المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب معرفة أحكام القسم الذي يليه - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٢

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌باب معرفة أحكام القسم الذي يليه

‌باب معرفة أحكام القسم الذي يليه

(وهذا تكثر في تعارض السنن والأحاديث) كما في قوله عليه السلام: "القلس حدث"، وروي عن النبي عليه السلام:"أنه قاء فلم يتوضأ"

ص: 747

وكذا ذكر في الأثر "أو دسعة تملأ الفم".

قلنا: أما قوله: "قاء فلم يتوضأ"، فإنه حكاية فعل فلا عموم له، لأن العموم من أوصاف النظم، ولا جائز أن يكون قليلًا في نفسه وكثيرًا، فلم يستقم الاحتجاج به.

وقوله: "القس حدث" فيه الألف واللام ولا معهود له، فكان العموم.

وقوله: "أو دسعة" معارض له، لكن في قوله:"القلس حدث" دليل على أنه الكثير لا القليل، فإن القلس هو الرفع لغة، ومنه القلاس (البحر) لقذفه ما فيه، وذلك لا يكون إلا عند الكثرة حتى يرمي نفسه ويدفع، أما عند القلة فلا.

ص: 748

(فقال الآخر: الحق اليقين الصدق)، يعني قال: الحق لا غير، أو قال: اليقين لا غير، وكذا إلى الآخر، وحاصله أن هاهنا خمسة ألفاظ: فالحق والصدق واليقين في الإقرار نصوص تحتمل التغيير، والبر مجمل يحتمل البيان، والصلاح محكم لا يحتمل التغيير. كذا في "الجامع الكبير" للصدر الشهيد- رحمه الله.

والصلاح لما كان محكمًا فأي لفظ قرن به لا يكون إقرارًا حتى لو قال: الحق الصلاح أو الصلاح الحق، أو ضم الصلاح إلى اليقين قدم أو أخر لم يكن إقرارًا؛ لأن الصلاح محكم في أنه لا يكون إقرارًا، ثم فائدة كون الألفاظ الأول نصوصًا أن كل واحد منهما إذا انفرد بنفسه كان إقرارًا، أو إذا انضم البر بواحد منها كان إقرارًا أيضًا؛ لما ذكرنا أن البر مجمل فيحمل المجمل على النص والظاهر.

وقال المصنف- رحمه الله في "شرح الجامع" الحق الحق، أو اليقين

ص: 749

اليقين، أو الصدق الصدق، أو البر البر، أو الصلاح الصلاح، أو قال: حقًا حقًا أو يقينًا إلى آخرها، وفي هذه الجمل الثلاث الأولى تصديق وإقرار، والبر والصلاح ليس بإقرار، لأن الحق واليقين والصدق يوصف بها الدين، فوجب العمل به، ولو قال: الحق حق واليقين يقين والصدق صدق إلى آخرها، لم يكن إقرارًا؛ لأن الكلام في الفصول الأولى كان ناقصًا، يحمل على الجواب ظاهرًا، فأما هذا الكلام تام مبتدأ وخبر فلم يصلح جوابًا.

وقوله: (فإذا قارنه نص أو ظاهر) وهو الكلمات الثلاث الأول وهي: الحق واليقين والصدق أي يصح أن يطلق على كل منها اسم النص أو اسم الظاهر، فاسم النص باعتبار أن لجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فكأنه سيق الكلام لأجله، واسم الظاهر باعتبار أن المقصود من الكلام هو قول المدعي: لي عليك ألف درهم.

وأما الجواب فإنهما ثبت في ضمن ذلك الكلام، فكأنه لم يسق الكلام إليه، فصح إطلاق اسم الظاهر على كل واحد منها لما أن الاعتبار للمتضمن لا للمتضمن، ولهذا يطلق اسم النص على هذه الألفاظ الإمام المحقق شمس

ص: 750

الأئمة السرخسي- رحمه الله.

فأما قوله: (إلى شهر محكم في المتعة لا يحتمل النكاح مجازًا)؛ لأن النكاح لا يحتمل التأقيت، لأنه منسوخ، فكان التوقيت محكمًا في كونه متعة، والتزوج محتمل للمتعة، لأن الازدواج كما يحصل في التأبيد يحصل في التوقيت، فحمل هو على المتعة ولم يحمل قوله: إلى شهر على النكاح لذلك.

(لأن السرقة أخذ المال على وجه المسارقة عن عين الحافظ الذي قصد حفظه).

فإن قيل: لو سرقت من بيت رجل غائب يقطع كما لو سرق من بيت رجل حاضر، فلو كانت السرقة عبارة عن أخذ المال على المسارقة عن عين الحافظ

ص: 751

الذي قصد حفظه لما وجب القطع هنا لانعدام حد السرقة؛ لأن المسارقة عن عين الحافظ إنما تكون إذا كان الحافظ حاضرًا.

قلنا: معناه عن عين الحافظ أو عن عين نائب الحافظ، وفي حق الغائب إن كان عينه غائبة فعين نائبه وهو بيته لقصد حفظ الأموال حاضرة، وهذا لأن حفظ الحافظ بنفسه غير معتبر فيما هو محرر بالمكان.

هكذا ذكر في "المبسوط" بخلاف القبر، فإن القبر ما حفر لحفظ الكفن، فلم يكن النبش مسارقة عن عين الحافظ ولا عن عين نائبه فلا يقطع.

وقوله: (ولا قاصد) احتراز عن الحفظ بالبناء الذي قصد ببنائه على حفظ الأموال كالبيوت.

وأما القبر فلم يكن لذلك بل حفر القبر لمواراة الميت عن أعين الناس وما يخاف عليه من السباع لا للإحراز.

ألا ترى أن الدفن يكن في ملأ من الناس، ومن دفن مالًا على قصد الإحراز فإنه يخفيه عن أعين الناس، وإذا فعله في ملأ من الناس على قصد الإحراز ينسب إلى الجنون، ولا نقول: أنه مضيع ولكنه مصروف إلى حاجة الميت، وصرف الشيء إلى الحاجة لا يكون تضييعًا ولا إحرازًا كتناول الطعام وإلقاء البذور في الأرض لا يكون تضييعًا ولا إحرازًا.

واختلف مشايخنا فيما إذا كان القبر في بيت مقفل.

ص: 752

قال الإمام شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله والأصح عندي أنه لا يجب القطع.

(وهذا من الأول) أي النباش من السارق (بمنزلة التبع من المتبوع)، فإن السارق يسرق من الحافظ والنباش ينبش الكفن من غير الحافظ، والأصل أن توجد السرقة من الحافظ فكانت السرقة أصلًا والنبش غير أصل، فكان المراد من المتبوع والتبع كونهما أصلًا وغير أصل لا حقيقة التبعية، وعن هذا خرج الجواب عن قول من يقول: لما كان النباش تبعًا للسارق يجب أن يقطع النباش كالسارق، لأن الحكم الثابت في المتبوع ثابت في التبع.

(والتعدية بمثله في الحدود خاصة باطل)، وإنما قيد بالحدود؛ لأن في غير الحدود إذا ثبت الحكم في الأعلى يثبت في الأدنى بالقياس عليه.

ألا ترى أن الوطأ يثبت حرمة المصاهرة وهو أعلى، وكذلك يثبتها أيضًا المس بشهوة وهو أدنى ولا يثبت مثل هذا في الحدود؛ لأنها تندرئ بالشبهات.

(وأما الطرار) فهو على وجهين: إما أن كانت الدراهم مصرورة في داخل الكم أو ظاهر الكم، فإن كانت مصرورة في داخله، فإن طر الصرة يقطع؛ لأنه بعد القطع يبقى المال في الكم، فيدخل يده حتى يخرجه، وإن حل الرباط

ص: 753

لم يقطع؛ لأنه إذا حل الرباط يبقى المال خارجًا من الكم، فلم يوجد إخراج المال من الكم والحرز، وإن كان مصرورًا في ظاهر الكم، فإن طر لم يقطع لانعدام الإخراج من الحرز، فإن حل الرباط يقطع؛ لأن الدراهم تبقى في الكم بعد حل الرباط حتى يدخل يده فيخرجها، وتمام السرقة بإخراج المال من الحرز، وعن أبي يوسف- رحمه الله استحسن أن أقطعه في الأحوال كلها؛ لأن المال محرز بصاحبه والكم تبع، وفرق أبو حنيفة ومحمد- رحمهما الله- بين الطرار والنباش فقالا: اختصاص الطرار بهذا الاسم لمبالغة في سرقته؛ لأن السارق يسارق عين حافظه في حال نومه، وغفلته عن الحفظ، والطرار يسارق عين المنتبه في حال إقباله على الحفظ، فهو زيادة حذق منه في فعله، فعرفنا أن فعله أتم ما يكون من السرقة فيلزمه القطع. وأما النباش فلا يسارق عين المقبل على حفظ المال أو القاصد كذلك، بل يسارق عين من يهجمه عليه من غير أن يكون له قصد إلى حفظ الكفن، وذلك دليل ظاهر على النقصان في فعل السرقة، فلهذا لا يلزمه القطع. كذا في "المبسوط" والله أعلم.

* * *

ص: 754