الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف اللغويين القدماء من الترادف
جمع اللُّغَة من مصادرها
مُنْذُ بَدَأَ الرعيل الأول من اللغويين فِي جمع اللُّغَة فِي الْقرن الثَّانِي وَالثَّالِث الهجريين من الْقُرْآن الْكَرِيم والْحَدِيث الشريف وَكَلَام الْعَرَب من شعر وخطب ورسائل بل وَمن أَفْوَاه فصحاء الْعَرَب بدءوا فِي تدوين مادتهم اللُّغَوِيَّة الَّتِي جمعوها
وسلكوا سبلا شَتَّى فِي تنظيمها فبعضهم آثر ان يجمع الْكَلِمَات الَّتِي تدل على معنى وَاحِد فِي تأليف واحده سموهُ المترادف أَو مَا اخْتلفت أَلْفَاظه واتفقت معانية وَقد وصل الْأَمر فِي جمع المترادف إِلَى أَن ظهر بِهِ التحدى بَين الْعلمَاء من ذَلِك
تفاخر الْعلمَاء بِكَثْرَة حفظ المترادفات مَا رَوَاهُ ابْن فَارس أَن هَارُون الرشيد سَأَلَ الْأَصْمَعِي عَن شعر لِابْنِ حزَام العكلى ففسره فَقَالَ يَا أصمعى إِن الْغَرِيب عنْدك لغير غَرِيب قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا أكون كَذَلِك وَقد حفظت للحجر سعبين اسْما
وَوجدنَا السيوطى ينظم لمنظومة أحصى فِيهَا أَسمَاء الْكَلْب قدم لَهَا قَائِلا دخل يَوْمًا أَبُو الْعَلَاء المعرى على الشريف المرتضى فعثر بِرَجُل فَقَالَ الرجل من هَذَا الْكَلْب فَقَالَ أَبُو الْعَلَاء الْكَلْب من لَا يعرف للكلب سبعين أسما قلت وَقد تتبعت كتب اللُّغَة فحصلتها ونظمتها فِي أرجوزة وسميتها التبرى من معرة المعرى
وَعَاد السيوطى بِعَمَلِهِ هَذَا أَلا يكون كَلْبا عِنْد أَبى الْعَلَاء وَلَا يَنَالهُ شىء من تَغْيِيره
وَقد بلغ السيوطى فِي عد أَسمَاء الْكَلْب سبعين فَصَاعِدا إِذْ اعْتبر فِي الْعد لُغَات الْقصر وَالْمدّ وَتغَير البنية
وَفِي تِلْكَ الْأَسْمَاء مَا كَانَ صفة فَغلبَتْ عَلَيْهِ الاسمية مثل الْوَازِع وكسيب لِأَنَّهُ يَزع الذِّئْب عَن الأغنام ويكسب لأَهله وكالأعقد لانعقاد ذَنبه وكالبصير لحدة بَصَره وَالْمُنْذر لِأَنَّهُ ينذر باللصوص
وَمِنْهَا مَا هُوَ ألقاب جعلت على الْكَلْب لِأَن مَعَانِيهَا فِيهِ كداعى الْكَرم لِأَنَّهُ يدل العابرين على أهل بنباحه فيتضيفونهم وَفِي مَعْنَاهُ داعى الضَّمِير أى مناديه وَالضَّمِير هُنَا من أضمرته الْبِلَاد بِمَوْت أَو سفر وَيُوجد فِيهَا مَا هُوَ كنية كأبى خَالِد وَمن بَينهَا مَا هُوَ خَاص بأسنان الْكلاب كالدرص والجرو لصغارها
وَيدخل فِيهَا مَا يتَعَلَّق بالفصائل مثل العسبور لولد الْكَلْب من الذئبة وكالديسم لولد الكلبة من الثَّعْلَب أَو من الذِّئْب افْتتح السيوطى التبرى بقوله
(لله حمد دَائِم الولى
…
ثمَّ صلَاته على النبى)
(قد نقل الثِّقَات عَن أَبى الْعلَا
…
لما أَتَى للمرتضى ودخلا)
(قَالَ لَهُ شخص بِهِ قد عثرا
…
من ذَلِك الْكَلْب الذى مَا أبصرا)
(فَقَالَ فِي جَوَابه قولا جلى
…
معيرا لذَلِك المجهل)
(الْكَلْب من لم يدر من أَسْمَائِهِ
…
سبعين موميا إِلَى علائه)
(وَقد تتبعت دواوين اللُّغَة
…
لعلنى أجمع من ذَا مبلغه)
(فَجئْت مِنْهَا عددا كثيرا
…
وأرتجى فِيمَا بقى تيسيره)
(وَقد نظمت ذَاك فِي هَذَا الرجز
…
ليستفدها الذى عَنْهَا عجز)
(فسمه هديت بالتبرى
…
يَا صَاح من معرة المعرى)
ثمَّ شرع يُسَمِّيه فَقَالَ
(من ذَلِك الباقع ثمَّ الوزاع
…
وَالْكَلب والأبقع ثمَّ الزَّارِع والخيطل السخام ثمَّ الْأسد
…
والعربج الْعَجُوز ثمَّ الأعقد والأعنق الدرباس والعملس
…
والقرطب الفرنى ثمَّ الْفلس) وَمِنْهَا
(وعد من أَسْمَائِهِ الْبَصِير وَفِيه لغز قَالَه خَبِير وَهَكَذَا سموهُ داعى الْكَرم مشيد الذّكر متمم النعم والمستطير هائج الْكلاب
…
كَذَا رَوَاهُ صَاحب الْعباب والدرص والجرو مثلث ألفا
…
لولد الْكَلْب أسام تلفى والسمع فِيمَا قَالَه الصولى
…
وَهُوَ أَبُو خَالِد الكنى وَولد الكلبة من ذِئْب سمى
…
أَو ثَعْلَب فَمَا رووا بالديسم كَذَلِك كلب المَاء يدعى القندسا
…
فِيمَا لَهُ ابْن دحْيَة قد ائتسى وكلبة المَاء هِيَ القضاعة
…
جَمِيع ذَاك أثبتوا سَمَاعه)
ثمَّ خَتمهَا بقوله
(هَذَا الذى من كتب جمعته
…
وَمَا بدا من بعد ذَا الحقته وَالْحَمْد لله هُنَا تَمام
…
ثمَّ على نبيه السَّلَام)
وَهِي تنظم فِي سَبْعَة وَثَلَاثِينَ بَيْتا وَهِي مَا بَين وأوعده السوطى فِي كِتَابَة ديوَان الْحَيَوَان الذى لخص فِيهِ حَيَاة الْحَيَوَان للكمال الدميرى وَالَّذِي تُوجد مِنْهُ مخطوطة بدار الْكتب المصرية والتبرى يُوجد أَيْضا مُفردا مُسْتقِلّا فِي مخطوطتين محفوظتين بدار الْكتب المصرية ضمن مجموعتين وَقد صدر مطبوعا ضمن الْمَجْمُوع الْمُسَمّى بتعريف
القدماء بأبى الْعَلَاء سنة 1944 م، وطبع بتحقيق مَحْمُود نصار بدار الجيل ببيروت سنة 1992 م
ويروى ابْنا فَارس أَن ابْن خالوية قَالَ جمعت للأسد خَمْسمِائَة اسْم وللحية مِائَتَيْنِ
وَغير ذَلِك من الروابا الَّتِي تؤكد الترادف فِي الْعَرَبيَّة
وَمن الْقَصَص والْآثَار الَّتِي تؤكد وجود الترداف فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة مَا روى أَن رجلا كأبى هُرَيْرَة لَا يعرف كلمة السكين لِأَنَّهُ من قَبيلَة أَزْد فقد سَقَطت من يَد النبى صلى الله عليه وسلم فَقَالَ بعد أَن كرر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لَهُ القَوْل ثَانِيَة وثالثة آلمدية تردي فَقَالَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم نعم (2)
وَيَقُول النبى صلى الله عليه وسلم لأبى تَمِيمَة إياك والمخيلة فَقَالَ يَا رَسُول الله نَحن عرب فَمَا المخيلة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سبل الْإِزَار فوضحها لَهُم
بل إِن أَبَا الصّديق رضى الله عَنهُ {وَكَانَ الله على كل شَيْء مقيتا} وَعمر بن الْخطاب يسمع قَوْله تَعَالَى {وَفَاكِهَة وَأَبا} (6) فَيَقُول هَذِه الْفَاكِهَة فَمَا الْأَب ونجده يسْأَل فِي كلمة التخوف من قَوْله تَعَالَى {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف}
وَقد انقسم عُلَمَاء الْعَرَبيَّة تجاه الترادف إِلَى فريقين 1 - مُثبت للترادف 2 - مُنكر للترادف
ويبدو أَن مثبتى الترادف من عُلَمَاء الْعَرَبيَّة كَانُوا فريقين فالفريق الأول وسع مَفْهُومه وَلم يُقيد حُدُوثه بأى حُدُود وَيذكر ابْن فَارس (ت 295 هـ) هَذَا الْخلاف بقوله وَيُسمى الشىء الْوَاحِد بالأسماء الْمُخْتَلفَة نَحْو السَّيْف والمهند والحسام والذى نقُوله فِي هَذَا ان الِاسْم وَاحِد وَهُوَ السَّيْف وَمَا بعده من الألقاب صِفَات ومذهبنا أَن كل صفة مِنْهَا ومعنا غير معنى الْأُخْرَى وَقد خَالف فِي ذَلِك قوم فزعموا أَنَّهَا ون اخْتلف الأفاظها فَإِنَّهَا ترج إِلَى معنى وَاحِد وَذَلِكَ قَوْلنَا سيف وعضب وحسام
وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ مِنْهَا اسْم وَلَا صفة إِلَّا وَمَعْنَاهُ غير معنى الآخر وَكَذَلِكَ الْأَفْعَال نَحْو مضى وَذهب وَانْطَلق وَقعد وَجلسَ وركض ونام وهجع وَهُوَ مَذْهَب شَيخنَا الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب
والفريق الثانى قيد حُدُوث الترادف وَوضع شُرُوطًا تحد من كَثْرَة وُقُوعه وَمن أثبت الترادف وَوضع لَهُ قيودا ليحد من كَثْرَة وُقُوعه
فَخر الدّين الرازى الذى كَانَ يرى قصر الترادف على مَا يتطابق فِيهِ المعنيان بِدُونِ أدنى تفَاوت فَلَيْسَ من الترادف عِنْده السَّيْف والصارم لِأَن فِي الثَّانِيَة زِيَادَة فِي الْمَعْنى
وَمِنْهُم الأصفهانى الذى كَانَ يرى أَن الترادف الحقيقى هُوَ مَا يُوجد فِي اللهجة الْوَاحِدَة أما مَا كَانَ من لهجتين فَلَيْسَ من الترادف
وَمن عُلَمَاء الْعَرَبيَّة من نفى وجود الترادف فِي اللُّغَة وعَلى رَأس هَذِه الطَّائِفَة ثَعْلَب وَأَبُو على الفارسى وَابْن فَارس وَأَبُو هِلَال العسكرى
قَالَ أَبُو على الفارسى كنت بِمَجْلِس سيف الدولة بحلب وبالحضرة جمَاعَة من أهل اللُّغَة وَفِيهِمْ ابْن خالويه فَقَالَ أبن خالويه فَقَالَ ابْن خالويه أحفظ للسيف خمسين أسما فَتَبَسَّمَ أَبُو على وَقَالَ مَا أحفظ إِلَّا اسْما وَاحِدًا وَهُوَ السَّيْف قَالَ ابْن خالويه فَأَيْنَ المهند والصارم وَكَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَبُو على هَذِه صِفَات وَكَأن الشَّيْخ لَا يفرق بَين الِاسْم وَالصّفة وَقَالَ التَّاج السبكى فِي شرح الْمِنْهَاج وَذهب بعض النَّاس إِلَى إِنْكَار الترادف فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة ووزعم أَن كل مَا يظنّ من المتردفات فَهُوَ من المتباينات الَّتِي تتباين بِالصِّفَاتِ كَمَا فِي الْإِنْسَان والبشر فَإِن الأول مَوْضُوع لَهُ بِاعْتِبَار النسْيَان أَو بِاعْتِبَار أَنه يؤنس
وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِهِ أَنه بادى الْبشرَة وَكَذَا الخندريس وَالْعَقار فَإِن الأول بِاعْتِبَار الْعتْق وَالثَّانِي بِاعْتِبَار عقر الدن لشدتها
وتكلف لأكْثر المترادفات بِمثل هَذَا الْمقَال العجيب
وَوجدنَا أَبَا هِلَال العسكرى وَهُوَ كَمَا يَقُول عِنْد الدكتور إِبْرَاهِيم أنيس أديب ناقد يسْتَشف من الْكَلِمَات أمورا سحرية ويتخيل فِي مَعَانِيهَا أَشْيَاء ينقب وَرَاء المدلولات سابح فِي عَالم الخيال ويصور دقائق الْمَعْنى وظلاله وَقد ألف أَبُو هِلَال كتاب الفروق اللُّغَوِيَّة نَادَى فِيهِ بِأَن كل اسْمَيْنِ يدريان على الْمعَانى وَعين الْأَعْيَان فِي لُغَة وَاحِدَة فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا يقتضى خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الآخر وَإِلَّا لَكَانَ الثَّانِي فضلا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ
وَإِذا أردنَا زِيَادَة إِيضَاح رأية نرْجِع إِلَى كتاب الفروق اللُّغَوِيَّة لنرى أَمْثِلَة مِنْهُ
الْفرق بَين التقريظ والمدح يكون للحى وَالْمَيِّت والتقريظ لَا يكون إِلَّا للحى وخلافه التأبين لَا يكون إِلَّا للْمَيت وأصل التقريظ من الْقرظ وَهُوَ شىء يدبغ بِهِ الْأَدِيم وَإِذا أدبغ بِهِ حسن وَصلح وزادت قيمَة فَشبه مدحك للْإنْسَان الحى بذلك كَأَنَّك تزيد من قِيمَته بمدحك إِيَّاه وَلَا يَصح هَذَا الْمَعْنى فِي الْمَيِّت وَلِهَذَا يُقَال مدح الله وَلَا يُقَال قرظه وم اجْتِهَاد أَبى هِلَال فِي هَذَا الْكتاب لإِظْهَار الْفرق بَين الْكَلِمَات إِلَّا ان لَهُ كتابين آخَرين يترف فيهمَا بالترادف وهما 1 - التَّلْخِيص فِي معرفَة أَسمَاء الْأَشْيَاء 2 - المعجم فِي بَقِيَّة الْأَشْيَاء
فموقف أَبى هِلَال أَنه لَا يُوسع من دَائِرَة الترادف التَّام أما الترادف الجزئى فَلَا يمنعهُ بِحَال
يَقُول الدكتور رَمَضَان عبد التواب فرغم مَا يُوجد بَين لَفْظَة مترادفة وَأُخْرَى من فروق أَحْيَانًا فإننا لَا يَصح أَن ننكر الترادف مَعَ من أنكرهُ جملَة فَإِن إحساس الناطقين باللغة كَانَ يُعَامل هَذِه الْأَلْفَاظ مُعَاملَة المترادف فنراهم يفسرون اللَّفْظَة مِنْهَا بِالْأُخْرَى كَمَا روى عَن أَبى زيد الأنصارى أه قَالَ قلت لأعرابي مَا المحبنطىء قَالَ المتكأكىء قَالَ قلت مَا لمتكأكىء قَالَ المتأزف قَالَ قلت مَا المتأزف قَالَ أَنْت أَحمَق (4)