الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه تلك الأفعال المتعلّقة بالأموات، وهذا الاعتبار لا ينبغي التّعويل [عليه] ولا الاشتغال به؛ فالله ـ سبحانه ـ إنّما ينظر إلى القلوب وما صدر من الأفعال عن اعتقاد لا إلى مجرّد الألفاظ؛ وإلَّا لما كان هناك فرق بين المؤمن والمنافق.
وأمّا ما نقله السّيد المذكور رحمه الله عن ابن القيّم في أول كلامه من تقسيم الكفر إلى عمليّ واعتقاديّ؛ فهو كلام صحيح؛ وعليه جمهور المحقّقين، ولكن لا يقول ابن القيم ولا غيره: إنّ الاعتقاد في [الأموات] على الصّفة التي ذكرها هو من الكفر العلميّ. وسننقل ـ ههنا ـ كلام ابن القيم في أنّ ما يفعله المعتقدون في الأموات من
الشّرك الأكبر
، كما نقل عنه السّيّد رحمه الله في كلامه السّابق، ثم نتبع ذلك بالنّقل عن بعض أهل العلم؛ فإنّ السائل ـ كثّر الله فوائده ـ قد طلب ذلك في سؤاله؛ فنقول:
قال ابن القيّم في شرح «المنازل» ـ في باب: التوبة ـ: وأمّا الشّرك فهو نوعان: أكبر وأصغر؛ فالأكبر لا يغفره الله إلَّا بالتوبة منه، وهو أن يتّخذ من دون الله ندًّا يحبّه كما يحبّ الله، بل أكثرهم يحبّون آلهتهم أعظم من محبّة الله، [ويغضبون] لمنتقص معبودهم من المشايخ أعظم ممّا يغضبون إذا انتقص أحد ربّ العالمين، وقد شاهدنا [هذا] نحن وغيرنا منهم جهرة، ونرى أحدهم اتّخذ ذكر معبوده على لسانه إن قام وإن قعد وإن عثر، وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنّه باب حاجته إلى الله وشفيعه عنده. وهكذا كان عبّاد الأصنام سواء، وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم؛ فأولئك كانت آلهتهم من الحجر، وغيرهم اتّخذها من البشر؛ قال الله ـ تعالى ـ حاكيًا عن أسلاف هؤلاء:{والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى إنّ الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إنّ الله لا يهدي مَن هو كاذب كفّار} ؛ فهكذا
حال مَن اتّخذ من دون الله وليًّا يزعم أنّه يقرّبه إلى الله ـ تعالى ـ، [وما أعزّ مَن تخلّص من هذا، بل ما أعزّ مَن لا] يعادي مَن أنكره، والذي قام بقلوب هؤلاء المشركين أنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله، وهذا عين الشّرك، وقد أنكر الله ذلك في كتابه وأبطله، وأخبر أنّ الشّفاعة كلّها له.
ثم ذكر الآية التي في سورة سبأ؛ وهي: قوله ـ تعالى ـ: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرّة في السّموات ولا في الأرض} وتكلّم عليها، ثم قال: والقرآن مملوء من أمثالها، ولكنّ أكثر النّاس لا يشعرون بدخول الواقع تحته، ويظنّه في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وارثًا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن؛ كما قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:«إنّما تُنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام مَن لا يعرف الجاهليّة» ؛ وهذا لأنّه إذا لم يعرف الشّرك وما عابه القرآن وذمّه؛ وقع فيه وأقرّه، وهو لا يعرف أنّه الذي كان عليه الجاهليّة فتُنقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والبدعة سُنّة والسُّنّة بدعة، ويكفّر الرّجل بمحض الإيمان وتجريد التّوحيد، ويبدّع بتجريد متابعة الرّسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومَن له بصيرة وقلب [حيّ] يرى ذلك عيانًا. والله المستعان.
ثم قال في ذلك الكتاب: