المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌المجلس السادسمجلس الوعظ

‌المجلس السادس

مجلس الوعظ

(التذكير على المنابر للوعظ والاتعاظ سنة الأنبياء والمرسلين).

(حاشية ابن عابدين/6/ 421)

(لأن أرى في طائفة المسجد نارًا تقد، أحبُّ إليَّ من أرى فيها رجلًا يقصُّ ليس بفقيه). أبو إدريس الخولاني.

(حلية الأولياء، أبو نعيم/5/ 124)

(كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء).

(تلبيس إبليس، ابن الجوزي/123)

(مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام). عطاء الخراساني.

(حلية الأولياء، أبو نعيم/5/ 195)

(العالم اسمًا لا معرفة وعلمًا لا يكاد تقع دعوته إلا على سبيل الإضلال).

(الأمد الأقصى، أبو زيد الدبوسي/169)

(علوق الوهميَّات بالطبائع أشدُّ من علوق الحقائق).

(القواعد، ابن الوزير/187)

(مثل القُصَّاص في العلماء مثل أهل السواد في أهل المدن).

(قوت القلوب، أبو طالب المكي/1/ 283)

ص: 229

الوعظ هو النصح والتذكير بالعواقب، والموعظة تخويف يرقُّ به القلب لأجل الزجر عن الشيء يضر المرء في عاقبة أمره، ويردعه عن أعماله السيئة أو عن توقع ذلك منه، والواعظ هو من يقوم في الناس بالموعظة ليبعثهم بذلك على فعل الخير واجتناب السيئات

(1)

.

وممن يقوم في الناس متكلِّمًا كالواعظ المذكِّر والقاصُّ، فالمذكر من يعرِّف الخلق نعم الله تعالى عليهم، ويحثهم على شكره ويحذرهم من مخالفته، والقاصُّ الذي يقص على الناس قصص الماضين والأخبار من المواعظ وغيرها

(2)

. قال محيي السُّنَّة البغوي (ت 516 هـ): (وقيل: إن المتكلمين على الناس ثلاثة أصناف: مذكر وواعظ وقاص، فالمذكر: الذي يذكر الناس آلاء الله ونعماءه، يبعثهم به على الشكر له. والواعظ يخوفهم بالله وينذرهم عقوبته ويردعهم عن المعاصي. والقاص هو الذي يروي أخبار الماضين ويسرد عليهم القصص، فلا يؤمن فيها الزيادة والنقصان، والواعظ والمذكر مأمون عليهما ذلك، والله أعلم)

(3)

. فهذه ثلاث معانٍ بينها فرق في نفسها، غير أنها

(1)

انظر: العين، الخليل (2/ 228)، الصحاح، الجوهري (3/ 1181)، المفردات، الراغب (876)، التحرير والتنوير، ابن عاشور (14/ 329).

(2)

انظر: كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (157)، فتح الباري، ابن حجر (8/ 412).

(3)

شرح السُّنَّة (1/ 305).

ص: 230

باتت تطلق على مسمّى واحد؛ لأنها متقاربة في الغرض ومساق الكلام

(1)

.

ومقام الوعظ والتذكير والقصة من مقامات الدين الجليلة، والله جل جلاله وعظ وقصَّ في كتابه، قال تعالى:{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} [النور: 17]، وقال تعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]، وأمر نبيه صلى الله عليه وسم أن يعظ الناس ويذكرهم ويقص عليهم، فقال تعالى:{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63]، وقال تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21]، وقال تعالى:{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].

وقد وعظ النبي صلى الله عليه وسلم، وكلُّ الصحابة والتابعين لهم بإحسان كذلك كانوا يعظون ويذكِّرون، وإن كان بعضهم أخصَّ بذلك من بعض

(2)

. قال الحافظ ابن رجب (ت 795 هـ): (كانت مجالس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب، إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة، وتعليم ما ينفع في الدين، كما أمره الله تعالى في كتابه أن يذكر ويعظ ويقص وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يبشر وينذر)

(3)

.

والناس بحاجة إلى الموعظة والذكرى والقصة الصادقة. قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]. فإن النفوس كثيرة الغفلة، وفي الموعظة تنبيه وتذكير ونفع متى خرجت مخرج صدق ودخلت مدخل صدق. قال الإمام أحمد (ت 241 هـ):(ما أحوج الناس إلى قاصِّ صدوق)

(4)

.

ومجالس الوعظ والتذكير في نفسها مما تشترك فيه علوم الشريعة فلا يستقل

(1)

انظر: كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (157 - 160)، تاريخ القصاص، د. محمد لطفي الصباغ (15)، منهج القصاص في الدعوة إلى الله من عصر الخلفاء الراشدين إلى نهاية العصر العباسي، د. عبد الله الطويل (30).

(2)

انظر: كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (228).

(3)

لطائف المعارف (47).

(4)

الآداب الشرعية، ابن مفلح (2/ 180)، وانظر: مطالب أولي النهى، الرحيباني (2/ 261).

ص: 231

بها علم منها، كما قال الذهبي (ت 748 هـ):(الوعظ فنٌّ بذاته، يحتاج إلى مشاركة جيِّدة في العلم)

(1)

. غير أن تسميتها في مجالس الفقه جاءت لمعانٍ ثلاثة:

المعنى الأول: أن أكمل صورة يكون عليها الواعظ أن يكون فقيهًا عالمًا بسياسة الناس وحسن التعاطي معهم بزواجر الشريعة وفضائلها، وأن يكون له واعظ من نفسه قبل غيره حتى تعظم نصيحته وتقع موقعًا حسنًا في النفوس.

قال الذهبي: (كان القاصُّ في الزمن الأول يكون له صورة عظيمة في العلم والعمل)

(2)

. وسئل أبو الوفاء بن عقيل (ت 513 هـ) عن قوم يجتمعون حول رجل يقرأ عليهم أحاديث وهو غير فقيه؟ فقال: هذا وبال على الشرع، أو نحو ذلك

(3)

. وقال أبو الفرج بن الجوزي (ت 597 هـ) عن واعظ: (احذروا جاهل الأطباء، فربما سمَّى سُمًّا، ولم يعرف المسمى)

(4)

.

فالواعظ يتوافد عليه عامة الناس ومجالسه مشهودة، فإن لم يكن ممن يحسن مخاطبتهم ويعرف أغراضهم أدخل بذلك عليهم الفساد، وربما أورد عليهم ما لا يحتملونه من العلم، ومن ثمَّ كانت صناعة الوعظ مفتقرة إلى فقه النفس والعلم بسياسة الناس. قال ابن الجوزي:(ومن التغفيل تكلم القصاص عند العوام الجهلة بما لا ينفعهم، وإنما ينبغي أن يخاطب الإنسان على قدر فهمه، ومخاطبة العوام صعبة؛ فإن أحدهم ليرى رأيًا يخالف فيه العلماء ولا ينتهي. وقد رأينا أن امرأة قالت لولدها من غير زوجها: هذا زوجي كافر، قال: وكيف؟ قالت: طلقني بكرة وضاجعني في الليل، فقال: أنا أقتله! وما علم أن الرجعية زوجة، وأنه قد أشهد على ارتجاعها من غير علمها، أو أنه يعتقد أن الوطء رجعة. ورأى رجل رجلًا يأكل في رمضان فهمَّ بقتله، وما علم أنه مسافر. فالويل للعلماء من مقاساة الجهلة)

(5)

.

(1)

زغل العلم (49).

(2)

سير أعلام النبلاء (4/ 275).

(3)

الآداب الشرعية، ابن مفلح (2/ 185).

(4)

سير أعلام النبلاء، الذهبي (21/ 375).

(5)

الآداب الشرعية، ابن مفلح (2/ 187).

ص: 232

المعنى الثاني: أن الفقهاء كانوا يتولون وظائف الوعظ وتشتمل مجالسهم في العلم عليه وتعقد لهم المجالس الوعظية، وهذا كثير جدًّا في أخبار الفقهاء، وتراجمهم مليئة بذكر مجالسهم في التذكير ووصفها. وقد سئل عطاء (ت 114 هـ): ما مجلس الذكر؟ فقال: (مجلس الحلال والحرام وكيف تصلي وكيف تصوم وكيف تنكح وكيف تطلق وتبيع وتشتري)

(1)

. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ): (ولما كان ذكر الله يعم هذا كله قالوا: إن مجالس الحلال والحرام ونحو ذلك مما فيه ذكر أمر الله ونهيه ووعده ووعيده ونحو ذلك من مجالس الذكر)

(2)

، وستأتي أمثلة لبعض هذا.

المعنى الثالث: أن الموعظة إنما يراد بها العمل، فهي أمر ونهي مقرون بترغيب وترهيب

(3)

. والله جل جلاله يقول في تنزيله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]. قال الفخر الرازي (ت 606 هـ): (وإنما سُمِّي هذا التكليف والأمر وعظًا؛ لأن تكاليف الله تعالى مقرونة بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب والثواب والعقاب، وما كان كذلك فإنه يسمى وعظًا)

(4)

. وقد كان تذكير السلف ووعظهم بالقرآن والفقه

(5)

.

فإذا عُرفت هذه المعاني فليعلم أنه لم يزل من أمر الناس أن يكون الوعاظ والقصاص أكثر عددًا من العلماء. قال ابن عون (ت 151 هـ): (أدركت هذا المسجد مسجد البصرة، وما فيه حلقة تنسب إلى الفقه إلا حلقة واحدة تنسب إلى مسلم بن يسار، وسائر المسجد قصاص)

(6)

. ولم يزل من أمر الناس كذلك أن يكون شهود الناس لمجالس الوعظ والتذكير أكثر من شهودهم لمجالس العلم؛ وذلك (أن العلم مخصوص لقليل، وأن القصص عام لكثير)،

(1)

حلية الأولياء، أبو نعيم (3/ 313).

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية (32/ 232).

(3)

انظر: مدارج السالكين، ابن القيم (315).

(4)

مفاتيح الغيب (10/ 173).

(5)

انظر: كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (349).

(6)

تاريخ دمشق، ابن عساكر (58/ 130).

ص: 233

كما قال أبو طالب المكي (ت 386 هـ)

(1)

. وربما انتفع العامة بالواعظ الصادق قليل العلم ما لا ينتفعون بالعالم الكبير

(2)

.

ومع هذا فإن أمر الدين متين، وفي العلم عصمة عن الوقوع في المهالك، والواعظ إذا كان قليل البضاعة في العلم فربما اجترأ على ما لا يحسنه، وتخوَّض بالجهل إلى الفرية في الشريعة بالزيادة فيها والنقص منها، رغبة في جاه أو مال أو صدارة، ولذا كثر في كلام جهلة الوعاظ والقصاص الكذب والتهويل، ثم يوفض الناس بعدُ في تصديقهم ومتابعتهم وتصديرهم.

قال ابن قتيبة (ت 276 هـ): (ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيبًا خارجًا عن فطر العقول! أو كان رقيقًا يحزن القلوب ويستغزر العيون)

(3)

. وقال أبو الوفاء بن عقيل (ت 513 هـ): (لو تمسك الناس بالشرعيات تمسكهم بالخرافات لاستقامت أمورهم)

(4)

.

ومن أجل هذا جاء في الآثار والأخبار عن السلف ما جاء من ذمِّ القصاص والتحذير منهم والنهي عن مجالستهم؛ لما يكثر منهم من الكذب والاجتراء على الكلام في الشرع بالجهل، وسوء الإرادات والتصورات، أو لما يتلبسون به من الأحوال المخالفة للهدي الأول

(5)

. قال أبو قلابة (ت 104 هـ): (ما أمات العلم إلا القصاص؛ يجالس الرجل الرجل القاص سنة

(1)

قوت القلوب (1/ 268).

(2)

كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (174).

(3)

تأويل مختلف الحديث (404)، وأشد من كلام ابن قتيبة قول المسعودي (ت 346 هـ):(ثم انظر هل ترى إذا اعتبرت ما ذكرنا ونظرت في مجالس العلماء، هل تشاهدها إلا مشحونة بالخاصة من أولي التمييز والمروءة والحجا؟ وتَفَقَّدِ العامة في احتشادها وجموعها، فلا تراهم الدهر إلا مرقلين إلى قائد دبَّ، وضارب بدفِّ على سياسة قرد، أو متشوقين إلى اللهو واللعب، أو مختلفين إلى مشعبذ متنمس مخرِّق، أو مستمعين إلى قاص كذاب، أو مجتمعين حول مضروب، أو وقوفًا عند مصلوب). مروج الذهب (2/ 26).

(4)

الآداب الشرعية، ابن مفلح (3/ 384).

(5)

انظر طائفة من المآخذ التي سجلها العلماء على القصاص في: المدخل، ابن الحاج (1/ 268) وفي (2/ 13)، تلبيس إبليس، ابن الجوزي (123)، الباعث على الخلاص من حوادث القصاص، العراقي (98)، أثر الوعظ والوعاظ في بغداد في القرن السادس الهجري، د. جهاد العلواني (55).

ص: 234

فلا يتعلق منه بشيء، ويجلس إلى العلم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشيء)

(1)

.

وقال أبو الفرج بن الجوزي (ت 597 هـ): (وإنما ذُمَّ القُصَّاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبهم يخلط فيما يورده وربما اعتمد على ما أكثره محال فأما إذا كان القصص صدقًا ويوجب وعظًا فهو ممدوح)

(2)

.

وبين داعي حفظ الدين وصيانته، وداعي الحاجة إلى الوعاظ والقصاص الذين ينتفع الناس بهم، فإن العلماء رسموا من قوانين السياسة الشرعية ما يحمل على سنن التوسط والاعتدال، وهذا مما تختلف به الأحوال والأعراف والسياسات. فمن ذلك التحذير من مجالسة القاص الجاهل، وقد روى الإمام مسلم (ت 261 هـ) في مقدمة صحيحه عن عاصم بن أبي النجود (ت 127 هـ) قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي (ت 74 هـ) ونحن غِلْمَةٌ أيفاع، فكان يقول لنا:(لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص)

(3)

. ومن ذلك ما جاءت به الوصية من العلماء بألا يتعرض الواعظ لغير الوعظ

(4)

. ومن ذلك امتحان الوعاظ والقصاص للنظر في تأهلهم لما هم بصدده من التذكير والوعظ، وقد روي أن عليًّا رضي الله عنه رأى رجلًا يقص، فقال: علمت الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت

(5)

. وقال شريح (ت 78 هـ): كنت مع علي رضي الله تعالى عنه- في سوق الكوفة، حتى انتهى إلى قاص يقص فوقف عليه، فقال: أيها القاص، تقص ونحن قريب العهد! أما إني أسألك فإن تخرج عما سألتك وإلا أدَّبتك. قال القاص: سل يا أمير المؤمنين عما شئت.

فقال علي رضي الله عنه: ما ثبات الإيمان وزواله؟ فقال القاص: ثبات الإيمان الورع،

(1)

حلية الأولياء، أبو نعيم (2/ 287).

(2)

تلبيس إبليس (123). وانظر: كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (349)، منهج القصاص في الدعوة إلى الله من عصر الخلفاء الراشدين إلى نهاية العصر العباسي، د. عبد الله الطويل (56).

(3)

صحيح مسلم، المقدمة، باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات.

(4)

الآداب الشرعية، ابن مفلح (2/ 188).

(5)

مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الأدب، باب من كره القصص وضرب فيه (26192).

ص: 235

وزواله الطمع. قال علي: فمثلك يقص

(1)

.

ومن ذلك الاحتساب على الوعاظ والقصاص والإنكار عليهم ومنعهم، وللعلماء في كتب الحسبة في ذلك رسوم وآداب وشروط، فمن ذلك مثلًا أن أبا الحسن الماوردي (ت 450 هـ) بعد أن أكَّد على وجوب الاحتساب على الوعاظ، وأن يكون المتصدي للوعظ ممن اشتهر بين الناس بالدين والعلم الخير والفضيلة، نبَّه إلى أمر لطيف وهو أنه من توفَّرت فيه هذه الشروط مُكِّن من الجلوس على المنبر للوعظ، أما من عرف شيئًا يسيرًا من كلام الوعاظ وحفظ من الأحاديث والأخبار الصالحة شيئًا قليلًا ليذكِّر ويعظ بها، فإنه لا يمنع غير أنه لا يرقى المنبر بل يقف على قدميه؛ لأن صعود المنبر رتبة شريفة لا تليق إلا بمن استحق شرطها، وهذا تدبير لطيف يراد به صيانة مقام العالم المفتي لئلا يشتبه به مقام الواعظ والمذكِّر

(2)

؛ لأن اشتباه المقامين ربما أورث أمورًا لا تحمد عاقبتها، ومن ذلك ما حكاه أبو الوليد بن رشد (ت 520 هـ) فقال:(وأجمعت الأمة على أن الكافرين محجوبون عن الله تعالى يوم القيامة، وإنما اختلفوا في المؤمنين، فقال أهل الزيغ إنهم لا يرونه، وقال أهل السُّنَّة والجماعة إنهم يرونه على ما بيَّناه وصححناه، إلى أن نشأ رجل من أهل البصرة يعرف بأبي الحسن بن سالم، وكان من الوعاظ الذين يظهرون النسك ويظنه العوام من أهل العلم، فسألوه عن هذه المسألة فحملته الأنفة وما يعتقده العوام فيه من أنه من أهل العلم على أن أجاب فيها بغير علم، فأخطأ وقال: إن الكافرين يرون ربهم يوم القيامة، وأبى أن يرجع عن بدعته، وتبعه قوم على ذلك حتى قويت شوكتهم وصار قولهم مذهبًا يذكر، والله أسأله العصمة برحمته)

(3)

.

وكما يكون الإنكار على الوعاظ من المحتسبين فكذلك العلماء والفقهاء

(1)

حلية الأولياء، أبو نعيم (4/ 136).

(2)

انظر: الرتبة في طلب الحسبة (300). وانظر أيضًا: كتاب الروضتين، أبو شامة (1/ 203)، أثر الوعظ والوعاظ في بغداد في القرن السادس الهجري، د. جهاد العلواني (72).

(3)

البيان والتحصيل (18/ 480).

ص: 236

ينكر بعضهم على بعض ما يكون للواحد منهم من الهنات والتجاوزات، فإن العلم دين ونصيحة بين أهله، وإذا سكت العالم عن الزلة يراها من نظيره فمن للجاهل يخبره أنها زلة؟ ومن ذلك مقام إسحاق بن أحمد العلثي (ت 634 هـ) في الإنكار على أبي الفرج بن الجوزي (ت 597 هـ) في بعض كلامه في المواعظ والمقالات، حتى كتب له مرة:(وأنا وافدة الناس والعلماء والحفاظ إليك، فإما أن تنتهي عن هذه المقالات وتتوب التوبة النصوح كما تاب غيرك، وإلا كشفوا للناس أمرك، وسيَّروا ذلك في البلاد وبيَّنوا وجه الأقوال الغثة، وهذا أمر تُشُوِّر فيه وقضي بليل، والأرض لا تخلو من قائم لله بحجة)، وجاء في كلامه: (ولو كان لا ينكر من قلَّ علمه على من كثر علمه إذًا لتعطَّل الأمر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل، حيث قال تعالى:{كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 134]

(1)

.

(1)

انظر رسالة العلثي إلى ابن الجوزي رحمهما الله في: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (3/ 446 - 453).

ص: 237

أكثر مجالس الوعظ كانت في الجوامع والمساجد، وكثيرًا ما يتفق ذلك في غيرها كالمدارس والطرقات والأسواق والمقابر والبوادي والمنازل والأربطة، وربما حصل التفريق بينها في الأسماء باعتبار اختلاف الأماكن والهيئات في بعض الأعراف والأوقات، فيسمى الذي يقرأ من حفظه واقفًا في الطرقات ونحوها قاصًّا، بينما يسمَّى الذي يكون في المسجد أو يقرأ من كتاب واعظًا أو قارئ كرسي، أو غير ذلك من الأسماء التي يصطلح عليها أهل محلة أو ناحية في زمان من الأزمنة

(1)

.

وكان الوعظ كالعلم الذي يقرؤه الطلبة على شيوخهم، فابن الجوزي (ت 597 هـ) لازم ابن الزاغوني (ت 527 هـ) وعلَّق عنه الفقه والوعظ

(2)

، كما قرأ الوعظ على ابن الجوزي جماعة، كالعكبري الواعظ (ت 599 هـ)

(3)

، وابن البرني (ت 622 هـ)

(4)

، وموفق الدين التانِرايا البغدادي (ت 626 هـ)

(5)

.

وكان من الفقهاء من يشتهر بالوعظ حتى يكون له شبه اختصاص به،

(1)

انظر في التفريق بين الواعظ والقاص وقارئ الكرسي في هذا: معيد النعم، ابن السبكي (113)، وانظر في ذكر أمثلة على الوعظ في الأماكن المختلفة: منهج القصاص في الدعوة إلى الله، د. عبد الله الطويل (136)، أثر الوعظ والوعاظ في بغداد في القرن السادس الهجري، د. جهاد العلواني (62).

(2)

الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (2/ 465).

(3)

الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (2/ 526).

(4)

الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (3/ 319).

(5)

الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (3/ 368).

ص: 238

وكان منهم من يرحل في ذلك ويدخل القرى والمدن واعظًا، كالناصح بن الحنبلي (ت 634 هـ) الذي اشتغل بالوعظ وبرع فيه وحصل له القبول التام، وكان يعظ في البلاد التي يدخلها، كمصر وحلب وإربل والمدينة النبوية وبيت المقدس وغير ذلك

(1)

. بل ذكر ابن الأبار (ت 658 هـ) عن بعض شيوخه أن امرأة يقال لها رشيدة الواعظة (كانت تجول في بلاد الأندلس، تعظ النساء وتذكرهن، وكان لها صيت واتصاف بالخير)

(2)

.

وكان لمجالس الوعظ هذه أثر كبير ونفع بالغ، لا سيما إن كان القائم بها فقيهًا محسنًا لصناعة الوعظ، وليجر الحديث حتى يتضح الحال في وصف مجلس من هذه المجالس الوعظية المشهورة، وهو مجلس أبي الفرج بن الجوزي (ت 597 هـ)، فقد كانت مجالسه الوعظية في بغداد معلومة ذائعة الصيت جدًّا. قال الذهبي (ت 748 هـ):(وكان رأسًا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق والنثر الفائق بديهًا، ويسهب ويعجب ويطرب ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ والقيم بفنونه، مع الشكل الحسن والصوت الطيب والوقع في النفوس وحسن السيرة)

(3)

. وقال فيه ابن رجب (ت 795 هـ): (وحاصل الأمر أن مجالسه الوعظية لم يكن لها نظير ولم يُسمع بمثلها، وكانت عظيمة النفع، يتذكر بها الغافلون، ويتعلم منها الجاهلون، ويتوب فيها المذنبون، ويسلم فيها المشركون)

(4)

. وكان الناس يزدحمون في مجالسه حتى يضيق بهم المكان، وربما أخذوا أماكنهم من وقت الضحى للمجلس بعد العصر، أو ازدحموا من نصف الليل لمجلسه يوم الجمعة، وحضر الخليفة المستضئ (ت 575 هـ) مجلسه غير مرة، وكان يحبه ويعجبه وعظه، حتى قال فيه يومًا:(ما كأن هذا الرجل آدمي!)

(5)

. وقال فيه

(1)

الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (3/ 426).

(2)

التكملة لكتاب الصلة (4/ 259).

(3)

التكملة لكتاب الصلة (4/ 259).

(4)

الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (2/ 480).

(5)

المنتظم، ابن الجوزي (18/ 230)، وانظر: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (2/ 469 - 480).

ص: 239

الناصح بن الحنبلي (ت 634 هـ): (ولقد كان فيه جمال لأهل بغداد خاصة وللمسلمين عامة، ولمذهب أحمد منه ما لصخرة بيت المقدس من المقدس.

حضرت مجالسه الوعظية بباب بدر عند الخليفة المستضئ، ومجالسه بدرب دينار في مدرسته، ومجالسه بباب الأزج على شاطئ دجلة)

(1)

. ولما وصف الرحالة ابن جبير الأندلسي (ت 614 هـ) دخوله بغداد سنة 580 هـ ذكر كثرة مجالس الوعظ فيها فقال: (لا جرم أن لهم في طريقة الوعظ والتذكير، ومداومة التنبيه والتبصير، والمثابرة على الإنذار المخوف والتحذير، مقامات تستنزل لهم من رحمة الله تعالى ما يحط كثيرًا من أوزارهم، ويسحب ذيل العفو على سوء آثارهم، ويمنع القارعة الصماء أن تحل بديارهم)

(2)

، ثم ذكر شهوده لبعض تلك المجالس وأفاض في وصفها، فمن ذلك قوله في مجلس ابن الجوزي بعد أن وصفه وصفًا مفصَّلًا:(فشاهدنا هولًا يملأ النفوس إنابة وندامة، ويذكرها هول يوم القيامة، فلو لم نركب ثبج البحر، ونعتسف مفازات القفر، إلا لمشاهدة مجلس من مجالس هذا الرجل، لكانت الصفقة الرابحة والوجهة المفلحة الناجحة، والحمد لله على أن منَّ بلقاء من تشهد الجمادات بفضله، ويضيق الوجود عن مثله. وفي أثناء مجلسه ذلك يبتدرون المسائل وتطير إليه الرقاع، فيجاوب أسرع من طرفة عين، وربما كان أكثر مجلسه الرائق من نتائج تلك المسائل، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، لا إله سواه)

(3)

، ثم شهد له مجلسًا آخر بباب بدر في ساحة قصر الخليفة، فوصفه وصف المدهوش به ثم قال: (وما كنا نحسب أن متكلمًا في الدنيا يعطي من ملكة النفوس والتلاعب بها ما أعطي هذا الرجل، فسبحان من يخص بالكمال من يشاء من عباده، لا إله غيره. وشاهدنا بعد ذلك مجالس لسواه من وعاظ بغداد ممن نستغرب شأنه، بالإضافة إلى ما عهدناه من متكلمي الغرب، وكنا قد شاهدنا بمكة والمدينة-شرَّفهما الله-مجالس من قد ذكرناه في هذا التقييد، فصغرت بالإضافة لمجلس

(1)

الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (2/ 482).

(2)

رحلة ابن جبير (194).

(3)

رحلة ابن جبير (198).

ص: 240

هذا الرجل الفذِّ في نفوسنا قدرًا ولم نستطب لها ذكرًا، وأين تقعان مما أريد، وشتان بين اليزيدين، وهيهات! الفتيان كثير، والمثل بمالك يسير!)

(1)

. وكان من أثر مواعظ ابن الجوزي أن بقي الناس ينتفعون بها ويقرؤها العلماء والوعاظ في مجالسهم، فمن ذلك أن أبا الحسن علي بن محمد بن فرحون (ت 746 هـ) كان له ميعاد وعظ كل جمعة بعد الصلاة على كرسي عال بالروضة الشريفة من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقرأ من كلام ابن الجوزي في كتابه ((التبصرة))، فكان بعض الناس يقول: عاش ابن الجوزي للناس!

(2)

.

وكانت مجالس الوعظ هذه تعقد في أوقات متفرقة وأماكن متعددة، حتى يتاح حضورها لمن لم يتفق له وقت أو مكان دون غيره، فوصول الوعاظ إلى الناس مطلب كانوا يحرصون عليه، ولذاك كانوا يتوخون الأوقات التي يتهيأ للناس فيها من الاجتماع ما لا يكون في غيرها كأيام الجمعة، وهذا أمر ملحوظ في سائر بلدان المسلمين شرقًا وغربًا، لما ليوم الجمعة فيهم من اختصاص زائد، ولما يكون لهم فيه من الاجتماع والفراغ

(3)

.

وقد تكلم العلماء في آداب الواعظ والقاص وما ينبغي أن يكون عليه مجلس الوعظ من السمت والشخوع والسكون، وأن يكون الواعظ قريبًا من الناس عارفًا بأحوالهم حتى يكون حديثه ملاقيًا لحاجاتهم، وأن يستعمل في وعظه الحكمة والخطابة والجدل مهما احتاج إلى شيء من ذلك

(4)

، وألا يقطع الواعظ على الناس سبيل التأثر بالعظة بالأسئلة والمناقشات؛ لأن وجودها صارف عن الاستماع وقاطع للتأثر والاتعاظ، إلا أن يدعو إليها داعٍ شامل، إلى غير ذلك من الآداب والرسوم التي جاءت الوصية من العلماء بملاحظًتها واعتبارها

(5)

.

(1)

رحلة ابن جبير (200).

(2)

التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، السخاوي (3/ 254)، وانظر أيضًا: معيد النعم، ابن السبكي (114).

(3)

انظر على سبيل المثال: معجم السفر، أبو طاهر السلفي (202)، الذيل والتكملة، المراكشي (5/ 486)، الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (2/ 526)، وفيات الأعيان، ابن خلكان (3/ 168).

(4)

انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (14/ 327).

(5)

انظر: إصلاح الوعظ الديني، محمد الخولي (181).

ص: 241

لمجالس الوعظ والتذكير ثمرات وفوائد وآثار شريفة، من أهمها ما يأتي بيانه:

1 -

في مجالس الوعظ ترقيق للقلوب وتزكية للنفوس وزيادة في الإيمان، قال أبو الدرداء رضي الله عنه:(كان ابن رواحة رضي الله عنه يأخذ بيدي ويقول: تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا)

(1)

، وقال عون بن عبد الله (ت: بعد 110 هـ): (مجالس الذكر شفاء القلوب)

(2)

، وقال بشر بن منصور (ت 180 هـ):(رأيت من يأتي الفقهاء والقصاص أرق قلبًا ممن لا يأتي القصاص)

(3)

. وذلك أن الموعظة تذكِّر المرء بالحالة التي هو عليها من سرعة تقلب الدنيا وانقضاء أجلها، ودوام الآخرة وبقائها، وأن محله من السعادة والشقاء هنالك بقدر اعتصامه بالشريعة وصيانته لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا، والمرء لا يكون مؤمنًا إلا بالتصديق بذلك غير أن ما يتلبس به الإنسان ويعافسه من أمر الدنيا يذهله عن دوام استحضاره، وقد روي عن القاضي شريح (ت 78 هـ) أنه قال يومًا لمن عنده: أرأيتم لو جاءكم ملك بوحي من السماء، حتى إذا كان بحيث يسمعكم

الصوت افترش أجنحته، ثم قال: يا أيها الناس! {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ

(1)

الزهد، ابن المبارك (2/ 820).

(2)

حلية الأولياء، أبو نعيم (4/ 241).

(3)

حلية الأولياء، أبو نعيم (6/ 241).

ص: 242

تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وأما كنتم فاعلين؟ قالوا: كنا والله متناهين. فقال: فقد جاءكم بها ملك! أكرم ملائكة الله عليكم إلى أكرم أهل الأرض عليه

(1)

.

2 -

في مجالس الذكر استصلاح لأحوال الناس في دينهم ودنياهم، فإن من العلم ما لا ينتفع به صاحبه إلا بشيء من حرارة الموعظة، وربما عرف المرء المسألة فحجبه عن الأخذ بها غلو أو جفاء، حتى يعود بذلك مفتقرًا إلى تذكير وعظة ترده إلى الاعتدال الذي هو سمت الشريعة وقانونها، فمن العظة في الغلو ما جاء عن الإمام أحمد (ت 241 هـ) من أن رجلًا شكا إليه الوسوسة، فقال له: عليك بالقُصَّاص، وما أنفع مجالسهم!

(2)

. ومن العظة في الجفاء ما حكاه حماد بن زيد (ت 179 هـ) فقال: (كان لنا قاصٌّ يقول في قصصه: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام على الهلكة)

(3)

. ومن ذلك ما روي عن كعب الأحبار (ت 32 هـ) من أنه جلس يومًا يقصُّ بدمشق، حتى إذا فرغ قال: إنا نريد أن ندعو، فمن كان منكم يؤمن بالله وكان قاطعًا إلا قام عنا، فقام فتى من القوم فولَّى إلى عمة له كان بينه وبينها محرم، فدخل عليها فصالحها

(4)

.

3 -

في مجالس التذكير تعليم للناس وتفقيه لهم في أمر دينهم، ومن الإشارت اللطيفة التي تتضمن الإلماح إلى هذا المعنى قول ابن الزبير الغرناطي (ت 708 هـ) في ترجمة أبي الحسن عليم بن عبد العزيز العمري الشاطبي (ت: بعد 570 هـ): (وكان حافظًا لمتون الأحاديث، شديد الاعتناء بدينه، يجلس للعامة فيعظهم ويعلمهم دينهم، فينقلبون وقد أحرزوا آمالًا، وأحكموا من التكليفات أقوالًا صالحة وأعمالًا)

(5)

. وقد كان الفقهاء إذا جلسوا مجلس

(1)

أخبار القضاة، وكيع (2/ 221).

(2)

الآداب الشرعية، ابن مفلح (2/ 180).

(3)

الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (725).

(4)

تاريخ دمشق، ابن عساكر (68/ 221).

(5)

صلة الصلة المطبوع مع الصلة لابن بشكوال (3/ 328).

ص: 243

الوعظ تضمنت مواعظهم الفقه والمسائل. فمن ذلك قول عبد الغافر الفارسي (ت 529 هـ) في وصف مجالس الجويني (ت 478 هـ) في التذكير: (وكم من مجلس في التذكير للعوام، مسلسل المسائل، مشحون بالنكت المستنبطة من مسائل الفقه، مشتملة على حقائق الأصول، مبكية في التحذير مفرجة في التبشير، مختومة بالدعوات وفنون المناجاة حضرناه)

(1)

. وقال أبو سعد السمعاني (ت 562 هـ) في عمه أبي القاسم السمعاني (ت 534 هـ): (إمام مفسر، حافظ لمذهب الشافعي رحمه الله، يفتي ويناظر، وكان مجلس وعظه كثير الفوائد والنكت)

(2)

. وقال أبو سعد السمعاني أيضًا في أبي القاسم اللارجاني: (فقيه فاضل مناظر مدقق عارف بمذهب أبي حنيفة رحمه الله، واعظ شاعر أديب، بيني وبينه صداقة ولى به أنس، وكان لا يخل بنوب المناظرة التي في المدرسة العميدية، وحضرت مجلس وعظه يومًا فاستحسنت كلامه في الفقه والتذكير)

(3)

.

(1)

طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (5/ 179).

(2)

المنتخب من معجم شيوخ السمعاني (1/ 307).

(3)

الأنساب (12/ 367).

ص: 244