المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: حياته العلمية - الكشف المبدي

[محمد بن حسين الفقيه]

الفصل: ‌المبحث الخامس: حياته العلمية

‌المبحث الخامس: حياته العلمية

نستطيع أن نقسم حياة المؤلف- رحمه الله العلمية إلى مرحلتين. وتشمل المرحلة الأولى: من حين نشأته وقدومه إلى جدة واتصاله بعلمائها حتى سفره إلى دمشق. والمرحلة الثانية: انتقاله من جدة إلى دمشق. وهذه المرحلة التي استفاد منها حيث اتصل بعالم الشام الشيخ جمال الدين القاسمي.

المرحلة الأولى: فكما تقدَّم أن الشيخ- رحمه الله ولد سنة 1304 هـ في مدينة دمنهور بمصر، وجلس بها مدة، وتلقى فيها تعليمه الأوليّ، فحفظ القرآن الكريم بالكتاتيب كغيره من أقرانه، وشيئاً من مبادئ العلوم. ثم عزم على أداء فريضة الحج مع والدته، وكان هذا في حدود سنة 1320 هـ. وبعد أن قضى مناسك الحج، جلس في مدينة جدة، وأما أمه فحدثني ابنه حامد إنها توفيت بعد الحج.

اهتم الشيخ- رحمه الله في هذه المرحلة بالقرآن الكريم: حفظاً وتفهُّمًا. واتصل بعلماء جدة، ولازم دروس العلماء، واهتم أولاً بتعلم القراءات السبع، ولازم فيها العالم العلَاّمة الشيخ أحمد الزهرة، حيث كان مُلما بالقراءَات السبع. وقد نال الزهرة الشهادة العالمية بها من الأزهر، وتعلَم عليه أيضاً مبادئ النحو، فكان يُقَوِّم ألْسنَة طلابه؛ لأنه كان غيوراً على النحو، فلا يكاد يسمع خطأ حتى يمتلئ بالغضب. وتلقى عليه أيضاً العلوم التي كانت تُدرَس في تلك الفترة من الحديث والتفسير، حيث كان الزهرة يدرس العلوم بمسجد الشافعي، وجَدَ في تعلم القراءات، فتعلم على الشيخ أحمد حامد أبو تِيجْ المدني، فقد كان من كبار القرَّاء. ومع اهتمامه في بداية الطلب بالقرآن والقراءات، اهتم أيضاً بتلقي العلوم الشرعية الأخرى، فقد لازم عالم جدة المشهور في ذلك الوقت الشيخ أحمد ابن الشيخ علي باصبرين، وكان يُدرِّس الفقه على المذاهب الأربعة، واتصل بالعلماء الآخرين.

ص: 25

وكان الشيخ في هذه المرحلة حريصاَ على الطلب، ويرجع هذا لما آتاه الله من حب للعلم. ويظهر حرصه على العلم بما وصفه به نصيف حيث قال:(كان الشيخ محمد لا يفوته درس من دروس العلماء والمشايخ أثناء طلبه للعلم، كان شديد الحرص على ذلك بالغاً فيه الجَهد والغاية، مع أنه كان كفيفَ البصر) . ومما يدلُّ له أيضاَ: اقتصار صاحب كتاب "تراجم علماء جُدة من الحضارمة " على ذكره عندما تكلم عن أبرز طلاب الشيخ باصبرين، فلم يذكر إلا هو والشيخ عبد القادر التلمساني، وهذا مما يدلُّ على أنه كان حريصاَ ملازماً.

المرحلة الثانية: وتبدأ هذه المرحلة برحلته العلمية إلى دمشق، حيث عالمها الشهير جمال الدين القاسمي.

فبعد أن تلقى المؤلف- رحمه الله تعليمه على علماء جدة- كما قلَّمنا- أراد الاستزادة من هذا العلم، فتوجه إلى الشام، وكان هذا في حوالي سنة 1325 هـ. اتصل رحمه الله بالشيخ جمال الدين، ولازمه مدة امتدت إلى خمس سنوات أو ست سنوات، استفاد فيها فائدة عظيمة ظهرت آثارها في حياته وسلوكه، وفي كتابه أيضا.

فقد أتقن علم الحديث والتمييز بين الصحيح والضعيف. ويدُل لهذا ذكره للأحاديث الكثيرة في كتابه مع الاعتناء بذكر الصحيح منها، حيث لم يذكر في كتابه إلا الصحيح، وقد يذكر الضعيف مع التنبيه على ضعفه.

كما استفاد- رحمه الله من شيخه القاسمي: "العقيدة الصحيحة والسلفية والدعوة إليها والرد على المخالفين "، من معتزلة، وأشعرية، وجهمية، وبالغ في الرد على الصوفية، وتحرر من التقليد الأعمى، وحاربه أشد محاربة، وكان يتردد على مكتبة دمشق في ذلك الوقت وكانت عامرة بالكتب، فاستفاد من النظر فيها والأخذ منها.

ثم رجع إلى جُدة- رحمه الله وكان هذا في حدود سنة 1331 هـ أو قبلها بقليل، فانكبَّ على التحصيل والمطالعة في مكتبته العظيمة. وقد استمر في جُدة مرجعاً للناس في العلم والفُتْيَا، ومدرساً وإماماً في مسجد عكاش حتى توفَّاه الله.

ص: 26