الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منتزه البندلر
وكم على سيفِ الخليج، من روض وثيج ومرأى بهيج، ورساتيق ورعان، وخلج وغدران، فكأنّما هذا المكان، شِعْبُ بوّان، أو روضة من رياض الجنان ومن أبهر ما يجلي للنّظر من تلك المياه والخضر، منتزه (البندلر) وهو رياض في رياض وبساتين وحياض، ووهاد وأنجاد، ونجاف وأسناد وأطيار تصدح، وأمواه تنضح، وأعطار تنفح وكأنّما في كل ناحية لوح مصوّر، أو برد محبّر، أو طراز على خز، أو وشي على قز، أو فسيفساء مفروشة أو دنانير منقوشة.
وقد حفّ الشّجر الدوّاح بتلك البطاح، فمن شوعٍ ودرماء وخلافٍ وطحماء وريحانٍ نضر، وعيدانةٍ مرجحنة، من سدر وقد تلاحقت غصونها، وتعرّشت خيطانها وفنونها، وخضب بينها العرفج، وأزهر الياسمين والبنفسج فكأن تحت كلّ عرشٍ إيواناً، وفوق كلّ فرشٍ ديواناً، وفي كلّ تربٍ جونة عطار أو مسكٍ بين أفهار وقد علّقت الطّير بهذا الشّجر، كأنّها ثمر، فمن فواخت وقطامي وحباراً وقماري.
وكأنّ كلّ ورقاءٍ على عود، حسناء في يدها عود، ترجع من كتاب الأغاني ضروب الخفيف الأوّل والثّقيل الثّاني، وتفوق
في الغناء أصوات معبد والميلاء، وألحان عنان والذلفاء وقد شُهِرَ (البندلر) بمائه، في عذوبته وصفائه، فلا يفتأ به ينحدر كما تكسر المرمر، ويلتوي على الأشجار، كالسّوار، وينبثق من غدر، وأفواه أسود ونمر ويذهب في الهواء كلسان السراج، ويعود كقبةٍ من زجاج، كأنّه في الصفاء دمع جرى، أو برق سرى، أو بلّور مذاب، أو نصل قرضاب، أو سبيكة فضّة أو معصمٌ بضّة، وكأن الحصباء تحت الماء، عقد منثور أو جوهر منشور وكثيراً ما يهطل المطر، على هذا الماء والشّجر، فإذا معركة شعواء، بين الخضراء والزرقاء فالوبل نبل، والقنا أشلّ والبروق ظبي وأسنّة. وفي كلّ غديرٍ جنّة.