المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الصريح والكناية - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٢

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌باب الصريح والكناية

‌باب الصريح والكناية

(حتى استغنى عن العزيمة وكذلك الطلاق والعتاق)، فلذلك إذا أضيف العتق إلى المحل مبتدأ أو وصف أو خبر كان موجبًا للحكم، حتى إذا قال: يا حر، أو هذا الشخص الحر، أو قد حررتك- يعتق، وكذلك في الطلاق.

(وحكم الكناية أن لا يجب العمل به إلا بالنية) وما يقوم مقامها من دلالة الحال، (وذلك مثل المجاز قبل أن يصير متعارفًا) كما في قولهم: فلان كثير الرماد قبل أن يصير متعارفًا في إثبات الجود، وكذلك في قول من قال: لا

ص: 1031

يضع قدمه في دار فلان، فإنه في حق الدخول كناية قبل أن يصير متعارفًا فيه.

(إلا في قول الرجل: اعتدي؛ لأن حقيقتها) أي حقيقة كلمة اعتدي، أو أراد بقوله: اعتدي العدة؛ لأنه يدل على العدة.

وحاصله إن لقوله: بائن وحرام وأخواتهما تأثيرًا في قطع النكاح، فإذا نوى الطلاق انقطع النكاح بهذه الألفاظ فكان الطلاق بائنًا.

أما الاعتداد فحقيقته (للحساب، ولا أثر له في قطع النكاح)، فإذا نوى الطلاق لا يمكن أن يقال: وقع الطلاق بائنًا لما قلنا، ولكن وقع الطلاق بطريق الاقتضاء؛ لأن الأمر بالاعتداد لا يصح إلا وأن يكون الطلاق واقعًا، فثبت الطلاق تصحيحًا للأمر بالاعتداد، وهذا هو الاقتضاء، ولكن إنما يصح هذا بعد الدخول، فأما قبل الدخول فلا يمكن القول بالاقتضاء؛ لأن ثبوت المقتضى لصحة المقتضي، وهاهنا المقتضي وهو العدة لا يصح؛ لأن العدة غير واجبة بالإجماع فانعدم معنى الاقتضاء فجعل مستعارًا محضًا؛ لأن

ص: 1032

الطلاق سبب لوجوب العدة على ما هو الأصل؛ لأن الطلاق قبل الدخول إنما يباشر الزوج أو وجد نادرًا بعارض لما أن النكاح لم يوضع لهذا، بل المقصود منه الدخول والعوارض غير داخلة تحت القواعد، فكان الطلاق علة لوجوب العدة بالنظر إلى أصله، (فاستعير الحكم له).

(زمعة) - بفتحتين-.

(كان دلالة على الصريح لا عاملًا لموجبه)؛ لأنه إذا نوى بقوله: (أنت واحدة) الطلاق كان هذا اللفظ دلالة على وجود الطلاق؛ لأن وجود صفة الطلاق ولا طلاق محال، فلذلك كان دلالة على وجود الموصوف وهو الطلاق لا محالة؛ لا أن قوله:"واحدة" عاملة لموجبها، فكان رجعيًا لما أن المدلول هنا الطلاق وهو تعقب الرجعة، وقد ذكرنا وجه إضمار الطلاق دون البائن في "الوافي".

ص: 1033

(فصار جنس الكنايات بمنزلة الضرورات) أي الأصل في الكلام هو الصريح؛ لأنه وضع للإفهام، والمراد من الكلام الإفهام، وإنما يعمل بالكنايات لانعدام الصريح الذي يدل على ما دل عليه الكناية، ويعمل بها كي لا يلغى كلام المتكلم، فصار بمنزلة الضرورات التي لا يؤتى بها إلا للحاجة.

(فقال له آخر: صدقت لم يحد المصدق)؛ لأن ما تلفظ به كناية عن القذف لاحتمال التصديق وجوهًا مختلفة أي كنت صادقًا فيما مضى فكيف تتكلم بهذه الكلمة الشنعاء.

(وكذلك إذا قال: لست بزان يريد التعريض للمخاطب لم يحد) وقال مالك- رحمه الله: يحد، وكان في هذا اختلاف الصحابة، فعمر- رضي الله عنه كان لا يوجب الحد في مثل هذا ويقول في حالة المخاصمة مع الغير مقصودة بهذا اللفظ نسبة صاحبه إلى شين وتزكيته لنفسه لا أن يكون

ص: 1034

قذفًا للغير، وأخذنا بقوله لأنه إن تصور معنى القذف بهذا اللفظ فهو بطريق المفهوم والمفهوم ليس بحجة (بخلاف من قذف رجلًا بالزنا فقال آخر: هو كما قلت)؛ لأن فيه كاف التشبيه وهو يوجب العموم عندنا في المحل الذي يحتمله، ولهذا قلنا في قول علي رضي الله عنه:"إنما أعطيناهم الذمة، وبذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا": إنه مجرى على العموم فيما يندرئ بالشبهات، وما يثبت مع الشبهات، فهذا الكاف أيضًا موجبه العموم؛ لأنه حصل في محل يحتمله، فيكون نسبة له إلى الزنا قطعًا بمنزلة كلام الأول.

وهذا مثل من قال لآخر: أشهد أنك زان، فقال الآخر: وأنا أشهد أيضًا. لا حد على الآخر؛ لأن قوله: "أشهد" كلام محتمل فلا يتحقق به القذف إلا أن يقول: أنا أشهد عليه بمثل ما شهدت به، فحينئذ يكون قاذفًا له؛ كذا في "مبسوط" الإمام شمس الأئمة- رحمه الله وأصول فقهه. والله أعلم بالصواب.

* * *

ص: 1035