المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌قول أبي حنيفة

فصل

في ذكر ما ورد عن الأئمّة الأربعة

‌قول أبي حنيفة

رضي الله عنه

روى البيهقي بإسناده إلى نوح ابن [أبي] مريم أبي عصمة يقول: كنّا عند أبي حنيفة أوّل ما ظهر؛ إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهمًا؛ فدخلت الكوفة؛ فقيل لها: إنّ هاهنا رجلًا قد نظر في المعقول يُقال له: أبو حنيفة؛ فأتيه؛ فأتته؛ فقالت: أنتَ الذي يعلّم النّاس المسائل وقد تركت دينك؟ أين إلهك الذي تعبده؟ فسكتَ عنها، ثم مكث سبعة أيّام لا يجيبها، ثم خرج إلينا، وقد وضع كتابًا: إنّ الله سبحانه وتعالى في السّماء دون الأرض. فقال له رجل: أرأيت قول الله ـ تعالى ـ: {وهو معكم} ؟ قال: هو كما تكتب للرّجل: إنّي معك، وأنتَ عنه غائب.

قال البيهقيّ: لقد أصاب أبو حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نفى عن الله ـ تعالى وتقدّس ـ من الكون في الأرض، وفيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السّمع في قوله: إنّ الله عز وجل في السّماء.

وقال شيخ الإسلام: وفي كتاب «الفقه الأكبر» المشهور عند أصحاب أبي حنيفة الذي رووه بإسناد عن أبي مطيع البلخيّ الحكم بن عبد الله: قال أبو حنيفة: «ومَن قال:

ص: 418

لا أعرف ربّي في السّماء أم في الأرض؛ فقد كفر؛ لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول: {الرّحمن على العرش استوى} ، عرشه فوق سبع سموات. قلتُ: فإن قال: إنّه على العرش ولكنّه يقول: لا أدري العرش في السّماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنّه أنكر أن يكون في السّماء؛ لأنّه ـ تعالى ـ في أعلى عليّين، وأنّه يدعى من أعلى لا من أسفل» .

وفي لفظ: «سألتُ أبا حنيفة عمّن يقول: لا أعرف ربّي في السّماء أم في الأرض» ، وذكر كلامًا قريبًا من الأوّل. انتهى.

قلتُ: وهذا كتاب «الفقه الأكبر» معروف مشهور، صحّت نسبته لأبي حنيفة بشهادة المتقدّمين والمتأخّرين من أصحابه؛ فممّن شرحه من المتقدّمين: الإمام أبو منصور الماتريديّ، ومن المتأخّرين: الشّيخ عليّ بن سلطان القاري، والشّرحان مطبوعان بالهند؛ فلا حاجة بنا إلى نقل جميع مسائله. ومن طالع خطبة «المبسوط» لشمس الأئمّة السّرخسيّ، وخطبة أصول الإمام البزوديّ؛ علم قطعًا أنّ أصحاب أبي حنيفة كانوا على عقيدة السّلف في إثبات الصّفات التي ورد بها السّمع، من غير تأويل ولا تمثيل. والله الموفّق.

ص: 419

فصل

في ذكر ما ورد عن إمامنا إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه، وقدّس سرّه ـ

ذكر الحافظ المتقن أبو عمر يوسف بن عبد البرّ ـ وهو من أجلّ أصحابنا ـ، في كتاب «التّمهيد» له، [بإسناده] إلى مالك، أنّه قال:«إنّ الله في السّماء، وعلمه في كلّ مكان، [لا يخلو منه مكان] » .

قال: وقيل لمالك: {الرّحمن على العرش استوى} ؛ كيف استوى؟ فقال مالك ـ رحمه الله تعالى ـ: «استواؤه معقول، وكيفيّته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء» .

وكذلك أصحاب مالك مِن بعده:

قال يحيى بن إبراهيم الطّليطليّ في كتاب «سير الفقهاء» : «كانوا يكرهون قول الرّجل: إنّ الله بكلّ مكان» .

قال أصبغ: «وهو مستوٍ على عرشه، وبكلّ مكان علمه وإحاطته» .

وأصبغ من أجلّ أصحاب مالك وأفقههم.

ص: 420

ذكر قول أبي عمر الطّلمنكيّ

قال في كتابه في الأصول: «أجمع المسلمون من أهل السُّنّة على: أنّ الله استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، وأجمع المسلمون على: أنّ الله استوى على عرشه بذاته

ثم ساق بسنده عن مالك قوله: «الله في السّماء، وعلمه في كلّ مكان» ، ثم قال في هذا الكتاب:«وأجمع المسلمون من أهل السُّنّة على أنّ معنى قوله ـ تعالى ـ: {وهو معكم أينما كنتم} ونحو ذلك من القرآن؛ بأنّ ذلك علمه، وأنّ الله فوق السّموات بذاته، مستوٍ على عرشه كيف شاء» . وهذا لفظه في كتابه.

وذكر الحافظ ابن عبد البرّ إمام أهل السُّنّة في زمانه، في كتاب «التّمهيد» ، عند شرح حديث:«ينزل ربّنا كلّ ليلة إلبى سماء الدُّنيا» ؛ فأطال الكلام على هذا الحديث، إلى أن قال: «وهذ الحديث فيه دليل على أنّ الله عز وجل في السّماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حُجّتهم على المعتزلة والجهميّة في قولهم: إنّ الله في كلّ مكان وليس على العرش، والدّليل على صحّة ما قال أهل الحقّ. فمن ذلك: قوله ـ تعالى ـ: {الرّحمن على العرش استوى}

» ، ثم ذكر كثيرًا من الآيات القرآنيّة والأحاديث المرويّة النّبويّة، وأخذ يردّ ويشنّع على مَن خالف ذلك.

وممّن قال ذلك أيضًا من المالكيّة: ابن أبي زيد القيروانيّ، في «رسالته» في الفقه؛

ص: 421

قال ـ في باب: ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة ـ: «وأنّه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كلّ مكان بعلمه» .

والحاصل: أنّ المتقدّمين من علماء المالكيّة كانوا على قول مالك بن أنس في الأصول والفروع، ولا يعلمون شيئًا من التّأويل الصّارف لنصوص الصّفات عن ظاهرها، بخلاف المتأخّرين منهم؛ فالله المستعان.

ص: 422

فصل

في ذكر قول إمامنا محمد بن إدريس الشّافعي ـ رحمه الله تعالى رحمة واسعة ـ

قال الإمام ابن الإمام عبد الرّحمن بن أبي حاتم الرّازيّ: حدّثنا أبو شعيب وأبو ثور، عن أبي عبد الله محمّد بن إدريس الشّافعيّ ـ رحمه الله تعالى ـ، قال:«القول في السُّنّة التي وردت وأنا عليها، ورأيتُ أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتُهم وأخذتُ عنهم ـ مثل: سفيان الثّوريّ ومالك وغيرهما ـ: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، وأنّ الله ـ تعالى ـ على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وأنّ الله ـ تعالى ـ ينزل إلى السّماء الدُّنيا كيف شاء» .

قال عبد الرّحمن: وحدثنا ابن عبد الأعلى قال: سمعتُ أبا عبد الله محمّد بن إدريس الشّافعيّ يقول ـ وقد سُئِلَ عن صفات الله، وما يؤمن به ـ؛ فقال: «لله ـ تعالى ـ أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيّه أُمّته، لا يسع أحدًا من خلق الله قامت عليه الحُجّة رَدّها؛ لأنّ القرآن نزل بها، وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها فيما روى عنه العدول، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحُجّة عليه؛ فهو كافر، أمّا قبل ثبوت الحُجّة عليه؛ فمعذور بالجهل؛ لأنّ علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالرّويّة والفكر، ولا يكفر

ص: 423

بالجهل بها أحد إلَّا بعد انتهاء الخبر إليه بها. ونثبت هذه الصّفات وننفي عنها التّشبيه، كما نفى التّشبيه عن نفسه؛ فقال:{ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير} .

ومثله: قول صاحبه أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنيّ، في رسالته.

ومثله: قول إمام الشّافعيّة في زمانه أبي العبّاس بن سريج.

ومثله: قول حُجّة الإسلام أبي أحمد بن الحسين الشّافعيّ.

ومثله: قول الإمام إسماعيل بن محمّد بن الفضل التّيميّ الشّافعيّ.

ومثله: قول الإمام أبي عمرو عثمان.

ص: 424

فصل

في ذكر قول الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه ـ رحمهم الله تعالى ـ

قال الخلّال في كتاب «السُّنّة» : حدّثنا يوسف بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: قيل لأبي: ربّنا تبارك وتعالى فوق السّماء السّابعة على عرشه، بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكلّ مكان؟ قال:«نعم؛ لا يخلو شيء من علمه» .

قال الخلّال: وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميمونيّ قال: سألتُ أبا عبد الله أحمد عمّن قال: إنّ الله ـ تعالى ـ ليس على العرش؛ فقال: «كلامهم كلّه يدور على الكفر» .

وروى الطّبريّ الشّافعيّ

ص: 425

في كتاب «السُّنّة» ، بإسناده إلى حنبل قال: قيل لأبي عبد الله: ما معنى قوله ـ تعالى ـ: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلَّا هو رابعهم} ، وقوله ـ تعالى ـ:{وهو معكم} ؟ قال: «علمه محيط بالكلّ، وربّنا على العرش بلا حدّ ولا صفة، {وسع كرسيّه السّموات والأرض} » .

وقال أبو طالب: سألتُ أحمد بن حنبل عن رجل قال: إنّ الله معنا، وتلا قوله ـ تعالى ـ:{ما يكون من نجوى ثلاثة إلَّا هو رابعهم} ؟ قال: «يأخذون بآخر الآية ويدعون أوّلها! هلّا قرأت عليه: {ألم تر أنّ الله يعلم ما في السّموات} الآية؟ بالعلم معهم، وقال في (ق) : {ونعلم ما نوسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} » .

وقال المروزيّ: قلتُ لأبي عبد الله: إنّ رجلًا قال: أقول كما قال الله ـ تعالى ـ: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلَّا هو رابعهم} ، أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره؟ فقال أبو عبد الله:«هذا كلام الجهميّة» . فقلتُ له: كيف تقول في: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلَّا هو رابعهم ولا خمسة إلَّا هو سادسهم} ؟ قال: «علمه في كلّ مكان وعلمه معهم» . قال: «أوّل

ص: 426

الآية يدلّ على أنّه علمه» .

وقال في موضع آخر: «وإنّ الله عز وجل على عرشه فوق السّماء السّابعة، يعلم ما تحت الأرض السّفلى، وأنّه غير مماس لشيء من خلقه» انتهى.

وبالجملة؛ فالنّصوص الواردة عن إمامنا أبي حنيفة النّعمان، وإمامنا نجم أهل السُّنّة مالك بن أنس، وإمامنا عالم قريش محمّد بن إدريس الشّافعيّ رضي الله عنهم كثيرة جدًّا، وعن إمامنا إمام أهل الأثر بلا نزاع، والذّابّ عن دين سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم بلا دفاع: أحمد بن حنبل الشّيبانيّ؛ أكثر وأعظم؛ كيف لا وهو صاحب المحنة المشهورة ـ أعني بها: مسألة القرآن ـ؛ فقد ضُرب وأُهين، ولم يصدّه ذلك عن طريف سلفه الصّالحين؛ فرضي الله عنهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم، ورزقنا محبّتهم، وسلك بنا طريقهم، آمين.

وهذا الذي نقلتُه من نصوصهم إنّما هو نبذة ممّا ذكره الحافظ إمام أهل الدُّنيا في الحديث محمد بن إسماعيل البخاريّ ـ قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه، وبرّد مضجعه ـ، هو وكافّة علماء الحديث والتّفسير ومَن تبعهم بإحسان، في كتابه:«الجامع الصّحيح» وكتابه «خلق أفعال العباد» ، وممّا ذكره الحافظ البيهقيّ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه «جامع النّصوص عن الشّافعي في مسائل العقائد» وكتابه «الأسماء والصّفات» ، وممّا ذكره الحافظ النّاقد البصير بعلوم الأثر صحيحها وسقيمها: شمس الدّين الذّهبيّ في كتابه «العلوّ» له، وممّا ذكره الإمام المفسّر المحدّث الأصوليّ النّحوي: أبو عبد الله شمس الدّين محمّد بن القيّم الحنبليّ في كتاب «الجيوش الإسلاميّة لغزو المعطّلة والجهميّة» .

ص: 427

فصل

وأمّا أقوال المفسّرين في هذا الباب: فكثيرة؛ منها: ما ذكره شيخ المفسّرين وإمامهم ومرجعهم عند النّزاع: أبو جعفر بن جرير محمد الطّبريّ ـ رحمه الله تعالى ورضي عنه ـ، في تفسيره المسمّى «جامع البيان» ، عند آيات الصّفات؛ أيّد فيها طريقة السّلف وأثنى عليها وانتصر لها، حتى قال عند تفسير قوله ـ تعالى ـ:{أأمنتم من في السّماء} قال: «وهو الله» . ومَن نظر في تفاسير المتقدّمين ـ كتفسير البخاريّ وابن ماجه ووكيع وابن مردويه وابن أبي حاتم وتفسير ابن جرير، وغيرهم ممّن التزم أن يفسّر القرآن بما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم والصّحابة والتّابعين ومَن تبعهم على طريقهم ومنوالهم ـ؛ لم يجد فيها غير طريقة السّلف، لا يرى فيها تأويل آيات الصّفات، ولا تحريفها. وقد نحى نحو المتقدّمين في التّفسير بعض المتأخّرين؛ فألّفوا بالتّفسير بالمأثور بل والآثار، ولم يدخلوا فيها ما أحدثه المتأخّرون من علم الكلام؛ فمنهم: الحافظ ابن كثير، والحافظ جلال الدّين السّيوطيّ له كتاب في التّفسير سمّاه:«الدّرّ المنثور بالتّفسير بالمأثور» ، وتفسير الحافظ ابن كثير أصحّ منه وأتقن، وتفسير السّيوطيّ أوسع منه وأجمع؛ فرحمة الله ـ تعالى ـ عليهما، وجزاهما عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

ص: 428

فصل

وأمّا أقوال الصّوفيّة المحقّقين: فمن أجلّهم من المتأخّرين: سيدي عبد القادر الجيلانيّ الحنبليّ؛ قال في كتابه «الغُنية» وكتابه «تحفة المتّقين وسبيل العارفين» ، في باب: اختلاف المذاهب في صفات الله عز وجل، وقد ذكر اختلاف النّاس في الوقف عند قوله:{وما يعلم تأويله إلَّا الله والرّاسخون في العلم} ، إلى أن قال:«والله ـ تعالى ـ بذاته على العرش، علمه محيط بكلّ مكان، والوقف عند أهل الحقّ على قوله: {إلَّا الله} . وقد رُوي ذلك عن فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا الوقف حسن لمَن اعتقد أنّ الله بذاته على العرش، ويعلم ما في السّماوات والأرض» انتهى.

وقد أطال الكلام ـ رحمة الله تعالى عليه ـ في باب: معرفة الصّانع من كتاب «الغُنية» له؛ فلا حاجة بنا إلى ذكر جميعه؛ لأنّ الكتاب مشهور، وقد طُبع بمكة المكرّمة ـ زادها الله تشريفًا وتعظيمًا ـ، وهو متداول بين النّاس. وإذا أردتَ الوقوف على جميع أقوال المسلمين من أهل التّفسير والحديث وأهل اللّغة والنّحو والمتصوّفة وأهل الكلام وغيرهم فردًا فردًا؛ فعليك بكتاب «اجتماع الجيوش الإسلاميّة لغزو المعطّلة والجهميّة» ، للحافظ ابن قيّم الجوزيّة، وهو كتاب جليل، لم يؤلّف مثله في هذا الباب؛ لأنّه جمع أشتات كتب المتقدّمين وأقوالهم في هذا الباب، مع إفراد كلّ قول على حدة؛ فجزاه الله ـ تعالى ـ الجزاء الأوفى، وحشرنا وإيّاه والمسلمين تحت لواء المصطفى، آمين.

ص: 429

فصل

فإذا تقرّر هذا وكان أمرًا مجمعًا عليه بين المسلمين؛ لا يخالف فيه إلَّا كّل مبتدع جاهل ضالّ جهميّ؛ علم قطعًا أنّ كلامه بدعة وضلالة، بل كفر، بعد إقامة الحُجّة؛ كما تقدّم عن إمامنا محمّد بن إدريس الشّافعيّ رضي الله عنه، وتكفير السّلف للجهميّة معروف لمَن قرأ كتاب «خلق أفعال العباد» للإمام البخاريّ؛ لأنّه قد ذكر فيه بإسناده إلى عبد الله بن إدريس، وقد قيل له: إنّ أقوامًا يقولون: القرآن مخلوق؛ فقال: أمن النّصارى هم أو من اليهود أو من المجوس؟ فقيل له: بل من أهل القبلة! فقال: أبلغهم عنّي أنّهم كفّار.

وبالجملة؛ فالنّصوص الواردة عن سلف الأُمّة في تكفير مَن جحد صفة لله عز وجل جاء بها القرآن أو صحّت من سُنّة سيّد ولد عدنان؛ مشهورة معروفة لمَن تتبّع كتب القوم، وأمّا مَن غرّته الأماني ورضي بحظّه من كتب المتأخّرين التي مسخها أهلها بعلم الكلام والفلسفة؛ فهو لا ترفع له رأس، ولا يثبت له قدم؛ بل تراه مزعزعًا متقلّبًا بين الشّكوك والأوهام والخيالات والشّبهات؛ فعياذًا بالله ـ تعالى ـ من هذه الخيالات.

ص: 430

فصل

فإن قال قائل: كلّ المسلمين متقدّمهم ومتأخّرهم على هذه العقيدة؛ وكيف لا يدينون الله بهذه العقيدة وهي عقيدة سلف الأُمّة من الصّحابة والتّابعين والأئمّة المجتهدين، وهي التي جاء بها القرآن والسُّنّة ـ كما وصفتَ ـ؟!

قلتُ: ما ذكره هذا القائل ساقط؛ لأنّ أكثر المتأخّرين على خلاف هذا؛ بل كلّ مَن اعتقد عقيدة السّلف من إثبات الصّفات لله ـ تعالى ـ وأنّه في السّماء؛ فبعضهم يكفّره وبعضهم يفسّقه ـ وهذا أورعهم ـ!

وإليك بعض ما قاله زعيمهم أحمد بن حجر المكيّ؛ فقد ذكر في كتابه «الفتاوى الحديثيّة» ـ وهو من باب تسمية الشيء بضدّه؛ لأنّه لم يسلك في هذه المسألة طريقة الحديث؛ بل شنّع على مَن يعتقد هذه العقيدة، واستدلّ بأقوال مَن هم على شاكلته ـ؛ قال في الكتاب المذكور، بعد كلام طويل قاله في ذكر الخلاف بين أصحابه في تكفير سلف هذه الأُمّة وصفوتها؛ لأنّهم هم القائلون: إنّ الله في السّماء على عرشه ـ كما قدّمنا ذكر ذلك عنهم، معزوًّا إلى كتب صحيحة ـ؛ قال ابن حجر:

«إذا تقرّر هذا؛ فقائل هذه المقالة ـ التي هي القول

أعني بها: إنّ الله في السّماء؛ لأنّها هذه التي سُئل عنها بالجهة فوق ـ إن كان يعتقد الحلول والاستقرار والظّرفيّة والتّحيّز؛ فهو كافر يسلك به مسلك المرتدّين إن كان مظهرًا لذلك، وإن كان اعتقاده مثل أهل المذهب الثّاني؛ فقد تقرّر الخلاف فيه؛ فعلى القول بالتّكفير؛ يرجع لما قبله، وعلى الصّحيح: ينظر فيه؛ فإن دعاه النّاس إلى ما هو عليه وأشاعه وأظهره؛ فيُصنع به ما قال مالك رضي الله عنه فيمَن يدعو إلى بدعته، ونصّ على ذلك في آخر (الجهاد) من «المدوّنة» وتأليف ابن يونس، وإذا لم يدع إلى ذلك، وكان يظهره؛ فعلى مَن ولّاه الله أمر المسلمين ردعه وزجره عن هذا الاعتقاد والتّشديد عليه حتى ينصرف عن هذه البدعة؛ فإنّ فتح مثل هذا الباب للعوامّ وسلوك طريق التّأويل؛ فيه إفساد لاعتقادهم،

ص: 431

وإلقاء تشكّكات عظيمة في دينهم، وتهييج لفتنتهم

» إلى آخر ما هذى به ولبّس به ـ كما هي عادته هو وأمثاله ـ. انتهى.

أقول: فبالله عليكَ ـ أيّها المنصف ـ! أترضى أن يكون الصّحابة والتّابعون والأئمّة المجتهدون ـ كأبي حنيفة ومالك والشّافعيّ وأحمد والحمّادين والأوزاعيّ والسّفيانين وابن المبارك وابن راهويه وابن جرير، وأهل الحديث أجمعين ـ كفّارًا أو فسّاقًا، وابن حجر المكيّ وأضرابه هو المؤمنون السّنيّون؟! فسبحانك هذا بهتان عظيم!!!

ولكن يُقال لهؤلاء: هل النّصوص التي نقلناها عن سلف الأُمّة في إثبات أنّ الله في السّماء صحيحة أم لا؟! فإن كانت غير صحيحة؛ فعليكم أن تبيّنوا عدم نسبتها لهم، ولا سبيل لكم، وإن كانت صحيحة عنهم؛ فهل تجرون فيهم هذا الخلاف أم لا؟! فإن كنتم

ص: 432

لا تجرون فيهم؛ فلِمَ أجريتموه في غيرهم، والمقالة واحدة من غير فرق؟! ومعلوم أنّه لم يُنقل عن أحد منهم التّفصيل والتّقسيم الذي ذكرتموه، وإن كنتم تجرون هذا الخلاف فيهم أيضًا؛ فقد طعنتم في مقلّديكم؛ لأنّ تقليد الكافر والفاسق في أمر الدّين غير جائز بحال. فبالله عليكم؛ كفّوا واستحيوا من الله عز وجل من هذا المقال، وكيف تكفّرون وتفسّقون مَن أثبت لله عز وجل صفاته التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله ـ وهو أعلم بربّه وأتقى النّاس له ـ؟! فيستحيل أن يصفه بصفات ظاهرها غير مراد وأنّه يؤدّي إلى التّجسيم، من غير أن يبيّن لهم ويحذّرهم من اعتقاد ذلك، ويتلو عليهم آيات ربّهم التي فيها صفاته ولا يؤوّلها بصرفها عن ظاهرها؛ والله يقول:{وأنزلنا عليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم} ؛ فأيّ احتياج أعظم، وأيّ أمر للنّاس أهم من بيان صفات الله عز وجل؟! فكيف يليق بهذا النّبيّ الحريص على هداية أُمّته كتمان ذلك، بل يأتيهم بألفاظ توافق ما في كتاب ربّهم، ويسأل عن (الأين) ، ويُسأل أيضًا كذلك، ولم يقل لهم: لا تسألوا عن (الأين) ؛ فإن الله لا يُقال له: أين، ولا في السّماء ولا في الأرض، ولا فوق ولا تحت ولا خلف ولا أمام، وهو من الجهات السّتّ خال! سيّما وقومه كانوا حديثي عهد بالكفر، فكيف يتركهم على هذه الظّواهر المتبادرة من القرآن الذي نزل بلغتهم، لا يبيّنها لهم بيانًا شافيًا، كما بيّن الوضوء والصّلاة والزّكاة وغير ذلك من أحكام الدّين؟!

فإن قلتم: علّمهم جميع ذلك؛ قلنا: لِمَ لم يُنقل عن أحد من الصّحابة ـ من وجه صحيح ولا ضعيف ـ شيء مِمّا ذكرتم؟! بل المحفوظ عنهم: هو ما ذكرناه من إثبات هذه الصّفة؛ فبالله عليكم؛ تنبّهوا وتيقّظوا لقولكم هذا؛ فإنّه ـ والله ـ نفي وتعطيل وجحود لصفات ربّكم، وطعن في نبيّكم وأصحابه فمَن بعدهم، إلَّا مَن دان الله بعقيدتكم هذه التي نتيجتها العدم والصّرف.

ومَن أراد الله هدايته رجع عنها في آخر عمره؛ فممّن رفضها: إمام المتكلّمين في زمانه أبو الحسن الأشعريّ؛ وصنّف كتابه «الإبانة عن أصول الدّيانة» ؛ رجع فيه إلى

ص: 433

طريقة الكتاب والسُّنّة وأقوال سلف الأُمّة. وممّن رجع عن علم الكلام وحرم تعاطيه: أبو المعالي ابن الجوينيّ، ومنهم: ابن الخطيب الرّازيّ، رجع عنه في آخر عمره، ونظم قصيدته المشهورة التي مطلعها:

نهاية إقدام العقول عقال

وأكثر سعي العالمين ضلال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا: قيل وقالوا

ثم قال: وها أنا أموت على دين العجائز.

ومنهم: الإمام الغزاليّ؛ تركه في آخر عمره؛ فاشتغل بالقرآن والسُّنّة؛ حتى قيل: إنّه مات وصحيح البخاريّ على صدره. وهذه أمور معروفة لمَن تتبّع كتب تاريخ الرّجال والمقالات.

ص: 434

فصل

فإن قال قائل: إنّ المتأخّرين تبعوا في العقائد الإمام أبا الحسن الأشعريّ، خصوصًا المالكيّة والشّافعيّة، وأمّا الحنفيّة فهم على طريقة أبي منصور الماتريديّ.

فالجواب: نعم؛ إنّ أبا الحسن الأشعريّ كان على هذه الطّريقة ثم رجع عنها ـ كما أسلفناه ـ، وهذه نبذة من كتابه «الإبانة» ؛ يُستدلّ بها على رجوعه إلى طريق أهل الحديث؛ قال ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب «الموجز والإبانة» ، بعد كلام طويل، ردّ به على المعتزلة الذين أنكروا بعض الصّفات الثّابتة لله سبحانه وتعالى، ونفوا أن يكون لله وجه، مع قوله:{ويبقثى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام} ، وأنكروا أن يكون لله يدان، مع قوله:{لما خلقتُ بيديّ} ، وأنكروا أن يكون له عينان، مع قوله:{تجري بأعيننا} ، وكقوله:{ولتصنع على عيني} ، ونفوا ما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: «إنّ الله ينزل إلى سماء الدُّنيا

» إلخ، إلى أن قال:«وجملة قولنا: أن نقرّ بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله، وما رواه الثّقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نردّ من ذلك شيئًا، وأنّ الله سبحانه وتعالى إله واحد أحد فرد صمد، لا إله غيره، لم يتّخذ صاحبة ولا ولدًا، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، والجنّة حقّ» ، إلى أن قال:«وأنّ الله مستوٍ على عرشه؛ كما قال ـ تعالى ـ: {الرّحمن على العرش استوى} ، وأنّ له وجهًا، وأنّ له يدين، وأنّ له عينين» ، إلى أن قال:«ونقول: إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق» ، إلى أن ختم الكتاب. وهو كتاب نفيس جدًّا، غزير العلم، وقد طُبع على ورق جيّد بخط فصيح في البلاد الهنديّة، مع عدّة رسائل. انتهى.

إذا تقرّر ذلك؛ فأقول: إنّ المتأخّرين من أهل الكلام ما وافقوا في عقائدهم هذه أحدًا من أهل السُّنّة والجماعة، لا الصّحابة ولا التّابعين ولا الأئمّة المجتهدين، ولا أهل الحديث ولا غيرهم ممّن يعتدّ بعلمه ويوثق بدينه، ولا أبا الحسن الأشعريّ الذين يدّعون أنّهم منتسبون إليه، وليسوا صادقين؛ لما عُلم من عقيدته، وأنّ قيامهم وتشنيعهم

ص: 435

وتضليلهم وتخطئتهم لشيخ الإسلام أبي العبّاس تقي الدّين أحمد بن تيميّة ـ رحمة الله تعالى عليه ـ ليس ذلك قاصرًا عليه؛ بل هو قدح وتشنيع وتضليل لكافّة سلف الأُمّة، حتى الصّحابة، وحتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لما مرّ من الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة وأقوال الصّحابة فمَن بعدهم؛ المثبتة أنّ الله في السّماء، وله يدان وعينان وأصابع وقدم وساق، وأنّه ينزل إلى سماء الدُّنيا، وأنه يجيء يوم القيامة، وغير ذلك من الصّفات التي أنكرها هؤلاء؛ فويل ثم ويل لمَن كان سلف الأُمّة ونبيّها خصماءه.

والله يرحم الإمام اليافعيّ اليمانيّ الشّافعيّ، حين ردّ على أبيات الإمام السّبكيّ التي قالها لما اطّلع على كتاب «منهاج السُّنّة النّبويّة» ، الذي ألّفه شيخ الإسلام أحمد بن تيميّة في الرّد على الرّافضة؛ قال ما نصّه:

وما نسبتم إلى الشّيخ الإمام تقيّ

الدّين أحمد أمر لا يُخصّ به

في قولكم خلط الحقّ المبين بما

يشوبه كدر في صفو مشربه

يحاول الحشو أنى كان فهو له

حثيث سير بشرقٍ أو بمغربه

يرى حوادث لا مبدأ لأولها

في الله سبحانه عمّا يظنّ به

قال الإمام اليافعيّ:

لقد علمتم بأنّ السّادة السّلف الـ

ـماضين ما خرجوا عمّا أقر به

هم القرون الأولى نص الرّسول على

تفضيلهم وأزالوا كلّ مشتبه

لئن رددت عليه في مقالته

فقد رددت عليهم فادرِ وانتبه

ص: 436

كذا الأئمّة أهل الحق كلّهم

يرون ما قاله من غير ما جبه

فردكم ليس مخصوصًا بواحدهم

بل الجميع وهذا موضع الشّبه

هلا جمعت الألى قالوا مقالته

ليستبين خطاهم من مصّوبه

فكلهم خلط الحقّ المبين بما

يشوبه كدر في صفو مشربه

إن كان ذلك حشويًّا لديك يُرى

وكلّهم أنت تقفو إثر سبسبه

فالحشو فرية جهميّ ومعتزل

فامدح وذمّ بما جاء الكتاب به

وانظر لوازم ما حاولته طلبًا

فنيّة المرء تلفى عند مطلبه

وخذ أدِلّة ما قالوه واضحة

من الكتاب ودع ما قد هذوت به

فالرّب سبحانه ما زال متّصفًا

بكلّ وصف كمال عند موجبه

انتهى. والقصيدة طويلة جدًّا؛ احتوت على عقيدة السّلف بأدِلّتها؛ فرحم الله ناظمها.

وبالجملة؛ فردّ هؤلاء على شيخ الإسلام ففي الظّاهر ردّ عليه، وفي التّحقيق هو ردّ على كافّة أعيان الأُمّة وصفوتها، سيّما القرون الأولى التي شهد لها الرّسول بالخير، وجعل إجماعهم حُجّة؛ وكيف لا يكون ذلك والله يقول:{ومَن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرًا} ؛ فنبرأ إليك ربّنا من هؤلاء الذين حرّفوا نصوص صفاتك، وكفّروا وفسّقوا مَن يعتقدها على ظواهرها ويكل كيفيتها لك، ويقولون: إنّ طريقة السّلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم وأوضح وأبين!

ص: 437

فصل

وقد ذّمّ تأويل نصوص الصّفات كثير من العلماء قديمًا وحديثًا؛ فممّا وقفتُ عليه من ذلك جزء للإمام الموفّق ابن قدامة، ورأيتُ أن أنقل منه جملة تتميمًا للفائدة. والله الهادي.

قال ـ رحمه الله تعالى ـ بعد الخطبة: «أمّا بعد؛ فإنّي أحببتُ أن أذكر مذهب السّلف من الصّحابة ومَن اتّبعهم بإحسان ـ رحمة [الله عليهم ـ في أسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته؛ ليسلك سبيلهم مَن أحبّ الاقتداء بهم، والكون معهم] في الدّار الآخرة؛ إذ كان كلّ تابع في الدُّنيا مع متبوعه في الآخرة، وسالك حيث سلك موعودًا ما وعد به متبوعه من خير أو شرّ؛ دلّ على هذا قوله ـ تعالى ـ: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} ، وقوله ـ سبحانه ـ: {والذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريّتهم} ، وقال حاكيًا عن إبراهيم عليه السلام: {فمَن تبعني فإنّه منّي} ، وقال في ضدّ ذلك: {ومَن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرًا} ، وقوله ـ تعالى ـ: {يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومَن يتولّهم منكم فإنّه منهم} ، وقال: {فاتّبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد * يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النّار} ؛ فجعلهم أتباعًا له في الآخرة إلى النّار حين اتّبعوه في الدُّنيا، وجاء في الخبر: إنّ الله يمثل لكلّ قوم ما كانوا يعبدون في الدُّنيا» .

انتهى ما أردتُ جمعه في الرّد على السّبكيّ، وآخر دعوانا ـ بتوفيق ربّنا ـ أن الحمد لله

ص: 438

ربّ العالمين.

اللهمّ ربّ جبريل وميكائيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة؛ أنتَ تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك؛ فإنّك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم.

اللهمّ {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين * اهدنا الصّراط المستقيم * صراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} .

{ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب} .

يا مقلّب القلوب؛ ثبّت قلبي على دينك وإيمانك.

{ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا ربّنا إنّك رءوف رحيم} .

{الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله} .

{الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفور شكور} .

{فلله الحمد ربّ السّموات وربّ الأرض ربّ العالمين * وله الكبرياء في السّموات والأرض وهو العزيز الحكيم} .

اللهمّ فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة؛ إنّي أعهد إليك بأنّي أشهد أن لا إله إلَّا أنت، وحدَك لا شريك له، وأنّ محمّدًا عبدك ورسولك، وإنّك إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشّر وتباعدني عن الخير، وإني لا أثق إلَّا برحمتك؛ فاجعل لي

ص: 439

عهدًا توفينيه يوم القيامة؛ إنّك لا تخلف الميعاد.

وصلى الله على سيّدنا محمّد، عبدك ورسولك النّبيّ الأُمّي، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله ربّ العالمين.

وكان الفراغ من جمع هذا الكتاب في يوم السّبت، الموافق أربع وعشرين من شهر شوال من شهور سنة ثلاثمائة وثلاث وثلاثين بعد الألف من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف (1333 هـ).

* * *

ص: 440