل أن يغفل عن هذا الشؤم المحقَّق ويحيل ما يصيبه إلى شؤم محتمل، مع أن الشؤم المحتمل لا يصيبه إلا إذا قصَّر
(1)
.
(1)
مجموع [4786].