الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غابة بولونيا
وصف باريس
يقبل المرء على باريس فإذا حدائق وقصور. وليلٍ كسوادِ العين كلّه نور وإذا البرجُ في طخيةِ اللّيل. وكأنّ سيراجه سهيل. برجٌ ماثلٌ كأنّه بابل. غير أنّ ذلك فرّق البشر وهذا جمعَ البدو والحضر. وإذا المدينةُ كأنّها في يوم الزّينة. وقد جاشت الطرق بالسّيارة. وزخرت البرازيق بالنظارة. فكأنّما
انفضح سيل العرم وكأنّما في كلّ سبيلٍ جيشٌ منهزم وكأنّ كلّ بهوٍ إيوان. وكأنّ كلّ شاهقةٍ رأسُ غمدان وكأنّما كلّ بستانٍ شِعْبُ بوّان وكلّ حائطٍ سدُّ ذي القرنين، وكلّ طريقٍ وادٍ بين الصدفين وكلّ قنطرةٍ قنطرةُ خرزاذ أو قنطرةُ البردان ببغداد وكلّ قصرٍ قصرُ المشتهي، وكل كنيسةٍ كنيسةُ الرّها وقد أقيم
على كلّ حنيّة، صنمٌ ليعوق في الجاهليّة، وفجرٌ في كلّ رحبةٍ عينٌ تجري على صخر، كعينِ الخنساءِ على صخر واجتمع في كلّ مرجٍ ذورٌ وصنج، وبدت في كلّ ناحيةٍ غرائبُ هندمند، وعجائبُ كوكبان والسّغد وفي هذه المدينة حرجةٌ من نزه الدنيا يقال لها (غابة بولونيا) وهي بطاحٌ في بطاح وروضةٌ فساح، وشجرٌ دوّاح، وعدٌّ جلواح وطرقٌ بين الأدغال كهدى في ضلال، وشموسٌ بين الأشجار كأنّها نثار، وكأنّ الأزهار في حيالها فرشٌ، والأنهار في خلالها صوارم في كفّ مرتعش، والنّهار في ظلالها، فجرٌ بين الضياء والغبش
وكأنّ في كلّ غصنٍ صوتُ غنّاء، وفي كلّ عشٍّ بيتاً فيه ضوضاء وكأنّ الأغصان، مواصل غضبان، أو كأنّها وهي تميل وتعتدل، شاربٌ ثمل، أو أنّها تريد العناق ويمنعها الخجل وفي جوانب هذه الحرجة صخورٌ وشعاب، وأحجارٌ وهضاب يتفجّر منها ماءٌ عرانية ذو دفاع، في حفافية الآس والدلاع، وتجري بينهما خلجٌ كأنّها أراقمٌ جدّت في الهرب أو فرّت من طلب، وكأنّ كلّ خليجٍ حسام، والظّلّ صداه، أو أنّه جامٌ والأصيل طلاه، أو أنّ ذلك الظّلّ عذارٍ في خدّ أسيل أو طرّةٌ على جبين صقيل وكأنّ الحصباء، في الماء ثنايا عذاب، وفي رضاب.